رواية طوفان الدرة طوفان ودرة للكاتبة سعاد محمد سلامة هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية طوفان الدرة، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.
رواية طوفان الدرة من الفصل الاول للاخير بقلم سعاد محمد سلامة
بإحد قُري محافظة المنيا صعيد مصر
بذاك المنزل الضخم ذو الطراز العصري، على صوت تنبيه هاتفها النقال، بدات تفتح عينيها بتكاسُل فى البداية ثم جذبت هاتفها ونظرت له نهضت، دقاىق بدلت ثيابها بأخري وخرجت من الغرفة تسير بين أروقة ذلك المنزل، قامت بالطرق على إحد الغرف قائلة:
إصحوا الساعة ستة الصبح، كفاية نوم حدانا شُغل كتير لازمن يخلص، جوموا حضروا الفطار، هِمي مِنك ليها.
عادت تسير حتى صعدت الى الدور الثاني، طرقت بخفة على باب الغرفة ثم فتحت ودلفت ببسمة قائلة:
صباح الخير يا “جحة وجدان”… ميعاد دوا الصُداع بتاعك.
إبتسمت لها بأولفة ثم تنهدت بضعف قائلة:
صباح النور يا “شكرية”، والله باخد العلاج فى وقته بالمظبوط، وبرضوا الصداع مش بيسيب راسي ساعات ويرجع تاني… كمان بحس بحرقة فى عِينيا.
تنهدت شكرية بأسف قائلة:
أنا بقول نغير الدكتور ده، وكمان تروحي تكشفي نظر عِينكِ حمرة، مرات أخوي كانت إكده طول الوجت تجول راسي بتوچعني وبدلت فى البرشام لحد ما الصيدلي جال ليها روحي لدكتور نظر ولما كشفت نظر الدكتور قال إن نظرها هو السبب فى الصداع… وصف لها علاج ووصف لها نظارة والصداع راح.
تنهدت وجدان قائلة:
كوثر أختى إمبارح قالتلى كده برضك، قالتلى على دكتور عيون وقولت لها نروح له النهاردة بعد العصر… قبل ما يوصل طوفان المسا عشيه كلمني عالموبايل وقال جاي النهاردة عالمسا.
إبتسمت شكرية قائلة:
إن شاء الله هيكون ده السبب، هروح المطبخ أجول لهم يجهزوا الوكل اللى بيحبه طوفان بيه.
أومأت لها مُبتسمة بتنهيد آسف قائله:
بيجول إنه جاي ليوم واحد بس… زي ما يكون ضيف، بجيت بحس إنه مش طايج(طايق) يجعد إهنه.
تنهدت شكرية بأسف قائلة:
فعلًا طوفان إتغير بعد الحكاية الأخيرة منه لله اللى كان السبب، والله السجن عليه قليل ولو إنك تزعلي مني.
تنهدت وجدان بآسف قائلة بخضوع:
عِندك حق، بس هنقول إيه اللى حصل كان قدر… غلطة صغيرة بسببها مات إتنين… تعرفي اوجات رغم زعلي من غياب طوفان عن إهنه بس بقول إكده أحسن جلبي حاسس إن سكوت عيلة أكيد من وراه هدف، وبالذات بسبب عدم حضور بِتهم (بنتهم) العزا، ده بوها وچوزها برضك… مخافش غير من خُبث الحريم.
سئم وجه شكرية قائلة:
ده لساه بِت بنوت متچوزتش.
تنهدت وجدان بمعارضة:
كان مكتوب كتابهم والفرح كان فاضل عليه أيام بس القدر.
تنهدت شكرية بغصة بنفس الوقت فكرت ثم إبتسمت قائلة:
كل شئ قدر،
بس تعرفي يا حجة وجدان إيه اللى يرجع طوفان يُجعد إهنه
نظرت لها وجدان بإستفسار، فإبتسمت مُستطردة حديثها بيقين:
يتچوز من إهنه، وجتها غصب يرچع كيف ما كان ميغيبش عن إهنه.
فكرت وجدان ثم أومأت مُبتسمة بتفكير سائلة بحِيرة:
تفتكري.
اكدت شكرية:
أكيد، وبعدين ده عدا التلاتين سنة هيفضل عازب لحد ميتي.
اومات وجدان بتوافق:
بس مين العروسة.
إبتسمت شكرية قائلة:
بنات الاكابر يا مكترهم وكل كُبرات البلد لاه المحافظة والصعيد كلياته يتمنوا نسب “طوفان مهران”.
❈-❈-❈
القاهرة بـ شقة فخمة أحد الأحياء الراقية
فتح عينيه يشعر ببعض الأرهاق بسبب الآرق الذي يعيشه بالفترة الأخيرة، بسط يديه يتمطئ
إصتطدمت يديه بتلك الغافية جواره،نظر نحوها سُرعان ما زفر نفسه يشعر بالفتور نحوها…إعتدل نائمًا على ظهره ينظر للا شيء
كأنه شارد الذهن،لكن فاق على لمسات يد تلك التي إقتربت منه بدلال تقترب بجسدها فوق صدره العاري،ثم رفعت رأسها تُقبل عُنقهُ بجرأة،شعور بالفتور ليس غريب عليه يغروه من تلك اللمسات حتى تلك القُبلات التى زادت وهي تقترب من شِفاه،أحاد برأسه بعيد قليلًا،وضعت قُبلتها فوق عُنقه،ثم بدأت تتحسس صدره بيدها،تحاول إستمالته لكن هيهات هي تعلم كم هو شخص بارد المشاعر،لكن قد تنحج إحد تلك المحاولات ويقع بفخ غرامها… وقتها ستنال كُل ما تبغي، وأكثر ما تبغي هو ذاته، لا مانع من المجازفة، رسمت دوائر وقلوب بحركات مُثيرة على صدره، ثم تعمدت ضغط جسدها على جسده، ثم رفعت رأسها تنظر الى عيناه المُظلمة، وتبسمت بدلال وهي تتحدث بتمني:
تيفو…
تهكم بضحكة سخرية قائلًا:
إيه تيفو دي، سبق وقولتلك مش بحب الدلع…
ابتسمت بمكر وهي تُقرب شفتيها من أذنه، وهمست بصوت ناعم:
يعني عايزني أناديك إيه
ضحك بخفة، لكن عينيه ظلتا تراقبانها بحذر، وكأنه يعلم نواياها الخفية… ابتعد عنها قليلًا، قائلًا ل بنبرة جافة:
ناديني باسمي وخلاص، مش محتاج دلع.
لم تتراجع، بل اقتربت أكثر، وكأنها تختبر مدى صبره، أو ربما تتلذذ باستفزازه.. بدهاء وهي تهمس:
بس أنا بحب الدلع.
نظر لها مطولًا، ثم أطلق زفرة ضجر، كأنها باتت معركة صغيرة بينهما، من سيربحها؟
رفع يده وأبعد خصلة من شعرها سقطت على صدره ، ونظر في عينيها مباشرة وهو يقول بهدوء حازم:
وأنا بحب النظام… فخلي بالك.
لكنها لم تكن ممن يتراجع بسهولة… مازالت تحاول قد تنجح فى الوصول الى قلبه… رسمت بسمه وهي تضع يدها فوق موضع قلبه وقالت بتمني حقيقي:
نفسي يكون عندي بيبي منك يا طوفان.
ضحك بعلو صوته للحظات ظنت أنه قد يوافق، لكن بإزدراء أبعدها عن جسده ونهض يجذب سروال داخلى قام بإرتداؤه سريعًا، ينظر لها بعينين تضجان بالسخرية والجمود، مرر يده في شعره بقوة كأنه يحاول استيعاب ما تفوهت به، ثم قال بصوتٍ مبحوح من فرط الضحك:
بيبي… منك إنتِ… ده إنتِ دماغك فيها حاجات غريبة أوي،.
نهضت ببطء من على السرير، لم تتخلى عن ابتسامتها لكنها شعرت بوخزة صغيرة في قلبها من طريقته… تقدمت نحوه بخطوات بطيئة كأنها تخشى أن يهرب منها، ثم وقفت أمامه واضعة يديها على خاصرته، ورفعت وجهها تنظر له بتوسل خفي:
ليه مستغرب.. مش ده الطبيعي.. ولا يمكن أنا اللي مش مناسبة أكون أم لولادك.
نظر إليها بتمعن للحظات، ثم زفر بملل وهو يهز رأسه، نبرته كانت باردة كأنها لم تعنِ له شيئًا:
فعلًا إنتِ مش مناسبة تكوني أم ولادي.
رغم فظاظة رده لكن تقبلت ذلك، وضاقت عيناها بدهاء وهي تميل برأسها قليلًا، قبل أن تهمس بخبث:
إنت عارف إني بحبك وافقت نتجوز عرفي، رغم إنك عارف إني من عيلة لها قيمتها، بس قبلت بسبب رغبتك فى كده، وقولت مسألة وقت و….
ضاقت عيناه للحظة، كأنه لم يعجبه استفزازها، استدار مبتعدًا عنها وهو يلتقط قميصه ويرتديه ببطء راسمًا بسمة برود ثم عاد ينظر لها بإحتداد فظ قائلًا بنبرة جافة:
إنت عارفة آخر علاقتنا بتنتهي بمجرد ما بقوم من جانبك عالسرير،وأعتقد إن المُقابل بتاخديه قبل ما تنامي جانبي عالسرير،فبلاش زيادة أحلام، وطالما بقى نفسك تبقي أم… أنا بقول ننهي الجوازة دي ونقطع الورقتين، وطبعًا هتلاقي اللى يتمني نظرة رضا منك… لكن أنا…
قاطعته بتسرُع وهي تتنازل عن كبريائها في لحظة ضعف، تشبثت بذراعه بيد مرتعشة، وعيناها تتسعان بارتجاف:
لا، متقولش كده أنا مش مجرد واحدة في حياتك بتقضي معاها وقت لطيف عالسرير، إحنا متجوزين، حتى لو كان عرفي.
ارتفع حاجباه بسخرية باردة وهو ينتزع ذراعه من بين أصابعها كأنه يرفض حتى أن يلوثه بلمستها، ثم أردف بنبرة ازدراء:
متجوزين… وإيه بقى قيمة الجواز ده لو ورقتين ممكن يتقطعوا بسهولة.
شهقت وهي تشعر بوقع كلماته كصفعة أحرقتها، حدقت في ملامحه القاسية بحثًا عن أي أثر للمشاعر التي أقنعت نفسها يومًا أنها موجودة، لكنها لم تجد سوى برود قاتل… أدركت الحقيقة التي لطالما تهربت منها… كانت مجرد وسيلة تسلية له، لا أكثر.
عضت شفتها السفلى لتمنع دموعها من الانهمار، ثم رفعت ذقنها بعناد محاولة التماسك، وهمست بصدق:
بس أنا بحبك يا طوفان.
استدار بعيدًا عنها غير مبالٍ، بينما أخذت هي تحدق في ظهره، وهو يُغادر
تاركًا لها المجال لتُفكر، أو ربما لتغرق في صعوبة تحقيق أمنياتها المستحيلة…لكن تيأس.
❈-❈-❈
بأحد مشافي القاهرة الخاصة بالعيون
رغم ذلك الحزن المصبوغ ليس فقط بزيها الأسود، كذالك مرسوم على ملامحها، لكن رسمت بسمة طفيفة وهي تسمع الى ذلك الطبيب الذي يتحدث بآسف:
للآسف المستشفى خسرت دكتورة شاطرة فى مجال العيون، بس مُتأكد المكان اللى هتروحي فيه هيكون فرصته أفضل، بتمني لكِ دوام النجاح والتميُز يا دكتورة فى المكان اللى أختارتيه.
إبتسمت له بدبلوماسية قائلة:
مدحك شرف ليا يا دكتور، وفى أطباء أكفاء دايمًا فى كل مكان، تلاميذ لأساتذة مخضرمين ومُتميزين زي حضرتك.
إبتسم لها وهي تُغادر مُتحسرًا على خسارة المشفي لطبيبة ذات كفاءة…
بينما خرجت تسير بالرواق لكن توقفت حين سمعت النداء
“دكتورة دُرة”
رسمت بسمة وهي تنتظر تلك التى إقتربت منها تلهث قائلة بمرح:
مساء الخير يا دكتورة
كويس لحقتك قبل ما تمشي من المستشفي إتفضلي.
نظرت دُرة الى تلك الحقيبة الورقية الكبيرة سائلة:
ده إيه اللى فى الكيس.
إبتسمت الاخري بحياء قائلة بشُكر:
ده الفستان اللى كنت طلبته منك لخطوبة بنتِ الحمد لله لبسته فى الخطوبة ورفع رأسنا قدام المعازيم، كتر خيرك، أنا غسلته فى المغسلة والله عشان يفضل بلمعته، كتر خيرك يا دكتورة جميلك على راسي.
بغصة قلب تبسمت قائلة:
ألف مبروك لبنتكو، ربنا يتمم لها بخير والفستان أنا قولتلك قبل كده هدية مني ليها، انا مش محتاجاه، خليه عندك ينفعها فى كتب الكتاب، ومعاكِ رقم موبايلي، متنسيس تعزمني فى الفرحه الكبيرة.
تحدثت الاخري قائلة:
ده كتير والله يا دكتورة، والله انا أتشرف بحضورك بس أخاف أتقل عليكِ، هتجي مخصوص من المنيا للقاهرة عشان فرح بنتِ.
ربتت على كتفها بتواضع قائلة:
هاجي، بس إنتِ أوعي تنسي تعزميني.
إبتسمت لها الاخري ونظرت لها بإمتنان وهي تُغادر تدعو لها أن يُسلي قلبها من الحُزن.
❈-❈-❈
ليلًا
بمنزل متوسط الحجم
كانت تجلس بتلك الرُدهة التى تطل على حديقة متوسطة تنظر نحو السماء شاردة إنتبهت حين سمعت:
ماما إيه اللى مسهرك لدوقتي الساعة قربت على واحدة ونص، حضرتك مش بتحبي السهر.
نظرت له ببسمة حزينة قائلة:
مش جايلي نوم، من وقت ما دُرة كلمتني عالموبايل وقالت إنها خلاص خلصت إجراءات نقلها من مستشفى القاهرة لمستشفى الرمد فى المنيا، قولت لها تچي فى القطر قالت إنها مش هتتحمل وقوف القطر الكتير،وهاتجي بعربيتها،حتى قولت لها الطُرق إختلفت،قالتلى هتشغل Gps،واللى يسأل ميتوهش.
إبتسم بألم يعلم سبب خوف والدته من مجئ دُرة الى هنا بعد عِدة شهور من مقتل والدهم وخطيبها،جلس جوار والدته يربت على يدها قائلًا:
متقلقيش يا ماما،دُرة مش هتوه عالطريق،فاكرة وإحنا صغيرين لما كانت بتروح لمكان كانت بتحفظه من أول مرة،وطالما هتجي بالنهار يعني الطريق هيبقي شغال متقلقيش وقومي نامي.
إبتسمت له بغصة،هي لا تخشي عليها من الطريق بل تخشي من مجيئها الى هنا بهذا الوقت،دُرة لم تحضر العزاء ليس لمرضها كما إدعت بل لهدف برأسها،تخشي أن تكون تُفكر فى القصاص والثأر.
❈-❈-❈
بمنزل فخم وكبير مجاور لمنزل طوفان
لم تستطيع النوم لشعورها بالغضب والضجر،تقلبت كثيرًا فى الفراش مما ازعج ذلك النائم جوارها،نهض بغضب وأشعل ضوء الغرفة قائلًا:
“سامية”
بعدين فى الليلة اللى مش هتفوت دي مش هتتخمدي يا ولية فى ليلتك.
نهضت جالسة على الفراش تنبُر وتعوي قائلة بإستهجان:
طبعًا إنت مش حاسس بإبنك المرمي فى الأحداث،وسمعت لحديت طوفان واد أختك وقبلت تجدم ولدي للمحكمة وإتحكم عليه بالحبس،وأها بيجضي شبابه فى السچن،وإنت وواد أختك نايمين فى التكيف.
تنهد بغضب قائلًا بزم وإستهجان:
ولدك يستحق اللى جراله،وإحمدي ربنا لو مش طوفان كان زمانه إتعدم أو عيلة غُنيم ولا بدران جتلوه.
تهكمت بإستهزاء وإستقلال شأن قائلة:
هما اللى غلطوا فى ولدي، وبعدين هما عيلة بدارن حداهم رجالة،ولا واد كريمان عنده نخوة عشان ياخدوا بالتار.
نظر لها بإحتقار قائلًا:
متنسيش عيلة بدران أخو الجتيل ظابط ويقدر يوصي زمايلة فى الداخليه على ولدك، فبلاش تتحدتي إكده جدام خد بلاش طبعك الاستفزازي، وكمان عيلة غُنيم مش شويه، متنسيش كلياتهم برهن إشارة من واد كريمان
فبلاش ترطي بالحديت الفاضي، والمحامي قال إن مجرد ما ما ولدك هيتم الواحد وعشرين سنه سهل يقدم التماس ويطلع من الجضية، كيف ما قال طوفان، يعني طوفان يعتبر وقف بحر دم بتقديمه ولدك للمحكمة، ونامي فى ليلتك لا يمين بالله تباتي وإنتِ مش على ذمتي.
نظرت له كادت تتحدث لكن نظرة عين عزمي اصمتتها، بينما هو نظر لها بحقد وداخله تمني لو أخطات رصاصة وأصابت رأسها وإستراح من غطرستها وحقدها.
❈-❈-❈
فى صباح اليوم التالي
فتح شُرفة غُرفته، وقف ينظر أمامه لبزوغ الشمس من بعيد، عيناه تتجولان حول تلك الاراضي التي تمتد امامه، تلك الأراضي المملوكة له من أجداده وهو زاد من إتساعها لاضعاف، سمع صهيل ذلك الجواد، أبتسم وهو يستنشق ذلك الهواء الحار نسبيًا رغم أنها نسمات الصباح الباكر، لم يُفكر كثيرًا، دلف الى الغرفة وإرتدي ثياب الفروسية وغادر الغرفه مُترجلًا الى أسفل، لكن قبل أن يخرج من باب المنزل توقف حين سمع والدته تنادي عليه، إنتظر حتى إقتربت منه، وقفت تتمعن النظر له حتى إتضحت رؤيتها له وهو بزي الفروسية، تفوهت بقلق:
رايح فين بدري إكده.
أجابها:
هطلع بالفرس أشم هوا البدرية.
ابتسمت والدته رغم قلقها، وتحدثت وهي ترفع يدها لتعدل ياقة قميصه تحت السترة:
إنت مش ناوي تهدى بجي وتريح جلبي وتسمع حديتِ.
ضحك بخفة وربت على يدها بحنان:
بعدين يا أمب،دلوق الفرس مستنيني، والصبحية دي ليها طعم تاني في المزرعة.
زفرت ببطء، تدرك أنه لا شيء يوقفه حين يتعلق الأمر بهدف فى رأسه، ثم أوصته:
طب خليك على مهلك، ومتأخرش عشان الفطار.
أومأ لها برأسه بقبول ثم غادر
نظرت إليه وهو يبتعد، هزت رأسها بابتسامة صغيرة، ثم عادت للداخل تتمتم:
ربنا يحفظك ويهديك يا ولدِ.
❈-❈-❈
على الطريق
لم تُخبر والدتها بميعاد خروجها الباكر وسيرها على الطريق بهذا الوقت كي لا تُثير قلقها، ها هي إقتربت من مشارف البلدة تقود السيارة الخاصة بها، رغم مرور سبع سنوات لم تأتي للبلدة، رغم إختلاف ملامح الطريق، لكن لم تتوه بالطريق، لكن لم تنتبة الى ذلك المطب الصناعي الكبير الموجود على الطريق، لسرعة السيارة لم تنتبه وغصبًا إنتفضت بالسيارة مع علو وهبوط المطب، لم تتمالك نفسها وإهتزت يديها على النقود حاولت السيطرة على السيارة لكن بنفس الوقت سمعت صوت فرقعة قوي، علمت أنه إحد إطارات السيارة قد تضررت، حاولت تطويع السيارة لكن غصبً
فقدت السيطرة على السيارة بالكامل حاولت المراوغة على الطريق لكن الطريق محصور بين جدار خرساني يبدوا أنه لمصنع كبير، والناحية الأخري كانت دوشم خرسانية بنهايتها طريق تُرابي لم تنتبة لتلك الشجرة التى على جانب الطريق، فقدت الأمل فى السيطرة على السيارة كادت تتخذ القرار وتقفز من السيارة لكن نفذ الوقت وإنجرفت السيارة لتصتطدم بتلك الشجرة، إرتج جسدها للخلف لكن سُرعان ما خبطت رأسها بمقود السيارة بقوة فاقدة للوعي فى الحال.
❈-❈-❈
المُتعة الصباحية له
وهو يتسابق فوق جوادهُ مع نسمات الصباح الباكر يتريض بين دروب وأشجار تلك الأراضي الواسعة، لكن اليوم إنجرف بجواده وخرج الى ذلك الطريق التُرابي، صُدفة أو قدر، رأي تلك السيارة التي يرتشق مُقدمتها مع تلك الشجرة، رغم حذره ترجل من فوق الجواد وذهب الى تلك السيارة نظر من خلف زجاج الباب، رأي فتاة تميل برأسها فوق المقود، فكر بحذر ونظر الى الزجاج الامامي للسيارة المشروخ لو لمسه ربما يتهشم لقطع صغيرة،لم يُفكر قام بكسر زجاج الباب بحذر ثم فتح قفل السيارة ورفع رأس تلك الفتاة عن المقود، رأي تلك الدماء التي تسيل فوق جبينها وهي تبدوا بوضوح غائبة عن الوعي، بلا تفكير فك حزام الأمان من حول جسدها وحملها خارج السيارة، وضعها على الأرض على بُعد خطوات من السيارة سُرعان ما سمع صوت سقوط ذلك الزجاج، نظر الى تلك الفتاة المُمددة أرضًا وتلك الدماء، فكر بلحظات جذب وشاح رأسها لحُسن الحظ كان هنالك وشاح آخر أسفله، قام بربطة حول رأسها، ثم بأحد أطرافه حاول إزالة الدماء عن وجهها، ظهرت ملامحها الرقيقة والجميلة بوضوح، شعور غريب سرى بجسده، ربت على وجنتيها حاول إفاقتها لكن لم تستجيب له، تنهد حائرًا وضع يده أمام أنفها، تفاجي بأن انفاسها تكاد تكون معدومة، تصرف سريعًا وضع يديه فوق صدرها يضغط عليه ثم وضع يده مره أخري بالقُرب من أنفها مازالت أنفاسها ثقيلة، دون تفكير فى حُرمانية، وضع شفاه فوق شفتيها وقام بالنفخ للحظات، ثم ترك شِفاها وعاود الضغط على صدرها، حتى سمع سُعالها، لكن مازالت عينيها غافية، عاود التربيت على وجنتيها، لكن كآن عينيها تُجاهد بصعوبه، فكر، ونهض واقفً ذهب الى سيارتها فتح الباب،ونظر داخلها كان الزجاج منثور، رأي مقصده، زجاجة مياة، جذبها بحذر يبتعد عن الزجاج ثم عاد مرة أخري نحو تلك الفتاة، فتح الزجاجة وضع القليل على يده وقام بنثرها على وجهها، لأكثر من مرة، حتى إستطاعت فتح عينينها بغشاوة نظرت له سألة بخفوت:
إنت مين؟.
نظر بعينيها الواسعة كآنه رأي عالمًا خاص لا يرا فيه سوا إنعكاس وجههُ فقط بين مُقلتيها السوداء، سحر خاص جعلها يتذمر بغضب حين أغمضت عينيها مرة أخري.
🌊🌊
↚
كأنها كانت لحظة افاقة ثم عادت لفُقدان الوعي
حاول إفاقتها لكن كأنها مازالت تتمسك بغفوتها، نهض واقفًا أخرج هاتفه، سريعًا دق على أحد الأرقام وانتظر ثواني تمُر كأنها ساعات.. حتي رد عليه الآخر سريعًا حدثه بأمر:
هاتلي عربيتي عند الطريق الخلفي للمصنع بسرعة.
أغلق الهاتف وجثي مرة أخري لاحظ سيل بعض الدماء من أسفل ذلك الوشاح، نهض سريعًا وتوجه الى السيارة بحث عن صندوق الاسعافات الأولية حتي عثر عليه جذبه سريعًا وعاد إليها، أخرج قُطن وشاش ومُطهر طبي، ازاح ذلك الوشاح وإكتشف مكان ذلك الجرح بمنتصف مقدمة خصلات شعرها، سكب المُطهر فوق القطن وقام بوضعها موضع الاصابه برأسها ثم وضع ضماد يضغط عليه بقوة من الجيد أنها غائبة عن الوعي والا لما تحملت الألم… نظر نحو الطريق يترقب وصول السائق بالسيارة، دقائق قليلة مرت ساعات تنهد حين رأي قدوم السيارة حتى توقفت بالقُرب منه، ترجل سائقها وتوجه نحوه بلهفة سائلّا:
طوفان بيه إيه اللى حصل، ومين دي.
نظر له بلا إهتمام قائلًا بأمر :
إفتح باب العربية الخلفي بسرعة.
نفذ السائق طلبه، ثم نظر نحوه كان يحمل تلك الغائبة عن الوعي وضعها بالمقعد الخلفي للسيارة، ثم أغلق الباب وتوجه نحو المقود قائلًا بأمر:
خُد الحُصان رجعه للإستطبل ولو الحجة وجدان سألتك عني قول لها، ظهر أمر ضروري مش هتأخر.
سريعًا غادر بالسيارة بسرعة عالية، حتي أنه لم يسمع قول السائق:
إيدك بتنزف يا بيه.
بعد وقت قليل صرير توقف السيارة كافيًا لإعلان مدي سُرعتها الفائقة، لم يُبالي حتى بعدما ترجل سريعًا وترك باب السيارة مفتوح، عيناه على تلك الغافية بالمقعد الخلفي، فتح الباب وجذبها يحملها بين يديه الى أن دخل الى داخل المشفى صرخ فيمن إستقبله قائلًا:
عاوز دكتورة فورًا.
ثم أكد مرة أخري:
دكتورة مش دكتور.
❈-❈-❈
منزل كريمان
قلق ينهش قلبها منذ ليلة أمس حاولت السيطرة عليه بالصلوات وقراءة القرآن يهدأ قلبها لبعض الوقت ثم يعود القلق… حاولت إلهاء نفسها بتنظيف المنزل بدأت بفتح الستائر للنور والشمس يدلفان الى المنزل،بعد وقت قليل أنهت ذلك جلست تستريح لكن نبض قلبها عاود القلق،فتحت هاتفها وقررت مُهاتفة دُرة،لكن إستغربت رنين الهاتف ولا ترد عليها،زاد قلقها،بنفس الوقت إقترب منها باسل باسمً يقول:
صباح الخير يا ماما،واضح إنك صاحية بدري أوي،ونضفتي البيت وكمان فى طبيخ ريحته صحتني من النوم.. كل ده عشان دُرة،كده أنا هغير منها، وأفكر أروح أقعد أسبوع ولا إتنين فى شقة القاهرة عشان أضمن إن يوم ما أرجع الاقي كل ما لذ وطاب.
إبتسمت له بحنان أموي وجذبت يده فإنحني عليها بسرعة قُبلت رأسه بحنان قائلة:
إنت سندنا يا باسل.
ضمها بحنان وقبل يدها ثم رأسها قائلًا:
إنتِ اللى سندنا يا ماما حتى وبابا عايش كنتِ إنتِ عمود العيلة ربنا يخليكِ لينا، وتبطلي القلق الزايد ده، دُرة آخر مرة قابلتها فى القاهرة قالتلي إنها بتفكر فى الرجوع لهنا عشان مبقتش حاسة بالأمان فى القاهرة، رغم إنها بقالها فترة عايشه هناك لوحدها جنب شقة خالي، بس كان وجود بابا حتي لو بعيد عنها كان محسسها بالأمان ان وقت ما تحتاج له بمكالمة تليفون هتلاقيه جنبها.
غض قلب كريمان بمرارة وهي تشعر بسوء خشية مجيئها ومكوثها هنا لهدف برأسها، تعلم مدى تقارب وتعلُق دُرة بوالدها حتي وهي بعيد عن هنا، كذالك هدم فرحتها قبل زواجها بأيام، تحولت الأفراح المتوقعة الى أطراح حقيقية
❈-❈-❈
منزل طوفان
غرفة بألوان هادئة تدُل على، طبيعة صاحبة الغرفة الرقيقة بطبعها الهادئ، فتحت شُرفة غرفتها التى تطل على منظر تلك الأشجار المُصطفة، رغم أوراقها الخضراء لكن مازالت ثمارها الصغيرة تنمو بلونها الأخضر،ورائحة الليمون المُنبعثة تُعطي إنتعاشًا مع رائحة الريحان الذي نثرها الندى،منظر طبيعي يجعل النفس تصفوا،لكن لفت نظرها ذلك السائق الذي يدلف نحو الإستطبل بجواد طوفان،لفضول او قلق منها،سريعًا بدلت ثيابها،وذهبت الى غرفة والدتها،تبسمت وهي تدلف قائلة:
صباح الخير يا ماما.
أومأت لها وجدان ببسمة حنون:
صباح النور.. يا “جود” إيه مصحيكِ بدري كده إنتِ فى أجازة.
إبتسمت لها قائلة:
نمت بدري وصحيت بدري، بس من شويه وأنا فى البلكونة شوفت السواق داخل بالفرس بتاع طوفان.
إستغربت وجدان ذلك قائلة:
غريبة ده طلع بيه من شوية، حتى جولت لـ شكرية تخضر الفطار على ما هو يرجع، هتصل عليه.
بالفعل جذبت هاتفها الخليوي، وهاتفت طوفان، لكن سُرعان ما أغلق الهاتف دون رد، قلقت قليلًا ثم نظرت لـ جود قائلة:
طوفان قفل الموبايل، خير، خلينا ننزل لتحت نسأل السواج.
بالفعل بعد دقيقتين كان السائق يقف أمام وجدان التى سألته بتسرع:
ليه إنت اللى رجعت الفرس للإستطبل، فين طوفان بيه.
أجابها كما أخبره طوفان دون زيادة بالحديث:
طوفان بيه قالي إنطوفان بيه قالي إنه عنده مشوار ضروري ومش هيتأخر.
عقدت وجدان حاجبيها بقلق، ثم نظرت إلى جود التي شاركتها نفس الشعور بعدم الارتياح. لم يكن طوفان من النوع الذي يغلق هاتفه فجأة أو يترك مسؤولياته دون تفسير واضح.
سألت السائق بجدية:
وقال لك رايح فين.
هز رأسه نافيًا:
لاه… كان مستعجل.
تبادلت وجدان نظرات مع جود، ثم قالت بحزم:
لازمن نعرف راح فين… طوفان عمره ما اختفى كده بدون سبب إكده.
حاول السائق طمىنتهن قائلًا:
هو قال انه مش هيتأخر.
اومئن له برأسهن وهو ينصرف بينما قلب وجدان للحظات يدق بتسارع، وبداخل قلبها شعور فى الفترة الأخيرة بالقلق والخوف الدائم سولء كان بالقريه أو بالقاهرة، تنهدت بغصة، تتمني لو تستطيع الدخول الى عقل طوفان الذي تبدل حاله فجأة حتى قبل تلك الحادثة الأخيرة… أصبح لابد من وضع حد كي يعود وينضبط بوجود زوجة له.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي مهران
على طاولة الفطور
جلست سامية على المقعد المُجاور له كذالك ريان بالمقعد المقابل لها،تنهدت بصوت مسموع رفع عزمي عيناه عن الطعام ونظر لها سُرعان ما زفر نفسه بسأم قائلًا بنبرة إستفسار غاضب:
في إيه عالصبح قالبه وشك.
نظرت له سامية بحاجبين معقودين، ثم ردّت بنبرة ممتعضة:
هو لازم يكون في حاجة مش ممكن الواحد يصحى مزاجه مش رايق وخلاص
ارتشف ريان رشفة من قهوته وهو يراقب الحوار بصمت، بينما وضع عزمي الملعقة بعنف على الطبق، ليصدر صوتًا مزعجًا، قبل أن يتحدث بنبرة إستهزاء مصحوبة بحِدة:
لا يا حبيبتي، مش خلاص اللي عنده حاجة يقولها بدل ما يفضل قالب الجو نكد.
زفرت سامية بضيق، وأشاحت بوجهها وهي تحرك الملعقة في كوبها بلا هدف، بينما تحدث ريان بنبرة صلبة وهادئة وهو يتفحص ملامحها المتوترة:
أنا السبب يا بابا.
نظر له عزمي بنظرة استفسار فاكمل حديثه:
عشان جولت لها إني بفكر أجضي الاچازة مع صحابي “راس شيطان”.
تنهد عزمي هامسًا لذاته:
والله إنت ما محتاج تروح راس شيطان، بيكفي تبص لوش أمك.
بينما ترددت سامية للحظة، ثم نظرت إليه قبل أن تقول بفتور:
أنا طول الليل أحلم بكوابيس وصحيت مش مرتاحة، وإنت تجولي هتسافر مع صحابك وتغيب عني مش كفايه أخوك اللى مرمي فى سچن الأحداث قرب على خمس شهور، هعقد لوحدي بالدار كيف العاقر اللى محدهاش عيال.
رفع عزمي حاجبه ساخرًا وهو يقطّع قطعة من الخبز قائلًا بسخرية:
كوابيس… إبجي أتغطي كويس وكفاية نكد عالصبح، أنا مش موافج إنه يسافر مع أصحابه مش قبل ما النتيجة تظهر ولو ساجط(ساقط) كيف السنة اللى فاتت مش هوافج وهتجضي الإچازة وسط العمال تشتغل زيهم، يمكن تتعلم وعقلك يفتح…مش عارف ناجصك إيه عن زمايلك اللى سبجوك وبجوا فى تانية چامعة،بت كوثر السنة دي فى الثانوية،ومتوكد كيف العادة هترفع راس أبوها وتبجي من الأوائل،صدج(صدق)اللى قال الدنيا حظوظ.
تهكمت سامية بضيق قائله:
وماله حظك،حظك أحسن من غيرك،شوف” حمدين غُنيم”
عشان يدخل بِته كلية الطب باع خمس فدادين اللى إشتراهم طوفان، ياريته ما كان إشتراهم،هما اللى چابوا الهم و وليد ولدي بيدفع تمن نخوته بالأحداث.
نظر لها عزمي بشرر قائلًا:
لو كنتِ ربيتي ولدك مكنش وصل للغباء اللى إتصرف بيه وإدخل فى اللى مالوش فيه،لكن تربيتك الزينة فسدته،زي ما هتفسد ولدك التاني اللى مش حاطط حاجه فى راسه غير المنظرة والفُسح مع الصايعين اللى زييه.
قال ذلك وإنتفض واقفً بغضب يرمي تلك المحرمة فوق الطاولة قائلًا بغضب :
نفسي إتسدت، مش فاضي حدايا الأهم من الجُعاد وسماع النواح والحديت اللى يفور الدم.
لمعت عيناها بالغضب، وضمت يديها في حجرها حتى اشتدت مفاصلها بياضًا، لكنها تماسكت… أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بصوت مبحوح بالكبرياء الجريح:
أنا ربيتهم على الصح، بس العوج اللي اتعلموه كان بره بيتي، من ناس كانوا المفروض يبقوا قدوة، ناس زيك.
التفت إليها بحدة، وتقدّم خطوة كأنه سيقول شيئًا آخر، لكنه توقف، استدار مغادرًا الغرفة بخطوات سريعة حتى لا يتهور ويفتعل
… ويفتعل ما لا يُحسب عُقباه، فالغضب كان يعصف برأسه كعاصفة هوجاء، لكنه كان يعلم أن التفوه بكلمة أخرى قد يشعل النار أكثر مما يحتمل.
أما هي، فظلت جالسة في مكانها، تحاول أن تحافظ على مظهر الثبات، لكن داخلها كان العاصفة ذاتها… قبضت أصابعها على طرف ثوبها، تكتم رجفة تسللت إلى أطرافها.
سمعت هي وريان صوت الباب يُغلق بعنف، فرفعت رأسها، زافرةً أنفاسًا حملت مرارة أكبر مما تطيق… تمتمت لنفسها بصوت لم يخرج من بين شفتيها المرتعشتين:
دايمًا بتمشي قبل ما تسمع للنهاية، ودايمًا أنا اللي أتحمل التهمة لوحدي.
بينما نظرت لـ ريان الذي كأن ما حدث امامه عرضًا بالتلفاز كآن لا شأن به يؤثر، لكن سُرعان ما إبتسم بخباثة وهو يسمع لحديث سامية الداعمة له:
كمل وكلك ومتجلجش هتروح الرحلة مع صاحبك.
لمعت عينيه بزهو وخباثه، فإنتشي قلبها كآنها بذلك تُثبت أنها ذات سُلطة وكلمة مسموعة دون تفكير فى عواقب.
❈-❈-❈
بمنزل متوسط بسيط
وضعت تلك الصبية آخر طبق طعام ثم ذهبت مُسرعة بمرح وقفت أمام باب الغرفة وطرقت الباب قائلة:
أبوي إحنا خلصنا الوكل عالسفرة.
فتح لها الباب سريعًا مُبتسمً بحنان ومد يده ضمها لكتفه قائلًا بمحبة:
صباح الخير يا سُجى..
يسلم يدك إنتِ وإخواتك.
تبسمت له بينما هو نظر خلفه الى تلك الراقدة فى الفراش قائلًا:
كوثر مش هتجومي تفطري معاي أنا والبنات.
نظرت له وهي تشد ذلك الدثار الخفيف عليها قائلة برفض:
لاه مش چعانه دلوق، حاسة براسي تجيلة هكمل نوم، إفطروا إنتم، وأنا لما أجوع هبجي أكُل.
هز رأسه بآسف وضم سُجي بعدما أغلق الباب سار معها نحو طاولة الطعام، جلس بين ثلاث فتيات كُلهن رغم شعورهن بقسوة والدتهن لكن معه تختفي القسوة ويظهر الحنان والدعم منه لهن، يجعلهن يشعرن انهن أميرات.
بعد دقائق دلف الى الغرفة نظر نحو كوثر التى كانت مُستيقظة، تفوه بصوت هادئ لكنه يحمل شيئًا من العتاب:
كوثر مالك ليه مش عاوزة تاكلي معانا.
زفرت بضيق دون أن تُغمض عينيها، ثم فتحهن قائلة بصوت متكاسل:
جولتلك مش جعانة دلوق، وراسي بتوجعني، سيبني أنام.
اقترب منها وجلس على طرف الفراش، مرر يده على جبينها بحنان كأنه يتحسس حرارتها، لكنها أبعدت وجهها قليلًا بضيق تنهد بصبر سائلًا:
كوثر… أنا عارف إنك مش عيانة، بس مش حابب أضغط عليك، بس لو في حاجة مضايجاكِ، جوليلي.
فتحت عينيها أخيرًا ونظرت إليه نظرة عابرة، ثم همست بنفاذ صبر:
مفيش حاجة، بس كيف ما جولت حاسة جسمي واچعني.
تنهد وهو ينهض، لكنه قبل أن يخرج قال بصوت هادئ:
طيب، ارتاحي، ولو احتاجتي أي حاجة البنات موجودة.
خرج تاركًا إياها تتقلب في الفراش، في حين وقفت سُجى عند الباب تراقب والدها، قبل أن تقترب منه هامسة:
بابا… ماما زعلانة.
نظر إليها وابتسم ابتسامة صغيرة، ثم ربت على رأسها:
ماما حاسة بشوية وجع خدي بالك مِنيها إنتِ وإخواتك، وانا مش هتأخر فى الشغل.
لم تقتنع سُجي تمامًا، لكن أومأت لوالدها بهدوء قبل أن ترد بخفوت:
حاضر يا أبوي
راقبته وهو يبتعد متجهًا للخارج، ثم استدارت نحو الغرفة بفضول… بخطوات حذرة، وطرقت الباب بخفة قبل أن تفتحه قليلًا وتطل برأسها:
ماما… عاوزة حاجة؟
لم ترد كوثر فورًا، بل زفرت ببطء وكأنها تحاول تجميع طاقتها للرد بقسوة، ثم قالت دون أن تنظر إليها:
لاء روحي لعبي مع إخواتك.
لكن سُجى لم تقتنع، فتقدمت أكثر وجلست بجوار الفراش، متأملة وجه والدتها الذي بدا شاحبًا… مدت يدها الصغيرة ولمست كفها برقة، هامسة:
ماما… لو زعلانة من ابوي ما تزعليش. هو بيحبك وإحنا كمان بنحبك.
انتفض قلب كوثر لكلمات ابنتها البريئة، فتحت عينيها ونظرت إليها للحظة، ثم ابتسمت رغم الحزن العالق بعينيها، وسحبتها إلى حضنها، قائلة بصوت خافت:
وأنا كمان بحبكوا، يا سُجى.
شعرت الصغيرة بالراحة في حضن والدتها، لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أن هناك شيئًا تخفيه كوثر… شيئًا لم تفصح عنه بعد.
❈-❈-❈
بالمشفى
دلف الى إحد الغرف وهو مازال يحملها، وضعها فوق الفراش
وقف جوار الفراش ينظر الى وجهها الذي رغم وجود آثار للدماء عليه لكن بهي، توقفت عيناه على شفتيها المرسومة تُكمل بقية تناسُق جمال وجهها
سرح للحظات يتأمل وجهها، لكن افاقه رنين هاتفه، أخرجه دون النظر له أغلق الصوت، وبلا شعور منه جلس على طرف الفراش إمتدت يده بلا شعور تسير على وجنتيها ينظر لملامحها توقف إبهامه يتحسس شفتيها برتابة بداخله تنمو رغبة أو شعور بالتمني، شعور
دفين لم يستطع تفسيره، شيء بين التوق والتملُك، بين الشفقة والانجِذاب… عينيه لم تُفارق شفتيها، وكأنهما تهمسان له بسر دفين… إقترب بوجهه من شفتيها وكاد يُقبلها… مرة أخري يتمني تذوق شفتيها… لكن
فاق من شروده على صوت أنفاسها المضطربة، وهمسها بإسم فسره جيدًا
“حسام”
تراجع سريعًا، وكأن يده قد احترقت بلمستها… زفر ببطء، يعاتب نفسه على انجرافه خلف تلك اللحظة… ثم نهض، يعدل من وضع الغطاء عليها، قبل أن يلقي نظرة أخيرة على ملامحها الغافية، لكن لفت نظره بوضوح ذلك الخاتم الذي يتوسط بنصرها الأيسر، شعر بـوخزة غير مفهومة في صدره، إحساس غريب بين الضيق والتوجس.. حدّق في الخاتم مطولًا، وكأنه يبحث عن إجابة خفية خلفه… هل هو مجرد زينة… أم يحمل خلفه التزامًا لم يكن في حسبانه..
قبض يده دون وعي، وأجبر نفسه على التراجع… لا يحق له التفكير في هذا، ولا يحق له الانجراف أكثر… لكن رغم ذلك، بقيت صورة الخاتم مطبوعة في ذهنه، تُثير داخله شعورًا لم يواجهه من قبل.
بنفس الوقت دلفت طبيبة ومعها إحد الممرضات نظرت نحوه لاحظت يده النازفة،تفوهت بامر :
ممكن تخرج بره، كمان إيدك بتنزف ممكن تكون محتاجة عنايه.
نظر نحو ظهر يده وتلك الدماء السائلة، كآنه لم يشعر بذلك الجرح الذي للتو شعر ببعض الألم، دون جدال مع الطبيبة خرج ذهب نحو غرفة الطوارئ، بلحظات دخل طبيب وبدأ يعتني بيده حتى إنتهي قائلًا:
واضح إنك من الناس اللى بتقدر تتحمل الألم، إنت رفضت أحطلك بنج موضعي، رغم
الجرح كبير حداشر غرزة، حاول تتجنب وصول الماية لايدك،كمان هكتبلك مضاد حيوي، غير الغيار الجرح يوميًا بإنتظام
أومأ له دون حديث وغادر الغرفة توجه الى تلك الغرفة مره أخري، دلف مباشرةً، كانت الطبيبة تنتهي من وضع ضماد حول رأس الغائبة عن الوعي، نظرت ليده المُضمدة،بينما هو سألها:
إيه حالتها بالظبط.
اجابته بعملية:
فى جرح كبير فى راسها واضح إنه نزف كتير،وده السبب إنها مُغمي عليها،كمان فى خبطة فى صدرها،واضح لها أثر ممكن تكون سببت لها ضيق تنفس،بس الخالة مش خطيرة،ممكن بكرة او بعده بالكتير تخرج من المستشفي…هي دلوقتي تحت تأثير البنج،بس كام ساعة وتفوق.
أومأ لها برأسه لكنه تفاجئ من قول الطبيبة:
هي تبقي مرات حضرتك.
لوهلة إتسعت عيناه وظل صامتً…مما جعل الطبيبة تشعر بالحرج وتنحنحت وخرجت من الغرفة ومعها المُمرضة،بينما هو ظل لحظات ينظر لها يشعر بشفقة… بذلك الوقت عاود رنين هاتفه، أخرجه من جيبه ونظر له، تنهد
بعُمق قبل أن يجيب بصوت منخفض:
مساء الخير، يا أماي.
بلهفة سألته:
جولي ليه مكنتش بترد عليا وليه السواج رچع بالفرس.
أجابها ببساطة:
شغلانه مهمه طرأت وكان لازم أكملها بنفسي.
بقلق سألته:
شغلانة إيه دي.
رد بصبر:
شغلانه خاصة بالمصنع، خلاص إنتهت، ومش هتأخر، لازم أقفل الخط دلوق.
بتنهيد مُضطرب، أغلقت الهاتف وهي تشعر أن هناك شيئًا غير مريح في نبرة صوته… لم يكن كعادته، رده مختصرًا أكثر من اللازم، وكأنه يريد إنهاء المكالمة سريعًا… مررت يدها على جبينها وهي تفكر، هل عليها تصديق ما قاله، أم أن هناك ما يخفيه عنها؟ ولماذا عاد السواق وحده… حاولت طرد الوساوس من رأسها، لكن قلبها ظل يشعر بالقلق، وكأن حدسها يصرخ بأن هناك ما هو أبعد من مجرد شغلانة انتهت..وتقبلت إنهاؤه السريع للمُحادثة بينهم .
أنهى المكالمة وهو يشعر بثقل غريب في صدره، عاد ببصره إلى تلك الغافية، ثم اقترب منها قليلًا وهمس بصوت مسموع:
ليه راجعة لهنا تاني دلوق يا….
“دُرة مُختار غُنيم”.
❈-❈-❈
بعد وقت بالإستقبال الخاص بالمشفى
وقف طوفان يدفع تكاليف المشفي دون ذكر إسمه كذالك يُعطي للموظف بطاقة هاوية خاصة بـ دُرة، وأخبرهم برقم الهاتف كذالك طلب منهم الإتصال بذويها وإخبارهم بوجودها فى المشفي… بالفعل تم ذلك
بمنزل كريمان
شعور قلبها بالقلق لم يكُن مجرد شعور خاطئ بشيء بل كان شعور حقيقي بالسوء الذي حدث لـ دُرة
مُكالمة هاتفية وصلت الى المنزل بوجودها بإحد المشافي، لم تنتظر وقت، وها هي مع باسل ومعهم ثالث يدلفون الى المشفي بقلق عارم…
بنفس الوقت من باب آخر للمشفي كان يُغادر طوفان.
❈-❈-❈
ليلًا
فجأة أثناء نومه سطع ضوء بالغرفة داعب عيناه بقوته، فتح عينيه فى البداية بغشاوة، حتى إستطاع تقبل سطوع الضوء، إتسعت عيناه قائلًا بذهول:
” حسام”
لكن سكت أو بالأصح كأنه فقد صوته وهو يسمع نعت الآخر له بعيون تفيض غيظً مُكررًا إتهامه له:
خاين… خاين يا طوفان… إنت السبب… موتي في رقبتك، ولسه فاكر إنك هتهرب من اللي عملته، والسبب إنت عارفه، مُتأكد دُرة راجعة هي اللى هتقدر تُقف قدام” طوفان الخاين”.
↚
دخلت الى تلك الغرفة، تبسمت حين رأت
فُستان عروس،إقتربت منه حاز على إعجابها،بلحظات كانت ترتديه شعرت بنعومة القماش ينساب على جسدها، والتطريزات اللامعة تعكس الضوء كنجوم صغيرة تحيط بها… استدارت ببطء أمام المرآة، تتأمل انعكاسها بدهشة وكأنها ترى نفسها لأول مرة…
رفعَت يدها تتحسس الدانتيل الناعم عند كتفيها، تساءل عقلها بصمت:
مين اللى جاب الفستان ده هنا.
لم تمضِ في تساؤلاتها طويلًا، حين فُتح الباب فجأة، وامتزج صوت صريره مع بسمة أفلتت منها…وهي تدور بسعادة قائلة:
إيه رأيك فى الفستان يا بابا.
وإشارة من يده مع بسمة تصف مدى جمالها قبل جمال الفستان عليها، ذهبت نحوه وكادت تضمه لحظات ويتبدل، لكن شهقة مكتومة ونظرة ذهول، وهي
ترا إنعكاس يبتعد عن باب الغرفه، ووالدها ينهار جسده أرضًا مُتأثرًا بتلك الرصاصة التى إخترقت منتصف رقابتهُ، صرخ عقلها غير مستوعب وهي تهبط جالسة جواره تبكي عينيها تستجدي الواقع أن يكون كابوسًا، أن يعود الزمن لحظة للوراء، أن ينهض والدها ويمسح دموعها كما اعتاد، لكن الدماء المتدفقة على الأرض أكدت لها أن الموت لا يُعيد أحدًا…
ارتجفت أصابعها وهي تحاول إيقاف النزيف المستحيل، أنفاسها تتسارع، قلبها يدوي في صدرها كطبول حرب، بينما انعكاس المرآة خلفها يرسم صورة الرعب.. ظل قاتم يقف عند الباب، حيث سقط والدها…رفعت رأسها ببطء، وعيناها تلتمعان بالرعب والغضب، لترى إنعكاس ظل يقترب وفوهة مسدس ما زالت مصوبة، ودخان البارود يتلاشى في الهواء… لم تتحرك، لم تصرخ…
كأنها في عُزلة الدموع والدماء، وفستان العروس الأبيض الذي أصبح دمويًا، وهمهات والدها الأخيرة وهو بالكاد يُحرك شفتيه، وكلماته الأخيرة كأنها وصية لها
“الأرض… طوفان… طوفان… الأرض… رجعيها”
فجأة فتحت عينيها وهي تشهق لم تشعر وهي تنطق بلوعة قلب:
بابا….
لوهلة إنخضت كريمان التي كانت تمكُث معها بالغرفة، نهضت حين سمعت همسها وأقتربت من الفراش ربتت على وجه دُرة حنان وعيناها تتجمع بهن الدموع، وهي تُربت على وجنتي دُرة التى فتحت عيناها اللتان تسيل منهن الدموع دون دراية منها، جففت كريمان تلك الدموع وجلست جوارها على الفراش تضمها لصدرها، تُربت على ظهرها قائلة بتحريض:
إبكي يا دُرة هترتاحي.
إمتثلت لتحريضها تبكي، شهور مضت كانت تلك الدموع حبيسة بين جفنيها، لكن حتى مع تلك الدموع مازالت لا تجد الراحة، بل زاد الأسي والقسوة فى قلبها، وعقلها يُعيد نهاية ذلك الكابوس
“الأرض…طوفان…رجعيها”
ذلك إشارة من والدها،تذكرت بأخر لقاء لهما قبل مقتله،لمح لتلك الرغبة إستراد تلك الأرض التى كانت هي السبب فى بيعها، عادت من أجل إستراد تلك الأرض،أول أهدافها.
❈-❈-❈
-خاين يا طوفان
مازال صدى الصوت يتردد
نظر نحو يشعر بعيونه يفيض منها الندم،لكن تجبر بالرد:
عمري ما كنت خاين يا حسام،إفتكر كويس مين اللى خان من البداية،وكذب وإنت عارف كان نتيجة كذبك، أنا اللى خِسرت، فوق يا حسام بلاش تعيش دور الضحية.
نظرات عين حسام غير مُبالية وهو يبتسم كأنه يتشفي بإثارة غضب طوفان…
سادالصمت بينهما، الهواء أصبح مُمتلئ برائحة الخيانة والخذلان… رمش حسام ببطء، ثم رفع زاوية شفتيه بابتسامة لم تصل لعينيه، ابتسامة ساخرة كأنها نصل خنجر يُغرس في صدر طوفان ببطء، ثم تهكم قائلًا ببسمه بلا مشاعر:
خِسرت….. أنا كنت بكسب في رأيك.
تقدم طوفان خطوة، ثم همس بصوت خفيض لكنه يحمل قسوة الجبال:
اللي خسر فعلًا… هو اللي واقف قدامك دلوقتي وهو مش قادر حتى يعترف إنه ادمر.
توقف طوفان يشعر بتيار بارد يجتاحه، لكنه لم ترمش عيناه يُحدق فيه بثبات… لكن بداخله يشعر بشيء ينهار ، الجُدران الذي ظن أنه شيدها حول قلبه بدأت في التصدُع.
لكن نفض عقله ذلك وتلك الابتسامة التى فوق شفتي حسام، قاسية وكلماته قاضية:
“دُرة” رجعت وهتاخد منك تار الخيانة.
إنتفضت عيناه وفتحهما باتساع، يشعر كأن جسده تجمد لثوانٍ وهو يحدق في ظلام الغرفة لحظات، نهض من فوق الفراش يشعر بمشاعر غير مفهومة، لما تلك المواجهه بينه وبين حسام، أزاح الستائر قليلًا، مازال ظلام أول الليل،همس عقله بلا وعي
“دُرة…”
الاسم وحده كان كفيلاً بإشعال دوامة كاملة من الذكريات، من الندم، من ذلك الألم الذي أقنع نفسه أنه دَفنه منذ زمن بعيد… لكن لا… لم يُدفن شيء، كل ما فعله هو أنه دفن نفسه داخله، وترك الزمن يمر ليغطيه بطبقة زائفة من النسيان.
والآن… ها هو الماضي يعود، ليس كذكرى، بل كحقيقةٍ حيةٍ تتنفس وتستعد للانتقام، وكأن عقله يتمرد يرفض الإستسلام لفكرة أن الزمن قد يكون طوي صفحة الماضي … أو ربما لم يكُن يرغب فى المواجهة الثانية.
❈-❈-❈
باليوم التالي
صباحً
بمنزل طوفان
على طاولة الفطور
نظرت وجدان الى يد طوفان المُضمدة مازالت لا تُصدق أنها مجرد إصابة بالخطأ، بنفس الوقت دلف عليهم عزمي باسمً يُلقي الصباح… تبسمت له وجدان ظل يتجاذب الحديث معهم الى أن وصل الى قوله:
سمعتوا الخبر اللى داير فى البلد من عشية إمبارح.
باستفهام سألته وجدان:
خير.
أجابها مستهزءً:
بيجولوا بِت “مُختار غُنيم”رجعت للبلد.
خفق قلب وجدان بقلق وبتلقائية نظرت نحو طوفان الذي كأن الحديث لا يهمه،بينما إستطردت عزمي الحديث بنبرة شماتة:
تجولي النحس راچع معاها،بيجولوا عملت حادثة على أول الطريق الترابي اللى أول البلد،كانت جاية سايجة عربية لحالها،عاوزه تبين إنها متفرقش عن الرچالة وبتسوق عربيات يظهر جعادها فى مصر وحدها دخل براسها إنها إكده تبجي كيف الرچالة، أها جت على راسها وبيجولوا بايته فى المستشفي.
لوهلة غص قلب وجدان، وسألته:
وحالتها خِطرة.
هز عزمي رأسه بنفي قائلًا:
مش عارف والله ده الكلام اللى وصلني…كمان فى حديت تاني وصلني عنها مش عارف ده صوح ولا أوشاعات.
نظر له طوفان بصمت، بينما سألته وجدان:
وإيه هو الحديت التاني ده.
أجابها ببساطة:
بيجولوا إنها هتتجوز من سِلفها أخو چوزها، جصدي اللى كان خطيبها….
إنتفض طوفان ونهض بغضب قائلًا بتعسُف:
انا رايح المكتب لما تخلص رط (رغي) فى حديت النسوان إبجى حصلني حدانا شُغل أهم من حديت الحريم اللى مالوش عازه.
غادر طوفان بينما نظر عزمي لـ وجدان التى تتبع طوفان بعينيها وجال بعقلها خاطر سُرعان ما نفضته وإنتبهت لبقية حديث عزمي السافر.
❈-❈-❈
بالمشفي
عصرًا
بالإستقبال
إستغرب كل من باسل وحاتم حين أخبرهم أن تكاليف المشفي بالكامل سُددت، تسائل الأثتين معًا عن هوية من دفع التكاليف.
رد المسؤول:
بصراحة مقالش إسمه هو دفع التكاليف كاش وقال الفاتورة تطلع بإسم المُصابة.
إستغرب الإثنين ثم سأل حاتم:
مش فاهم ليه هو مش عاوز يقول هو مين ختي عشان نرد له التكاليف، كمان نشكره إنه ساعد المُصابة.
أجابه المسؤول:
معرفش والله.
سأل باسل:
طب هو شكله إيه، مش ممكن توصفه لينا.
أجابه المسؤول:
للآسف أنا جديد فى المستشفى ومش من النواخي دي، وبصراحة مركزتش معاه.
زفر حاتم نفسه وهو يرفع رأسه يتجول بعيناه بالمكان لاحظ وجود بعض الكاميرات الخاصة بالمراقبة فتنهد قائلًا:.
كاميرات لمستشفى أكيد بتسجل …اللي بيحصل، يعني كل حاجةموثقة.
توقف للحظات وهو يمرر يده في شعره بتفكير، قبل أن يلتفت إلى الموظف وسأله:
ممكن أشوف التسجيلات.
لم يتردد المسؤول قليلًا قبل أن يرد:
دي حاجة لازم إدارة المستشفى توافق عليها.
شدد حاتم من نبرة صوته قائلًا:
أنا ظابط شرطة، والأمر ضروري، ولو الإدارة محتاجة إذن رسمي، أنا ممكن أوفره.
أومأ المسؤول بتوتر قبل أن يشير له إلى مكتب المسؤول عن الأمن في المستشفى.
غادر باسل وحاتم، بينما ترقب المسؤول حتى إبتعدا ودخلا الى غرفة الأمن وقام بإتصال خاص.
بينما دخل باسل وحاتم الذي أخرج هويته وأعطاها للمسؤول الذي رحب به، كذالك فعل له ما طلبه وأخرج سجلات الكاميرات الخاصة بذلك الوقت… إستغرب بل ذُهلا الإثنين تسجيلات الكاميرات لا توضح سوا صورة غير واضحة تمامًا، كأن هناك تشويشًا متعمدًا أو خللًا تقنيًا أصاب الكاميرات في تلك اللحظة تحديدًا.
تبادل باسل وحاتم نظرات سريعة قبل أن يسأل باسل بصوت منخفض:
ده طبيعي.
نفي حاتم رأسه بإستغراب بينما وضح
المسؤول عن الأمن متخدثً بتوتر غير ملحوظ:
بصراحة لأ، الكاميرات بتشتغل كويس طول الوقت، وده مش مرة يحصل فيها عطل بالشكل ده…بيبقي عُطل بسيط.
ضيق حاتم عينيه بتفكير قبل أن يسأل:
مين آخر شخص كان له وصول مباشر للكاميرات أو لغرفة المراقبة.
المسؤول ابتلع ريقه قائلًا بثبات:
الأمن الداخلي بيتابعها، لكن أي تعديل أو مراجعة بتكون عن طريق الإدارة الفنية للمستشفى.
قاطعه باسل بحدة:
عايز قائمة بأسماء أي حد كان ليه تعامل مع الكاميرات إمبارح.
أومأ المسؤول سريعًا وبدأ في البحث عن الأسماء، بينما تبادل باسل وحاتم نظرة أخرى… هناك شيء غير طبيعي يحدث هنا… لو بظروف أخري كان تقبلا ذلك.
بعد قليل بغرفة دُرة
إنتهت الطبية من مُعاينة دُرة وتبسمت لها قائلة بخطأ غير مقصود:
واضح إن زوج حضرتك مهتم بيكي جدًا.
تفاجئت درة ، وتحدثت لتُصحيح الموقف:
بس انا مش متجوزة، قصدي زوجي توفي من فترة.
تعجبت الطبيبة من ذلك وتحدثت مُعتذرة:
آسفة، بس الاهتمام اللي شُفته في عيونه كان واضح أوي، افتكرت إنه جوزك… عالعموم
حمدالله على سلامتك يا مدام.
أومأت دُرة رأسها بشعور مُتداخل بين الدهشة والإستفسار ، لكنها تماسكت سريعًا حين دخلت كريمان للغرفة التى شعرت بضيق من نعت الطبيبة لـ دُرة بـ “٠مدام”ودت ان تقول لها أنها لم تتزوج،بينما ردت دُرة بصوت هادئ:
شكرًا، الله يسلمك.
راقبت الطبيبة وهي تبتعد، لكن كلماتها ظلت تتردد في ذهنها، تُثير بداخلها مشاعر متناقضة،تود معرفة ذلك الشخص الذي يبدوا اهتمامه بها كان واضحًا لهذه الدرجة،نفضا ذلك ورجحت أن الطبيبة قد تكون أساءت الفهم.
تنفست بعمق وهي تحاول تهدئة دقات قلبها التي تسارعت دون سبب واضح، ثم استدارت نحو كريمان التى نظرت لـ يد دُرة زفرت نفسها بهدوء عكسي حين رأت خاتم الزواج بيدها اليُسرى، يحق للطبيبة نعتها بذلك اللقب، لكن أرجأت حديثها لوقت آخر وتحدثت:
خليني أساعدك تلبسي الطرحة، باسل وحاتم زمانهم خلصوا إجراءات خروجك من المستشفى.
اومأت لها بقبول، بينما بإستفسار سألت كريمان رغم لومها :
عملتي اللى فى دماغك وجيتي بالعربية كمان ياريت بالنهار، الحمد لله إنها عدت على خير، الله أعلم لو كان الشخص اللى جابك المستشفى كان شخص غير أمين كان عمل فيكِ إيه، ويمكن كمان كان خاف من المسئولية وسابك تنزفي لحد ما…
توقفت تنفض التفكير السئ،لكن إستطردت حديثها:
متعرفيش هو مين.
تقبلت لوم كاريمان تعلم ان ذلك نابع من قلقها،وهزت رأسها بنفي:
لاء…هعرفه منين،أنا مش فاكرة غير مطب ورا المصنع مخدتش بالى منه وهو اتسبب فى فقد السيطرة عالعربية وبعدها مش فاكرة غير شوية غشاوة مش متفسرة،عالعموم زمان باسل وحاتم عرفوا مين البطل اللى انقذني وأبقي قدمي له شُكر خاص.
نظرت لها كاريمان بغضب وكزتها فى كتفها بغيظ قائلة:
بتتريقي عليا وماله.
غصبً تبسمت دُرة وهي تتأوه بألم بسبب وجع ضلوع صدرها،خفق قلب كاريمان من ذلك،بينما قالت دُرة بتطمين:
ده وجع بسيط بسبب كدمة يمكن بسبب الدريكسون خبط فى ضلوعي.
تنهدت كريمان بقلق واضح وهي تنظر إليها بحنو، ثم قالت بصوت مُحذر:
الموضوع مش هزار يا دُرة، إنتِ كنتِ بين الحياة والموت، وأنا مش قادرة أتصور لو كان حصل لك حاجة.
قاطعتها دُرة بابتسامة مطمئنة، رغم الألم الذي كان يضغط على صدرها:
أنا بخير يا ماما، وعدت على خير… المهم دلوقتي نخرج من هنا ونرجع البيت.
رغم أنها حاولت تهدئتها، إلا أن كريمان لم تفوت الحِيرة والفضول الذي مر في عينيها… هل كان بسبب حديث الطبيبة؟ أم بسبب ذكر الرجل الذي أنقذها؟
تنهدت كريمان مجددًا وهي تساعدها في ضبط حجابها، وتحدثت بفضول:
أنا عندي فضول أعرف مين البطل ده، مش بس عشان أشكره،مش عارفة ليه قلبي مش مطمن.
تنهدت دُرة ببساطة قائلة:
عادي يا ماما،معرفش ايه سبب قلقك… شخص شاف حد في أزمة وساعده،مجرد مساعدة…. ليه مكبرة الموضوع.
لكن كريمان لم تقتنع بسهولة، لكن تقبلت ذلك، بينما
دُرة إستنشقت قدر الهواء لثوانٍ، تحاول أن تبدو غير مبالية، لكن عقلها لم يستطع الهروب من الفكرة… هل يعقل أن يكون شخصًا تعرفه؟ أم أن والدتها تبالغ كعادتها.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
صباحً
بمنزل طوفان
إنتهت من إرتداء ثيابها،وترجلت لأسفل،ذهبت نحو تلك الغرفة التى تجلس بها وجدان،دلفت مُبتسمةحين رأت كوثر تجلس مع والدتها رحبت بها قائلة:
كيفك يا خالتي منورة.
نظرت لها كوثر ببسمة مُصطنعة سائلة:
لابسه إكده ليه إنتِ خارجة.
إبتسمت لها قائلة:
أيوه يا خالتي،المحل اللى بشتري منه أدوات الرسم إتصل عليا وقالى إن وصلهم الالوان والفرش اللى كنت طلبتهم منه.
قاطعتها كوثر بنبرة اهتمام:
طب ما كنتِ طلبتي منه يوصلهم لهنا بدل ما تروحي بنفسك.
ضحكت جود برقة وهي تجلس بجوارها:
طب ليه المحل مش بعيد،كمان بس أنا بحب أشوف الألوان بعيني، وأحس بيها قبل ما أشتريها… ده غير إني كنت محتاجة أخرج شوية وأغير جو… من وقت إمتحانات الجامعة مخرجتش.
هزت كوثر رأسها بتفهم، ثم تأملتها بنظرة متفحصة قبل أن تُعلق بمرح يطوي الخُبث:
بس لبسك شيك أوي، تحسي كأنك رايحة تجابلي حد مش رايحة تشتري ألوان وفُرش.
ضحكت جود وهي تتظاهر بالاندهاش:
و هو لما اروح أجيب ألوان أبقى لازم أبقي بهدوم البيت؟ يعني لازم أكون مهملة في لبسي.
قهقهت كوثر بنزق، ثم قالت بمكر:
مش قصدي كده، بس يعني… هو في سبب تاني للخروج غير الألوان.
شعرت جود بالخبث من أسئلة كوثر، فقالت:
لاء مفيش سبب غير الألوان، أنا كنت جاية أستأذن من ماما.
تبسمت لها وجدان بنظرات متفهمة مليئة بالدفء قائلة:
خدي العربية بالسواج معاكِ عشان متتأخريش.
إبتسمت جود وغادرت،بينما كوثر راقبت مغادرتها ثم نظرت لـ وجدان بلوم قائلة بنبرة تشكيك:
بسهوله إكده تسبيها تخرج،إحنا فى زمن بنسمع بلاوي … الله أعلم صحيح خارجه بسبب حقيقي… ولا يمكن رايحه تجابل حد تاني…وبتتحجج بالالوان…. بِتك مش بِت أي حد، دي أخت “طوفان مهران”والناس بجت نفوسهم طماعة.
نظرت لها وجدان بإستهوال قائلة:
حديتك صح، بس برضك انا واثجة فى جود، مش بتكذب عليا.
نظرت لها كوثر ولوت شفتيها بسخط، ثم أدارت دفة الحديث قائلة:
كمان طوفان وعيشته إكده فى مصر كتير مش خايفه تلوف عليه مصراوية تتمرقع جدامه وتشغل عقله وتخطفه ويعيش إهناك، وينسي إهنه، لازمن تكوني زكية، هو مبجاش صغير، المفروض تشغليه بصبيه من إهنه عشان تضمني إنه يرجع لإهنه دايمًا.
تنهدت وجدان قائلة:
والله فاتحته بالامر ده، وجالى إنه مشغول الفترة دي،…
قاطعتها كوثر بتصميم:
هو جالك إكده وانتِ إستسلمتي، يبقي متزعليش بجي لما تلاقيه داخل عليكِ بمصراوية ويجولك مرتي…إسمعي حديتِ وإشغليه بصبية من إهنه.
تنهدت وجدان بقلق قائله:
يعني أخطب له من وراه وأفرضي طوفان موافجش أصغر نفسي جدام الناس.
تفوهت كوثر ببساطة:
تصغري نفسك ليه، إنت هتروحي لحد غريب.
ضيقت وجدان عينيها بإستفهام سائلة:
جصدك مين؟.
أجابتها كوثر:
بِتِ سُجى.
نظرت لها وجدان بذهول مُرددة:
سُجى.
نظرت لها كوثر قائلة بتأكيد:
أيوه سُجى بنتِ، ولا متلقش بالمجام.
نفضت وجدان الذهول وأجابتها:
سُجى مجامها عالي، بس دي صغار جوي على طوفان، ده أكبر مِنيها بأكتر من إتناشر سنة كمان يادوب خلصت الثانوية العامة ولسه جدامها الچامعة.
تهكمت كوثر قائلة:
وماله ده كلياته مش عيب، اها يشكلها على كيفه، والجامعه مش صعبه تدخل اي كلية نظرية أربع سنين وتتخرج.
نظرت لها وجدان بذم قائلة:
بس سُجى شاطرة فى المدرسة وبتجول نفسها تبجي دكتورة، بلاش تهدمي أحلامها، كمان متوكدة إن طوفان مش هيوافج هو بيعتبرها زي جود أخته الصغيرة.
حاولت كوثر التظاهر بعدم التأثر، فردت بصوت هادئ لكنها تحمل نبرة دفاعية:
ـأنا مجولتش حاجة وحشة، بس بنجول اللي شايفينه.. طوفان راجل، وسُجى بنت صغيرة، بس الأيام بتغير كل حاجة.
رفعت وجدان حاجبًا بسخرية، وأجابت بثقة:
الأيام بتغير حاجات، بس مش كل حاجة، خصوصًا اللي متأسس على الاحترام والأخوة.
قطبت كوثر جبينها قليلاً، لكنها لم تجد ما ترد به، فاكتفت بزفرة صغيرة وهي تلتفت للجهة الأخرى، بينما تركت وجدان الحوار وهي تشعر بأنها وضعت حدًا لهذا الحديث الذي لم يعجبها من البداية.
شعرت كوثر بالحرج لكن أخفت ذلك، بينما شعرت وجدان بالاسف من تفكير كوثر القديم.
❈-❈-❈
بأحد المحلات الخاصة بادوات الرسم والألوان
فرحت جود بتلك المجموعة التى حصلت عليها سواء من الالوان والفُرش، كذالك الأوراق الفاخرة التي اختارتها بعناية، كانت تشعر بسعادة غامرة وهي تمرر أصابعها فوق ملمسها الناعم، وكأنها تلامس أحلامها التي بدأت تأخذ شكلًا ملموسًا… ابتسمت بحماس وهي تضع المشتريات في صندوق ورقي، ثم التفتت إلى البائع قائلة:
عندكم ألوان زيتية جديدة؟ سمعت إن فيه درجات جديدة نزلت.
أومأ البائع برأسه وأخرج لها علب صغيرة قائلاً:
أيوه، دي مجموعة درجات مميزة، وبتناسب كل أنواع القماش والخشب.
أخذتها جود بحماس، وتفحصت الألوان بعينين لامعتين قبل أن تقول:
دي بالضبط اللي كنت بدور عليها.
تبسم لها البائع من لمعة عينيها شعر الرسم بالنسبة لها أكثر من مجرد هواية، هو بالفعل ذلك هو وسيلتها للتعبير عن مشاعرها التي لا تستطيع صياغتها بالكلمات… اليوم، وهي تحمل تلك الأدوات الجديدة، شعرت كأنها طفلة وحصلت على هدية ذات قيمة عاليه.
تبسمت للبائع قائلة:
تمام شوفلي حساب المواد دي قد ايه.
قال لها قيمة الحساب، فتحت حقيبتها، لكن تفاجئت المبلع السائل معها أقل بكثير، أخرجت تلك البطاقة البنكية قائلة:
للأسف مش معايا المبلغ اللى قولت عليه بس معايا كريدت ممكن تسحب قيمة المشتروات دي.
تنهد البائع بآسف قائلًا:
للاسف مش بنقبل غير كاش، بس فى ماكينة سحب فلوس على أول الشارع تقدري تروحي تسحبي منها وترجعي تدفعي.
أومأت له مُبتسمة قائلة:
تمام مش هتأخر.
سارت لبضع دقائق وتوقفت أمام تلك الماكينة الخاصة بسحب النقود… لكن لسوء الحظ كان هنالك زحام بعض الشئ إضطرت للوقوف، حتى إقتربت من الماكينه، لكن دلف أحدهم أمامها وقف، لحظات قبل ان يتهجم أحد الواقفين بغضب، إضطر لقول:
معليشي يا جماعة أنا ظابط فى الداخلية ومرتبي كبير هاخده على مراحل بس متقلقوش أكيد الماكنه فيها فلوس هتكفينا كلنا.
لم تُخفي جود بسمتها حين التزم ذلك الشخص الذي كاد يتهجم، لكن زفرت نفسها، بسبب الحرارة كذالك الوقت…
نظر لها ثم إبتسم قائلًا بمساعدة:
هاتي البطاقة بتاعتك أدخلها الماكنة.
ببساطة اعطت له تلك البطاقة، بالفعل ادخلها بالماكينه ثم تجنب لها قائلًا:
إتفضلي إكتبي رقمك السري، والمبلغ المطلوب
بالفعل كتبت الرقم السري لحظات وخرجت النقود،سحب البطاقة واعطاها لها مُبتسمً،أخذتها منه وغادرت دون النظر للبطاقة،بينما هو تتبعها بعيناه قبل أن يغضب احدهم،عاد الى الماكينه لكن تفاجئ أن البطاقة لا تعمل،أخرجها ليتفاجئ لقد تم تبديل البطاقات…نظر حوله لكن كانت إختفت،خرج من التجمُع،ونظر للبطاقه وقرأ الأسم:
“جود نوح مهران”.
سُرعان ما إقترب منه أحدهم قائلًا:
حاتم باشا البيه رئيس القسم بيتصل على حضرتك وبيقول أنه موبايلك مُغلق.
إنتبه له قائلًا:
أيوه فاصل شحن نسيت أشحنه فى البيت دلوقتي أشحنه فى العربية، عالعموم احنا راجعين القسم تاني.
لحظات وهو بداخل السيارة عاد ينظر لتلك البطاقة وبداخله حيرة عقل
أهذا
صدفة أم قدر.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام
صباحً
بالكاد تحسنت صحتها، بعد حصار كريمان لها، لكن اليوم قررت الهروب من ذلك الحصار، تهربت بصعوبه وخرجت من المنزل دون شعور منها، ذهبت تتجول بتلك الأرض الخاصه بهم تشتم رائحة الليمون… حتى إقتربت من ذلك النبع الموجود على رأس الأرض… توقفت لحظات
كعادته الصباحية تجول بجواده، لكن اليوم قرر التجول بين تلك ألاشجار حتى وصل الى ذلك النبع
ترجل من فوق الجواد تركه يشرب المياة من ذلك النبع، ثم أشعل سيجارة نفث دُخانها، لكن سُرعان ما دهسها أسفل قدمه حين سمع لتلك التى خرجت من خلف إحد الأشجار قائلة بتهكم:
السجاير مُضرة بالصحة بالأخص لو كانت عالريق.
نظر نحوها وإبتسم بإستهزاء وعلى شفتيه ابتسامة استخفاف، قبل أن يرد بنبرة واثقة:
أكيد صحتي آخر شيء يهمك ، ويمكن بتتمني موتي.
ضحكت بسخرية ونبرة لا مُبالاة إستقلال من شأنه:
لا حياتك تهمني ولا موتك يفرق معايا، إنت بالنسبة لى ولا شيء، بس ليا عندك حاجة مهمة وعاوزة أستردها، وده كل اللى يهمني.
تقبل طريقتها الجافة، ونظر إليها بتمعن، عيناه تضيقان قبل أن يميل برأسه قليلًا مستفسرًا: وأيه هو الشيء اللي يهمك تسترديه.
عقدت ذراعيها أمام صدرها، ورمقته بنظرة متحدية قبل أن تجيبه بتملُك:
أرضي… قصدي أرض أبويا اللى سبق وإشترتها منه.
قهقه بسخرية، متعمدًا استفزازها:
ومين قالك إني عرضتها للبيع أساسًا.
تقدمت نحوه خطوة، والغضب يشتعل في عينيها، لكنّها تماسكت وتحدثت بحزم:
من غير ما تعرضها، دي أرض أبويا وأنا عاوزة أرجعها تاني.
راقبها بصمت للحظات، ثم ابتسم بمكر وهو يميل نحوها قليلًا قائلاً بصوت خافت:
ولو رفضت أبيعها؟
توعدت له دون تردد، وعيناها تتوهجان بالتحدي قائلة:
ساعتها مش هسيبك في حالك.
ضحك من نبرة التحدي بصوت خافت، وكأن كلامها لم يكن سوى مُزحة عابرة، سائلًا ببرود:
وإنتِ ناوية تعملي إيه بالظبط.
رفعت ذقنها بعناد، وحدقت في عينيه بثبات قائلة:
هخليك تندم إنك رفضت العرض بالتراضي.
ضاقت عيناه قليلًا وهو يتأملها، ثم قال بنبرة تسلية:
كبيرة أوي على تهديداتك دي، بس خليني أشوف هتعملي إيه غير الكلام.
تقدمت خطوة أخرى، حتى صار بينهما مسافة ضئيلة، ثم تفوهت بحِدة:
متستهونش بيا يا طوفان، الأرض دي هترجع لي مهما كلفني الأمر… حتى لو اتنازلت عن مبادئي وتربيتي.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة ، وحك ذقنه بأنامله يُفكر للحظات ثم إقترب منها خطوة قائلًا بمكر وتحدِ:
ممكن أوافق أبيعلك الأرض بس فى حالة واحدة بس.
نظرت له توهجت عينيها بفضول واستفسار سائلة:
وإيه هي الحالة دي بقي.
لمعت عيناه بخباثة ومكر كأنه يتلذذ بفضولها قبل أن ينطق بتحدي:
تتجوزيني….
↚
❈-❈-❈
ابتسم بطريقته المتعالية، ثم انحنى قليلًا نحوها وعاود التحدث بنبرة تحدي تكفي لإشعال فتيل الغضب داخلها:
“تتجوزيني.”
تسمرت في مكانها، يعلو وجهها الذهول قبل أن يتحول إلى مزيج من الدهشة والاشمئزاز. عقدت حاجبيها وقالت بحدة، وكأنها سمعت مزحة ثقيلة:
إنتَ بتستهبل صح.
ضحك بصوت منخفض، عاقدًا ذراعيه فوق صدره وهو يجيبها بمكر:
أنا في قمة الجدية… الأرض مقابل الجواز صفقة عادلة مش كده.
رفعت حاجبيها بإستهزاء سُرعان ما ضحكت بهستريا حتى تحولت تلك الضحكات الى بداية سُعال وبسُرعة كان سُعالها يزداد،حتى وصل الى سُعال حاد كاد يخنقها، فإنحنت قليلًا وهي تضع يدها على صدرها تحاول التقاط أنفاسها…. فورًا تلاشى التحدي من عينيه وحل محله قلق واضح، سرعان ما أقترب منها يمد يده نحوها، سائلًا:
فين البخاخة.
تحشرج صوتها وهي تقول بانفاس تكاد تكون مُتقطعة:
مش معايا.
– إهدي وحاولي تاخدي نفسك بهدوء.
قالها بنبرة تحمل نفاد صبر مختلطًا بقلق حقيقي لم يستطع إخفاءه…وهي تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة… لم ينتظر أكثر، وجذبها سريعًا نحو نبع المياة،ملأ يديه بالمياة وضعها أمام شفتيها يحثها على الارتشاف،لكنها عاندت ورفضت ذلك،تنهد بغضب لم ينتظر،جذبها نحو النبع،إنحنت تمد يدها أسفل المياة،لكن لرعشة يديها كانت المياة تنساب من بين الفروق التي بين أصابعها،لم ينتظر وقام بوضع كفيه أسفل كفيها،بنظرة عين يحثها برجاء على الشُرب فلا داعي للكبرياء،بالفعل لشعورها بالألم بصدرها والإختناق،إحتست بعض المياة بروية،حتى هدأ السُعال قليلًا…جذبها ثم أجلسها على تلك القطعة الخرسانية المجاورة للنبع، نظر بغصة قوية تضرب قلبه حين رأي عيناها دامعتين من شدة السعال… ظل يراقبها ، متوترًا رغم أنه حاول التظاهر بالعكس… لم يبتعد عنها حتى بدأت أنفاسها تهدأ تدريجيًا… بلل يديه بالمياه ثم نثر تلك المياة على وجهها بخفه…
حتى استعادت بعض من توازنها، نظرت إليه نظرة حادة، وقالت بصوت لا يزال متأثرًا بالنوبة:
مبسوط لو كنت مُت دلوقتي، كنت هتكون إنت السبب.
تنهد بإرتياح قليلًا، رغم مازال وجهها يحمل أثر احمرار ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية وتحدث بقصد منه وهو يضع يديه حول وجهها:
لسه العرض قائم وممكن أزود المهر كمان.
إنتبهت على وضعه ليديه فوق وجنتيها سُرعان ما تبدلت وعادت للجفاء، تنظر إليه بغضب، ثم دفعته بقوة وإستنكار قائلة:
إبعد عني… أوعى تفكر تلمسني.
لعدم ثباته، وتمسُّكه بها، فقد توازنه فسقط على ظهره، وسحبها معه دون قصد، لتجد نفسها ممددة فوق جسده، أنفاسهما تتلاحم، وعيناهما تتشابكان في صدام محتدم بين… الرفض والانجذاب
الرفض من جانبها وإزداد غضب ورفعت يدها الأخرى كادت تصفعه
والإنجذاب منه وهو ينظر الى شفتيها يبتلع ريقة الذي يشعر أنه جف… فكر أن يقترب اكثر وكاد يُقبلها…
بنفس الوقت تسارعت أنفاسها، وهي تحاول التملص من قبضته، لكن يده كانت ما زالت ممسكة بعضدها، تمنعها من الإفلات… ارتجفت شفتيها وهي تتحدق بحدة ترفع يدها بغصب مُستعر:
سيبني.
لوهلة تمسك بمعصم يدها الأخري بقوة ، جالت عيناه تدرس ملامحها المرتجفة، وتلك اللمعة في عينيها التي لم تكن محض غضبً فقط، بل شيء آخر… شيء لم تستطع إخفاءه عنه… إبتلعت ريقها بصعوبة، قلبها ينبض بعنف وغضب، وحركت يدها تحاول فك أسر يده، لكن قبضته كانت كالأصفاد، فشلت محاولة سلت يدها
همس بصوت أجش، محمّل بنبرة لم تألفها منه من قبل سائلًا بتحدي صريح:
ليه حاسس إنك خايفة.
ارتجفت أنفاسها، وتهكمت بضحكة سخرية قائلة بإستقواء وهي تدفعه بنفس اللحظة عن قصد منه ضعفت مسكة يداه، فإنتفضت واقفه تنظر له وهو مازال مُمددًا قائلة بتكرار مُستنكرة:
خايفة
أنا أخاف منك إنت… بلاش تتوهم، انا قدمت عرض بالتراضي إنك تبيع لى الأرض وهسيبلك مُهلة تفكر، أعتقد تعرف رقم تليفون البيت الأرضي.
نهض هو الآخر واقفًا، ينفض عن ملابسه آثار الاتربة التي أسقطته معها، ثم رفع عينيه إليها بنظرة ثابتة تحمل مزيجًا من التحدي والاهتمام المكتوم.
اقترب منها بخطوات بطيئة، حتى كاد يختصر المسافة بينهما، فتصلبت في مكانها، لكنه لم يلمسها هذه المرة، فقط مال برأسه قليلًا وهمس بصوت أكثر عمقًا:
عرضك مشروط بموافقتك أنا قولت لك الحل الوحيد.
اشتعلت عيناها بالغضب، وارتفع صدرها مع كل نفس تحاول التحكم فيه، قبل أن ترد بنبرة تحمل قسوة لم تستطع إخفاءها:
آخر شيء ممكن أعمله في حياتي إني أبقى مراتك، حتى لو كانت الأرض دي آخر حاجة في الدنيا.
إنحنى برأسه قليلاً وهو يرد بهدوء مستفز:
يبقى انسي الأرض، لأنها مش هترجعلك .
ازدادت يداها قبضًا، وكأنها تحاول كبح جماح نفسها عن لكمه، لكنها بدلاً من ذلك، ألقت عليه نظرة أخيرة مليئة بالازدراء قبل أن تستدير وترحل، غير مدركة أن ابتسامته الساخرة قد تحولت إلى شيء آخر… شيء أكثر دهاءً.
وهو يقول بصوت عالي:
إعتبريها صفقة، خدِ وقتك… بس متنسيش، العروض مش بتفضل متاحة للأبد.
لم تهتم لحديثه وتابعت سيرها تختفي من أمامه، ليس فقط بسبب غضبها منه بل لمقتها ذلك الشعور بالضعف أمامه وهي تشعر بإقتراب إختناق مرة أخري لن تجعله يرا ذلك مرة أخري…
راقبها بصمت يشعر بقلق عليها وهي تبتعد، خطواتها تحمل من الثقة بقدر ما تحاول إخفاء اضطرابها… تابعها بعينيه حتى اختفت، ثم زفر ببطء، وهو يمرر يده في شعره،
وهو يتجه نحو جواده، معتليًا إياه يضرب بقدميه بطن الجواد الذي إنطلق مُسرعًا.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
إستقظ على اصوات رنين هاتفه الجوال
فتح عينيه بضجر ومد يده بتكاسل نحو الهاتف الموضوع على طاولة بجانب الفراش ، نظر إلى الشاشة بعينين نصف مغمضتين، فوجد اسم المتصل يلمع بإلحاح… زفر بضيق قبل أن يرد بصوت مبحوح:
خير بتتصل ليه بدري إكده
جاءه صوت الطرف الآخر مشحونًا بالخوف والتوتر:
وليد… إبن حضرتك إتخانق هو إتنين معاه فى “الأحداث” والتلاتة إتنقلوا للمستشفي، بس…
إنتفض معتدلًا في فراشه وهو يمرر يده على وجهه بشبة برود في محاولة لطرد بقايا النوم وعاود السؤال بتأكيد:
عيد اللى جولته تاني.
جاءهُ الرد الذي جعله يستيقظ بالكامل،يشعر بالريبة والفزع… كلمات كفيلة بأن تسحب الأرض من أسفل قدميه.
نفض غطاء الفراش عن جسده ونهض بحركة مضطربة… بنفس الوقت رمق تلك الغافيه وفكر للحظات تردد أن يُقظها ويُخبرها لكن تراجع ربما ان الامر بسيط وقتها
تراجع في اللحظة الأخيرة… ربما الأمر بسيط، ربما لا يستدعي إثارة القلق كذالك لا يود،إقحام عقله برد فعلها الذي بالتأكيد سيكون مُبالغًا وحانقًا ومُثيرًا لفظاظة حديثها…الأفضل إرجاء إخبارها لاحقًا بعدما يتأكد إن كان هنالك خطر حقًا أو لا…فهو برغم محاولته إقناع نفسه بذلك، لم يفلح في إخماد ذلك الاضطراب المتصاعد داخله فبالك لو علمت تلك ستجعل عقله يشت بمُبالعتها ونقها الدائمين.
❈-❈-❈
بمنزل دُرة
عادت الى المنزل تشعر بعصبية من حديث طوفان الجاحف،لحُسن الحظ أو ربما بسبب أن الوقت مازال مُبكرًا كان المنزل خالي… ولم تتصادف مع احد،سريعًا ذهبت نحو غرفتها
دخلت وأغلقت الباب خلفها تشعر بحرارة حِقد تغزوا جسدها…توجهت فورًا نحو حمام الغرفة نزعت ثيابها وفتحت صنبور المياة توقفت أسفله تشعر بغزارة المياة تنساب فوق جسدها، تشعر بإشمئزاز وبخيالها جسدها فوق جسد طوفان، كأن عِطره إلتصق بأنفها،
أنفها… لحظات وكادت تشعر بإختاق مرة أخري أوصدت الصنبور وجذبت مئزر إرتدته خرجت من الحمام سريعًا توجهت نحو إحد أدراج الخزانة جذبته بتسرُع، جذبت تلك القطعة البلاستيكية (بخاخ)سرعان ما وضعته بفمها تضغط عليها تشعر برذاذ يفتح شُعب رئتيها، تشعر بعودة دخول الهواء لـصدرها، عاودت تتذكر قبل قليل وكأن رأسها تكاد تُسحق من الألم، كأن دوامة من الأفكار السوداء تحاصرها، تخنقها أكثر مما فعل ضيق التنفس…. أغمضت عينيها للحظات، تحاول تهدئة نبضات قلبها التي تضرب صدرها بعنف…. وضعت البخاخ جانبًا وهي تأخذ أنفاسًا عميقة متقطعة، تحاول طرد الشعور العالق في داخلها، ذلك الاشمئزاز الذي ينهش كيانها…
تحركت بخطوات مضطربة نحو السرير، جلست على طرفه، ودفنت وجهها بين يديها….كيف تمكنت بضع كلمات من طوفان الجاحف من زلزلة هدوئها بهذا الشكل…. حاولت أن تقنع نفسها أن الأمر انتهى، لكن جسدها المرتجف لم يكن يصدقها…. انتفضت فجأة، كأن صاعقة ضربتها، لا… لن تسمح له بالإبتزاز بهذه السهولة…. عضت على شفتيها بعناد ونهضت واقفة، اتجهت نحو المرآة ونظرت إلى انعكاسها. لم تكن ترى سوى شبح مرهق لامرأة تحاول الوقوف بثبات وسط عاصفة.
همست بصوت متحشرج:
مستحيل أخليه يبتزني الأرض هترجع، كمان القصاص العادل لازم يتحقق.
جففت بقايا مياه تنساب من شعرها عن وجهها. عادت تسحب نفسًا عميقًا، هذه المرة لم يكن طلبًا للهواء فقط، بل للشجاعة أيضًا… لكن فجاءة عقلها إنتبه لشيء كيف لم تنتبه لـ يد طوفان
كان ملفوف عليها ضِماد… تذكرت أيضًا قبل أيام أثناء سيرها بأحد ممرات تلك المشفي تخيلت رؤية طوفان بالمشفي، وقتها لم تهتم بذلك، همست بذهول غير مستوعبة:
معقول…. طوفان هو اللى خدني للمستشفي…
عقلها بدأ يربط التفاصيل، الضماد على يده، الظل الذي لمحته في المشفى، والشك الذي بدأ يتسلل إليها… هل من الممكن أن يكون طوفان هو من أنقذها بالفعل
سُرعان ما نفت ذلك بتأكيد وثقة:
مستحيل يكون طوفان، لو كان هو كان ممكن يستغل الموقف ويظهر نفسه بس عشان يكسب تعاطف إنه المُنقذ صاحب الأخلاق.
شعرت بحرارة خفيفة تغزو جسدها، ربما بسبب الهواء،فالهواء الذي تسلل من الشُرفة شبه ساخن بل كذالك بسبب تلك الأسئلة التي بدأت تطارد عقلها… زفرت نفسها تحاول نفض كُل ذلك عن رأسها التي بدأت تشعر ببوادر ألم، أخرجها من كل تلك الأفكار
دخول كريمان الى الغرفة ببسمة حنان سُرعان ما إختفت وتوجهت نحو باب الشرفة وأغلقته ثم نظرت لها بذم وغضب قائله:
مستحمية وفاتحة باب البلكون،ممكن تاخدي هوا فى صدرك وهو مش ناقص، وكمان شعرك مبلول ناسية الجرح اللى فى راسك مش قولتلك ممنوع تقربي الماية منه كده ممكن يلتهب.
إبتسمت غصبًا قائلة بتبرير:
الجو اساسًا حر، كمان الجرح شبه إلتئم.
وكزتها بكتفها وتفوهت بسخرية:
برد الصيف أسوء من برد الشتا،وإنتِ صدرك مش ناقص،هروح أجيب علبة الإسعافات أشوف الجرح اللى إلتئم ده.
تبسمت دُرة بغصة،لحظات وعادت كريمان،بصندوق الإسعافات لكن تحدثت بسؤال:
إنتِ كنتِ خرجتي.
إرتبكت دُرة ونفت ذلك قائلة:
هخرج فين بدري كده.
نظرت لها كريمان تشعر بعدم الثقة وجادلتها:
طب وهدومك اللى فى سلة الغسيل فى الحمام،انا امبارح بالليل خدت كل الهدوم اللى مش نضيفة.
توترت دُرة وكذبت قائلة:
ده كان غيار نضيف هلبسه بس وقع مني فى الحمام إتبل ماية وقولت ألبس غيره ناشف.
نظرت لها كريمان قائلة:
ده لبس خروج إنتِ هتخرجي.
اومأت دُرة قائلة بتأكيد:
أيوه،هروح المستشفى المفروض كنت إستلمت شغلي هنا، بس الحادثة أخرت ده، والحمد لله بقيت كويسه، وأقدر أشتغل.
زفرت كريمان نفسها قائلة:
وفيها ايه لما تاخدي كمان كام يوم راحه مش عشان حرج راسك… عشان الكدمة اللى كانت فى ضلوع صدرك.
تنهدت دُرة بهدوء قائلة:
بقيت كويسه، وبعدين فى الاول اكيد مش هيبقي الشغل عليا تقيل، يعني متقلقيش، ده مجرد إني هستلم هنا، وطب العيون مش مُتعب… زي التمريض يا سيادة النيرس(ممرضة).
تبسمت كريمان تشعر بغصة،قائلة:
خلاص سيبت التمريض من زمان.
إبتسمت غصبًا دُرة وهي تتذكر سبب ترك والدتها لمهنة التمريض من أجلها أولًا منذ طفولتها أصيبت بوعكة صحية بسبب تعرضُها لأستنشاق مُبيدات زراعية خطيرة بطريقة مباشرة ومُركزة تركت أثر على تنفُس رئتيها لم تتعافي بشكل طبيعي … لذلك مازالت كريمان تشعر بقلق على صحة دُرة، فقررت ترك التمريض لتكون بجانبها دومًا.
تأملت دُرة والدتها للحظات، تلمح في عينيها مزيجًا من الحنين والتمني، ربما لأنها كانت تحب عملها لكنها ضحت به من أجلها… شعرت بوخزة تأنيب في صدرها، لكنها حاولت تخفيف الأجواء قائلة بمزاح:
بس برضو، الخبرة مش بتروح، وأهو انا حقل تجارب.
ضحكت كريمان بخفة، لكن عينيها ظلت تراقبان دُرة بحذر، وكأنها تحاول قراءة ما وراء إصرارها على العودة سريعًا للعمل.
….. ـــــــــ
بعد وقت
بمشفي حكومي
دخلت دُرة الى غرفة مدير قسم العيون،نهض يصافحها بعد أن قدمت نفسها له، عيناه كانت تتفحصها جيدًا، وعرف نفسه:
أنا دكتور عادل السيد، واضح إنك مش من الصعيد… أكيد منقولة هنا بسبب نقص الأطباء.
تبسمت بإستهزاء وأجابته بثقة:
بالعكس أنا من هنا من المنيا بلد أبويا، كمان معتقدش فى نقص أطباء، أطباء الصعيد كتير جدًا وفي كل التخصصات.
شعر بالحرج قائلًا بنبرة إعتذار:
متأسف بس أنا خمنت كده من لهجتك بعيدة عن لهجة الصعيد تمامً.
أومأت برأسها قائلة:
ممكن عشان بقالي فترة عايشه فى القاهرة، بس لو تحب أكلمك باللهجة الصعيدي… واضح إن حضرتك مش من الصعيد.
إبتسم قائلًا:
فعلًا تخمينك صح، أنا من الجيزة.
أومأت قائلة:
الجيزة تعتبر بداية خط الصعيد، وأكيد أنا مش جاية عشان أقدم على وظيفة، أنا دكتورة والمفروض أي مكان بشتغل فيه لازم أحس فيه بالأُلفة.
إبتسم بإعجاب واضح قائلًا:
فعلًا، بتمني لكِ كل التوفيق في عملك هنا، ومتأكد هتكوني إضافة قوية للقسم.
ابتسمت درة بثقة قائلة:
شكرًا، لمدح حضرتك…بستأذن أروح أشوف شغلي أكيد فى مرضي محتاجين لوقتي أكتر.
أومأ برأسه مُبتسمً بإعجاب، وهي تُغادر الغرفة يشعر بأنها شخصية قوية، واثقة من نفسها، راقب خطواتها وهي تغادر، ولاحظ مدى اعتزازها بذاتها، وكأنها تريد أن تُثبت فرض مهارتها الطبية …
جلس على مكتبه وهو يسترجع حواره معها، شعر بأنها ليست مجرد طبيبة جديدة انتقلت إلى القسم، بل امرأة تحمل بداخلها كبرياءً خاصًا، لا تسمح بأن تُحاصر ضمن توقعات مسبقة… ابتسم لنفسه وهو يتساءل عن سر جاذبيتها.
بينما دُرة تسير في الممر بثبات، تشعر بإعتزاز بنفسها دائمًا هي من تفرض على الآخرين احترامها لكفاءتها.
❈-❈-❈
بالقاهرة
بالمقر الرئيسي لمجوعة شركات مهران
خلف مكتب رئيس الإدارة
وصل للتو جلس بشموخ خلف مكتبه،ينظر الى مديرة مكتبه قائلًا:
تمام يا “مدام نادية” إعملي إجتماع مع العملاء الجُداد، كمان هاتيلى تقرير مبيعات الشهر اللى فات… وكمان ملف الطلبيات الجديدة… وكمان بلغي المسؤولين فى إجتماع للإدارة بكرة عاوز كل إدارة تقدم لى تقرير مُفصل عن سير الشُغل.
أومأت له مُبتسمة بإحترام ثم غادرت
بينما هو إضجع بظهره يُفكر بـ عرض دُرة شراء الأرض من أين لها بثمن تلك الأرض لابد أن يعرف ذلك،جذب هاتفه وقام بإتصال خاص سمع لرد الآخر عليه مُرحبًا،تنهد قائلًا بإستفسار:
ليه مقولتليش عن رجوع دُرة للـ المنيا،واضح فى أسرار مخفية عني،كمان عرضت تشتري الأرض عاوز أعرف هدبر ولا دبرت تمنها منين،متأكد من كلامها بثقة إنها فعلًا معاها تمن الأرض….عاوز أعرف المعلومة دي النهاردة.
إبتسم الآخر قائلًا:
إنت هنا فى القاهرة.
اجابه:
ايوه لسه واصل وقدامي يومين هنا.
إبتسم الآخر قائلًا:
تمام نتقابل المسا وأكون معايا كل المعلومات اللى طلبتها.
أجابه بترحيب:
تمام نتعشي سوا.
أغلق طوفان الهاتف، تنهد وهو يُقلب الأمور في رأسه، كيف تمكنت دُرة من توفير هذا المبلغ…لا داعي للحِيرة بالتأكيد سيعلم…
نهض من مقعده وتوجه نحو النافذة، ناظرًا إلى شوارع القاهرة المزدحمة، عقله يعمل بسرعة، يعلم السر وراء رغبتها في امتلاك الأرض… دُرة عادت لهدف برأسها
أخرج سيجارة من علبته وأشعلها، نفث دخانها ببطء، على يقين يعلم أن تلك الأرض ليست السبب الوحيد لعودة دُرة…دُرة تود القصاص،لكن لمن
والداها…
ام…
نفث دخان السيجارة ونطق عقله الإسم الثاني…حسام
يشعر بمرارة تختلط برائحة الدخان المتصاعد، كأن أنفاسه تحمل معه رماد الماضي. حسام… الاسم وحده كان كفيلاً بإثارة فوضى في صدره، فكيف بعودتها.
أدار السيجارة بين أصابعه، يراقب الجمر المتقد في طرفها، يشبه تمامًا ذلك اللهيب الصغير الذي لم ينطفئ أبدًا في قلبه درة لم تعد تلك الفتاة الرقيقة التي كان يعرفها، بل امرأة عادت تحمل في عينيها عاصفة غضب.
لكن القصاص… لمَن ومِن مَن… بالتأكيد لدية دور في دائرة الحساب
تمتم بصوت خافت يُردد إسمها:
دُرة.
أخرجه من تفكيره صوت رنين هاتفه، عاد نحو المكتب، وضع باقي السيجارة بالمنفضة، ثم جلس وجذب الهاتف يرسم بسمة سخرية، وقام بالرد وسمع لهفة الأخري:
طوفان أخيرًا رجعت للقاهرة، أنت وحشتني أوي، أنا كنت خلاص هجيلك المنيا.
تهكم ساخرًا ثم تحدث بقسوة:
أكيد الجاسوس بتاعك اللى فى الشركة بلغك إنى هنا بسرعة أوي… يا “رزان”.
توترت وعاودت حديثها بإشتياق:
هنتظرك الليلة فى الشقة، إنت واحشني أوي، بقولك كنت هجيلك المنيا.
تهكم بسخط قائلًا:
عشان كنت طلقتك وقطعت الورقتين فورًا، قولتلك المنيا خط ممنوع.
تغيرت نبرة صوتها، وارتجف طرف أنفاسها وهي ترد بسرعة:
حبيبي … مش عارفة سبب إن ممنوع أجيلك المنيا، ممنوع أتكلم، ممنوع حتى أقول إني مراتك… إنت عارف إني بحبك…
قاطعها ببرود:
زران، أنا مش فاضي عندي إجتماعات مهمة نتكلم بعدين.
تنهدت بغصة قوية قائلة:
طيب هستناك الليلة فى شقتنا متتأخرش.
تنهد بسئم:
إن شاء الله.
قال ذلك وأغلق الهاتف ألقاه على المكتب أمامه وعاد يُشعل سيجارة أخري منفثًا دخانها ببسمة مستهزءًا من قسوة القدر،يتخلل عقلهُ وقلبهُ الندم على تلك الزيجة السرية … كانت غلطة لم يكن ينبغي أن يقع فيها، خطأ لم يكن يليق به، لكنه وقع… والآن لابد لإصلاح ذلك دون ضرر لأحدهم.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
مساءًا
تنهدت وجدان بحُزن وهي تبوح لـ شُكرية:
مش عارفه في أيه حصل فجأة خلى طوفان يسافر للقاهرة، مع إنه الكام يوم اللى فاتوا، كنت حاسه إنه قريب مني وبدأ يسمع لحديتي… كنت حاسة إنه خلاص فهم إنه لازم يتجوز ، وإنه قرب يلين لكن فجأة رجع الصبح من برة وجالي مسافر لـ مصر
نظرت إليها شكرية بعينين مليئتين بالشفقة، ثم سألتها بلطف:
هو جالك ليه سافر.
هزت وجدان رأسها بيأس قائلة:
قال شغل… بس أنا مش مصدقة، فجأة كده يجول مسافر.
ارتشفت شكرية رشفة من كوب المياة ثم قالت بتفكير:
مش يمكن حديته صُح وجاله شغل طارئ، بس جلبي بيجول إنه طالما كان بدأ يلين، إن لما يرجع تاني لأهنه ممكن يوافجك ويرضي يتجوز، المهم دلوق، إنتِ لازمن تفكري وتشوفي له صبية تليق بمجامه العالي وتكون مناسبه لذوجه (لذوقه)… والحمد لله أها كيف ما جولتلك إن ممكن يكون سبب الصداع وچع عينكِ، لازمن تهتمي بيهم، ده مفيش بعد النضر (النظر).
أومأت وجدان قائلة:
طوفان هو نضري يا شُكرية، أنا خايفه، بعد ما عرفت من عزمي إن وليد اتصاب فى الاحداثية، يمكن تكون حادثه مدبرة، واد بدران ظابط ويده ممكن تطوله هناك.
نفت شكرية ذلك قائله بتصحيح:
إنتِ هتسمعي لحديث عزمي بيه الماسخ، وليد هو اللى شراني، لو صحيح واد بدران عاوز يأذي وليد مكنش إستني وجت، ومكنش قبل حديت طوفان إنه يخلي القانون هو اللى ياخد مجراه، كان جتل وليد فى التو.
تنهدت وجدان بحِيرة وقلق قائلة:
منه لله وليد بغلطة مِنيه إتسبب فى جتل تنين… كمان رچوع بِت غُنيم فى الوجت ده حاسة إن فى عاصفة جاية، جلبي متاخد، بالذات لما عرفت إن الحُكم فى الإستئناف اللى جدمه المحامي لـ وليد عالحُكم كمان آخر الشهر ده، قبل الأجازة القضائية…كل ده موترني ومقلق جلبي،طوفان هو اللى سلم وليد بيده للبوليس.
تفهمت شكرية خوف وقلق وجدان وحفزتها قائلة:
إبعدي القلق عن راسك، وليد غلط وبيدفع ثمن غلطه.
اومأت وجدان بنظرة قلق، ربتت شكرية على يدها قائلة بثقة:
طوفان راح القاهرة عشان سبب، وبالتوكيد مش هيسيب الأمور تتدهور،أكيد عنده عِلم وفضل أنه ميظهرش فى الصورة ، يمكن بيحاول يسيطر على اللي جاي من بعيد.
لم تقتنع وجدان، مازالت تشعر أن ما هو قادم ليس الأفضل ، بل أشبه بإعصار قد يهدد باجتياح كل شيء.
❈-❈-❈
بغرفة جود
عقلها الباطن اختزن صورة ذلك الشاب الذي قابلته منذ أيام، وكأن ملامحه انحفرت في ذاكرتها دون وعي منها… دون إرادة، بدأت يدها تتحرك على الورق، ترسم ملامحه بدقة غريبة… ما إن انتهت حتى نظرت إلى الصورة بدهشة، تتفحصها باستغراب… كيف حدث ذلك.. كيف استطاعت استذكار تفاصيل وجهه بهذه السهولة رغم أنها رأته لمرة واحدة فقط! ازدادت دقات قلبها، وراحت تسأل نفسها
هل ذلك مجرد صدفة، وكيف ترك لقاؤه في داخلها أثرًا عميق هكذا…
شعرت بارتجافة خفيفة في أصابعها وهي تمررها فوق الملامح المرسومة، وكأنها تتحسس وجهه في الحقيقة… عيناه في الصورة تحملان ذات العُمق التي لاحظته في لقائهما العابر، ونظرته التي لم تدم طويلًا، لكنها علقت في ذاكرتها كأنها جزء من وعيها… ازدحمت الأفكار في رأسها،تشعر ان هنالك شيئًا خفيًا جعل عقلها الباطن يحتفظ بملامحه… قلبت الصفحة بسرعة، كأنها تحاول الهروب من أثره، لكنها عرفت في قرارة نفسها أن الهروب لن يكون بهذه السهولة… وضعت الفُرشاة وعلبة الألوان جانبًا ونهضت، متوجهة إلى النافذة، عسى أن تجد في الهواء الرطب ما يشتت تفكيرها… لكن حتى مع انسياب النسمات الليلية، كانت صورته لا تزال هناك، حاضرة في ذهنها، نابضة كما لو كان يقف أمامها من جديد.
❈-❈-❈.
بمنزل حاتم بدران..
إقترب إنتصاف الليل، دلف الى غرفته يشعر بإرهاق بدني، تمدد بنصف جسده على الفراش يتنهد بتكاسُل،مُستسلمً لوهج التعب… لكن سُرعان ما إستقام جالسًا يرسم بسمة دافئة لوالدته التى دخلت الى الغرفة، حتى لا يُشعرها بإرهاقه.
جلست جواره على الفراش قائلة:
أحضرلك عشا خفيف.
أجابها ببساطة:
لاء يا ماما أنا مش جعان متغدي متأخر.
تحدثت مره أخري:
طب أجيبلك كوباية لبن دافيه تشربها قبل ما تنام.
إبتسم قائلًا:
لبن دافي فى الجو ده، خلاص الحر دخل، قولى عصير متلج، بس أنا مش محتاج أكتر من دُش بارد بعدها أنام.
ظلت جالسة لحظات تنحنحت أكثر من مرة فهم حاتم ان هنالك ما تود الحديث به، فحثها على الحديث بطريقة غير مباشرة:
بس غريبه إنك لسه صاحية لحد دلوقتي.
تنهدت بألم فى قلبها، تدمعت عينيها، قائلة:
الضهر كنت عند كريمان مرات خالك الله يرحمه، وجالت لى إن دُرة راحت تستلم شغلها فى المستشفي، جلبي وجعني جوي.
ضمها حاتم يشعر بوخزات قوية تضرب قلبه قائلًا بمواساة:
الحياة بتمشي يا ماما، ودُرة أكيد فى شغلها هتلاقي اللى يسلي قلبها من الحُزن، على خالي و…
توقف قبل أن ينطق إسم أخية المغدور يشعر بألم قوي بقلبه، ربما إستسلم غصبً لقرار القانون، لو كان بمهنة أخرى غير الشرطة ما كان إستسلم للقانون، وكان أخذ القصاص بالمثل… لكن هو يدافع عن القانون فكيف يخترقه.
نظرت له والدته بدموع ثم تفوهت بنبرة رجاء:
ليا عندك طلب يا حاتم.
نظر لها يشعر بتهتك فى قلبه من دموعها وقبل أن يسألها، إستطردت حديثها:
دُرة….
دُرة كانت فى حُكم مرات أخوك، أتجوزها يا ولدي إنت أولى بيها.
↚
قبل ساعتين تقريبًا
بأحد مطاعم القاهرة الفاخرة
سحق عُقب السيجارة بالمنفضة ثم نهض واقفً يمد يده للمصافحة قائلًا:
إتأخرت يا “شاهر”
أبتسم شاهر قائلًا:
إنت عارف زباين مكاتب المحامين بيبقوا رغايين… ربنا نجدك من المهنة دي..وبقيت راجل أعمال.
ضحك طوفان وشعر بحنين لكن تهكم ساخرًا:
يعني كان بمزاجي أبقي راجل اعمال ده كان آخر هدف أفكر فيه فى حياتي، أقعد خلينا نتعشي الأول.
بعد قليل تساءل طوفان:
قولى المعلومات اللى عندك عن دُرة.
أجابه بتوضيح:
دُرة عرضت الشقة اللى هنا للبيع.
إستغرب طوفان ذلك قائلًا:
يعني دُرة قررت تبيع الشقة اللى هنا، معني كده إنها خلاص قررت تستقر فى المنيا.
أومأ له شاهر موافقًا:
أكيد… وده سبب كمان إنها بالتأكيد طلبت منك تسترد الأرض بأي تمن، الشقة إنت عارف إنها فى منطقة راقية وتمنها يفوق ضعف حق الأرض، كمان تقدر بسهولة تبيعها، واللى عرفته إنه جارها اللى كان قصادها كان سبق وعرض يشتريها، بس وقتها والدها رفض، قال إن الشقة تبقي موجودة هنا لهم ينزلوا فيها لما مامتها تجي عشان تزور والدتها وأخواتها، بس طبعًا دُرة الوحيدة اللى تقدر تتصرف وتبيع الشقة دلوقتي لأنها بإسمها، وأكيد طالما قررت ترجع تعيش فى المنيا الأرض أهم بالنسبة لها من شقة تقدر تستغني عنها لان فى بديل بيت جدتها والدة مامتها القديم موجود ومامتها لها حق فيه.
جذب طوفان سيجارة أخري وأشعلها نفث دخانها قائلًا:
كل ده مفهوم، بس السؤال المهم… ليه رجوعها المنيا بالشكل المُفاجئ ده.. ليه عاوزة الأرض بأي تمن.
نظر له الآخر نظرة ذات مغزى قبل أن يرد ببطء:
أكيد عندها هدف.. دُرة مش هترمي فلوسها في الهوا، يبقى أكيد الأرض دي تفرق معاها بشكل كبير.
ضيق عينيه وهو يفكر، ثم قال وهو يسحب نفسًا آخر من السيجارة:
الأرض كان عليها نزاع زمان، فاكر أبوها دخل في مشاكل وصلت للمحاكم عشانها مع ولاد خاله… وحتى بعد ما استقرت باسمه باعها فورًا.
ابتسم شاهر ابتسامة جانبية وهو يرد:
أيوه، بس في نقطة تانية لازم تفكر فيها… إنت متأكد إن رجوعها المنيا مجرد استقرار بس؟ ولا فيه سبب تاني؟
رفع حاجبه مستفهمًا، ثم ألقى بعقب سيجارته في المنفضة وهو يتمتم:
متأكد فى سبب تاني وإنت عارفه يا شاهر.
أومأ شاهر مؤكدًا، زفر طوفان نفسه وهو ينظر الى بصيص تلك السيجارة الأخري الذي أشعلها يشعر بوخزات قوية فى قلبه قائلًا:
الحُكم فى قضية قتل حسام وعمي مختار خلاص بعد أيام.
هز شاهر رأسه بآسف قائلًا:
وإنت دارس عارف القانون كويس ممكن ثغرة صغيرة تنهي القضية من قبل ما تبتدي، يعني القانون مش هياخد القصاص المُناسب للجريمة.
نفث طوفان الدخان ثم تنهد بعمق وهو يراقب الدخان يتلاشى في الهواء، كأن أفكاره تتبدد معه، ثم تمتم بأسف:
القانون ساعات بيعمي عينه عن الحق، وساعات بيشوف اللي عاوز يشوفه بس… كمان الأدلة الجنائية وشاهدة الشهود فيها ثغرات.
ألقى شاهر نظرة طويلة عليه، قبل أن يقول بنبرة هادئة لكنها مشحونة:
وإنت هتسيب الحكم يمشي زي ما إحنا متوقعين.
ارتفع حاجباه قليلًا، ثم أسند ظهره إلى الكرسي قائلًا ببطء:
القانون مش كل حاجة يا شاهر، وأحيانًا… العدل لازم يتاخد بإيدك…ومتأكد ده سبب من أسباب رجوع دُرة وإستقرارها فى المنيا،دُرة كانت مرتبطة جدًا بوالدها و……
توقف طوفان فأكمل شاهر:
متأكد النصيب الأكبر لوالدها.
نظر له طوفان يشعر بغصه قوية قائلًا:
وحسام فرحهم كان بعد أيام من الحادثة.
رفق شاهر به قائلًا بتأكيد:
حسام كمان من ضمن الأسباب لكن السبب الأقوى والدها،والدليل أول محاولتها إسترداد الأرض،رغم إنها عارفة إن الأرض إتسببت قبل كده فى مشاكل كبيرة كان ممكن توصل للقتل لولا لجوء والدها للقانون،الأرض دي كانت نزاع بين عيلتين ودُرة فى دماغها هدف أنا خايف منه…زيك بالظبط،الأرض دي طول ما هي تحت سيطرتك فى نزاع مكبوت.
اومأ طوفان قائلًا:
عارف ومش فاهم ليه دُرة الأرض دي بالذات مُصره عليها.
نظر له شاهر بمغزي قائلًا:
لاء إنت فاهم ليه هي مُصرة،وعشان كده حطيت لها شرط تعجيزي،رغم إنى متأكد إن نفسك دُرة توافق عالجواز.
نفث طوفان دخان السيجارة التى
ارتجفت نيرانها بين أصابعه قبل أن يسحقها بعنف في المنفضة، كأنما يسحق فكرة لم تكتمل بعد.
❈-❈-❈
بمنزل حاتم
ذُهل من طلب والدته منه تعلثم للحظات قائلًا بدهشة ورفض:
مستحيل…
مستحيل يا ماما اللى إنتِ بتقوليه ده، دُرة طول عمرها زي أختي، حتى تعاملنا مع بعض كان محدود، مش زي تعاملها مع حسام.
نظرت له بدمعة تفر من بين أهدابها تحرق قلبه:
فكر يا حاتم، جلبي مش هيتحمل يشوف دُرة مع راجل تاني بعد أخوك غيرك إنت.
مازال مذهولًا، ضم رأس والدته بين يديه وقبلها قائلًا:
أرجوكِ يا ماما بلاش تكتمي الحزن فى قلبك بالطريقة دي والتفكير ده، أنا ودُرة إحنا الإتنين صعب يكون بينا جواز، أنا مش بشوفها غير إنها خطيبة حسام اللى كان بيحلم باليوم اللى هيتجوزوا فيه، صحيح القدر إتغير، بس كمان متنسيش مشاعر دُرة كانت لـ حسام حتى لو مبقاش موجود هي الوحيدة اللى بتتحكم فى مشاعرها،إفرضي أنا وافقت وهي رفضت،وقتها…
قاطعته والدته بحزم، رغم رعشة صوتها:
وجتها هكون عارفة إنها مش هتنظر لحد تاني بعد حسام، وساعتها هرتاح، لكن لو عندها استعداد تبدأ من جديد، فأنتَ أولى بيها، يا حاتم… مش عاوزة حد غريب ياخد مكان أخوك في حياتها.
تنهد حاتم بعمق، يمرر يده في شعره بتوتر، ينظر إلى والدته بعينين مثقلتين بالحيرة:
ماما… الحب والجواز مش لعبة نقرر موازينها، ودُرة من حقها تختار حياتها براحتها، وأنا… أنا مش شايف نفسي زوج ليها.
ارتجف قلب والدته بقلق، أمسكت بيده بحنان وضغطت عليها بقوة كأنها تحاول نقل إحساسها إليه:
أنا مش بقول غصب، ولا عاوزاك تعمل حاجة ضد إرادتك أو إرادتها، بس فكر… فكر في دُرة كويس، شوفها بعيد عن كونها خطيبة أخوك، يمكن تقدر تغير مشاعرك ناحيتها.
ابتلع حاتم ريقه، يشعر أن الحديث يضغط على روحه، لكنه لم يكن قادرًا على نطق رفض قاطع، ولا قبول حقيقي، فقط همس بصوت خافت:
تمام يا ماما هحاول بس محتاج وقت قبل ما أقدر أقرر.
هزت والدته رأسها بتفهم، رغم أن قلبها كان يشتعل بالخوف… ليس على دُرة فقط، بل على ابنها أيضًا.
غادرت الغرفة وتركت حاتم الذي تمدد على الفراش مره أخري بعد أن كان يشعر بالأرهاق البدني فقط إزداد إرهاقه النفسي أضعافًا، وكأن الكلمات التي ألقتها والدته تركت ثقلاً جاثمًا فوق صدره… أغلق عينيه وهو يتنفس بعمق، لكن راحة النوم كانت بعيدة عنه.
“دُرة”
لم يفكر بها يومًا بتلك الطريقة، لم يتخيلها سوى الفتاة التي كانت مرتبطة بحسام، أخيه الذي رحل تاركًا فراغًا لا يُملأ… كيف له أن يفكر في أن يكون… مجرد الفكرة تثير داخله شعورًا بالذنب، وكأنها خيانة لذكرى حسام.
انقلب على جانبه، يحدق في السقف بشرود… والدته كانت محقة بشيء واحد
بالتأكيد بل من الممكن أن تحب دُرة رجلًا آخر؟
لا يعرف، لم يسبق أن رآها إلا في دائرة حسام، لم يتخيل يومًا أنها قد تكون لشخص آخر، وبالتأكيد لن يتخيلها له هو.
حاول طرد كل الأفكار، لكن عقل لم يطاوعه، وقلبه بدأ ينبض بأسئلة لم يكن مستعدًا لمواجهتها…. نهض من فراشه بتوتر، كأن البقاء في مكانه يزيد من دوامة أفكاره… توجه إلى النافذة، يدس يديه في جيبي بنطاله.. يتنفس ببطء، يحاول استجماع شتات نفسه، يسأل عقله:
هل فكرت دُرة في الأمر… هل ترى الأمر مستحيلًا مثلي، أم أن الأمر مختلف بالنسبة لها.
دُرة دائمًا كانت هادئة، متزنة، كذالك كانت غامضة… مشاعرها لـ حسام لم تكُن واضحة مثلهُ،لكن حين رأها آخر مره تبدوا بوضوح أنها حزينة جدًا، حتى حين ذكر حسام،تدمعت عينيها بالتأكيد السبب قسوة فقدانها له ، فكيف يمكن أن تفكر في رجُل آخر الآن.
أغمض عينيه للحظة، يتذكر كيف كانت تنظر لـ حسام، نظراتها كانت واضح بها الحب والدفء… لم يسبق له أن رأى مثلها… شعورٌ غريب تسلل إليه، غير مريح، لكنه لم يستطع تسميته وهاتف يعبث برأسه:
أنا مش بحبها… مستحيل… ولا حتى فكرت فيها غير حبيبة حسام.
هنا كان القرار سهلًا… لا داعي للحيرة دُرة ستظل بنفس المكانة.
❈-❈-❈
بمنزل دُرة
شعرت بأرقٍ لم تستطع النوم رغم محاولاتها المتكررة… حديث طوفان ظل يتردد في رأسها كطيفٍ مزعج يأبى الرحيل. تأوهت باستهزاء من طلبه الزواج، كيف فكّر بذلك.. يبدو أنه فقد عقله تمامًا.
تقلبت فوق الفراش، تحاول نفض تلك الأفكار بعيدًا واستجداء النوم، لكن لا فائدة، بل ازداد الأرق إحكامًا على جفونها… حين تذكرت نظرات ذلك الطبيب إليها… نظرات جعلتها تشعر بالنفور منه،لماذا شعرت بتلك الغصة في حلقها… لماذا أثرت بها تلك النظرات..
رفعت يدها اليسرى بغير وعي، ثم تجمدت حين وجدت بنصرها خالي من ذلك الخاتم
نهضت سريعًا، قلبها ينبض بتوتر غير مبرر، وأشعلت باقي ضوء الغرفة، تتلفت حولها بجنون وهي تبحث عنه… راحت تمرر أناملها فوق سطح المنضدة بجانب السرير، رفعت الوسادة، نظرت أسفل السجادة، لكن لا أثر له. همست لنفسها بقلق:
راحت فين الدبلة.. أنا مش بقلعها من فترة.
توقفت في منتصف الغرفة، شعرت بشيء ناقص، كأنها فقدت جزءًا منها دون أن تدري متى أو كيف… زفرت أنفاسها بعمق، محاولة تهدئة دقات قلبها المتسارعة، لكنها لم تستطع الهروب من ذلك الإحساس الغريب الذي تسلل إليها… إحساس بأن فقدان ذلك الخاتم يُعيدها لتتذكر ذلك اليوم الذي وصل لها خبر مقتل والدها وحسام، كان مازال بداخلها جزءًا يرفض قبول رحيلهم، الآن تشعر بشعور الفقدان يزداد بداخلها… وعقلها يستوعب غصبً أن من يرحل لا تنتهي ذكراه لضياع خاتم، بالغد ستشتري خاتم آخر.
❈-❈-❈
بـ شقة رزان
اسفل تلك البِناية، توقف طوفان بسيارته، ظل جالسًا بالسيارة يُنفث دخان تلك السيجارة، يشعر بمقت من نفسه ومن تلك الخطيئة الذي وقع بها، لكن كان بتلك الفترة كالسقيم ظن ان العلاج هو تناول دواء مُر قد يقضي على السقم أو يقتله، لكن لا ذاك ولا ذاك حدث العلاج كان خطأ جسيم
لم يقضي على السقم
ولم يقتُله أيضًا،بل زاد من عِلته وزاد وجعًا لا شفاء منه.. ظل يُحدق في الظلام الممتد أمامه، وكأنّه يبحث فيه عن بصيص يُعيد إليه شيئًا من راحته المفقودة… لكن الحقيقة كانت واضحة كضوء النهار، لا فرار منها ولا مهرب… كان العلاج خطأ، والندم تأخر… ألقى بقايا السيجارة من النافذة، راقبها وهي تتلاشى في العتمة، تمامًا كما تلاشت أوهامه بأن الحل يكمن في تصحيح تلك الخطيئة… زفر أنفاسه بعمق، بينما تسللت إلى صدره مرارة أشد من الدخان، مرارة الذنب الذي لا يغتفر…
رفع عينيه إلى البناية أمامه،لم يتردد عليه إنهاء ذلك الزواج الذي ظنَّه ذات يوم خلاصًا، لكنه لم يكن سوى قيد جديد يُكبّله… لم يكن حبًا، بل كان هروبًا، والآن عليه أن يدفع ثمن اندفاعه… قرار أصبح واجبً للتنفيذ… والخطوة التالية حتمية…
بالفعل ضغط على نفسه وصعد الى تلك الشقة،
لحظات قبل أن يرفع يده كي يدُق الجرس، تفاجئ بها تفتح باب الشقة تبستم وهي تستقبله بشوق، كأنها كانت تراه قبل أن يصعد هي كانت هكذا بالفعل رأته من خلف الشُرفة.. جذبته للداخل وسريعًا عانقته، حاولت تقبيله لكن كعادته يتمنع عن ذلك، رغم غصتها تغاضت عن ذلك وقبلت وجنتيه تُخبرهُ بمدى إشتياقها له، لكن هو كعادته باردًا معها وأمسكها من عضديها يدفعها للخلف محاولًا أن يكون لطيفً، ثم تركها وذهب الى تلك الأريكة وجلس عليها بثبات، بينما هي
توقفت للحظات تُحدق به، تُحاول استيعاب جفائه المعتاد، لكنها لم تستطع كبح مشاعرها فاقتربت وجلست بجانبه، عيناها تبحثان عن دفءٍ منه، أي شيء يُطمئنها أنه لم يأتِ ليُطفئ رغبته كعادته…
جلست جواره تحاول الدلال عليه، لكنه كان أكثر برودًا، حاولت تقبل ذلك وبغباء منها سألته:
مالك..واضح إن الايام اللى قضيتها فى المنيا الفترة الاخيرة قست قلبك.
همست بذلك تحاول أن تفك شفرة صمته.
نظر إليها نظرة عابرة، ثم زفر ببطء
لكنها لم تيأس ،رغم يقينها منذ أن دخل كم هو مُثقل بأفكاره، بعواطفه التي يُصر دائمًا على كبتها أمامها، فمدت يدها تلمس يده، لكنّه أبعدها برفق… شعرت بوخزات فى قلبها، جعلتها تقول بحزن وهي تُراقب عينيه التي تهرب منها:
مالك يا طوفان
حاسه أنك مش هنا… جسمك هنا، لكن روحك في حتة تاني.
نهض من مكانه، يُحاول أن يجد لنفسه مفرًا من مواجهتها، لكنه لم يجد سوى الحائط المقابل يُحدق به كأنه أكثر أمانًا من نظراتها المتوسلة.
-انا جيت… ده كفاية، مش كده.
قال ذلك بصوتٍ جاف، يعلم أنه يُوجعها لكنه لا يعرف كيف يُخفف من حدة المسافة التي تفصل بينهما رغم قربهما.
ابتلعت المرارة في حلقها، بابتسامة ضعيفة راودت شفتيها وهي تقول بهدوء مستسلم: أيوه… كفاية.
لكن في داخلها، كانت تعرف هنالك أمرًا ما..بالفعل لم ينتظر وإستدار ينظر لها،بعين خالية من المشاعر،ليس بها سوا البرود القاتل لها وهو يتحدث بهدوء:
قبل ما نتجوز عرفي، كان بينا إتفاق… إن يوم ما واحد فينا يختار الإنفصال التاني يتقبل بدون إعتراض.
تجمدت مقلتاها على ملامحه الجامدة، كأن كلماته صفعة قاسية على وجنتيها… لم يكن صوته يحمل ذرة انفعال، مجرد جملة مقتضبة تحمل حُكماً لا رجعة فيه.
بلعت ريقها بصعوبة، محاولةً أن تستوعب وقع كلماته… إتفاق؟ هل أصبحت مجرد بند في عقد، لا أكثر… هكذا هي كانت بالفعل… هذا الاتفاق كان موجودًا منذ البداية، لكنها لم تكن مستعدة لسماع هذه الكلمات منه أبدًا… ليس بهذه البرودة… بل كانت تتمني أن يأخذ ذلك الزواج طريقًا آخر ويُعلن للنور بزواج رسمي، شعرت بمدى الخذلان يتسلل إلى أوصالها، وكأن كلماته كانت نصل حاد مزق آخر خيط من الأمل الذي كانت تتشبث به… هل كانت ساذجة إلى هذا الحد… هل ظنت للحظة أن ما بينهما قد يتجاوز كونه مجرد صفقة
تسارعت أنفاسها، ورفعت عينيها نحوه، تبحث في ملامحه عن أي بادرة تردد، أي شعور بالذنب، لكنها لم تجد سوى الجليد… برود قاتل، قاسٍ، كأنه يطعنها عمدًا دون أن يرمش له جفن… حاولت التنازل
همست بصوت مرتجف، تحاول أن تتعلق بفرصة أخيرة
-بس
قاطعها بهدوء قاسٍ:
مفيش بس… إحنا كنا عارفين إن اليوم ده ممكن يجي بأي وقت.
رمقته بعينين زائغتين، تبحث فيهما عن شيء يكذب ما يقوله، عن أي أثر لما كان بينهما… لكنها لم تجد سوى الجمود… مشاعره دائمًا كانت واضحة بالبرود والجفاف..
حاولت أن تتحدث، أن تدافع عن كرامتها، لكن الكلمات خانتها، تجمدت على طرف لسانها، تمامًا كما تجمد قلبها وهو يستوعب الحقيقة… بالنسبة له، لم تكن سوى بند في عقد، صفقة أُبرمت وانتهى الأمر.
أغمضت عينيها للحظات قبل أن تفتحهما وتراه يُخرج من جيبه ورقة…
نظر لها ببرود قائلًا:
دي ورقة الجواز اللى معايا مبقاش لها لازمة.
قال ذلك ولم يُمزق الورقة بل مزق قلبها.. حقًا كان الطمع هو أحد أسباب موافقتها على تلك الزيجة الرخيصة، لكن لا تنكر أنها أحبته بكل بروده معها وجفاؤه والقليل من مشاعرهُ التى حتى لم تكُن موجودة بعلاقتهم الحميمية التى كانت تشعر أنه ينفُر منها أحيانًا كثيرة، كأنه لم يكُن يرغبها، لم يكن حبًا، لم يكن شغفًا، بل كان مجرد صفقة خاسرة لم تربح فيها سوى وجع قلبها، وفتات من اهتمامه الجاف… لديها يقين أنه كان هروبً…أو محاولة نسيان لامرأة تسُكن روحه منذ زمن.
أما هو، فكان بداخله يشعر بالذنب كلما اقترب منها، وكأن قربه منها خيانة لمن تسُكن روحه منذ زمن… داخله يشعر بالشفقة على تلك التى تحجرت دموعها، وهي لم تستطع كُرهه… ولا حتى التوقف عن التعلق به، رغم علمها أن قلبه ليس لها، ولن يكون أبدًا… لكن مقامها وقيمتها لن تجعلها تستجدي حُبهُ أو تطلب منه ما لا يستطيع منحه… كرامتها كانت أقوى من احتياجها، حتى وإن كان قلبها يذوي في حضرة جفائه… لكنها لم تعد تملك القوة للبقاء في علاقة تعلم جيدًا أنها تُهدرها، علاقة تُشبه قيدًا من حرير، ناعم الملمس لكنه يخنق أنفاسها… لم تعد تريده بجسده فقط، تريد روحه، قلبه، نظرته الدافئه الذي لم يمنحها لها يومًا، ولم تعد تحتمل أن تعيش كظل في حياته، مجرد امرأة فى الظِل دون أن تحمل مكانًا حقيقيًا في قلبه…. في تلك اللحظة، أدركت أن الرحيل ليس هزيمة، بل ربما نجاة… او بفِكر سيدة الأعمال
المصلحة قبل المشاعر الواهية.
❈-❈-❈
بعد مرور أيام
صباحً
بمنزل طوفان
على طاولة الفطار…
شعرت وجدان بالضيق والضجر من تلك العوينات التى كانت حول عينيها، زفرت بضجر وسأم وهي تخلعها ثم وضعتها على الطاولة، نظرت لها جود سائلة:
مالك قلعتي النضارة ليه يا ماما.
أجابتها بضيق:
بتوجع دماغي، كمان بحس عيني مزغللة أكتر… وكمان حاسة بخيال واقف على وشي.
إبتسمت جود قائلة:
هي كده فى الاول بس يا ماما، بس مع الوقت هتتعودي عليها وتبقي كآنها شئ من وشك، أنا كنت كده لما عملت نظارة للمُذاكرة، بس مع الوقت إتعودت عليها.
زفرت وجدان نفسها، بينما نظر لها طوفان ببسمة مؤكدًا حديث جود قائلًا:
جود عندها حق، بس طالما مضايقة حضرتك ممكن نسأل الدكتور ونشوف لو ينفع تعملي عملية تصحيح نظر بدون نضارة.
واقفته وجدان قائلة:
يكون أحسن من النضارة.
إبتسم لها كذالك هي تبسمت قائلة:
هنادي على شُكرية،هي معاها إسم الدكتور ورقم موبايله.
أومأ مُبتسمً.
بعد وقت قليل
أمام مستشفي الرمد الحكومي…
توقف طوفان بالسيارة،تنهد داخله بإشتياق منذ آخر لقاء بـ دُرة لم يراها،ربما هذه فرصة،بالفعل سريعًا ترجل من السيارة ودخل الى المشفى
لكن فجأة توقف بالممر يشعر بخفقان قلبه، حين رأي
دُرة تخرج إحدى الغرف، تمسك بملف طبي بين يديها، بينما عيناها شاردة وكأنها غارقة في أفكارها… بدا عليها الإرهاق، أو ربما الحزن، لم يستطع التحديد.شعر طوفان بحرارة تتسلل إلى صدره، لم يتردد للحظة قبل أن يخطو نحوها، لكن فجأة، وقبل أن ينطق باسمها، خرج شخص من الغرفة ذاتها، وقف بجوارها وتحدث معها بصوت خافت… شيء ما في طريقة حديثهما، في المسافة القريبة بينهما، جعل الدماء تثور في عروقه…
لم يُلاحظ ضيقها من حديث ذلك الطبيب السمج بالنسبة لها، ولا محاولتها التهرُب منه، لكن هو يجذبها بالحديث عن حالة ذلك المريض…
لحظات عيناه تُطلق إشعاعات نارية…
لم يعُد قادرًا على الصبر والغِيرة تفتك بعقلهُ بلا إهتمام بالعواقب لاحقًا، توجه بخطوات ثائرة إليهم، غير مبالٍ بنظرات الدهشة التي تلاحقه… كان كل ما يشغل باله هو انتزاعها من ذلك المشهد الذي أضرم النار في صدره… توقف أمامها، عيناه مشتعلة بالغضب، شعرت بالتوتر لكن اظهرت الثبات سُرعان ما تحول ذلك الى غضب حين تواقح ووضع يده فوق مِعصم يدها يقبض عليه بقوة وهو يجذبها للسير قائلًا:
عن إذنك، محتاج الدكتورة فى حاجة مهمة.
رفعت رأسها باندهاش، مترددة بين مقاومته والانصياع لتلك السلطة التي يفرضها حضورُه الطاغي… لكن قبل أن تنطق، امتدت يده، لم يمنحها فرصة للرفض، وسحبها معه وسط أعين الماره مترقبة، وكأن العالم من حوله لم يعُد يعنيه…
وهي تشعر بالغضب السحيق لكن لا تود إثارة شغب بالمشفى
حاولت أن تحرر يدها من قبضته، لكن أصابعه كانت كالقيد، تحكُم السيطرة عليه بقبضة قوية… همست من بين أسنانها، بصوت منخفض لكنه مشحون بالغضب:
إنتَ بتعمل إيه إنت إتجننت سيب إيدي فورًا.
لم يتوقف، ولم يلتفت إليها حتى، فقط استمر في سيره بخطوات ثابتة كأنها قرار لا رجعة فيه…حتى اجتاز الممر الطويل، غير مكترث بالأنظار الفضولية، حتى وصلا إلى أمام إحد الغرف الجانبية..بمجرد أن دخلا أغلق الباب خلفهما بقوة.
توقفت تتنفس بتسارُع للحظات حتى شعرت بهدوء تنفسها نظرت له بغضب وعيونها تتوهج بانفعال، بنفس الوقت رفعت يديها تدفعه بعيدًا، قائلة بإستهجان وهي تنهج:
مش هترتاح غير لما أموت بسببك، إنت إتجننت إيه اللى عملته ده.
لم يفك قبضته يده على مِعصمها ، بل إزدادت قوة،كذالك ركز نظراته على ملامحها بجمود مريب.
تعصبت عليه وعادت تدفعه بقوة قائلة:
إيه جابك هنا المستشفي، إنت بتراقبني.
غصبً أفلت يدها وعاد خطوات للخلف،يحاول أن يهدأ، لم تنتظر لحظة قبل أن تضغط على أسنانها بقوة،تتحدث بصوت خافت، تحاول الحفاظ على وقار المكان:
وقاحتك زادت عن الحد…بأي حق تجرني وراك بالشكل.
نظر إليها بحدة، كأنه غير قادر على احتواء الغضب الذي يعصف به، واقترب خطوة، لتشعر بأنفاسه الحارة قريبة من وجهها وهو يقول بصوت منخفض لكنه قاتل:
وإنتِ إزاي تسمحي لنفسك توقفي مع الحيوان اللى كنتِ واقفه معاه فى المَمر قدام الخلق اللى فى المستشفى، مين ده.
اتسعت عيناها بدهشة،عادت خطوة للخلف، لكن لم يكن لديها ذرة استسلام… رفعت ذقنها بتحد، قائلة ببرود:
وإنت مالك… مش من حقك تسألني… أنا حُره أقف مع اللى عايزاه فى أي مكان، قدام الناس او حتى فى أوضة مقفولة علينا.
نهشت الغِيرة عقله، لمعت عيناه بتوهج غاضب ، وكأن كلماتها كانت الوقود الذي أشعل آخر فتيل غضبه … اقترب منها أكثر، حتى كادت المسافة بينهما تتلاشى، ثم قال بصوت مُنخفض مشحون بالتهديد مُباشرةً:
يبقى خليني أخلق حقي بنفسي…
نظرت له بريية وهي تعود للخلف حتى إصتطدم ظهرها بالحائط، رغم ذلك تمثلت بالقوة الزائفة ورفعت ذقنها بتحدٍ، تحاول ألا تُظهر ارتجافة أنفاسها أو رعشة يديها التي أخفتها خلف ظهرها….، لكن سُرعان ما رفعت إحداهن تُشير له بإصبعها بتوعد:
لو قربت مني هصرخ وألم عليك المستشفي وهخلى الامن يعمل لك محضر تعدي، وكمان تحرُش.
غصبً ابتسم ابتسامة طفيفية، مُستهزءًا بسخرية مُكررًا كلمتها بإستقلال:
تعدي وتحرُش.
خفق قلبها بقوة من الريبة من ملامح وجهه،التى كانت أشبه بشفرة حادة تُهدد بجرحها دون أن تلمسها… مدّ يده إلى جوار رأسها، محاصرًا إياها تمامًا، ثم قال بنبرة أكثر عمقًا، أشبه بوعيد مكتوم:
بلاش تستفزيني يا دُرة، بلاش توصليني إني افقد أعصابي.
نظرت له بغضب قائلة:
إفقد أعصابك ولا حياتك حتى متهمنيش وآخر مره تقرب مني.
شدت قامتها بتحدٍّط رغم ارتجاف أنفاسها، أكملت بصوت حازم:
بعد كده مش هتلاقي مني غير الرد بالطريقة اللي تستحقها.
لمعت عيناه بسخرية، اقترب أكثر حتى كادت أنفاسه تحرق المسافة بينهما، قال بصوت منخفض لكنه يحمل من الخطورة ما يكفي لإرباكها:
مش أنا اللى محتاجلك يا دُرة إنت اللى عرضتي إسترداد الأرض وقولتلك التمن.
قبضت يدها بقوة تحاول ألا تستسلم لرعشة الغضب، دفعته من أمامها بقسوة، ثم استدارت مبتعدة، لكن صوته لحقها كطعنة في الظهر:
هنرجع نتقابل تاني.. ومش بعيد إنتِ اللي تطلبي نتقابل المرة الجاية.
توقفت لحظة، لكنها لم تلتفت، فقط واصلت سيرها، محاولة ألا تدع كلماته تترك أثرًا في قرارها.
بينما شعر طوفان بغضب، خرج خلفها نظر لها وهي تسير، كذالك رأي ذلك الطبيب يدخل الى إحد الغرف، لم يُفكر وذهب نحو تلك الغرفه.. رغم الغضب المستعر بقلبه لكن تمثل بهدوء وإدعي الخطأ بخباثه منه علم إسم الطبيب، خرج من الغرفة يحاول ضبط أعصابه، أخرج هاتفه قام بإتصال قائلًا بأمر:
هبعتلك إسم ساعة بالكتير عاوز أعرف تاريخ حياته.
بعد وقت خرج من غرفة أحد الأطباء، أثناء سيره بالممر لمح ذلك الطيب شعر بغضب لكن لجم نفسه وغادر المشفى،ينتظر فقط معلومة عنه.
بعد حوالي ساعتين كان يجلس بمكتبه بالمصنع ينتظر ذلك الإتصال يسمع للآخر بإنصات:
دكتور عيون، من الجيزة ومنقول هنا من حوالي ست شهور عنده عيادة شغالة كويس طبعًا من زباين المستشفي، مطلق وعنده بنت عايشة مع طليقته فى الجيزة وتقريبًا علاقته بها مُختصرة على نفقة بنته.
زفر طوفان نفسه قائلًا:
تمام.
أغلق الهاتف فكر للحظات ثم بخباثة منه قام بإجراء إتصال آخر.
بعد الترحيب وبعض العتاب من الشخص الآخر، ابتسم طوفان قائلًا:
مشاغل والله لكن إنت عارف مكانتك عندي.
تجاذب الحديث بلباقة الى أن وصل الى هدفه فتحدث بدبلوماسية:
أنا كنت فى مستشفى الرمد، وفى هناك دكتور مش من هنا، واضح إنه مضايق من وجوده هنا، يظهر كان بينه وبين مراته خلاف واضح إنه اتحل وعاوز يرجعها بس هي مش عاوزه تجي هنا، خلينا نقرب بينهم ونرجعه الجيزة تاني، أهو تساهم فى لم شمل أسرة.
وافقه الآخر قائلًا بمدح:
تمام، ربنا يصلح بين إيدك.
أغلق الهاتف وضعه على المكتب أمامه ثم تنفس بهدوء قائلًا:
أما اشوف إيه آخر عِنادك يا دُرة.
❈-❈-❈
مضت عِدة أيام
اليوم المُنتظر
الطقس حار للغاية لكن ليست حرارة الشمس أقوي من حرارة الترقُب، لو أحرقت الشمس الأرض أهون من ذاك الترقُب المتوقع بآخر جلسة المحكمة
وجود كاميرات إعلامية، تنقل تفاصيل تلك الجلسة القضائية
المتهم فيها أحد شباب عائلة مهران المعروفة
الاتهام قتل إثنين من عائلتين مختلفتين
والحضور بداخل القاعة مُختصر وترقُب أمني حذر ونشط
بداخل القاعة
جالت عين عزمي وهو يبحث عن طوفان الذي تأخر فى الحضور عمدًا، كما توقع
حضور دُرة ليس فقط دُرة بل أيضًا حاتم
دخل آخرهم عيناه تُمشط القاعة حتى رأي دُرة تجلس فى المنتصف بين أخيها وحاتم
لم يُبالي لذلك، وجلس جوار عزمي الذي إبتسم له، أومأ طوفان برأسه
لحظات ودلف حاجب المحكمة يُعلن حضور القُضاة، وقف الجميع لحظات ثم جلسوا
تحدث أحد القُضاة وهو ينظر نحو مكان وكيل النيابة قائلًا:
قبل الحُكم هل النيابة عندها أي إعتراض أو تقديم مستندات جديدة تفيد حيثيات القضية.
نفي وكيل النيابة، أومأ القاضي قائلًا:
تمام
بما إن القضية خدت فترة طويلة قبل إصدار الحُكم فـقررت اللجنة القضائية بعد مدولات حيثيات وأدلة القضية كذالك شهادة الشهود قررنا بالإجماع…
بنفس اللحظة
أغمض حاتم عينيه، كذالك طوفان و دُرة
كـ رد فعل واحد دون إتفاق بينهم
بل توارد رد فعل لحُكم متوقع بحسم المصير، وكأن أرواحهم مُعلقة بين الرجاء والخوف… وضياع القصاص العادل
فتح القاضي ملف القضية، تأمل الحاضرين للحظات، ثم نطق بصوت ثابت:
“حكمت المحكمة…”
في تلك الثانية، تسارعت نبضات قلوبهم، توترت أنفاسهم، تحجرت الدموع في عيني دُرة،كأنها تحاول التمسك بأمل واهٍ… بينما شد طوفان قبضته، بينما حاتم.. فقد شعوره وكأن الزمن توقف،
الآن كلمات القاضي التالية لن تكون تقرير لمصير القاتل فقط،بل قد تكون طوفان هادر قد يُبدل مصائر الجميع.
↚
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
القلق ينهش قلب كريمان،تشعر بالندم ليتها ذهبت معهم الى المحكمة ليس لمعرفة النُطق بالحُكم بل بالبقاء جانب أبنائها، القلق ينهشها أكتر من رد فعل دُرة، باسل لديه قُدرة فى التحكم فى أعصابه عكس دُرة مُندفعة للغاية وقت عصبيتها لا تُفكر وتفقد السيطرة على كلماتها وتصرفاتها، مما قد يُفاقم الأمور… تتخيل أسوأ السيناريوهات، تخشى أن تُقدم دُرة على تصرف طائش يُعقد الموقف أكثر… تُراقب عقارب الساعة وهي تتمنى لو بإمكانها تسريع الزمن، أو استعادت الوقت لتصحح قرارها وذهبت معهم، تُمسك هاتفها بتوتر، تُفكر في الاتصال بـ باسل، لكنها تراجعت، تعلم أنه قد لا يرُد في مثل هذه اللحظات.
تنهدت بأسي وهي تتذكر ليلة أمس، حاولت تهدئة دُرة وإقناعها بعدم حضور جلسة المحكمة لكن كان بلا جدوى، دُرة أشبه ببركان على وشك الانفجار، عيناها تلمعان بالغضب، وكلماتها تُقطر تحديًا… باسل كان هادئًا كعادته، لكن أحيانًا الصمت أسوء وأكثر إثارة للقلق من اظهار الانفعال…. أغلقت كريمان عينيها للحظة تحاول الثبات،سُرعان فتحتها على صوت رنين هاتفها ، إنتفضت يدها كذالك قلبها بصدرها قبل أن تفتح الهاتف… وترا هوية من يتصل… هل خاب توقع النُطق بالحُكم وتحققت العدالة بيظ القانون… أم أن الكارثة المتوقعة قد وقعت….
خاب ذلك حين علمت هوية المُتصل حاولت تمالك أعصابها، إلا أن ارتجافة خفيفة سرت في أطرافها رغمًا عنها… حدقت في الشاشة للحظات، ثم قامت بالرد:
مساء الخير يا ماما.
تفوهت والدتها بقلق سألة:
إيه الأخبار عندك… عرفتي المحكمة حكمت بإيه.
أجابتها بقلق مُستعر:
لاء، بندم ياريتني روحت معاهم، قلبي مش مطمن وخايفه من دُرة أكتر من باسل، باسل بيعرف يتحكم فى أعصابه، إنما دُرة إنتِ عارفاها، بتتعصب بسرعة… وتفقد سيطرتها على أعصابها.
حاولت والدتها تهدئتها قائلة:
لاء متقلقيش إن شاء الله القانون هيحكم بالعدل و….
قاطع حديث والدتها صوت رنين الهاتف الأرضي للمنزل، دب القلق فى قلب كريمان وإنتفض جسدها برعشة قويه وتعلثمت فى الرد على والدتها وأغلقت الهاتف دون وعي منها، توقفت لحظات تنظر الى الهاتف الأرضي حتى توقف الرنين، ينبض قلبها بعنف، ونظراتها لم تفارق الهاتف، كأنها تتوقع أن يدق مرة أخرى حاملاً معها خبرًا بالتأكيد سيُغير كل شيء… بالفعل عاود الرنين، سُرعان ما رفعت سماعة الهاتف، وهي تسمع حديث المحامي:
إحنا عملنا اللى علينا بس للآسف المحكمة لها، بالادلة والبراهين، كمان شهادة الشهود.
بعقلها أغلقت الهاتف لا تود سماع أكثر من ذلك ليتأكد حدس قلبها، والآن لابد من قرار أن لا تنتظر، بالفعل، أخذت هاتفها وكادت تخرج من المنزل لكن تصنمت مكانها حين رأت من يقترب منها، تفوهت بصوت مختنق:
إنت…
اتسعت عيناها في ذهول، وقلبها يشتعل غضبً لم تكن تتوقع رؤيته هنا، في هذه اللحظة بالذات… كان وجهه جامدًا، يخفي وراءه شيئًا لا تستطيع قراءته، لكن نظراته كانت كفيلة بأن تتيقن أن العدالة إنتهي دورها بخسارة…وضياع الحق…والقادم إعصار.
❈-❈-❈-❈-❈
على الجانب الاخر بمنزل طوفان
بغرفة وجدان، ختمت قراءة القرآن، أغلقت المصحف ووضعته جانبًا، ثم نهضت من فوق الفراش… سارت بخطوات هادئة نحو شُرفة الغرفة، تنظر إلى الخارج داعبت الشمس القوية عينيها، فأغمضتهما سريعًا قبل أن تتراجع قليلًا إلى جانب به ظل يحميها من وهجها القاسي
عقلها لم يكن أقل اضطرابًا من قلبها، أفكارها تتشابك كسُحب صيفية ثقيلة توشك أن تمطر… على يقين أن هناك عاصفة تلوح في الأفق، لكنها لم تكن تملك سوى الانتظار، والمقاومة بصمت
رغم عِلمها أن القضية لا تمس طوفان مباشرةً، إلا أن القلق يضرب قلبها بلا هوادة… تلك القضية قد تكون إعصارًا يضرب الجميع، لا يترك خلفه سوى الفوضى والدمار، وقد يدخل طوفان وسط ذلك، ويتحقق ما يُرعبها… أن يُرغم على الاندفاع نحو قلب العاصفة، حيث لا ملاذ ولا مفر…. كل الطرق تبدو محفوفة بالمخاطر، وكل الاحتمالات تقود إلى هاوية مجهولة… تنهدت بعمق، محاولةً كبح ارتجافة خفيفة تسللت إلى أناملها… عليها أن تجد مخرجًا قبل أن تبتلعهم العاصفة جميعًا…
والسؤال الذي لا إجابة له
ماذا تفعل، كي تبعد طوفان عن ذلك الإعصار القادم…
طوفان…
نطق إسمه قلبها
طوفان التي خافت أن يرث جحود والده أنقذته منه تسع أعوام شكلت شخصية أخري بعيدة عن مُبتغي والده القاسي، رغم كل ذلك الحذر بالنهاية كان القدر، الذي أجبره على التنازل عن أمنياته والإستسلام لرغبات وأمنيات والده حاول الهروب منها … لكن بلحظة فاز القدر وتحققت أمنيات والده،كأنها قدرًا موصود.
❈-❈-❈
المحكمة
الصمت للحظات كان كفيل بسماع دوي نبضات قلوب الجميع، وهم ينتظرون سماع الحُكم، حتى القاضي نفسه بداخله يشعر بآسف مصحوب بتوتر غريب، وكأن كلماته القادمة ستحمل ثُقل العالم على كاهله… كانت معظم العيون تنظر نحوه، تترقب بشغف ممزوج بالخوف، بينما الهواء في القاعة أصبح أثقل، يكاد يُسمع صوت الأنفاس المتلاحقة… رفع القاضي نظره عن الأوراق أمامه، تنحنح قليلًا، ثم قال بصوت هادئ لكنه حاسم:
“بعد النظر والمداولة في جميع الأدلة والاستماع إلى أقوال الشهود..”
ثم توقف للحظة، وكأنه يمنح الزمن فرصة للتمدد أكثر، يحاول التخفيف، قبل أن ينطق بالحكم الذي بالتأكيد سيُغير مصائر الجميع…
أستطرد حديثه:
حكمت المحكمة على المتهم
“وليد عزمي مهران”… حسب الدلائل
حيث أن القتل كان بالخطأ ودفاع عن النفس،بالسجن ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ مع بقاء حق النيابة فى إلاستئناف على الحُكم،كذالك من حق المُدعين بالحق طلب الإستئناف…. رفعت الجلسة.
نهض القُضاة سريعًا غادروا القاعة
بينما أول من فتح عيناه طوفان ونظر نحو دُرة
شعر بإنقباض فى قلبه حين رأي تلك الدمعة تسيل فوق إحد وجنتيها، قبل أن تفتح عينيها وترفع إحد يديها تمسح تلك الدموع التى سالت من عين واحدة والثانية تحجرت الدموع بين أهدابها، تشعر كآن عينيها تشارك إنشطار قلبها،
ضاعت العدالة، وسط تهليل وزراغيد والدة ذلك المجرم القابع خلف القضبان يُهلل ويرقُص هو الآخر… لم تستطع النهوض ظلت جالسة، بينما باسل رغم شعوره بغصة تفتك بقلبه لكن مد يده ليساعدها على النهوض، لكن درة لم تستجب، وكأن قدميها إلتصقت في الأرض، تأبى الرحيل قبل أن تستوعب ما حدث…
نظرت إلى القفص حيث يقف ذلك المجرم، يتراقص وكأنه يحتفل بنصرٍ عظيم مُستحق، بينما أمه تزغرد كأنها تزفّه لعُرس… في تلك اللحظة، لم تعد تفهم شيئًا، كيف يفرح الظالم بينما يُجلد قلوب المكلومين.. كيف تتساقط دموعها وحدها بينما يملأ ضحك ذلك المجرم القاعة.
أما باسل، فكان يحاول جاهدًا أن يحتفظ بثباته، لكنه شعر بمرارة تهز كيانه… لكن خوفه الاكبر الآن على دُرة ورد فعلها حدق بوجهها رأى في عينيها كل الألم الذي لم تفصح عنه، وكل الظلم الذي سقط عليهم كصخرةٍ ثقيلة…
بثبات ظاهري همس لها بصوت متحشرج:
دُرة قومي.
لكنه لم يجد منها سوى صمتًا جامدًا، وصورة فتاة أُنهِك قلبها من الظلم، لكنه ما زال ينبض رغم كل شيء… بصعوبة بالغة جذبها باسل حتى إستطاعت الوقوف على قدميها، تسير لجواره… حتى توقف باسل حين توقف أمامه طوفان عيناه لا تفارق دُرة التى أصبحت مثل الدُمية بلا روح تُحرك قدميها، لكنها لا تعرف إلى أين… نظراتها تائهة، مُعلقة في اللاشيء… حتى لم تهتم أو بالأصح لم ترا وقوف طوفان ولا تجاهُل باسل له ومحايدته له يستكمل السير….
بينما حاتم منذ أن فتح عيناه على أصوات التهليل ثار عقله
شعر كأن شيئًا يُكبّله، لكن عقله هو الأكثر ضجيجًا…. من أين يأتي هذا التهليل.. ولماذا يشعر أن قلبه يضرب بقوة كأنه سينفجر بلحظة
نهض ببطء، أنصت أكثر… كان الهتاف يعلو ثم يخفت، يتغلغل في مسامه، يوقظ داخله ذكرى قريبة و”حسام” يُخبره أنه لم يتبقي سوا أيام قليلة على زواجه وأحلامه بهذا اليوم،وتلقيه خبر مقتله بعد ساعات، شعر بضيق حاد في صدره، لا بل إعصارًا يُمزقه من الداخل… رفع يده إلى جبينه، وكأنه يحاول كتم الضجيج الذي يزداد داخله، لكن بلا فائدة… لحظة وأخرى ولم يُفكر وهو يقترب من ذاك القضبان الحديدي بلا تفكير، جذب سلاحه الميري من فوق خصره وفتح صمام الامان،رفع سلاحه، أنفاسه تتسارع كأنها تدفعه إلى الهاوية، لم يكن بحاجة إلى تفكير إضافي، لقد اتخذ قراره… كأنه يُعلنها
“إن كانت عدالة القانون ضعيفة، فماذا عن عدالة الروح بالروح”
تشنجت يده، وانحرف السلاح قليلًا، ليرتد صوت رصاصة أصابت حديد القفص مدويًا في المكان…لم يهتم أنه على شفير الهاوية عيناه ثابتتين لا خوف فيهما، فقط يقين واحد، أن هذا هو القصاص العادل…
سريعًا تدخل الأمن وذهبوا نحوه جعلوه
يُخفض سلاحه، لا يشعرون بكم الألم في الذي بصدره الثائر
صرخ فيهم قالها بصوت مشحون بالغضب والضياع:
قتل حسام دمر فرحته.
مازال يقبض على السلاح بشدة، لكن بصعوبة سيطروا على إندفاعه، أخذوه الى خارج القاعة وضعوه بغرفة جانبية،تركوه وحده لحظات دقائق حتى حاول السيطرة على إندفاعه، أو هكذا ظن…
حين دخل الى الغرفة ذلك القائد ونظر نحو حاتم بلوم قائلًا:
إيه اللى حصل ده يا حضرة الضابط.
كاد يعترض وهو يقول:
ده قاتل يا أفندم، المحكمة كده بتكافئه مش بتعاقبه.
شعر القائد بآسف لكن هو ينفذ القانون، تنهد بآسف وهو يُربت على كتف حاتم:
أنا مقدر موقفك، بس إنت ظابط شرطة مهمتك هي تنفيذ القانون، وعشان حاسس بموقفك هتغاضي عن مُعاقبتك، وبلاش تندفع لسه القضية مخلصتش، لسه الإستئناف، وارد يحصل مفاجأة تغير مسار القضية، حاول تهدا، ودلوقتي أنا هسمح لك بأجازة يومين تحاول تهدا فيهم، إحنا رجال بتنفذ القانون.
بداخله تهكم حاتم، فعن أي قانون يتحدث، عدالة ضالة… لكن تحكم فى ذاته وامأ للقائد بإستجابة واهيه لا أكثر.
❈-❈-❈
مر النهار كان صعبً على البعض وعلى البعض الآخر عكس ذلك
بشقة خاصة بأحد مُدن المنيا
وضعت تلك السيدة الأرجيلة وجلست جوارها أيضًا، تناول ذلك الجالس الخرطوم قائلة:
” الف مبروك يا سي عزمي”.
أخذ منها الخرطوم نفث دخان كثيف قائلًا بإستفسار:
مبروك على إيه يا” إبتهاج”.
أجابته ببراءة:
على براءة سي وليد،مش هو طلع براءة من الجضية.
ضيق بين عينيه سائلًا بنبرة إستفسار مصحوبة بنبرة شك:
وإنتِ عرفتي منين إن وليد خد براءة.
توترت إبتهاج قليلًا، لكنها حاولت السيطرة على نفسها سريعًا، فابتسمت وهي ترد بنبرة مُتحفظة:
الخبر انتشر في المنطقة، والناس كلها بتتكلم عنه. مش انت عارف إن الحاجات دي بتتنقل بسرعة.
ظل عزمي يحدق فيها للحظات، ثم أعاد سحب نفسٍ عميق من الأرجيلة قائلًا بخباثة:
آه.. صحيح، الحاجات دي بتتنقل بسرعة، بس مش لأي حد.
رغم محاولتها إخفاء ارتباكها، إلا أن يدها امتدت لا إراديًا نحو كوب الشاي الموضوع أمامها، رفعته إلى شفتيها لتخفي رعشة خفيفة، لكنها شعرت بنظراته تحاصرها… وهو يسألها بنبرة شك:
عرفتي منين يا إبتهاج.، إنتِ بتروحي فين من ورايا.
ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تضع الكوب على الطاولة، ثم قالت بتردد مصحوب بمحاولة للتملص:
والله عرفت صدفة كنت فى السوق بشتري خُضار و سمعت الخبر وفرحت بيه.
ابتسم عزمي نصف ابتسامة، تلك التي تحمل وراءها ألف سؤال وألف احتمال، ثم قال بنبرة بطيئة لكنها ثقيلة بالمعاني:
طيب يا سِت ابتهاج، لو سمعتِ حاجة تانية.. برضو قوليلي، ها.
أومأت برأسها سريعًا، بينما كان قلبها يخفق بقوة، متساءلة إن كان قد صدقها أم أنه فقط يمنحها مساحة كافية لتورط نفسها أكثر…أخفت توترها الزائد وهي تنهض من على الأرض قائلة:
الفحم إنطفي هجيب غيره من المطبخ.
غابت عن عيناه بينما هو يتابع سحب نفس آخر من الأرجيلة ببطء، وعيناه مسلطتان على البخار المتصاعد أمامه، لكنه في الحقيقة لم يكن يرى الدخان، بل كان يحاول تحليل الموقف… إبتهاج مش ساذجة، وعمرها ما كانت تنقل كلام لمجرد النقل…فكّر في نفسه وهو يمرر أصابعه على لحيته القصيرة.
حرك الخرطوم بين يديه، ثم ضرب طرفه على حافة الطاولة بحركة غير مقصودة، وكأنها ترجمة لحيرته…
عاد بظهره للوراء، مسندًا رأسه للحائط، وهو يردد في داخله:
الموضوع مش داخل دماغي.
بنفس اللحظة، عادت ابتهاج تحمل بيدها ملقط الفحم وطبق صغير به قطع جديدة متوهجة، فوضعتهم على المنقد أمامه قبل أن ترفع نظرها إليه بحذر، متسائلة إن كان قد نسي حديثهما أم لا… لكنه باغتها بسؤال آخر، هذه المرة بنبرة أكثر هدوءًا لكنها أكثر ضغطًا أيضًا:
والناس كانت بتقول ايه فى السوق كمان.
توترت إبتهاج مجاوبة:
معرفش أنا جولت اللى سمعته.
نظر لها بشك لكن أخفي ذلك وهو يضع خرطوم الأرجيله على الطاولة ثم جذبها على غفلة، شهقت بخضة سُرعان ما بدلت شهقتها الى ضحكة خليعة وهي ترا تلك النظرة التى تضُخ بالرغبة الشهوانية الواضحة ابتسم وهو يراقب ضحكتها ، قبل أن يمد يده ببطء، ينزع ذلك المئزر عن جسدها ،يُراقب ارتجاف أنفاسها الخافتة…ثم همس بصوت خفيض لكنه محمل بالضغط ذاته:
متأكدة إن ده كل اللي سمعتيه.
أخفضت عينيها سريعًا وأومأت برأسها قائلة بصوت مهتز قليلًا:
هو ده اللي سمعته… والناس بتتكلم كتير، وكل واحد بيزود من عنده.
لم يقل شيئًا للحظات، فقط ظل يراقبها بصمت، يداه تسير تُعطي دافئًا لجلدها البارد تحت لمساته… التقط أنفاسها ببطء، وكأن صبره بدأ ينفد… وهو يُقبلها بشهوانية، ثم ترك شفتيها قائلًا:
ابقي بعد كده ركزي كويس فى اللى بتسمعيه، وابقي قولي لي لو افتكرتي حاجة تانية، مفهوم.
رفعت وجهها إليه، تنظر له بنظرة مترددة تملأ عينيها، لكنها وجدت في عينيه شيئًا جعلها تبتلع ريقها ببطء… شيئًا جعل قلبها يضطرب من جديد… وأمأت رأسها بقبول… لمعت عيناه كأنه السيد وهي الخاضعة، شعور مُميز من تلك الرهبة الذى يراها بعينيها، شعور مفقود لديه مع زوجته الأولى وأم إبنيه التى يشعر أنها إمرأة جليدية بلا مشاعر أنثوية رقيقة، عكس تلك الخاضعة التى أسفله، شعور بالنقص هي تُكمله، بل تُغرقه فيه حتى ينسى كل ما افتقده من سطوة… يُدرك أنها ليست مجرد استسلام، بل استسلام مشوب بالخوف والتردد، لكنه استسلام رغم ذلك… نظر إليها بعينيه الحادتين، متلذذًا بذلك التباين بين قوتها الخارجية وبين الرهبة التي تتملكها الآن… تلك الرجفة التي تسري في أوصالها لم تكن فقط من رهبة الموقف، بل من شيء آخر… شيء يجذبها نحوه رغم كل محاولات عقلها للهرب… تراه سيدًا بالفعل، ليس بالقوة فقط، بل بقدرته على جعلها تستجيب له، على أن يفرض حضوره الطاغي حتى دون أن يطلب.
أما هو فشعر بلذة الانتصار. لذة جعلته يزداد تعلقًا بها، ليس كحبيبة ، بل كإنسان يضفي عليه إحساسًا لم يعرفه من قبل… إحساسًا بأنثى تعترف به، تخشاه، وتتهاوى أمامه، رغم كل محاولاتها للصمود…لكن بهذه اللحظة هو السيد المُبجل.
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
ليلًا
لم تستطيع كريمان النوم وهي تشعر بالخوف والقلق على دُرة، ردة فعلها الصامته توجع بشدة، ليتها تصرخ قد ترتاح من ذلك الثُقل على صدرها.. لامت نفسها لما إستسلمت لها و نهضت من فراشها متجهة إلى النافذة، علّها تجد في الظلام سكينة تهدئ من روعها. كان الليل هادئًا بشكل مخيف، لا صوت سوى دقات قلبها المتسارعة. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها وهي تستعيد نظرات دُرة الشاحبة، صمتها الموجع، والبرود الذي غلف ملامحها كأنها تخلت عن كل شيء حتى عن الألم…
أغمضت عينيها بقوة، كأنها تحاول طرد أفكارها، لكن الشعور بالذنب كان ينهشها بلا رحمة… لماذا لم تصرّ على الحديث معها أكثر لماذا تركتها تغرق في صمتها دون أن تحاول كسر جدار الجمود التي تتظاهر به دُرة، والليل ينسحب حتى إقترب الفجر وهي مازالت جالسه تنظر الى ذلك الألبوم تارة تبتسم بعفوية وتارة تسيل دموع الفقدان المريرة…”مختار” تزوجا عن قصة حُب،رغم رفض والدته لها فى البداية بحِجة أنها ليست صعيدية “مصراوية”كما لقبتها”المصراوية الجريئة”
كيف لفتاة بمقتبل العقد الثاني من عمرها وتتغرب بعيد عن أهلها من أجل وظيفة مُمرضة بأحد مشافي المنيا…لكنه كان القدر الذي جاء بها لتلتقي بحبيب عمرها الذي سرق قلبها منذ اللحظة الأولى، بنظراته الواثقة وابتسامته الدافئة التي لم تفارق مخيلتها يومًا… مختار كان مختلفًا بروحه القوية واعتزازه بجذوره الصعيدية…. لم تبالِ بكلام والدته، ولا بالرفض الذي واجهته، فحبها له كان أقوى من أي اعتراض… لكن الحب وحده لم يكن كافيًا ليحميها من قسوة الأيام… كم تمنت لو أن الزمن توقف عند لحظات سعادتها معه ذكري ليلة زفافهم وخجلها الذي غمر وجنتيها حين همس باسمها لأول مرة بصوت يملؤه الشوق… كانت تلك الليلة حلمًا تجسد في الواقع، حيث اختلطت مشاعرها بين الفرح والخجل، وبين الخوف من المجهول والأمل بحياة دافئة في كنفه… لم تكن الأيام كلها، حُب فقط بل مشاعر مُتعددة بينهم، تشعبت بقلوبهم، زواج كان متوقع فشله بأشهر قليلة إستمر ونضج الحُب وتشعب لمشاعر كثيرة، فرحة أول طفلة كانت دُرة شقاوتها وهي صغيرة تعلُقها بـ مختار، ذكري ميلاد باسل رغم صِغر عُمره لكن يمتاز بكثير من خِصال مُختار،
تنهدت كريمان وهي تقلب صفحات الألبوم، تراقب صور الماضي كأنها تبحث عن إجابة بين الذكريات… كانت دُرة أول ثمرة لهذا الحب، طفلة جميلة بعينيها السوداء الواسعتين، لكن شيئًا ما في تلك العيون تغيّر… أصبحت شاحبة، خاوية، كأنها تحمل همومًا ..
ذكريات إنتهت بدموع فُراق جائر، مُختار لم يكُن يستحق تلك النهاية البشعة على يد ذلك القاتل القذر، لكنه القدر
كم تمنت لو استطاعت أن تعود بالزمن إلى تلك اللحظات، حين كان يمسك بيديها برفق، يقسم لها أن تكون سعادتها غايته… ولكن الزمن لا يعود، والواقع لا يعرف الرحمة أغلقت الألبوم.. نهضت تشعر ببعض التقلُصات بظهرها، لم تهتم بها، وقررت الذهاب الى غرفة أول ثمرة جمعت بينها وبين مختار
أغلقت الألبوم ببطء، نظرت إلى خارج الشرفة…ظلام الليل يقترب على الرحيل
مازال ينتابها شعور القلق بل ينهش بضراوة، وضعت الالبوم على الطاولة ونهضت تعلم الى أين، بعد لحظات فتحت غرفة دُرة بهدوء، كانت الغرفة مُظلمة للغاية، شعرت بتوجس وأشعلت الضوء، سُرعان ما خفق قلبها بشدة حين نظرت نحو الفراش كان فارغًا، تجولت عيناها بالغرفة، لم تكُن موجودة، شعرت بقلق سريعًا بدأت بالبحث عنها بين أركان المنزل لكن ليست موجودة، إزداد الخوف والقلق والتوجس، وعقلها يسأل بذهول…
أين ذهبت بهذا الوقت.
❈-❈-❈
أثناء سيرهُ سمع آنين بُكاء، ذهب نحوه سريعًا أشعل ضوء هاتفه ونظر أمامه بذهول قائلًا:
دُرة!
توقعت إنك تجي لهنا.
نظرت له بكراهية حادة قائلة بإتهام مباشر:
إنت السبب، إنت كنت عارف إن الحُكم هيبقي ضعيف، عشان كده سلمت القاتل للشرطة.
أجابها وهو يقترب منها بدفاع:
أنا عملت اللى كان لازم يحصل… ومتأكد لو عمي مختار مكاني كان هيعمل نفس الشئ يا دُرة.
نظرت له بإزدراء وقاطعته بشبه صُراخ:
متجبش سيرة بابا، إنت كداب، إنت خوفت على نفسك.
توجع قلبه وأصبح المسافة صغيرة بينهما، لكنه لم يتراجع… أخذ نفسًا عميقًا محاولًا تهدئتها، لكن دموعها كانت تُخبره أن الغضب ليس الشيء الوحيد الذي تشعر به، بل الخذلان أيضًا.
دافع بصوت هادئ لكنه مُصر:
دُرة، أنا خوفت عليكِ وعلى باسل، مش على نفسي… كنت عارف إن القانون ممكن ميحققش العدالة اللي كنتِ عايزاها، بس لو كنتِ خدتي حقك بإيدك، كنتِ هتضيعي حياتك.
قهقهت بسخرية مُرة ومسحت دموعها بعنف:
حياتي ضاعت من يوم ما بابا وحسام إتقتلوا.
غص قلبه بشدة، رغم أنه كان يتوقع تلك الكلمات… نظر إلى وجهها المتعب، إلى عينيها اللتين رغم الغضب ما زالتا تحملان بريق الألم الذي يعرفه جيدًا توقفت أنفاسها للحظة، لكنها لم ترد،كآن عقلها تائه بين الغضب والحنين، بين الرغبة في الصراخ وبين الرغبة في كتمان ذلك الألم…
نبضات قلبها قلبها تتسارع بعنف، وكأنها تُذكرها بكل لحظة خذلان، بكل دمعة حبستها، وبكل صرخة لم تستطع إطلاقها… لم تكن تريد أن تظهر ضعفها أمامه، لكنها لم تستطع إخفاء ألمها أكثر.
شعر بتهتك نياط قلبه،مد يده إليها بأمل، وكأنه يقترب من نصل حاد قد يجرحه في أي لحظة، همس بصوت مبحوح:
دُرة… أنا مش عدوك.
رفعت عينيها نحوه ببطء، كانت نظرتها مزيجًا من الاحتقار… تكرهه بقدر ما كانت تحتاج الى يد والدها الآن تنتشلها من ذلك التوهان يضمها يُضمد ذلك الوجع الذي يكاد يفتك بها وليته يفعل ذلك وتنتهي… بعين مغشية من كثرة الدموع، تفوهت بصرامة
إبعد عن طريقي يا طوفان، اللى بينا هو الدم اللى إنت ضيعت حقه…
فى اللحظة اللي سلمت فيها القاتل بإيدك.
تصلبت كلماته في حلقه، شعر وكأنها أطلقت عليه رصاصة مباشرة إلى صدره، لكنه لم يتحرك… ظل ينظر إليها بعينين تحملان وجعًا لا يقل عن وجعها.
قال بهدوء قاتل، كأنه يحاول لملمة ما تبقى من روحه:
لو كان بإيدي كنت رجعت الزمن لورا… بس مكنش عندي اختيار تاني، دُرة.
قهقهت مجددًا، لكن ضحكتها كانت أكثر وجعًا هذه المرة، ، وها هي تُعلن انسحابها، أو ربما هزيمتها أمام كل شيء:
لأ، كان عندك اختيار… بس اخترت إنك تفضل خاين
شعر وكأن كلماتها صفعت روحه، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يُتهم فيها بالخيانة، ولن تكون الأخيرة… لكنها الأكثر إيلامًا، الأكثر تمزيقًا لما تبقى منه… كأنها غرست خنجرًا في قلبه ثم أدارت النصل ببطء، لتتأكد من أنه لن يُشفى أبدًا.
«يتبع»
ده آخر فصل فى رمضان، ❤❤❤كل عام وانتم بخير❤ ربنا يعود علينا الايام المباركة بخير دايمًا ياااارب 🤲🏻❤❤ أفتكروني فى دعواتكم، ولكم بالمثل وأكثر
الفصل الجاي الثلاثاء وهيبقي فى انتظام حسب التفاعل طبعًا
❤❤❤كل عام وانتم بخير❤❤❤
للحكاية بقية
﷽
#طوفان_الدُرة “ملحمة طوفان هزمهُ العشق”
الطوفان السادس
#سعادمحمدسلامه
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
القلق ينهش قلب كريمان،تشعر بالندم ليتها ذهبت معهم الى المحكمة ليس لمعرفة النُطق بالحُكم بل بالبقاء جانب أبنائها، القلق ينهشها أكتر من رد فعل دُرة، باسل لديه قُدرة فى التحكم فى أعصابه عكس دُرة مُندفعة للغاية وقت عصبيتها لا تُفكر وتفقد السيطرة على كلماتها وتصرفاتها، مما قد يُفاقم الأمور… تتخيل أسوأ السيناريوهات، تخشى أن تُقدم دُرة على تصرف طائش يُعقد الموقف أكثر… تُراقب عقارب الساعة وهي تتمنى لو بإمكانها تسريع الزمن، أو استعادت الوقت لتصحح قرارها وذهبت معهم، تُمسك هاتفها بتوتر، تُفكر في الاتصال بـ باسل، لكنها تراجعت، تعلم أنه قد لا يرُد في مثل هذه اللحظات.
تنهدت بأسي وهي تتذكر ليلة أمس، حاولت تهدئة دُرة وإقناعها بعدم حضور جلسة المحكمة لكن كان بلا جدوى، دُرة أشبه ببركان على وشك الانفجار، عيناها تلمعان بالغضب، وكلماتها تُقطر تحديًا… باسل كان هادئًا كعادته، لكن أحيانًا الصمت أسوء وأكثر إثارة للقلق من اظهار الانفعال…. أغلقت كريمان عينيها للحظة تحاول الثبات،سُرعان فتحتها على صوت رنين هاتفها ، إنتفضت يدها كذالك قلبها بصدرها قبل أن تفتح الهاتف… وترا هوية من يتصل… هل خاب توقع النُطق بالحُكم وتحققت العدالة بيظ القانون… أم أن الكارثة المتوقعة قد وقعت….
خاب ذلك حين علمت هوية المُتصل حاولت تمالك أعصابها، إلا أن ارتجافة خفيفة سرت في أطرافها رغمًا عنها… حدقت في الشاشة للحظات، ثم قامت بالرد:
مساء الخير يا ماما.
تفوهت والدتها بقلق سألة:
إيه الأخبار عندك… عرفتي المحكمة حكمت بإيه.
أجابتها بقلق مُستعر:
لاء، بندم ياريتني روحت معاهم، قلبي مش مطمن وخايفه من دُرة أكتر من باسل، باسل بيعرف يتحكم فى أعصابه، إنما دُرة إنتِ عارفاها، بتتعصب بسرعة… وتفقد سيطرتها على أعصابها.
حاولت والدتها تهدئتها قائلة:
لاء متقلقيش إن شاء الله القانون هيحكم بالعدل و….
قاطع حديث والدتها صوت رنين الهاتف الأرضي للمنزل، دب القلق فى قلب كريمان وإنتفض جسدها برعشة قويه وتعلثمت فى الرد على والدتها وأغلقت الهاتف دون وعي منها، توقفت لحظات تنظر الى الهاتف الأرضي حتى توقف الرنين، ينبض قلبها بعنف، ونظراتها لم تفارق الهاتف، كأنها تتوقع أن يدق مرة أخرى حاملاً معها خبرًا بالتأكيد سيُغير كل شيء… بالفعل عاود الرنين، سُرعان ما رفعت سماعة الهاتف، وهي تسمع حديث المحامي:
إحنا عملنا اللى علينا بس للآسف المحكمة لها، بالادلة والبراهين، كمان شهادة الشهود.
بعقلها أغلقت الهاتف لا تود سماع أكثر من ذلك ليتأكد حدس قلبها، والآن لابد من قرار أن لا تنتظر، بالفعل، أخذت هاتفها وكادت تخرج من المنزل لكن تصنمت مكانها حين رأت من يقترب منها، تفوهت بصوت مختنق:
إنت…
اتسعت عيناها في ذهول، وقلبها يشتعل غضبً لم تكن تتوقع رؤيته هنا، في هذه اللحظة بالذات… كان وجهه جامدًا، يخفي وراءه شيئًا لا تستطيع قراءته، لكن نظراته كانت كفيلة بأن تتيقن أن العدالة إنتهي دورها بخسارة…وضياع الحق…والقادم إعصار.
❈-❈-❈-❈-❈
على الجانب الاخر بمنزل طوفان
بغرفة وجدان، ختمت قراءة القرآن، أغلقت المصحف ووضعته جانبًا، ثم نهضت من فوق الفراش… سارت بخطوات هادئة نحو شُرفة الغرفة، تنظر إلى الخارج داعبت الشمس القوية عينيها، فأغمضتهما سريعًا قبل أن تتراجع قليلًا إلى جانب به ظل يحميها من وهجها القاسي
عقلها لم يكن أقل اضطرابًا من قلبها، أفكارها تتشابك كسُحب صيفية ثقيلة توشك أن تمطر… على يقين أن هناك عاصفة تلوح في الأفق، لكنها لم تكن تملك سوى الانتظار، والمقاومة بصمت
رغم عِلمها أن القضية لا تمس طوفان مباشرةً، إلا أن القلق يضرب قلبها بلا هوادة… تلك القضية قد تكون إعصارًا يضرب الجميع، لا يترك خلفه سوى الفوضى والدمار، وقد يدخل طوفان وسط ذلك، ويتحقق ما يُرعبها… أن يُرغم على الاندفاع نحو قلب العاصفة، حيث لا ملاذ ولا مفر…. كل الطرق تبدو محفوفة بالمخاطر، وكل الاحتمالات تقود إلى هاوية مجهولة… تنهدت بعمق، محاولةً كبح ارتجافة خفيفة تسللت إلى أناملها… عليها أن تجد مخرجًا قبل أن تبتلعهم العاصفة جميعًا…
والسؤال الذي لا إجابة له
ماذا تفعل، كي تبعد طوفان عن ذلك الإعصار القادم…
طوفان…
نطق إسمه قلبها
طوفان التي خافت أن يرث جحود والده أنقذته منه تسع أعوام شكلت شخصية أخري بعيدة عن مُبتغي والده القاسي، رغم كل ذلك الحذر بالنهاية كان القدر، الذي أجبره على التنازل عن أمنياته والإستسلام لرغبات وأمنيات والده حاول الهروب منها … لكن بلحظة فاز القدر وتحققت أمنيات والده،كأنها قدرًا موصود.
❈-❈-❈
المحكمة
الصمت للحظات كان كفيل بسماع دوي نبضات قلوب الجميع، وهم ينتظرون سماع الحُكم، حتى القاضي نفسه بداخله يشعر بآسف مصحوب بتوتر غريب، وكأن كلماته القادمة ستحمل ثُقل العالم على كاهله… كانت معظم العيون تنظر نحوه، تترقب بشغف ممزوج بالخوف، بينما الهواء في القاعة أصبح أثقل، يكاد يُسمع صوت الأنفاس المتلاحقة… رفع القاضي نظره عن الأوراق أمامه، تنحنح قليلًا، ثم قال بصوت هادئ لكنه حاسم:
“بعد النظر والمداولة في جميع الأدلة والاستماع إلى أقوال الشهود..”
ثم توقف للحظة، وكأنه يمنح الزمن فرصة للتمدد أكثر، يحاول التخفيف، قبل أن ينطق بالحكم الذي بالتأكيد سيُغير مصائر الجميع…
أستطرد حديثه:
حكمت المحكمة على المتهم
“وليد عزمي مهران”… حسب الدلائل
حيث أن القتل كان بالخطأ ودفاع عن النفس،بالسجن ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ مع بقاء حق النيابة فى إلاستئناف على الحُكم،كذالك من حق المُدعين بالحق طلب الإستئناف…. رفعت الجلسة.
نهض القُضاة سريعًا غادروا القاعة
بينما أول من فتح عيناه طوفان ونظر نحو دُرة
شعر بإنقباض فى قلبه حين رأي تلك الدمعة تسيل فوق إحد وجنتيها، قبل أن تفتح عينيها وترفع إحد يديها تمسح تلك الدموع التى سالت من عين واحدة والثانية تحجرت الدموع بين أهدابها، تشعر كآن عينيها تشارك إنشطار قلبها،
ضاعت العدالة، وسط تهليل وزراغيد والدة ذلك المجرم القابع خلف القضبان يُهلل ويرقُص هو الآخر… لم تستطع النهوض ظلت جالسة، بينما باسل رغم شعوره بغصة تفتك بقلبه لكن مد يده ليساعدها على النهوض، لكن درة لم تستجب، وكأن قدميها إلتصقت في الأرض، تأبى الرحيل قبل أن تستوعب ما حدث…
نظرت إلى القفص حيث يقف ذلك المجرم، يتراقص وكأنه يحتفل بنصرٍ عظيم مُستحق، بينما أمه تزغرد كأنها تزفّه لعُرس… في تلك اللحظة، لم تعد تفهم شيئًا، كيف يفرح الظالم بينما يُجلد قلوب المكلومين.. كيف تتساقط دموعها وحدها بينما يملأ ضحك ذلك المجرم القاعة.
أما باسل، فكان يحاول جاهدًا أن يحتفظ بثباته، لكنه شعر بمرارة تهز كيانه… لكن خوفه الاكبر الآن على دُرة ورد فعلها حدق بوجهها رأى في عينيها كل الألم الذي لم تفصح عنه، وكل الظلم الذي سقط عليهم كصخرةٍ ثقيلة…
بثبات ظاهري همس لها بصوت متحشرج:
دُرة قومي.
لكنه لم يجد منها سوى صمتًا جامدًا، وصورة فتاة أُنهِك قلبها من الظلم، لكنه ما زال ينبض رغم كل شيء… بصعوبة بالغة جذبها باسل حتى إستطاعت الوقوف على قدميها، تسير لجواره… حتى توقف باسل حين توقف أمامه طوفان عيناه لا تفارق دُرة التى أصبحت مثل الدُمية بلا روح تُحرك قدميها، لكنها لا تعرف إلى أين… نظراتها تائهة، مُعلقة في اللاشيء… حتى لم تهتم أو بالأصح لم ترا وقوف طوفان ولا تجاهُل باسل له ومحايدته له يستكمل السير….
بينما حاتم منذ أن فتح عيناه على أصوات التهليل ثار عقله
شعر كأن شيئًا يُكبّله، لكن عقله هو الأكثر ضجيجًا…. من أين يأتي هذا التهليل.. ولماذا يشعر أن قلبه يضرب بقوة كأنه سينفجر بلحظة
نهض ببطء، أنصت أكثر… كان الهتاف يعلو ثم يخفت، يتغلغل في مسامه، يوقظ داخله ذكرى قريبة و”حسام” يُخبره أنه لم يتبقي سوا أيام قليلة على زواجه وأحلامه بهذا اليوم،وتلقيه خبر مقتله بعد ساعات، شعر بضيق حاد في صدره، لا بل إعصارًا يُمزقه من الداخل… رفع يده إلى جبينه، وكأنه يحاول كتم الضجيج الذي يزداد داخله، لكن بلا فائدة… لحظة وأخرى ولم يُفكر وهو يقترب من ذاك القضبان الحديدي بلا تفكير، جذب سلاحه الميري من فوق خصره وفتح صمام الامان،رفع سلاحه، أنفاسه تتسارع كأنها تدفعه إلى الهاوية، لم يكن بحاجة إلى تفكير إضافي، لقد اتخذ قراره… كأنه يُعلنها
“إن كانت عدالة القانون ضعيفة، فماذا عن عدالة الروح بالروح”
تشنجت يده، وانحرف السلاح قليلًا، ليرتد صوت رصاصة أصابت حديد القفص مدويًا في المكان…لم يهتم أنه على شفير الهاوية عيناه ثابتتين لا خوف فيهما، فقط يقين واحد، أن هذا هو القصاص العادل…
سريعًا تدخل الأمن وذهبوا نحوه جعلوه
يُخفض سلاحه، لا يشعرون بكم الألم في الذي بصدره الثائر
صرخ فيهم قالها بصوت مشحون بالغضب والضياع:
قتل حسام دمر فرحته.
مازال يقبض على السلاح بشدة، لكن بصعوبة سيطروا على إندفاعه، أخذوه الى خارج القاعة وضعوه بغرفة جانبية،تركوه وحده لحظات دقائق حتى حاول السيطرة على إندفاعه، أو هكذا ظن…
حين دخل الى الغرفة ذلك القائد ونظر نحو حاتم بلوم قائلًا:
إيه اللى حصل ده يا حضرة الضابط.
كاد يعترض وهو يقول:
ده قاتل يا أفندم، المحكمة كده بتكافئه مش بتعاقبه.
شعر القائد بآسف لكن هو ينفذ القانون، تنهد بآسف وهو يُربت على كتف حاتم:
أنا مقدر موقفك، بس إنت ظابط شرطة مهمتك هي تنفيذ القانون، وعشان حاسس بموقفك هتغاضي عن مُعاقبتك، وبلاش تندفع لسه القضية مخلصتش، لسه الإستئناف، وارد يحصل مفاجأة تغير مسار القضية، حاول تهدا، ودلوقتي أنا هسمح لك بأجازة يومين تحاول تهدا فيهم، إحنا رجال بتنفذ القانون.
بداخله تهكم حاتم، فعن أي قانون يتحدث، عدالة ضالة… لكن تحكم فى ذاته وامأ للقائد بإستجابة واهيه لا أكثر.
❈-❈-❈
مر النهار كان صعبً على البعض وعلى البعض الآخر عكس ذلك
بشقة خاصة بأحد مُدن المنيا
وضعت تلك السيدة الأرجيلة وجلست جوارها أيضًا، تناول ذلك الجالس الخرطوم قائلة:
” الف مبروك يا سي عزمي”.
أخذ منها الخرطوم نفث دخان كثيف قائلًا بإستفسار:
مبروك على إيه يا” إبتهاج”.
أجابته ببراءة:
على براءة سي وليد،مش هو طلع براءة من الجضية.
ضيق بين عينيه سائلًا بنبرة إستفسار مصحوبة بنبرة شك:
وإنتِ عرفتي منين إن وليد خد براءة.
توترت إبتهاج قليلًا، لكنها حاولت السيطرة على نفسها سريعًا، فابتسمت وهي ترد بنبرة مُتحفظة:
الخبر انتشر في المنطقة، والناس كلها بتتكلم عنه. مش انت عارف إن الحاجات دي بتتنقل بسرعة.
ظل عزمي يحدق فيها للحظات، ثم أعاد سحب نفسٍ عميق من الأرجيلة قائلًا بخباثة:
آه.. صحيح، الحاجات دي بتتنقل بسرعة، بس مش لأي حد.
رغم محاولتها إخفاء ارتباكها، إلا أن يدها امتدت لا إراديًا نحو كوب الشاي الموضوع أمامها، رفعته إلى شفتيها لتخفي رعشة خفيفة، لكنها شعرت بنظراته تحاصرها… وهو يسألها بنبرة شك:
عرفتي منين يا إبتهاج.، إنتِ بتروحي فين من ورايا.
ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تضع الكوب على الطاولة، ثم قالت بتردد مصحوب بمحاولة للتملص:
والله عرفت صدفة كنت فى السوق بشتري خُضار و سمعت الخبر وفرحت بيه.
ابتسم عزمي نصف ابتسامة، تلك التي تحمل وراءها ألف سؤال وألف احتمال، ثم قال بنبرة بطيئة لكنها ثقيلة بالمعاني:
طيب يا سِت ابتهاج، لو سمعتِ حاجة تانية.. برضو قوليلي، ها.
أومأت برأسها سريعًا، بينما كان قلبها يخفق بقوة، متساءلة إن كان قد صدقها أم أنه فقط يمنحها مساحة كافية لتورط نفسها أكثر…أخفت توترها الزائد وهي تنهض من على الأرض قائلة:
الفحم إنطفي هجيب غيره من المطبخ.
غابت عن عيناه بينما هو يتابع سحب نفس آخر من الأرجيلة ببطء، وعيناه مسلطتان على البخار المتصاعد أمامه، لكنه في الحقيقة لم يكن يرى الدخان، بل كان يحاول تحليل الموقف… إبتهاج مش ساذجة، وعمرها ما كانت تنقل كلام لمجرد النقل…فكّر في نفسه وهو يمرر أصابعه على لحيته القصيرة.
حرك الخرطوم بين يديه، ثم ضرب طرفه على حافة الطاولة بحركة غير مقصودة، وكأنها ترجمة لحيرته…
عاد بظهره للوراء، مسندًا رأسه للحائط، وهو يردد في داخله:
الموضوع مش داخل دماغي.
بنفس اللحظة، عادت ابتهاج تحمل بيدها ملقط الفحم وطبق صغير به قطع جديدة متوهجة، فوضعتهم على المنقد أمامه قبل أن ترفع نظرها إليه بحذر، متسائلة إن كان قد نسي حديثهما أم لا… لكنه باغتها بسؤال آخر، هذه المرة بنبرة أكثر هدوءًا لكنها أكثر ضغطًا أيضًا:
والناس كانت بتقول ايه فى السوق كمان.
توترت إبتهاج مجاوبة:
معرفش أنا جولت اللى سمعته.
نظر لها بشك لكن أخفي ذلك وهو يضع خرطوم الأرجيله على الطاولة ثم جذبها على غفلة، شهقت بخضة سُرعان ما بدلت شهقتها الى ضحكة خليعة وهي ترا تلك النظرة التى تضُخ بالرغبة الشهوانية الواضحة ابتسم وهو يراقب ضحكتها ، قبل أن يمد يده ببطء، ينزع ذلك المئزر عن جسدها ،يُراقب ارتجاف أنفاسها الخافتة…ثم همس بصوت خفيض لكنه محمل بالضغط ذاته:
متأكدة إن ده كل اللي سمعتيه.
أخفضت عينيها سريعًا وأومأت برأسها قائلة بصوت مهتز قليلًا:
هو ده اللي سمعته… والناس بتتكلم كتير، وكل واحد بيزود من عنده.
لم يقل شيئًا للحظات، فقط ظل يراقبها بصمت، يداه تسير تُعطي دافئًا لجلدها البارد تحت لمساته… التقط أنفاسها ببطء، وكأن صبره بدأ ينفد… وهو يُقبلها بشهوانية، ثم ترك شفتيها قائلًا:
ابقي بعد كده ركزي كويس فى اللى بتسمعيه، وابقي قولي لي لو افتكرتي حاجة تانية، مفهوم.
رفعت وجهها إليه، تنظر له بنظرة مترددة تملأ عينيها، لكنها وجدت في عينيه شيئًا جعلها تبتلع ريقها ببطء… شيئًا جعل قلبها يضطرب من جديد… وأمأت رأسها بقبول… لمعت عيناه كأنه السيد وهي الخاضعة، شعور مُميز من تلك الرهبة الذى يراها بعينيها، شعور مفقود لديه مع زوجته الأولى وأم إبنيه التى يشعر أنها إمرأة جليدية بلا مشاعر أنثوية رقيقة، عكس تلك الخاضعة التى أسفله، شعور بالنقص هي تُكمله، بل تُغرقه فيه حتى ينسى كل ما افتقده من سطوة… يُدرك أنها ليست مجرد استسلام، بل استسلام مشوب بالخوف والتردد، لكنه استسلام رغم ذلك… نظر إليها بعينيه الحادتين، متلذذًا بذلك التباين بين قوتها الخارجية وبين الرهبة التي تتملكها الآن… تلك الرجفة التي تسري في أوصالها لم تكن فقط من رهبة الموقف، بل من شيء آخر… شيء يجذبها نحوه رغم كل محاولات عقلها للهرب… تراه سيدًا بالفعل، ليس بالقوة فقط، بل بقدرته على جعلها تستجيب له، على أن يفرض حضوره الطاغي حتى دون أن يطلب.
أما هو فشعر بلذة الانتصار. لذة جعلته يزداد تعلقًا بها، ليس كحبيبة ، بل كإنسان يضفي عليه إحساسًا لم يعرفه من قبل… إحساسًا بأنثى تعترف به، تخشاه، وتتهاوى أمامه، رغم كل محاولاتها للصمود…لكن بهذه اللحظة هو السيد المُبجل.
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
ليلًا
لم تستطيع كريمان النوم وهي تشعر بالخوف والقلق على دُرة، ردة فعلها الصامته توجع بشدة، ليتها تصرخ قد ترتاح من ذلك الثُقل على صدرها.. لامت نفسها لما إستسلمت لها و نهضت من فراشها متجهة إلى النافذة، علّها تجد في الظلام سكينة تهدئ من روعها. كان الليل هادئًا بشكل مخيف، لا صوت سوى دقات قلبها المتسارعة. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها وهي تستعيد نظرات دُرة الشاحبة، صمتها الموجع، والبرود الذي غلف ملامحها كأنها تخلت عن كل شيء حتى عن الألم…
أغمضت عينيها بقوة، كأنها تحاول طرد أفكارها، لكن الشعور بالذنب كان ينهشها بلا رحمة… لماذا لم تصرّ على الحديث معها أكثر لماذا تركتها تغرق في صمتها دون أن تحاول كسر جدار الجمود التي تتظاهر به دُرة، والليل ينسحب حتى إقترب الفجر وهي مازالت جالسه تنظر الى ذلك الألبوم تارة تبتسم بعفوية وتارة تسيل دموع الفقدان المريرة…”مختار” تزوجا عن قصة حُب،رغم رفض والدته لها فى البداية بحِجة أنها ليست صعيدية “مصراوية”كما لقبتها”المصراوية الجريئة”
كيف لفتاة بمقتبل العقد الثاني من عمرها وتتغرب بعيد عن أهلها من أجل وظيفة مُمرضة بأحد مشافي المنيا…لكنه كان القدر الذي جاء بها لتلتقي بحبيب عمرها الذي سرق قلبها منذ اللحظة الأولى، بنظراته الواثقة وابتسامته الدافئة التي لم تفارق مخيلتها يومًا… مختار كان مختلفًا بروحه القوية واعتزازه بجذوره الصعيدية…. لم تبالِ بكلام والدته، ولا بالرفض الذي واجهته، فحبها له كان أقوى من أي اعتراض… لكن الحب وحده لم يكن كافيًا ليحميها من قسوة الأيام… كم تمنت لو أن الزمن توقف عند لحظات سعادتها معه ذكري ليلة زفافهم وخجلها الذي غمر وجنتيها حين همس باسمها لأول مرة بصوت يملؤه الشوق… كانت تلك الليلة حلمًا تجسد في الواقع، حيث اختلطت مشاعرها بين الفرح والخجل، وبين الخوف من المجهول والأمل بحياة دافئة في كنفه… لم تكن الأيام كلها، حُب فقط بل مشاعر مُتعددة بينهم، تشعبت بقلوبهم، زواج كان متوقع فشله بأشهر قليلة إستمر ونضج الحُب وتشعب لمشاعر كثيرة، فرحة أول طفلة كانت دُرة شقاوتها وهي صغيرة تعلُقها بـ مختار، ذكري ميلاد باسل رغم صِغر عُمره لكن يمتاز بكثير من خِصال مُختار،
تنهدت كريمان وهي تقلب صفحات الألبوم، تراقب صور الماضي كأنها تبحث عن إجابة بين الذكريات… كانت دُرة أول ثمرة لهذا الحب، طفلة جميلة بعينيها السوداء الواسعتين، لكن شيئًا ما في تلك العيون تغيّر… أصبحت شاحبة، خاوية، كأنها تحمل همومًا ..
ذكريات إنتهت بدموع فُراق جائر، مُختار لم يكُن يستحق تلك النهاية البشعة على يد ذلك القاتل القذر، لكنه القدر
كم تمنت لو استطاعت أن تعود بالزمن إلى تلك اللحظات، حين كان يمسك بيديها برفق، يقسم لها أن تكون سعادتها غايته… ولكن الزمن لا يعود، والواقع لا يعرف الرحمة أغلقت الألبوم.. نهضت تشعر ببعض التقلُصات بظهرها، لم تهتم بها، وقررت الذهاب الى غرفة أول ثمرة جمعت بينها وبين مختار
أغلقت الألبوم ببطء، نظرت إلى خارج الشرفة…ظلام الليل يقترب على الرحيل
مازال ينتابها شعور القلق بل ينهش بضراوة، وضعت الالبوم على الطاولة ونهضت تعلم الى أين، بعد لحظات فتحت غرفة دُرة بهدوء، كانت الغرفة مُظلمة للغاية، شعرت بتوجس وأشعلت الضوء، سُرعان ما خفق قلبها بشدة حين نظرت نحو الفراش كان فارغًا، تجولت عيناها بالغرفة، لم تكُن موجودة، شعرت بقلق سريعًا بدأت بالبحث عنها بين أركان المنزل لكن ليست موجودة، إزداد الخوف والقلق والتوجس، وعقلها يسأل بذهول…
أين ذهبت بهذا الوقت.
❈-❈-❈
أثناء سيرهُ سمع آنين بُكاء، ذهب نحوه سريعًا أشعل ضوء هاتفه ونظر أمامه بذهول قائلًا:
دُرة!
توقعت إنك تجي لهنا.
نظرت له بكراهية حادة قائلة بإتهام مباشر:
إنت السبب، إنت كنت عارف إن الحُكم هيبقي ضعيف، عشان كده سلمت القاتل للشرطة.
أجابها وهو يقترب منها بدفاع:
أنا عملت اللى كان لازم يحصل… ومتأكد لو عمي مختار مكاني كان هيعمل نفس الشئ يا دُرة.
نظرت له بإزدراء وقاطعته بشبه صُراخ:
متجبش سيرة بابا، إنت كداب، إنت خوفت على نفسك.
توجع قلبه وأصبح المسافة صغيرة بينهما، لكنه لم يتراجع… أخذ نفسًا عميقًا محاولًا تهدئتها، لكن دموعها كانت تُخبره أن الغضب ليس الشيء الوحيد الذي تشعر به، بل الخذلان أيضًا.
دافع بصوت هادئ لكنه مُصر:
دُرة، أنا خوفت عليكِ وعلى باسل، مش على نفسي… كنت عارف إن القانون ممكن ميحققش العدالة اللي كنتِ عايزاها، بس لو كنتِ خدتي حقك بإيدك، كنتِ هتضيعي حياتك.
قهقهت بسخرية مُرة ومسحت دموعها بعنف:
حياتي ضاعت من يوم ما بابا وحسام إتقتلوا.
غص قلبه بشدة، رغم أنه كان يتوقع تلك الكلمات… نظر إلى وجهها المتعب، إلى عينيها اللتين رغم الغضب ما زالتا تحملان بريق الألم الذي يعرفه جيدًا توقفت أنفاسها للحظة، لكنها لم ترد،كآن عقلها تائه بين الغضب والحنين، بين الرغبة في الصراخ وبين الرغبة في كتمان ذلك الألم…
نبضات قلبها قلبها تتسارع بعنف، وكأنها تُذكرها بكل لحظة خذلان، بكل دمعة حبستها، وبكل صرخة لم تستطع إطلاقها… لم تكن تريد أن تظهر ضعفها أمامه، لكنها لم تستطع إخفاء ألمها أكثر.
شعر بتهتك نياط قلبه،مد يده إليها بأمل، وكأنه يقترب من نصل حاد قد يجرحه في أي لحظة، همس بصوت مبحوح:
دُرة… أنا مش عدوك.
رفعت عينيها نحوه ببطء، كانت نظرتها مزيجًا من الاحتقار… تكرهه بقدر ما كانت تحتاج الى يد والدها الآن تنتشلها من ذلك التوهان يضمها يُضمد ذلك الوجع الذي يكاد يفتك بها وليته يفعل ذلك وتنتهي… بعين مغشية من كثرة الدموع، تفوهت بصرامة
إبعد عن طريقي يا طوفان، اللى بينا هو الدم اللى إنت ضيعت حقه…
فى اللحظة اللي سلمت فيها القاتل بإيدك.
تصلبت كلماته في حلقه، شعر وكأنها أطلقت عليه رصاصة مباشرة إلى صدره، لكنه لم يتحرك… ظل ينظر إليها بعينين تحملان وجعًا لا يقل عن وجعها.
قال بهدوء قاتل، كأنه يحاول لملمة ما تبقى من روحه:
لو كان بإيدي كنت رجعت الزمن لورا… بس مكنش عندي اختيار تاني، دُرة.
قهقهت مجددًا، لكن ضحكتها كانت أكثر وجعًا هذه المرة، ، وها هي تُعلن انسحابها، أو ربما هزيمتها أمام كل شيء:
لأ، كان عندك اختيار… بس اخترت إنك تفضل خاين
شعر وكأن كلماتها صفعت روحه، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يُتهم فيها بالخيانة، ولن تكون الأخيرة… لكنها الأكثر إيلامًا، الأكثر تمزيقًا لما تبقى منه… كأنها غرست خنجرً
↚
بمنزل حاتم بدران
أثناء دخوله الى المنزل وصل الى أذناه آنين بُكاء والدته التي تهذي بوجع...
شعر بانقباض في صدره وتسارُع في دقات قلبه، وكأن عبئًا ثقيلًا يجثم على صدره هرول نحو الغرفة التي تنبعث منها أنَّات والدته، عيناه تبحثان بقلق يعلم مصدر الألم الذي جعلعقلها يهذي بذاك الوجع،نظر الى ملامحها الشاحبة، عينيها المغرورقتان بالدموع، وشفتيها اللتان ترتجفان بكلمات مفهومة... اقترب منها، أمسك بيدها المرتجفة، وحاول تهدئتها... لكنها شهقت و بحرقة، فارتعش جفناه، وشعر بوخز الضمير ينهش صدره... لم يكن بحاجة إلى مزيد من التذكير بأنه، رغم حنكته القانونية، لم يتمكن من حماية من يحب...
تفوه بصوت خافت مليء بالقلق يحاول مواساتها:
ماما... أرجوكِ هدي نفسك... كده هتتعبي.
نظرت له تُلقي
كافة اللوم على :
من يوم "طوفان مهران" ما سلم الجاتل للشُرطة وأنا جلبي كان حاسس إن غرضه يضيع الحق، كان باين عليه إنه بيوالس عشان كان بيغير من حسام أخوك.
اشتدت رعشة يدها وهي تضغط على أصابعه بقوة، وكأنها تتشبث بيقين غائب... تابع بنظراته دموعها المنهمرة، شعر بثقل الحزن الذي يعصف بقلبها، لكنه لم يعرف كيف يطمئنها، خاصةً وهو نفسه تائه بين الشكوك... لكن لم يفهم قولها الأخير فتسأل بإستفسار:
وطوفان كان بيغير من حسام ليه، اللى أعرفه كان بينهم وِد قديم.
توترت والدته بإرتباك قائلة بتفسير:
مش جصدي، غيرة بمعني " غيرة" جصدي
إنك عارف إن حسام كان معارض خالك إنه يبيع الأرض له، بس هو أقنع خالك وأشتراها منه... الأرض دي كِنز، قريبة من الماية، ريها سهل وأرضها خِصبة جوي.
تنهد حاتم بفهم قائلًا:
بس اللى أعرفه إن الأرض كان عليها خِلاف كبير بين عيلة "غُنيم" وعيلة"بدران" وكان ممكن يوصل لنزاع،ويجيب مشاكل كبيرة وخالي أكيد فكر أن بيبعها كده الخِلاف إنتهى، أرجوكِ يا ماما بلاش تعذبي نفسك أنا وبابا محتاحينك معانا، كمان حُسام مش هيبقي مرتاح فى قبره وإنتِ في العذاب ده.. هو كان دايماً بيقول إنه نفسه يشوفنا عايشين في سلام، مش شايلين هم حاجة... إحنا محتاجينك، يا ماما.. أنا وبابا مش هنعرف نكمل لوحدنا، وإنتِ أكتر واحدة عارفة ده.
أخدت نفس عميق وهي بتحاول تكتم دموعها، رغم صوتها المُرتعش وأومأت بأسي قائله:.
عارفة بس غصب عني مش قادرة.. مش قادرة أنسى اللي حصل، مش قادرة أتصور إن كل ده حصل فى غمضة عين،حسام راح مننا كده بسهولة...قبل فرحه بأيام.
شعر بغصة قويه تكاد تفتك بقلبه لكن تماسك وهو يمسك يديها بحنان، قائلًا بحزم ممزوج بالرجاء:
عارف وجع قلبك يا ماما بس حسام أكيد مكنش هيتمني إنك تعيشي في حزن وآسي، ولا إحنا كمان نقدر نتحمل نشوفك كده... خلينا نحاول نضغط على قلوبنا، يمكن ربنا يهون علينا قسوة فُراق حسام.
تنهدت بوجع وهي تومئ برأسها تُربت على كتف حاتم الذي إرتمي بحضنها، يتنفس بسخونة... لكن رفع رأسه عن صدرها، ينظر لها بإندهاش بعدما قالت له بنبرة رجاء:.
لو عاوز نار جلبي تبرد إتجوز دُرة.
نظر لها بصدمة قائلًا:
تاني يا ماما بتقولى نفس الكلام، سبق وقولتلك، أنا ودُرة عمرنا ما كنا قريبين من بعض حتى زي إخوات، كمان حتى لو أنا وافقت مش إحتمال هي ترفض.
زفرت نفسها بأسي قائله:
أهو قولت احتمال... هي لسه صغيرة عشان خاطري وافق ولو هي رفضت أنا مش هطلب منك الطلب ده تاني.
إبتلع ريقه بقلة حيلة قائلًا بمهاودة:
حاضر يا ماما هفكر و...
قاطعته بمحايله:
هتفكر فى إيه؟.
أجابها بتوضيح:
ماما أنا مش بفكر فى الجواز أصلًا الفترة دي،ارجوكِ بلاش تضغطي عليا أكتر ما أنا مضغوط،بس الفترة دي وأوعدك أول ما أخد القرار هقول لحضرتك،بس دلوقتي خليني أركز في شغلي وافهم حياتي رايحة فين .
نظرت إليه نظرة طويلة قبل أن تومئ برأسها باستسلام ظاهري، لكن عينيها لمعتا بتصميم خفي وهي تقول بنبرة تحمل مزيجًا من الحنان والإصرار:
خلاص يا حبيبي، مش هضغط عليك، بس أنا واثقة إنك هتعرف إن انسب واحدة ليك هي دُرة.
هز رأسه متنهدا، وهو يعلم جيدًا أن والدته لا تستسلم بسهولة، لكنه في الوقت الحالي غير مستعد لهذا النقاش مجددًا.
بعد قليل
خرج من الحمام، القي تلك المنشفه التي كان يُجفف بها خصلات شعره على الفرش ثم تمدد عليه هاري الصدر،ينظر الى تلك اللمبة المتوهجة، صوئها عكس ما يشعر به من عتمة، تنهد ليس بندم لاول مرة منذ أن إلتحق بالشرطة يأخذ إنذار...
بداخله نطق إسم "طوفان" أيقن عقله
هو كان لديه خِبرة بالقانون وثغراته لذلك لجأ الى ذلك،
لكن رغم إلمامه بتلك الثغرات، لم يكن بوسعه سدّ فجوة الألم التي تسربت إلى قلبه .. وهو يطن برأسه نحيب والدته الذي يفر من شفتيها.. ظل مستلقيًا ، عيناه معلّقتان بالسقف، فيما تدور في رأسه دوامةٌ من الأفكار المتضاربة...
"طوفان نوح مهران"
هكذا نطق الإسم ثم إنتفض حين تذكر تلك البطاقة البنكية، نهض نحو خزانة ثيابه... فتح أحد الادراج بحث بين محتوياته حتى وجد تلك البطاقة، تأكد من تطابُق الإسم... زفر نفسه وهو يُفكر، ثم إهتدى عقله إلى حقيقة لم يتوقعها... كيف لم ينتبه من قبل.. كيف غفل عن هذا التفصيل الذي أمامه .. قبض على البطاقة بإحكام، وشعر بقشعريرة تجتاح جسده، ...عقلهُ يُرشده نحو خيط قد يكون بداية الحق.
❈-❈-❈
بذلك المكان
إقترب طوفان وجثي على ساقيه امامها بإستعطاف يمد يده قائلًا:
مش هدافع عن نفسي يا دُرة، لأني مُتأگد مهما قولت إنتِ مش هتصدقيني.
رفعت رأسها نظرت نحو يده المُمدوة سُرعان ما إستهزأت وسخرت من ذلك قائلة بنبرة باردة:
عشان إنت عارف إنك خاين وكداب.
ضحكة قصيرة، بلا روح، خرجت من بين شفتيه.. حاول لمس يدها، لكنها نفضت ذلك سحبت يدها بعيدًا، وكأن لمسة يده قد تحرقها...
ظل جاثيًا، عينيه تلمعان برجاء صامت، لكن دُرة لم تكن مستعدة لرؤية ذلك الرجاء، لم تكن مستعدة للاستسلام .. تنهد بأسف لكنه يحمل داخله عاصفة من المشاعر المكبوتة... قائلًا بصوت هادئ:
أنا مش بطلب منك تصدقيني، بس بطلب منك تسمعيني.
زحفت درة بظهرها للوراء، تشابكت ذراعيها أمام صدرها، وعيناها تحدق فيه بسخرية واضحة..مُستهزأة:
أسمعك؟ ليه؟ عشان تقولي كلام كله كدب .. إنت جبان يا طوفان.
ليست دموعها فقط هي ما تفتك بقلبه، بل كلماتها الهادرة لقلبه، لوهلة أغمض عيناه.. وأخذ نفسًا عميقًا، كأنه يحاول أن يلملم شتات روحه التي بعثرتها كلماتها... كآن وقعها عليه أشد من طعنات خنجر مُسمم مغروس في صدره، وكل حرف نطقته كان يضرب وريدًا نابضًا في قلبه... لحظة، تساءل إن كان الألم في صدره سببه كلماتها أم دموعها التي تنهمر كالسيل الجارف، تُعري وجعها أمامه بلا حجاب... ومع ذلك، لم يستطيع النُطق، فقط أغمض عينيه، يود أن يهرب من الحقيقة، لوهلة إنخفضت يده التى تحمل الهاتف، فتسلط الضوء على يدها، بنفس اللحظة فتح عينيه على صوت شهقاتها المتقطعة، وبينما خفض يده التي تحمل الهاتف، تسلط الضوء على يدها، المغروسة في الرمل الأسود... في تلك اللحظة، عاد ببصره إليها، متأهبًا، حين بدأ السعال ينهش صدرها... لم يتردد، لم يهتم لاعتراضها أو رفضها، فقط اندفع نحوها، مدّ يديه وأطبق برفقٍ على عضديها، يجذبها للنهوض رغم مقاومتها، صوته جاء حاسمًا، متوسلًا:
دُرة، قومي معايا بلاش عناد.
قاومته بكل ما أوتيت من ضعف، ما زالت تسعل بين شهقاتها، وصوتها المخنوق بالدموع خرج متحشرجًا بنهجان:
إبعد عني مالكش دعوة بيا، سيبني أنا عاوزه أفضل هنا جنب قبر بابا، عاوزه أموت جنبهُ.
لم يستسلم، تشبث بها أكثر، وحين أدرك عنادها، دس يده في جيبه، أخرج علبة الدواء، قربها من شفتيها المرتجفتين. لكنها أطبقت فمها بإصرار، رافضة الاستسلام، بينما نظر إليها برجاء، وكأن حياته كلها مُعلقة على تلك اللحظة.
ضاقت عيناه بألم مكتوم وهو يراها تعاند حتى آخر رمق، ترفض الدواء وكأنها ترفض الحياة ذاتها... زم شفتيه بقوة، يحاول كبح غضبه، لكنه لم يتمالك نفسه أكثر، فقبض على ذقنها برفق لكنه بحزم، محاولًا إجبارها على فتح فمها قائلًا بضغط منه:
دُرة ما تعانديش أكتر.
لكنها أدارَت وجهها بعناد، ودموعها تهطل بغزارة، تهز رأسها نفيًا وهي تهمس بيأس بين شهقاتها:
سيبني… مافيش حاجة فاضلة ليا في الدنيا دي بعد بابا وحسام.
انتفض قلبه بوجع، شعر بتمزق روحها يتغلغل في صدره، أراد أن يصرخ، أن يهزها بقوة حتى تدرك أن الحياة لم تنتهِ، لكنه بدلاً من ذلك، تنهد بعمق، أرخى يده عن وجهها، لكنه لم يبتعد... بل مال نحوها، حتى صار وجهه قريبًا جدًا منها، عينيه الغارقة بالحزن تلتقي بعينيها الممتلئتين بالدموع.
تفوه بحسم:
وإنتِ فاكرة إنك لو موتي هتلاقي عمي مختار او حسام فى انتظارك... فكرى يا دُرة باباكِ كان هيكون مبسوط وهو شايفك ضعيفة كده... عمره ما كان هيرضى يشوفك بتموتي بالحسرة، ولا أنا كمان.
ارتجفت شفتاها، ترددت للحظة، كأن كلماته بدأت تتسلل عبر جدار حزنها الصلب، لكن الألم ما زال يسكن ملامحها... رأى ذلك، ولم ينتظر منها ردًا.
بهدوء، رفع يده مجددًا، مسح بابهامه دموعها المتساقطة على وجنتيها، ثم قرب العلبة من فمها من جديد، هذه المرة بصبرٍ ممزوج برجاء:
أرجوكِ، دُرة… أفتحي شفايفك، خدي الدوا.
ترددت… أغمضت عينيها للحظة، ثم، أخيرًا، استسلمت تحت وطأة الإلحاح الممتزج بالرجاء في صوته....وفتحت شفتيها تستقبل ذلك الرذاذ...ظل يراقبها بقلق وهي تعود تسنتشق الهواء، وهدأ سُعالها قليلًا
زفر براحة خفيفة، لكن قلقه لم يتبدد تمامًا... ما زالت عيناها غارقتين في ظلام اليأس، ما زال جسدها يرتجف رغم حرارة الليل الخانقة.. . لم يحتمل رؤيتها بهذا الضعف، فحسم قراره دون تردد.... بهدوء حزم ألامر... أحاط كتفيها بذراعيه وسحبها إليه، حتى وقفت بلا وعي ضمها لصدره بقوة، وكأنه يحاول أن ينقل إليها بعضًا من قوته، .... قاومته للحظة، كأنها لا تزال عالقة في براثن الألم، ثم استسلمت، سمحت لجسدها الواهن أن يستند إليه، لدموعها أن تنهمر بلا مقاومة... برفق، يهمس في أذنها بصوت خفيض:
مش هسيبك أبدا، فاهمة.
تشنجت أصابعها فوق قميصه، وكأنها تتشبث به خشية أن تقع، ثم همست بصوت مبحوح كأنها بلا وعي:
ما تسبنيش، مالكش حق تسبني زيهم.
توقف قلبه للحظة على وقع كلماتها، شعر بجرحها عاريًا أمامه، بلا أقنعة، بلا كبرياء... شدد من احتضانها، ثم أجابها بصوت ثابت، لا يقبل الشك:
عمري ما هسيبك، دُرة… عمري ما هسمحلك تضيعِي مني تاني.
سارت تشعر كأنها بلا وعي،تشعر بهوةٍ تسحبها نحو الظلام... لم تُقاوم كثيرًا، سرعان ما ارتخى جسدها... لاحظ طوفان ذلك على الفور، فلم يتردد في حملها بين يديه والخروج بها من ذلك المكان المظلم... توجه سريعًا نحو سيارته، وأسند جسدها بينه وبين هيكل السيارة حتى فتح الباب... وضعها بعناية داخل السيارة، ثم اقترب بكفه من أنفها، متحسسًا انتظام أنفاسها، شعر بالراحة عندما تأكد أن أنفاسها شبة منتظمة،مازالت ضعيفة.... ألقى نظرة سريعة على ملامحها الشاحبة تحت ضوء المصابيح الخافت، ثم زفر بضيق وأغلق الباب بلطف... استدار نحو المقود شغل المحرك، مال بجذعه نحوها وضع يديه حول وجهها يحاول إفقاتها،بالفعل حاولت فتح عينيها بغشاوة هامسة بإرهاق كأنها تقاوم ذلك النُعاس:.
مش عاوزه أنام.
تنهد بإرتياح ثم وانطلق بالسيارة مبتعدًا عن المكان.... خلال الطريق، ظل يرمقها بطرف عينيه بين الحين والآخر. كانت مغمضة العينين، لكن وجهها لم يكن هادئًا تمامًا، وكأنها تحارب شيئًا داخلها.
حين إقترب من منزل والدها، أخرج هاتفه ولم يتردد فى الإتصال على الهاتف الأرضي
لقلق كريمان رفعت السماعة بيد مُرتعشة وقلب يخفق بضراوة، إزداد القلق حين سمعت:.
أنا طوفان مهران.
إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تسمعه يستطرد قوله:
دُرة معايا قدامي دقيقة بالكتير وأبقى قدام البيت...
لم تنتظر بقية حديثه، باقدام مُرتعشة وقلب يخفق بشدة، ذهبت نحو باب المنزل، بنفس اللحظة كان طوفان يصف السيارة توجهت نحوهم سريعًا فتحت باب السيارة نظرت سريعًا داخلها، فوجدت دُرة جالسة في المقعد المجاور له شاحبة الوجه... وكأنها عادت من معركة صامتة لا يعلم أحد تفاصيلها. شهقت كريمان بخوف وهرعت نحو ابنتها، احتضنتها بقوة بينما راحت تتفحص وجهها بقلق، وكأنها تحاول التأكد من أنها سليمة،لاحظت ثيابها الملوثة بالرمل.. هتفت برعشة قلب:
دُرة مالها، إيه جرالها... حصل لها إيه.
وقف طوفان بجوار السيارة، يراقب المشهد بصمت، ثم قال بصوت خافت لكنه حازم:
دُرة نايمه.
حاولت كريمان جذبها من السيارة، لكن فشلت، تنحنح طوفان قائلًا بحياء:
فين باسل.
أجابته:
باسل نايم،ثواني هطلع أصحيه.
أومأ لها،ربما اراد أن يحملها هو لكن لا يصح ذلك فبأي صفة يفعل ذلك، حقًا فعله سابقًا لكن كان مُضطرًا، لحظات وعادت كريمان ومعها باسل الذي هرع بقلق نحو السيارة، نظر نحو دُرة بألم، ثم لم ينتظر وحملها من السيارة توجه بها الى الداخل، بينما نظرت كريمان لـ طوفان التى عيناه تُتابع دُرة سائلة بإستفسار:
هي كانت فين، وإزاي إتقابلتوا وهدومها...
جاوبها سريعًا:
كانت فى المقابر.
تلك الكلمات الموجزة كفيله بالرد على كل الأسئله، شعرت كاريمان بالأسي،
ثم رفعت عينيها إليه، امتلأت نظرتها بمزيج من الامتنان والرهبة... لم تعرف كيف تجيبه، فقط هزّت رأسها بتفهُم ثم تفوهت بشُكر:
شكرًا يا طوفان.
أومأ لها برأسه ثم توجه نحو سيارته غادر بشعور قاسي يعتريه، وكأن يشعر بفيضان يسيل بين دماؤه،... بينما ظلت كريمان تتابعه بنظرات قلقة حتى اختفى في الظلام، ثم التفتت إلى الداخل،ذهبت نحو غرفة درة باسل قد وضع دُرة على الفراش وغطّاها بدثار خفيف.
وقفت عند الباب للحظة، تتأمل المشهد، تتساءل في صمت عمّا جرى... كانت دُرة شاحبة، وملامحها هادئة كأنها مستسلمة لوهنٍ دفين، لكن أثر الدموع الجافة على خديها كان كافيًا ليحكي عن الألم الذي سبق هذه اللحظة.
اقترب باسل منها، تمعن في وجهها بحنانٍ، قبل أن يهمس لكريمان:
إيه اللى وصلها لـ طوفان هي كانت فين.
أجابته كريمان:
بعدين يا باسل لما تفوق تبقي تحكي ليا الأهم دلوقتي إنها تبقي بخير.
تنهد باسل قائلًا بإستيعاب:
دُرة محتاجة ترتاح... هتحتاج وقت عشان تستوعب اللي حصل فى المحاكمة.
أومأت كريمان بصمت، ثم تنهدت، وعقلها يعجّ بالأسئلة التي لم تجد لها إجابة. لكن الأهم الآن أن دُرة بأمان.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
خلع ثيابهُ ثم اندفع تحت المياة الباردة، علهُ يطفئ بالمياة نيران الشعور الذي يشتعل داخله... تدفقت القطرات على جسده ، لكن حتى تلك البرودة لم تكن كافية لوأد ما يشعر به في صدره.... أغمض عينيه، تاركًا الماء ينهمر فوقه كأنه يحاول غسل روحه قبل جسده... توترت عضلاته تحت وطأة البرد، لكن الألم الدافئ في صدره ظل عصيًّا على الذوبان... زفر أنفاسه الثقيلة، مختلطًا بين الحنين والوجع، وبينما تساقطت القطرات على وجهه، لم يكن واثقًا إن كان ما يشعر به ماءً أم شيئًا آخر أشد مرارة.
❈-❈-❈
بعد مرور أكثر ثلاث اسابيع
ابتسم وهو ينهض من خلف مكتبه، يمد يده مُصافحًا بحرارة، قائلًا بترحيب:
المنيا نورت يا شاهر.
ضحك شاهر بمجاملة خفيفة، مردفًا:
المنيا منورة بأهلها.. إيه بقالك حوالي شهر منزلتش القاهرة، الآية اتعكست ولا إيه، كنت معظم وقتك هناك، ولا خلاص اللي كانت السبب بقت هنا جنبك.
جلس على أحد المقاعد في الغرفة، وأسند ظهره إليه، ثم زفر بعمق كمن يحمل في صدره نارًا، قبل أن يرد بلوعة:
للأسف... رغم إنها زي ما بتقول جنبي، لكنها بعيدة جدًا.
نظر إليه شاهر مليًا، يتأمل ملامحه التي طغى عليها الإرهاق، ثم قال بنبرة مزاح خفيف امتزج بفضول حقيقي:
برضوا لسه معاندة، راحت فين الهيبة...ياعم أنا فاكر كان نص بنات الجامعة يتمنوا بس بسمة من وِلد عيلة "مهران".
مرر يده على وجهه كأنه يزيح أفكارًا أثقل من أن تُقال، ثم تنهد مجددًا قائلًا:
الموضوع مش بالبساطة اللي أنت متخيلها.. وكمان الحكم على وليد زود الفجوة.
تأمل شاهر صديقه للحظات بآسف قبل أن يميل للأمام، مستندًا بمرفقيه على ركبتيه، ثم قال بجدية:
طيب، أنت هتفضل ساكت.
ابتسم بسخرية مرة وهو يهز رأسه ببطء:
للآسف بحاول، بس بلاقي صد... مفيش فى إيدي حاجه أعملها غير إنى أفضل أحاول لحد إمتى معرفش.
ارتفع حاجبا شاهر بدهشة قبل أن يقول:
طب والإستئناف، المُدة خلاص قربت تنتهي، حتى لو دُرة مقدمتش إستئناف، مش المفروض النيابة تقدم إستئناف عالحُكم... ليه
النيابة ساكتة لغاية دلوقت، تفتكر منتظرة تقدمه في آخر الوقت.
أشعل سيجارة ونفث دخانها وأجابه:
معتقدش النيابة هتقدم إستئناف.
بدهشة سأله شاهر:
طب ليه؟.
أجابه بتفسير:
إنت عارف إن أخو مرات خالي عضو مجلس شعب وأكيد مرات خالي إتمحلست له وتلافيها دخلت له من ناحية المصلحة، إن وليد لما القضية تتقفل طبعًا مش هيمسه أي سوء من ناحيتها ان إبن أخته قاتل، هيزعزع هيبته،طبعًا قفل القضية من مصلحته وممكن يكون إستخدم نفوذه فى وقف القضية.
تفهم شاهر ذلك لكن عاود سؤال طوفان قائلًا:
عندك حق وفى حاجه كمان إنت ممكن تكون السبب فيها بشكل غير مباشر.
بإستفسار نظر له طوفان سائلًا:
إيه الحاجه دي؟.
أجابه شاهر:
ممكن يكون عاملين زي مُجاملات وإستثناءات بسببك منصبك السابق إنك كنت زميل لهم ناسي إنك كنت "وكيل نيابة".
نفث طوفان دخان السيجارة،ثم تفوه بآسف:
للآسف وكيل نيابة سابق، لو كنت لسه فى منصبي كنت قدمت الإستئناف من تاني يوم صدر فيه الحُكم
كده يبقى الإعتماد على إستئناف صاحب الحق
اللى هما أهل اللى أتقتلوا.
تنهد طوفان بآسف قائلًا:
واللي منهم دُرة طبعًا،وأنا مش عارف فى دماغها إيه،بس عندي يقين إنها مش هتقدم إستئناف،لانها شافت عدالة القانون ومش هتغامر تاني وتلجأ للقانون.
-والحل؟
هكذا تسائل شاهر، أجابه طوفان بالصمت للحظات ثم تحدث بزفر:
للآسف مش عارف، خايف من رد فعل طايش من دُرة، أو من حاتم أخو حسام، إنت مشفتوش فى المحكمة حاول يقتل وليد، بصراحة يستحق، لو بإيدي كنت حكمت عليه بالاعدام من أول جلسة، بس للآسف زي ما قولنا قبل كده المحكمة لها الادله والبراهين وشهادة الشهود،وخلاص وليد هيخرج من الأحداث،والقضية إنتهت قانونيًا،خايف من ردود الأفعال الجاية.
تنهد شاهر بآسف قائلًا:
أكيد خوفك الكبير على دُرة لا تتهور،وعشان كده إنت قاعد هنا عشان تبقي قريب منها،بس هتفضل كده لحد إمتي.
أشعل سيجارة ونفث دخانها ينظر له بحِيرة قائلًا:
معرفش الحل الوحيد إن انا ودُرة نتجوز،وقتها هعرف أسيطر على ردود أفعالها.
نظر له شاهر قائلًا:
فى حاجه إنت مش واخد بالك منها...
نظر له طوفان بإستفسار،فإستطرد شاهر بتوضيح:
وليد...
إبن خالك،وأكيد دُرة مش هتقدر تتقبل بس تشوفه فى مكان هي موجودة فيه،وجوده هيفكرها دايمًا بمقتل والدها وحسام.
نفث دخان السيجارة بآسف قائلًا:
سهل أمنع وليد من دخول أي مكان يُخصني.
تنهد شاهر بآسف قائلًا:
الحكاية محتاجة مُعجزة.
تنهد طوفان قائلًا:
لاء محتاجة صبر أكتر.
❈-❈-❈
بمنزل درة
تبسمت لتلك التى تفتح لها يديها تقول بعتاب:
حفيدتي الكبيرة اللى بقالها أكتر من شهر مسألتش عني، جيت مخصوص عشان أشوفك وحشتيني قد الدنيا كلها.
ضمتها دُرة قائلة:
تيتا قسمت وحشتيني والله.
ضمتها "قسمت" بعتاب قائلة:
بجد،لو صحيح كنتِ حتى سألتي بالموبايل،لكن إنت من يوم ما رجعتي لهنا نسيتني عالآخر.
إبتسمت دُرة قائلة بآسف:
مشاغل يا تيتا حقك عليا.
ضمتها قسمت بحنان قائلة:.
تعالي نقعد انا ست كبيرة ورجليا شايلني بالعافية.
إبتسمت دُرة قائلة:
ربنا يديكِ الصحة يا تيتا وتجوزي أحفادك كلهم كمان خالي مجاش معاكِ ليه.
أجابتها:
عنده شُغل كتير، وبيتحجج زيك كده.
تبسمت دُرة قائلة:
والله انا عندي شغل كتير فعلًا، لدرجة إنى مُرهقة ومحتاجه اخد شاور وأمدد جسمي عالسرير وأنام مش أقل من إتناشر ساعة.
إبتسمت لها بحنان قائلة:
كُل ده إجهاد وكسل،يلا إطلعي خدي شاور وأنا باقيه هنا كام يوم.
قبلت دُرة وجنتها قائلة:
المنيا نورت بيكِ يا تيتا.
غادرت دُرة، بينما جلست كاريمان بجوار والدتها، تتنهد بأسى، وقسمت تشاركها الشعور ذاته ثم تفوهت كاريمان بغصة:
لما كنتِ بتكلميني في التليفون وتقوليلي إن دُرة اتغيرت، كنت بقول إنها مسألة وقت… لكن مع مرور الوقت، دُرة بعدت أكتر، بقيت تحس إنها مش هي… كأنها شخص تاني، غريبة عننا، عن نفسها حتى... مش عارفة إيه اللي جواها، واضح إن اللي كانت بتحاول تخفي ألم أكبر من اللي كنا متخيلينه… كأنها بقت جدار، مفيش طريق نوصل بيه ليها، كل ما بحاول أقرب، بحسها بتبعد وبتميل للعُزلة، تبتسم قدامنا لكن عينيها… عينيها فاضية،
توقفت للحظات ثم إستطردت حديثها:
دُرة اللى كانت بتخاف تمشي من قدام شارع المقابر، تروح المقابر آخر الليل فى عز الضلمة.
سادت لحظة صمت ثقيلة، قبل أن تتنهد كوثر قائلة بصوت خافت:
أنا خايفة عليها، خايفة تكون الحسرة اتوغلت من قلبها،هحاول أقنعها تجي معايا القاهرة تاني،وجودها هنا بيهلك نفسيتها.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
منزل عزمي مهران
الفرحة اليوم إثنان
الأولى نجاح الولد الصغير بالثانوية العامة... والثانية والأهم، خروج وليد من السجن
تهليلات وزغاريد تملأ الأجواء، صيحات فرح تمتزج بالضحكات، الأحضان تتوالى، والجيران والأهالي يتوافدون لتقديم التهاني.
أمام المنزل
سامية تشعر بسعادة بالغه لا تصدق أن ابنها عاد أخيرًا، تضمه بقوة وكأنها تخشى أن يضيع منها مرة أخرى.
عزمي ينظر إليه بعينين يغمرهما الفخر المُزيف...
بينما ريان بطل الثانوية العامة، فيقف متحمسًا وسط هذا المشهد، يلمع في عينيه المستقبل الواعد للتحرُر، لكنه أدرك أن هذه الليلة تخص وليد أكثر منه... ابتسامة عريضة ترتسم على وجهه وهو يرى أخاه الكبير بين أحضان والدتهما
الشارع الرئيسي للبلدة يهتز بالزغاريد،وبعض النساء يوزعون الحلوى، وأخريات يطلقن الزغاريد، ورائحة المال تتصاعد وهي تُنثر في الهواء احتفالًا بعودة الكبير الغائب ونجاح الصغير.
بنفس الوقت
كان يمُر حاتم بسيارته ورأي ذلك شعر بسفح فى قلبه، وهو يرا القاتل يُستقبل بالتهليلات، دون عقاب، وضع يده فوق خصره وكاد يجذب سلاحه وينهي ذلك الإحتفال بقتل ذلك المجرم لكن تردد لوهلة، وأدرك أن تصرفًا متهورًا كهذا لن يُحقق العدالة التي يسعى إليها، بل سيُحوّله إلى مُطارد مثل القاتل نفسه... قبض على مقبض سلاحه بقوة، متحسسًا برودته تحت أنامله، ثم زفر ببطء محاولًا كبح جماح غضبه...مقتنعًا... لا، ليس الآن… ليس بهذه الطريقة...
راقب الحشود التي تهتف بحماس، واحتدم الغضب في صدره أكثر كيف يمكن للقاتل أن يسير بينهم مرفوع الرأس... كيف يُنسى الدم الذي أهدره... شدّ قبضته ثم حررها، واتخذ قرارًا… لا بد أن يجد طريقة أخرى، أذكى، ليحقق العدالة التي يستحقها هذا القاتل.
بينما طوفان حين وصل إليه ما فعله خاله وزوجته، أدرك أنهم لا يفعلون ذلك رياءً فحسب، بل ربما كان ردًّا على شماتة الآخرين بهم... كانوا يبتسمون أمام الناس، يتظاهرون بالقوة، لكنّه رأى ما وراء تلك الأقنعة... خلف بريق أعينهم المتصنّع، إحساس سابق بالهزيمة يحاولون إخفاءه وراء ستار الكبرياء والتصنُع.
لكن لماذا الآن... لماذا اختاروا هذه الطريقة تحديدًا...علم أنها مجرد محاولة لاستعادة كرامة فقدوها، شعر بغضب عارم من ذلك، لديه يقين أنهم يفعلون ذلك لإثارة ليس فقط غضب تلك العائلتين،بل غضبه هو الآخر من ذلك التحدي الواضح
يتبعون أساليب سطحية، استعراض لا يعكس إلا دمارًا قادم... يعلم أنهم اختاروا هذه الطريقة بالتحديد لأنها الطريقة الوحيدة التي يظنون أنها ستكسبهم شيئًا من احترامٍ زائف، أو على الأقل، تُمكنهم من التظاهر بأنهم ما زالوا في موقع القوة... وكلما فكر في ذلك، ازداد شعوره بالاحتقار لهم، وعز عليه أنهم لا يستطيعون إدراك حقيقة أنفسهم، بل يسعون خلف صورة مشوهة...
ترجل سريعًا من السيارة، حاسمً الامر سيُنهي تلك السخافة، لكن لسوء الحظ
بنفس الوقت أيضًا
توقفت سيارة أخري وفُتح بابها وترجلت منها دُرة قطعت ذلك الزحام حتى وصلت الى مكان وقوف وليد وبلحظة أشهرت السلاح نحوه وصمتت التهاليل وإرتفع صوت الرصاص.
«يتبع»
↚
قبل وقت قليل
بمنزل كوثر (خالة طوفان)
تلك الصبية التى لا تُصدق ما تراه عينيها عبر شاشة الهاتف، لأكثر من مره تتمعن فى النتيجة التى أكدتها لها أختيها، رغم أنها طوال سنوات الدراسة كانت متفوقة، لكن مع ذلك دائمًا ما يراودها القلق، ضمتها أختيها بمحبة وفرح، وهرعن الى والدهن يُبشران الذي خرح من غرفة النوم، تبسم لهن وهن يقفان جواره قالت إحداهن وهي ترفع الهاتف نحو وجهه:
شوف يا بابا نتيجة الثانوية نزلت على موقع الوزارة عالنت وسُجى طلعت الأولى على محافظة المنيا مش بس كده مجموعها ده أكيد هتبقى من أوائل الجمهورية كمان.
نظر نحو سُجى يشعر بفخر وهو يفرد يديه لها…إبتسمت بسعادة بالغة فى قلبها وهي تقترب منه وهو يضمها يُقبل راسهابسعادة وفخر… قائلًا:
ربنا مضيعش تعبك فى المُذاكرة.
اومأت ببسمه قائلة:
الحمدلله يا بابا أنت ساعدتني كتير فى الدروس اللى كنت باخدها كمان لما كنت بسهر كنت بتصحي تحضرلى أكل وكمان مشروبات سُخن وساقع… أنا نفسي أدخل كلية الطب.
إبتسمت إحد أختيها قائلة:
المجموع ده يدخلك طب القاهرة.
إبتسمت سُجى قائله:
لاء هدخل كلية الطب هنا، القاهرة بعيد وتكاليف ومصاريف الإقامة هناك هتبقي كتير،كفاية مصاريف الجامعة نفسها كتير،كمان إنتم الإتنين خلاص داخلين الثانوي بابا محتاج كنز مغارة على بابا.
ضحكن الثلاث،بينما ضمهن والدهن قائلًا:
مش مهم المصاريف، المهم إنك حققتي حلمك، وأنا هفضل جنبك لحد ما توصلي لكل اللي نفسك فيه… بعدين أنتم عندي أغلى من أي كنز.
امتلأت عينا سُجى بالامتنان، وعاهدت نفسها ألا تخذله أبدًا.. كذالك إبتسمن أختيها وشاغبت إحداهن بمرح:
يعني يا بابا مش نفسك فى ولد.
هز رأسه بنفي قائلًا:
لاء انا مبسوط بيكم وكمان بسببكم هضمن مكان فى الجنة، يعني جنة عالأرض وجنة فى السما.
إبتسمن لكن سُرعان ما خفتت بسمتهن حين سمعن إستهزاء والدتهن بسخرية قائلة:
كنز، وجنة… بلاش مبالغة ومالكم كده إيه سبب الهيصه دى عالصبح.
تحدثت إحداهن:
سُجى يا ماما نتيجة الثانوية نزلت عالنت وطلعت الاولي.
إستهزأت بقولها وكل ده عشان طلعت الأولى فى الثانوية، وبعدين ما لازم تطلع الاولى بعد المصاريف اللى صرفناها عليها.
شعرت سُجى بوخز قوي فى قلبها لكن ردت عنها إحد أختيها:
ما ريان إبن خالي كمان صرف أضعاف مصاريف سُجى ده كان بيجيله مدرسين مخصوص الدار وفى الآخر حتى مجموعه من مكمل ستين فى الميه، هيدخل بيهم كلية إيه، الأحسن يعيد السنة، يمكن التكرار يعلم الحمار ومجموعه يتحسن شوية.
نظرت لها كوثر بسخط قائلة بإستقلال:
ريان لو عاوز يدخل طب فلوس عزمي أخويا تدخله طب خاص.
تهكمت إحد إبنتيها قائلة:
الطب الخاص بيأخد اقل مجموع تمانين فى الميه، يعني حتى فلوس خالي مش هتنفع معاه… مش كل حاجه حلها الفلوس
نظرت لها كوثر بضيق قائلة بنبرة حادة:
إنتِ مش فاهمة حاجة، المال اوقات كتير بيكون هو الحل.. وبعدين بطلوا رغي كتير وهيصه وروحوا حضروا الفطار، عشان أبجي أروح أبارك لـ واد خالك.
نظروا لها بإستياء بالأخض زيدان الذي لام عليها وهو يرا إنسحاب سُجى ومن خلفها أختيها قائلًا بعتاب حاد:
يعني تستخسري تباركِ لبنتك وتجولى لها كلمة مبروك، وهتروحي حدا دار عزمي عشان تباركِ لواد أخوكِ، فوجي يا كوثر كسرك لخاطر بِتك مش هيحنن قلب أخوكِ، جبر خاطر بنتك أولى وهي اللى هتنفعك، أنا فاهمك يا كوثر، بس إفتكري اللى حصل مع “وجدان ونوح” زمان سهل يتكرر بينا، ومش معني سكوتي إنى خايف من طلاق بِت عيلة مهران أنا خوفي كله على بناتي اللى إنتِ مش عارفه جيمتهم، خايف تفوجي بعد فوات الآوان، ولآخر مره هجولك
توقفت كلماته في حلقه، عيناه كانتا مشدودتين إلى ملامحها التي لم تتحرك، لم ترمش حتى، وكأنها حجرت أمامه، لا تنوي أن تتراجع، لا تنوي أن تعترف حتى بالخطأ
تنهد بضيق ومسح على وجهه بكفه، ثم أكمل بصوت أكثر هدوءًا لكنه لم يخلُ من الحدة:
كوثر،.. انا مش بجولك غير كلمة حق، كلمة لازم تفكري فيها قبل ما تخسري بنتك للأبد… وجدان دفعت تمن جوازها من ” نوح “غالي، إنتِ كنتِ شاهدة على ده، وعارفة إن الندم عمره ما رجع اللي راح، ولا جبر اللي انكسر.
وقف في مكانه للحظات، يراقبها بعينين تحملان مزيجًا من الأسف والإحباط، لكنها ظلت صامتة، لم ترد، لم تمنحه حتى نظرة اعتراف بسيطة.
هز رأسه بيأس، واستدار ليغادر، لكنه توقف عند الباب، ثم قال بصوت منخفض لكنه نفذ إلى أعماقها:
لما تلاقي بنتك بتبعد عنك، لما تحسي إنها بقت غريبة عليكِ، ساعتها هتعرفي إن الكلام اللي رفضتيه النهارده… كان الحقيقة الوحيدة اللي كان لازم تسمعيها.
قال ذلك ثم غادر تاركًا كوثر وحدها مع أفكارها التي تتصارع في داخلها،لكن أصمت عقلها عن قسوة ما عاشته أختها بالماضي مع زواجها صاحب السطوة الطاغية التى كانت تتمناها هي،تهكمت بسخريه وحدثت نفسها:
وجدان طول عمرها محظوظه بس هي إكده بتحب تبان إنها ضحية عشان تخزي العين عنها،وأهو طوفان ولدها بجي كبير العيله كلياتها والآمر الناهي،وهي بجيت لها جيمة (قيمة) على حسه
هتعوز أكتر من إكده إيه.
❈-❈-❈
بمنزل دُرة
تقابلت دُرة مع كريمان عند نهاية سلّم البيت الداخلي، فابتسمت لها وهي تُغلق الهاتف وسألتها بنبرة صباحية هادئة:
صباح الخير يا ماما… تيتا وصلت القاهرة ولا لسه.
تنهدت كريمان وقالت بهدوء:
أيوه، وصلوا حالًا البيت. على فكرة، نسيت أسألك إمبارح… إنتي وخالك اختفيتوا من بدري ورجعتوا مع بعض. كنتم فين.
ضحكت دُرة بخفة وردّت:
طب ما سألتيش خالو.
كريمان تأففت ولكزتها بكتفها:
نسيت وبلاش لف ودوران وقولي كنتم فين.
تظاهرت دُرة بالألم وهي تمسك كتفها:
آه يا كتفي، اتخلع… هقولك من غير ملاوعة… روحنا السجل المدني، عملت توكيل لخالو علشان يبيع شقة القاهرة.
اتسعت عينا كريمان بدهشة:
وهتبيعها ليه… خليها لما ننزل القاهرة نقعد فيها.
صمتت لحظات ثم تحدثت:
وفيها إيه لما نبقي نقعد فى بيت تيتا.
عارضتها كريمان:
مفيهاش حاجه، بس إنتِ ليه عاوزه تبيعي الشقة إنتِ مش محتاجة لتمنها فى حاجه.
تحججت بكذب:
أيوه محتاجة تمنها.
سألتها بإستفسار:
ومحتاجة تمنها فى إيه.
أجابتها بكذب:
خلاص هستقر هنا… بفكر أفتح عيادة أو مركز طبي خاص بالعيون فى مكان كويس هنا فى المنيا وقدامي كذا مكان هاخد الأفضل فيهم…عشان كده هبيع شقة القاهرة،ملهاش لازمة.
لم تنتظر وحايدت كريمان كى تستكمل سيرها،لكن قاطعتها كريمان سائلة:
إنتِ خارجة،رايحة فين مش النهاردة أجازتك.
اجابتها ببساطة:
أيوة،بس قررت أخرج أتمشى شوية فى البلد.
إستغربت كريمان قائلة:
تتمشي فى البلد ليه.
اجابتها وهي تستكمل سيرها:
هتفرج التطور اللى بقي هنا فى البلد،مش هغيب.
قبل ان تعترض كريمان كانت دُرة خرجت من باب المنزل،تنهدت بعُمق وقلة حيلة مصحوبة بقلق.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
بغرفة وجدان،
أثناء وضعها لبعض الثياب بخزانة الملابس وقع بصرها على ذلك المُجلد ذو الجلد الملون، خفق قلبها وجذبته وذهبت نحو إحد المقاعد جلست عليه، وبدأت بفتح ذلك المُجلد تبسمت حين وقع بصرها على تلك الصور الفوتوغرافية الموجودة بين صفحات ذلك المُجلد، بدأت تطوي صفحة خلف أخرى وذكريات تلك الصور تعود بعقلها تبتسم تارة وتشعر بحنين وتارة تدمع عينيها، تلك الصور مثل توثيق لمراحل مرت بحياتها، لكن تلك الصورة التى تحمل فيها طوفان وهو بعُمر العام والنصف تقريبًا لها ذكرى خاصة ذلك اليوم ظنت أنها تحررت من إعصار كاد أن يُنهي حياتها، تذكرت جيدًا ذلك اليوم وقع الطلاق بينها وبين “نوح”
بعد مناوشات وأضغاث عاشت بها معه إختارت النجاة بحياتها وحياة صغيرها، تدمعت عينيها وهي تتذكر أن تلك الراحة لم تكُن سوا وقت قصير، هروب مؤقت من قدر ربما هو ما شكل شخصية أخرى لـ طوفان لم يرث تلك القسوة والجحود اللذان كانا يتملكان في قلب والده حاولت أن تمنحه الحب والحنان ليعوضا ما افتقده من دفء الأبوة، لكنها كانت تدرك أن بعض الندوب لا تُشفى بالاحتواء وحده… مرت بأناملها على ملامحه الصغيرة في الصورة، كان يبتسم بعفوية، عيناه مشرقتان لم تعرفا الحزن بعد.. زفرت بحرقة، وكأنها تحاول طرد الذكرى التي اجتاحت عقلها دون استئذان… تذكرت آخر مواجهة مع نوح قبل الطلاق، حين تحولت المشاحنات إلى إعصار من الكلمات القاسية، لم تعد تذكر كل التفاصيل، لكن صوته الجاف ونظرته التي تجردت من أي شعور لا تزال محفورة في ذهنها.
قبل أن تتوغل منها تلك الذكريات البائسة، سمعت تلك الأصوات العالية الدالة على الأفراح، إنتباها الفضول وتلك الأصوات تقترب من المنزل بل ربما بالمنزل
أغلقت المجلد ببطء، كأنها تخشى أن تهرب الذكريات من بين صفحاته، ثم نهضت وتوجهت نحو النافذة،بالفعل تلك الاصوات بمنزل عزمي، تحير عقلها عن السبب لكن سُرعان ما رأت وليد الذي يحمله بعض الرجال فوق الاعناق، خفق قلبها بقلق عارم دون سبب، سريعًا ذهبت نحو باب الغرفة لابد أن تنتهي تلك المظاهر الإستفزازية.
❈-❈-❈
صدفة أو قدر سيء تقابلت دُرة مع أخيها الذي توقف بالسيارة حين رأها تسير، توجهت نحوه تبتسم سائلة:
جاي منين.
أجابها:
كنت بشوف مشتل عند الدكتور بتاعي فى الجامعة، وإنتِ جايه منين؟.
أجابته:
كنت بتمشي فى البلد.
إبتسم لها قائلًا:
طب كفاية مشي كده الجو حر وإنتِ وشك بدأ يحمر زي الطمطماية.
تبسمت له قائلة:
طب قول زي التفاحة.
ضحك وهي تتوجه للناحية الأخري، صعدت الى السيارة، عاود باسل القيادة مره أخري، لكن أثناء ذلك، رأوا تجمُع للاهالى كذالك أصوات مزامير وأغاني وتهليلات، سألت باسل:
إيه سبب تجمُع الاهالي ده.
أجابها بعدم معرفة:
معرفش يمكن شوار عروسة… هنمر عليهم حالًا نعرف.
لحظات وجحظت عيني باسل وهو ينظر نحو دُرة بذهول وهما يشاهدان حمل إثنين من الرجال لذلك المُجرم،فكر باسل بالعودة،لكن لم يلحق،فتحت دُرة باب السيارة وترجلت منها تقطع ذلك التجمُع وخلفها باسل يحاول جذبها من وسط الزحام، لكن هيهات، دخلت خلف وليد الذي وصل الى بهو منزل عزمي…
رأت عزمي يضع سلاح فوق إحد الطاولات الصغيرة، لم يراها بل تفاجئ بها حين وقفت خلفه مباشرةً…
بنفس الوقت دخل باسل وخلفه حاتم، وآخرهم كان طوفان، الذي جحظت عيناه وهو يرا ذاك السلاح بيد دُرة تتجه نحو وليد
بلحظة كانت تُشهر السلاح نحوه
خطأ منها كان الإنتظار، لكن تلك النظرة الراهبة بعيني وليد كافية وهو ينظر لها بذُعر يود الفرار من أمامها او الافضل الإختفاء
هرع خلف والده يكاد يتوقف قلبه، بينما نظر عزمي الى بعض الرجال فهموا نظرته كادوا يقتربون من دُره لكن أوقفهم طوفان بأمر:
محدش يقرب منها.
توقف الرجال، بنفس الوقت دخلت وجدان ومعها شُكرية كذالك جود
وقف الجميع مُتأهبًا، إزدرد طوفان ريقه ونظر نحو دُرة يقترب بخطوات بطيئة قائلًا:
دُرة هاتي السلاح بلاش…
قطاعته بعصبيه:
بلاش إيه، جاي تشارك فى الإحتفال بخروج مجرم… كنت إنت اللى موالس معاه من البداية.
هز رأسه بنفي وكاد يتحدث، لكن هي رفعت السلاح نحو ساميه التى تقترب منها بشر وكادت تتحدث لكن نظرة عين طوفان جعلتها تصمت وتجنبت بعيد عن دُرة، كذالك رهبتها من أن تندفع دُرة وتطلق الرصاص، عاود طوفان يتحدث برجاء، لكن دُرة لا ترا أمامها سوا قاتل مذعور تتلذذ بذلك قبل أن تندفع وتفتح صمام الأمان الذي كان بمثابة ناقوس مُدمر مُدوي فى المكان، بنفس الوقت بخطأ تنحي عزمي عن وليد، لكن لإقتراب طوفان جذبه لخطوه قريبه منه نظرت له بغضب وإندفاع قائلة:
مُصر تأكد إنك موالس وبتحمي المجرم.
ركز عيناه على يدها التى رأي رعشتهن فى البدايه وتفوه بصدق:
مُصر أحميكِ إنت يا دُرة، إنتِ أغلي شيء عندي.
تهكمت بضحكة سُخرية موجعة وعاندت قائلة:
خاين وكداب، إبعد من قدامي مش هتردد لحظة وهتكون أول رصاصة من نصيبك .
تنهد طوفان وبحسم جذب وليد أصبح هو أمامها مباشرةً ينظر الى ظلام عينيها الذي يرا بهن إنعكاس صورة روحهُ المُتخبطة بين الرغبة والرهبة ليس خوفً منها، بل خوفً عليها، نظرة عيناه كأنها تحذير منه، لم تُبالي بذلك وضغطت على ذلك السلاح الذي بيدها وبثبات وضعت يدها الأخري تُثبت يديها فوق السلاح فوهته متوجهه نحوه مباشرةً، لم تُبالي، ولحظة وأخرى وكان القرار سهلًا عليها وهي تضغط على الزيناد، وطلقة خلف أخري وأخرى ثالثة، من الرصاصة الأولى أصابت صدر طوفان الذي إرتج جسدهُ للخلف ينخفض جسده غصبًا،
والرصاصة الثانية أصابت كتفه قبل أن ينخفض أكثر جاثيًا بين يدي والدته التي تبكي بحسرة، بنفس الوقت الرصاصة الثالثة أصابت كتف وليد، الذي صرخ بهلع، لكن لسوء الحظ حاولت إطلاق الرابعة لكن إنتهت خزنة السلاح، تعصبت بشدة، بينما هو عيناه مُنصبة عليها متحدثً بقوة الألم بوعيد:
لو إنكتب لي عُمر هتكوني ملكي وهتقلعي الأسود.
نظرت له بـابتسامة باهتة تحمل مزيجًا من الانتصار والوجع، وتحدثت بصوت ثابت رغم الاضطراب الذي يعصف بقلبها:
لو انكتب لك عمر،هصبغ جلدي بالأسود
ومش هيكون لك مكان ولا قيمة .. الأسود مش لون.. ده لون النهاية، ونهايتك أنت اللي اخترتها.
راقبته وهو ينهار ببطء بين يدي والدته، نظراته لا تزال متشبثة بها، كأنه يتحدى مصيرهما حتى اللحظة الأخيرة!. لكنها لم تتراجع، لم تشعر بأي ندم… أو هذا ما حاولت إقناع نفسها به… تلونت الأرض بالدماء لم تكن مجرد دماءه … بل دماء كل الذكريات القليلة… ذكريات حكاية لم تبدأ بعد… مازالت بمهدها، يلعق شفتاه كآنه ينتعش بشعور مذاق قُبلته لها المُحرمة
ونظرات أعين إحداها ألم بثقة ويقين…
يُقابلها نظرة حجود بكراهية موقوتة.
إندفع عزمي بغضب نحوها كذالك سامية، لكن عاود طوفان الحديث بألم:
ماما دُرة أمانتك لو صابها خدش هنسي إني من عيلة مهران وتارهم هيبقي معايا.
تراجع عزمي كذالك سامية، بينما صرخت وجدان بهلع على بعض الرجال:
إنتم واجفين تتفرجوا، إطلبوا الاسعاف بسرعة، لاه هاتوا العربيه بسرعة لازمً نتصرف طوفان مستحيل يضيع مني.
بعد وقت بأحد المشافي الخاصة أمام غرفة العمليات… كانت وجدان وجدان ومعها جود عزمي الذي جاء يتفوه بغضب:
البِت دي لازمً تتجتل، دي دخلت دارنا وعلمت علينا.
نظرت له بغضب قائلة بحسم:
اللى قاله طوفان هو اللى هيتنفذ.
إعترض عزمي بتحريض:
إزاي مش شايفه اللى عملته،ولدك شكله عشجانها(عشقان).
نظرت له بغضب صارم:
روح شوف ولدك الدكتور طلع له الرصاصة ولا لسه.
فهم من ردها إصرارها غادر المكان بغضب بينما ظلت وجدان تشعر بإنسحاب فى قلبها وهي تنتظر خروج الاطباء، حاولت التماسُك كعادتها لم تكُن ضعيفة، رغم رقة قلبها الذي ظنت أنه زاد صلابة منذ أن قبلت بالعودة للزواج من والد طوفان للـ المرة الثانية.
……..
ليلة مرت على الجميع صعبة للغاية، بعد أن طلبت الشرطة من وجدان تسليم دُرة، وافقت لهدف إبعادها عن عزمي وزوجته، حتى تعلم قصتها مع طوفان، كيف كان يُخفي كل ذلك العشق بقلبه، فهمت الآن سبب إعتراضه حين كانت تطلب منه الزواج، بقاؤه بالقاهرة لفترات طويلة، لكن لما لم يطلب الزواج منها… تذكرت انها كانت مخطوبة، ربما كان ذلك هو السبب…أو أحد الأسباب..شعرت بالعذاب فى قلبها طوفان عاني من عذاب العشق وهي لم تكُن على دراية بذلك.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
بالمشفي، بالكاد استطرد طوفان بعضً من صحته، كان صوته واهن ونظراته تائهة، لكن أول ما نطق به كان سؤالاً مختنقًا:
دُرة… فين دُرة.
نظرت له وجدان بعينين تغشاهما دموع الألم والخوف، وضمت كفه المرتجف بين يديها وقالت برقة مُطمئنة:
بخير يا طوفان… في أمان، سلمتها للـ الشرطة … سلمتها عشان أبعدها عن عزمي، بس متجلجش أنا خابرة عزمي ومرته، وعشان كده حذرت الظابط إن لو صابها مكروه إنت اللى هتتصرف معاه.
هزّ رأسه ببطء، لم يعرف إن كان الوجع في صدره من الجرح… أم من القلق على دُرة وهي بالسجن قد يُصيبها أزمة التنفُس.
احتبست وجدان دموعها بصعوبة وهي تمسح على جبينه سائله:
ليه ماقولتش، إنك عاشج(عاشق)
غمض عينيه بشوق موجوع
صمت خيم بينهما، تكسّره فقط دقات جهاز القلب… الذي يكتوي من قسوة العذاب.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
تلك الآنانيه وقفت تتحدث بغضب:
طبعًا وجدان سلمتها للشرطة عشان تبعدها، لو فضلت جدامي كنت مزعت چتتها ورميتها لكلاب السكك.
نظر لها عزمي قائلًا:
إحمدي ربنا ولدك بخير، وأها الجضيه إتقلبت لصالحنا، وبالتوكيد هيتحكم عليها، باقوال الشهود ده جتل متعمد، كمان سهل الفق لها تهمة سرجة(سرقة) سلاحي.
تهكمت ساميه باستهزاء قائلة:
شكلك مشوفتش نظرة عين طوفان ولا سمعت حديته، واد أختك عاشجها، ومتوكدة هيعمل أي شئ عشان يطلعها من الجضية.
نظر لها لاول مره يُلاحظ وهو يعاود حديث طوفان الأخير بالتوعد لأي أحد يتعامل معها بسوء، لكن لم يهتم وعليه التفكير والتسرُع فى التنفيذ دون تردُد.
❈-❈-❈
بمركز الشرطة
دلفت دُرة الى إحد الغرف،جلست على أحد المقاعد وبالمقعد المقابل لها جلس المحامي الخاص بها،تنحنح ثم تفوه قائلًا:
طوفان بيه كلمني وطلب …
قاطعته بسخريه وإستهزاء :
هو لسه عايش، كويس، وياترا طلب منك إيه بقي…
توقفت للحظات ثم عادت
للتهكم قائلة بتوقع:
أكيد طبعًا هيساوم، بس أسمع منك هو طلب إيه.
↚
بالمشفى
بإحد الغرف الخاصة
فتح عزمي الباب ودلف نظر بإستهزاء لـزوجته قائلًا بنزق:
بتأكليه بإيدك ليه، الرصاصة كانت فى كتفه، يعني يعرف يوكل نفسه بنفسه ولا هو دلع مرئ.
حدقت به سامية بجمود، ورفعت حاجبها بسخرية خافتة، ثم قالت بهدوء بنبرة تهكمًا:
يمكن إيده ما بتوجعوش، بس قلبه محتاج حد يطبطب عليه… وأنا بطبطب، عندك مانع… يضايجك فى إيه، مش كفاية الشهور اللى فاتت كان بعيد عني، النوم كان بيطير من عيني وأنا جلبي خايف عليه من المچرمين اللي كان معاهم، كُمان لما إتصاب فى الأحداث.
نبرتها الصلبة جعلت عزمي كاد يتهكم ساخرًا، لكن دخول تلك المُمرضة للغرفه جعله يصمت مؤقتًا، بينما تفوهت المُمرضة بعملية:
جاية أغير للبيه على الجرح.
أومأت لها سامية ببسمة ونهضت قائلة:
جلبي مش بيتحمل اشوف جرح جدامي هطلع بره لحد ما تخلصي…
بينما إستهزأ عزمي من ذلك بعقله يسخر من تلك المُدعية التى تدّعي الرقة، وهو يعلم تمامًا كم من القسوة تختبئ خلف تلك الابتسامة الوديعة. تمتم بينه وبين نفسه ساخرًا:
جلِبها… ده لو ليها جلب أصلًا كان زمانه رقّ من بدري
ثم استند بظهره إلى الحائط، متظاهرًا باللامبالاة، بينما عيناه تراقبان أدقّ التفاصيل وتلك المُمرضة تقوم بعملها بمهنية لاحظ نية وليد فى التحرُش بالمُمرضة التى تعمدت الضغط بقوة فوق جرح وليد الذي جعله يتأوه غضبً، لم يهتم بذلك، بل إبتسم…. بينما وليد شعر بالألم يتصاعد في صدره أكثر من الجرح نفسه، فقد فهِم أن الممرضة فعلتها عمدًا، وأنها قرأت ما دار في عينيه… عضّ على شفته السفلى يحاول كبح اندفاعه، لكن تعمد المزح بسخافة:
إنتِ بتغيري لى عالجرح ولا تنتقمي… خفي إيدك شوية.
تعمدت المُمرضة الضغط أكثر قاىلة بنبرة جمود تحاول تذويقها:
معليش حركتك الكتير هي السبب عالعموم أنا خلاص خلصت يادوب هلزق اللزق فوق الشاش… وكمان عرفت من الدكتور أنه كتب لك على خروج من المستشفى حمدالله على سلامتك.
زفر وليد نفسه بضجر كآنه لا يود الخروج من المشفي بينما المُمرضة شعرت بالمقت من نظرات ذلك الحقير وكذالك تحرُشاته السابقة، رغم صدها له، لكنه حقير… لا يحترم أنها تقترب من عُمر والدته، تذكرت طريقة والدته المتعاليه بالحديث، ايقنت انها هي السبب الأول بسوء أخلاقه، كذالك والده الذى يقف جانبً بداخلها ودت البصق عليهم جميعًا.
غادرت المُمرضة الغرفه، عادت سامية الى الغرفة بنفس الوقت صدح صوت رنين هاتف عزمي، أخرجه من جيبه ونظر الى الشاشة، بنفس اللحظة تفوهت سامية بسخط:
مش ترد على اللى بيتصل عليك.
نظر لها بنزق قائلًا:
دي وجدان.
تهكمت سامية ببرود وهي ترفع حاجبها:
آه طبعًا، وجدان… الست المصونة اللي مافيش حاجة بتكسر خاطرها،مش ولدها رجع للوعي، رُد شوفها عاوزه إيه..رُد يمكن تكون جلبها حَن وعاوزة تطمن على ولدك.
أطلق عزمي زفيرًا غاضبً، ثم قام بالرد ليسمع صوت وجدان الأمر:
طوفان عاوزة تچي له المستشفي فى أمر مهم.
أجابها بسؤال:
أنا إهنه بالمستشفي، خير.
ردت بهدوء:
خير أنا معرفش عاوزك ليه، لما تچي هتعرف، وسلم لى على وليد ربنا يشفيه.
-آمين ويشفي طوفان عشر دقايق وأكون عندكم فى الأوضة.
أغلق الهاتف نظر نحو سامية التي مصمصت شفتيها بسخريه ثم قالت بآستهزاء:
روح شوف عاوز إيه، بلاش تتأخر يمكن هيجولك وصيته الأخيرة.
نظر لها بمقت ثم غادر صامتً، بينما هي تشتعل غيظً، نظر لها وليد بإستفسار سائلًا:
تفتكري طوفان عاوز أبوي فى إيه وهو بالحالة دي يادوب فاق.
زفرت بغضب قائلة:
ياريته كان مات وإرتاحنا، أنا مش هنساله إنه سلمك للبوليس، ولا دفاعه عن الحقيرة اللى كانت عاوزه تجتلك..شكله عاشجها.
تذكر وليد ما حدث لكن لمعت عيناه بخباثة:
بصراحه هي حلوة… لاه حلوة أوي تستحق يعشقها،كانت فين دي من زمان،هي البنات الحلوة اللى زي دي دايمًا يهجوا على مصر.
نظرت له بسخط وقامت بصفعه على كتفه المُصاب…تآلم بشدة ونظر لها قبل أن يتحدث بوخته قائلة بتحذير:
لا حلوة وياريتها تغور من إهنه، وإنت كمان كفاياك رمرمة على البنات والحريم
كفايه اللى حُصل بسبب “بِت مسعود بدران”
بسببها إتحبست ست شهور فى الإحداثية بين عيال المجاطيع (المقاطيع).
نظر لها بعينين خبيثتين وبداخله يزدرد ريقة حين عادت تلك الفتاة الى مُخيلته…سال لُعابه.
❈-❈-❈
بمنزل والدة دُرة
بقهرت قلب نظرت الى باسل الذي يقترب منها قائلًا:
المحامي سبقنا عالمركز، لو جاهزة خلينا نمشي.
اومأت له قائلة:.
جهزت لها كام صنف أكل،كمان إفتكرت جهاز التنفس… كنت متأكدة من يوم ما قالت راجعه هنا تاني ان فى دماغها شر، دلوقتي عزمي وإبنه أكيد ما هيصدقوا طبعًا، ومش هحتاج يشتري شهادة الشهود، كان عالملأ ودُرة مفكرتش…أو بالأصح دُرة اوقات بتفقد عقلها ويتحكم عصبيتها فيها،وهما إستغلوا ده بالإستفزاز.
تنهد باسل بآسف، لكن سُرعان ما تذكر طوفان وكلامه، نظر لـ كريمان قائلًا:
طوفان مش كان وكيل نيابة سابق عندي شك شبه يقين إنه مش هيتهم دُرة، وكمان ممكن يأثر على عزمي والتافه إبنه المجرم.
تنهدت كريمان بأمل قائلة بتمني:
يااريت،كفاية كلام خلينا نتكلم فى الطريق عشان وقت الزيارة.
❈-❈-❈
بمركز الشرطة
استكملت دُرة تهكمها الساخر قائلة:
مفيش مانع أسمع رسالة طوفان بيه،إشجيني.
إبتلع المحامي ريقه ثم أخرج من حقيبته الخاصة حقيبة ورقية صغيرة قائلًا:
إتفضلي.
إستغربت دُرة وضيقت بين حاجبيها وهي تأخذ تلك الحقيبة بفضول لمعرفة محتوى تلك الحقيبه قائلة:
أما أشوف رسالة إيه اللى فى الكيس الملفوف لافة هدايا ده.
فتحت الحقيبة الورقية سُرعان ما إندهشت وهي ترفع يدها قائلة:
موبايل…ويا ترا إيه تاني فى الكيس.
مدت يدها جذبت علبة ورقية صغيرة سُرعان ما عرفت محتواه شعرت بضجر قائلة:
بخاخة أوكسجين كمان، يا ترا في لسه فى الكيس حاجة كمان أما أشوف.
وضعت يدها تنظر بداخل الحقيبة وجدت مُغلف ورقي صغير، جذبته بإستهزاء قائله:
أكيد كلمة الإهداء فى الظرف ده، هفتحه بس فضول مش أكتر…
فتحت المُغلف ثم فردت تلك الورقة المطوية قبل أن تقراها إستهزات قائلة:
شوفت الإستخسار ورقة كراسة مش المفروض تبقي ورقة ملونة أو مكتوبة بماية الدهب عالعموم هقراها برضوا.
توقفت للحظة ثم قراتها:
“دُرة… الموبايل ده فيه خط وعليه رصيد هراسلك عليه، عشان نتفق عالكلام اللى هتقوليه فى النيابة بكره.
تهكمت ساخرة وقطعت الورقة، نظر لها المحامي بتوتر، لحظات وصدح رنين هاتف المحامي، أخرجه من جيبه ونظر للشاشة ثم لـ دُرة قائلًا:
ده طوفان بيه هرد عليه.
أومأت رأسها بلا مبالاة، لحظات ومد المحامي يده بالهاتف نحوها قائلًا:
طوفان بيه عاوز يكلمك.
رفضت فى البداية لكن ظلت يد المحامي ممدودة غصبً أخذت الهاتف، لتسمع صوت طوفان الواضح عليه الوهن والمرض قائلًا:
دُرة بلاش عِناد وإسمعيني لازم نتفق على ألأقوال اللى هتقوليها بكره فى النيابة، دي قضية شروع فى قتل.
بعصبيه اجابته:
لاء دي مش شروع فى قتل، دي قضية قتل مُتعمد،أو بالأصح قصاص بالحق، وياريت عرفت أخد بالتار.
تنهد طوفان بألم قائلًا برجاء:
دُرة إسمعيني….
قاطعته بغضب قائلة:
مش عاوزه أسمعك، ومتقلقش أنا هعترف إن فعلًا كان فى نيتي قتل إبن خالك، وكمان أطلقت عليك الرصاص بقصد.
تأوه طوفان مُتنهدًا بألم، قائلًا بصوت متهدج:
دُرة، لو قلتِ كده في النيابة، هتدمري كل حاجة… هتدمري حياتك.
تهكمت بوجع قلب، وتحدثت بصوت يمتزج بالغضب والأسى:
حياتي… حياتي ضاعت من زمان… حياتي ضاعت لما إنت اخترت الخيانة، اخترت إنك تسلم مجرم للنيابة، وإنت عارف إن سهل يطلع من القضية بكل بساطة،.
سكت طوفان لثوانٍ، يحاول أن يلتقط أنفاسه وهو يشعر بثقل كلماتها على قلبه… همس بصوت ضعيف، وكأن الكلمات تكاد تفر منه:
دُرة، أنا… أنا كنت دايمًا خايف عليكِ. بس مش بالطريقة دي. مش ده الحل… دُرة إسمعيني…
ضحكت بمرارة، ثم قاطعته، وكل كلمة منها كأنها سكين في قلبه:
خايف عليا… ليه مخوتش من انك تخسر مكانك في حياتي أكتر… لو فعلًا صادق كنت سيبتني أخد حقي وأقتل وليد وأخد بتاري زي ما هو قتل بابا وجوزي.
كلمة “جوزي”
كان لها صدا قاسي وقع على قلبه لكن حاول مُحايلتها قائلًا:
مش هقدر أشوفك وأنتِ اللى بتهدمي حياتك يا دُرة.
عند هذه النقطة، أغلقت دُرة الهاتف فجأة دون أن تتكلم، قبل أن تشعر بحالة من الضعف.. كما لو أنها أغلقت فصلًا من حياتها، بينما طوفان ظل غارقًا في دوامة من الندم، مشاعر متضاربة تجتاحه، وعيناه تغلقان ببطء من فرط الألم الذي مازال بشعر به.
أعطت الهاتف للمحامي
قائلة ببرود:
إتعامل مع حيثيات القضيه… أنا خلاص مش عاوزة أسمع منه تاني.
نظر المحامي إليها بحذر، ولكن دُرة كانت قد اتخذت قرارها، وعيناه لا تكاد ترى سوى الحزن الذي يغطيها.
❈-❈-❈
بالمشفى
بغرفة طوفان
دخل عزمي الى الغرفة، تفاجئ بـ طوفان وحده بالغرفة يمسك بيده هاتفه لا يعلم السبب الحقيقي لتجهم وتهجُن ملامحه، إن كان ألم من إصابته، أو من شيء آخر، تنحنح قائلًا:
كيفك يا طوفان، فرحت كتير لما وجدان جالتلى إنك فوجت ورجعت لوعيك، إنت عارف مكانتك عندي،،،إنت مش واد أختي إنت إبني الكبير.
تهكم طوفان ساخرًا بنظرة مُبطنة بالإحتقار، بينما شعر عزمي بالتوتر يسري في أوردته، وكأن كلماته التي حاول بها التخفيف عن طوفان قد جاءت عكسية تمامًا… في عينيه اللامعتين كان هناك شيء لم يستطع عزمي تحديده، شيء لا يعكس المشاعر التي كان يظن أنها ستكون حاضرة بعد صحوة طوفان… ظل ينظر إليه، محاولًا فهم سر هذه النظرة التي تحمل في طياتها احتقارًا لم يكن يتوقعه، لكنه لم يستطع التجرؤ على الاستفسار.
بينما تفوه طوفان بصوت بارد، وهو يحدق في الهاتف بين يديه:
إبنك الكبير… أه ما بيقولوا الخال والد.
ربما كان الصوت خاليًا من الانفعال، لكن النبرة التي نطق بها طوفان كأنها تحمل مزيجًا من المفاجأة والشك….
حاول عزمي تلطيف الحديث سائلًا:
أومال وجدان فين؟.
أجابه طوفان بإيحاء:
راحت تطمن على وليد،هي مقابلتكش فى الطريق.
هز عزمي رأسه بنفي،تأوه طوفان بسخريه وإستهزاء قائلًا بتبرير:
المستشفى كبيرة يمكن راحت من ممر تاني غير اللى جيت منه.
هز عزمي رأسه بموافقة، بينما تفوه طوفان مباشرةُ:
بص بقي يا خالي، أنا عارف إنك قدمت بلاغ ضد دُرة بتتهمها بمحاولة قتل وليد، هتروح دلوقتي تسحب البلاغ.
ذُهل عزمي مُبررًا:
دي مش بس حاولت تجتل وليد،إنت كمان،أنا كنت هعمل محضر تاني،والشهود…
قاطعه بغضب:
قولت هتسحب المحضر يا خالي…
-إزاي انا ووليد قدمنا إفادتنا، والمحضر….
هكذا تحدث عزمي قبل أن يُقاطعه طوفان بإصرار وتوعد:
قولت هتسحب المحضر والا قسمًا بالله هنسي إنك خالي،وسهل أقدم أدلة جديدة فى قضية مقتل مُختار غُنيم وحسام بدران،والمرة دي مش هتقدر تشتري الشهود زي ما عملت قبل إكده،وكمان انا قادر أضغط على الشاهد وأخليه يغير شهادته،والمره دي وليد هيوصل للإعدام على يدي وإنت عارف إني أقدر أعمل إكده بكل سهوله.
فزع قلب عزمي مذهولًا وتحدث بتعلثُم:
واه…تدخل واد خالك السجن وعاوز تجيب له إعدام كمان،عشان مين…عشان بنت رفعت عليك السلاح ومترددتش لحظة وجامت بضربك بالرصاص جدام كُل اللى كانوا موجودين،كأنك عشاجها إياك،أنا جولت إن حديتك وجتها كان تخاريف، بس…
قاطعه طوفان بصرامة وإعتراف:
أيوه عاشجها، وإنت هتنفذ اللي جولت عليه والا مش هتردد أنفذ بدون إنذار.
ذُهل عزمي اكثر قائلًا:.
إنت كبير عيلة مهران ولازمن إتفكر بعقلك و…
قاطعه طوفان:
وعشان أنا كبير عيلة مهران لازمن حديتي يتسمع ويتنفذ بدون نقاش.
شعر عزمي بالهلع فى قلبه من تصميم طوفان حاول أن يكسب وقت ويتلاعب به ربما يستطيع إثارة كبار العائلة عليه،تفوه بمهاودة:
تمام بُكره….
قاطعه طوفان بحسم:
مفيش تأجيل يا خالي اللى جولت عليه يتنفذ دلوق، المحامي انا إتصلت عليه وفهته وهو مستنيك فى النيابة إنت ووليد،هتغيروا الإفادة،إن اللى حصل كان غير مقصود وحصل سوء فهم.
إزدرد عزمي ريقه وأومأ رأسه بموافقة، بينما شعر طوفان ببوادر ألم، بنفس الوقت عادت وجدان الى الغرفة… نظرت نحو وجه عزمي وملامحه المُلتهبة المُتجهمة، لم تتحدث وذهبت نحو طوفان وقفت جواره ثم إنحنت وهمست له بشئ تبسم لها، لكن سُرعان ما تلهفت عليه حين سمعت آنين منه، جذبت ذاك الهاتف الأرضي وطلب مساعدة، بينما نظر عزمي لهما، كاد يقترب من الفراش لكن طوفان أمره:
لازمً تروح النيابة دلوق يا خالي إنت عارف إن النيابة وجتها مش ملكها وأنا إتصلت على وكيل النيابة، كان بينا معرفة أيام ما كنت بشتغل وكيل نيابة، هو فى إنتظاركم دلوق، بلاش تتأخروا عليه.
أومأ عزمي رأسه بتنكيس قبولًا بالغصب، يخرج من الغرفة بخطوات سريعة، سمعت وجدان صوت طوفان وهو يحاول كتم آلامه، وعينيه تتلألأ بالألم… تقدمت نحوه سريعًا، جلست بجواره على طرف السرير، وبلمسة رقيقة على يده همست قائلة:
طوفان، إنت بتجهد نفسك جامد، صحتك يا ولدي.
رفع طوفان رأسه قليلاً، نظر إليها بعيونٍ غارقة في التعب، وقال بصوتٍ منخفض كمن يتحدث إلى نفسه:
أنا بخير يا ماما، دلوقتي أخد المُسكن وهرتاح.
بلهفة قلب أم تفوهت وجدان، ولمعت عيناها ببسمة ممزوجة بدمعة وهمست لنفسها قائلة:
كُل العشج ده ساكن جلبك يا ولدي، ودُرة يدها مرتعشتش ولا رف لها جفن وهي بتضرب عليك الرصاص، العشج ملوعك يا ولدي.
❈-❈-❈
ليلًا
بشقة إبتهاج
كان عزمي يُنفث دُخان تلك الأرجيلة يشعر أن قلبه مُلتهبُ بالحقد والغضب بعدما نفذ ما طلبه طوفان منه هو ووليد الذي عاند لكن بالضغط وافق هو الآخر، او بالأصح وافق رهبةً من وعيد طوفان، شعر بالحقد والكُره لـ طوفان، نظرت له إبتهاج توهمه أنها تشعر به قائلة:
مالك يا سي عزمي، شكلك مضايق جوي.
نظر لها بغضب سحيق قائلًا:
واه هتخليني أضايج غصب.
شعرت بريبة لوهله، لكن سُرعان ما تغنجت بدلال وهي تجلس جواره، ببعض من الاغراء منها بسهولة جعلته يبوح بما فعله طوفان، وغصبه عليه هو ووليد بسحب الإتهام… تغنجت بدلال قائلة:
واضح إنه عاشج البت دي، يبجي بلاش تقرب منيها….
نظر لها بغضب قائلًا:
جلبي جايد (قايد) نار.
إبتسمت بخباثه قائلة:
طب واللى يخليك تشفي غليلك منيها وإنت بعيد.
نظر لها بلمعة عين سائلًا بإستخبار:
كيف ده.
أجابته ببسمة خبيثه:
إنت عارف إن الحكومة اليومين دول شادة حيلها مع الأخضر.
-الأخضر
الأخضر إيه يا ولية شكلك هتطيري الحجر اللى شربته.
إبتسمت بمكر قائلة:
الأخضر… هو الدولار يا جلبي من چوه…الحكومة مشددة اليومين دول،وبتقبض على أي حد عندها شك فيه،أو أي حد بلغ عنه إنه بيتاجر فى العُملة.
فهم قولها لمعت عينيه والفكره تتراقص برأسه تُداعب شيطانه الذي ضحك وهو يهمس قائلًا:
ده هتبجي سهلة جوي، وأنا بعيد.
أومأت له بسفور ماجن وهو يجذبها يُقبلها بشهوانية قائلًا:
تستاهلي الف بوسه على فكرتك، ولو مشيت زي ما أنا عاوز ليكِ الحلوان.
تدللت بغنج مُصطنع:
أنا حلواني رضاك عني وكمان مزاجك الرايق.
نظر لها بإشتهاء ونهض يجذب يدها قائلًا:
راضي عنك، جومي معاي ندخل چوه أثبتلك رضايا.
بغنج سافر ضحكت مثل ضحكات العاهرات، بينما عقلها مازال لم يصل الى نُقطة الإنتقام من “طوفان”… ربما البداية هي ذلك الشائب الذي بلا أخلاق.
❈-❈-❈
بالمشفى
غفي طوفان غصبً بسبب بعض المُسكنات، ربما غفت عيناه وجسده بسبب زوال الألم، لكن عقله مازال مُستيقظًا، لوهلة إنفرجت شفتاه ببسمه وهو يتذكر ذكرى من الماضي البعيد مازالت محفورة برأسه وبين ثنايا قلبه
بالعودة بالزمن وهو يقترب من عُمر العاشرة
بمنزل متوسط يتوسط قطعة أرض صغيرة حوله،تلك الأرض مُقسمة الى تكعيبات زراعية لخضروات ورقية مُختلفة،كذالك بعض أشجار الليمون.
كان يجلس هو وبعض الأطفال بنفس عُمره وأصغر منه وأكبر أيضًا، فوق درجات ذلك السُلم، يمسكون بين أيديهم” مصاحف”
يسمعون لتلاوات بعضهم، وهم يحفظون ذلك الوِرد الذي أعطاه لهم “الشيخ عرفة”فرضًا يحفظونه قبل أن يقوم بالتسميع لهم …
إنتهي من حفظ الوِرد المفروض عليه،أغلق المُصحف،نظر أمامه صدفه وقع بصره على تلك الصغيرة التى تصعد درجات السُلم وبسبب زحام الاطفال الجالسين،تطرفت كي تُفاديهم،لم تنتبه الى أنها تتطرف أكثر فأكثر،لو رفعت قدمها.وصعدت ربما تطأ قدمها الهواء وتسقط،سريعًا حذرها:
خلي بالك رجلك هتچي عالهوا.
لكن تلك الصغيرة عنيدة ولم تهتم،وما حذرها منه حصل،وسقطت من على طرف السلم الى الأرض،صرخت بألم،على صوت تلك الصرخة جاء الشيخ وزوجته التى هدأتها وضمدت لها ذلك الخدش الصغير بيدها،بعد قليل بداخل غرفة واسعة جلس الأطفال،واحد خلف آخر يقومون بالتسميع والتلاوة لتلك الأجزاء المفروضة عليهم،نظر لها الشيخ قائلًا:
تعالي يا دُرة ها حفظتي السورة اللى جولتلك عليها.
توترت وإرتبكت هي لم تحفظ تلك السورة،لكن لن تعترف أنها غير مُجتهدة مثل بقية زملائها…بكت بكذب وأشارت نحو طوفان وإدعت الألم بذراعها قائلة:
أنا كنت حافظة السورة،بس الواد ده زقني من عالسلم وقعت على إيدي،وإيدي إتعورت ومبقتش مركزة ولا فاكرة من الوجع.
نظر الشيخ نحو طوفان الذي هز رأسه بنفي، تبسم الشيخ، لكن عاد بنظره نحو دُرة قائلًا:
طب عقاب له بقي هياخدك وتقعدوا فى الجنينة تحت السجر وهو يحفظك السورة.
للغرابة تبسم طوفان وتقبل كذبها ذهبا معًا تحت ظل إحد الأشجار بالحديقة فى البداية سألها:
ليه كذبتي عالشيخ.
بخجل طفولي أخفضت وجهها قائله:
بصراحة ماما كانت مشغوله مع أخويا ونسيت أقول لها هي أو بابا يساعدوني فى الحفظ، وإنشغلت باللعب فى الأرض مع بابا.
إبتسم لها قائلًا:
إسمك”دُرة”.
اومأت مُبتسمه، بينما هو بطفوله بريئة تحدث بإعجاب:
أسمك جميل.
أومأت بغرور قائله بسؤال:
عارفه، بس يعني إيه طوفان، ده إسمك اللى نادي عليك بيه الشيخ.
أجابها بمعني الأسم، إستغربت ذلك وسألته:
ومين اللى سماك الأسم الصعب ده.
أجابها بغصة:
أبوي، وبعدين كفاية رغي لازمن تحفظي السورة والا الشيخ عرفه هيضربنا إحنا الإتنين.
إبتسمت وبدأت تستمع لتلاوته وحفظت السورة بعد قليل إبتسم لها الشيخ عرفة وأخرج من جيبه قطع حلوي وأعطاها لها هي وطوفان كمُحفز لهما، خرجا من تلك الغرفة، مد طوفان يده لها بالحلوي قائلًا:
خدي الكرملة دي ليكِ إنتِ تستحقيها عشان إنتِ حفظتي السورة بسرعة.
رغم انها مجرد قطعة حلوي لكن بفمها لها مذاق خاص ومختلف، أخذتها منه،تبسم لها قائلًا:
على فكرة شعرك حلو أوي،زي شعر الخيل.
بغرور طفولي منها مسدت على خصلات شعرها السوداء مُبتسمة…
مرت الأيام لقاءات شبة دائمة بينهم غير مُدبرة
ذات يوم تأخرت دُرة عن ميعادها جلس طوفان يراقب باب الحديقة ينتظر أن تطُل درة،لكنها لم تأتي،وتأخر فى العودة الى المنزل،يومها غضب والده بشدة منه وقام بجلده بالكرباج الذي ترك أثرًا على جسده وروحه كطفل.
باليوم التالي ذهب الى منزل الشيخ جسده يؤلمه…جلس على السلم ينتظر دوره كذالك ينتظر دُرة التى نادت عليه تبسم لها وهي تجلس جواره قائلة:
ماما حفظتني السورة اللى الشيخ كتبها فى الواجب،هاخد منه كرملة،وإنت كمان هتديني الكرملة اللى هيدهالك.
أومأ لها موافقًا،لكن بسبب الحر شمر عن مِعصم يديه ظهرت تلك العلامات الواضحة،شهقت حين راتها وشعرت بوخز فى قلبها قائله:
إيه العلامات اللى على إيديك دي،إيه سببها.
بكبرياء طفل أبت نفسه أن يقول لها أن والده هو من فعل ذلك،وأنها هي السبب فضل الصمت.
وضعت يديها فوق معصميه تمسدهما قائلة:
بتوجعك.
هز رأسه بنفي قائلًا بتهرُب:
مش أوي،يومين وهتروح، الشيخ بينادي علينا.
اومأت له،بينما هو عاود جذب الثوب على يديه يُخفي تلك العلامات التي كان مازال يشعر بألمها النفسي والجسدي،لكن للغرابة بسبب لمسات تلك ذات” الجدائل السوداء “كآن الألم إختفي.
«عودة»
على صوت آذان الفجر إنتهت تلك الذكري الطفولية، وبدأ يوم جديد.
❈-❈-❈
بحوالي العاشرة صباحً
أمام مبني النيابة
توقف حاتم بسيارته، مازال عقله يذمه بندم، دُرة كانت أشجع منه، حاولت أخذ القصاص المهدور، هو رجُل وهي إمرأة لكنها أشجع منه…
ظل واقفً لبعض الوقت يذمه عقله بين أخذ القصاص بالمثل بعد ضياع القصاص بالقانون… هو تعود تنفيذ القانون حتى لو لم يكُن مُقتنعًا…لكن تلك ليست قضيه لا تخُصه،بل هو دم أخيه المغدور…بذلك الوقت لفت نظره تلك السيارة التى توقفت بالجهه الأخري أمام درجات سلم النيابة،لم ينذهل حين ترجل طوفان من تلك السيارة يستند على آخر يدلف الى النيابة…فكر بعقلية رجُل،ما الذي يجعله يفعل ذلك،
والجواب سهل…طوفان عاشق لـ دُرة
و..دُرة أعلنت كراهيتها له،
طوفان هو من قدم القاتل للقانون كي يحميه
وطوفان أيضًا هو العاشق
إهتدي عقله لابد من عقاب خاص لـ طوفان
والعقاب هو ضياع دُرة
فكر بطلب والدته بل إلحاحها عليه بالزواج من دُرة…
لحظات وكان القرار سهلًا لما لا دُرة لو لم تكُن لها مكانه كبيره بقلب طوفان لم جاء إليها اليوم، لكن لن يدعه يفوز بل
سيُعاقب طوفان بالامتثال لرغبة والدته بالزواج من دُرة.
❈-❈-❈
بداخل مبني النيابة بإحد الغرف…
رحب وكيل النيابة بـ طوفان وإطمئن على صحته،جذب له أحد العساكر مقعدًا وساعده بالجلوس عليه…
بعد قليل
دلفت دُرة الى الغرفة تفاجئت بـ طوفان يجلس وحده بالغرفة، تهكمت حين فك العسكري الأصفاد من يديها وغادر
نظرت له بإستهزاء، وقبل أن تتحدث سبقها طوفان قائلًا:
مش بتردي عالرسايل، قولت أجيلك بنفسي.
نظرت له باستهزاء قائلة:
– المفروض إنك كنت وكيل نيابة سابق، وعارف إن القانون مش بيسمح بالموبايلات جوه السجن.
ده مش اختراق صريح.. ولا خلاص، القانون بقى بالنسبة لك وسيلة بتتلوّن حسب مزاجك.
أجابها بلؤم وهو يعتدل بالمقعد قائلًا بمكر:
مش الأول تقوليلي حمدالله على السلامة، أنا أنكتب ليا عُمر جديد.
تهكمت بضحكة سخرية قائلة:
ولا يفرق معايا، بس تستاهل محدش قالك إحمي مُجرم.
بصعوبه نهض واقفًا يسير بخطوات ثقيله يضع يده فوق صدره بداخل حامل طبي مرفوع فوق عُنقه، تحدث بمكر:
واقفة ليه بعيدة، ليه خايفه تقربي مني، عالعموم أقرب انا.
رمقته بنظرة باردة ثم أجابته بحِدة:
أنا أخاف منك، واضح إنك موهوم.
تبسم غصبً ثم عاود للمكر قائلًا:
ولا يمكن خايفة تقربي مني لا تضعفي،ليه حاسس إنى سامع نبضات قلبك.
تهكمت ضاحكة،
رفعت يدها تحذره، لكن قبل أن تتحدث، أمسك معصمها بحركة سريعة، اقترب أكثر حتى كاد أنفاسه تلامس وجهها، وعيناها تعكسان مزيجًا من الغضب والشيء الذي تخشى فهمه.
قال بصوت منخفض لكنه مشحون بالعاطفة المكبوتة:
بعد كده إيه يا دُرة مش هتقدري تبعديني..أو تهربي مني فاكرة نفسك لسه قادرة تبعدي.
حاولت التملص، لكن قبضته كانت قوية، مثل حصار غير مرئي يلتف حولها، يشعرها بأنها عالقة بين رغبة في الصراخ ورغبة أخرى أكثر خطورة… تلك التي تجعل قلبها يخفق رغمًا عنها.
شدت يدها بعنف قائلة:
إنت آخر حد ممكن يهددني، وافتكر كويس إنك مش هتقدر تخليني أضعف.
ضحك بسخرية، لكنه لم يُفلِت يدها، بل زاد اقترابه هامسًا:
ما هو ده اللي بحاول أثبته يا دُرة… إنك ضعيفة قدامي حتى لو بتنكري ده.. من كام يوم إيدك مرتعشتش وهي ماسكة السلاح، زي دلوقتي بترتعشي تحت إيدي.
اتسعت عيناها بدهشة وغضب، لكنها لم تملك ردًا… ليس الآن، ليس وهو يملك القدرة على كشف حقيقتها هي حقًا ضعيفة لكن ليست أمامه هو آخر من تضعف أمامه… سريعًا
حاولت أن تستجمع قوتها، أن تتذكر كل الأسباب التي تجعلها تكرهه، تجعلها ترفضه، لكن صوت أنفاسه القريبة كان يعبث بثباتها…
رفعت عينيها إليه، تحدته بنظرة مشتعلة، ثم همست بصوت مرتجف رغم محاولتها جعله ثابتًا:
وإنت فاكر إنك لو فضلت تحاصرني هتنتصر… انتصاراتك الوهمية دي مش هتغير حاجة، ومش هتجبرني إني…
بترت جملتها، كأنها أدركت أنها على وشك الاعتراف بشيء لا يجب أن يقال.
تقلصت عيناه بخطورة، شفتاه انحرفت إلى ابتسامة صغيرة، لكنه لم يترك يدها، بل زاد ضغطه قليلًا وكأنه يختبر ارتجافها… ثم سأل بخباثة:
مش هتجبريك على إيه يا دُرة؟ كملي، قوليها، يمكن الحقيقة اللي هربانة منها تبقى أوضح لما تسمعيها من لسانك.
ارتجفت شفتاها بغضب، ثم دفعته بقوة حتى كادت تفقد توازنها، لكنها تماسكت سريعًا، رفعت ذقنها بكبرياء قائلة بحزم:
الحقيقة إني مش بخاف منك، ومش بضعف قدامك والدليل إيدك المربوطة على صدرك، لسه أثر الرصاصتين…..
قبل أن تُكمل بقية إستهجانها…. جذبها من عضد يدها يضمها لجسده مُتناسيًا ألم جسده وبلحظة كان يضُم شفتيها
بـ قُبلة عاصفة للألم، قاطعة للأنفاس.
↚
❈-❈-❈
ظل يُقبلها بتلهف ونهم عاشق، في البداية أفقدتها الصدمة القدرة على الاستيعاب وعدم المقاومة، تجمدت لحظات بين ذراعيه كأن الزمن توقف بها، لكن شيئًا فشيئًا بدأت تتهاوى أسوارها، وتنهار معها كل محاولاتها للهرب من ضعْفها أمامه… لحظات لكن بمذاق الحياة له، حتي بدأ عقلها يُعطي إشارة الإستيعاب، فاقت رويدًا رويدًا، على دقات ذلك الهاتف الذي صدح كناقوس خطر برأسها جعلها
فاقت…ارتعشت رموشها، شهقت بأنفاس متقطعة، وهي تدفع صدره بكفيها المرتجفين، نظرت له بعيون ممتلئة بالغضب والعصبية رفعت يدها وكادت تصفعه، مُتحدثة بصوت شبه مخنوق:
إنت بتعمل إيه يا حقير يا….
شعر بألم قوي بمكان إصابته لكنه تحامل ذلك ولم يرد،لكن قاطع يدها قبل أن تصل لوجهه بيده السليمة، فقط ينظر لها بنظرة مشتعلة بالعشق، مشاعر متضاربة بين الرغبة والضعف، يستوعب غضبها وهي تتراجع خطوة للخلف تحاول سلت يدها من قبضة يده قائلة بغضب مُستعر:
مش من حقك… مش من حقك تقترب مني كده، بس إنت من الأساس معندكش أخلاق، تربية “نوح مهران” معندوش مانع إنه ياخد ست غصب.
أثارت غضبة بشدة إعصار ثائر حاول السيطرة على غضبه بصعوبة خرج صوته أخيرًا مشحون بألم جسدي ونفسي :
قولتيها إبن” نوح مهران”،يعني كُل شئ مُباح، والعرق دساس، دلوقتي خلينا نُقعد نتفق هتقولى إيه فى التحقيق.
نظرت له بغضب سحيق قائلة:
أنا قولت أقوالي خلاص وإعترفت إني فعلًا كنت قاصدة وكان نفسي أقتل المُجرم اللى إنت بتحميه بإستماتة لدرجة إنك توقف قدامي تحميه بنفسك.
شعر بألم لم يستطيع الوقوف أكثر جلس على أحد المقاعد مُتأوهًا بألم ينظر لها لا يستغرب حديثها الخاطئ ولن يُدافع عن نفسه يكفي، تأوه مره أخري قائلًا بحسم:
تمام… دلوقتي هتسمعيني وهتقولي اللى هقولك عليه قدام وكيل النيابة… وكيل النيابة ده…
قاطعته بإستهجان:
أكيد كان زميل لك ولازم يجاملك،زي ما غيره جاملك قبل كده، لكن أنا هقول اللى حصل.
فهم قولها نظر لها بغضب وعصبية من إزدياد ألم جسده قائلًا بصوت مبحوح من الألم :
لاء مكنش بينا أي معرفة سابقة،لكن وصلني عنه إنه محترف ومش بيجامل ، وما بيهموش غير الحق… وعلشان كده… لو قولتي الحقيقة زي ما هي، أنا هعترض…
سكتت للحظة، ملامحها متوترة، وتحكم العناد براسها وهتفت بحدة:
ـ أنا مش خايفة، ولا ناوية أغير أقوالي… اللي حصل قولته بالحرف، ومش فارق معايا.
أخفض بصره وضع يده السليمة فوق جرح صدره، تنهد بهدوء حين لم يجد دماء لكن ذلك لن يستمر كثيرًا عليه إنهاء ذلك التحقيق وفك صراح دُرة، رفع عينيه رمقها بحِدة وغضب ينفعل من الألم قائلًا بحزم:
دُرة هتغيرى أقوالك وهتقولى اللى هقولك عليه بالظبط.
وقفت بعناد، تنهد مُتألمً ثم تحدث بلهجة آمرة بل وتهديد مُباشر:
هتغيري أقوالك يا دُرة، لأن لو مسمعتيش كلامك أنا هكدبك فى التحقيق كمان وهقول مش إنتِ اللى أطلقتي الرصاص، هقول شخص تاني وإنتِ بتوالسي عليه.
تهكمت بإستهزاء رغم إندهاشها قائلة بسؤال:
القانون لعبتك مكنش لازم تدرس قانون، ومين بقى اللى أنا بوالس عليه.
بألم تفوه بكلمة واحدة:
“مامتك”.
غامت عينيها بظلام وتفوهت بذهول غاضبة:
ماما…. وصل بيك الفُجر عاوز تتهم ماما… بس هقول إيه حقير ومفيش عندك اي حدود أو أخلاق، بس إتهامك باطل لأني مُعترفة كمان ماما مكنتش موجودة اساسًا، بلاش…
قاطعها بألم يضغط عليها:
مين اللى قال مفيش شهود، وإعترافك هيتحول لموالسة، فكري كويس قدامك دقيقة واحدة، يا تجي تقعدي قدامي ونتفق على أقوالنا، يا…
نظرت له بغضب سحيق ودت بالفعل لو يُعطيها أحدًا سلاحً ولن تتردد للحظة واحدة بإطلاق وابل من الرصاصات بصدرهُ…غصبً إمتثلت وجلست بالمقعد المُقابل له لم تهتم بتأوهات الألم التي تخرج منه…
بينما رغم شعور الألم القاسي الذي يتحمله ابتسم وهي تجلس أمامه رمقته بنظرة آسف وهي تتذكر أحلام ذلك الشاب اليافع قبل سنوات
بالعودة قبل سنوات
بمنزل” الشيخ عرفه”
دلف طوفان مُبشرًا الشيخ بعدما ظهرت نتيجة الثانوية العامة، لم يكُن الشيخ يجلس وحده بالمندرة كانت دُرة معه تقوم بتلاوة القرآن الكريم بتجويد وهو يُصحح لها الأخطاء اللغوية… إبتسم حينما رأي طوفان، أشار بيده لـ دُرة أن تتوقف عن التلاوة، ونظر للمعة عين طوفان الذي يلهث مُبتسمً قائلًا:
تعالى إجعد يا طوفان عرفت إن نتيجة الثانوية العامة ظهرت عملت إيه أوعي تكون خذلتني أنا مراهن عليك، ودايمًا أجول الكُتاب بتاعي كُل اللى بعلمه بيكون مُتفوق.
أومأ له مُبتسمً يقول:
أنا الأول على محافظة المنيا يا شيخ عرفه.
هلل له عرفه بسعادة وقف يستقبله بعناق أبوي قائلًا:
ربنا يبارك فيك يا ولدي، ها جولي ناوي تدخل چامعة إيه.
أجابه بتلقائيه وعيناه تنظر نحو تلك الجالسة تبتسم قائلًا بإصرار:
هدخل كلية الحقوق فى القاهرة.
نهضت دُرة مُستغربة سائلة:
وإشمعنا كلية الحقوق، مجموعك كبير يدخلك أي كليه هنا فى المنيا، ليه تروح القاهرة.
لمعت عيناه مجاوبً بطموح:
أنا حابب دراسة الحقوق عاوز أبقي وكيل نيابة.
اومأ له الشيخ عرفه بفخر، بنفس الوقت دخل “حسام” الى الغرفة دون إستئذان، قائلًا بحِدة وإنعدام ذوق حتى لم يُلقي السلام:
دُرة اتأخرتي النهاردة و…
نظر له عرفه وبخه قائلًا:
المفروض لما تدخل على ناس تستأذن حتى لو كان الباب مفتوح ترمي السلام، مش تدخل كده بقلة ذوق ومش عامل إعتبار إني الشيخ بتاعك، ولا نسيت من وقت ما بطلت حفظ القرآن الكريم.
شعر حسام بالخزي كذالك الغِل والحقد من توبيخ الشيخ له بالأخص أمام دُرة كذالك طوفان الذي نظر له بسحُق وغصبً إعتذر بتبرير:
أنا مبطلتش حفظ القرآن أنا بس وقفت لفترة إنت عارف إني كنت فى ثانوية عامة زميل طوفان، وكان لازم أذاكر دروسي، وحفظ القرآن بيبقى محتاج تركيز.
نظر له الشيخ ولم يُعقب فماذا يقول لهذا الأحمق يفهمه جيدًا هدفه البقاء فقط مع تلك الدُ، بينما لم يهتم حسام لكن نظر ناحية طوفان سائلًا من باب الفضول:
هتدخل كلية إيه يا طوفان.
أجابه طوفان:
حقوق القاهرة ان شاء الله.
أومأ له قائلًا:
أنا هدخل كلية الزراعة إهنه، عشان أبقي جار خالي، أنا نفسي أبقي زيه مهندس زراعة.
اومأ له طوفان، شعر بغِيرة فى قلبه من نظرة عيناه لـ دُرة، كذالك الشيخ عرفه فهم غرض حسام… يفعل ذلك ليس لانه يريد ذلك هو يتخذ خاله قدوة كي يحصل على هدف آخر برأسه…
نهصت دُرة وذهبت مع حسام، بينما نظر طوفان لهما بشعور غير معلوم أنذاك، فقط يشعر بضيق من فكرة سير دُرة جوار حسام…لكن عرفه بخبرته مع الزمن فهم نظرة طوفان،ذلك الشاب بدأ قلبه بنبض العشق باكرًا…
بينما أثناء سير دُرة مع حسام كانت صامته الى أن تحدث هو بنبرة غِيره:
مش عارف ليه طوفان طالما جايب المجموع الكبير ده يقدر يدخل هندسة ولا حتى كُلية التجارة،هو إختار الحقوق عشان عارف إمكانياته.
لم تفهم دُرة تلك النبرة،وسألته:
فيها إيه هو حابب يبقى وكيل نيابة وبعدين يعني إيه عارف إمكانياته.
أجابها بتوضيح:
طوفان جاب المجموع ده مش بشطارته ولا بذكاؤه،ولا حتى مجهوده،ده كان عليه توصية طبعًا مش إبن “نوح مهران”والوريث الوحيد له فلازم يبقي عليه توصية خاصة.
فهمت دُرة قصد حسام ولم تهتم بذلك.
عادت من تلك الذكرى على صوت تأوه طوفان الآن فهمت قصد حسام،طوفان الآن أمامها يجبرها على تبديل أقوالها بمساومة وقبل ذلك كان يعلم بضعف القانون واستغل ذلك وأضاع الحق،حديث حسام عنه وقتها لم يكُن خاطئًا…نظرت له وجدته يضع يده فوق صدره ملامحه يبدوا بوضوح انه يتألم،أو بتفسير عقلها ربما يستغل ذلك لتتعاطف معه،لكن بالعكس كأن قلبها تحجر،ربما لو شخص آخر أمامها كانت أهتمت به،ورأف قلبها له.
بعد وقت إنتهت التحقيقات،بتطابُق اقوال دُرة مع أقوال طوفان،إنتهت القضية بالإفراج عن دُرة.
❈-❈-❈
بعد تأكده من قرار الإفراج عن دُرة إنتهت قوة تحمُل الألم لديه، لكن طلب من السائق العودة به الى المنزل لا المشفى…
حين رأته وجدان إنتفض قلبها بفزع إقتربت منه بيد مُرتعشة وضعتها فوق ذلك الدم الذي بدأ يظهر على ثيابه،بملامة نظرت له قائله:
أنا كنت بالمستشفي وجالولى إنك خرجت، كيف تطلع من المستشفى بحالتك دي، وكنت فين لدلوق.
نظر لها بألم قائلًا:
بعدين،السواق إتصل عالدكتور وإحنا فى السكة أرجوكِ محتاج أرتاح.
رأف قلبها بأنين وهي تُساعده للصعود الى غرفته بصمت، حتى تمدد على الفراش، لو بخاطره لصرخ ليس فقط من قسوة الألم الجسدي، بل من قسوة نظرات دُرة التى لم ترأف بتألمه أمامها… أغمض عيناه يعتصر الألم بداخل صدره.
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
حين دخلت الى المنزل إستقبلتها والدتها كذالك باسل، وعمتها التى أظهرت الود لها، لم تستطيع البقاء معهم كثيرًا نهضت قائلة:
حاسه بصداع هطلع أخد شاور وأنام… عن إذنكم.
غادرت دُرة، وتركت خلفها كريمان تغالب الأسى، وباسل الذي خيم عليه الصمت، بينما كانت عمتها تُخفي رغبة جامحة في التلميح لفكرة زواجها من حاتم، لكنها آثرت تأجيله إلى وقت آخر.
دخلت دُرة غرفتها بخطى مثقلة، فتحت باب الخزانة مباشرة، ومدت يدها إلى أحد الأدراج… سحبت منه علبة الدواء، وضعت الرذاذ في فمها واستنشقت بقوة، لكن أثره لم يكن كما اعتادت… ما زال ذلك الاختناق يجثم على صدرها…
تهاوت جالسة أرضًا، تسند ظهرها على الدولاب، وعيناها تسكبان الدمع بصمتٍ موجع، دون إرادة منها… وكأن الألم قرر أن يُقيم في صدرها دون رحيل…جالت عينيها في الغرفة شعرت بالوحدة لم تسمع إلا صدى أنفاسها المتقطعة وارتجافات خفيفة تسري في أطرافها… حاولت أن تكتم شهقتها، لكن أصبح الألم أكبر من قدرتها على الاحتمال… ولا تمتلك سوا الصمت وكبت قلبها والإمتثال لتلك القسوة التى أصبحت تتملك منها بالأخص ناحية طوفان،تضع يدها فوق أذنيها تود طرد مشهد تألمه أمامها،لم تتوقع توغل ذلك الشعور منها يومً ناحيته .
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
بدأ الليل يُخيم بظلامه…
بغرفة تلك الحالمة الرقيقة، تمددت على فراشها تشعر بأسي على حال طوڤان كانت تظن أن قلبه كالصخر، رات قسوة والدها عليه كثيرًا لكن لم تذوقها ربما لانها لم تكن من ضمن إهتماماته مثل طوفان الذي كان يود أن يكون خليفته حاول الانتفاض لكن بالنهاية إمتثل وأصبح هو كبير العائلة من خلفه،
-طوفان
نطقها عقلها… شبه أعلن عشقه، بل أكد ذلك والسؤال
-ما هو العشق
إحساس.. أم إجتياح
ام كلاهما معًا، أو مشاعر أخري…
تذكرت قبل أيام
حين رأت حاتم يدخل الى منزل خالها خلف دُرة، تلاقت عيناهم للحظات قبل أن يحيد النظر لها، كان موقفً لولا ضجيج الرصاص هل كانت إستمرت النظرات بينهما لوقت أطول،لوهله فكرت بالذهاب نحوه والتحدُث معه،لكن منعها خجلها،كذالك ما حدث،طن برأسها نُطقه لإسم دُرة بتلك النبرة التي شقت صدرها دون استئذان….
هل كانت نبرة حانية؟ أم كانت فقط عابرة… نطق اسم “دُرة” كأنها تهمه؟ أم أن عقلها، المتورط بحاتم، صار يضخم كل شيء؟
تنهدت بصوت خافت وهي تُدير وجهها للوسادة.
ليه بفكر كتير فيه …
وعاد عقلها يُعيد الموقف
حاتم لم يخطُ خطوة نحوها… لم ذلك الحنين.
لماذا تُرهق نفسها بالتفكير به، لماذا راقبته ذلك اليوم بعيون مُترقبة
قطع سيل أفكارها…. ذلك صوت ذلك الهاتف الذي يُعطي إنذار بنهاية الشحن،حاولت نفض ذلك التفكير ذهبت نحو الهاتف بالفعل فصل الهاتف بين يدها،فتحت أحد الادراج تبحث عن شاحن الهاتف،وجدته لكن إصتطدمت يدها بتلك البطاقة الإئتمانيه،كأن ذلك مثل إشارة
لقلبها الغارق في طيف حاتم، لكن انتفضت على ذلك وتركت البطاقة،وذهبت وضعت هاتفها بالشاحن ثم تمددت على الفراش وهي تحاول التفكير بشيء آخر علها تنسي ذلك التي تيقنت أن اللقاء بينهم شبة مستحيل .
❈-❈-❈
غرفة طوفان
أصرت على البقاء جواره بالغرفة،بعدما رفض العودة الى المشفى،ها هو غفي بفضل الأدوية المُسكنة،لكن هي لم تغفوا مازالت مُستيقظة تشعر بقلق مصحوب بريبة من القادم،نظرت نحو طوفان،كآنها سمعت همسه لم تُفسر ماذا قال،إقتربت منه كان صمت،ذهبت نحو الشُرفه فتحتها بهدوء خرجت كانت نسمة صيفية حارة رطبة قليلًا، بسبب تلك الأضوية التي بالحديقة، وقع بصرها على إحد الأماكن بمنزل شقيقها عزمي… أو بالأصح منزل والديها سابقًا
وذكري تلوح أمامها
قبل سنوات طويله كان طوفان وقتها يقترب من عُمر التاسعة
كانت تقف بإحد شُرفات المنزل
تُراقب طوفان وهو يلعب في الحديقة، يركض خلف فراشة ملونة، يضحك بمرح.. شعرت بسعادة في قلبها…وهي ترا برائته، كان سعيدًا حقًا.. ضحكاته كانت تنبُض من قلبه البرئ،خفق قلبها لسعادته،لكن سُرعان ما تبدلت تلك الخفقات السعيدة الى وخزات قوية حين رأت “نوح”يقترب من مكان طوفان يُحدثه بإستهجان قوي،تبدلت ملامح طوفان الى مسؤمة بل خائفة حين أصبح أمامه وأمسكه من ثيابه بقوة وحِدة يتحدث بفظاظة وجحود يتهمه بأنه رقيق القلب وذلك لكن يصنع منه رٕجلًا،تربية النساء دائمّا ما تصنع أطفال لا يتحملون مسؤولية،تهكم عليه بفظاظة وهو يمسك تلك الفراشة الذي كان طوفان يركض خلفها فقط للإستمتاع،قام بقطع جناحيها الملونين،والقاها أسفل قدمه،قائلًا:
بتجري ورا فراشة،اللى زيك إتعلموا كيف يمسكوا السلاح،إنت قدرك الكبير من بعدي وأنا مش هسمح يجولوا نسل”نوح مهران” قلبه رهيف كيف الحريم وبيجري ورا الفراشات،إنت هتاجي معاي بعد إكده،وجودك إهنه جار أمك هيعمل منه مُسخة الصعيد كلياته،إنت هتاجي تعيش وياي فى القصر.
إرتعب قلب طوفان،يعلم أن والده ذو قلب قاسي مُتحجر،وهذا ما يجعله دائمًا ينفُر الذهاب الى ذلك القصر،يبقي مع والدته بمنزل جديه الذي يفصل بينه وبين القصر مجرد سور صغير…أنقذ طوفان وصول وجدان التى بداخلها هلع يساوي هلع طوفان لكن لن تترك طوفان له،بعدما سمعت حديثه،بقوة وإندفاع أُم جذبت طوفان من بين يديه وأخفته خلفها،رغم إرتجاف قلبها لكن رفعت رأسها نظرت نحو نوخ ذو الجسد الضخم بالمقابل لجسدها وجسد طوفان،إستجمعت شجاعة واهية بإندفاع:
إنت عاوز إيه من ولدي،سيبه فى حاله.
نظر لها نوح بتسلية قائلًا بغلاظة وجمود:
طوفان مش ولدك لوحدك، كُمان ولدي الوحيد.
تفوهت بلا وعي:
ليه الوحيد… روح إتجوز وهات غيره وربيه كيف ما أنت رايد… ده ولدي ومستحيل…
قاطعها بغضب:
مفيش ست بعدكِ تملي عيني يا وجدان وكفاية خلينا نجفل عالماضي ونرجع من تاني نربي ولدنا بيناتنا بدل…
قاطعته بغضب أقوي:
مستحيل أرجع لك من تاني، الطلاق كان هو الصح اللى عملته من البدايه…
تبدلت نظرته الى أخري شبه ناعمة ورمقها ببرود:
مكنش ده كلامك قبل ما نتجوز، كنت مُغرمة بيا.
إرتبكت هي كانت ذلك حقًا، مُغرمة به كانت تظن أنه الفارس الذي ترغبه كل الفتيات، قوته جسارته، لكن إكتشفت أن خلف ذلك شخصية جافة وأنانية… قسوة مُغلفة بداء السيطرة، وعليها الإمتثال كأنها تعليمات إلهية.. وأكتشفت أيضًا صعوبة التكيف والتعايُش مع تلك الصفات كانت هي الجسورة حين تمسكت بقرار الطلاق بداخلها كانت تخشي على ولدها الصغير ذو العامين آنذاك من تمكين قسوة وجبروت نوح بداخل قلب طفلها، كان حصولها على الطلاق مثل إعصار فتك بالعائلة لولا خباثة نوح الذي ظن أنها مجرد وقت قصير، لكن مر سبع سنوات بالنسبة لها كانت رخاء وهي ترا حريتها هي وطفلها، بالنسبة له كانت عِجاف… لكن لن ينتظر أكثر من ذلك،ستعود لعصمته حتى ولو بالإجبار وهذا ما حدث لاحقًا
على صوت تأوه طوفان نفضت تلك الذكريات المريرة،نظرت نحوه يبدوا أنها بلا قصد منها ضغط بقوة على كتفه المصاب،ازاحت يدها،ظلت تنظر له،كان وجهه هادئًا،الآن أصبحت على يقين أن ذلك الهدوء ليس إلا قناع يخبئ خلفه ندوبًا لا تبوح بها الملامح.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام
صباحً
بمنزل حاتم
إتخذ القرار رغم وجود تردُد لديه تلك الزيجة من دُرة لو وافقت، قد تكون غير موفقة لهما الإثنين، لكن إنتقامً من ذلك الـ طوفان قد يفعل أي شئ حتى لا ينال دُرة كما يبغي…
على طاولة المطبخ وضعت والدته آخر طبق للطعام ثم جلست بنفس الوقت دلف والده وجلس معها على أحد المقاعد، بينما وضعت والدته يدها على كتفه ببسمة مغصوصة، تنحنح بتردُد قائلًا:
أنا موافق خلاص يا ماما على إنى أتجوز دُرة.
إبتسمت بإنشراح قائلة:
قلبي كان حاسس إنك هتوافق وكنت خلاص هكلمها من كام يوم بس الظروف مكنتش مناسبة، خلاص الحمد لله الظروف إتحسنت النهاردة المسا هروح، ولا أقولك تعالي نروح سوا، ممكن لم تلاقيك معايا تعرف إنك مهتم بها وتوافق بدون تردُد.
بداخله ألف تردُد لكن العِند ورغبة الإنتقام، إنتفض واقفًا بعدما كاد يعترض والده:
بلاش يا حاتم، دُرة إنسانه وعندها مشاعر، بلاش تمشي ورا رغبة أمك و…
قاطعه بحسم بعدما وقف وقبل أن يسير تحدث بحسم:
هحاول أرجع بدري المسا ونروح سوا، همشي عندي مشوار مهم قبل ما أروح القسم.
غادر بينما نظر والده لها بغضب قائلًا:
بلاش يا “بدرية” عندي يقين دُرة مش هتوافق، وكمان نفسي أعرف سبب لإصرارك ده، كمان كيف جلبك هيتحمل وجودها هنا مع حاتم، بلاش تظلميها وتظلمي حاتم معاها.
نظرت له بسخط وضعت إحد اللُقيمات بفمها وأجابته:
كمان جلبي مش هيتحمل أشوفها مع حد غير حسام، يبقي حاتم أولى بيها.
هز راسه بيأس، وآسف يعلم أن خلف إصراها هدفً آخر غير المُعلن.
❈-❈-❈
أمام منزل الشيخ عرفة
توقف بسيارتها ترجلت تشعر بحنين،منذ سنوات لم تأتي الى هنا أزاحت تلك البوابة ودلفت الى الداخل تبسمت لتلك الأطفال الموجودين بالحديقة التى لم تختلف،أشجار الليمون وتلك الخضراوات الورقية،ذلك السُلم التى كانت تجلس عليه تقوم بمراجعة الوِرد المفروض عليها،أصبح المنزل أكثر قِدمًا،لكن بنفس ملامحة القديمة،ذهبت نحو باب المنزل،ليس نحو تلك الغرفة الجانبية،قامت بالطرق على الباب، فتحت لها تلك السيدة وهي تتوعد بمرح:
عارفين لو مبطلتوش شقاوة وخبط عالباب، هخلي الشيخ…
توقفت السيدة عن إستكمال حديثها تنظر لـ دُرة بتذكُر، بينما دُرة أكملت جملتها بمرح:
الشيخ عرفة يعلقكم فى الفلكة ويعبطكم.
تبسمت لها السيدة وتفوهت بترحيب:
دُرة.
أومأت لها مُبتسمة قائلة:
فكرتك نسيتيني.
إبتسمت لها وهي تجذبها تضمها بعناق مشتاق قائلة:
إنتِ من الوشوش اللى متتنسيش، تعالى لجوه الشيخ عرفه هيفرج جوي لما يشوفك، من كام يوم كُنا فى سيرتك وكان بيجولى زعلان منيها، كيف تكون إهنه ومتجيش تسلم علي، نسيت إنى انا اللى حفظتها كتاب الله.
شعرت بغصة وخزي قائلة:
لا والله عمري ما نسيته، بس الظروف.
إبتسمت لها وقبضت على معصم يدها وتوجهن الى تلك الغرفة الجانبيه، دخلت زوجة الشيخ أولًا كان يستمع لاحد الاطفال إنتظرت حتى إنتهي وتحدثت له بسعادة قائلة:
تفتكر مين اللى واجفه بره المندرة.
نظر لها بتخمين لم يفهم سائلًا:
مين يا وليه، انا مش فاضي لفوازيرك دلوق، العيال بره.
ضحكت قائلة:
لاه خمن، ولا أجولك، بلاش، يلا ادخلي برجلك اليمين.
تبسمت دُرة بتوتر وهي تدخل الى الغرفة… نهض الشيخ واقفًا يبتسم بترحيب قائلًا بعتاب:
أخيرًا إفتكرتي الشيخ الغلبان يا دُرة، إنتِ الوحيدة اللى خرزانتي ملمستش يدها.
إبتسمت له وذهبت نحوه سريعًا إنحنت على يدهُ تُقبلها بقبول ثم إستقامت قائلة:
وإنت اليد الوحيدة اللى إتحنيت عشان أبوسها يا شيخ عرفة.
وضع يده على رأسها بأبوة قائلًا:
تعالي يا بِتِ نجعُد.
قال ذلك ثم نظر لزوجته قائلًا:
إطلعي للعيال وجولي لهم يروحوا يجوا العصر، الشيخ مش فاضي لهم دلوق.
تبسمت له زوجته وفعلت مثلما قال لها، بينما جلس جوار دُرة أرضًا، فى البداية سألها بتحذير:
أوعي تكوني نسيتي حفظ القرآن الكريم، القرآن بيطير من الدماغ بسرعة.
اومأت له بنفي قائلة:
لاء أنا محافظة على قراءة القرآن وده مثبت الحفظ فى عقلي.
أومأ لها مُبتسمً يشعر بغصة
تلك الدُرة كانت ملامحها رغم جمالها تتسم بالتفاؤل والشقاوة، أمامه هادئة بملامح عابسه، تنهد قائلًا بلوم:
وصلي اللي عملتيه مع طوفان وواد خاله الفاسق، ليه كنتِ عاوزه تضيعي نفسك.
شعرت بوخزات قويه قائلة:
كنت عاوزه أحقق العدل.
تنهد بأسف قائلًا:
ربنا من صفاته العدل وتأكدي إن هو يُمهل ولا يهُمل.
نظرت له بسؤال قائلة:
إنت اللى حفظتني القرآن وربنا قال
“ولكم فى القصاص حياة”.
اومأ لها قائلًا:
كمان قال
” من عفي وأصلح”.
إستغربت قائلة:
مستحيل اصفح قبل ما العدالة تتحقق والقاتل ياخد عقابه بما يرضي الله.
نظر لها قائلًا:
قولتي بما يرضي الله، يبقي فى طُرق تانيه ناخد بها الحق بدون ما نضيع مستقبلنا ونبقي منفرقش عن المجرمين.
نظرت له بإستفسار سائله:
مش فاهمه، وإيه هي الطُرق دي، ومتقوليش المحكمة.
تبسم لها قائلًا:
لساكِ مُتسرعة… إسمعيني ووجتها هتشوفي بعينك.
❈-❈-❈
عصرًا بمنزل والد دُرة
كان هنالك طرقًا قويًا على باب المنزل،ذهبت كريمان وفتحت الباب،وقفت مخضوضه من تلك الشُرطة الواقفه تقدم لها أحد الضباط قائلًا:
معانا أمر بتفتيش البيت.
إستغربت ذلك سائلة:
ليه.
لم ينتظر الضابط ودلف الى الداخل بدون إنتظار إذن منها،كذالك تلك القوة التي كانت معه إنتشرت بين أرجاء المنزل،بنفس الوقت كان باسل يدخل الى المنزل توجه ناحية كريمان مدهوشًا وقبل أن يستعلم،أتي أحد العساكر بحقيبة يد قائلًا:
لقينا دي فوق يا باشا.
أخذ الضابط الحقيقه وفتحها، نظر بداخلها، ثم أغلقها ونظر الى باسل قائلًا:
إنت”باسل مختار غُنيم”معانا أمر بالقبض عليك لتجارتك… فى العُملات الأجنبية.
❈-❈-❈
أثناء عودتها الى المنزل
كانت تسير بالسيارة على ذلك الطريق التُرابي، لكن ظهر امامها صُدفة ذلك المجرم وليد يسير ومعه شخص آخر، رأتهما من بعيد لم تُفكر كثيرًا وعادت الى الخلف بسيارتها ثم توقفت للحظة قبل أن تُعيد تشغيل السيارة، وقادتها بسُرعة عاليه، جعلت ذلك المجرم يرتعب وهي تتوجه نحوه بعدما تجنب الآخر على جانب الطريق بينما هو المفاجأة شلت حركة جسده أغمض عيناه وهو ينتظر أن تصتطدم السيارة بجسده، لكن طال إنتظاره وظل مُغض العين حتى بعدما ترجلت دُرة من السيارة وسارت نحوه تنظر الى تلك الرمال التي تناثرت عليه بغزارة أصبح وجهه وملابسه ملوثون بالرمال، فتح عينيه بعدما سمع قولها بإستقواء ووعيد:
مش هرتاح غير لما تتساوي إنت وأبوك بالتراب يا قاتل.
❈-❈-❈
بمنزل الشيخ غرفه
دلف طوفان الى تلك الغرفه رحب به الشيخ ثم أشار له بالجلوس، فجلس لجواره قائلًا:
إتصلت عليا يا شيخ عرفه وقولت أجيلك خير.
نظر له مُبتسمً يقول:
خير يا ولدي، تعرف مين اللى كانت عندي قبلك إهنه.
تحير عقل طوفان وأومأ رأسه بـ لا.
ابتسم الشيخ قائلًا:
عارف إنك مُصاب وبالتوكيد جرحك لساه بيوجعك، بس متوكد اللى هجولك عليه هيداوي جرح أقوي..
ضيق طوفان عينيه بإستفسار، إبتسم عرفة قائلًا:
دُرة كانت عندي إهنه ولساها ماشيه من شويه، وأنا أتصلت عليك عشان إكده، أنا سبق وجولت لك على عرض يريح نفسيتها هي وكمان واد خالها حاتم.
تذكر طوفان قائلًا:
قصدك…
أومأ له الشيخ قائلًا:
دلوق الكُرة بملعبك، متوكد إنك تعرف تقنع عزمي وولده باللى جولتلك عليه.
تنهد طوفان قائلًا:
قصدك خالي يجبر وليد يقدم كفنه قدام الناس.
أومأ له عرفه بـ نعم
تنهد طوفان بيقين قائلًا بحسم:
وأنا موافق ومستعد أضغط عليهم بسهولة غصب عنهم يوافقوا وينفذوا اللى هقول عليه، لو أضمن ده يخلي دُرة تشيل فكرة الإنتقام من دماغها.
↚
بمنزل عزمي
هلع قلب سامية حين رأت وليد يدخل بذلك المنظر الرث، توجهت نحوه بلهفة وريبة قائلة بسؤال :
إيه اللى حصل هدومك كلياتها تراب.
تهكم بسخط من لهفتها وكذب عليها قائلًا:
كنت راكب الحُصان ووقعت من عليه فى الرمل.
هلع قلبها وهي تمسد على صدره بريبة سائلة:
وقعت، أوعي تكون أتعورت، جولى متداريش عليا.
تضايق ونفض يدها عن صدره وسار من أمامها قائلًا بحِدة:
لاء أنا بخير إطمني متعورتش، بس التراب ردم هدومي هطلع أستحمي.
إستدارت تنظر نحوه، بنفس وقت صعوده تقابل مع ريان الذي نظر الى ثيابه الملوثة وتهكم بإستهزاء:
مالك إيه اللى حصلك، لساك مفكر نفسك عيل صغير وبتلعب فى الطينة.
نظر له بعينين ضيّقهم بجمود، وقال بنبرة غاضبة كأنها تطفي نار بداخل صدره:
ريحني واسكت يا ريان، النهارده مش ناقصك.
ضحك ريان بسخرية، وظل واقفًا على الدرج مُتهكمً قائلًا:
أومال ناقص مين؟ ده شكل واحد كان بيصارع تيران في الحلبة.
نظر له وليد بغضب ولم يهتم وتفادي مكانه واكمل صعود السلم دون رد… عينيه بهما جحيم أسود من ذلك الرمل…بيما سامية مازالت واقفة في مكانها، قلبها مقبوض وعقلها غير مُصدق أن وليد وقع،أو حتى لو وقع ربما مُصاب ويُخفي عليها بعصبيته.
دخل وليد لغرفته وأغلق خلفه الباب بقوة يكاد يتحطم من ذلك، ذهب مباشرة الى الحمام المُرفق بالغرفه تعرى من ثيابه الرثه دلف أسفل المياة،رغم هطول المياة كثيرًا على جسده لكن مازال يشعر كأن ذلك الغُبار الاسود مازال مُلتصق بجسده، أغلق المياة جذب منشفة لفها حول خصره جلس على حرف حوض الاستحمام، ينظر نحو ثيابه الرثه،يلمع الشرر بعينيه يعود بذاكرته الى قبل وقت قليل،وقوف دُرة أمامه،لو كان معه السلاح كان تعامل معها بطريقة أخرى،كان جعلها تخشى الاقتراب منه مرة أخرى،لعق بلسانه تلك القطرات التي تنساب من شعره على وجهه تصل الي شفتيه…رغم رُعبه منها وقتها لكن الآن يمسد على صدره برغبة قائلًا:
حلوة وحلوة أوي كمان مستقوية ومستبيعة…
لوهله جمح خياله بها برغبة مِقززة.. إزدادت حين تذكر طوفان، وضغطه علي والده بقوة من أجل التنازل عن الإتهام، تهكم ضاحكً، هو يكره طوفان منذ الصغر، لكن يبدوا أن اعصار العشق يضرب قلبه بحب تلك الجميلة الشرانية، فكر وفكر عقله لابد من ردع لها، لكن لقلبه الجبان شأن آخر يخشي مواجهتها مُباشرةً…دون سلاح معه…ذهب نحو خزانة ثيابه فتحها ثم فتح أحد الأدراج لم يتفاجئ حين لم يجد أي سلاح…شعر بغضب لكن الحصول على سلاح ليس أمر صعب عليه… ذلك السلاح هو هيبته.
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
بالفناء ترجلت من السيارة، وتوجهت نحو باب المنزل، لكن قبل أن تمد يدها لتفتحه، تفاجأت بـ كريمان تفتح الباب بملامح واجمة،
عينان منطفأتان ، ووجهها شاحب .
توقفت في مكانها، التقت نظراتهما، قبل أن تنطق كريمان بصوت عالى تشعر أن قلبها بداخلها يكاد ينفجر :
كنتِ فين… مش مهم دلوقتي دلوقتي خلينا نروح القسم نشوف المصيبة الجديدة اللى حصلت.
إرتجف قلب دُرة سائلة:
مصيبة إيه يا ماما، ونروح القسم ليه، فين باسل.
نظرت له بغضب:
مصيبة جديدة من يوم ما رجعتي لهنا وأنا كل يوم مُصيبة شكل، آخرها البوليس جه الدار وقبض على باسل.
إرتجف قلب دُرة رغم شعورها بالأسي، لوهلة ظنت أن تُكمل كريمان بقية إستهجانها وتقول لها، ليتك لم تعودي،لكن شعرت دُرة بـشيء من الخوف يسحب أنفاسها للخلف، كأن الأرض تميد تحت قدميها.
همست بالكاد، وصوتها متقطع:
قبضوا عليه ليه عمل إيه.
أشاحت كريمان بوجهها، وكأنها تخشي النظر في عينيها، ثم قالت بحدة مكبوتة:
معرفش، طلعوا شنطة والظابط قاله تهمة تبديل عُملة أجنبية.
شهقت دُرة، وتراجعت خطوة:
عُملة أجنبية إيه والشنطة كان فيها أساسًا
تنهدت كريمان بأسي وبنظرة أُم تشعر بالقلق أكثر من الحزن:
مش كفاية عليا اللى فات؟ كل حاجة بقت فوضى مبقتش ملاحقة عالمصايب… خلينا نروح القسم نشوف مصير أخوكِ هو كمان إيه.
بعد وقت
بخطوات متوترة ومرتجفة، ذهب الإثنين الى ذلك القسم، لكن لم يُعطيهن أحد أي معلومات،كادت دُرة أن تتهجم عليهم،لكن منعتها كريمان إتقاءًا لزيادة المُشكلة،قائلة:
خلينا نتصل بـ حاتم هو ظابط وزميلهم وممكن يفهم لينا إيه القصة.
بالفعل بعد وقت قليل
خرج باسل من إحد الغُرف بالقسم قائلًا:
القضية قضية تبديل دولارات،او بالاصح إتجار فى الممنوع بالعملة الأجنبية،كمان فى إثبات الشنطة اللى لقوها فى البيت.
ذُهلت كريمان، كذالك دُرة التى قالت بتعجب:
دولارات إيه، والشنطة دي وصلت عندنا البيت ازاي أكيد فى حااااجه……..
صمت دُرة بينما عقلها يستوعب بل ويُعطيها إستنتاجات…
نظرت لـ حاتم سائلة بإستفسار:
طيب دلوقتي مش ممكن نطلع باسل بكفالة.
هز حاتم رأسه بنفي قائلًا:
لاء للآسف، الوقت إتأخر والنيابة وقتها إنتهي، هيفضل هنا فى القسم لحد بكره الصبح.
إعترضت دُرة بغضب قائلة بأمر:
مستحيل باسل يبات هنا إتصرف… إنت مش ظابط ودول زُملائك.
نظر لها باسل بآسف قائلًا:
ده قانون يا دُرة، و…..
لم تنتظر سماع بقية حديثه وفكرت بشئ آخر، وهي تتجه للخارج، قبل أن تصعد الى السيارة فتحت هاتفها وقامت بإتصال حتى أتاها الرد سريعًا تحدثت بإندفاع:
إنت فين يا طوفان.
أجابها وهو نائم فوق الفراش قائلًا:
فى البيت خير يا دُرة.
أجابته بغضب:
مش خير، أنا قدامي خمس دقايق وأوصل قدام المصنع بتاعك اللى هنا، ياريت توصل بسرعة.
شعر بقلق وقبل أن يسأل سمع صوت إنهاء المُكالمة… ضغط بقوه على الهاتف يزفر نفسه بقلق مصحوب بترقب لسبب إتصالها الآن
نهض من فوق الفراش خطواته بسرعة ، قلبه يدق بعنف، وكل الاحتمالات السيئة تنهش أفكاره..جذب مفاتيح السيارة على عجل، وارتدى سترته دون أن يغلق أزرارها، واندفع خارج الغرفة بخطوات سريعة، وكل ما يشغله الآن… أن يصل قبل أن تصل هي… كي يعلم سبب إتصالها همس بقلة حيلة:
يارب… مبقتش فاهم دماغها بتفكر إزاي ولا فى إيه.
❈-❈-❈
أثناء نزول طوفان درجات السلم تقابل مع وجدان التى لاحظت إستعجاله وهو يُغلق أزرار سترته نظرت له بإستفسار سائله:
إنت خارج ولا إيه.
أجابها وهو يكاد يمُر من جوارها:
ايوه، مشوار مهم مش هغيب.
بلهفه مسكت كتفه قائلة:
خارج فين دلوق، إنت ناسي إنك مُصاب وجرحك لساه مطابش، ده جرح رصاص، وإنت مش مريح نفسك، راجع من شوية، الدكتور قال إنك لازمن ترتاح في السرير، وإنت مجضيها خروجات، إكده…
قاطعها وهو يُقبل رأسها قائلًا :
أنا بخير يا أمي، وده مشوار قريب مش هغيب، بلاش تعطليني بقي.
تنهدت بقلة حيلة سائلة:
وفين المشوار ده، يتأجل او إتصل على خالك عزمي يسد مكانك.
تنهد بهدوء وبرأسه تحدث بإحساس:
خالي عزمي هو سبب اللى أنا فيه.
سحب كتفه من يدها قائلًا:
خالي مينفعش، مش هغيب.
بغصب منها تقبلت قائلة:
طب خُد السواق معاك، بلاش تسوق إنت.
أومأ لها قائلًا:
حاضر.
غادر سريعًا وقفت وجدان تتنهد بأسي على حال طوفان لديها شك أن سبب خروجه الآن هو تلك “الـ دُرة” التي تستفزها ببرودها وجحودها الواضح.
بعد دقائق معدودة
توقفت دُرة بالسيارة على ذلك الطريق التُرابي الموجود خلف مصنع طوفان،
ظلت جالسة بالسيارة،تنتظر طوفان…
لوهلة شردت بذلك الطريق،قبل أيام كان هنالك مطب كبير،رغم سيرها بالسيارة على هذا الطريق مرات كثيرة لكن لم تُلاحظ إختفاء ذلك المطب،وتسوية الأرض،نظرت نحو تلك الشجره القرييه من الطريق،بسبب إنارة أعمدة المصنع
شعرت بدوخة غريية،ويعود لذاكرتها
ذلك اليوم بعد إصتطدامها،أغمضت عينيها،وعقلها يستعيد بعض من المُقتطفات التى لم تستوعبها وقتها،وخيال أحدًا يسحبها من السيارة،فتحها لعينيها للحظات،إنفزع عقلها وخيال طوفان هو ذلك الذي يُحاول إفاقتها…
بعقلها رفضت ذلك تمامً،لكن عاود عقلها رؤيتها لـ طوفان باحد ممرات المشفي اثناء خروجها من المشفي بعض تماثُلها للشفاء،كذالك إخفاء هوية من الذي دفع تكاليف المشفي…
أشياء تؤكد ذلك الخيال الكاذب،بالتأكيد غير صحيح،لو طوفان هو من فعل ذلك لا يوجد سبب لإخفاء ذلك كان تباهي…بالتأكيد طيف كاذب لم يحدُث…
أخرجها من ذلك طرق على زجاج باب السيارة، فتحت عينيها نظرت للطارق، كم شعرت بالمقت من تلك البسمه السمجة، كذالك من فتحه لباب السيارة ينظر لها وهو يستقيم بجسده يشعر ببعض الألم فى صدره، تأملها شعر ببعض الهدوء، لكن هي لحظات ظلت صامته تنظر له بعقلها سؤال كادت تسأله عن ذلك الخيال الكاذب،لكن تراجعت بغضب تملك منها، ترجلت من السيارة دفعتها بيديها بقسوة قائلة بإستهجان:
أمتى هتخلص الاعيبك،للدرجة دي إنحدرت أخلاقك ونسيت القانون اللى درسته بقيت تطوعه لأغراضك والوصول لأهدافك،حتى لو إستغليت الأبرياء وإستغليت المواقف لصالحك.
شعر بألم فى صدرة،وئن منه لكن بصعوبه أمسك يدها قائلًا بعصبية:
أنا مش فاهم إنتِ تقصدي إيه،إنتِ اللى إتصلتِ عليا.
نظرت له بغضب وإستهجان وهي تحاول سلت يدها من قبضته بغضب قائلة:
بتستعبط،بقي مش عارف عملت إيه.
ضغط بقوة على يدها قائلًا بعصبية:
دُرة كفاية إتهامات،ولا أقولك يا ترا إيه التُهمه الجديدة اللى جاية تتهميني بيها…قولى اللى عندك بدون عصبية.
نظرت له بغضب قائلة:
سيب إيدي،وكفاية إستعباط إنت عارف أنا بتكلم عن إيه،باسل أخويا مش إنت اللى لفقت له قضية دولارات،طبعًا ده عشان تضغط عليا أوافق أتجوزك .
ضيق بين حاجبيه بإندهاش قائلًا:
إهدى وفهميني دولارات إيه.
سلتت يدها بعُنف من يده قائلة بغضب مُستعر وعدم تصديق:
بقي مش عارف،بس بحذرك يا طوفان،باسل أخويا خط احمر ومش هسمحلك تستغله،سبق وقولت لك مستحيل أوافق أتجوزك خلاص حياتي إنتهت بموت حسام… حتى لو فكرت فى الجواز مستحيل تكون إنت، لأنك خاين وكمان مُستغل.
شعر بألم وقبضة قوية فى قلبه مازالت تتهمه بدون إعطاؤه فرصة للدفاع،نظرتها الباردة نصلٌ مغروس في عمق روحه… لكن حاول التريُس،أيُخبرها أنه كان أسير لحظة ضعف أو غرور أو غباء… لكنه لم يقصد إيذاءها.
ومع ذلك، كان الألم في صدره يخبره بأنها لن تصدّق، ولن تغفر..مهما قال… لكن لابد من رد على هذا الإتهام الأخير حاول الهدوء قائلًا:
أولًا أنا مش محتاج أستغل باسل عشان أضغط عليكِ فى إننا نتجوز…
ثانيًا… أنا لو كنت عايز أضغط، كنت عملت كده من زمان، وبألف طريقة،
بس أنا احترمت إختيارك… واحترمت ظرفك… واحترمت حتى المسافة اللي حطيتيها بينا.
أنا ما استخدمتش باسل، ولا فكرت أستغله، .
تنهّد وهو يحاول السيطرة على نبرة صوته التي بدأت ترتجف:
أنا تعبت من كل مرة أتحطّ في خانة المتهم، من غير ما تسمعيني
أنا مش ملاك… بس عمري ما كذبت عليكِ.
نظر الى عينيها شعر بوجع وكبرياء مكسور، ثقتها معدومة فيه، شعر بآنين، لكن لن يستسلم
جذبها من ذراعها بقوة قائلًا:
فين باسل دلوقتي.
كانها نسيت قبضة يده على عضدها وتهكمت بضحكة سخرية قائلة:
فى النادي بيلعب جولف.
اقسي الاوقات قد تشُق وجههك ضحكة عابرة… ترك عضد يدها وأشار لسائق سيارته أن يتبعه، ثم توجه للناحية الأخري لسيارتها وصعد الى داخلها،
ظلت هي واقفة للحظات قبل أن يضغط على زامور السيارة مُنبهًا ثم نظر نحوها قائلًا:.
هتسوقى ولا أسوق أنا، خلينا نروح القسم عشان تتأكدي مين اللى المُستغل.
❈-❈-❈
بعد وقت قصير
بداخل قسم الشرطة
مجرد ذكر إسم “طوفان مهران” جعل ضابط الشرطة يُوافق على لقاء بينه وبين باسل، جلسا سويًا لبعض الوقت قبل أن يسمح لـ كريمان ودُرة بالدخول له…
بعد وقت خرجوا جميعًا، وظل باسل بعيدًا عن الحجز بإستثناء جلس بغرفة خاصة بالقسم.
أمام القسم…
نظر طوفان نحو دُرة التى قابلت نظرته بنظرة كبرياء، بل وبدون قصد منها حديث حاتم معها اثار غِيرة طوفان، لكن تحمل ذلك وصعد الى سيارته مُغادرًا.
كذالك دُرة ووالدتها بينما شعر باسل بالغضب من سُلطة طوفان،يعلم أنه كان بإمكانه الوساطة لـ باسل وإعطاء إستثناء له بالا يبقي فى الحجز، لكن عمدًا لم يفعل حتى يُزيد من إلقاء اللوم على طوفان…لكن طوفان أفسد عليه ذلك…شعر بالبغض أكثر له.
❈-❈-❈
لكن مازالت لم تنتهي الليلة
بشقة إبتهاج
كان عزمي يشعر بسعادة بالغة، بينما تتدلل عليه إبتهاج قائلة بمكر:
شوفت مش جولتلك الاخضر هو اللى هيجيب مفعول سريع وأها يادوب حطينا الشنطة فى الدار وبلغنا البوليس مفيش وكان طالع بالشنطة والكلبشات فى إيد أخوها.
ضحك بإستمتاع وهو يجذب ابتهاج اليه يُقبلها بسفور، وهي مُرحبه بذلك بعد قليل كانت تجذب المئزر على جسدها بعدما تأكدت من نومه بتعمُد منه جعلته يغفوا بشقتها ولا يعود الليلة لزوجته الأولي، وبتعمُد منها أيضًا فتحت هاتفه بعدما راقبته وعلمت النمط الخاص به، جالت عينيها بين أرقام الهواتف لديه، حتى وصلت الى رقم طوفان الخاص، سجلته بهاتف آخر لديها، ثم أرسلت له صورة خاصة وأعادت غلق ذلك الهاتف… وغفت جوار عزمي تنظر له قائلة بهمس:
مسيرك فى يوم من الايام هتبقي ليا لوحدي.
❈-❈-❈
اليوم التالي
النيابة العامة
بغرفة النائب العام، تم إستدعاء باسل لاخذ إفادته..
سأل النائب العام باسل:
تقول إيه فى إتهام النيابه لك بالاتجار بطريقة غير مشروعة فى العملة الاجنبية.
نظر باسل نحو المحامي الخاص به وأماء له بالرد فاجاب:
أنا بنفي التهمة دي عني.
بمحاورة من النائب تحدث:
والشنطة اللى وجدتها الشرطة فى بيتك وفيها نص مليون دولار غير زيهم مصري.
أجابه ببساطة:
الشنطة دي فعلًا كانت عندي فى البيت بس لها سبب مختلف تمامً.
بإستفسار من المُحقق:
وإيه هو السبب ده.
أجابه باسل:
كانت على سبيل الأمانه أو بالأصح صاحبها نسيها معايا فى العربية وإحتفظت بها بعد ما اتصلت عليه وقالى المفروض كنا هنتقابل النهاردة وارجعها له بس للآسف اللى حصل عطل المقابلة.
سأله المُحقق:
ونين بقي صاحب الشنطة او الامانة زي ما بتقول.
نظر باسل نحو المحامي وتبسم قائلًا بثبات:
صاحبها هو “طوفان مهران”.
إندهش المُحقق قائلًا:
تمام هبعت بلاغ خاص للسيد طوفان، ولحد ما يجي لهنا مُضطر…..
قاطعه المحامي قائلًا:
السيد طوفان عنده عِلم باللى حصل، وقال طبعًا ميرضهوش يتظلم حد بسببه وهو بالفعل موجود هنا فى النيابة تقدر تؤمر العسكري ينادي عليه من بره… أو ممكن أنا أتصل عليه.
أومأ المُحقق بقبول وأشار لذلك العسكري فهم إشارته، بعد لحظات دخل طوفان الى غرفة التحقيق، بالفعل طبق على أقوال باسل…
كما أنه قدم مستندات رسمية بسحب تلك المبالغ من حساب شركاته بأحد البنوك…ثم تحدث بثقة للمُحقق:
يعني المبالغ دي طالعه من البنك بشكل قانوني وبصفة رسمية.
أومأ المُحقق مُتفهمًا لكن فجأهم بسؤال:
طب طالما الدولارات والفلوس اللى فى الشنطة دي تُخصك، ليه جالنا بلاغ ضد السيد باسل.
بثقه رد طوفان:
أنا نفسي مستغرب اللى حصل، واضح إنه شخص له هدف فى دماغه مثلًا توريط باسل بقضيه هو برئ منها، بس هتقولى مين الشخص ده انا لو أعرف مكنتش إترددت لحظة وعرفت منه السبب،بس اعتقد بإفادتي وتقديم كشف الحساب اللى سحبت بيه المبالغ الموجودة فى الشنطة بكده براءة باسل من التهمة، فاعتقد كده القضية خلصت وباقي بس إطلاق صراح باسل.
نظر له المُحقق قائلًا:
عرفت إنك كنت وكيل نيابة سابق.
أومأ طوفان برأسه بموافقة قائلًا:
فعلًا، بس قدمت إستقالتي من النيابة لسبب شخصي، يعني الحمد لله سايب النيابة بسُمعة نضيفة.
إبتسم له المحقق قائلًا:
تمام، وبما إنك عارف فى القانون فأكيد فى إجراءات قبل خروج السيد باسل من النيابة بعد تقفيل القضية.
أومأ له مُبتسمً.
بعد الظهيرة
أمام النيابة العامة
توجه باسل نحو سيارة طوفان مد يده يُصافحه قائلًا:
شكرًا وإطمن سِرك فى بير.
إبتسم له طوفان وصافحه بمودة قائلًا:
أنا اللى متأسف لك، وبجد بشكرك على تفهمك.
بإبتسامه بادله باسل، بينما من أسفل تلك النظارة السوداء كان نظر طوفان نحو دُرة التى تتحدث مع حاتم الذي يقف معها هي وكريمان..وذلك المحامي.. شعرت دُرة بالضيق من وقوف باسل مع طوفان، كذالك تشعر بالغضب بالتأكيد باسل يشكُر طوفان، وبداخلها أصبحت الحِيرة تغزوها من ناحية طوفان.
❈-❈-❈
مساء بمنزل والد دُرة
على طاولة العشاء
جلس كل من دُرة وباسل بالمقابل لبعضهما، كذالك كريمان وبالمقابل لها أخيها
يتحدثون أثناء تناول الطعام بينما دُرة كانت شاردة العقل، إنتبهت حين سمعت صوت هاتف كريمان، نظرت نحوه، تركت الطعام وأخذت الهاتف وخرجت الي تلك الشُرفة المُلحقة بغرفة السفرة.
لحظات وعادت نظرت نحو دُرة قائلة:
دي بدرية كانت بتهنيني ببراءة باسل، وبتقول جاية كمان شويه بنفسها ومعاها حاتم.
نهضت دُرة قائلة:
تشرف،أنا شبعت هقوم أتصل على دكتور زميلي بالمستشفي كنت قايله له يشوفلى مكان هنا لعيادة، ونسيت أتصل عليه.
أومأت لها كريمان تشعر بغصة هي قسيت على دُرة بالحديث أنها منذ أن عادت والمصائب لا تنتهي، بينما تنهد باسل قائلًا:
بصراحة كنت متوقع من حاتم إبن خالي هو اللى كان يتوسط لى فى القسم، بس طوفان طلع شخصية قويه حتي وإحنا في النيابه مع المُحقق كان شخصية قوية.
نظرت له دُرة التي سمعته قبل أن تُغادر الغرفة، كادت أن تقول له لا داعي لذلك الإعحاب ولا التفخيم بشخص مثل طوفان، هو الوحيدة التى تعلم حقيقته… غادرت ليس لديها مزاج للحديث بأي شيء تود الابتعاد عن الجميع والانزواء بنفسها.
بينما نظرت كريمان لـ باسل وأخيها قائلة:
عندي إحساس كبير إن فى هدف من زيارة بدريه ومعاها حاتم،كانت لمحت لى قبل كده وأنا طنشت.
تسأل أخيها:
لمحتلك بأيه؟.
أجابته:
كان گلام وجر بعضه وقالت دُرة صغيرة وجميلة وأكيد مش هتدمر حياتها بعد وفاة حسام ممكن تقابل شاب وتتجوز،لمحت كمان إن حاتم عنده مكانه خاصه لـ دُرة…فهمت إنها ممكن بتلمح إنهم يتجوزوا،بس مقالتش بشكل مباشر طبعًا بس أنا فهمت من تلميحاتها…وأعتقد ممكن يكون مجيها بعد شويه لنفس السبب ده بالذات إن حاتم كان مرافق معانا طول الوقت وبدريه كانت بتتصل تعرف منه الأخبار.
ذُهل باسل كذالك أخيها الذي تحدث بسؤال:
بالسرعة دي معتقدش أكيد قلبها لسه موجوع على إبنها حسام،يمكن إنتِ فهمتي تلميحاتها غلط.
هزت كريمان رأسها بأشارة قائلة:
ممكن، الله أعلم بالنوايا.
❈-❈-❈
بعد وقت قليل
بتلك الشُرفة الواسعه المُطلة على حديقة المنزل
بعد الترحيب بـ حاتم وبدرية
جلس الجميع يتحدثون بمواضيع بلا هدف، الى أن جرت بدرية الحديث عن عمد على كُل من أخيها كذالك حسام، وبدات تسرد بالعلاقة القوية الأخوية التى كانت تجمع بين الأشقاء بين حسام وحاتم، بدمعة عين، ثم تفوهت بلا مقدمات… عشان كده أنا بطلب إيد دُرة لـ حاتم
حسام ومختار هيرتاحوا فى قبورهم لما حاتم ودُرة يتجوزوا.
ذهول غزا عقل دُرة، تجولت عيناها تنظر الى ملامح الموجودين حتى وصلت لـ حاتم ملامحه عابسه رغم تلك البسمة الطفيفة، لم تستشف أي رد فعل لا من والدتها ولا خالها كذالك باسل، بينما عادت بنظرها لـ بدرية
ملامحها شبه بائسة متوسلة…
إزدردت ريقها الجاف وكادت تنطق بالرفض القاطع….
لكن سمعت صوت خطوات تصعد على ذلك السُلم الجانبي للشُرفة… نظرت نحو صاحب تلك الخطوات، ذُهلت حينما ظهر طوفان وأصبح يقترب من مكان جلوسهم،
صمت ساد للحظات، قبل أن
ترفع دُرة رأسها بكبرياء، لم تتفاجأ من حضور طوفان في هذا الوقت، كانت على يقين أن هناك من أخبره بزيارة عمتها، وربما خمن سبب الزيارة
تلاقت نظراتهما، كان ينتظر ردها…
حادت بنظرها عنه، رغم الرفض القاطع بداخل عقلها… لكن لتؤجل ذلك لاحقًا.. وبعناد تمكن منها، خرج صوتها واضحًا:
موافقة أتجوز حاتم.
-بجد…
كلمة واحدة نطقها ببرود، لكنها كانت على النقيض تمامًا من الصهد الذي ينصهر بداخله…
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة رغمً عنه، واقترب بخطوات واثقة حتى جلس على مسند المقعد الذي تجلس عليه دُرة…
وبجرأة، رفع يده ليُطوق كتفيها بتملُك، وعيناه مُعلقتان بعينيها بحِدة، وقبل أن تحاول نفض يده عنها،كان تجمد كل من عقلها عن التفكير،ويديها عن الحركة حين سمعت صوته الواثق بعدما تخلى عن النظر لعينيها ونظر نحو حاتم بنظرة إنتصار :
مع الأسف،أكيد دُرة إتفاجئت من عرضك، وارتبكت وقالت رد غلط… لأن ببساطة… أنا ودُرة كتابنا الكتاب.. يعني متجوزين شرعًا وقانونًا.
صمت لحظات وعن عمد قام بتقبيل رأسها وعاد ينظر لعينيها المُتسعة المذهولة مؤكدًا:
وحددنا ميعاد زفافنا خلال الأسبوع الجاي.
↚
مازالت تنظر لعينيه،رسم بسمة يستمتع وهو ينظر لدهشة عينيها التى ربما أنستها المفاجأة يده التي تحتوي كتفيها لصدره،كأن الصدمة جعلت عقلها يغفوا للحظات قبل أن تنتفض بدرية بغضب ساحق تنظر لـ دُرة تود منها تكذيب ذلك قائلة:
مستحيل إيه التخاريف اللي إنت بتقولها دي،رُدي عليه يا دُرة وكذبي كلامه، مش جديد عليه الكدب.
قبل أن تنطق دُرة باليد الأخرى لـ طوفان أخرج من جيبه ورقة مطوية قام بفردها وجها نحو بدرية قائلًا بثقة:
قسيمة كتب الكتاب أهي.
ذُهلت بدرية كذالك حاتم الذي إلتقط الورقة قام بقراءة البيانات قائلًا:
كمان والقسيمة طلعت واضح إن من…
توقف حاتم ثم نظر نحو دُرة قائلًا:
القسيمة مفيهاش توقيع دُرة
توقف مرة أخرى ثم تمعن بقراءة القسيمة، لكن قبل أن يستطرد حديثه نهض طوفان خاطفًا القسيمة من يده بإستهجان قائلًا:
أعتقد ده شأن خاص وإنت مالكش تدخل فيه، وكمان مش من حقك تفتح أوراق متخصكش.
ثم أكمل بحدة:
دلوقتي لو ليك كلام، قوله ليا أنا… مش لـ دُرة.
لوقت قليل ظلت دُرة جالسة تشعر بالتوهان كأنها بعالم فاضي تمامً، لم تستوعب الا حين إستهجنت بدرية ونهضت نحوها بغصب جذبتها لعدم إنتباهها طاوعها جسدها ونهضت تسمع حديثها الجاف كذالك تلومها بعُنف:
اللى بيقوله طوفان ده صح، إمتي حصل، نسيتي حسام بسرعة كده، هقول بلاش دم خسام، نسيتي دم أبوكِ اللى والس علي القاتل هو طوفان لو مش إستخدامه سُلطته كان أقل حاجه المتهم خد حكم بالسجن المؤبد مش حُكم زي مكافأة له.
نهضت دُرة بعصبية جذبت القسيمة من يد طوفان قرأتها بذهول وهي تنظر الى ذلك التوقيع رفعت رأسها تنظر بذهول حتي كادت تفقد النُطق خرج صوتها مُتحشرجً:
ده توقيع خالي.
رفعت بصرها نحو ذلك الذي يقف جوار والدتها يبتلع ريقه، بينما عاودت دُرة الحديث إزاي ده حصل، فعلًا عملت لـ “شاهر” توكيل، بس التوكيل كان عشان يبيع شقة القاهرة، كدة القسيمة مزورة.
تنهدت بدرية لوهله بنظرة إنتصار ودعم.، لكن سُرعان ما زال ذلك حين تحدث طوفان بتأكيد:
لاء التوكيل كان تفويض منك بموافقك على إنه ينوب عنك بعقد القران.
ذُهلت دُرة ونظرت نحو شاهر الذي لم يستطيع الصمت كثيرًا قائلًا:
أنا عملت اللى حاسس بل متأكد إنه صح، ولو مش متأكد من مشاعر طوفان مكنتش وافقته وبدلت اوراق التوكيل ببيع الشقة، بأوراق التوكيل بعقد القران، ومتأكد إن…
بغضب من دُرة إقتربت من شاهر رفعت يدها كادت تلكمه فى صدره،لكن تلقي طوفان يدها بل وجذبها للدخول الى داخل تلك الغرفة،غصبً إمتثلت لذلك،حين دخلا سحبت يديها من قبضته بقوة قائلة بغضب ساحق:
دايمًا بتلجأ للاساليب الملتوية والملاوعة، زي ما حصل فى قضية بابا وحسام، إختفي سلاح الجريمة فى غمضة عين.
غص قلب طوفان قائلًا:.
دُرة كفاية إتهامات ليا ملهاش أساس،إيه مصلحتي إني أخفي سلاح الجريمة.
نظرت له بعصبية:
مصلحتك إن القضية تنتهي لصالح إبن خالك، تقدر تقولى إيه مصلحتك فى إصرارك إنك تتجوز مني،وإنت عارف كويس إني بكرهك ومركهتش فى حياتي حد قدك.
رغم شعورة بوخزات قوية فى قلبه لكن إقترب منها بخطوات رتيبة قائلًا ببرود عكسي:
كدابة يا دُرة، عمرك ما كرهيتني، ومُتأكد لما نتجوز هتحبيني.
نظرت دُرة بغضب وهي تشعر بعصبية من برودة رده عليها قائلة:
أحبك ده مستحيل.
-فى الحُب مفيش مستحيل يا دُرة، خلاص بقيتي قدام الأمر الواقع.
هكذا رد عليها ببساطة،عكس نظرة الغضب بعينيها وهي تقول:
كتب الكتاب يعتبر باطل، أساس الجواز “إشهار وقبول” وأنا مش قابلة الجواز منك يبقى بلاش تتعب نفسك، مفيش جواز بالغصب.
جذبها من عضد يديها إصتطدمت بصدره،… شعرت برجفه قوية فى قلبها،شهقت من المفاجاة.. لكن عاندت ذلك ورفعت يديها بقصد منها ضغطت على ذلك الجرح الذي بصدره
زم شفتيه من الألم ، قبض على معصمها قائلًا بإستهوان من ذلك الألم:
إنتِ فاكرة إنك بتضعفيني.. ده وجع اتعودت عليه… بس وجعي الحقيقي إنتِ شايفاه من زمان وعجبك، كفاية عِناد يا دُرة، بموافقتك او بدون موافقتك، جوازنا قائم شرعًا وقانونًا.. خلاص أنا رتبت كل حاجه … الزفاف والدخلة حددت ميعادهم وحجزت القاعة عشان الفرح.
نظرت له بغضب قائلة برفض:.
كمان… مستحيل، يتم الفرح ده، وأنا من بكره هقدم قضية خُلع فى المحكمة.
ضحك رغمً عنه وخفف من قبضة يداه على معصميها قائلًا:
تعرفي يا دُرة مهما كبرتي وحاولتي تتغيري بس روح الطفلة العِنادية اللى على نياتها هتفضل عايشه جواكِ،خُلع إيه اللى هتقدميها،هو إحنا إتجوزنا عشان تقدري تثبتِ أسباب للـ الخُلع،هتقولى إيه فى الدعوة.
أنهي حديثه بغمزة عين بوقاحة…توترت دُرة من ذلك وتعلثمت بالرد:
قصدي قضية طلاق والسبب واضح إني مش موافقة عالجواز منك،و…
قاطعها طوفان قائلًا بثقة:
أولًا… المحكمة هتاخد وقت على ما تحدد جلسة، يعني هيكون جوازنا تم فعلًا
ثانيًا… المحكمة لها مستندات وقسيمة الجواز مُثبتة بالأوراق الرسمية،يبقى إقعدى كده وبلاش عِناد خلينا نشوف إيه الناقص ونكمله خلاص ميعاد الفرح يا دوب أيام.
دبت على الأرض بقدميها بغيظ،أضحك طوفان لكن هي إغتاظت من ضحكه وكادت تنطق بغباء…لكن فكرت بمكر كما ظن عقلها،وقالت بمساومة:
تمام أنا عندي شرط لو إتنفذ وقتها ممكن أقبل الجواز منك.
تنهد ينظر لها بإنتظار، بينما هي إستقوت قائلة:
خالك يقدم كفنه قدام أهل البلد.
لم تكُن صدمة له بل توقع ذلك، تنهد بإرتياح قائلًا:
تمام لو ده شرط قبولك، فأنا موافق يا دُرة.
نظرت له بدهشة ممزوجة بضحكة ساخرة وقالت باستهزاء:
وجايب منين الثقة دي… من الجبان ابن خالك اللي ما يعرفش يتنفس من غير سلاح… ولا من خالك اللي كل همه يوصل لحبة سلطة ويتمنظر بكلمته، وهو في الأصل ما يملكش منها غير الصيت.
ابتلع ريقه قائلًا بثقه:
قولتيها يا دُرة
خالي بيتمنظر لكن أنا كلمتي تمشي عليه بدون نقاش.
نظرت له كادت الدهشة تُطيح بسُخريتها، لكنها تماسكت وقالت بنبرة مشككة:
إنت كلمتك تمشي على خالك ده لو صح، تبقى أكتر واحد مخيف في العيلة… مش عشان قوتك،عشان اتعودت تفرض قرارك على غيرك من حساب لمشاعره وإنه بينفذ رغبتك وهو مجبور، مش مهم عندك غير إنك تظهر الآمر فقط.
اقترب منها خطوة، يبتسم رغم هدوء صوته لكن يشوبه نبرة مزيج بين التحدي والإعجاب:
أنا فعلًا ما باقنعش حد… أنا بافرض اللي أنا عايزه، حتى لو مش قادر يستوعب ده، مجبور ينفذ أمرى.
ضحكت بسخرية واستهزاء قائلة بإعتراض:
ليه كنت إلاه.
ضحك قائلًا بنفي:
لاء مش إلاه، بس دي هيبة الكبير.
تبسمت بسخرية واستهزاءت قائله:
رغم معرفتنا ببعض السنين دي كلها، بس مع الوقت بقيت بكتشفت حقايق عنك…
واضح إنك بتحب تتحكم… بس خلي بالك مش كل الناس بتخاف منك، ومش كل القلوب بتهتز لما تهدد.
رفع حاجبه، ينظر لها بتركيز كأنه يقرأ ملامحها يستمتع بجدالها:
قلبك من النوع اللي ما بيهتزش.
أبتعدت عنه تُعطيه ظهرها قائلة:
قلبي… ده بقى الحتة الوحيدة اللي مش هتعرف توصلها، لا بكلمة، ولا بأمر
إقترب منها بصمت ترتكز عيناه على وجهها التي تعمدت عدم النظر له، رفع يده قبض على عضد يدها يجذبها له… بجرأة رفع يده وضعها على وجنتها يُمسد عليها … وقبل أن يرد صدح صوت هاتفه، بعصبية منها نفضت يده عن وجنتها بعصبية وكادت تستهجن عليه لكنه ازاح يده كي يُخرج هاتفه من جيبه نظر الى الشاشة ثم اليها، قام بالضغط على ذر الرد ينظر لـ دُرة نظرة جعلتها تصمُت، بينما هو إختصر الحديث:
تمام جاي القاهرة بكره.
أغلق الهاتف وعاد ينظر لها، يعلم فضولها فتبسم قائلًا:
عندي شُغل مهم في القاهرة، هسافر الفجر وهرجع آخر النهار، وزي ما قولت من شوية جوازنا خلال الأسبوع الجاي.
حادت بنظرها بعيدًا عنه بلا إهتمام، تجرأ وضع قُبلة على إحد وجنتيها قائلًا:
عندي سفر بدري لازم أمشي دلوقتي، كلها أيام و…
قطعت بقية حديثه بجفاء وهي تدفعه بيديها قائلة:
ممنوع تقرب مني مرة تانية وبلاش طريقتك دي معايا، أنا عارفه حقيقتك يا طوفان، وتﭢكد جوازنا مش هيتم.
اومأ لها مُبتسمً بتحدي، بينما هي شعرت بشبه بداية إختناق، تركته وغادرت الغرفة، إبتسم طوفان وذهب نحو باب الغرفة خرج منها تنهد بإرتياح حين لم يجد حاتم ولا والدته، كذالك كريمان، فقط شاهر وباسل يقيفان بالحديقة… إقترب منهم تبسم له باسل الذى تسأل بإستفسار:
بصراحة إتفاجئت بحكاية جوازك من دُرة.
نظر طوفان نحو شاهر الذي إبتسم قائلًا:
متوقع رد فعل دُرة طبعًا بعد ما تمشي،مش بعيد تقرا عليا الفاتحة الفجر.
ضحك طوفان قائلًا بمزح:
مش بعيد…بس أعتقد ممكن تصُبر عليك كام يوم،بس كل ما كنت بعيد كان أفضلك.
ضحك شاهر قائلًا:
خدني أبات عندك أضمن.
ضحك باسل قائلًا بمزح:
أنا كمان بقول كده.
نظر طوفان لـ باسل،الذي تبدلت نظرته له بعدما تحدثا بقسم الشرطة ليلة أمس
فى وسط حديثهم سأله باسل:
ليه بتعمل كده يا طوفان،إنك تقول إن الدولارات والفلوس التانيه اللى كانت فى الشنطة بتاعتك ممكن تسبب لك مشكلة.
جلس طوفان على أحد المقاعد يتنهد بألم من وجع صدره قائلًا:
لاء إطمن متنساش إني راجل أعمال وعادي اتعامل بالدولارات،وسهل أثبت ده فمفيش ضرر عليا.
تفهم باسل ذلك وبمفاجأة سأله:
وليه بتعمل كده،أنا مش قريبك بالعكس يمكن بينا عداوة كمان.
تنهد طوفان بألم فى صدره قائلًا:
بالعكس إنتم عمركم ما كنتم اعدائي بالعكس،صحيح أنت مكنتش قريب منك وقت ما كنت بتروح تحفظ القرآن عند الشيخ عرفه،لاني كنت بكمل دراستي فى القاهرة،دراسة القانون اللى جمعت بيني وبين شاهر وبقينا أصحاب.
ضحك شاهر قائلًا بغمز:
مش بس دراسة القانون اللى جمعت بينا من البداية اللى جمعت بينا بنت أختي اللى بسببك هضيع عمري بدري.
ضحك باسل كذالك طوفان الذي نظر له بإمتنان وهو يتذكر قبل وقت قليل
بالعودة قبل وقت قليل
تمدد طوفان على الفراش يشعر بأرهاق كذالك بعض الوجع من تلك الجروح التى لم تلتئم، كاد يُغمض عيناه بإستسلام لغفوة علها تُهدئ من ذاك الآلم، لكن صدح رنين هاتفه الجوال، جذبه ونظر الى الشاشة،تنهد بنزق وقام بالرد قائلًا:
خير يا شاهر مش باسل خلاص طلع من القضية.
أجابه شاهر ببسمة:
أه الحمد لله كمان وصلنا البيت،بس فى حاجه جديدة لازم تعرفها.
بنزق تحدث طوفان:
أشجيني إيه الجديد.
اجابه بضحك:
مراتك… قصدي دُرة هيقدم لها عريس الليلة.
إعتدل طوفان فى الفراش مما سبب له ألم مضاعف قائلًا:
ومين ده كمان، واضح إن خلاص لازم الامر يظهر للـ العلن.
أجابه:
الاول يظهر قدام دُرة، كريمان بتقول إن بدرية لمحت لها بجواز حاتم من دُرة، يعني وارد جدًا استغلال براءة باسل، وتقول نخلي الفرحة فرحتين.
زفر طوفان نفسه بغضب قائلًا:
الفرحة فرحتين، ده عند مين، نص ساعه واكون عندك، واضح دُرة مش هينفع معها غير الأمر الواقع.
عودة على ضحكات باسل وشاهر… رفع رأسه نظر للاعلى تلاقت عيناه مع عيني دُرة التى كانت تقف بشُرفة غرفتها، رفع يده لها بمرح،أغاظها لكنها تجاهلت ذلك ودخلت الى الغرفة وأغلقت الشُرفة مما جعله يبتسم وهو يُغادر متوجهًا نحو سيارته التى كان ينتظره السائق بداخلها.
بينما دُرة حين تركت طوفان بالغرفة كان هربً حين شعرت ببوادر إختناق، قبل ان يثقٕل تنفسها أمامه، صعدت الى غرفتها، فتحت أحد الادراج جذبت علبة الدواء، سريعًا فتحت فمها تستقبل ذلك الرذاذ الذي هدأ من الإختناق، جلست لحظات على طرف الفراش قبل أن تستلقي بنصف جسدها عليه، لحظات حتى شعرت بهدوء، لكن عقلها مازال غير مستوعب،تشعر كأنها بمتاهة فجأة إنقلبت حياتها من إستعداد لزواج بعد أيام لفاجعة موت والدها وحسام معًا مرورًا بأشهُر ترقُب لمعرفة عقاب القاتل،مرورًا بعودتها الى هنا والبقاء بشكل دائم،مرورًا ومرورًا بأحداث لم تكُن تتوقعها آخرها تلك القسيمة وأنها أصبحت بمثابة زوجة لـ طوفان ذلك الكاذب الخائن،دمعة سالت من عينيها،سريعًا أعتصرت عينيها،ربما يكون كل ما مرت به ليس أكثر من كابوس مر،لكن حين فتحت عينيها لوهلة شعرت بدوار الغرفة بها،والحقيقة أكثر مرارة،بصعوبة إرتكزت على كفيها على الفراش ونهضت جالسة مره أخري،شعرت كأن الغرفة تضيق بها،تحملت ذلك الوهن النفسي ونهضت تتجه نحو شُرفة الغرفة علها تستنشق بعض الهواء يُنعش ذلك الإختناق،بالفعل للحظات كان هنالك نسمة صيفية رطبة،تغلغلت الى فؤادها أغمضت عينيها لحظات تستنشق الهواء،حتى شعرت بإمتلاء رأتيها،فتحت عينيها وليتها ما فتحتها، صدفة او قدر عينيها تلتقيان بعيني طوفان، شعرت بغضب من إشارة يده بلا تفكير أو إنتظار دخلت الى الغرفة وأغلقت باب الشُرفة، تشعر بضجر، لكن لوهله كأن عقلها كان بغفوة لامت نفسها قائلة:
إزاي عقلى كان فين، كان لازم أشوف القسيمة أمتى تم كتب الكتاب.
جاوبها عقلها:
بسيطة إنزلي لـ شاهر وإسأليه.
عاد عقلها يعترض بقسوة:
أنا لو نزلت مش هسأل شاهر أنا ممكن أقتله…بس كمان لازم أعرف،ومستحيل أحقق لـ طوفان هدفه.
بمنزل طوفان
تقابل مع والدته التى كانت تنتظره إقتربت منه بلهفة قلب قائلة:
طوفان إنت بترهق نفسك بزيادة كفاية بقى لازم تاخد فترة راحة، ناسي إصابتك.
إبتسم لها بمودة قائلًا:
أنا بخير يا ماما إطمني ومتقلقيش من ناحية فترة الراحة فأنا هاخد الفترة الجاية أجازة إجباري، عشان هتجوز.
لوهلة خفق قلبها بتوقع قائلة:
هتتجوز مين.
إبتسم وأجابها:
هو فى غيرها… دُرة، وقبل ما تسألي أو تعترضي، أمر جوازي من دُرة خلاص أمر واقع، وكمان فى حاجه تانية محتاج دعمك معايا فيها، لأنى عارف إن ليكِ كلمة مهمة عند عيلة مهران كلها.
بخفقان قلب سألته:
خير يا ولدي.
أجابها:
خير يا أمي خلينا نطلع نتكلم فى أوضتك عشان تفهميني كويس.
اومات له، صعدوا الى غرفتها وتحدث معها بذلك الشأن شرط دُرة
تفوهت بدهشة قائلة:
دم مستحيل يا ولدي إنت فاهم معني الحديت اللى بتجوله ده، ده واعر أووي، كمان خالك عزمي مش هيوافق عليه، إنت عارف إن عنده تعالي، وكمان…
قاطعها طوفان بتحفيز:
عارف تعالى خالي، بس للآسف مفيش حل غير كده، وليد فعلًا قاتل، ولو مش ضياع سلاح الجريمة، كمان شهادة الشهود اللى إتبدلت كان أقل واجب وليد خد سجن مُؤبد، يبقى عالأقل ده نوع من التغفير، ورد حق العدالة.
إبتلعت ريقها:
برضك ده أمر صعب، والناس بتتعايد بيه لسنين وفيه ذُل.
نظر لها بآسف قائلًا:
معاكِ بس ده برضو حق يا أمي، أرجوكِ أنا محتاج دعمك قدام العيلة، أنا مسافر بكره الصبح وراجع آخر النهار إن شاء، وأنا جاي فى السكة إتصلت على كُبرات العيلة وطلبت منه إجتماع بكره المسا، دعمك ليا قدامهم هيقوي كلمتِ.
نظرت لـ طوفان شعرت بغصة… طوفان كان له هدف آخر بحياته، رغم ذلك إستسلم للقدر وأخذ مكانة والده “نوح” كـ كبير للعائلة، لكنه ليس بقسوة قلب نوح، هنالك قطعة لينة فى قلبه… ربما الآن علمت سببها هي تلك الفتاة هو عاشق ويفعل كل ذلك من أجلها، عكس قلب والده كان عاشقًا قاسيًا لا يهتم بمشاعر القلب، بل كان يسعى للسيطرة، كان يُحب امتلاك من يُحب، لا يهمه إن بكى أو تألم، المهم أن يبقى بجانبه، مُلكًا له وحده… أما طوفان… ففي عينيه وجعُ الحب الصامت، في أفعاله رجاء غير منطوق، هو لا يطلب شيئًا، فقط يُعطي، فقط يتحمل… فقط يُحب…
…فقط يُحب بصمتٍ يشبه بكاء البحر تحت ضوء القمر… لم يكن بحاجة لأن يُفصح، فكل تصرف منه كان يصرخ باسمها، كل نظرة، كل تنهيدة، حتى حين يغضب، يغضب لأجلها، لا منها…. هو لا يشبه نوح، لا يشبه أحدًا في هذه العائلة المجبولة على الكبرياء، طوفان خُلق من طين مختلف… طينٍ رُوِي بحبٍ دفين، لا يعرف القسوة، فقط يعرف العشق، حتى وإن كلفه ذلك كتم أنفاسه…
لكن غص قلبها عليه
ربما دُرة لا تدري، وربما تدري وتتجاهل، لكنها إن نظرت جيدًا في عينيه، سترى الحقيقة كاملة… سترى الرجل الذي حمل قلبه على راحتيه ووضعه أمامها دون أن يطلب مقابلاً…
تنهدت بتفهُم كادت تسألة هل تستحق تلك الـ دُرة كل ما تفعله من أجلها، لكن أرجأت ذلك وطاوعته قائلة:
تمام متجلجش أنا فى ضهرك.
إبتسم لها بحنان وقبل رأسها قائلًا بإستقواء:
ربنا يخليكِ دايمًا يا أمي وكلمتك تفضل
…بركة وسند ليا، طول ما إنتي راضية عني، الدنيا مهما لفت بيا مش هتقدر تكسرني.
شدت على يده بحنو، وفي عينيها دمعة مختبئة، لم تكن تعلم كم هذا الابن يشبهها، رغم كل ما مر به… قلبه لازال يختار الحُب.
هي وحدها من ترى في صمته كلام، وفي انحناءة كتفه وجع لا يبوح به، لكنه حين يبتسم… تشعر وكأن الدنيا ما زالت بخير.
❈-❈-❈
باليوم التالي
صباحً
منزل عزمي
زفر نفسه بغضب بعدما علم بخروج باسل من تلك القضيه بلا أي إتهام، بل ضاع عليه أمواله هباءًا لا يستطيع البوح أن تلك كانت أمواله، إزداد غضبه حين رأي سامية أمامه تنظر له بإزدراء قائلة:
لسه راجع الدار دلوق، كنت بايت فين عشية إمبارح.
نظر لها بغضب قائلًا:
كنت فى داهية، بعيد عنك إنتِ وولادك.
بداخل نفسها تمتمت:
ياريت الداهية كانت خدتك ومرجعش غير خبرك…
بينما تفوهت له بإمتعاض قائلة:
سلامتك إحنا لينا غيرك، هروح المطبخ أشوف الخدامة حضرت الفطور ولا لسه، إن مكنتش على يدهم ميشتغلوش ولا يحللوا لقمتهم فى الدار.
بعد دقائق على طاولة الطعام
نهض ريان بعدما صدح رنين هاتفه.. نظر له عزمي سائلًا:
مين اللى بيرن عليك خلاك قومت من عالوكل.
نظر ريان نحو سامية قائلًا:
دول أصحابي سبق وقولت إني إتفقت معاهم هنروح كام يوم نتفسح فى الغردقة وشرم الشيخ.
إعترض عزمي قائلًا:
طبعًا دول الصيع اللى يادوب نجحوا بالعافية زيك، نفسي أعرف إيه ناقصك عن سُجى بت خالك، هتدخل طب.
أجابته سامية بغطرسة:
مش ناقص فقر زي چوز أختك، وسيب الواد ينبسط فى الاجازة مع أصحابه، كفاية كبت طول السنه.
توقفت ثم نظرت لـ ريان قائلة بتفويض:
روح يا خبيبي إنبسط ويا أصحابك.
نهض عزمي بغضب وكاد يتحدث لكن صدح هاتفه، نظر للشاشة، سُرعان ما حاول الهدوء وقام بالرد ليُنهي الحديث سائلًا:
وإيه سبب الإجتماع ده.
اجابه الآخر:
معرفش. طوفان هو اللى طلب إجتماع العيلة المسا، المسا هنعرف منه..
أغلق الهاتف قائلًا:
تمام.
اغلق الهاتف وقف للحظات حائرًا، بينما فضول سامية سألته:
إجتماع إيه.
نظر لها بإزدراء قائلًا:
من ميتي والحريم بيدخلوا فى شؤون الرجال، خليكِ مع عيالك دلعي فيهم لحد ما يخيب أملهم أكتر واكتر.
قال ذلك وغادر بعصبية… إستهزأت منها سامية ببرود ولم تهتم، لكن بداخلها فضول معرفة سبب ذلك الإجتماع العائلي.
❈-❈-❈
بمنزل حاتم
منذ ليلة الأمس وهي تغلي غضبًا… العصبية تنهش أعصابها، والحقد يشتعل خلف عينيها، يتراقص الكره في نظراتها كجمرة تتلظى… لم يغمض لها جفن، باتت تتقلب في فراشها، ينهشها الغيظ حتى مطلع الفجر…
مع أول خيط للضوء، نهضت كأنما تُساق إلى معركة. انعكاس وجهها في المرآة أزعجها، عيونها تفيض بالخذلان… بللت وجهها بماء بارد، كأنها تطفئ ما استعصى على النوم تهدئته…
جلست بالمطبخ نار قلبها أقوي من نيران الموقد…
بينما بغرفة حاتم، إرتدي زي الشُرطة الخاص ثم خرج من غرفته توجه نحو المطبخ، تفاجئ بوجود والدته تجلس على أحد المقاعد، نظر لها شعر بوخزات قوية فى حلقه إبتلعها قائلًا:
صباح الخير يا ماما إيه اللى مصحيكِ بدري أوي كده.
رفعت عينيها نظرت له بأعين باكية:
أنا منمتش أصلًا، قلبي موجوع، حاسة مأن حسام لسه ميت النهاردة، بيقولوا الوجع بيخف مع الوجت، لكن أنا وجعي بيزيد، وآخرتها كمان اللى إسمه طوفان طمع فى مرات أخوك، قلبي كان حاسس هو ليه إتلاعب بالقضية، هو كان طمعان فى دُرة من البداية.
لوهله لم يفهم حاتم معني قولها فسألها بتوضيح:
قصدك إيه بانه كان طمعان فى دُرة من البداية.
إرتبكت قائلة بتبرير:
جصدي واضح، شافها وعجبته، وهو معندوش أخلاق، عادي يطمع فى أي شئ ويعمل المستحيل عشان يوصله بسهولة زي ما عمل وكتب كتابها عليها، بعد ما ضحك على عقل شاهر وتلاقيه كمان عطاه رشوة وقبل يكتب كتابها بتوكيل منها له، طول عمري مش برتاح لـ شاهر ده خالص، خبيث زي كريمان مصراوية جريئة،ضحكت على عقل مختار زمان وعاند وإتحدي الكل وإتجوزها، حتى دُرة زيها عاشت فى مصر وخدت طباع من أم أمها أكيد، بس يمكن حُبها لـ حسام هو اللى خلاها توافق علي الجواز منه رغم إعتراض مختار فى الاول بس هي موافقتها خلت مختار وافق، أكيد كريمان هي اللى كانت بتحرض مختار على رفض حسام.
توقفت تبكي تضع يدها على صدرها قائلة بوجع روح حقيقي:
حسام إتقتل ومختار إتقتل والإتنين دمهم راح هدر وفى النهاية طوفان وصل للي كان عاوزه، و دُرة مع الوقت هتلين وتقبل بالأمر الواقع… يا حرقة قلبي.
شعر حاتم بالاختناق، وكأن الكلمات خرجت من قلبها لتحاصر صدره هو… مد يده ليمسك بكفها المرتعش، واكتفى بالهمس:
إنتِ شايلة كل الوجع ده فى قلبك لوحدك يا ماما.
نظرت له بعينين تغمرهما الدموع وقالت بصوت مخنوق:
من يوم الحُكم بتاع القضية وأنا قلبي كان حاسس وشايفه اللى جاي، دلوق طوفان هو اللى فاز.
شعر حاتم بالغيظ والغضب يتملكان منه لكن تماسك أمامها بصعوبه قائلًا بتوعد:
مستحيل أستسلم يا ماما ودمار طوفان هيكون على إيديا.
❈-❈-❈
بمنزل والد دُرة
هي الأخرى استيقظت تشعر بالإرهاق، كأن النوم بات خيطًا رفيعًا يتقطع كلما حاولت الإمساك به. كانت لياليها مؤخرًا شبيهة بساعات معلقة بين الصحو والكوابيس، لا راحة فيها ولا طمأنينة… رفعت رأسها عن الوسادة بتثاقل، تنظر إلى السقف وكأنها تبحث فيه عن سبب ذلك الضيق العالق في صدرها… كل ما حولها صامت، لكن عقلها يضج، لا يكف عن سرد الصور والذكريات والأفكار… وكأن السكون حولها يفضح الصخب بداخلها.
بصعوبة نهضت من فوق الفراش، بعد قليل ذهبت الى غرفة السفرة، نظرت بغضب وعصبية نحو شاهر الذي كان يتحدث مع باسل،تفوهت بغيظ وتريقة دون مقدمات:
عاوزه قسيمة كتب الكتاب أكيد معاك منها نسخة بصفتك وكيل العروسة.
إبتلع شاهر اللّقمة التى كانت بفمة وإرتشف خلفها المياة قائلًا بهدوء ظاهري:
طبعًا معايا نسخة، بعد الفطار هجيبهالك.
نظرت له دُرة قائلة بأمر:
عوزاها دلوقتي.
بدون جِدال نهض شاهر غاب دقيقتين وعاد بتلك القسيمة… حاول التحدث قائلًا بتبرير:
والله أنا لو مش عارف إن طوفان بيحبك عمري ما كنت….
قاطعته وهي تأخذ القسيمة من يده قائلة بغضب:
بلاش تبريرات ملهاش لازمة… إنت تعتبر خونت الأمانة يا خالي العزيز.
أخذت دُرة القسيمة وقفت تقرأها قالت بإندهاش:
ما شاء الله مكتوب فى القسيمة تاريخ كتب الكتاب هو نفسه نفس اليوم اللى عملتلك فيه التوكيل
توقفت تشعر بإندهاش ثم تحدثت بذهول:
كمان مش معقول أول شاهد على كتب الكتاب يبقي
“الشيخ عرفه”!
أكملت قراءة القسيمة توقفت مرة أخري ثم جخظت عينيها قائلة:
مكتوب المهر إتنين مليون دولار، ومفيش مؤخر!
إزدردت شاهر ريقه، بينما نظرت له دُرة بإستهزاء قائلة:
طب فين الإتنين مليون دولار مهري، دلوقتي لو حبيت أخلعه هجيبهم منين، مش كنت تتأكد إنه دفع المهر الأول.
برر شاهر قائلًا:
أنا عندي ثقة فى طوفان ومتأكد أنه عمره ما هيغصبك تعيشي معاه والمبلغ ده مجرد رقم مالوش أي قيمة.
إستهزأت دُرة، وتركت شاهر بلا جِدال، خرجت الى حديقة المنزل تستنشق الهواء لم تُفكر وفتحت هاتفها قامت بإتصال سُرعان ما رد عليها بصوت هادئ:
صباح الخير يا دُرة.
لم ترد عليه الصباح وتفوهت مباشرة:
مكتوب فى قسيمة الجواز، إن المفروض المهر بتاعي إتنين مليون دولار، مش شايف إن المبلغ كبير أوي، كمان المفروض المبلغ كان يبقي زي القسيمة مثبوت فى رصيدي فى البنك.
إبتسم طوفان يعلم أن دُرة لا يفرق معها المال، لكن راوغ قائلًا:
المبلغ فعلًا هيتحول لرصيدك فى البنك يوم فرحنا.
تهكمت دُرة قائلة:
واضح إنك واثق من نفسك أوي، عالعموم أنا ميهمنيش فلوسك قصدي دولارتك، أنا عاوزة أرض بابا اللى أشتريتها.
إبتسم طوفان قائلًا:
لكل مقامِ مقال يا دُرتي، نبقي نتفاهم عالأرض بعدين، ودلوقتي مضطر أقفل عندي ميعاد مع عميل مهم، عاوز أخلصه بدري عشان راجع المنيا المسا لأمر هام، يلا خدي بالك من نفسك، إنتِ مبقتيش مِلك نفسك دلوقتي.
فهمت تلميحه، فاغلقت الهاتف بغضب، تقبض بيدها على الهاتف بعصبية، طوفان يقوم بسد الطُرق أمامها ويستغل الأقرباء وأصحاب الثقة لديها…
إن كان بداية من الشيخ عرفة
نهاية بخالها شاهر
❈-❈-❈
مساءً
رغم سفره وعودته بنفس اليوم، وشعورة بالالم والإرهاق الجسدي، لكن يود إنهاء ذلك الموضوع الليلة.
بغرفة الضيوف الكبيرة بقصر طوفان
دخل على الموجودين بالغرفة بهيبة خاصة تصحبه، وهم يقفون حتى أشارلهم بالجلوس، مُلقيًا السلام أولًا ثم جلس خلفهم، تنحنح بثبات قائلًا:
بدون لف ودوران إنتم معظمكم عارفيني مش بحب الرغي الكتير، أنا طلبت إننا نجتمع الليلة لأمر مهم، هيحدد مين فى الفترة الجاية هيبقي سند معايا ومين اللى هتظهر حقيقته.
قال ذلك ونظر نحو عزمي الذي تسرع بالنفاق قائلًا:
إنت عارف إن عيلة مهران كلياتها فى ضهرك ومحدش يقدر يعترض على كلمة منك.
نظر له طوفان بنظرة باردة، خالية من الابتسامة، وقال بنبرة ثقيلة:
ماليش فى الحديت المُجامل ده مكانه مش هنا، يا خالي.. اللي في ضهري بجد، مش محتاج يفضل يقولها كل شوية.
سادت لحظة من الصمت المشحون، تبادل فيها الحضور النظرات المتوترة، قبل أن يتابع طوفان وهو يوزع نظره بين الوجوه:
– الليلة دي، أنا مش طالب تأييد بالكلام… أنا طالب فعل. واللي هينفذ، هو اللي هيكمل معايا الطريق. والباقي… ربنا يسهل له.
ارتفعت بعض الحواجب، وتبدلت بعض الوجوه، بينما طوفان نظر لهم بهدوء قائلًا:
أنا سبق وقدمت وليد بنفسي للـ الشرطة وجولت الجانون هو اللى يُحكم، بس كان فى راسي غرض تاني، إن الموضوع يهدى عشان وجتها كان سهل الأمر يطور وندخل فى مشكلة تار سواء مع عيلة غُنيم، أو عيلة بدران… وبعد حُكم المحكمة اللى كنت متوقعة، بسبب ضياع سلاح الجريمة والطب الشرعي اللى أثبت إن الرصاص كان من سلاح مش مترخص، وشهادة الشهود اللى فى منها إتغيرت، الحُكم زي ما انتم عارفين، يعتبر فى عُرفنا حُكم مُخزي
واللى حصل فى المحكمة من حاتم، وبعده من الدكتورة دُرة يأكد إننا بنواجه غضب ممكن يستفحش لو متصرفتش بسرعة وكان فى حُكم عُرفي هو اللى ممكن يهدي بل ممكن ينهي أي عداوة لينا مع عيلة بدران وعيلة غُنيم، وده سبب إجتماعنا النهارده، ومش مستعد أسمع أي إعتراض من أي شخص موجود.
كانت عيني طوفان تنظران الى عزمي الذي تحدث بغطرسة قائلًا:
وإيه هو الحُكم ده، طالبين فِدية مالية… بسيطة ندفعها لهم ونخلص…سبق وكان بين العلتين دول خلاف على حتة أرض كام فدان وإنت إشتريتها،يعني” الدِية” ندفعها وننهي الخصومة.
نظر له طوفان بإزدراء لكن تحدث بثبات:
هو فعلًا المطلوب
“الدِية”
بس مش دِية مالية،المطلوب هو
إنت ووليد تقدموا كفنكم
لعيلة غنيم… وكمان لعيلة بدران.
صاعقة ضربت عقول الجالسين، وبإعصار أقوي ضربت عقل عزمي الذي نهض واقفًا يقول بغضب عارم:
ده مستحيل يحصل.
ببرود نظر له طوفان قائلًا:
إقعد يا خالي وبلاش تسرُع، اللى بقول عليه ده لمصلحة العيلة كلها، وأولها إنت ووليد
وإفتكر إن حاتم بدران ظابط شرطة وسهل يلفق لـ وليد أي قضية ويضمن حُكم مش أقل من مؤبد، غير إن ممكن يجتله بالغلط ويقول كنت بأدي مهمتي الرسمية… التسرُع مش هيفيدك وجتها… وإنت واحد عارف إن رمي التُهم بالساهل.
جلس عزمي بعدما فهم إيحاء طوفان، أنه قد يكون عرف أنه هو من إفتعل قضية إتجار باسل بالعُملة الأجنبية، تحدث بتوتر:
بسيطة أسفر وليد خارج مصر يعيش فى أي مكان تاني ملك.
تهكم طوفان ضاحكًا بخباثة قائلًا:
وقتها يبقي سهلت المهمة تفتكر صعب يعرفوا وليد سافر فين، حتى لو سافر بطريقة غير شرعية.
إزدرد عزمي ريقه الذي شبه جف، قائلًا بمراوغة كي يحصل على تعاطف وتأييد بقية الموجودين:
وإنت موافق عالحديت الفاضي ده … ولا يكون براسك غرض تاني عاوز توصله، أنا سمعتك يوم ما وليد خرج من الأحداث وبنت مختار غنيم بتتوعد بجتل وليد، إنت…
قاطعه طوفان بثقة قائلًا:
أنا فعلًا بحب الدكتورة دُرة… وده مش شئ يعيبني…
أخدها عزمي عليه وقاطعه قائلًا بنبرة تحريض:
أها يعني إنت عاوز توطي راس العيله كلياتها عشان خاطر تنول عشج الدكتورة دُرة.
بنبرة فخر تحدث طوفان:
العشق مش عيب، وأنا مش بوطي راس العيلة بالعكس أنا هدفي مصلحة الجميع، إن الدم يتوقف، وتقديم الكفن هو الحل الوحيد…
لان لو إنت رفضت أنا أول واحد هسلت يدي عن حمايتك إنت ووليد، والقرار دلوق لبقية كُبرات العيلة وهو اللى هناخد بيه.
نظر عزمي بتوهان لوشوش الموجودين وهم يتهامسون فيما بينهم، كذالك طوفان الذي يجلس فاردًا صدره يتوقع الحصول على دعمهم، وقد كان وصل الى ما يريد
توافق الجميع مع طوفان…
نهض عزمي غاضبً يقول بغيظ:.
كلياتكم هتوافجوا على حديته، إنه يرمي رجالة وهيبة العيلة تحت أقدام مراه عاوزها.
والصمت كان الرد بمؤازة طوفان، وعزمي وجب عليه الإنصياع لقرار طوفان.
❈-❈-❈-❈-❈
باليوم التالى
بتلك الغرفة الكبيرة بمنزل الشيخ عرفة
كان هنالك لفيف من كبار البلده ورجال مجلس الشعب، بحضور
طوفان وعزمي
كذالك باسل وحاتم ووالده
تنحنح الشيخ عرفة بعدما قرأ آيات من القرآن تدل على أحقية القصاص، كذالك أحقية العفو بعد التسامُح والتصالُح… ثم تحدث مباشرة عن موافقة عزمي وإبنه بتقديم كفنيهما الى
باسل كذالك والد حسام
أومأ باسل برأسه موافقًا كذالك والد حسام، بينما قبل أن ينطق أحدهما تحدث حاتم بإعتراض قائلًا:
فى طلب هام قبل ما يقول والدي قراره بالموافقة أو الرفض…
نظر له الشيخ عرفة سائلًا:
وإيه هو الطلب ده يا سيادة الضابط.
نظر حاتم نحو طوفان وتحدث بثقة وتعالي:
بما إن السيد طوفان بقي يعتبر صهر عيلة غُنيم، أنا كمان بطلب المُصاهرة وتبادل النسب بينا، واللى أعرفه إن السيد طوفان عنده أخت، وأنا بطلب إيدها للجواز.
❈-❈-❈
ذُهل جميع من بالغرفة ليس فقط طوفان الذي استقبل العرض بهدوء قائلًا بثبات:
فعلًا عندي أخت بتدرس فى الجامعة وهي بره الإتفاق المعروض،كمان جوازي من دُرة تم بموافقتها،و..
قاطعه حاتم بنبرة تصميم:
كمان تقدر تسأل أختك عن ردها،وحكاية إنها فى الجامعة مش عائق تقدر تكمل دراستها فى الجامعة ومعتقدش الجواز هيأثر على دراستها .
أومأ طوفان برأسه ببطء، كأنه يستوعب الصدمة على مراحل، ثم التفت نحو الشيخ عرفة الذي يجلس جواره، كأنّه يبحث عن تفسير، دعم، أو حتى اعتراض… لكنه أومأ بصمت، تفهم طوفان نظرته، عليه الحفاظ على هدوء الجلسة
بينما لمعت عيني عزمي، كأنها فرصة ود أن يتحدث ويقوم بإثارة الضجة قد تنتهي الجلسة وتنفض دون إتفاق، لكن سبقه طوفان
تنحنح قائلًا بنبرة أقل حِدة مراوغًا:
أنا مش ضد فكرة الجواز، بس أختي ليها شخصيتها وقراراتها… وده قرار مصيري، مكنش ينفع يتقال كده فجأة… ومش أنا صاحب القرار فيه.
ابتسم حاتم ابتسامة خفيفة، لكنها لم تضع الطمأنينة فى قلب الجالسين قائلًا:
وأنا مقدّر ده، وعشان كده بقولك تسألها… وهحترم قرارها أكيد… أنا ماجيتش أفرض حاجة، بس شايف النسب هيقوي ويعزز التصالُح… وزي ما قلت، الجواز مش هيعطلها، بالعكس، يمكن يكون سند ليها.
سادت لحظة صمت، مشحونة بالحرج والتوتر… لم يتحدث حاتم لكن نظرته كانت صلبة، كأنّه يرا شيئًا أهم من الكلام … يخطط لأبعد من ذلك.
تنهد طوفان وهو يتغاضي عن نظرة الجميع قائلًا:
هكلمها… بس القرار قرارها، وأنا مش هاخد خطوة غير لما أكون متأكد إنها موافقة ومقتنعة.
لمعت عيني حاتم بظفر قائلًا:
وأنا قولت هحترم قرارها، رغم شايف النسب فى مصلحة الجميع.
نظر طوفان لـ حاتم شعور بعدم الراحة مُتبادل بينهما، كأن كل منهما يقرأ تفكير الآخر به، لكن رسما بسمة طفيفية.
❈-❈-❈
في مساء نفس اليوم
بمنزل طوفان
مع مُضي وقت حاول أن يُرتّب أفكاره، دخل طوفان البيت بخطوات متعبة… رفع رأسه لأعلى تنهد بصبر، كُل الأثقال مُحملة بصدره وهو عليه تحمُل كل تلك الأثقال برحابة ليس غصبً، لمعت عيناه بحنان، حين رأي جود
تجلس بشُرفة غُرفتها ، بين يديها كتابً … جود ليست فقط شقيقته الصغري، بل بمثابة إبنته الذي كان يحملها منذ صغرها، كان الحماية لها حتى بوجود والدهم، كان حظها أنها فتاة فإبتعدت عن قسوة والدهم، هي إخد القطع اللينة بقلبه، لا يود إرغامها وإدخالها بفجوة بركان قد يثور ويسحبها نحو هاوية، بعقله إتخذ قرار، لكن يُخبرها بعرض حاتم، وسينهي العرض بالرفض، دخل الى داخل المنزل إبتسم حين سمع صوت وجدان تتحدث مع شُكرية بشُرفة قريبة من الرُدهة، توجه نحوهن،ألقي عليهن السلام.. نهضت شُكرية مبتسمه قائلة:
يسعد مساك يا طوفان، أحضر العشا.
أومأ لها برأسه بموافقة… غادرت شُكرية، بينما نظرت وجدان الى وجه طوفان،لو أخفي عن الجميع حقيقة ثُقل ما يتحمله هي الوحيدة التي تفهمه من ملامحة.. أشارت له بيدها ليجلس جوارها على الآريكة، بالفعل جلس جوارها، وضعت يدها على كتفه بحنو سائلة:
مرجعتش طول اليوم جولي إيه اللى حصل فى الإجتماع اللى كان بدار الشيخ عرفه.
تنهد بضيق قائلًا:
يعتبر الإتفاق تم، بس فى حاجه حصلت من حاتم، مفكر إن بكده ممكن يحط الاتفاق فى خانة عدم التنفيذ..بس غلطان.
بإرادة معرفة سألته:
وإيه اللى حصل من حاتم ومضايقك كده.
أجابها:
حاتم طلب يتجوز من جود.
نظرت وجدان له بتعجُب كأنها تستفسر ما سمعته ثم سألته:
حاتم يتجوز من جود، يعرفها منين.
أجابها:
معرفش بس أكيد عارف إن عندي أخت، حاسي بنوايا خبيثة من حاتم.
تفهمت هي الأخرى سائله:
جصدك بايه بنوايا خبيثة، إنه ممكن لو رفضت طلبه، ميقبلش الصُلح.
أجابه بإيماءة من راسه قائلًا بتبرير:
مش حكاية ميقبلش الصُلح، لان سهل أقول الموضوع ده خارج الإتفاق، بس من طريقة كلامه وتصميمه حسيت عنده نوايا تانية، زي ما يكون نظام تحدي فى دماغه، زي ما إنت إتجوزت دُرة أنا هتجوز من أختك، جود غالية عندي أوي ومش هستحمل إنها تدخل صراع هي ملهاش يد فيه.
تفهمت وجدان ذلك وتنهدت بتفكير قائلة:
أنا أعرف بدرية من وإحنا صغيرين، طول عمرها عندها عُقدة نقص فى دماغها، إنها مش من عيلة غُنيم وإنها أخت مُختار من الأم فالبتالي مورثتش فى الأرض بتاعت أختها وكلها راحت لـ مُختار حتى بعد النزاع اللى حصل بينه وبين عيلة بدران عالارض لأنه هو اللى كان واخدها عنده بعد ما جوزها مات، جوزها اللى كان من عيلة بدران اخواته فكروا ان لهم ميراث فى الأرض، بالذات
“مرعي بدران”
زفر طوفان نفسه بإزدراء قائلًا:
“مرعي بدارن”
فعلًا بسببه عمي مختار طلب مني أشتري الأرض دي، مرعي قلبه مليان سواد، عنده حقد قادر يقوم حريق وسط البلد ومش هيهمه مين يتحرق حتى لو واحد من ولاده إتحرق.
وافقت وجدان ذلك وتنهدت تنفض ذلك الثُقل عن صدرها قائلة:.
فعلّا ربنا يكفينا شره، دلوق سيبني أنا أتحدت ويا جود، نشوف رأيها أيه، رغم عندي شبة يقين مش هتوافج بس من باب التوكيد.
كانا يتحدثان لم يرا تلك التى سمعت حديثهما صدفة بعدما رأت طوفان وهو يدخل الى المنزل تركت الكتاب، تركت الكتاب ونزلت كي تطلب منه عمل بطاقة إئتمانية أخري بدل تلك التى تبدلت مع بطاقة حاتم، صدفة كادت تدخل الى الشُرفه لكن توقفت خين سمعت إسم حاتم، كانها إلتصقت بمكانها، سمعت حديث طوفان مع والدتهما، إنتفض قلبها بداخلها، شعور جديد وله سطوة فى قلبها ينبُض، قبل أن تستكمل بقية حديثهما، نظرت حولها لم تجد أحدًا غادرت الى غرفتها دخلت تشعر بنبضات قلبها العالية، شعور بالسعادة يغزوا قلبها، كأنها لم تنتبة لحديث طوفان الخائف من نوايا حاتم، فقط سمعت ما اراده قلبها البرئ… ظلت بغرفتها ترسم أماني وأحلام تحقيقها ليس بعيد كما ظنت.
❈-❈-❈
بعد وقت
بغرفة جود
مازالت تنتظر أن تدخل والدتها الى الغرفة
بالفعل سمعت صوت فتح باب الغرفة
تبسمت حين دخلت وجدان تحدثت لها بحنان قائلة:
كنتِ هتنامي.
اومأت رأسها برفض قائلة:
لاء، كنت هسهر أقرى كتاب عجبني وإشتريته أونلاين.
إبتسمت لها بحنان وجلست على آريكة مُقابلة للفراش قائلة:
تعالى نقعد شوية مع بعض نتكلم شويه.
إبتسمت جود بقبول وإقتربت منها بهدوء، وجلست جولرها على تلك الآريكة ، تحدثن مع بعض قليلًا بأحاديث مُتشعبة كانت جود تترقب حديث والدتها عن عرض حاتم، بعد عدة حوارات بينهم، بلا مقدمات تفوهت وجدان بتوقع لـ رفض جود كما حدث سابقًا، حين أخبرتها أن هنالك من تقدم لخطبتها وقتها
وضحكت ضحكة إستغراب،وأخبرتها أنها لا تُفكر بالزواج قبل إنهاء دراستها على الأقل…
جود في موضوع مهم حابة أسمع رأيك الأول.
تسألت بفضول قاىلة بتحريض:
موضوع إيه يا ماما.
صمتت وجدان للحظة، ثم قالت لها بجديّة:
فى عريس متقدملك.
توقفت وجدان تتوقع رد جود سيكون كما السابق
“انا مش ضد الجواز يا ماما، بس مش دلوقتي… عندي طموحات ونفسي أكمل الماجستير، والجواز مسؤولية كبيرة… لازم أكون مستعدة ليه عاطفيًا وعقليًا”.
لكن خاب توقع وجدان حين ظهر الخجل على وجه جود التى سألت بحرج:
ومين العريس ده يا ماما.
رد جود وحده أدهش وجدان،ظنت سترفض بلا إرادة معرفة هوية العريس،لكنها أخبرتها به وبعائلته:
العريس يبقي”حاتم بدران” بيقولوا ظابط شرطة، معرفشي تعرفي أهله أو لاء.
ابتسمت وجدان بعدما لاحظت لمعة حيرة في عيني جود، كانها تُفكر بالرفض، لكن خاب ذلك حين قالت:
أعرفهم أسماء بس يا ماما، أكيد طوفان يعرف بالموضوع ده، هو رأيه إيه.
أجابتها وجدان:
طوفان قال قرارك هو الأهم.
إبتسمت جود قائلة
أنا عارفة إن طوفان أخويا طول عمره دايمًا بيحميني، وعمره هيفضل هو السند اللى يقويني، وبسببه مش بخاف من نتيجة أي خطوة… أنا عمري ما كنت بدور على فارس الأحلام، بس لو الشخص اللي متقدم لى شخص محترم، ونيته صافية، وإبن ناس طيبين… ليه لاء
وعشان كده، أنا موافقة يا ماما.
إستغربت وجدان من ذلك، حتى أنها قالت لها بنُصح:
خدي وقت وفكري قبل ما تقولى قرارك النهائي.
هزت جود رأسها بحياء قائلة:
حاضر يا ماما هفكر تاني.
إبتسمت وجدان وضمتها قائلة:
فكري كويس، الجواز مش قرار سهل ده رحلة عُمر ولازم تبقي قدها.
اومأت جود بإبتسامة.
بعد قليل نهضت وجدان وتركت جود، نهضت جود هي الأخري تتبع بعينيها خروج والدتها الى أن أغلقت خلفها باب الغرفة، توجهت نحو الفراش تمددت عليه، تترك لنبضات قلبها العنان، تشعر بسعادة فقط، لن تتراجع فى قرار الموافقة
❈-❈-❈
صباحً
علم طوفان من وجدان بموافقة جود مبدائيًا، إستغرب هو الآخر ذلك، لكن هو لن يضغط عليها، بعد نهاية الإفطار…
دخل الثلاث الى إحد الغرف نظرت وجدان الى جود قائلة بتحذير:
قولي قرارك النهائي يا جود الجواز رابطة العمر كله.
أبتسمت جود بحياء قائلة:
قولتلك قراري من إمبارح يا ماما، ليه حاسة إنك خايفة بزيادة.
تنهدت وجدان قائلة:
مش حكاية خوف، بس ده جواز، وجواز العُمر كله.
نظرت جود نحو طوفان وتبسمت قائلة:
بس أنا مش خايفه من حاجه يا ماما، عشان عارفة إن فى ضهري طوفان دايمًا، مستحيل يسمح بأي حاجه تأذيني.
نظر لها طوفان وإقترب مُبتسمً ضمها من كتفها قائلًا:
مين اللى يجي فيه قلب يقدر يأذي ملاك زيك يا جود، مستحيل طبعًا، الا لو كان مُختل عقليًا وقتها أنا هضمن جنانه رسميًا.
إبتسمت جود بإمتنان تشعر بقوة فى قلبها منبعها قوة تُماثل طوفان.
…***
بعد قليل عبر الهاتف
كان حاتم يجلس بقسم الشرطة الذي يعمل به،يمسك تلك البطاقة الائتمانية الخاصة بـ جود لا شيء برأسه سوا أنه يود معرفة قرار طوفان، ربما يشعر براحة قلبية، أو زيادة غليان فى صدره، لن يترك طوفان يهنئ على بؤس قلب والدته…
فى أثناء ذلك صدح رنين هاتفه، نظر لشاشته
زفر نفسه وجذب الهاتف بترقُب بعدما قرأ إسم طوفان… إلتقط نفسًا طويلًا قبل أن يقوم بالرد، بلا تردُد، بعد السلام والمراوغة المُتعمدة من طوفان،فقد حاتم الصبر تصلب فكيه، قبض على البطاقة بقوة حتى ابيضّت أنامله، ثم قال بنبرة خافتة لكن حاسمة:
أكيد مش متصل عليا عشان نتساير فى حكاية تقديم الكفن، ممكن تقولي قرارك بشأن طلب إيد أختك، قرارها إيه.
بمراوغة من طوفان أصبح يكون فكرة عن أخلاق حاتم،يبدوا أنه شخص لا يعرف التحكم فى أعصابه،خفق قلبه بقلق على جود وحياتها معه كيف ستكون،كاد يرفض ألاجابه لكن تذكر موافقتها،لم يغصبها على ذلك،فأجابه ببرود:
تقدر تبعت والدتك تقعد مع الحاجه وجدان، والمسا تجيب والدك وتشرفنا فى القصر.
إرتخت قبضة يده يشعر بظفر حتى لو لم يتفوه طوفان بالقبول مباشرةً لكن ما قاله كافي ودليل على الموافقة… أغلق الهاتف مع طوفان ونهض سريعًا خارجً من القسم يعلم الى أين يذهب الآن
بعد قليل بالمقابر وقف أمام ذلك القبر الذي يحمل شهادة وفاة حسام، رفع يديه يقرأ الفاتحة حتى إنتهي قام بالدعاء لأخيه، ثم مسد بيديه على تلك الشهادة،ينفض ذلك الغُبار العالق عليها… بدمعة تحجرت فى عيناه وتفوه بثقة:
حقك هيرجع يا حسام، عارف إنك أكيد زعلان إن دُرة هتبقي من نصيب غيرك، بس أنا مش هسمح لهم بالسعادة، وهتبدأ رحلة إنتقام وطوفان هيندم على اليوم اللى فكر فيه يقرب من دُرة.
…..***
مساءً بمنزل طوفان
كان إستقبال طوفان لـ حاتم ووالده بترحيب، ثم اخذهم الى تلك الغرفة، تعجب حاتم من وجود الشيخ عرفة،كذالك عزمي الذي تنطق عيناه بغضب وكُره واضح،لكن عليه الصمت…
جلسوا معًا لبعض الوقت بحديث بسيط، كان كل من طوفان و حاتم كلامها يكتشف الآخر لكن واضح بينهم بعض الحزازية ببعض الشؤون، بالأخص حين تحدث حاتم:
أنا بقول ملهاش لازمة فترة الخطوبه، أنا شغلي فى الشرطة بياخد وقتي معظم الوقت فمش هبقي فاضي للحركات واللقاءات بتاع المخطوبين،أنا بقول نكتب الكتاب ونتجوز مع…
توقفت الجملة بحلقه،صعب عليه نطقها،لكن تحمل تلك الغصة فى قلبه وأكمل:
مع طوفان ودُرة.
ذُهل طوفان قائلًا بالسرعة دي مش معقول،إنت و وجود متعرفوش بعض،كمان تجهيزات العروسة.
تهكم حاتم بين نفسه قائلًا بحقد دفين:
مش محتاج أتعرف على أختك العينه قدامي…
بينما تفوه للعلن بثبات:
هنتعرف على بعض أفضل وإحنا متجوزين، كمان التجهيزات مش مُعضلة، أكيد تقدر تجهز أختك فى يوم، وأنا كمان الشقة عندنا جاهزة حتى بالعفش.
نظر والد حاتم له نظرة عينيه بسؤال، فأكمل حاتم حديثه:
شقة حسام جاهزة بالعفش.
نظر طوفان لـ حاتم بنظرة غضب وكاد يقف رافضًا، ذلك لكن سبقه الشيخ عرفة قائلًا بتهدئة:
خير البِر عاجله، بس فى التأني السلامة.
أومأ حاتم قائلًا بتبرير خادع:
إنتم عارفين إن شغلي فى الشرطة مُعرض دايمًا للتنقُلات فى الأقسام وبين المحافظات،ممكن فى حركة التنقُلات الجايه أروح أخدم فى مكان بعيد.
أومأ الشيخ عرفة بإقتناع.
بالنهاية وصل الى هدفه وتم تحديد عقد القران مساء يوم تقديم الكفن… كذالك الزفاف باليوم التالي مع طوفان ودُرة.
❈-❈-❈
بعد وقت
بمنزل دُرة
إستغربت دُرة من قول باسل عن طلب حاتم للزواج من أخت طوفان، تحدثت بدهشة ورفض:
أكيد طوفان هيرفض بدون جِدال.
خيب باسل توقعها قائلًا:
لاء من شوية حاتم كلمني وقالي إنه وافق وكمان قروا الفاتحة وحددوا كتب الكتاب والزفاف فى نفس يوم زفافك إنتِ وطوفان.
ذُهلت قائلة:
طوفان أميد عقله طار منه إزاي يوافق على حاجه زي دي، حاتم يعرف جود منين
جود شخصيتها رومانسية ممكن وافقت بضغط من طوفان.
تحدثت كريمان بسؤال:
وهيضغط عليها ليه، دي أخته وأكيد مش هيضغط عليها بحاجة زي دي فيها مستقبلها.
إحتار عقل دُرة تركتهم وصعدت الى غرفتها فتحت هاتفها قامت بإتصال
سُرعان ما رد عليها طوفان قائلًا:
بصراحة مكنتش مصدق إنك تتصلي عليا لما قريت إسمك عالشاشة قولت أكيد بحلم.
تفوهت بنبرة إعتراضها:
إزاي وافقت على جواز حاتم من جود.
أجابها بهدوء:
أنا واقفت بعد ما سألتها وهو وافقت بدون…
قطاعته بغضب، لكن حديثها مثل الرصاص:
بس هي مش قطعة شطرنج في صفقة، ولا ورقة في ملف… أختك إنسانة… ومينفعش تبقي كأنها بند في اتفاق.
عاود طوفان حديثه بحزم:
أنا مستحيل أدخل أختي فى أي إتفاق يا دُرة، انا قولت لماما وماما إتكلمت معها وهي وافقت بدون أي ضغط من أي حد عليها، وأنا طول اليوم مُرهق، ومحتاج أخد شاور بعدها أنام، تصبحي على خير.
أغلق طوفان الهاتف دون إنتظار، سبب ذلك غيظ بعقل دُرة قائلًا:
قفل فى وشي، الحقير مفكر إنه الحاكم بأمره والجميع لازم يوافقوا على أوامره، حقير أناني ميهموش غير راحة نفسه حتى لو على حساب غيره.
بينما بمنزل طوفان
كان مُشتاقًا لها، وفكر فى الإتصال عليها قبل أن تتصل عليه ود أن يُشاغبها قليلًا يستمتع بالحديث معها، لكن إتصالها وطريقة حديثها تلك لو أطال معها فى الحديث، ستتحامل عليه، وهو مُرهق، لو أحد غيره بعدما مر عليه بالفترة الأخيرة وتحمله وهو مُصاب برصاصتين فى جسده ما زال جرح جسده لم يلتئم مكانهم،لكان برك بالفراش،لكن هو يُقاوم ويقاوح كي يحصل على راحة قلبه منها، قبل راحة جسده.
هي دواؤه وسُقمه، شغفه وبلواه، وفتنته الذي مهما حاول يهرب منها، يعود لها…
خلع ثيابه وبقي بسروال داخلي فقط،إلتقط برشامه وأبتلعها بقليل من المياة،ثم تمدد على الفراش لحظات قبل أن يغفوا يفصل لوقت يستعد للإعصار القادم.
❈-❈-❈
مرت عِدة أيام
بظهيرة يوم الجمعة
والطقس شبة حار بل حار جدًا
بالساحة المُقابلة لأحد مساجد البلدة
نشاط أمني واسع ومُكثف حول المكان، حضور كبار الشخصيات بالمحافظة وأعضاء المجالس النيابية،كذالك شيوخ من الأزهر،وبعض القساوسة…لفيف واسع من الحضور،وترقُب وخوف
وعلى الجهة الأخري غضب عارم من
وليد وعزمي المغصوب على فعل ذلك وقام بالغصب أيضًا على وليد الذي قالها صريحة:
لو سيبتني كنت فرغت السلاح فى دماغ طوفان نفسه والشيخ عرفة معاه، ده ذُل لينا.
نظر له عزمي بغضب:
السلاح اللى جتلت بيه إتنين قبل إكده لو مش التحايل ودفع الرشاوي للشهود كان زمانك لساك بالسجن، عدي اليوم مش عاوز مشاكل، المرة دي لو حُصل حاجة هتبجي جريمة علني.
غصبً إمتثل وليد متوعدًا:
مش هنساها لـ طوفان وهدفعه تمنها غالي، بس كل شئ بآوان.
بعد وقت
تحت تلك الشمس الحارقه
خطاب ديني عن القصاص والتسامُح
أعقبه
وقوف بعض الأهالى على الصفين، ومن الوسط مرور كل من وليد وعزمي اللذان يحملان كفانيهم فوق أيديهم…يسيران من بين الصفين بخطوات غاضبة
حتى وصلا الى مكان وقوف كل من
والد حسام وباسل
إنحني عزمي أولًا أصبح جاثيًا على ركبتيه أمام والد حسام، ورفع يديه بالكفن
بينما هنالك ترقُب ونظرات مُريبة لـ وليد الذي لوهله تحكم به الكِبر وفكر بالهرب، صمت خيم للحظات توقفت بعض القلوب عن النبض خوفً من نقض الإتفاق المُسبق… لكن كلمة نطقها طوفان، أدخلت الرُعب فى قلب وليد الجبان، حين نطق بإسمه وبأشارة من رأسه أمره
-وليد..
لا داعي للنظر نحو طوفان، فلو فكر وليد بنقض الإتفاق أصبح مهدور دمه، تحكم الجُبن بقلبه غصبً فعل مثلما فعل عزمي ووجثي على ركبتيه أمام باسل رفع يديه بالكفن
لم يُفكر
والد حسام، ولا باسل وتقبلا ذلك وأخذا الكفنين من إيديهم، بلحظة كانت تُذبح الذبائح فدوًا وعفوًا مقبول…وسط همزات الأهالى.
❈-❈-❈
مساء
بمنزل طوفان
بتلك الغرفة الكبيرة، يوجد نفس كبار الشخصيات التي حضرت ظهرًا، ها هم يحضرون
عقد القران أيضًا
جلس كل من
طوفان وحاتم بالمواجهه لبعضهم،بالمنتصف كان يجلس المأذون،الذي طلب منهما وضع إيديهم ببعض،بالفعل حصل ذلك،نظر حاتم و طوفان لبعضهما كل منهما بداخله تحفُظ من الآخر لكن يمتثلا للقدر الذي لا يعلم أحدهما الى أين سيصل بهم مستقبلًا…ربما يصبحان صديقان،أو يظلا غريمان…
بالنهاية تم عقد القران، وبالغد سيكون العُرس
❈-❈-❈
بنهاية اليوم التالي
بأحد القاعات الفخمة كان العُرس الذي انتظره الجميع، تتلألأ الثريات في السقف كنجوم مُعلقة، وتعزف الأوتار أنغامًا تُغازل الروح… العروستين كُن كأميرات من زمنٍ الحكايات، تخطوان بخجلٍ وبهاء نحو مصيرٍ كُتب لهن… بين العيون والهمسات… أما العريسين، فكان الوقار والهيبه بثياب أنيقة..
كان الحضور مزيجًا من أهل وأصدقاء،ومعارف وشخصيات لها مكانتها…. تتعالى الضحكات تارة، وتتوارى الدموع خلف ابتساماتٍ مجاملة تارة أخرى….
ليلة أسطورية انتهت…
أخذ كل عريس عروسه إلى حيث تبدأ الحكايات على مهل، حيث تُخلع الأقنعة، وتُكشف النوايا، وتُولد التفاصيل الصغيرة التي تصنع عمرًا.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
إستقبال حافل من والدة طوفان ومعها سامية وكوثر اللذان يشعران بإحتقان وحقد، بينما رحبت وجدان بها بدبلوماسية…
لحظات وإنتهي ذلك الترحيب التى شعرت دُرة به بكثرة الرياء
صعدت بصُحبة طوفان الى الأعلى توقف طوفان
فتح باب الجناح وتنحي جانبًا يبتسم ، رفعت دُرة ذيل فستان الزفاف ودلفت الى الغرفة تشعر بضجر، أزداد حين دلف طوفان وأغلق الباب، إستدارت تنظر له بغضب قائلة بإستهجان:
إنتَ بتعمل إيه.
رمقها طوفان بنظرة متفحصة، قبل أن يميل برأسه قليلاً، والابتسامة لا تزال معلقة على شفتيه… قائلًا بهدوء مستفز:
داخل أوضتنا.
زفرت بضيق، قبضت على ذيل فستانها بقوة وكأنها تحاول أن تستمد منه بعض الثبات، ثم قالت بحدة:
أوضتنا، القصر فيه أوض كتير شوفلك أوضة تانيه نام فيها ،
ده جواز صفقة، إنت مفكره جواز بجد.
اقترب خطوة، مما جعلها تتراجع لا إراديًا… تأمل توترها للحظات قبل أن يجيب بصوت منخفض لكن يحمل من التهديد ما يكفي لإشعال الرهبة في قلبها:
حتى لو جواز صفقة فأنا ليا حقوق .
اتسعت عيناها للحظة، قبل أن تستعيد رباطة جأشها، متظاهرة بالتماسك، ثم رفعت ذقنها بتحدٍ وتحدثت بصوت ثابت:
حقوق… ها، واضح إنك……
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة، كصياد يُحكم قبضته على فريسته… لم يمنحها فرصة الحديث ، قاطعها مباغتًا يجذبها من خصرها،بعدما قطع المسافة بينهما في غمضة عين، بلحظة ضم شفتيها بين شفتيه يُسكت احتجاجها بقُبلة متملكة، سلبت أنفاسها، ثبتها بين ذراعيه عاجزة عن المقاومة.
لوهلة تصلبت في البداية، عقلها يصرخ بالأوامر للابتعاد، للرفض، لكن جسدها خذلها للحظة، كأنها علقت في دوامة أحاسيس لم تواجهها من قبل… نبضها تسارع بعنف، ويداها كانهم دِرع هش، ترددت بين الدفع والتشبث…. حتى عادت تُدرك ما يحدث، انتفضت بقوة، تحاول الإفلات، لكن ذراعيه شدد قبضته حولها، كمن يفرض سطوته بلا نية للتراجع… همست باسمه بانفعال، نبرة صوتها متأرجحة بين الغضب والاضطراب، فشعر برجفتها الطفيفة، لكنه لم يبتعد… وعاد يُقبلها… متملكً من شفتيها….مُحاولًا فرض سيطرته على تمرُد يديها اللتان تدفعه بهن، كاد أن يفرض هيمنته لكن رنين الهاتف قطع الأجواء كضربة قاسية أعادتها للواقع بعنف… تجمد كلاهما، أنفاسها المتقطعة تتلاحق، وصدره يرتفع ويهبط ببطء، كمن يحاول كبح شراسة رغبته غير المكتملة.
استغلت اللحظة، دفعته بيديها بقوة على صدره، فاختل توازنه لثانية، بما يكفي لتبعد عن ذراعيه، تلهث وكأنها خرجت من معركة خاسرة.
ابتسم ومد يده أخرج الهاتف من جيبه، نظر لشاشته ثم لها،لاحظ إرتجاف يديها تُحايد النظر إليه، وهي تُعطيه ظهرها ما زالت تشعر بحرارة لمساته تطبع أنفاسها، بصره المشتعل يلتهمها بصمت.
ضغط على زر الرد محاولة جلي صوته، يستمع لمن يحدثه، سريعًا أنهي الإتصال قائلًا:
تمام أنا نازل حالًا.
أغلق الهاتف ونظر نحو دُرة التى أعطته ظهرها ، لكن هو تخابث وذهب نحو الفراش جذب ذلك الرداء النسائي،ثم عاد يسير توقف خلفها مباشرةً، كظلٍ قائلًا بمكر:
ما تفكريش إنكِ هربتي… راجعلك تاني.
أنهي حديثه وجنب طرحة الزفاف عن عُنقها وضع قُبلة رقيقة على جانب عُنقها هامسًا:
مش هغيب كتير
هسيبك تغيري الفستان وتلبسي قميص النوم ده.
ترك الرداء بين يديها ثم غادر مُبتسمً يعلم أنها على شفى لحظة وقد تشتعل نارًا أو غضبًا، أو ربما بين الاثنين معًا… وقفت متسمرة، تنظر إلى ذلك الرداء الحريري بين يديها، أصابعها تنقبض عليه دون وعي، وكأنها تمسك بفتيل قنبلة على وشك الانفجار…زفرت نفسًا مرتجفًا، تشعر بالدماء تتدفق إلى وجنتيها بحرارة، بينما كلماته تواصل التردُد بعقلها ..كيف تركته يفرض سطوته بهذه السهولة،
رفعت عينيها إلى المرآة، فرأت انعكاسها… وجسدها ما زال يعلوه فستان الزفاف الأبيض،
أغمضت عينيها لوهلة، تحاول تهدئة أنفاسها، قبل أن تستدير ببطء، تنوي تغيير الفستان، لو ظلت
لحظة واحدة فقط… كفيلة بأن تشعل المزيد من الضيق في أنفاسها… بلحظة
نزعت عن رأسها ذلك الوشاح الأبيض وألقته بقوة فوق الفراش بغضب شديد،استدارت بعصبية، تحاول خلع الفستان بحركات مضطربة، وكأنها تنزع عنها أثر كلماته التي ما زالت تتردد في أذنيها…خلعت الفستان وألقته بجانب الوشاح على الفراش، ثم نظرت إلى الرداء الحريري الذي تركه لها، تأملته باشمئزاز، وكأنه رمز لهيمنته التي يحاول فرضها عليها… زفرت أنفاسها
بحِدة قائلة:
مفكر نفسه شخصية مهمة… ولا ملك متوج.
رفعت ذلك الرداء النسائي بين أصابعها، مترددة بين تمزيقه أو تجاهله تمامًا….فكرت تعرف جيدًا لو مزقته سيظن أنه إنتصر … القته هو الآخر على الفراش
زفرت مجددًا، ثم ذهبت نحو خزانة الثياب ارتدت رداءً آخر، أكثر تحفظًا، كنوع من التحدي الصامت… ذهبت إلى الحمام ،توقفت لحظات قبل أن تفتح الصنبور،غسلت وجهها وشفتيها بقوة ، تُزيل أثر قُبلاته،لكن مازال الغضب مرسوم ملامحها،خرجت من المرحاض بخطوات ثابتة، مرفوعة الرأس، لتواجهه كما يليق بها… بلا استسلام.
بينما قبل لحظات،عاد طوفان الى الجناح نظر نحو الفراش،ضحك حين رأي فستان الزفاف،كذالك ذلك الرداء النسائي الشبه عاري،بمكر خلع ثيابه وبقي بسروال داخلي فقط ينتظرها ، مسندًا ظهره على إحد حوائط الغرفة، وابتسامة تتراقص على شفتيه، وكأنه كان يتوقع كل ذلك… فاجئها قائلًا:
إيه غيبك فى الحمام كنتِ بتفكري فى إيه.
قالها بنبرة صوت مستفزه.. جعلها ترتجف من الخضة،إبتسم من شهقتها ينظر لها بوقاحة قائلًا:
فى عروسة تلبس بيجامة سودة ليلة الدخلة،بس تصدقي اللون الأسود ملك الألوان،وأنا كمان أهو لابس شورت أسود بخطين حُمر مطقم مع لون البيجامة بتاعتك،دي هتبقي ليلة….
-ليلة سودة، وكُل لياليك معايا هتبقى سودة.
هكذا قاطعته دُرة بتحدي، بينما بعين عاشقة إقترب طوفان بخطوات بطيئة يتلاعب بعصبية دُرة المُمتعة له، قبل أن يُفاجئها ويجذبها من خصرها يضمها لصدره العاري بتملُك، ينظر نحو شفتيها اللتان تطبقهما بقوة
بطريقة مُغرية بالنسبة له، لم يهتم وهو يُقيد حركة يديها يُقبلها بنهم عاشق مُتيم، ترك شفتيها ليتنفسا، تحدث من بين أنفاسه المُتلاحقة:
إحنا هنلعب الليلة عالخطين الحُمر…الليلة فيضان هيغرقنا مع بعض
يا ” دُرة طوفان”.
↚
قبل قليل بمنزل طوفان بغرفة الضيوف
جلسن كل من سامية وكوثر إنتهزن فرصة عدم وجود وجدان بينهن،استغلا الفرصة وبدأتا يغتبان معًا، تفوهت كوثر بنبرة إستنكار:
شوفتي بنت المصراوية والفُجر بتاعها، حتي مستنش يفوت سنة على موت ابوها وخطيبها اللى كان فى مجام چوزها، بس هجول ايه، هو طوفان اللى فرضها علينا كأن مفيش غيرها.
وافقتها سامية بحقد دفين قائلة:
بكره تتكبر وتتغطرس علينا،شوفتي
ده حتى مش طايقة توقف تسلم علينا زي الخلق…
توقفت سامية عن إسترسال بقية حديثها الجاحف حين دخلت عليهن شُكرية، غمزن لبعضهن، فصمتن وبدلن الحديث يعلمن أن شُكرية هي عين وأذن وجدان…
وجدان الذي دخلت عليهن هي الأخري سائلة:
جاعدين إكده ليه.
نظرن لبعضهن ثم تحدثت ساميه بتوضيح:
جاعدين لحد ما نطمنوا عالعِرسان.
نظرت لهن بإستهانه قائلة:
العِرسان أحرار، أنا طول الايام اللي فاتت كنت مشغوله وما صدجت الفرح خلص هطلع أرتاح تصبحوا على خير.
فهمن فحوى حديثها فنهضن بنزق،تحدثت ساميه:
ومين سمعك،هقوم انا كمان،بكره صباحية جود ولازمن نبجوا فايقين.
غادرن كوثر وساميه وهن يتغامزن بينهن،بينما نظرت شكريه لـ وجدان التى ترتسم ملامحها بالقلق،تعلم سببه بالتأكيد جود
تلك الرقيقة التى كانت مُرافقتها الأولى لا تعلم الخُبث.
❈-❈-❈
بمنزل والد حاتم بعد ذلك الترحيب الفاتر من والدته لـ جود ونساء عائلة مهران اللاتي إنصرفن،
اصطحبها إلى الدور الثاني للمنزل، بمجرد أن فتح الشقة شعر بوخزات قوية تعصف بقلبه بقوة، تلك الشقة تجهزت من أجل زواج أخيه وها هو القدر القاسي، هو من يتزوج بها، إبتلع تلك الغصه وتجنب ، ودعاها للدخول بإيماءة رفعت جود ذيل فستانها ودخلت، شهقت بخضة حين سمعت صوت غلق الباب بقوة
وقفت هي وسط الردها، بثوبها الأبيض الذي بدأ يثقل على قلبها أكثر من كتفيها… بسبب نظرة عيني حاتم التى تشعر أنها باردة، بينما هو إستهزأ من شهقتها قائلًا بحنُق:
معليشي الباب اتقفل جامد.
تحدثت بهدوء:
مش مهم.
نظرت له بتوتر من صمته حتى نظراته الحادة حاد بها عنها، تنحنحت ثم صمتت، إنتبه لذلك قائلًا:
طبعًا دي اول مرة تدخلي الشقه عندك أوضة النوم هناك أهي.
أومات بخجل،تشعر بالحرج يغمرها حتى أطراف أصابعها.
مشت بخطوات مترددة نحو الغرفة التي أشار إليها، بينما ظل حاتم واقفًا مكانه، يتابعها بنظرة مبهمة لا تستطيع أن تفك شفرتها، مزيجًا من الحِيرة وعدم الفهم.
وضعت يدها على مقبض باب الغرفة، ثم توقفت، استدارت نحوه رمقته وهو يجلس على احد مقاعد الرُدهة… أومأت ثانية واختفت داخل الغرفة، أغلقت الباب خلفها برفق، وأسندت ظهرها إليه، أغمضت عينيها تحاول تهدئة ضربات قلبها المتسارعة…
شعور غريب يعتصر قلبها… كأنها ضيفة غير مرغوب بها في بيت يُفترض أنه سيكون بيتها.
أما حاتم، فجلس على الأريكة الكبيرة في الرُدهة، وأسند رأسه إلى ظهرها، زفر بقوة كأنه يطرد كل ما يختلج في صدره من مشاعر متضاربة..
تمتم بصمت قبل أن يغلق عينيه، محاولًا استجماع شتاته قبل أن ينهض ويتعامل مع هذا الواقع الجديد:
قسوة القدر… لازم أتحملها.
طرق على باب الغرفة ثم دخل وجدها تقف بمنتصف الغرفة مازالت بفستان زفافها، تخفض وجهها حتى لا تنظر له، تهكم من ذلك الحياء المُبالغ فيه، توجه نحو الفراش وجذب تلك المنامة الخاصة به ونظر نحو حيائها قائلًا:
أنا هروح أغير هدومي فى الأوضة التانية خدي راحتك.
قال ذلك وتقدم نحوها ببطء، خطواته ثقيلة كأنها تسحق شيئًا بداخله مع كل خطوة حتى توقف أمامها للحظات، لوهله رفع يده، يشعر بإستهزاء من ذاك الحياء وصمتها
رفع وجهها بيده، ينظر لها مُتهكمُ حين لمس وجهها
انتفض جسدها خجلًا، رفعت طرف عينيها له بسرعة ثم اخفضتهما مجددًا، وكأنها تحتمي بصمتها من حِدته الظاهرة.
غصبً تحدث بنبرة أقل حِدة:
شوفي أنا عارف إن جوازنا تم بسرعة ومحدش فينا يعرف التاني كويس… أنا مش هاجبرك على حاجة… كل واحد فينا يعمل حساب للي جواه… لحد ما نشوف ربنا كاتب لنا إيه.
عضت جود على شفتها السفلى تمنع دموعها من الانهمار، ثم أومأت دون أن تنطق.
أدار حاتم ظهره لها، واتجه ناحية باب الغرفة دون أن ينظر لها وهو يتحرك نحو الباب
ثم غادر الغرفة دون أن ينتظر ردها، مغلقًا الباب خلفه بهدوء هذه المرة.
وقفت جود تحدق في الباب المغلق، تشعر أن هذه الليلة ليست الليلة التي حلمت بها يومًا ما، تحولت إلى امتحان مرير لصبرها وكبريائها.
ظلت لوقت قليل واقفة تستوعب تشعر بثقل رهيب على صدرها، كأن الغرفة بتضيق بيها رغم اتساعها…
لمست ذقنها بأطراف أصابعها كانها مازالت تستشعر حرارة لمسة يده… لمسة متناقضة، فيها شيء من التهكم، وفيها شيء من الألم… بخطوات بطيئه سارت نحو الفراش
جلست على طرفه… ضمت نفسها بذراعيها، تحاول تحتضن وحدتها وغربتها بين أربع جدران غريبة عنها…
رفعت رأسها تنظر حولها…
كُل شيء بالغرفة مُرتب لعروسين، لكن تشعر ببرودة… مرت لحظات ثقيلة قبل ان تحسم الأمر، خلعت طرحة الفستان ثم الفستان ارتدت منامه حريرية ناعمة بلون السماء وقت الغروب… غير تلك المنامة التى كانت موضوعه على الفراش، فردت خُصلات شعرها المتوسط الطول، وقفت أمام المرآة تنظر لانعكاس كل شئ بالغرفة… كأنها ظلال..
بنفس الوقت، كان حاتم يجلس على أريكة الرُدهة، يتكئ بيديه على ركبته، ورأسه مدفون بين كفيه.
يشعر كأنه يدور في معركة مع نفسه…
وعقله يتصارع مع باطن عقله:
مش ذنبها إنها أخت طوفان…
وباطن عقله يرد بمعارضة:
بس برضو مش قادر أتقبلها…
والصراع برأسه مُحتدم شعر بصداع،
زفر بقوة، ثم رفع رأسه، ومرر يده بين خصلات شعره المُرتبة بعثرها…
همس لنفسه وكأنه يحكم على قلبه بالقسوة:
الليلة دي تعدي… واللي بعدها ربنا يسهل.
بالفعل بدل ثيابه بالمنامه وعاود دخول الغرفه، كانت جود جالسة على الفراش نظر نحوها صراع بين القبول والرفض، بين القوة والضعف، بين القسوة واللين
لحظات حسمها سواد عقله، وهو يجذب جود بقوة من عُنقها، جعلها تشهق، لكن كتم تلك الشهقة بقسوة قُبلته، التى تألمت منها، حاول وحاول أن يكون قاسيًا، لكن فشل بذلك لكن لم يفشل فى نيل جسدها وهو يُعطي لها شعورًا بالنفور من ذلك، كأنه يفعل ذلك كـواجب ثقيل عليه، لا كحب يربطه بها.
كانت جود مستسلمة، لا عن رضا، بل عن صدمة، عن وجع داخلي أكبر من أن تترجمه الكلمات….
كل لمسة منه كانت كطعنة صامتة تشق كرامتها، كل قُبلة مسروقة كانت تبني جداراً من الجفاء في قلبها الهش.
انتهى حاتم أخيرًا، انسحب من فوقها دون كلمة، دون حتى نظرة، كأنه يُهرب من خطيئة ارتكبها…
استدار على جانبه الآخر من السرير، وأدار ظهره لها، يلتقط أنفاسه الثقيلة بينما جسده متيبس وقلبه متخبط.
ظلت جود مُمددة، عيناها تسبحان في السقف، دموعها تجمعت عند أطراف جفنيها لكنها رفضت أن تسقط،
لأنها أدركت أن سقوط دموعها يعني سقوط آخر معاقل كبريائها.
ضمّت الغطاء عليها بقوة، وكأنها تحتمي به من عالم تحطم فوق رأسها فجأة،
وتمنت من أعماقها أن يغيب وعيها، أن تتوقف روحها عن الإحساس، ولو لهذه الليلة فقط.
وفي صمتٍ خانق، استسلم كلاهما لـ ليل ثقيل، لم يكن يشبه ليالي العشاق التي كانت تحلم بها جود،
ولا يشبه البداية التي تمناها حاتم أراد كسرها، لكن فى نظره كان هينًا معها…
لم يستوعب أن ما حدث كان
لقاء جسدين، ولكن فراق روحين… منذ اللحظة الأولى.
❈-❈-❈
تسللت ساعات الليل ببطء،
مع بداية شعاع نهار جديد
فتح عيناه نظر نحو تلك الغافية على مُعصم يده،سحبه بهدوء… إتكئ براسه على إحد يديه يتأمل ملامح دُرة الغارقة فى النوم، ابتسم وهو يتذكر ليلة أمس بعدما جذبها ظل يُقبلها بشغف عاشق… كأن أنفاسها الهواء الذي لا يستطيع العيش بدونه…
مدّ يده برفق يُبعد خصلة شعر انسدلت على وجنتها، تنهد وهو يهمس في سره:
هي التي استطاعت أن تحولني لهذا الرجل… رجل يتلهف لصباحٍ يشرق على ملامحها.
ظل يتأملها وكأن الزمن توقّف عند هذه اللحظة….لحظة قناعة أنها أثمن ما امتلكه بحياته.
انحنى برأسه، طبع قبلة هادئة على جبينها، وهمس بإسمها:
دُرة…
تحركت بخفة وهي نائمة، كأنها ردت على همسه بتلك التنهيدة الخارجة من قلبها، فابتسم وأكمل تأملها، يعلم إن وجودها جواره مثل،حنين الوطن فى قلب المُغترب.
…مد إيده وضمها لحضنه بحذر، كأنها كنز يخاف يوقظها فتعود لعنادها…
قرب وجهه من أذنها وهمس:
ياريت الزمن يقف كده… على دفا قلبك، على نبضك اللي ساكن صدري.
كأنه شعر بنبض قلبها يجاوبه بما رغب…
تأمل شفاها المضمومة وعينيها المُغمضة
عاد الى عقله ذكري بعيدة كانت بغيضة… أول إحساس له يشعُر بالخوف فى قلبه
زفر نفسه بضيق كأن تلك الذكري لا تزال تؤلمه رغم مرور السنين…
لم يكن صغيرًا حينها،كان ببداية الشباب لكنه كان أضعف من أن يُعبر عن مدى ألمه وقتها… ما زالت تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم عالقة،بل ذكريات تلك الفترة العصيبة…، كأن الزمن يعود يطن برأسه صرخاتها المكتومة ذلك اليوم
قبل سنوات وهو بعُمر التاسعة عشر، بأجازة الصيف الذي يقضيها بالبلدة، كان هنالك وعدًا باللقاء بينه وبين دُرة ذلك اليوم بعدما تقابلا صباحً بفناء منزل “الشيخ عرفة” سيتقابلان عند ذلك النبع الذي يتوسط تلك الاراضي..
هو وصل أولًا وكان الطقس حارًا ذهب نحو ذلك النبع يغسل وجهه وراسه بالمياة، ظل مُنتظرًا، لكن صدفة أو قدر قبل أن تصل دُرة وصل حسام الذي رأي طوفان يسكُب المياة فوق رأسه إقترب منه مُتهكمً بإستهزاء قائلًا:
واقف هنا ليه، كمان مش طايق الحر، قعدتك فى مصر فى الطراوة والتكييف خلتك مبقتش تتحمل حر المنيا.
نظر له طوفان بلا إهتمام قائلًا:
حر… فين الحر ده، إحنا فى العصاري وبين الغيطان، كل الحكاية كنت بشرب من النبع، ولاقيت مايته دافيه من الحر عجبتني قولت أغسل راسي… بس إنت إيه اللى جابك هنا دلوق.
شعر بالغِيرة قائلًا:
أرض خالي وكمان عمتي، هنرش الأرض عشان الشجر فيه حشرات ضارة، ناسي إني بدرس فى كلية الزراعة.
لم يهتم طوفان، لكن دار بينهما جِدال غير مُتآلف به بعض النفور ، كل منهم يتبادل عدم الأهتمام للآخر ، واكتفوا بتبادل النظرات المتحفزة والردود المقتضبة… حتي رأي طوفان وصول أحد الفلاحين بماكينة رش مُبيد زراعية، ذهب حسام نحوه دون مُبالاة لـ طوفان تحدثا قليلًا ثم دخلا الى داخل الأرض بينما ظل طوفان يُراقب الطريق من الجهتين فى إنتظار دُرة التى تأخرت حتى ظهرت على الطريق توقف ينظر نحوها مُبتسمً وقف حتى وصلت
توقفت أمامه تلهث قائلة:
معرفش مش متعودة على نوم القيالة، بس نعست إزاي معرفش.
ضحك يخفق قلبه قائلًا:
نوم العوافي، كنت هستناك حتى لو الدنيا ضلمت.
كانت طفله بعُمر الثالثة عشر لكن تشعُر بالاُلفة مع طوفان، ربما السبب ثقتها بالشيخ عرفه الذي دائمًا ما يمدح بأخلاق طوفان وأنه تلميذه الذي يفتخر به، ظلت بينهم بعض النظرات للحظات قبل أن يقطع ذلك الهُدهُد الذي نزل يشرب من مياه النبع الراكدة، نظرت دُرة نحوه ثم إبتسمت قائلة:
فاكر حكاية الهُدهد اللى الشيخ عرفة فسرها لينا.
أومأ قائلًا:
هُدهد “سيدنا سُليمان”.
ابتسمت قائلة:
الشيخ عرفة حكاياته كتير من القرآن كمان قصص تانية.
وكلمه تسحب كلمة تكتمل الجُملات بينهم بحديث بلا ترتيب فقط، يجلسان على ذلك الطرف الخراساني ونسمة العصاري، حتى وصل والد دُرة نظر نحوهما وابتسم ودُرة تنهض نحوه مُبتسمه، ضمها أسفل يده حتى توقف أمام طوفان الذي إبتسم له بقبول، كذالك طوفان بينما دُرة تحدثت ببراءة:
أنا وطوفان كنا بنتكلم عن حكايات الشيخ عرفه اللى بيحكيها لينا فى الدرس.
إبتسم مختار، لكن نظر نحو الأرض قائلًا:
حسام إتأخر، وإتصلت عليه مش بيرد، كويس إنه إتأخر، أنا عرفت إن المبيد اللى قال عليه فيه نسبة سموم.
تحدث طوفان بتلقائية:
حسام وصل من زمان وكمان عامل كان شايل مكنة رش والإتنين دخلوا الأرض.
نظر مختار نحو الارض بفزع قائلًا:
نزل من زمان.
أجابه طوفان:
من حوالي نص ساعة كده.
زفر مختار نفسه قائلًا:
أكيد لسه مبدأش رش فى المُبيد، أكيد لسه بيحل المُبيد بالمايه عالطرف التاني للارض انا هروح من الناحية دي وإنت يا طوفان روح من الناحية التانيه ولو وصلت له قبلي قول له خالك بيقولك أوعي ترش الأرض… وإنتِ يا دُرة خليكِ هنا لحد ما نرجع.
اومأت دُرة، وإمتثل طوفان وذهب للناحية الأخري، ظلت دُرة تنتظر لكن رأت أحد يسير بين الأشجار يحمل ماكينة رش يرفع خرطوم يرش الأشجار، نظرت للطريق، ثم حاولت النداء على والدها، لكن لم يأتي لها رد حسمت القرار ونهضت توجهت ناحية ذلك العامل، دخلت الى الأرض بين الأشجار، سُعلت بقوة حين دخل الى أنفها تلك الرائحة الكيماوية، لكنها وضعت يدها فوق فمها، وحاولت نهي العامل، لكن العامل لم يمتثل وإدعي عدم سماعها واكمل رش المُبيد بل أزداد فى دفعه، حين إقتربت منه، حين تحدثت إندفع بخرطوم الماكينه نحوها بالخطأ، صرخت بقوه عِدة صرخات وهي تشعر بالإختناق حتى أن سُعالها تحول الى دفعات دماء تخرج من فمها،لاحظ العامل ذلك كاد يقترب منها لكن هلع حين سمع صوت طوفان الذي سمع صرخات دُره وتوجه نحو الصوت حتى أقترب منها، هرب العامل خوفً، بينما جسد دُرة لم يتحمل وتمددت أرضًا تفقد الوعي ببطء، حتى وصل طوفان لمكانها، للحظة حين إستنشق رائحة المُبيد كاد يختنق لكن وضع يده فوق أنفه وفمه، وهو مازال يقترب، توقف للحظة يشعر بذهول حين رأي دُرة ممددة أرضًا وبقايا دماء تندفع من صدرها،تلهث بإنقطاع نفسها….نفض الذهول وذهب نحوها سريعًا،لوهله كاد يختنق،خلع قميصه وقام بشقه الى نصفين وضع النصف حول فم وانف دُرة،والنصف الآخر حول فمه وأنفه… ولم يتردد للحظة قام بحملها،وهرول بين الاشجار حتى خرج من الارض
بنفس الوقت…
وقف مُختار يُعنف حسام بأنه أخطأ برش ذلك المُبيد، لكن تركه حين سمع صرخات دُره، توجه الى خارج الارض وخلفه حسام
بينما وضع طوفان دُرة، جوار ذلك النبع وخلع عنه قطعة القميص وذهب نحو النبع بللها ثم قام بعصرها وعاد ينزع نصف القميص عن وجه دُرة وحاول مسح تلك الدماء، لكن كان وجه دُرة وحركة صدرها مثل التى تحتضر، بنفس الوقت وصل مُختار وخلفه حسام، تلهف مُختار بفزع وهو يقترب من دُرة، بينما لم يستطع حسام الصمت وذهب نحو طوفان قام بلطمه على كتفه وإتهامه بإيذاء دُرة، لم يُبالي طوفان، بل نظر نحو مختار الذي يشعر بقلق عارم وهو يحاول إفاقة دُرة التي تنقطع انفاسها ببطئ، نظر نحوهما ولم يهتم لهما وحمل دُرة يهرول سريعًا نحو سيارته المصفوفه على أول الطريق، ذهب خلفه حسام متوعدًا لـ طوفان:
لو جرالها حاجه مش هيكفيني عُمرك يا إبن نوح مهران.
نظر له طوفان بلا مبالاة،كُل تفكيره بـ دورة،لحق بهما،حتى وصل الى سيارة مُختار،وضع مختار دُرة بالمقعد الخلفي،بينما صعد حسام فى المقعد الأمامي…نظر له مختار سائلًا:
إنت بتعرف تسوق يا حسام.
هز رأسه بنفي،نظر مختار نحو طوفان الذي وصل،تحدث سريعًا:
انا بعرف أسوق ومعايا رخصة موثقة.
تحدث له مختار وهو يصعد جوار دُرة قائلًا:
انزل يا حسام خلى طوفان يسوق العربية.
إغتاظ حسام من ذلك ولم يترجل من السيارة بل إعتدل جالسًا على المقعد الآخر وصعد طوفان وجلس خلف المقود،يقود بسرعة عالية حتى توقف أمام أحد المشافى،ترجل مختار سريعًا يحمل دُرة الى داخل المشفى…
لحظات وخرج أحد الاطباء قائلًا:
دي حالة تسمُم عن طريق التنفس، إتنفست مُبيد بدرجة مباشرة وبكمية كبيرة دخلت صدرها، دلوقتي هندخلها العناية على جهاز التنفس وهنعمل إشاعة نحدد الضرر واصل لفين.
اومأ له مختار، بينما إقترب حسام من طوفان بغضب وكاد ينهره حتى يُغادر لكن سبقه مُختار بنظرة لوم قائلًا:
روح يا حسام أنا هفضل هنا.
بخزي إعترض حسام قائلًا:
أنا هفضل معاك يا خالي،طوفان هو اللى هيمشي…هو الغريب اللى هنا.
نظر مختار نحو طوفان،إستشف من ملامحه حقيقة قلقه على دُرة…لكن تحدث له:
شكرًا كتر خيرك يا طوفان،مالوش لازمة وجودك هنا،مرة تانية شكرًا لك.
بداخله ود البقاء،لكن نظرات حسام له ببُغض جعلته يستسلم غصبً.
مرت أيام ودُرة مازالت غافية لو نزعوا عنها تلك الانابيب الموصوله بفمها وأنفها لإنتهت حياتها…يعلم أخبارها من بعيد حتى حسم قراره وذهب الى المشفى،دفع لأحد العاملين بالمشفي مبلغً من المال،كي يُسهل له رؤيتها بالفعل دخل الى غرفة الرعاية،غص قلبه بل كاد ينفجر بداخله وهو يرا دُرة التى كان جمالها واضحً، شبه إختفي رونق وجهها حتى إنطفات بعض ملامحها،تنهد بألم مُماثل لها،
هنا لاول مرة فهم حقيقة مشاعره نحو دُرة هو يعشقها،تملكت من قلبه الفتي….ايام مرت وعلم أن دُرة بدأت تمتثل للعلاج وأنها خُلق لها عُمرًا آخر…. يُراقبها من بعيد حتي لا يترك فُرصة لـ حسام بإفتعال الشِجار معه، حتى علم أنها شبه تعافت لكن ذلك التسمُم ترك اثرًا لن يزول لكن هنالك علاج له عبر إستنشقاء أدوية موسعة للشُعب الهوائيّة برأتيها..
عاد على حركة يدها التى تحركت لا إراديًا منها وضعتها على صدره، إبتسم وهو يتذكر قبل ساعات
ظل يُقبلها بشغف وهي لوقت فقدت الادراك وامتثلت لقُبلاته، لكن فاقت حين شعرت بيديه على جسدها تخترق منامتها، شعرت بخزي من نفسها لكن عاندت ودفعته بيديها تدعي السُعال، تبسم طوفان وتركها وذهب ببطئ نحو طاولة جوار الفراش فتح أحد الأدراج وجذب تلك العلبة الدوائية، وجهها نحوها، أخذتها من يده وبالفعل رغم أنها لا تحتاج لها لكن بإدعاء منها أخذت الدواء وقامت بإستنشاق،ابتسم طوفان وهو يجذب قميصه وإرتداه هو فقط،وأشار لها بيده قائلًا بخباثة:
خلينا ناكل صنية الإتفاق.
نظرت نحو الطعام،رغم أنها جائعة لكن عاندت قائلة:
مش جعانة،أنا….
بلا إنتظار جذبها من يدها قائلًا بمرح:
حتى لو مش جعانة دي صنية الإتفاق ولازم ناكلها سوا عشان نتفق.
نظرت له بحنق وهي تحاول جذب يدها قائلة:
ده شئ مستحيل،سيب إيدِ.
لم يمتثل وجذبها جلس أولًا،وأرغمها على الجلوس،ترك يدها وبدأ بتناول الطعام،عاندت فى البداية لكن هو يتعامل معها كأنها طفلة يُرغمها أحيانًا وأحيانًا بالترغيب،حين تلذذ من مذاق الطعام،امتثلت وتناولت الطعام،كان الحديث شبه صامت حتى إنتهت أولًا من الطعام،نهضت قائلة:
هروح أغسل إيديا وأنام.
إبتسم حين عادت بعد قليل،تعمد عدم المُجادلة معها…
لكن نظر نحوها وهي تُزيح دثار الفراش وتمددت عليه،ذهب نحو الحمام عاد بعد قليل بمشاغبة منه أطفئ الضوء وترك نور خافت ثم إستلقي على الناحية الفراش،إلتقطت نفسها وإعتدلت جالسه تقول بغضب:
إنت هتنام هنا عالسرير…
قاطعها مُبتسمً بغمز قائلًا:
تصدقي نسيت إننا لازم نصلي الأول.
قبضت على يديها الإثتين بقوة ورمقته بغيظ ثم جذبت الدثار قائلة:
هروح انا أنام عالكنبة وبرطع إنت عالسرير لوحدك.
قبل أن تنهض من فوق الفراش، جذبها طوفان بقوة غصبًا، فتمددت على الفراش، وهو يطُل عليها بعينين يشتعلان بغرام متحدثً بصوت خافت مُهدد:
تفتكري نومك عالكنبة ممكن يبعدك عني… أو يمنعني عنك.
مد كفه وخط بأنامله فوق ملامح وجهها المرتجف، ثم تمتم بأشواق محبوسة:
إنتِ ملكي يا دُرة.
أنهي قوله ولم ينتظر
بل انحنى فوقها، محاصرًا إياها بين ذراعيه، حتى خفق أنفاسه الساخنة فوق شفتيها المرتجفتين.
ارتعشت في مكانها، تشهق بغضب مكتوم، فمال أكثر وهمس بخشونة كادت تلهب جلدها:
ومش هسيبك… ولا ليلة.
عقدت حاجبيها بغضب ودفعت صدره براحة يديها المرتجفتين، لكنه لم يتحرك.
بل أمسك بمعصميها برفق ، وتحدث بنبرة رجاء وعيناه تنظران لعينيها:
كفاية عناد بقى… إنتِ ليا…
ارتجفت عيناها بغصة مكبوتة، لم تعرف أكانت الرهبة من اقترابه أم من جنون شيء بداخلها يخذلها ، لكنها تماسكت بكل ما تبقى بها من كبرياء.
همست بعناد بصوت مبحوح وهي تحاول سحب يديها من قبضته:
مش من حقك… سبني وإبعد عني.
أخفض رأسه أكثر حتى التصق جبينه بجبهتها، وعيناه تغوصان في عينيها المتوهجتان، قائلًا بنبرة صلبة لا تحتمل الجدل:
لا… من حقي… ومن حقك كمان يا دُرة.
شهقت بحنق ، فشدها إليه فجأة، يستلقي على الفراش حتى سقطت فوق صدره… مرر يده في شعرها ببطء، كأنما يروض بها عاصفة المقاومة التي تشب بينهما، ثم همس بحنو:
كفاية عِناد..
شهقت أنفاسها بعنف، وعيناها تتسعان، قبل أن يسحبها بقوة إليه، يحتضنها بين ذراعيه كمن عثر على كنز ضائع ولن يفرط فيه مجددًا…
قاومت للحظات، تحاول التملص من بين ذراعيه، لكن قبضته كانت أدفأ من أن تُقاوم، ونظرة عيناه أصدق من أن تُكذب…
خارت قواها شيئًا فشيئًا، وكأنها تغرق في حضنه، تستسلم رغمًا عنها لدفء لم تعرفه يومًا…. أغمضت عينيها ، وارتخت أطرافها فوقه، كأنما أسلمت أمرها لعاصفة لا تقوى على مواجهتها.
شعر بإمتثالها بين يديه، فابتسم بخفوت، وهمس قرب أذنها بنبرة تحمل بين طياتها انتصارًا وعشقًا:
بحبك يا دُرة.
شعرت بحرارة كلماته تسري تحت جلدها، فأطلقت تنهيدة طويلة متعبة، كمن حارب طويلًا ثم أخيرًا استراح… لم تتكلم، لم ترد، فقط دفنت وجهها في صدره، تشتم رائحته التي لطالما أنكرت تأثيرها عليها.
ضمها بقوة أكبر، كأنه يخشى أن تذوب منه، وهمس مجددًا بوعود لم تنطقها الكلمات، لكن حملت تنهيدته بكل وضوح.
في تلك اللحظة، أيقن أنها خُلقت لتكون له، مهما ادعت العكس
داخل صدرها، كانت الأعاصير مُستعرة… صوت العقل يصيح بغضب:
لكن صوت قلبها كان أهدأ، أقوى…
شعرت بكل جدار شيدته حول قلبها يتهاوى،
كل قيد فرضته على مشاعرها ينكسر،
بين ذراعيه، لم تعد البطلة العنيدة، ولا المرأة الخائفة من الانكسار.
كانت فقط… أنثى .
ارتجفت شفتاها ، فرفعت عينيها المرتبكتين نحوه، تقابلت نظراتهما،
عيناه تفيضان عشقًا واحتواءً، حتى غرقت في بريقهما،
ودون أن تدرك، امتدت يدها المرتجفة ولمست وجنته بأنامل خجلى، كأنها تتحقق من وجوده، كأنه حلم قد يتبخر.
ابتسم بخفة، وأطبق كفه فوق يدها، يدفئها براحة كفه، ثم طبع قبلة رقيقة فوق أطراف أصابعها،
همس فوقها بشغف مُحتدم:
أنتِ ليا… وإحنا مع بعض… للأبد.
توردت وجنتاها بحمرة الخجل، وأغلقت عينيها في خضوع ناعم، بينما ذراعيه تضمها أكثر…
في تلك اللحظة، أيقنت أنه مهما حاولت الهرب من قدرها، فمصيرها كان دومًا أن تكون له..
بعد فيضان من الغرام إستلقي على الفراش جذبها على صدره يعلم أنها مازالت بغفوة هادئة من الإرهاق أغمضت عينها دون وعي منها، غفي هو الآخر
وها هي
تتململ بين ذراعيه،تفتح عينيها ببطء،رفعت رأسها قليلًا تشعر بأنفاسه،كذالك ملامح وجهه قريبة للغاية، يضمها لصدره،صدح صوته فى أذنيها وهو يبتسم:
صباح الخير… صباحية مباركة يا عروسة.
لحظات تنظر له يستوعب عقلها كآنها كانت بغفوة وعادت للوعي سحبت نفسها من حضنه بخفة، تسحب الغطا على جسمها، وقالت بنبرة عدم تصديق سائلة:
هو إيه اللي حصل…مستحيل أنا مكنتش في وعي.
نظر لها نظرة ساكنه للحظات يشعر بغصة فى قلبه ثم تحدث بهدوء ظاهري:
درة كفاية أنا مغصبتش عليكِ ولو كنت حسيت للحظة واحدة برفض من ناحيتك مكنش كملت.
جذبت الغطاء وقع بصرها على تلك البُقعة الظاهرة على الفراش،
شعرت ببرودة تزحف لجسدها، ويديها لا إراديًا شدت الغطاء أكتر حوالها
عيناها اتسعت بالغضب، وضربات قلبها أصبحت طبول مدوية في صدرها.
ظل للحظات مكانه علي الفراش ملامحه تشتد، من رد فعلها المُبالغ فيه، لحظات ونهض هو الآخر إقترب منها وكاد يضع يديه عليها لكن منعته بقسوة:
متلمسنيش كفاية.
حاول التمسُك بالهدوء، وضع يديه حول عضديها يقبض عليهما بقوة قائلًا بهدوء عكسي:
صباحية مباركة،هتدخلي تاخد شاور الأول ولا أدخل أنا…. ولا ندخل إحنا الاتنين سوا.
نظرت له بعضب من بروده لو ظلت أمامه قد تختنق، توجهت نحو الحمام بصمت لكن بغضب صفعت الباب قويًا فإرتج ولم ينغلق،عادت تغلقه وهي تتحدث بضجر،لوهلة تبدل ما كان يشعر به من غضب مكتوم الى ضحكة من عنادها الطفولي، الذي ربما كسر حِدة ما كان يشعر به من غضب… إنحني يجذب قميصه من على الارض وإرتداه واغلق بعض الأزرار بعشوائية،توجه نحو طاولة جوار الفراش جذب علبة السجائر والقداحة وتوجه نحو شُرفة الغرفة،فتح بابها، وخرج من الغرفة، كانت الشمس مازالت تستطع، أشعل إحد السجائر نفث دخانها كانه يطرد ذلك الغضب من داخله… يُقارن عقله بين إستسلامها له ليلًا، وجفاف حديثها قبل لحظات، زفر نفسه فكما توقع دُرة كما هي حين تود الهروب من والتنصُل من أفعالها تُهاجم ويتحكم برأسها العِناد، لكن رد فعلها هذا مس رجولته، لو لم يتحكم بغضبه معها، لكان أجبرها وأخذها الآن فى الفراش غصبً كعقاب، لكن … لكنه ليس ذاك الوحش الذي تنفر منه، ولا يريد أن يكسرها فينطفئ بريقها الذي يأسره…
شد قبضته على السيجارة حتى سقط رمادها، وأغمض عينيه يحاول كبح جماح رغبة تشتعل بداخله، رغبة في أن يُخضعها له مرة أخرى، لا بالقوة، بل بالاشتياق.
فتح عينيه ببطء، نظراته تحمل مزيجًا من الغضب والتحدي، وقسم على نفسه أنه سيجعلها تعود إليه برضاها، بلهفة قلبها قبل جسدها…
درة، تلك العنيدة، لا تعرف أنها حين تهرب تزيده تعلقًا، تزيده شراسة في امتلاكها بطريقته الخاصة…. طوح السيجارة بعيدًا، وعاد الى الغرفة بخطوات بطيئة،، كل شبر فيها يشهد على لحظاتهم، على ضحكتها، على استسلامها الذي كان يفجر رجولته نشوة، فكيف لها الآن أن تجحد كل ذلك بجفافها وكلماتها الباردة… قبض على أطراف الستائر بعنف، ثم تركها لتتراقص مع تيار الهواء، وكأنها تهزأ بضعفه أمامها.
زمّ شفتيه بعناد مرير… وصورتها في ذهنه، شعرها المتناثر فوق الوسادة، عيناها نصف المغمضتين تحت وطأة الغرام، شفتيها حين كاتت تهمس باسمه بنعومة وكأنها تغرسه في أعماقها…
ارتج جسده كله لرغبة لا تحتمل، لرغبة في كسر عنادها تحت وطأة حب يوجعه…. لكنه أخفض رأسه، ابتلع ألمه، وعاهد نفسه أن يعاقبها بطريقته…
لاحظ غيابها بالحمام، فكر، ثم ذهب نحو باب الحمام قام بالطرق عليه قائلًا بإغاظة وإيحاء:
دُرة غيبتي كده ليه… تحبي أدخل أساعدك فى حاجه.
لم يأتيه ردها، فعاود الحديث بمرح لكنها
بالداخل
قد إنتهت من أخذ حمام، ذهبت نحو تلك المرآة نظرت الى إنعكاس جسدها، رأت تلك العلامات فوق صدرها ويديها، تحدثت بغضب:
الحقير قاصد إنه يسيب العلامات دي عشان يفكرنى أنه إمتلكني بمزاجي، موهوم.
أثناء ذلك سمعت طرق على باب الحمام شعرت بغضب، نظرت حولها لم تجد سوا مُئزرين قُطنيين، أحدهما نسائي والآخر رجالي… جذبت النسائي وإرتدته وأغلقته بإحكام وفتحت بعصبيه، لعدم إنتباهها أصتطدمت بـ طوفان،
عادت للخلف بتلقائية كادت تتعثر وتسقط أرضًا لكن جذبها طوفان من خصرها عليه، شهقت وهي تتنفس بقوة ثم قامت بدفعه بعصبيه، تركها بلا مشاغبة وتوجه نحو الحمام وأغلق الباب بوجهها… شعرت بغضب.
مر وقت طويل، منذ ان تركها بالغرفة دون سبب، ظلت وحدها تشعر بالضيق والضجر، حاولت إشغال وقتها بالهاتف الخلوي، كذالك التلفاز، لكن لم يجد ذلك نفعًا…
القت الهاتف وجهاز التحكُم على الفراش تعتصر الوسادة بيديها، لكن بذلك الوقت سمعت صوت فتح مقبض الباب، سريعًا قبضت على هاتفها وإدعت الإنشغال به ولم تُعطي إهتمام لدخول طوفان، الذي رمقها وهو يبتسم،
ثم توجه نحو خزانة الثياب أخرج له ثياب خروج وضعها على أحد المقاعد وبلا إهتمام، نزع ثيابه المنزليه، وقام بإرتداء تلك، لوهلة نظرت نحوه، كان شبه عاري، شعرت بالخجل حادت بنظرها عنه، ضحك حين لاحظ ذلك… لكن حين وصل الى أنفها ذلك العِطر نظرت نحوه مرة أخري، كان إنتهي من إرتداء ثيابه لم تستطع الصمت وسألته:
إنت خارج.
أوما لها برأسه قائلًا:
أيوه.
نهضت من فوق الفراش سائله:
وممكن أعرف خارج رايح فين بقي دلوقتي.
إبتسم وهو يتوجه نحو باب الغرفة قائلًا:
رايح لـ جود أختي أصبح عليها، واجبي كأخوها.
لم يقول أكثر من ذلك وغادر، شعرت بضيق وهي تضغط على أسنانها بقوة تقول بتكرار:
واجبي كأخوها… ياااارب…
صمتت حين فتح الباب مره أخرى ودخل توجه نحو ذلك المقعد قائلًا بإختصار:
نسيت موبايلي.
أخذه وهو يرمقها ببسمة ثم غادر مره أخري يغلق خلفه الباب، بينما هي تشتعل عصبيتها.
❈-❈-❈
بعد وقت قليل
بمنزل والد حاتم
رغم فتوره في التعامل معها، إلا أنه رحب بوالدتها كذلك، طوفان تبادل الإثنين النظرات معًا، كل منهما يحمل خليطًا من التحفُّظ والترقُّب للآخر… في تلك اللحظة، عن عمد منها صعدت بدرية إلى الشقة، فأستقبلها حاتم بحفاوة، كذلك جود، لكن فجأة تصنمت جود لوهلة حين رفعت بدرية يدها عن عمد، دعوة صريحة لها كي تُقبل يدها.
في تلك اللحظة، وقف طوفان بتركيز، مُتهيئًا لرؤية رد فعل جود.
نظرت جود نحوه نظرتة كانت قاسية، عينيه تحمل رسالة لا تحتاج للكلمات، كأنه يخبرها
لا تنحني لأحد مهما كان..
فهمت مغزى نظرته فورًا، وعينيه لم تفارقها، ينتظر اللحظة الحاسمة.
وبالفعل، لم تنحني جود، بل مدت يدها بكل هدوء وصافحت بدرية مصافحة عادية، كأنها تجسيد لرفضها الخضوع لأي غطرسة قد تُقلل من شأنها.
ابتسم طوفان بنظرة دعم ومساندة، كأنه يقول لها بصمت:
لن اسمح لأحد بأن يجرح كرامتك، ولن تسمحي لنفسك أن تنحني أمام أحد مهما كانت مكانته.
أنقلب الموقف أصبح مشحونًا بالتوتر، لكن جود استطاعت أن تثبت نفسها وتخرج من المأزق بكبرياء لا يشوبه أي تردد أو تخاذُل.
↚
القاهرة
فقدت الإدراك من هول الصدمة ثواني دقائق كأنها بعالم خالي من الحياة.. الأصوات من حولها خافتة، متقطعة، لا تسمعها كأنها تحت الماء. نظراتها شردت في الفراغ، أنفاسها تعلقت بين حلقها وصدرها، وكأن الهواء قد اختنق فجأة…اهتزت الأرض تحت قدميها، تصدعت جدران روحها وارتجف قلبي بقوة موجعة كأن كل نبضة سكين يغرس في صدرها. لم تعُد تُفرق بين دموع عينيها… والعرق البارد الذي يتصبب بغزارة على وجهها
صرخة مكتومة احتبستها داخلها، تتلوى تبحث عن مخرج، لكنها سجينة الخرس والعجز…
كل شيء من حولها بات بلا لون، بلا صوت، بلا معنى… كأنها في وسط العاصفة، مجرد بقايا إنسان.
فاقت من تلك المشاعر المُهلكة لقلبها حين اهتز ذلك الهاتف بيدها، نظرت له، كانت رسالة… لم تستطع فتحها، عينيها المبللتان أعاقتا الرؤية، لكن الفضول الذي يسكن قلب كل امرأة مجروحة كان أقوى من الانهيار…. عاودت النظر إلى ذلك الخبر، وبعض الصور المُرفقة…. خبر، ربما لو كانت قرأت عكسه، لما شعرت بكل ذاك الألم الذي ينهش كل خلية بجسدها… عاودت عينيها قراءة ذلك الخبر:
“زواج رجل الأعمال طوفان مهران، والحفل أُقيم في الصعيد مكان نشأته… حضور نخبة من الشخصيات اللامعة… والعروس طبيبة من نفس البلدة”
تجمدت أصابعها، واتسعت عيناها بذهول لم تُجيده حتى في أسوأ كوابيسها…
تاهت نظراتها بين الصور… ابتسامته الصافيه والغَريبة عليها، معها بسمته كانت تشعر أنها مُتكلفة
الان يضحك بتلقائية صافية
تسللت دمعة ساخنة من عينيها، ترددت، ثم لحقت بها أخرى كأنها تنهار واحدة تلو الأخرى، مثلها تمامًا… تنهار على مهل…يسأل عقلها:د يعني أنا كنت مجرد محطة… لاء كنت نزوة.
قلبها لم يخذلها فقط، بل تحالف عليها هي الآن تتنفس وجعًا لا يُروى… انكمشت أكثر، كأنها تحاول الاختباء من واقع يصفعها، لكنها فجأة شهقت شهقة عنيدة، ومسحت دموعها بظهر كفها قائلة في سرها:
أنا مش هنهار… واضح أوي إنى رخصت نفسي وأستاهل لما قبلت بعرضه للجواز العرفي، فكرت مع الوقت هقدر أجبره يعلن جوازنا عالملأ بجواز رسمي، لكن واضح…
توقفت تستذكر، هي من كانت تفرض نفسها عليه حتى فى علاقتهم الحمِيمية كانت تشعر أنه معها جسدًا فقط، لم يكُن يقع فى براثن إغرائها كما كانت تظن، بل كان يُعطيها القليل وبفتور منه، ويدفع مقابل ذلك أموال ربما كان يتعمد فعل ذلك، حتى قالها لها واضحة لم يأخذ منها شيء بلا مقابل أعطاه لها أضعافً.. لم تكُن تُريد ذلك الثمن أرادت الحصول على قلبه لكن لم تتمكن منه، كان خطأ حين أستسلمت لرغبته بالطلاق بينهما بسهولة، ظنت ان ذلك مجرد وقت فقط وسيعود لها، لكن ما هذا الذي تراه أمامها زواج علني من أخري، طبيبة، توقفت للحظات وعادت تتمعن فى الخبر، أيضًا الخبر به جزء آخر زواج شقيقته من قريب زوجته
معه بنفس الليلة… خدعها عقلها:
يمكن الجواز ده تم بالبدل ومفيش مشاعر معتقدش طوفان عنده مشاعر…
كذبها قلبها:
إعترفي أوقات كان بيهمس بإسم غيرك وإنتِ نايمة فى حضنه، عمره ما غلط وقالك كلمة حُب، بلاش أوهام…
صرخ عقلها بغباء ينهر قلبها الضعيف… لكن لن تستسلم وإن كانت وافقت على نهاية وِدية بينهما….
حسمت أمرها وخرجت من ذلك الموقع الذي نشر الخبر، فكرت بتسريب خبر أو إشاعة زواجه سرًا بأخري ربما يكون لها تأثيرًا فى زعزعة زواجه.
بالفعل قامت بإتصال هاتفي، بغنج منها سربت تلميحات يفهما الآخر.. اغلقت الهاتف تقبض عليه بيديها بقوة، رغم ألم قلبها لكن تشعر بأمل قادم.
❈-❈-❈
بمنزل حاتم
عاد طوفان إلى جلسته مرة أخرى، وعيناه مُلعقتان بجود التي ابتسمت له بتفهُم هادئ… في المقابل، شعرت بدرية بغصّة من الحقد… كانت تود أن تُثبت سيطرتها على جود وتُظهر أنها باتت تملك زمام الأمور، لكن محاولتها باءت بالفشل… سحبت يدها من قبضة جود بغضب، ثم رمقت طوفان بنظرة مشتعلة بالغضب، وحين التفتت نحو حاتم، وجدته شاردًا غير منتبه لما يحدث… زفرت بضيق، وقلبها يثور بغضب مكبوت…. كيف تُهزم من جود في حضرة الجميع…. نظرت إليها مجددًا، تلك النظرة التي تخلط بين الغيرة والانهزام، قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامة صفراء تحاول بها حفظ ماء وجهها.
بينما جود، التقطت كل تلك المشاعر العابرة في الوجوه… لكنها لم تعلق… وقفت بثقة، ورفعت تلك الصنية بهدوء نحو بدرية التى إلتقطت إحد قطع الحلوي ثم جلست جوار حاتم …. أما طوفان فابتسم بخفة، وكأن ابتسامتها منحته انتصارًا خاصًا.
جلسة كانت على صفيح بارد نظرات حاتم نحو طوفان بها شيء من البُغض وهو يرا طوفان مُبتسم تبدوا السعادة واضحة على ملامحه بالتأكيد سر تلك السعادة هي “دُرة” زوجة أخيه، بالأصح أرملة هي الأخرى إستسلمت ولم تُبالي لا بدماء والدها ولا أخيه، حقد يزداد فى نفوس كل من بدرية وحاتم.
بعد قليل نهضت جود مع والدتها للداخل،
شعرت وجدان بقلب الأُم أن جود ليست بتلك السعادة التى كانت تتوقعها، سألتها:
قوليلى أحوالك إيه مع حاتم.
بخجل أجابتها:
كويسه الحمدلله.
بقلب الأم أيقنت من وجه جود ليس فقط خجل بل هنالك شيء آخر، كادت أن تسألها أكثر لكن نداء بدريه قطع حديثهن فخرجن، نظرت وجدان لـ طوفان وأماءت له برأسها فهم مغزي ذلك ونهض مُبتسمً، قائلًا:
زيارة العرسان بتبقي خفيفة ألف مبروك وبالرفاء والبنين.
نظرت له بدرية بسخط قائله:
إنت كمان عريس، وسيبت عروستك.
أجابتها وجدان:
الواجب على طوفان يصبح على أخته الوحيدة،وجود مش بس أخته ده هو اللى مربيها،يعني معندوش أغلي مِنيها.
تهكمت بدرية بغيظ قائله بحقد:
طبعًا، الأخ قصدي الأخت غالية، ربنا يخليهم لبعض.
-آمين
قالتها وجدان، بينما نظر طوفان نحو جود، فابتسمت وأتبعته بتلقائية، توقف معها أمام باب الشقه أخرج من جيبه تلك البطاقة قائلًا:
طلعت له كريدت جديدة بدل اللى ضاعت منك، كمان ده نقوطك، وأفتكري دايمًا إنك جود مهران أخت طوفان ولازم تحافظي على كيانك ومكانتك ومقامك العالي.
إبتسمت بمحبه وهو يضع قُبلة فوق جبينها، تدمعت عين وجدان،تبسمت جود له،لكن رمقت عيني حاتم الذي نظر نحوهم،نظرته بها شيء من الاستهزاء،لم تهتم،حتى غادر طوفان مع وجدان،دلفت الى غرفة المعيشه تُعيد الترحيب بـ بدرية التى نهضت بعصبية قائلة:
على رأي وجدان إنتم عرسان جُداد هسيبكم تتهنوا ببعض.
لم تُعقب جود لكن حاتم تحدث باهتمام:
عِرسان ايه يا ماما،إنتِ الكُل فى الكُل.
إبتسمت بانتصار وهي تنظر الى جود قائلة بايحاء:
لاء خلاص بقي فى الاهم مني عندك،هنزل زمان أبوك رجع من بره أحضرله الوكل وأسيبكم على راحتكم.
نظر حاتم نحو جود قائلًا:
لما بابا يرجع يطلع لهنا نتعشا كلنا سوا.
اومأت جود بقبول بينما نظرت بدريه ببسمة انتصار.
بعد وقت طويل تعمدت بدرية السهر اقترب الوقت من منتصف الليل،تعمدت البقاء مع حاتم حتى بعد استئذان جود تركها لهما وحدهما،نهضت بدرية بعدما كان نصف حديثها تحريض على رد فعل جود ومقابلتها لها بوجه مكلوم،غادرت بعدما إستفزت رجولة حاتم…
اغلق خلفها باب الشقة توجه الى غرفة النوم،ربما لحسن الحظ وجد جود غافية، لحظات تحكم به الغضب وكاد يوقظها، لكن رنين هاتفه جعله يغادر الغرفة، بينما فتحت جود عينيها لم تكُن نائمة، شعرت بالحِيرة من الذي يتصل بـ حاتم بهذا الوقت… نهضت تتسحب بهدوء لم تكُن يومً فضولية، لكن لا تعلم سبب لذلك، إقتربت من تلك الشُرفة التى يقف بها حاتم، تسمعت بعض من حديثه، إستشفت أنه يُحدث أحد زمُلائه، لكن إنصدمت حين سمعته يقول:
شهر عسل إيه، انا مش بطيق أقعد فى البيت أنا راجع الشغل تاني آخر الأسبوع.
شعرت بوخزات قوية فى قلبها بدأ عقلها يتسأل:
لماذا تزوج بها.
ربما بدأت تفهم أن أحلامها الوردية بدأت تتبخر والواقع يفرض قسوته على قلبها البرئ
❈-❈-❈
بمنزل طوفان قبل قليل حين عاد بصُحبة وجدان،
زفر نفسه بضيق حين رأي دخول
عزمي برفقة زوجته، كذالك كوثر وزوجها
رغم ذلك إستقبلهم بهدوء… نظرت له كوثر بخباثة سائلة:
فى عريس يسيب عروسته يوم الصباحية جايين منين دلوق.
أجابتها وجدان:
جايين من عند جود.
أومأت قائلة باستفسار:
أخبارها ايه، انا وساميه وعزمي كُنا هنروح نصبح عليها بكره.
أجابتها وجدان:
بخير الحمد لله.
تحدثت سامية بسؤال سفيه:
مجبتيش الملايه معاكِ ليه.
نظرت لها وجدان قائلة:
السلو ده بِطل خلاص هما أحرار فى حياتهم وده شئ خاص بينهم…
قاطعتها كوثر بدعم ل ساميه:
ده مش سِلو ده شرف، ولازمن نطمن على بنتنا.
نظرت لها وجدان بجمود وقالت بنبرة صارمة:
بنتكم… جود بقت زوجة راجل، وهي مش ملك لحد غير نفسها وجوزها… الشرف مش بيتقاس بملاية، الشرف في التربية والنية الطيبة والستر.
سادت لحظة صمت مشحونة، تبادل فيها الحاضرون النظرات، قبل أن يحاول عزمي تلطيف الأجواء قائلاً بابتسامة باهتة، يتجاهل التوتر قائلًا وهو يتجه نحو الأريكة:
فعلاً يا وجدان، جود تستاهل الراحة، ربنا يهدي سرها، إحنا جايين نصبح على طوفان وعروسته هي فين.
نظرت وجدان لـ طوفان، فابتسم قائلًا:
ثواني هطلع أناديها.
تركهم طوفان وصعد بشوق الى غرفته… فتحها مباشرة
قبل لحظات
كانت دُرة تشعر بالضيق من مكوثها بالغرفة وحدها وترك طوفان لها، لكن حين سمعت صوت السيارة ذهبت نحو الشرفة، شعرت
…شعرت بدقات قلبها تتسارع، لا تعلم سبب لذلك،ربما التوتر، لكنها ما إن لمحته يخرج من السيارة ويرفع رأسه نحو الشرفة، حتى اختبأت خلف الستارة.
دخل طوفان الغرفة بخطوات متسارعة، كأن الشوق يدفعه أكثر من قدميه، وما إن رأها جالسه تدعي الانشغال بالهاتف تبسم وتنحنح.
نظرت إليه دُرة ، لم تتحرك من مكانها…. كان في عينيه بريق لم تره من قبل، مزيج من الحنين والرغبة والتساؤل.
قال بصوت خافت لكنه عميق:
مساء الخير.
أجابته ببرود، تبسم لها قائلًا
غيرى البيجامة السودة اللى عليكِ وإلبسي عباية عشان فى ضيوف تحت فى المندرة.
سألته بإستفسار:
مين الضيوف دول.
أجابها وعيناه تضُخ شوقً:
ضيوف جايين يصبحوا علينا.
ضمت شفتيها بضجر قائلة:
ما انا عارفة إنهم جايين يصبحوا علينا، بس هما مين.
بنفس الإجابة جاوبها:
لم تنزلى هتعرفي، هسبقك أنا لتحت متغبيش.
تنهدت بقوة قائله:
هو كده لازم يلف ويدور، أما أقوم ألبس عباية وانزل اشوف مين الضيوف دي.
بالفعل إرتدت عباءة سوداء مُزخرفه ببعض الأحجار، وفوقها وشاح أسود، نظرت لنفسها بالمرآة شعرت باعجاب غادرت الغرفة…
لكن قبل أن تدلف الى المندرة للصدفه كان طوفان ينهي حديثه عبر الهاتف بالردهة، ورأي دُرة… نظر نحوها بذهول سُرعان ما أغلق الهاتف وبلحظات قبل خطوة واحدة وتدخل دُرة الى المندرة قبض على معصم يدها وسحبها للخلف، شهقت وهي تنظر له تسير معه رغمً عنها حتى إبتعدا عن المندرة، حاولت سلت يدها لكن طوفان مازال يقبض على يدها يجبرها للسير خلفه حتى وصلا الى غرفتهما، دفعها بقوة بمجرد أن أغلق الباب خلفهما، استدارت نحوه بعينين تشتعلان غضبًا:
فيه إيه يا طوفان… بتشدني وراك كده ليه.
كان صدره يعلو ويهبط من شدّة انفعاله، لم يرد فورًا، فقط ظلّ يرمقها بنظرة غريبة… مزيج من الغضب، والدهشة.
اقترب خطوة منها، ثم قال بصوت خافت لكنه مشحون:
إنتِ شايفة نفسك لابسه إيه
أشار بإصبعه لها من أعلى لأسفل،
ارتبكت للحظة، ثم رفعت ذقنها بعناد:
لابسه عباية زي ما قولت وكنت نازلة لضيوفك… زى ما طلبت.
اقترب أكثر، حتى شعرت بأنفاسه الحارة على وجهها:
عباية سودة يا دُرة.
تفوهت بلا مبالاة:
وفيها إيه، مش بتقول الاسود ملك الألوان.
تنهدت بقوة قائلًا:
وفى عروسة بتقابل ضيوفها بعباية سودة، غيري العباية يا دُرة.
ضمت يديها على صدرها، وقفت بعناد تتحدى نظرته:
ايوا سودة… أنا عاجباني العباية دي، ومش هغيرها … ولو مش عاجباك، بلاها مش هانزل لضيوفك.
ضاق فكهُ، وأغمض عينيه لحظة يكبح انفعاله، ثم فتحهما وهو يقترب منها ببطء:
يعني بتعنّدي.
أجابته بلا مبالاة:
لو شايفها عناد، يبقى أيوه… عناد.
مد يده ببطء ولمس طرف العباية عند كتفها، وقال بصوت منخفض لكن حازم:
أنا مش بطلب،أنا بأمُر… دُرة … أنا بقولك غيري العباية أفضلك.
أبعدت يده عنها قائلة بحدة:
وأنا مش من نوع الستات اللي يتقال لهم تلبسي إيه وتقلعي إيه… فاهم.
سادت لحظة صمت متوترة، نظر فيها إلى عينيها مباشرة، وقال بنبرة أقل حدة لكنها مشتعلة:
أنا فاهمك كويس… بس صبري له حدود، قدامك دقيقة واحدة تغيري العباية، والا فعلًا مش هننزل إحنا الإتنين للضيوف وهتبقي ليلتك بلون العباية.
لوهلة إرتابت من نظرة عيناه لكن تجرأت قائلة:
قصدك إيه هتضربني.
إختفي عبوس وجهه وهو يقترب منها حتي بلحظة خطفها من خصرها وضمها له بقوة أربكتها، تبدلت نظرة عينيه من الغضب إلى شيء آخر… نظرة عابثة، مشتعلة برغبة ممزوجة بامتلاك.
همس في أذنها بنبرة رخيمة، عميقة:
لأ… ما هضربكيش، بس هدوقك طعم العناد على طريقتي.
شهقت من قربه، وارتعش جسدها في حضنه، لكن أنفاسها أصبحت متماسكة، حاولت تدفعه دون جدوى، فقالت بصوت مختنق:
قصدك إيه
ضحك همسًا، قائلًا بوعيد وهو ما زال يمسك بها:
هتبقي ليلتنا سودة فى السرير وإحنا سوا زي ليلة إمبارح كده
أبعد وجهه قليلًا لينظر في عينيها بتسليه قائلًا بوعيد:
هتغيري العباية، ولا ننسي الضيوف ونكمل زي ليلة إمبارح.
كان صوته ناعمًا، لكنه يحمل تهديدًا مقنعًا بالشوق والغضب معًا… توترت قائلة باستسلام:
خلاص سيبني وهغير العباية.
ضمها أقوي قائلًا بمزاح:
لا خلاص أنا هتصل على ماما وأقولها تفضل هي مع الضيوف وتقول لهم العِرسان مشغولين بـ…
غمز بإيحاء وهو يضع قُبلة على إحد وجنتيها، إهتزت قائلة:
لاء خلاص قولت هغير العباية ومش من الذوق تسيب الضيوف يستنونا، يقولوا علينا إيه.
إبتسم ماكرًا يقول:
هيقولوا إيه يعني، أكيد عِرسان وملهوفين لبعض.
شعرت بوجنتيها تشتعلان غضبً، وزيادة خفقان فى قلبها، دفعته بيدها قائلة:
فى ضيوف مستنيانا، مش من الذوق نتجاهلهم خلينا ننزل لهم.
إبتسم وهو يجذبها نحو خزانة الثياب قائلًا:
تمام نلتزم الذوق، انا هختار لك عباية على ذوقي من الدولاب، بالفعل مازال يأسرها بين يديه وفتح خزانة الثياب إنتقى لها عباءة باللون الأخضر الزُمردي، كادت تعترض لكن إمتثلت غصبً، كي تتملص من بين يديه، بالفعل تركها سريعًا أخذت العباءة وتوجهت نحو الحمام شاغبها قائلًا:
خليكِ هنا ألبسيها عشان أشوفها مظبوطه ولا…
ضحك حين أغلقت الباب بعنف فى وجهه.
بعد قليل دلف الإثنين الى غرفة الضيوف تفاجئت دُرة بوجود والدتها كذالك جدتها. وباسل وشاهر الذي نهض يقترب منها بابتسامه لكن هي تجاهلته وذهبت نحو جدتها، وتجاهلت وجود سامية وكوثر، اللذان نظرا لها بنظرة غلول من جمالها المُلفت، حاولت وجدان تلطيف اللقاء، تحاملت دُرة على نفسها حتى إنتهي اللقاء وغادر الضيوف ..صعدت وحدها بينما ظل طوفان مع وجدان لدقائق.
دخلت دُرة الى غرفة النوم خلعت تلك العباءة فورًا، تشعر بغضب، لكن إنتهي ذلك الغضب حين فُتح باب الغرفة وطل طوفان الذي وقف مبتسمً حين وقع نظره على دُرة التى تقف بثيابها الداخلية ذات اللون الأسود المعاكس لبشرتها البيضاء… شعرت بالخجل وتوترت وهي تجذب العباءة تضعها فوق جذعها العلوي قائلة بغضب:
بتبص على إيه، مفيش عندك حيا.
ضحك طوفان، سبب لها إغاظه ذهبت نحو الحمام دون جِدال، بينما نزع طوفان ثيابه وظل بسروال داخلي، ذهب نحو الفراش وتمدد عليه، وضع يده فوق راسه ينتظر لدقائق حتى عادت دُرة نظر نحوها بتلك المنامة السوداء ثم ضحك بخفة غير مُباليًا، بينما دُرة
توجهت نحو الفراش تنظر له بترقُب، وهي ترفع دثار الفراش ثم تمددت على الفراش،
بمجرد ان تمددت تقلب طوفان، لوهلة ظنت أنه سيقترب منها لكن كان خبيثً وأعطاها ظهره، تنهدت براحة وهي تُغمض عينيها، كذالك هو نظر نحوها وتبسم، ثم وأغمض عيناه مُتثائبً بسبب الإرهاق غفي هو الآخر.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
رغم جفاء معاملة بدرية لـ جود،كذالك مشاعر حاتم المُذبذبة معها أحيانًا لطيف،وأحيانًا عنيف برد الفعل بموقف لا يدعي العصبية،لكن كآنه شخص لدية إنفصام
شخصان يتناوبان السكن في قلبه وعقله أحدهما يحاول الاقتراب منها بلُطف، والآخر يود دفعها بعيدًا بلا رحمة، شعور يخشاه ولا يستطيع احتواءه
كلما اقتربت جود بخطوة، تراجع هو بخطوتين، تشعر كأنها تدفع ضريبة ذنب لم ترتكبه.
تفاجئت حين دخلت الى غرفة النوم، وجدت حقيبة على الفراش وهو يضع بداخلها ثياب خاصة، به سألته بدهشه:.
ليه بتحط هدوم فى الشنطة دي.
فى البداية تجاهل الرد لكن جود،يطوي الثياب ويضعها بالحقيبة… إقتربت أكثر وعاودت سؤالها، ترك وضع الثياب وإستقام واقفً ينظر لها ببرود قائلًا بنبرة ثلجية:
عندي مُهمة تبع شُغلى فى الشرطة وهغيب كام يوم، إرتاحتي كده لما جاوبتك.
حدّقت فيه جود للحظات، كأنها تحاول التحقق من انه يمزح، لكن نبرته الباردة كانت كفيلة بأن تزرع في قلبها صدق ما قاله .
قالت بهدوء تخفي خلفه زلزالًا من المشاعر:
تمام أنا سألتك لأني مراتك، مش غريبة.
أشاح بوجهه، وكأن كلماتها زادت من ضيقه، ثم قال وهو يغلق الحقيبة بعنف نسبي:
مراتي… بس أنا مبحبش الأسئلة الكتير اللى ملهاش لازمه.
شعرت وكأن الهواء يُسحب من الغرفة، ردت بتماسكٍ مُتكسّر:
لما أسألك عشان أعرف ليه بتحط هدوم فى الشنطة، ده سؤال مالوش لازمة.
لم يجب، فقط أمسك بالحقيبة واستدار متجهًا نحو الباب. وقبل أن يخرج، توقف لحظة، دون أن يلتفت تحدث ببروظ:
خلي بالك من نفسك.
كلمات باردة منه وهو يغادر، تاركًا خلفه قلبها معلقًا بين الكبرياء والانكسار.
❈-❈-❈
بالغردقة
بأحد الفنادق
لاحظ نفخها لأكثر مره، إبتسم بخباثة مُتعمدًا تجاهلها يدعي إنشغالة بالعمل عبر حاسوبه الخاص، لديه يقين لن تنتظر طويلًا، وستتحدث
وبالفعل، قبل أن تمُر دقيقة زفرت نفسها بقوة،والقت الهاتف الذي كان بيدها ونهضت من على الفراش وقفت تنظر له غاضبه، تحدثت بنبرة مزيج من ضيق وكبرياء:
إحنا هنفضل هنا لحد إمتي، أنا زهقت، خلينا نرجع للـ المنيا.
أغلق الحاسوب وضعه بجانب ونهض واقفًا يقترب منها قائلًا:
إحنا مبقالناش غير تلات أيام بس.
زفرت نفسها بضيق قائله:
يبقي كفاية كده أنا زهقت، إحنا حتى مخرجناش من الأوضة من وقت ما وصلنا… غير مره واحدة إتغدينا في مطعم الأوتيل.
ضحك حين أصبح أمامها وضع يديه حول خصرها يُقربها من صدره غامزًا بعينيه قائلًا بإيحاء مرح:
وهو فى عِرسان جُداد بيطلعوا من أوضتهم.
انهى حديثه بقُبلة على إحد وجنتيها،
عادت للخلف خطوة زفرت نفسها ورمقته بنظرة نارية، شبكت ذراعيها أمام صدرها ، قائلة بكِبر:
عِرسان، بلاش النغمة دي أنا زهقت خلينا نرجع.
ضحك قائلًا:
لاء هنكمل الأسبوع، أنا أساسًا بفكر ازود كمان أسبوع، مُستمتع هنا، البحر والوجه الحَسن.
نظرت له بحُنق قائلة:
فين البحر أنا مشفتوش غير من بلكونة الأوضة، وفين كمان الوجه الحَسن ده.
ضحك وهو يعاود وضع إحد يديه حول خصرها والأخرى رفعها يلمس وجنتها بنعومة قائلًا:
هو فى وجه فى الكون كله أحسن منك.
نظرت له بحنق،
إبتسم وهو يضع قُبلات على وجنتها يسير بشفاه نحو شفتيها قبل أن تعترض عانق شفتيها بشفتيه بعناق مُتناغم، يدفع جسدها برفق الى أن تمددت على الفراش وهو فوقها مازال يُقبلها،لوهلة كادت تدفعه بيديها، لكن امسك يدها وضعها على موضع قلبه،شعر بإستكانتها مرة أخري،وتناغمها مع قُبلاته،إمتدت يده الى أزرار كنزتها قام بفتحها،كادا يذوبان معًا بالغرام ..،لكن هنالك ما قطع صفو الغرام
، رنّ صوت إشعار عالي من هاتفه
تنهدت بضجر قائلة:
شوف موبايلك أكيد حاجه مهمة.
إبتسم وإبتعد عنها ذهب نحو هاتفه، نظر الشاشة ثم لها قائلًا:
ده شاهر خالك.
نظرت له بزهق وهي تعتدل تغلق منامتها ولم ترد، تنهد بضجر وهو يقوم بالرد على شاهر الذي أنهي الحديث معه سريعًا، ثم عاد يقترب منها قائلًا:
شاهر بيسلم عليكِ.
نظرت له بنزق صامته، ابتسم طوفان قائلًا:
إفردي وشك إحنا عِرسان…
قاطعته بغضب:
بطل النغمة دي، دلوقتي عاوزه أخرج اشم هوا البحر.
عاد يقترب نظرته خبيثه وهو يقترب لكن صدح رنين هاتفه … نظر نحو شاشة الهاتف بيده، شعر بإندهاش لم ينتبه لفضول دُرة حين سألته:
مش بترد ليه مين
“روان”
↚
دون قصد منها نظرت للشاشة، لكن حين رأت إسم “رزان” دخل لعقلها فضول المعرفة لوهله دون أن تشعر، بنبرتها الفضولية سألته:
مين رزان دي وليه مش بترد عليها.
لوهلة شعر بتوتر من سؤالها المُباغت، نظر لها حاول ضبط ملامحه قائلًا بهدوء:
دى عميلة فى الشُغل.
إستفسرت قائلة بسؤال:
وليه مش بترد عليها.
أجابها وهو يغلق صوت الهاتف:
عشان مش عاوز أرد عليها، ومش بتقولى عاوزة تخرجي، تمام هاخد شاور عالسريع تكوني بدلتي البيجامة،بس ياريت ميكونش طقم إسود، والا مش هنخرج.
وضع الهاتف فوق منضدة بالغرفة وتوجه للحمام، شعرت دُرة بالضيق، لكن حاولت اخفاءه خلف ابتسامة باهته… تنهدت بغضب وتوجهت نحو خزانة الثياب، لوهلة فكرت بالعِناد وإرتداء ثوب أسود، لكن زفرت نفسها، ربما ينتهز الفرصة ويتحكم، بحثت بين الثياب عن ثوب غامق،حتى وجدت طقمً باللون البنفسجي الداكن،نظرت نحو الحمام تأكدت من إغلاقه،ثم توجهت نحو الفراش وضعت الطقم ونزعت ثيابها ثم بدأت بإرتداء الآخر…
لكن قبل أن تنتهي من ذلك سمعت صوت فتح باب الحمام،نظرت نحوه سُرعان ما شعرت بخجل وإستدارت بوجهها تُخفي ذلك بعدما رأت طوفان لا يرتدي سوا منشفه حول خصره فقط،لاحظ طوفان ذلك فأبتسم، كذالك لاحظ رعشة يد دُرة وهي تقوم بغلق كنزتها… تعمد الإقتراب منها، شعرت بوجوده خلفها، تقدمت خطوة وكادت تبتعد لكن وضع يده على خصرها ينظر لإنعاكسهما بالمرآة لا ينكر ذوقها الأنيق دائمًا حتى بالثياب السوداء وذلك الثوب رغم لونه الداكن لكن يُبرز جمالها، وضع رأسه على كتفها قائلًا بخباثه:
ليه مطلعتيش ليا غيار معاكِ.
هدوء نبرة صوته له تأثير عليها، أو ربما عِلمها أنه شبه عارى جعلها لا ترفع عينيها وتنظر لإنعكاسهما، فقط حاولت أن تُخفي ارتباكها وهي تبتلع ريقها بصعوبة، وتهمس دون أن تنظر إليه:
طلع بنفسك،ممكن ذوقي مش يعجبك.
اقترب أكثر، حتى شعرت بأنفاسه تداعب رقبتها، فشهقت بخفة وهي تشد الكنزة على جسدها أكثر، لكن صوته المنخفض أربكها:
بالعكس ذوقك دايمًا بيعجبني.
كلمات بسيطة، لكنها أربكتها أكثر، وكأنها صدى يدق على أوتار قلبها المرتبك… التفتت له سريعًا تتبعد عنه ثم قالت بصوت حاولت أن تجعله جادًا:
طوفان…قدامك الدولاب طلع لنفسك.
ضحك هز رأسه بتفهم، ثم اقترب الخطوة قائلاً:
ـ تمام… بس ليه مضايقة كده… تعرفي حتي وإنتِ مكشرة حلوة أووي.
ابتسمت رغماً عنها، لكنها أخفت بسمتها سريعًا وهي تبتعد عنه تعدل وشاح رأسها أمام المرآة، بينما هو ذهب نحو الدولاب وبدأ يرتدى ثيابه ببطء وكأنه يمنح اللحظة وقتًا أطول… شعرت دُرة بارتباك خفيف يتسلل إلى ملامحها من جديد، فتوجهت إلى حقيبتها الصغيرة وبدأت تبحث فيها، محاولة الانشغال بأي شيء حتى لا تلتقي عيناها بعينيه…
صمته كان ثقيلاً، لكنه حمل تفكيرًا حقيقيًا هذه المرة…إنتهي من إرتداء ثيابه واقترب مجددًا، لكن ببطء وحذر، رفع يده ولمس وجنتها برفق وهو يهمس:
أنا جاهز.
تنفست بقوة حبست داخلها الهواء لثواني ثم تفوهت بخفوت:
أنا كمان جاهزة، خلينا نخرج من الأوضة دي حاسة إني هتخنق من الحبسه فيها.
إبتسم بمغزى قائلًا:
غريبة مع أن ريحة هوا البحر فى الأوضة.
نظرت له بسخط بينما هو إبتسم ببرود وهو يرفع يده بإشارة واضحة أن تضع يدها بيده،لكن هي لم تفعل ذلك وذهبت نحو باب الغرفة وفتحته،تبسم وذهب خلفها…جلسا قليلًا بمطعم الفندق،بعد وقت تحدثت:
انا أتنفخت من الأكل محتاجة أمشي عشرة كيلو عشان أهضم اللى أكلته.
ضحك ومال عليها قائلًا :
فى طريقة تانية تهضمي بها بدل المشي وأسرع فاعلية…بل ممكن تجوعي تاني كمان.
نظرت لعينيه لم تفهم،وتسألت بأستفسار:
وإيه هي الطريقة دي بقى.
غمز بعينيه بإيحاء وهو يضع يده فوق فمها قائلًا:
نرجع الأوضة تاني وهتعرفي بالتطبيق العملي.
فهمت إيحاؤه،فتضايقت قائلة:
من فضلك إحنا فى المطعم قدام الناس بلاش وقاحة
وكمان أنا أفضل المشي عالبحر عالأقل هشم هوا نضيف.
إبتسم وهو ينهض يمد يده، نظرت نحو وجهه وإبتسامته البسيطة،ثم نحو يده، لم تعترض وضعت يده بيده ونهضت تسير معه الى أن إقتربا من الشاطئ, يسيران بمحاذته وهما يسيران حتى سألته دُرة وهي تتنفس بعُمق نسمة ذاك الهواء الرطبة:
أول مره تجي هنا.
أومأ برأسه قائلًا:
أيوه، أنا أساسًا فى حياتي مفتكرش روحت مكان فيه بحر مرتين مش أكتر.
نظرت له قائلة بحنين:
أنا كل سنه لازم بابا ياخدنا المصيف لشاطئ مختلف، حتى مره حسام مكنش بيعرف يعوم وبابا أنقذه يومها، معرفش سبب إنه يدخل لجوه البحر وهو مبيعرفش يعوم… إيه اللى كان فى راسه.
تجمدت قبضة يده على يدها، كذالك شعر بـوخز في صدره كلماتها حفرت ذكريات لم يرغب في استحضارها…ربما حديثها عن حسام عفوي لكن لديه حزازية قوية إتجاهه، حاول أن يبتسم وهو ينظر لها، ثم تحدث بنبرة حادة:
كان هدفه أكيد يلفت نظرك.
-ليه
ذلك كان سؤالها الذي جعله يشعر بالغضب وهو ينظر لها قائلًا:
خلينا نرجع الاوتيل كفاية مشي أكيد اللى أكلتيه إتهضم وزيادة.
شعرت بقبضة يده القوية على يدها،كذالك تغيُر ملامحه،هي حقًا حديثها كان عفويًا…قبضت على يده بيدها الاخرى وتحدثت برجاء:
لاء أنا بتخنق من الأوضة خلينا نمشي كمان شوية أو نقعد هنا عالشاطئ في هناك كراسي قريبة عالشط.
كاد يعترض لكن نظرة عيناها المُترجية جعلته يزفر نفسه بإستسلام قائلًا:
تمام خلينا نروح نقعد هناك.
رغم رغبتها بمواصلة السير لكن استسلمت لرغبته بالجلوس، ليست تلك المرة الأولى التي تشعر بتبدُل ملامح طوفان حين تذكر إسم حسام
أثناء سيرهما ساد الصمت يدور بعقلهم أفكار مُتشابكة، حتي جلسا على ذلك المقعد، سحبت يدها من يده تنظر أمامها وهو كذالك، بعفوية منها تحدثت بحنين:
بابا فى مرة قالي طوفان هيبقي رجُل أعمال ناجح.
نظر لها مُبتسمً فأكملت بتفسير:
قالى طوفان عنده مِيزة بيسمع أكتر ما بيتكلم، يمكن إكتسب المِيزة دي من شُغله فى النيابة، إتعود يسمع قبل ما يتكلم.
أومأ لها بتوافق قائلًا:
ممكن وكمان يمكن طبيعة شخصيتي كده.
نظرت له قائلة:
فعلًا… ممكن تكون طبيعة شخصيتك، لاحظت كده كتير، كمان عندي سؤال..
نظر لها ان تسترسل حديثها فأسترسلت سائلة:
لما سيبت شغلك فى النيابة ليه مزعلتش.
ربما تفاجئ بسؤالها، كيف توقعت أنه لم يحزن لذلك، لكن هو القدر الذي دائمًا كان يهرب منه، لكن لا مفر منه… نظر لها قائلًا:
مين اللى قالك إني مزعلتش، بس إتقبلت الوضع، يمكن لأن ده كان قدري من البداية اللى حاولت أتمرد عليه، زيك كده كنتِ قدري.
ضيقت بين حاجبيها بغضب قائلة:
قصدك إيه… إنت غلطان أساسًا إنت ساومتني من البداية عالأرض وتعتبر إتحايلت عالشرع والقانون وإتجوزتني بالتزوير.
ضحك طوفان قائلًا:
مكنش قدامي طريق تاني معاكِ غير كده، بس بعد كده جوازنا تم بقبولك، وكل حاجة حصلت بينا كانت برضاكِ.
كعادتها حين توضع بموقف ضاغط تتهرب، نهضت واقفه بغيظ قائلة:.
خلينا نرجع للاوتيل بدأت أحس بشوية ساقعة.
لم يُخفي ضحكته التي أغاظتها فنهض واقفً يقترب منها بمكر قائلًا:
ده الأفضل وأكيد فى الأوضة هتلاقي الدفا فى حضني.
بغيظ منها وكزته بكتفه قائلة بغضب:
سخيف، كمان انا زهقت من هنا، عاوزه أرجع المنيا، كفاية كده وجودنا هنا مالوش أي لازمة.
ضحكه يُغيظها، كذالك إجابته:
بس أنا شايف وجودنا هنا له ألف لازمة كفاية إننا لوحدنا بعيد.
سخرت من جوابه بسخط قائلة بإحتقان:
يعني لوحدنا فى الجنة.
أومأ لها وهو يقترب يضم خصرها قائلًا:
بالنسبة لى أي مكان إنتِ قريبه مني فيه يبقي الجنة يا دُرتي.
نظرت له لوهلة تشعر بذبذبات بعقلها… سُرعان ما نفضتها وإبتعدت عن يده قائلة بتهرُب:
خلينا نرجع للأوتيل.
أومأ لها مُبتسم يشير لها بيده للسير.. رغم عودتهما كانت صامتة، لكن داخلهما ضجيج لا يُحتمل.
هو يُراقبها بطرف عينيه، يحاول فك شيفرة تقلباتها، وهي تُحاول لجم مشاعرها التي توشك أن تنفلت.
كل خطوة تعيدها لواقع لا تريده، وكل لحظة صمت تجعلها تود أن تبتعد أكثر.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
انه الليل… مارد الذكريات التي تتسلل الى العقل بلا إستئذان
نظرت وجدان لصورة خاصة بـ جود وجوارها طوفان وضعتها بين يديها، لوهلة تبسمت على بسمة وفرحة جود بتلك الصورة، جود رفيقتها الصغيرة
كان من حُسن حظها أنها ولدت فتاة، فلم تنال من قسوة نوح مثلما نال طوفان…
ذكرى قديمة
همس لسانها بوجع
“نوح”
وذكري ليلة عودتها له بعدما قبلت بعودة زواجهما مره أخري، خوفٕ على طوفان الذي هددها بأخذه منها عنوة، قبلت بالرجوع ربما كان بداخلها بقايا مشاعر له، كذالك أمل أن تكون سنوات الفراق أثرت عليه وتبدلت خِصاله القاسية وغِيرته والشك اللذان كانا مثل حبلين غلظين يخنقها بهما دون سبب
ليلة عودتها له، فكرت بتناول أحد موانع الحمل حتى لا تُنجب طفلًا آخر يتحمل قسوة نوح، وتُقيد أكثر بهذا الرباط الذي لم تعد تثق بمتانته ولا بعدالته…
لكنها تراجعت، ليس بدافع الحب، بل بدافع الحِيرة… كذالك الشك فى عقل نوح
قد يظن بها السوء وأنها بلا أخلاق وكانت تستعمل تلك الموانع بفترة إنفصالهما لأغراض دنيئة برأسه، عقل نوح كان غبيًا فى الحُب، يظنه مجرد تملُك جسد لا قلب وروح
كان خاوي القلب، سنوات دفعتها من عُمرها معه، رغم زهوتها حين ظنت أنها فازت بقلبه حين تزوجت منه… لكن منذ ليلة زفافهما وإنصدمت بشخص آخر غير ذلك الرجل الذي أحبته في السر وتمنته في العلن…
رجلٌ لم يُشبه الحُلم الذي نسجته حوله، بل كان كابوسًا طويلًا تسلل من بين ضلوعها وسكنها سنينًا…
منذ ليلة الزفاف، حين خلع القناع وظهر وجه نوح الحقيقي، فهمت وجدان أن ما بدأته بدافع الحب، قد تُكمله بدافع الخوف… أو التعود…
كان صوته عاليًا، حديثه أمر، ونظرته شك، وعاطفته تُشبه السلاسل… يقيدها باسمه، ويُحاسبها على أنفاسها، حتى باتت تخشى ظلها أن يثير غيرته…. ومع كل هذا، عادت إليه…
لأجل طوفان.
لأجل أمومتها التي لم تعرف كيف تفصلها عن كونها امرأة…
هل يُمكن لأم أن تُنقذ ابنها وتُهلك نفسها…
سؤال لم تسأله لنفسها ليلتها، بل بلعت الغصة، وارتدت ثوب العودة، وطرقت بابه لا كحبيبة، بل كمُستسلمة للقدر…
تنهّدت وجدان ومررت أصابعها على وجه جود في الصورة…
كم تمنّت لو كانت حياتها بسيطة كضحكة جود وطوفان…
لكن حياتها كانت كلوحة مشقوقة، يحاول الضوء التسلل من شقوقها فلا يضيء إلا وجعًا…
مسدت على صورة جود وداخل قلبها خوفُ لا تعرف سببه، خوف على تلك الرقيقة التى تُشبهها كانت مثلها رقيقة تهوى القراءة وقصص الشُجعان اللذين يخطفون قلوب الاميرات
جود أميرتها ليتها عارضتها او ما كانت أخبرتها ورفضت حاتم، لكن جود خيبت توقعها وهي إستسلمت بغفوة منها، لكن تتمني أن يُخطئ حدسها ويكون حظ جود أفضل منها.
❈-❈-❈
بعد مرور أيام
بمنزل زيدان
صباحً
طرق على باب غرفة سُجي
فتحت له مُبتسمة قائلة:
أنا جاهزة يا بابا.
إبتسم لها قائلًا:
تمام يلا بينا يا دكتورة.
ضحكت ببراءة قائلة:
لسة ست سنين على أبقي دكتورة.
إبتسم لها قائلًا:
هتبقي أرق دكتورة، يلا بينا عشان نلحق نوصل مكتب التنسيق بدري.
بالحقيقة لم يكُن ذلك هدفه بل هدفه عدم رؤية كوثر وتنغيصها بالحديث الماسخ
لـ سُجي، بالفعل غادر الإثنين يسيران معًا حتى توقف كي تمُر تلك السيارة والتي للغرابة توقف وترجل منها باسل يقترب من زيدان وقام بمد يده له يصافحة قائلًا:
أزيك حضرتك يا بشمهندس.
إبتسم زيدان وصافحة بمودة قائلًا:
أزيك يا باسل أخبارك إيه بقالي فترة متكلمتش معاك حتى فى فرح طوفان يا دوب سلمنا على بعض، الله يرحمه والدك كان صديقي زي الأخ رغم أنه كان رئيسي فى الشغل فى الوحدة الزراعية.
أبتسم له بحبور قائلًا:
مكانة حضرتك غالية لما بحتار فى معلومة بتصل على حضرتك.
ربت على كتفه قائلًا:
إنت فى مكان إبني يا باسل وأي وقت تحتاج لمعلومة او خدمة من الوحدة الزراعية أنا موجود.
إبتسم باسل، ثم سأله إنت رايح الوحدة الزراعية على طريقي إتفضل معايا أوصلك.
أبتسم زيدان قائلًا:
لاء بلاش تعطل نفسك أنا رايح مع سجي المركز عشان مكتب التنسيق.
رمق باسل تلك التى تقف بمواربة جوار زيدان سُرعان ما أخفض بصره وعاد ينظر الى زيدان قائلًا:
انا كمان رايح المركز هشتري شوية أغراض للأرض، تعالى معايا كمان في كذا معلومة عاوز أعرفها من حضرتك فرصة نتكلم فى الطريق.
نظر زيدان لـ سُجي ثم تبسم وأومأ برأسه قائلًا:
تمام، طالما مش هنعطلك… يلا يا سُجي أركبي ورا
ابتسم باسل وفتح الباب الخلفي، تلاقت عيناه مع عيني سُجي ليست المرة الأولى، لكن المرة السابقة كانا فى الظلام هذه المرة كانت وضوء الشمس ساطع كأن الضوء أعطي لعينيها الزيتونية القاتمة بريقًا كالندى فوق العُشب الأخضر.
❈-❈-❈
بشقة إبتهاج
وضعتِ الصينية المليئة بالطعام فوق المنضدة، ثم انسحبت إلى الفراش… بدأت تداعب عزمي بدلال مصطنع، همسات وقُبلات وكلمات غرامية زائفة، لا تنبع من قلبها بل من نواياها… لم تكن سوى مداعبات لعقله، ومشاغلة لجسده بلمسات جريئة…
ولدهشتها، استجاب لها سريعًا، نهض فجأة وجذبها بقوة إلى الفراش، جسده يُشرف عليها، وقلبها يرتجف بين ضلوعها…
عيناه كانتا تلمعان بشيء غامض، خليط من الشغف والتملك والرغبة الدنيئة، جعل أنفاسها تتقطع… رغم محاولتها الثبات…
اقترب منها حتى شعرت بحرارة أنفاسه على وجهها، كفه يُحيط بمعصمها، يقطع أنفاسها بسبب تلك القُبلة الجافة.. ثم ترك شفاها صوته أجش وهو يهمس:
فاكرة إنك بتلعبي بيا.
ابتسمت بدلال رغم اضطرابها، وردت بخفة:
أنا بلعب بيك.. إنت عارف حقيقة مشاعري.
شدها نحوه أكثر، عيناه لا تتركان وجهها، كأنه يحاول قراءة كذبها أو صدقها بين تقاطيعها المرتبكة.
البسي لعبتك صح، عشان لو وقعتِ… مش هرحمك.
رعشة خفيفة سرت في جسدها، لكنها أخفتها بابتسامة جانبية، ثم ردت بسؤال:
جصدك إيه بـ “البس لعبتي صح”؟.
أجابها بضحكة قصيرة وحادة، وهو يُرخى قبضته، كأنما يمنحها لحظة تنفس، أو فرصة أخيرة:
أوعي تفكري إني مش فاهمك، إنتِ مفكرة إن ليكِ تأثير عليا لا فوقي يا حلوة، إنت مش قد” عزمي مهران”
نظرت له بدموع مُصطنعة ..تُراقبه من طرف عينها… ظنت لوهلة أنه سيفقد اهتمامه، لكنه فجأة التفت إليها، بعينين تضجان بالريبة:
. قوليلي… إنتِ عايزة إيه بالضبط.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة، أقرب للمراوغة منها للغزل. رفعت جسدها قليلًا واتكأت على كوعها، شعرها منسدل على كتفها، ثم قالت بنعومة مصطنعة:
أنا؟ عايزة رضاك… بس.
قهقه، لكن ضحكته كانت خالية من المرح، وقال بسخرية:
رضايا.. إنتِ بتخططي لأيه بالظبط.
عاد يقترب منها مرة أخرى، هذه المرة ببطء مدروس، كأن كل خطوة منه تزن نيتها:
خلي بالك، اللعب معايا مش زي اللعب مع أي حد. أنا لو شكيت فيكِ… هكسر الدنيا كلها فوق دماغك.
نظرت إليه بثبات، وأخفت ارتباك قلبها خلف كلمات باردة:
وإنت تفتكرني بلعب من وراك إنت…
مال عليها فجأة، يده امتدت لوجهها بحنان زائف، إصبعه يمر على خدها كأنما يرسم عليه خريطة الغدر.
أوعي تفكري فى لحظة سهل أقطم جناحك بإيدي.
صمتت للحظات في داخلها كانت تقيس خطواتها القادمة قبل أن تسيل دموعها الزائفة قائلة بإدعاء:
كُل ده عشان جولت لك إنى رايدة يكون ليا عيال منك،وده ليه مش عشان بحبك.
تعرف جيدًا أن اللعب مع عزمي… كالسير فوق الزجاج المكسور، خطوة واحدة خاطئة… والدماء ستغمرها… لكن تحاول ربما تصل الى هدفها ويعلن زواجهما وتكون ضربة قاضية تفوز بها وتُصبح ذات شأن، ليست إبنة أحد أصغر مروجي أسلحة الموت الذي قُتل وهو يُقضي عقوبة بالسجن.
❈-❈-❈
بمنتصف الظهيرة
فتاة بالكاد أتمت الثامنة عشر، تسير على ذلك الطريق الترابي تحمل فوق رأسها وعاءً من الخوص به طعام، رغم حرارة الطقس توقفت حين رأت إحد شجرات الجميز بها بعض الجميزات الناضجة، وضعت الوعاء ارضًا نظرت حولها كان الطريق خاويًا شمرت ساقيها وصعدت فوق تلك الشجرة قطفت بعض من الجميز وضعته بحجر جلبابها ثم وضعت الطرف بفمها ونزلت من فوق الشجرة توجهت نحو ذلك الوعاء وأفضت ما بحجر جلبابها بالوعاء وكادت تحمله مرة أخرى لكن وقفت مُتصنمة حين سمعت من خلفها من يتحدث بغلظة قائلًا:
لساكِ حرامية يا بِت “مرعي بدران”.
بهلع اغمضت عيناها للحظات قبل أن تستدير بوجهها وتنظر الى ذلك الذي تلمع عيناه نحوها بنظرات بغيضة كأنه بنظراته تلك يخترق ثيابها يُعريها…بصعوبة إبتلعت ريقها الذي أصبح كالحطب الجاف قائلة برعب وخفوت:
وليد.
إقترب منها بقسوة قبض على عضدها بقوة قائلًا بتعالي:
وليد بيه…أوعي تفكري إنكِ ترفعي المقامات يا”زينة”.
❈-❈❈-❈-❈
بالفندق
جلس طوفان على طرف الفراش ينظر لوجهها الهادئ
وهي نائمة،ملامحها رقيقة وجميلة كذالك هادئة عكس طبيعتها العصبية المُتسرعة…إنحني يضع قُبلة على وجنتها،ثم همس بهدوء:
دُرة إصحي.
تنهدت بصوت ناعس ترف جفنيها… وهي غافية، إبتسم قائلًا:
دُرة حبيبتي إصحي عندنا سفر.
مازال النُعاس يُسيطر عليها إبتسم وتعامل بخُبت وإنحني برأسه نحو عُنقها يُقبلها قُبلات دافئة، حتى بدأت أنفاسه تضطرب على عُنقها
بدأت تفتح عينيها بنُعاس تهمس حين شعرت بـحرارة أنفاسه على عُنقها…. كذالك تلك القُبلة القوية الذي تعمد قوتها كي تترك أثرًا على عُنقها، شبه إستفاقت رفعت يدها وضعتها على كتفه كي ينزاح، رفع رأسه ونظر لها مُبتسمً قائلًا:
صباح الخير… إصحي بقينا بعد الضُهر وقربنا عالعصر يلا كفاية نوم عندنا سفر.
نظرت له بشبه وعي وتحدثت بصوت شبه مبحوح من أثر النوم تستفسر:
هنرجع المنيا.
أومأ برأسه نافيًا:
لاء هنسافر القاهرة.
إستوعبت رده وإستغربت سائلة:
هنسافر القاهرة ليه.
أجابها مُبتسمً:
عندي شُغل مهم هناك.
حاولت الاعتراض بداخل راسها تود الهرب من وجودها معه الذي يؤثر على إتزانها قائله:
طالما عندك شُغل سافر إنت القاهرة وأرجع أنا المنيا.
فهم هدفها، لكن فرض قراره قائلًا:
خلاص حجزت والطيارة بعد ساعة ونص.
شعرت بغيظ لكن أخفته قائلة:
تعرف أنا دلوقتي عرفت إزاي قدرت تتأقلم وبقيت رجُل أعمال رغم إنك درست المحاماة.
تبسم سائلًا رغم فهمه قصدها لكن يود مشاغبتها:
مش فاهم، قصدك إيه؟.
اجابته بتصريح مباشر:
إنت شخص بتحب السُلطة وبتحب تفرض قرارك على اللى قدامك، مش بس عيلة كاملة كلمتك ماشيه على رقابتهم.
إبتسم سائلًا:
وده عيب ولا ميزة.
أجابته:
الاتنين يا طوفان
عيب…. لما تستخدمه تتحكم في الناس ومصايرهم وتكسر إرادتهم،
ومِيزة… لما تعرف توظّفه عشان تحمي اللي بتحبهم وتاخد قرارات حاسمة وقت اللزوم.
إبتسم هو هكذا حقًا، لكن معها كل ذلك سهل مخالفة ذلك… الوحيدة التى يستطيع أن يُخالف معها قناعاته الصلبة،
أن يتنازل عن عناده المُطبِق، أن يلين صوته رغم صرامته…مخالفته الوحيدة التي يتحمّل منها العِند، ويصبر على تقلبات مزاجها،
هي وحدها من لا يرى في عصبيتها إهانة،
بل يراها خيطًا رفيعًا من الكبرياء يُشبِهه…
ويُحبه، رغم مخالفتها صدامها المستمر معه.
غصبُ نهضت من فوق الفراش بعد دقائق كان الإثنين بالمطار ينتظران موعد إنطلاق طائرتهم
لكن أثناء جلوسهم بقاعة الإنتظار كان طوفان يُشاغب دُرة بالحديث المرح بينهما حتى قطع ذلك تلك التى وقفت أمام طوفان تمد يدها له بالمصافحة، قائلة بصوت هادئ ونبرة مفاجاة:
طوفان متوقعتش نتقابل هنا.
رفع نظره نحوها بإندهاش ثم سُرعان ما نظر نحو دُرة التي تنظر نحوها بنظرات حادة.
❈-❈-❈
بمنزل والد حاتم
أثناء عملها بتنظيف المنزل
دق هاتف جود… لوهلة خفق قلبها ربما ذلك إتصال من حاتم تذكرها أخيرًا، ذهبت نحو تلك الطاولة وجذبت الهاتف… لكن سُرعان خاب توقعها حين رأت إسم والدتها على الهاتف، أجلت صوتها وبدأت تتحدث معها لا تخبرها بشئ فقط طمأنتها أنها بخير، أغلقت الهاتف وضعته مكانه كي تستكمل تنظيف المكان كما طلبت منها بدرية،
لم تنتبه أنها كانت تتسمع على حديثها مع والدتها، تضايقت من ردودها على والدتها أنه تعيش بـ راحة وهدوء… بالتأكيد عكس ما تشعر هي على دراية أن حاتم منذ سافر لما يسأل عنها رغم إتصاله عليها أكثر من مرة، بداخلها تشعر بإنشراح، هي تُعطي له أخبارها أنها تفتعل بعض المناوشات وهي تتحملها، لكن ذلك يُؤثر على تكوين فٌكرة عنها مخالفة تمامً الحقيقة.
إنتهت من تنظيف المنزل جلست على إحد مقاعد الرُدهة تستريح قليلًا، لكن بذلك الوقت صدح رنين جرس المنزل، نهضت بتعب وذهبت نحو باب المنزل قامت بفتحه سُرعان ما شهقت بخضة حين رأت حاتم أمامها يتكئ على عصا طبية، كذالك وجود لاصق طبي على جبهته.
سمعت بدرية شهقتها شعرت بضيق شديد يتصاعد في صدرها كأنه مرجل يغلي.
خطت ببطء نحو الباب، ووقفت خلف جود وكادت تتحدث بغضب لكن صمتت للحظات حين رأت حاتم، شهقت هي الأخري وذهبت جذبت جود بقسوة من أمامها وجذبت حاتم بقلق شديد قائلة بسؤال:
إيه اللى جرالك إنت مش مكلمني إمبارح العصر لية مقولتليش إنك مُصاب.
ظل صامتًا للحظات، عيناه تتنقلان بين جود وبدرية، ثم قال بصوت مبحوح :
محبتش اقلقك، أنا بخير دي إصابة بسيطة.
نظرت بدرية نحو جود بغضب وغيظ قائلة :
دي أول مرة تنصاب فى مهمة، أكيد حصل ده بسبب النحس اللى دخلت حياتنا.
فهمت جود قصد بدرية وقفت متجمدة، كلمات تؤلمها، كذالك وجود حاتم مُصاب يُربك عقلها، قلبها ينبض بعنف، وعقلها عاجز عن اتخاذ موقف واضح.
↚
فهمت جود تلميح والدة حاتم، كانت تقصدها هي بوضوح حين قالت “وش النحس”.
شعرت بوخزات في قلبها، وخزات قاسية كأنها تخترق صدرها… للحظة كادت ترد، أن تنفي عنها هذا الظن، أن تُخبرها بأن لها ابنًا قُتل منذ أشهر، من جلب عليهم النحس وقتها، لكن تربيتها منعتها… لم تعتد أن تجرح أحدًا في وجعه، حتى لو بدأت تُشكّ أن تلك الأم لا يتوجع قلبها حقًا لفقد أحد ولديها…
لو كانت حزينة عليه كأمٍ بحق، لأشترت راحة ابنها الآخر بأي ثمن…
لكنها، رغم قصر الأيام التي عاشتها معها، بدأت تكتشف خِصالها؛
كالطمع…
يكفي أنها سألتها عن تلك النقود التي أُعطيت لها كنقوط من أخيها ووالدتها وبعض الأقارب، وطمعها في الذهب الخاص بها ، حتى أنها لمحت وإن لم تُصرح بأنها يمكن أن تعطيه لها تحتفظ لها به “احتياطًا”، بحجة أن البيت مليء بالشرفات، وسهل أن يتسلل إليه لص…
لم تقلها حرفيًا، لكنها فهمتها… أو بدأت تفهمها… بدأت تنزع عنها ذلك القناع الرقيق الزائف سريعًا….
كذالك حاتم الذي يبدوا أنه مُشتت أو يسير بلا إرادة، أيام مجرد أيام وبدأت تتلاشي صورة الرومانسية الكاذبة أمامها، فقط إنتقلت من منزل كانت أميرة مُدللة فيه، الى منزل خادمة مُهمشة فيه من البداية، ولا تعلم كيف ستستمر، لا كم من الوقت ستتحمل ذلك… كذالك الجفاء الواضح من حاتم.
❈-❈-❈
بذلك المكان بين الأراضي هلع دب فى قلب زينة وهي ترا تلك النظرات الفجة الوقحة من وليد لها، ليس فقط من نظراته بل من إقترابه منها بخطوات بطيئة وهي جسدها يتحرك لا إراديًا حتى لم تنتبه وتعرقلت بأحد جذوع الشجر الجافة، سقطت أرضًا لسوء حظها إنحصار ثيابها عن ساقيها اللتان إنكشف سترهما حتى المنتصف وظهرا عاريان أمام عيني ذلك الوضيع…
الذي تجمدت نظراته عليهما، بإشتهاء قذر… كأن الزمن توقف للحظة، قبل أن تزفر زينة أنفاسها المرتجفة وتُسرع بتغطية ساقيها المرتجفتين بارتباك، وقد علا وجهها لون الخجل والذعر معًا… لم يكن وليد بعيدًا بما يكفي، وكانت نظراته ما تزال مسمرة عليها، جامدة،مُشتهيه… لا تخفي ما بها من جرأة مستفزة ومزيج غريب من رغبة التملُك…
تحاملت على نفسها تنهض وقد قبضت على أطراف ثوبها بقوة، كأنها تحاول أن تستر به خوفها قبل جسدها… قالت بصوت مرتجف حاولت أن تجعله حازمًا:
إبعد عني يا وليد… كفاية اللى حصل قبل إكده.
لكنه لم يتحرك.. يقف كتمثال من نار، عيناه ما تزالا تحومان حولها، حتى قالت مجددًا وقد ارتفع صوتها قليلًا:
قولتلك إبعد عني الله يخليك، سيبني فى حالي.
حينها فقط، تقدم خطوة أخرى، لكنها كانت مختلفة، ليست كتلك الخطوات البطيئة الأولى، بل كان فيها تردد، صراع ما يدور بداخله… رفع يده كأنه يوشك أن يلمسها، ثم أنزلها فجأة قائلًا بصوت أجش وحاد ومُهين:
أوعي تفكري إنك إتخلصتي مني،تعرفي مش عارف فيكِ إيه بيشدني،يمكن لما…..
نظراته كانت وقحة ومخيفة، زرعت الهلع فى قلبها وهي تنظر حولها ربما تجد من ينجدها من ذلك المتوحش…
شهقت زينة ببكاء كأن كلماته صفعتها… شعرت بالخوف، بالضعف أمام رجل متوحش، لا يمت للرجولة، بل ذئب وضيع.
قالت برجاء وهي تتراجع خطوة للخلف:
حرام عليك هتكسب إيه من أذيتي.
تجمد عقله عند فكره واحده فقط ، ونظر لها طويلًا بوقاحة، قبل يصبح أمامها مباشرةً يهمس بوعيد :
مكنش لازم تعرفي… إنك نقطة ضعفي… وأنا مستحيل أضعف و…
نجدة إلاهية أنقذتها… رنين هاتفها الجوال فى البداية أربكه، كذالك سماعه لصوت صهيل أحد الخيول … كذالك تلك الصرخة التى خرجت من زينة تتبعتها بكلمات إستغاثة، وما كان ذلك الصهيل سوا من الفرس الخاص به والذي صهل بسبب وقوف إحد الحشرات الطائرة فوق أنفه
تحكمت طبيعته الجبانة استدار صعد فوق الفرس يضرب بطنه بساقيه بقوة… يهرب مثل السارق.. وكبلحظات غاب بين الأشجار، تاركًا إياها واقفة ، تكاد تختنق من ذلك الرماد الذي خلفه سيقان الجواد… ترتجف البرد بسبب سيلان العرق من جسدها بغزارة.. كذالك الخوف الذي كاد قلبها يتوقف بسببه…
وقفت للحظات مكانها، تستمع لصمت الأشجار الثقيل، رغم صمت الأشجار لكن كل نسمة هواء ثقيلة تحمل معها تهديدًا خفيًا… عضت على شفتها السفلى بقوة، عيناها تتلفتان حولها بارتباك، وقلبها يقرع صدرها كطبول إنذار
تهزي:
هو مشي خلاص … لا… أنا ليه حاسة إنه لسه هنا… يمكن مستخبي… بيراقبني من ورا الشجر.
وضعت يدها على صدرها تحاول تهدئة ضرباته، لكنها لم تستطع… تقدّمت بخطوات حذرة، كأن الأرض تحت قدميها قد تنشق في أية لحظة ويعود يظهر أمامها تحاول إستعاب عقلها… فكرت فى العودة لكن مازال عقلها مذهول:
ما ينفعش أرجع دلوقتي… طب أرجع منين أصلاً أنا دخلت الطريق ده لوحدي، وهو كان ورايا… يمكن لسه ورايا…
التفتت حولها بسرعة، تنفست بعمق عندما لم ترَ أحدًا، لكنها لم تقتنع والهزيان يزداد:
نظراته دي ما كانتش طبيعية… كانت جريئة، مُريبة… ودي مش أول مرة أحس إنه بيراقبني من بعيد… بس النهاردة… النهاردة قرب أكتر من اللازم… لو جولت لأبوي…
صمتت بل شبكت يديها في بعضها فوق فمها، وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها، ليست من البرد، بل من إحساس دفين… بأنها لم تعد بمأمن بعد خروج وليد من السجن…تتمني لو كانوا أعدموه فهو يستحق ذلك.
❈-❈-❈
بالمطار
نظر طوفان نحو دُرة التي تبدلت ملامحها من شبه مُضجرة الى مُتحفزة، وهي تنظر الى تلك السيدة التى تبسمت قائلة:
طوفان مهران… وكيل النيابة.
مد يده يُصافحها ببسمة قائلًا:
للآسف وكيل النيابة سابقًا لأني قدمت إستقالتي من سنتين ونص تقريبًا.
-خسارة
قالتها تلك السيدة ثم أعقبتها بمديح له:
النيابة خسرت وكيل نيابة عنده شجاعة وضمير وقلبه مش بيخاف، مش بيهمه غير تحقيق العدالة.
تهكمت دُرة بسخط ولم تتحدث، بينما نظرت تلك السيدة الى دُرة وتبسمت حين رأت يدها بقبضة يد طوفان وتحدثت بسؤال أولًا:
الجميلة دي تبقى مراتك.
اومأ مُبتسمّ، بينما عادت تلك السيدة للحديث بمديح:
جميلة أوي ولايقين على بعض.
تنهدت دُرة بدأت تشعر بشبة إختناق من تلك التي تمدح بجمالها تارة… وتارة أخري بـشجاعة طوفان… من تكون، وللآسف طوفان نفسه لا يتذكرها..
ابتسم طوفان ابتسامة باهتة، وعيناه تشتتان النظر في وجهها كمن يحاول تذكر ملامح غابت عنه في زحام السنوات والقضايا.
عادت تنظر له قائلة:
أكيد ممكن تكون ناسي أنا مين، أنا والدة الشاب اللى كان متهم فى قضية طعن وإنت كنت بتحقق فيها.
تنهد بتروى وقد خفت ابتسامته:
قضية إيه بالضبط؟ سامحيني… الوجوه عندي كتير.
رفعت حاجبيها بنبرة أقرب للمرارة، رغم ثباتها الظاهري:
قضية طعن شاب كان إبن سياسي معروف… ابني اتهم فيها ظلم، وانتَ كنت وكيل النيابة اللي ماسك التحقيق… يمكن ناسي، بس أنا مش ممكن أنسى.
شعرت دُرة بانقباض في قلبها، نظرت نحو طوفان تنتظر منه ردًا، لكن وجهه بات جامدًا، يحمل مزيجًا من الدفاع والتحفُظ.
قال أخيرًا، بصوت خفيض لكنه واضح:
أه إفتكرت حضرتك دلوقتي… أكيد كان عندي شك وقتها إن ابنك بريء، لكن الأدلة كانت كلها ضده،بس كان فى ثغرة فى القضيه قدرت من خلالها أتحرى الحقيقه وقدمت رأيي بكل ضمير… وسبت الباقي للمحكمة اللى أيدت براءة إبن حضرتك.
هزّت رأسها ببطء، وقالت بابتسامة إمتنان تخفي نارًا قديمة:
عارفة… وعلشان كده أنا جيت أقولك شكرًا … بسببك إبني ظهرت برائته ومضاعش مستقبله فى السجن ظلم… بس يا خسارة فعلًا اللى زيك مكنش لازم يسيب النيابة… بس أكيد عندك أسباب قوية… لما شوفتك حبيت أشكرك، إبني النهاردة بقى محاسب فى شركة سياحة هنا.
سادت لحظة صمت، توترت فيها أنفاس دُرة،تشعر بغضب فى قلبها وهي تتذكر قضية والدها التى ضاع الحق بها…
بينما تحدثت تلك السيدة وهي تهمّ بالانصراف:
بجد بشكرك وهفضل دايمًا أقول إن فى أشخاص ضميرهم بيبقي السبب فى إنقاذ أبرياء، بتمنالك السعادة مع زوجتك اللى واضح إنها بتحبك، إنت تستحق كُل خير، وآسفه إن كُنت تطفلت عليكم.
تركتهم ومضت، بينما نظرت دُرة إلى طوفان، همست:
واضح إن الست دي مغشوشة فيه متعرفش إنه السبب المباشر فى ضياع حق قتل إتنين.
ظنت دُرة أنها همست لنفسها، لكن سمع طوفان همسها، غص قلبه بقوة، وأظهر فعلًا أنه لم يسمع همسها، إبتلع ريقه قائلًا بثبات:
بينادوا على طيارتنا، خلينا نروح مكان الطيارة.
بعد قليل جلس الإثنين بمقعديهما بالطائرة، كان الصمت بينهم، وضعت دُرة رأسها على زجاج شباك الطائرة المجاور لرأسها… نظرت الى السحاب وهي تمُر، ذكرتها تلك المرأة بما حدث قبل سنوات…
بالعودة
” كانت بالسابعة عشر وقتها
بكلية الحقوق بجامعة القاهرة
كان إحتفال التخرُج السنوي،وتكريم أوائل الدفعة…والذي كان من ضمنهم طوفان
طوفان الذي كان،يشعر بوخزات مؤلمة فى صدره وهو يرا معظم زملائه محاطين من ذويهم، أبائهم وأمهاتهم وأخواتهم، بينما هو كان وحيدًا
حتى شاهر صديقه،أو بالأصح كان سبب صداقتهما هو مُختار غُنيم والد دُرة…
والدته وأخيه الأكبر،والمفاجأة التى كانت سببً فى تخفيف مرارة ما يشعر به من وِحدة
بسمتها وإقترابها من شاهر الذي ضمها وهو يضع على رأسها تلك القُبعة الخاصة بالخريجين،جعلت طوفان يشعر بالغِيرة من شاهر ود خطفها من هنا والذهاب بعيدًا،تحمل ذلك غصبً حتى إقتربت منه مدت يدها تصافحه،نظر الى تلك اللمعة بعينيها كان لها بريقًا خاص بها،هي تميمة قلبه،لإندفاع إحد زميلاته دفعت دُرة نحوه أصبحت بحضنه سُرعان ما إبتعدت تشعر بخجل كذالك كادت تنحني وتأتي بتلك القُبعة التي وقعت من على رأسها،لكن هو سريعًا وضع القُبعة الخاصة به فوق رأسها وتبسم ثم إنحني وألتقط القُبعة الأخري ألقاها نحو شاهر الذي إلتقطها وإبتسم غامزًا له…
بعد وقت بمنزل والدة شاهر
كانت جلسه بسيطه بين طوفان وشاهر و دُرة ووالدة شاهر التى تحدثت بفخر وهي تنظر نحو طوفان قائلة بسؤال:
ها يا طوفان قولي،ناويت على إيه بعد ما إتخرجت بتقدير.
إبتسم لها بينما أجاب عنه شاهر قائلًا:
هيكون ناوي على إيه بعد التقدير ده،طبعًا هيشتغل فى النيابة…ده مش بعيد يلاقي جواب التعيين بكره،إبن نوح مهران بقي…إنما أناغلبان،هكمل شُغل مع المحامي اللى كنت شغال معاه أهو أخد خِبرة كويسة قبل ما أفتح مكتب مُحاماة خاص بيا.
تبسمت والدته قائلة بتقدير:
طوفان اتخرج بتقدير عالي،لكن إنت يا دوب مقبول.
ضحك شاهر وهو يضع يده على كتف دُرة قائلًا:
شايفه جدتك يا دُرة فى صف طوفان عليا، وإنت بقي يا بنت أختي ناوية لما تخلصي الثانوية العامة تدخلي كلية إيه.
-طب عيون.
قالتها بإبتسامة، بينما تسائل طوفان:
وإشمعنا طب العيون.
أجابته:
عشان تيتا دايمًا تقولي العيون مستحيل تكذب يمكن اللسان والقلب يكذبوا لكن العيون دايمًا بتفضح صاحبها.
حقًا ذلك نظرات العيون تفضح العاشق، هذا ما لاحظه شاهر على صديقه طوفان إتجاه دُرة…
بعد قليل نهضت والدة شاهر لطهي الطعام وشاهر للرد على الهاتف، ظلت دُرة التي أصبحت صبية تشعر بالخجل حين
نهض طوفان من مكانه وجلس جوارها مجرد سنتيميرات ما تبعد بينهما، حديث عفوي،حين قالت له:
أوعي فى يوم تظلم برئ يا طوفان، تيتا دايمًا تقول دعوة المظلوم مفيش بينها وبين ربنا حجاب.
أومأ لها بوعد من عينيه، لكن كان هنالك وعدًا آخر بعينيه … ومشاعر تدخل فى حيز جديد، وقرار يأخذه طوفان بمجرد أن تنتهي دُرة من دراسة الثانوية سيتقدم لخطبتها ولن ينتظر،يخشي أن يخفق قلبها لأحدًا غيره،لن يتحمل ذلك.”
عـــــــــــــودة
حين طرق طوفان على ذلك الزجاج جوار رأسها، رفعت عينيها تنظر له كان واقفً يبتسم قائلًا:
لحقتي تنعسي دي المسافة يا دوب ساعه… وصلنا القاهرة والطيارة وقفت والرُكاب بدأوا فى النزول.
نظرت له نظرة غير مفهومه ركزت نحو عيناه، هل ما أخبرتها به جدتها سابقًا أن العيون لا تكذب وتفضح صاحبها كان كذبً فبعض العيون أصبحت تُجيد المكر والخداع وهي وقعت بمكر بتلك العيون أولها عيني طوفان الذي يخفيهما الآن خلف نظارة تحجب الشمس، وآخرها عيني
“حسام” التي إحتارت في تفسير نظراته بين، وبين ولم تفهم مغزى لنظراته، عكس نظرة عين طوفان حين ينظر لها بأوقات الصفاء، ترى بهما حكاية لم تُروَ، وطمأنينة تُشبه حضن الغائب بعد غياب، ترى فيهما صدقًا أحيانًا يُربكها أكثر مما يريحها، وكأن صمتهما ينطق بما يعجز لسانه عن قوله…
تلك النظرات تُربكها وتُثير في قلبها سكونًا صاخبًا، كأنها على شفا اعتراف لم يُقال، أو وعد لم يُعقد بعد…
ومع كل رمشة من عينيه، كانت تشعر أن شيئًا ما يُزاح عن قلبه بصمت، شيئًا يخصها… يخصهما.
لكنها ادركت، أو تتظاهر بأنها أصبحت تُدرك، أن العيون وحدها لا تكفي، وأن حتى أعذب النظرات قد تُضلل إن لم يسندها الفعل…
يُقارن عقلها…
حين كانت تغض بصرها خجلاً أو حذرًا، كانت تشعر بثقله يظلّ معلقًا بها، وكأنه لم يغضّ طرفه عنها قط…
هل يحبّها حقًا… أم فقط يُجيد التمثيل
سؤال ظلت تحمله بين ضلوعها كجمرة، تخمد حينًا وتشتعل حينًا، خاصة حين يُقابلها بالصمت في اللحظة التي كانت تنتظر فيها كلمة، أو حتى ابتسامة تكسر تلك الحيرة.
لكنها لم تنسَ… أن طوفان، حين أحب، لم يقل، بل فعل… وتقدم لخطبتها باكرًا… لكن وقتها هل واجه رفض والده لذلك… أم إستسلم.
فاقت مره أخري حين توقفت تلك السيارة… وضع طوفان يده على كتف دُرة قائلًا:
وصلنا مالك من وقت ما ركبنا الطيارة حاسس إنك سرحانه.
نظرت ليده على كتفها، كانت يده اليسار، رأت ذلك الخاتم بدلًا عن خاتم الزواج، خاتم ذو طابع قديم، كان لوالده… لكن لأول مره تنتبه أن هنالك خاتم آخر أسفل ذلك الخاتم خاتم زواج… قبل أن تسأله كان ترجل من السيارة… ترجلت هي الأخرى قائلة بإستغراب:
ده بيت تيتا.
أجابها ببسمة:
أيوة طنط وحشتني هسلم عليها وأسيبك معاها للمسا هرجع أخدك نروح الفيلا بتاعتي هنا.
صمت كأنه قبول…بالفعل صعد معها لمنزل جدتها بالكاد سلم عليها وترك دُرة معها وغادر
جلست دُرة بحُضن جدتها، ضمتها قائلة:
من زمان مقعدتيش فى خضني كده من يوم…
توقفت قبل ان تقول منذ يوم وصول خبر مقتل “مختار وحسام”بعد أن كانت شبة فقدت الوعي غير مُصدقة ذلك الخبر الذي بدل حياتها جذريًا.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان بالبلدة
الخبر السيء قد ينتظر
بغرفة وجدان شعور بالقلق لا تعلم سببه قلبها اصبح مُعلق دائمًا بـ جود تُعطي تفسيرًا لذلك أنها كانت دائمًا أمامها معظم الوقت، بكنفها، ربما تشعر هكذا لوقت ويزول ذلك الشعور مع الوقت وتتعود أن جود أصبحت لها حياة خاصة بمكان بعيد عنها تنهدت وجدان، محاولة طرد ذاك الشعور الغامض الذي ظل ينهش قلبها دون تفسير واضح، وكأن قلبها يُدق على باب لا تدري ما وراءه…
تُقنع نفسها أن الأمر طبيعي، أن التعلق بجود ما هو إلا عادة تراكمت على مدار الأيام والسنين، لا أكثر…
لكن في أعماقها، كانت تعرف أن التعود على هذا الغياب ليس بهذه البساطة.
فوجئت بدخول شكرية عليها تلهث قائلة:
كويس إنك لسه صاحيه.
نظرت لها وجدان بلهفه سائلة:
مالك بتنهجي كده ليه، مش كنتِ فى حِنة بنت أختك الحِنة حصل فيها حاجه.
أجابتها شكريه بعدما إرتشفت القليل من المياة:
لاء الحمد لله الحِنة مرت بخير، أنا سمعت من واحدة تبقي جارة دار بدرية أم حاتم، إنها شافته داخل الدار على عكاز يعرج وكمان فى لازق على جبينه.
خفق قلب وجدان وإنتفضت واقفه تقول:
هيكون حصل له إيه، هلبس ونروح نشوف فى إيه.
بصعوبة أقنعتها شكرية:
الوقت بقينا بعد العشا بعشا تانية، إتصلي على جود وإعرفي.
وافقتها وجدان أنفاسها ضاقت فجأة، وكأن نبض قلبها أصبح في سباق مع الوقت.
فتحت العاتف سريعًا وضغطت على اسم “جود” دون تفكير، الهاتف يرن، وكل ثانية تمر كانت كضربة مطرقة على رأسها.
مرت لحظات بدت لها دهرًا حتى جاءها صوت جود على الطرف الآخر، هادئًا بعض الشيء، لكن متعبًا:
مساء الخير يا ماما.
بتسرُع منها تحدثت:
جارتكم كان فى الحِنه قالت إنها شافت حاتم داخل يعرج وفي لازق على جبينه، هو كويس.
ساد صمت لثوانٍ… كأن جود تُفكر ثم أخبرتها:
آه… كان فى مهمة شغل وإتصاب بس إصابة مش قوية،كام يوم وهيبقي كويس.
تفوهت وجدان بهدوء سائلة:
طب الحمد لله إديه الموبايل أسلم عليه.
توترت جود فماذا ستقول، أنه ظل ماكثًا جوار والدته التى تبكي بين الحين والآخر… تمسك به بخوف حقيقي.
تعلثمت قائلة:
حاتم أخد العلاج ونام.
تفهمت وجدان ذلك قائلة:
تمام، ربنا يشفيه هتصل الصبح يكون صحي، تصبحي على خير.
– وإنتِ من أهله يا ماما.
أغلقت الهاتف ظلت جالسه للحظات قبل أن تشهق بخضة حين سمعت حديث حاتم الذي دخل الى الغرفة وسمع نهاية حديثها مع وجدان لكن تسائل:
كنتِ بتكلمى مين؟.
تهكم من خضتها وإستطردت حديثه بسخرية:
مالك بتشهقي كده ليه شوفتي عفريت.
نهضت من فوق الفراش قائلة:
لاء منتبهتش لدخولك فكرتك هتفضل تحت مع مامتك.
كأنه شعر بسخريه من نبرة حديثها، وهذا غير صحيح لكن عقله مع حديث والدته عنها يوحي له بذلك، فتحدث بحِدة:
لاءهفضل هنا لو مكنش ده يضايقك.
نبرة صوته الغليظه مفهومة لكن إبتلعتها حين جلس على الفراش وضع تلك العصا الطبيه جانبًا، ورفع ساقه السليمه، حاول رفع الأخري لكن تألم، شفق قلبها ذهبت نحوه رفعت ساقه فوق الفراش، ليس هذا فقط، بل نزعت الحذاء من قدميه، تعجب من ذلك ونظر لها بذهول، لم يتوقع منها ذلك بعدما سمع من والدته أنها مُتكبرة، لكن تحكم سوء الظن أنها تفعل ذاك رياءً أمامه لا أكثر.
❈-❈-❈
بصباح
اليوم التالي
بـ ڤيلا بمنطقة راقية
استيقظ طوفان على صوت رنين هاتفه.
فتح عينيه بتثاقل، لكن ابتسامة هادئة ارتسمت على وجهه حين وجد دُرة بين ذراعيه، غافية كطفلة تشعر بالأمان…
لحظات ظل قريبًا منها، يستنشق من أنفاسها الهادئة، وكأن سكينتها تغسل قلبه من صخب العالم… لكن بدأت تتململ بسبب صوت الهاتف، غصبً إبتعد وجذب الهاتف، تبسم حين رأي هوية المتصل وأجلي صوته من النوم وقام بالرد:
صباح الخير يا ماما.
تخدثت معه بهدوء ثم أخبرته أن حاتم قد أصيب ولابد من عودته كي يقوم بزيارته كواجب أخوي مع زوج أخته.
تعجب قائلًا:
وإنصاب إمتي، مش المفروض أنه واخد أجازة عشان جوازه.
أجابته:
معرفش أنا وصلي خبر، ولما اتصلت على جود أكدت الخبر، خلينا نعمل الواجب ونروح نطمن عليه عشان خاطر جود.
أمتثل بهدوء قائلًا:
تمام يا ماما أنا المسا هرجع المنيا.
-توصل بالسلامه وسلم لى على دُرة.
أغلق الهاتف، سمع صوت تثاؤب دُرة نظر نحوها وتبسم بينما هي سمعت نهاية حديثه وتسألت بفضول:
إحنا هنرجع المنيا النهارده.
نظر لها بعين لامعة بالعشق وضع قُبلة على شفاها بنعومة ثم ترك شفاها حين رفعت يديها تدفعه قائلًا بإبتسامة:
صباح الخير.
خاولت التنفُس بهدوء قائلة:
بقولك هنرجع المنيا.
كاد يراوغ لكن زجرت له فابتسم وهو يجذبها له يضمها مُشاغبً، قائلًا:
أيوه هنرجع المسا، تفتحت ملامحها وكادت تدفعه عنه لكنه حاصرها بجسده الذي أصبح فوقها يضع رأسه بعنقها يدغدغ مشاعرها التى تستجيب له بعد إلقائه كلمات هيام وغرام ولمسات حنونه وهمساته تتسلل كالعطر الدافئ في عروقها، ارتعشت أنفاسها وهي تحاول أن تحافظ على تماسكها، لكن لا مفر من تأثيره ، ولا من ضعفها الذي يتسلل إليها كسحرٍ قديم تعرفه جيدًا، وتخشاه أكثر…
شعرت بقلبها يدق بعنف، وكل محاولة منها لردعه كانت تتكسر على صخرة حنانه الماكر.
إنتهت جولة الغرام، حاولت سحبت نفسها من بين ذراعيه برفق، تحاول جمع شتات أنوثتها، بينما نظراته تتبعها بشغف واضح ورضا رجلٍ انتصر دون قتال.
قالت بصوت خافت، تحاول التهرب من سطوة اللحظة:
هنرجع إمتي.
فهم أنها تتهرب من ما حدث بينهما، فضمها بقوة يأثرها بين ذراعية هامسًا:
هنرجع المسا، عندي شوية شغل صغيرين فى مقر الشركة هخلصهم على بعد الضهر وبعدها نرجع المنيا، اللى إنتِ مستعجله نرجع لها.
إرتبكت من لهجته التي تمزج بين الجد والدلال، وشعرت بسيل من المشاعر المتضاربة يتخبط بداخلها. حاولت أن تخفي توترها فخفضت عينيها،ابتسم ابتسامة صغيرة، كأنه يقرأ ما بين سطورها، ثم قال وهو يمرر أنامله على خصلات شعرها:
أنا فاهمك كويس يا دُرة.
ثم ساد صمت لطيف بينهما، أدي الى قُبلات ولمسات إنتهت بصوت رنين الهاتف،بضجر تنحي طوفان عنها،وجذب الهاتف وهو يُزيح الدثار عنه قائلًا:
هاخد شاور عالسريع وأروح الشركة
هبعتلك عربية بعد الضهر.
تسرعت قائلة:
أنا هروح عند تيتا ابعتها على هناك.
أومأ مُبتسمً
بعد وقت أمام مقر الشركة إبتسم طوفان، وهو يصعد الى تلك السيارة، لم يرا تلك التى تقف بسيارتها خلف سيارته، حتى أنه لم يسمع ندائها عليه.
❈❈-❈-❈
بعد وقت
بشقة حاتم
بعد إستقباله الفاتر لكل من طوفان و وجدان
اللذان لاحظا ذلك لكن لم يهتما بذلك فرضا أنها قد تكون طبيعة حاتم عدم التألف السريع، لكن إنتفض طوفان واقفً حين مدت جود يدها له بكوب من القهوه،قبض على يدها يتمعن النظر لها، تأكد من ذلك الإحمرار الظاهر على يدها تسأل بعنف:
إيه سبب إحمرار إيدك بالشكل ده.
آنت بألم فخفف قبضة يده عليها، ونظر لها ينتظر إجابتها لاحظ نظرتها نحو حاتم الذي نظر لها بتحفُز لإجابتها التى كانت غير مُرضية لعقل طوفان ولا وجدان:
وقع عليها ماية سخنه بدون إنتباة مني.
إجابه واهيه لكن إبتلعها طوفان مؤقتً.
❈-❈-❈
بعد وقت دلف طوفان الى غرفة النوم كانت شبه مُظلمة، ضوء خافت نظر نحو الفراش كانت دُرة غافية تبسم رغم غصة قلبه من منظر يد جود…تنهد يبدوا أن دُرة مريضة بداء النوم منذ أمس بالطائرة، حتى حين عاد مساءً لمنزل جدتها وجدها نائمة، كذالك بالطريق نعست، والآن غافية…
تنهد وهو ينزع ثيابه وضعها على آريكه بالغرفه ثم تمدد على الفراش، وضع يديه أسفل رأسه، تنهد يسحب الهواء يُفكر بيد جود، حتى لمعة عيناها شعر بإنطفائها، هل هذا لسبب أم أنها أصبحت بعيده عنه، لكن لا حتى مرحها ودلالها عليه كان مُنعدمً عكس عادتها معه…
زفر نفسه بـضيق يزم نفسه هل بسبب إستكمال زواجه من دُرة تهاون ولم ينتبة على وترك جود لمصير غير معلوم…
فكر لو كان والده مازال حيًا كان من المستحيل أن يوافق على ذلك، وذكري بعيده حين أخبر والده رغبته بالزواج فإنشرح وجهه لكن حين أخبره أن الذي يود منها هي “دُرة، إبنة مُختار غُنيم” كان الرفض منه قاطعًا حاسمً وبلا جِدال.
↚
بعد مرور عِدة أيام
بمنزل طوفان
مساءً
إستقبلت وجدان كريمان ومعه باسل بترحيب
بنفس الوقت كانت تدلف دُرة الى المنزل، نظرت لها كريمان بتمعن سُرعان ما زفرت نفسها بضيق من ملامح وجه دُرة الظاهر عليها الإجهاد بوضوح،هي فعلًا تشعر بالارهاق،لكن تبسمت لوالدتها قائلة بترحيب وهي تضمها:
أزيك يا ماما وحشتيني من يوم ما رجعت للـ المنيا مشوفتكيش،إتبسطت لما اتصلتي عليا الضهر وقولتى هتيجي إنتِ وباسل تزروني.
ضمتها كريمان بأمومه ونظرت لوجهها مرة أخرى شعرت بوخز فى قلبها وتفوهت بآسف:
ما إنتِ من يوم ما رجعتي من القاهرة زي ما يكون الشُغل فى المستشفى كله فوق دماغك مش عارفة تاخدي ساعة تفوتي علينا،واضح على ملامح وشك الإجهاد.
تنهدت دُرة بإجهاد قائلة:
فعلًا…شغل المستشفي كتير،غير كمان بدور على مكان مناسب أعمل مركز بصريات.
نظرت لها كريمان بنزق وتهكمت قائلة:
كمان…إنتِ لسه ملقتيش المكان اللي بتدوري عليه.
فهمت دُرة طريقة تلميح كريمان المُتهكم نظرت لها وتنهدت قائلة:
لسه ملقيتش المكان المناسب ادعيلي.
نظرت لها كريمان بحُنق بينما حاول باسل اخفاء بسمته، من نظراتهن لبعض التي تُشبه نظرات الديوك، دائمًا كانا هكذا بينهن عدم توافق بالأخص من كريمان كثيرًا ما تتضايق من أفعال دُرة المُتسرعة التى لا تحسب لها رد فعل لاحق، تدخل وهو يقترب من دُرة وضع يده على كتفها قائلًا:
ليا صديق والده سمسار عقارات هكلمه قوليلي إيه مواصفات المكان.
نظرت له كريمان بتحذير فتبسم، كذالك وجدان تدخلت فى الحديث بذوق:
كفاية عليكِ شغل المستشفي، بكره هتنشغلي ليه تضغطي على نفسك بزيادة، أنا متابعة مع دكتور عيون يبقي مدير مستشفي الرمد، لما اروح المتابعة الجايه هكلمه يخف عنك الشغل كده كتير، إنتِ بتجهدي نفسك جامد.
نظرت دُرة نحو كريمان نظرة لوم، فحديثها هو السبب بتدخُل وجدان لكن لم تهتم كريمان بنظرتها وتبسمت لـ وجدان قائلة:
والله ياريت تكلميه يا حاجه وجدان، دُرة أساسًا ملهاش الإجهاد.
نظرت لها دُرة بغضب قائلة:
وليه ماليش الاجهاد….
قاطعتها كريمان بتذكير:
ناسية مشكلة صدرك دي لوحدها كفيله إنك تخافي على صحتك.
تنهدت دُرة بغيظ، بينما تبسمت وجدان قائلة:
هنتكلم كده وإحنا واقفين إنتم مش أغراب.
تبسمت كريمان لها بمحبة دلفوا الى إحد الغرف تجاذبن كل من وجدان وكريمان الحديث بود بينهن، بينما دُرة وباسل تحدثن عن بعض المواضيع الخاصة بهما، الى أن دخلت إحد الخادمات وقفت خلف وجدان وإنحنت عليها تهمس لها بشيء تبسمت قائلة:
خليها تجي هنا… مفيش حد غريب.
غادرت الخادمة بينما تبسمت وجدان قائلة:
دي سجى بنت أختي.
لوهلة خفق قلب باسل، بينما
بعد لحظات دلفت سُجى بإبتسامة سُرعان ما شعرت بالخجل، تبسمت لها وجدان قائلة بمحبة:
تعالي يا سُجى محدش غريب، دي مامت دُرة وأخوها.
شعرت بحياء وذهبت نحو وجدان عانقتها ثم جلسن الإثنين رحبت بها وجدان قائلة:
دي سجى بِت أختي كوثر، ومعزتها من معزة جود بِتِ.
رحبت بها دُرة قائلة:
اتعرفنا على بعض قبل كده.
أومأت سُجى بإبتسامة رقيقة، كذالك تبسمت لها كريمان، بينما ظل باسل صامتً
لكن سُرعان ما إندمجن جود وسُجى بالحديث، وشاركهن وجدان وكريمان
التى نظرت لها بتقدير بعدما تحدثت وجدان بتفاخُر:
سُجى هتدخل كلية الطب.
تبسمت كريمان قائلة:
الف مبروك ويا ترا بقي حاطة تخصُص معين فى دماغك.
أجابتها سُجى برقة:
لحد دلوقتي لاء، بس فى دماغي أتخصص طب أطفال أنا بحب الأطفال.
وضعت وجدان يدها على كتف سُجى بدعم وإبتلعت غصة قوية فى قلبها، كُم تُشبهها سُجى ليس فقط بالملامح بل الطموحات، تمنت أن تستكمل تعليمها لكن والدها كان نسخة أولى من “نوح” ولم يدعها تستكمل دراستها بعد الثانوية بل تسرع وزوجها لـ نوح التي ظنت أنه قد يكون طوق نجاة لكن كان أسوء من والدها إنتهت بل تحطمت أحلامها فى جدار الصمت غصبً… لكن سُجى أوفر حظًا وستتحقق أمالها…
إبتسمت سُجى وظل حديث دائر بين الثلاث وباسل رغم شعوره بالحرج وهو الرجُل الوحيد الجالس معهن، بل العضو الصامت، لكن كان يختلس النظر الى تلك العفوية الرقيقة، حتى نهضت كريمان قائلة:
والله القاعدة معاكِ يا حجة وجدان ما يتشبع منها، سمعت كتير عنك، بس بصراحة لما إتكلمنا مع بعض، السمع حاجه والكلام حاجة تانيه، عرفت طوفان عنده طول بال وصبر، أكيد ورثهم منك.
نهضت وجدان بذوق قائلة:
وأنا كمان بنبسط لما بجعد أتحدت وياكِ ست عاقلة ورزينة.
تبسمت كريمان وهي تنظر نحو تلك الجالسة بمغزي، فهمت تلميحها أنها تمدح بـ طوفان… بداخلها تهكمت ونهضت هي الأخري، كذالك سُجى التي قالت:
أنا هنا من زمان وبابا زمانه رجع البيت.
ابتسمت لها وجدان قائلة!
سلمي لي على أخواتك وكمان كوثر وكمان زيدان.
إبتسمت سُجى وهي تومئ برأسها…
ذهبت دُرة مع والدتها وأخيها كذالك وجدان ومعها سُجي التي تبسمت لها كريمان قائلة:
تعالي معانا يا سُجى نوصلك بالعربية.
رفضت سُجى بذوق لكن أصرت عليها كاريمان كذالك وجدان فوافقت بسبب شعورها بالحرج صعدت الى المقعد الخلفي للسيارة، ظل حديث دائر بينها وبين كاريمان تتحدث عن دراستها للتمريض وبعض المعلومات البسيطة وأنها مازالت تُتابع قراءة كُتب الطب والتمريض.
كذالك باسل ظل صامتً أيضًا يشعر بالحرج… حتى وصلا أمام منزل والد سُجى… ترجلت من السيارة وقامت بشُكر كريمان التى تبسمت لها قائلة:
معاكِ رقم موبايلي خلاص بقينا أصحاب.
إبتسمت لها بحياء، حتى أنها لم تنتبه لتلك التي صدفة سيئة جعلتها تخرج الى شُرفة المنزل وترا ذلك الموقف الذي رسخ بعقلها فهم السوء، أغلقت شُرفة المنزل بغضب وذهبت نحو الشُرفة تنتظر حتى دخلت سُجى الى المنزل، سُرعان ما شهقت بألم وهي تشعر بإنتزاع خصلات شعرها مع ذلك الحجاب الذي كان حول راسها، قبل أن تستفهم كان سُباب وصفعات كوثر لها تسألها بعُنف:
مين اللى إنتِ نازله من عربيته ده.
بنفس الوقت جاء زيدان وأختيها على صوت شهقتها كذالك صوت كوثر العالي… سلت سُجى زيدان من بين يديها وضمها ينظر الى كوثر بغضب، وقبل أن يستفهم عن السبب كادت كوثر أن تجذبها كي تُكمل صفعها لحد دفعها زيدان قائلًا بغضب:
إنتِ إتجننتي فى عقلك.
بغضب ولهاث قالت كوثر:
لاء لسه متجننتش وعندي عقل، شوف بِتك نازله من عربية مين دلوق.
نظر زيدان لـ سُجى التى تبكي، فبررت ذلك:
والله يا بابا انا كنت عند خالتي وجدان وكان هناك الست والدة دُرة وأخوها، وكنت هاجي مشي بس حرجوني والله حتى ما بصيت له كل حديتي كان مع الست كاريمان ولو مش خالتي حرجتني مكنتش ركبت معاهم.
نظر زيدان الى كوثر قائلًا:
كان لازمن تسمعي مُبررها قبل ما تتهجمي عليها، والست كاريمان وإبنها ناس محترمة.
تهكمت كوثر بسخط وإستهزاء قائلة:
مين اللى محترمة المصراوية اللى رمت شباكها على راجل وخطفته،ولا بنتها اللى محزنتش لا على ابوها ولا خطيبها وقبل ما تلف سنه كانت راميه شباكها على طوفان وزي ما تكون سحرت له،ضربته بالرصاص وكان هيموت بسببها وبرضك فى الآخر أصر يتجوزها،إياك بعد كده بس تتحدتي عنهم جدامي.
نظر زيدان لـ كوثر بآسف وهو يضم سُجى،التى ترتجف وتبكي بين يديه طبطب عليها قائلًا:
خدي أخواتك وإدخلى اوضتكم يا سُجى.
ذهبت نحو أختيها اللتان حاوطنها بحب ودخلن الى غرفتهن،بينما نظر زيدان نحو كوثر قائلًا:
إنت ربنا إدالك نعم كتير بس إنتِ بضيعيها بجبروتك وجسوة جلبك خايف يجي يوم وتندمي لما تلاقي نفسك وحيدة.
قال ذلك ولم ينتظر خرج من الدار،بينما شوحت كوثر بيدها بلا مبالاة،غير انها مازالت تشعر بغضب ليته تركها نفثت عن ذاك.
❈-❈-❈
بعد منتصف الليل تقريبًا
دلف طوفان الى غرفته، نظر نحو الفراش كما توقع دُرة غافيه… تنهد ببسمه وذهب نحو الحمام أخذ حمامً باردًا يُزيل عن جسده بعض تشنُجات الإرهاق، خرج بعد دقائق توجه نحو الفراش تمدد عليه، نظر نحو دُرة يتأملها وهي غافيه، سرح ببعض ذكريات الماضي لكن قبل أن تتوغل منه
انتبه من شروده على صوت همس دُرة نظر نحوها وإبتسم حين أكدت همسها بنطقها لإسمه مرة أخرى بنبرة نُعاس:
طوفان.
إعتدل على جانبه ينظر لها لحظات قبل أن يقترب منها وكاد يضمها،لكن هي أستدارت تُعطيه ظهرها تتنهد بتمثيل الضيق قائلة:
إبعد عني ريحتك سجاير فاقعة.
ضحك وهو يتعمد ضمها بين يديه يضع قُبلة على جانب عُنقها.
تضايقت حاولت الابتعاد عنه فشلت من قوة ضمه لها فتأففت قائلة بتذمُر:
من فضلك إبعد عني شوف كنت سهران فين لحد دلوقتي وروح كمل سهرتك.
ضحك وهو يضع قُبلة أخرى هامسًا بخبث:
وإنتِ ايه مسهرك لحد دلوقتي.
تنهدت قائلة:
مين قالك انى كنت سهرانه، انا كنت نايمة بس ريحة السجاير الهابه منك صحتني، أو بمعني أصح خنقتني، فإبعد عني وسيبنى أكمل نوم.
ضحك قائلًا:
بس انا واخد شاور وكمان غسلت سناني يعني ريحة السجاير اللى بتتكلمي عنها مش موجودة غير عندك، واضح حاسة الشم عندك الفترة دي قوية ومش مظبوطة، كمان إيه حكاية النوم الكتير معاكِ، لا تكوني….
فتحت عينياها بإتساع وهبت جالسة تنظر له بدهشة وارتباك، قطعت عليه بقية حديثه قبل ان يُكمل :
لا…. لا طبعًا… مستحيل
ضحك بصوت عالي وهو يمد إحد يداه يلمس إحد وجنتيها محاولًا إستفزازها قائلًا:
طريقتك في النوم طول الوقت، وحساسية الشم الزايدة عندك…. ما تطمنيش خالص.
رمقته بنظرة حادة وهي تقول بنبرة متحفزة:
لاء بلاش تفكر فى شئ مش موجود، ويعني بدل ما تعتذر عن ريحة السجاير اللي خنقتني، تخمن إني حامل
ضحك أكتر وهو يقترب منها مرة أخرى بخباثة قائلًا بمراوغة:
أنا مقولتش إنك حامل إنتِ اللى خمنتي.
زفرت نفسها بغضب وهي تنظر له بـحِدة قائلة بقطع ونفي:
لاء أنا متأكدة إني مش حامل…
راوغها بإبتسامة غامزًا بوقاحة قائلًا بمقاطعة:
وإيه اللى أكدلك كده، إحنا من ليلة جوازنا وإحنا مع بعض كل ليلة…
تجهمت ملامح وجهها، وانعقد حاجباها بغضب، نظرت له بحدة والغيظ يتصاعد في صدرها من غمزه الماكر وكلماته المُبطنة بالوقاحة… وكزته بكتفه بقوة، ثم عن قصد غيرت دفة الحديث بينهما قائلة:
بلاش دماغك تروح لحاجة مستحيلة بعدين في موضوع تاني أهم عاوزة أتكلم معاك فيه لانه طول أوي ولازم ينتهي.
نظر لها بثبات، يعلم طبعها جيدًا ويفهم متى تود الهروب من موقف لا يناسبها…
هي لا تهرب خوفًا، بل ضيقًا.
ابتسم ابتسامة خفيفة سائلًا بطواعية:
وإيه هو الموضوع ده بقي؟.
أجابته بإختصار وتوضيح:
الأرض… أرض بابا….
رفع حاجبيه بمكر وتفكير قائلًا بمراوغة:
مالها أرض باباكِ مش باسل هو المسؤول عنها.
زفرت نفسها بغضب،نظرت له بضيق قائلة:
بطل مراوغة إنت فاهم قصدي كويس أوي إني أقصد الارض اللى إنت إشتريتها من بابا.
بمكر مثل بتذكُر قائلًا:
أه إفتكرت تقصدي الأرض اللى باسل بيراعاها،مالها بقي الأرض دي.
وكزته بكتفه بغضب قائلة:
بطل إستعباط،أنا عاوزة أرض بابا اللى انت اشترتها منه ترجع تاني لينا.
تبسم بمكر وهو يُمسد على أنفها قائلًا بخبث:
ومعاكِ تدفعي تمن الأرض دي منين،أعتقد شقة القاهرة لغاية دلوقتي متابعتش.
تضايقت بشدة وهي تنظر له بتذكير:
إنت قبل كده ساومتني ترجع لى الارض مقابل إنى أتجوزك واهو خلاص إتجوزنا،كمان قولت إنها هتبقي المهر بتاعي،وأنا عاوزاها تتسجل بإسمي.
ضحك بصخب قائلًا:
سبق وقولتلك مش كل العروض بتبقي مُتاحة طول الوقت والعرض إنتِ رفضتيه وقتها،وكمان بخصوص المهر،مكتوب في قسيمة الجواز إتنين مليون دولار،يعني أضعاف تمن الأرض.
نظرت له بغضب سحيق سائلة بإستفهام:
قصدك إيه، وبعدين أساسًا أنا مشوفتش الإتنين مليون دولار دول.
ضحك ببرود قائلًا:
سبق وقولتلك هيبقوا موجودين فى حسابك بمجرد ما جوازنا هيتم، وده اللى حصل فعلًا تم تحويل المبلغ فى حسابك فى البنك، يمكن إتأخروا فى إرسال رسالة بإيداع المبلغ، لكن تقدري تتأكدي من رصيدك فى البنك.
صمتت لحظات تشعر بغيظ، لكن فكرت بمكر:
خلاص طالما كده، هحولك تمن الأرض وتسجلها بإسمي.
ضحك وهو يتثائب قائلًا بمراوغة:
أنا مش بفكر أبيع الأرض دي لها مكانة خاصة عندي، وكمان أنا دلوقتي هلكان من الشُغل وكل اللى بفكر فيع هو النوم… النوم وبس…
لاء النوم وأخدك فى حضني زي كُل ليلة.
شعرت بغضب جم ودفعته عنها ثم دفعت الوسادة بوجهه وكادت تنهض من على الفراش بغضب قائلة:
كداب معندكش كلمة، اتفضل
خُد المخدة فى حضنك أنا هروح أنام عالكنبة ريحتك سجاير تُخنق.
قبل أن تنهض من على الفراش جذبها وقيدها بجسده ضاحكً يقول:
الكنبة عليها الجاكيت بتاعي وده ريحته سجاير فاقعه، أنا بقول تنامي هنا جانبي عالسرير بدل ما تتخنقي بجد.
حاولت الخلاص منه لكن أحكم حصاره عليها جعلها توهمه بالإستسلام فخفض قوة يده، دفعته فابتعد عنها مُعتدلًا فوق الفراش وجذبها للنوم جواره غصبً، بالفعل إستسلمت رغم ضيقها، لاحظ طوفان سكونها فمزح وهو يضع يده على بطنها قائلًا:
متأكدة إنك مش حامل… أنا شاكك إنك…
شعرت بغضب وقاطعته قائلة بإنزعاج:
مستحيل.
ضحك بصخب قائلًا بهمس:
إحنا فى زمن المستحيل يا دُرتي… تصبحي على خير.
تحدثت بغضب:
أكيد لو هبقي فى الجنة هبقي بعيد عنك… لانك كداب ومُخادع بإمتياز.
ضحك وهو يضع قُبله على جانب عُنقها، ثم همس بحنان قائلًا:
بحب جنانك، أكيد عصبيتك دي هورمونات حمل.
وكزته بكوعها ببطنه فضحك، قائلًا:
دايمًا بتخسري بسبب عصبيتك وتسرعك، واختيارك الوقت الغلط كمان أنا دلوقتي مُرهق مش بفكر غير فى النوم وإنتِ فى حضني.
إستكانت بين يديه لكن بعقلها
أمران
الاول أتكون حقًا حامل وذلك بالتأكيد… مستحيل رغم أنها لم تتناول أي موانع لكن ليس بهذه السرعة…
والثاني هو الأرض لن تتنازل ولابد من عودتها لأملاكها.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين
صباحً
بمنزل حاتم
وضعت جود أمامه طعام الإفطار، نظر لها بتعالي قائلًا:
حاسبي توقعي الماية على إيدك مش ناقصين غضب طوفان بيه علينا ويسأل كل ساعة ولا شكه إننا مستعبدينك هنا.
ترغرغت الدموع بعين جود لكن حاولت كبتها بين أهدابها لكن غصبً سالت، وبالفعل إرتعشت يدها وكادت تسكب المياة لكن وضعت الابريق فوق الطاولة قائلة:
الكاتل أهو لما تحب تشرب شاي إعمل لنفسك.
نظر حاتم الى ذلك الابريق ونهض قبل أن تُغادر جود المطبخ بسرعة جذبها من عضد يدها وبسبب الغضب لم يرا تلك الدموع التى سالت فوق وجهها، وتحدث بتهجُم:
قصدك إيه.
نفضت يده عنها بغضب وقوة قائلة بكبرياء:
يعني أنا “جود بنت نوح مهران”
مش خدامة يا حاتم، وإن كنت مستحملة طريقتك دي فده عشان بس يوم ما أخد قرار صدقني مش هندم.
نظر لها بغضب قائلًا:
قصدك إيه؟
فاجئته بسؤال جعله يصمت للحظات:
إنت طلبت تتجوزيني ليه يا حاتم.
صمت للحظات من المفاجأة قبل أن يستهزأ وهو يحاوبها بسخط:
والناس ببتجوز ليه يا… جود بنت نوح مهران.
أجابته بما لم يفعله معها:
الناس بتتجوز عشان المودة والرحمة وتكوين أسرة بينها حب وتفاهم، بلاش حُب
عالاقل تفاهم مش ظنون ومعاملة جافة
ولا عندك رحمة واللى عندك عُقدة نقص من ناحية أخويا، كمان…
نظر لها بإستهزاء سائلًا بحنق:
وإيه كمان سكتِ ليه كملي.
نظرت له بدأ الندم يتوغل الى قلبها الذي رسم أوهام سعيدة وتفاجئ على بحقيقة قاسية
لكن قبل أن ترد فجأة داهمها دوار وكادت تقع أرضًا،لولا ومدت يدها نحو إطار الباب ظنًا أنها إتكئت عليه وإستسلم عقلها للهروب من مواجهة حاتم وتخبره أنه بلا شخصيه
فقط مُسير مُجرد تابع لأوامر والدته، لكن خانها جسدها سقطت مُمدة علي الأرض فاقدة للوعي.
كان على شفا هفوة وقد يقوم بصفعها، لكن فقدانها للوعي جعلة بلحظة يشعر برأفة غريبة عليه، وهو يراها بهذا المنظر مُمدة على الأرض… سريعًا وبلا تفكير… انحني يحملها ثم ذهب الى غرفة النوم وضعها على الفراش
…وشعر بشيء غريب يخترق صدره، كأن أحدهم انتزع الغضب من داخله ووضع مكانه ذعرًا….
جذب قنينة عِطر خاصة بها جلس بجانبها، وقام بسكب القليل على يده قربها من انفها يهزها برفق وهو يهمس باسمها، يتأمل وجهها الشاحب وكأنه يراه للمرة الأولى.
اختفت صلابته، وتلاشت نظرات التحدي من عينيه، ولم يبقَ سوى رجل خائف، عاجز، ينادي امرأة كان منذ لحظات فقط يفكر في إيذائها.
نادى بصوت مرتجف:
جود….جود.. فوقي
لكنها لم تُجب…
نظر حوله مرتبكًا، كمن يُلقى فجأة في بحر دون طوق نجاة. لم يتخيل يومًا أن سقوطها سيهز كيانه بهذا الشكل.
لم يكن أمامه سوى أن يحملها بذراعين مرتعشتين، ويمضي بها نحو المجهول… لكن هذه المرة، المجهول لم يكن بها، بل به هو…. تقابل مع والدته التى نظرت نحوها هلعت ليس رأفة بل خوفً من أن يكون أصابها شيء ضار، تفوهت بسؤال:
مالها… إيه جرالها عالصبح.
لم يُجيب وذهب نحو باب المنزل بثواني وضع جود بالسيارة، وقطع الطريق نحو أقرب مشفي
بعد دقائق بإحد الغرف… نظر نحو تلك الطبيبة التي نظرت نحوه بإزدراء قائلة:
واضح إنه إنهيار عصبي، أنا حقنتها بمهدأ، والمهدأ ده مالوش أي أثار جانبية على حالتها الصحية، ولما تفوق لازم تبلغني، وبلاش ضغط على أعصابها لأن فى خطر على صحتها وصحة الجنين اللى فى بطنها.
صُعق حاتم من قول الطبيبة وعاود السؤال بذهول:
جنين فى بطنها!.
نظرت له الطبيبة بإندهاش قائلة:
هي مش متجوزه فى دبلة فى إيديها الشمال…
أومأ حاتم لها قائلًا:
أيوه تبقي مراتي.
أكدت الطبيبة قولها:
أيوا حامل، أو بالأصح فى بدايات حمل، ممكن تستشير طبيب مُختص يحدد مدة الحمل… كمان واضح علي جسمها الضعف المُمرضة هتعلق لها دلوقتي مُحلول طبي مُغذي… أي تطور فى حالتها يكون عندى عِلم بيه.
غادرت الطبيبة بينما دلفت إحد الممرضات قامت بتعليق محلول طبي ثم غادرت وظل حاتم وحده معها بالغرفة يشعر بذهول مصحوب بوخز في صدره كلما نظر لوجهها الشاحب… نائمة ملامحها منهكة لكن يها سكينة تُحرك شيئًا داخله لم يعرف له اسمًا… جلس بجوارها، لأول مرة يشعر بذلك الشعور
وهو… التشتُت فى التضاد بين مشاعره.
❈-❈-❈
بمنزل شبة متوسط
رجُل غليظ يُنادي على زوجته بصوت جهور،لمجرد أنها تأخرت لحظات عن تلبية نداؤه وابل من الشتائم والالفاظ القذرة تسمعها ولا تستطيع الرد، فى ذلك الأثناء صدح طرقً قويًا على باب المنزل… بنفس الغلاظة نادي على زوجته كي تأتي وتفتح، لكن جاءت إبنته وذهبت نحو باب المنزل وفتحة وقفت تنظر بذهول،
لتسمع تلك الشتائم قبل أن تدلف الى المنزل، تقف بتلك الرُدهة تنظر الى ذلك الغليظ الذي إرتعشت يده وسقط منها خرطوم الأرجيلة وقف مذهولًا يقول بتعلثم:
دُرة…!
نظرت له بإذراء قائلة بتعالي وكِبر:
دكتورة “دُرة مُختار غُنيم”
بنت البشمهندس” مُختار غُنيم” اللى إنت والست على دمه بشهادتك الزور.
↚
بمكتب طوفان بالمصنع
أثناء إنشغاله بالعمل صدح رنين هاتفه، جذبه ونظر الى الشاشة، سُرعان ما خفق قلبه بقلق وقام بالرد سريعًا يسمع الى مُحدثه بعد الترحيب:
الدكتورة دخلت بيت “مرعي بدران”.
وقف سريعًا يسأله:
من إمتى؟.
أجابه:
لسه داخلة دلوقتي.
تحدث إليه بأمر:
خليك عندك وأنا جاي فورًا
خرج سريعًا من المكتب، توجه الى سيارته يشعر بقلق عارم كذالك غضب… يقود بسُرعة جنونية ليصل فى ظرف بضع دقائق.
༺༻
بينما بداخل ذلك البيت
توقف ذلك الجبان مرعي أمام دُرة رغم غلاظته لكن أمام نظرة عين دُرة القاسية، تبدل كُل غطرسته الى خوف، لو كان سابقًا ربما ما كان تملك منه ذلك الشعور وكان تبجح بها، لكن هي الآن ليست فقط دُرة إبنة” مختار غُنيم” بل زوجة “طوفان مهران”
دب الخوف بشدة، لكن أظهر الثبات ببجاحه مصحوبة بغطرسة طفيفة:
خير يا دكتورة إيه سبب الزيارة الكريمة.
نظرت له بإستحقار قائلة بإستهزاء مباشر:
زيارة كريمة… هو أمثالك يعرفوا معني الكرم أساسًا تفتكر إني ممكن أفكر فى زيارة واحد شاهد زور أنا جاية عشان أفكرك إن الدم عمره ما بيضيع … حتى لو اللى شهدوا بالزور الحق وباعوا ضميرهم… عمره ما هيضيع… أنا جاية أقولك إن السُكات انتهى… واللي حصل هيتفتح تاني، سواء برضاك أو غصب عنك…وإن كان بابا زمان سامحك عشان خاطر ولادك وفى الآخر والست على دمه بشهادة زور،أنا بقي مش هرحمك يا مرعي وهدفعك تمن شهادتك الزور،وأول التمن هو….
صمتت دُرة حين خرجت تلك السيدة التى رغم سنوات عمرها لا تتخطي الأربعون لكن هزمها سوء الحظ مع رجُل بغيض، إقتربت منها بإنكسار مدت يدها تُصافحها بتردُد قائلة:
دكتورة دُرة الدار نورت ببنت الغاليين، أنا كنت بسأل الست كريمان دايمًا عنك والله.
بتواضع مدت دُرة يدها وصافحت تلك السيدة قائلة ببساطة:
مُتشكرة جدًا ماما قالتلى إنك بتسألي عني دايمًا.
إبتسمت تلك السيدة لها بمحبة بينما نظرت دُرة الى تلك الفتاة التى فتحت لها الباب قائلة:
دي بنتك الكبيرة.
نظرت لها السيدة ببسمة قائلة:
أيوه… “زينة” بنتِ الكبيرة خلصت الدبلوم السنة دي، والله جايبه مجموع كبير وكان نفسها تدخل معهد صحي بس…
توقفت تلك السيدة عن إسترسال حديثها حين إكتشفت انها أخطات وسينالها عقاب لاحقًا من زوجها الواقف صامتً… نظرت نحوه بخوفٍ مُركب مع حسرة فى قلبها، وابتلعت ريقها في صمتٍ مُذل وهي تضع يدها على كتف ابنتها بحركة لا إرادية كأنها تواسيها على قلة حظها
بينما مرعي، ازدادت تجاعيد وجهه تعبيرًا عن الضيق، وكذالم كلمات زوجته التى أحرجته أمام دُرة، فزم شفتيه وقال بنبرة خشنة يخفي بها ارتباكه الملحوظ:
خير يا دكتورة مقولتيش سبب الزيارة.
قال ذلك ثم وجه وجهه بسرعة ناحية زوجته التي خفضت بصرها وانكمشت بجانب ابنتها كمن يستعد للصفعة، أما زينة، فوقفت جامدة تنظر نحو دُرة بعينين فيهما دهشة وإعجاب من طريقة حديثها القوية، لوهلة تمنت لو كانت مثلها… قوية، لا تهتز، لا تخاف، تُجيد انتزاع حقها من بين أنياب القسوة…
لكن كيف.. وبمن ستسقوي
بأبيها… الذي لا يرى فيها سوى عبئًا
الذي يكسر أمها بنظرة
الذي لا يهاب الله ولا الناس
كيف ستقوى وهي نبتة تنمو في أرض يترعرع بها الخوف
لاحظت دُرة تلك النظرات قرأتها جيدًا، فهاتان الإثنتين يفهمن بعضهن البعض بالعين، بلغة الألم المشترك بينهن، غص قلبها عليهن، لكن
رفعت رأسها بثقة، قائله بحدة بنبرة تهديد مباشرة دون أن ترفع صوتها:
أوعي تفكر إنك هتصعب عليا مرة تانية، واللى بابا زمان إتعاطف معاك عشانهم أنا متأكدة إنه هيبقي عدم وجودك أفضل لهم…
قبل أن تستكمل دُرة بقية وعيدها، توقفت حين سمعت صوت من خلفها يُلقي السلام ثم:
السلام عليكم… مساء الخير، مُتأسف إني دخلت بدون إستئذان بس الباب كان مفتوح.
إستدارت دُرة نظرت نحوه، كذالك تلك السيدة بخنوع منها رحبت به قائلة:
طوفان بيه إيه الزيارة الكريمة دي.
بينما تحولت نظرة مرعي الذي كاد أن يتبجح
إلى خنوعٍ مُذل، كأن الأرض ابتلعته تحت وطأة عيني طوفان، وانكمشت عضلاته المفتولة كمن ضُرب في مقتل، يبتلع ريقه بوجلٍ لا يُشبه هيئته ولا صوته الجهوري المعتاد.
إقترب طوفان من دُرة نظر لها بنظرة هادئة عكس ما بداخله من إعصار… جذب يدها قائلًا:
الزيارة لازم تكون خفيفة.
بالفعل لم تُجادله، وسارت معه الى أن غادر الإثنين.
بينما لم يستطيع مرعي فقد التحديق إليهما كأنه
انتزع منها آخر ذرة أمان كان يتوهمها في جبروته، وأصبح عاريًا أمام نفسه، لا أمامهم فقط
بينما عيني زينة كانت تراقبهما وكأنهما خُلقا من عالم آخر… عالم الحرية التى تتمناها.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
كانت وجدان تجلس مع إحد نساء العائلة تطلب منها المشورة بأحد شؤونها الخاصة، بالفعل أعطتها النصيحة التى أرضت حيرتها، بذلك الوقت توقفت شُكرية على عتبة الباب وأشارت لها،نهضت وجدان مستأذنه وخرجت من الغرفة وجدت شكرية تقف على مقربة من الباب من ملامح وجهها شعرت بالقلق،تحدثت لها:
فى إيه يا شكرية شاورت لى.
تفوهت شُكرية بتسرع وغصة قلب قائلة:
الست قريبتي اللى تبقي جيران هي ودار بدرية أم حاتم… من هبابه إتصلت عليا، وبتسألني على جود، أنا استغربت ولما سألتها بتسألني ليه، جالتلى إنها شافت جود خارجه جنب حاتم وكان مسندها.
لم تُخبرها بالحقيقة انها كانت غائبة عن الوعي، إنتفض قلب وجدان، وإرتجفت يدها وهي تُخرج هاتفها من جيبها قائلة بإرتعاش:
من إمتى الحديت ده.
أومأت شُكرية قائلة:
معرفش نسيت أسألها.
نظرت وجدان للهاتف الذي يرن ولا رد، زاد القلق بقلبها قائلة:
هطلع أغير العباية اللى عليا وإنتِ إدخلي للست اللى فى المندرة جولي لها أي حاچه، ونادمي عالسواج يجهز العربية.
هزت شُكرية رأسها قائلة:
حاضر بس إهدى شوية أكيد هتبجي بخير.
تنهدت وجدان بألم قائلة:
ياريت تبجي بخير،من يوم ما إتجوزت وجلبي بينشال ويتنفض من ناحيتها دايمًا.
ربتت شُكرية على كتفها قائلة:
ده بس عشان بعدت عن عينيكِ طول الوجت كانت جدامك.
تنهدت تشعر بوخزات قوية، ظرف دقائق كانت تخرج من الباب الداخلي للمنزل
بنفس الوقت
ساد الصمت بين طوفان ودُرة، التى تشعر بتوتر ليته تحدث بأي شيء لكن صمته يجعلها متوترة، وصلا الى داخل المنزل، ترجل طوفان أولًا وقف لحظات حتى ترجلت هي الاخري،بمجرد أن إقتربت منه اعطى لها ظهره وتوجه لدخول المنزل،بنفس الوقت كانت تخرج وجدان وخلفها شُكرية…نظر اليهن حتى أقتربن منه ملامح وجه والدته تبدوا مُتجهمه بوضوح،وقف أمامها سائلًا بإستفسار قلق:
خير يا ماما مالك رايحة فين إنتِ وشُكرية.
نظرت له وسردت له ما قالته لها شُكرية كذالك أخبرته بإرتجاف:
بتصل عليها مش بترد…حتى الست بدرية كمان مبتردش.
شعر طوفان هو الآخر بالقلق قائلًا:
هتصل على حاتم.
بالفعل وقف ينتظر رد حاتم الذي رد عليه بلهفه دون مقدمات سأله طوفان بإستفسار:
جود موبايلها بيرن ومبتردش.
توتر حاتم قائلًا:
جود تعبت شوية وأنا معاها فى المستشفي.
خفق قلب طوفان سائلًا:
مستشفي ليه، قولي إسم المستشفي.
اجابه حاتم باسم المشفي ثم تحدث بهدوء:
شوية ثم تحدث بهدوء محاولًا طمأنته:
هي كانت فقدت الوعي فجأة، لكن الدكتور طمنا وحالتها مستقرة دلوقتي الحمد لله، بس محتاجة راحة ومتابعة.
سأله بنبرة غاضبة مكتومة:
ليه ما اتصلتش بأي حد مننا؟ لو مكنتش أمي عرفت كده فجأة كنت هتخبي علينا.
تلعثم حاتم قائلًا:
كنت مشغول بيها.
أنهى طوفان المكالمة دون تعليق، ثم استدار نحو والدته وقال بعزم:
يلا يا أمي أركبي عربيتي، وخليكِ إنت هنا يا شُكرية.
اومأت شُكرية من خلفها بقبول:
ربنا يعديها أبقي اتصل عليا طمني علي8ل .
وجدان رفعت عينيها للسماء بدعاء صامت، ثم ركبت السيارة بقلبٍ يئن من الخوف، يتردد في أذنيها صوت جود وهي تضحك… تلك الضحكة التي باتت بعيدة، كأنها تناديها من عمق مجهول.
بينما عمدًا تجاهل طوفان دُرة التي شعرت بوخز وقلق على جود فلابد من سبب قوي لذهابها للمشفى، تنهدت بآسف يبدوا أن عمتها أظهرت جحودها لـ جود وجود تبدوا رقيقة وحاتم شخصيتة جافية تعلم عنه هكذا منذ صغرهم
دلفت مع شكرية الى داخل المنزل نظرت لها شُكرية سائلة:
محتاجه حاجة مني يا دكتورة.
هزت رأسها بنفي قائلة:
لاء شكرًا أنا هروح أوضتي أخد شاور يكون طوفان وصل المستشفي وأتصل أطمن منه على جود.
༺༻
فى المستشفى، كانت جود مستلقية على الفراش، غافية وجهها شاحب لكن ملامحها هادئة…
بينما حاتم يجلس بجوارها ممسكًا بكفها، يتأملها بندمٍ لم يعترف به بعد.
ترك يدها وإستقام واقفً حين فُتح باب الغرفة ودلف طوفان بقلق عارم ثائلًا:
جود…
نظر له حاتم وقبل أن يتحدث دخلت خلفه وجدان توجهت نحو الفراش مباشرةً تنظر نحو جود بلوعة، كادت دمعة عيناها ان تسيل لكن حجبتها حتى لا يتأثر طوفان ويفتعل الخلاف مع حاتم… حتى إخفاء تلك الدموع لم يُلجم غضب طوفان وذهب نحو حاتم أمسكه من تلابيب ثيابه قائلًا:
قولى عملت فيها وصلها لهنا،أوعي تكون مفكرني مُغفل وصدقت لما قالت ان الميه السخنة وقعت على ايدها،انا عديتها بمزاجي لكن….
قبل أن يتهور طوفان ويصفع حاتم،كادت وجدان أن تذهب نحو طوفان،لكن سمعت همس جود فنظرت لها،ابتسمت بدمعة بعينيها وهي ترا جود تفتح عينيها،تتحدث بوهن:
طوفان…
-طوفان
تلك الكلمة سمعها طوفان فأثرت على غضبه،دفع حاتم بقوة وذهب نحو جود إنحني يُقبل جبينها يرسم بسمه،إبتسمت له بوهن قائلة:
حاتم معملش ليا حاجه أنا فجأة حسيت بالأرض بدور بيا ووقعت بعدها محستش بحاجة غير دلوقتي.
بعدما كان يتملكه الغضب من رد فعل طوفان المبالغ فيه وكاد يتهجم عليه بنفس طريقته،لكن إستيقاظ جود خفف حِدة الموقف،لكن أثر عليه نُطقها لاسم أخيها،كان المفروض أن تنطق بإسمه هو،كذالك حديثها معه الواهن أثار بداخله شعور غريب غير مفهوم،بينما نظرت وجدان الى جود سائلة:
لما كلمتك الصبح زي كُل يوم ليه دريتي إنك عيانه.
إبتلعت غصة فى قلبها وصمتت بينما نظر طوفان الى حاتم بضيق سائلًا:
الدكتور اللى كشف عليها قال إيه سبب اللى جرالها… أومأ حاتم قائلًا بنزق:
الدكتورة قالت إنها حامل.
-حامل
صدمة مدوية صدح أثرها فى عقل جود، طفل ينمو فى أحشائها وهي تشعر بحسرات فى قلبها، رسمت صورة لتلك الكلمة وذلك الخبر حين يحدُث، صورة فرحة لها مذاق ناعم ورقيق، لكن ككل الأماني التي رسمتها تضيع عرض الحائط والواقع مُر تتجرعه بقبول هي التي واقفت على ذلك الزواج من مجرد لقاءات قليلة تركت بداخل قلبها البرئ وعقلها الذي كان ملئ بقصص العشاق الوردية، فاقت من ذلك على صخرة الواقع القاسية
من مُدللة من الجميع الى إلى امرأة تُجبر على النضج قبل أوانه، تُخبئ وجعها خلف ابتسامة شاحبة، وتُقنع من حولها أن كل شيء بخير، بينما بداخلها تنهار كل يوم بصمت.
بعد وقت أمام تلك الغرفة التى تمكث جود خرج طوفان بحجة كشف الطبيبة على جود، بذلك الوقت صدح رنين هاتفه أكثر من مره، ينظر الى الشاشة ولا يرد… لكن بالخطأ ضغط على ذر الرد دون قصد بنفس الوقت كان خروج تلك الطبيبة لم يهتم وإقترب منها سائلّا:
دكتورة ممكن أعرف سبب مرض جود بالضبط.
أجابته بعملية:
سبق وقولت لزوج المريضة ان اللى خصلها واضح إنه إنهيار عصبي، ممكن يكون ضغط شُغل كمان معاه ضغط نفسي، والمفروض تبعد عن الضغط لان حالة الحمل بتاعتها واضح إنها هتبقي صعبة.
تفهم طوفان حديث الطبيبة كما توقع حالة جود سببها الضغط النفسي…فكر للحظات ثم إتخذ القرار…غادرت الطبيبه رفع طوفان الهاتف تفاجئ أنه ضغط بالخطأ فكر للحظات لو تحدث مع دُرة الآن قد يتعصب أكثر،أغلق الاتصال،ثم إتصل بـ شُكرية التى أجابته…تحدث بهدوء:
جود الحمد لله بقت كويسه،أنا عاوزك تنضفي أوضتها عشان هتجي معانا،الدكتورة خلاص كتبت لها على خروج،ساعه أو ساعتين بالكتير هنكون فى الدار.
أغلق الهاتف وتنفس بقوة يحاول تهدئة عصبيته، ثم دخل الى الغرفه لم ينظر نحو حاتم، إقترب من الفراش ونظر لـ وجدان
تبادل الإثتين النظرات ذات المغزي فهما بعضهما، حتى أن واجدان كأنها قرأت عقله وأومات برأسها موافقة على قراره… نظر نحو جود قائلًا:
أنا إتصلت على شُكرية فى الدار وقولت لها تجهز أوضة جود كمان قالتلي إنها جهزت أكلات بتحبها جود.
سئمت ملامح حاتم وتحدث بإعتراض:
قصدك إيه، جود هترجع معايا و…
قاطعته وجدان بعدما رأت حرب العيون الدائرة بين طوفان وحاتم… حاولت تلطيف الجو قائلة:
الدكتورة جالت إن جود محتاجه إهتمام ورعاية وأنا مبقتش صغيرة،وهي محتاجة اللى يراعاها خليها تجي عندي كام يوم على ما تسترد عافيتها.
حديث وجدان الهادئ أربك حاتم وكاد يعترض لكن حديث جود حسم القرار وهي تنظر الى حاتم بقلب بدأ يعلم طريق القسوة:
أنا فعلًا محتاجة أشبع من حضن ماما وحشني…كام يوم.
كاد يعترض وهو يتبادل معها النظرات المُتباينه الواضحة بالخذلان من ناحيتها، والقسوة من ناحيته لكن قرارها ربما يكون الأفضل الآن،
هُدنة لاستراحة مشاعر قبل أن تتحول الجروح لندوب يصعب الشفاء منها لاحقًا.
باستسلام تفوه حاتم صوت خافت ورضوخ:
تمام… بس أكيد هبقي على تواصل معايا… لحد ما صحتك تتحسن.
رفعت جود عينيها نظرت له بسخريه وابتسمت ابتسامة باهتة، قائلة بتهكم لم يفهمه:
ـ أكيد … متقلقش بيت أهلي صحتي هتتخسن بسرعة.
لو كان يفهم مغزي حديثها المُبطن لكان رفض ذهابها معهم، لكن هو كما توقعت لا يفهم فى المشاعر… او يتجاهل عمدُ والان رغم ضيقها عليها أخذ هُدنة بعيد دون ضغوطات نفسية.. رغم ذلك بداخلها تمنت لو رفض حاتم وأصر على ذهابها معه الى منزله لكن ككل السابق تتمني فقط الطفيف من مشاعره وهو يجحد.
༺༻
بعد وقت قليل
ترجل طوفان من السيارة،سريعًا توجه ناحية جود وحملها،رغم قدرتها على السير لكن أرادت الشعور بالدلال الذي إفتقدته.
دخل الى غرفتها وضعها على الفراش برفق، ثم نظر لها مُبتسمً بذلك الوقت دلفت دُرة الى الغرفة، نظرت نحو طوفان لكن هو تجاهل وجودها، مزح قليلًا مع جود ثم غادر للرد على إتصال هاتفي.. غادر بينما نظرت جود نحو دُرة التي تُتابع بعينيها طوفان، تبسمت على يقين أن ليس فقط طوفان هو ما يعشقها هي كذالك لكن تُكابر، شعرت بحسرة ليت حاتم به جزء من شجاعة طوفان.
بينما إبتلعت دُرة غصة تجاهل طوفان لها غصبً… وإبتسمت لـ شُكرية التى دلفت الى الغرفة تحمل صنية طعام قائلة بمرح:
أنا لما طوفان قالي إنك هتجي معاه لهنا قولت إنك محتاجة تغذية وأنا اللى طبخت لك بيدي الوكل لازمن تتغذي كويس ومتجوليش هسمن،تنسي الحديت ده لازمن تتغذي عشان الروح اللى ببطنك.
أستغربت دُرة حديث شُكرية وسألت جود مش سمينة فعلًا بس إيه حكاية الروح اللى فى بطنها…
كانها بلهاء،وفجأة عاد لها العقل لكن سبق ذلك بسمة شُكرية وهي تقول:
جود “حِبلة” عقبالك يا دكتورة ما ناخد البُشري مِنيكِ.
-ماذا…حِبلة
-بهذه السُرعة
بتلقائية وضعت يدها على بطنها، وعقلها يستوعب أيكون ما تشعر به من بعض الأعراض
هي الأخرى حامل…
نفض عقلها ذلك وهمست لنفسها قائلة:
مستحيل مش بالسرعة دي.
وعقلها يُعارض:
وليه مستحيل… جود اتجوزت بنفس ليلة جوازك واهي حامل…
– والحل بتلك الحيرة
هكذا سأل عقلها
والجواب سهل لكن هي ترفض التصديق وعليها المعرفة باليقين.
❈-❈-❈
بعد قليل بغرفة النوم
مازال عقل دُرة يستوعب فكرة أن تكون مثل جود “حامل”
بخضم ذلك دخل طوفان الى الغرفة نظر نحوها وهي مُمدة على الفراش تعمد تجاهل الحديث معها وضع هاتفه وبعض مُتعلقاته على طاولة جوار الفراش، ثم ذهب نحو الحمام، دقائق وعاد نصف عاري، مازال يتجاهلها خفض إضاءة الغرفة
أزاح غطاء الفراش وتمدد عليه، يُعطيها ظهره محاولًا السيطرة على مشاعره المتأججة بالغضب… يخشى أن تنفلت منه كلمة أو رد فعل قاسٍي…يتسارع نبضه مع أنفاسه التى تختلط مع صمت الغرفة، يتظاهر بالهدوء واللامبالاة… هي على عكسه تمامًا،
نظرت نحوه تشعر بغصة تخنقها….تنهدت بصوتٍ مرتجف، وتحدثت بصوت واضح:
“مرعي” هو اللي حاول يسمّمني بالمبيد الزراعي يا طوفان.
توقفت لحظة تتنفس بثقل، ثم أكملت، وعيناها لا تفارق ظهره:
بسببه، لحد النهاردة بعاني من صعوبات فى التنفُّس يا طوفان..
لوهلة، كاد يُغمض عينيه لكنه فتحهما بذهول، ثم استدار تلقائيًا نحوها، ينظر باستفسار غاضب… لكنها لم تترك له فرصة للسؤال، واستطردت بسرعة، كأنها تُزيح حملًا جاثمًا على صدرها:
أنا شوفتُه يومها… كان مكمم وشه، بس عرفته… هو كان عايز يحرق شجر الليمون بالمبيد، مش حسام…
حسام فعلًا اتأخر، ولما بابا وصل كان لسه بيحضر المُبيد.
توقفت ترفع يديها تسحب خصلات شعرها خلف أذنيها قائلة:
هو كان مغلول… وفكر إنه يحرق الشجر كنوع من العقاب لبابا… لما فوقت وبدأت صحتي تتحسن، قولت لبابا…. وبابا واجهه… أنكر في الأول، لكن لما بابا هدده بالشرطة، خصوصًا إن الشجر في المكان اللي اتسممت فيه نشف بشكل غريب، وهو مهندس زراعي ويفهم، فعارف إن ده مش طبيعي… مع كده صمم على كذبه.
سكتت لحظة، ثم همست بمرارة:
بابا خاف لو قدم فيه بلاغ يتحبس، ويتشرد عياله… فطرده من الأرض، ومنع عنه الشغل فيها وفي أرض عمتي.
نظرت إليه نظرة مباشرة حادة:
هو شِهد زور… أكيد خد تمن شهادته… والسلاح اللي ضاع… لو مش ضياع السلاح كان سير القضية هيختلف أكيد… والقاتل ياخد عالأقل عقاب… مش..
صمتت، بينما أغمض طوفان عيناه بندم يعلم ذلك لو تعلم أنه ربما كان سببً فى ضياع ذلك السلاح.
إزدرد ريقه وأخيرًا تحدث:
مرعي شخصية حقيرة ومرواحك عنده هتستفادي منه إيه يا دُرة، القضية خلاص إتقفلت.
تجرعت دُرة غصة قوية قائلة:
أنا عندي شك إن مرعي هو اللى أخفى سلاح الجريمة ممكن….
قاطعها بعصبية قائلًا:
ممكن إيه يا دُرة مرواحك لـ مرعي مالوش أي لازمة وطالما كان هدفك إن القضية تفضل مُستمرة ليه مقدمتيش طعن على حكم المحكمة، ولا كان فى دماغك هدف تاني هو…
صمت طوفان، بينما تعصبت دُرة قائلة:
اللى إتقتل كان بابا وحسام اللى كُنا خلاص هنتجوز بعد أيام..
شعر طوفان بالغضب وجلس ينظر لها وفاجئها بسؤال:
حسام… يا ترا هدفك تحقيق العداله عشان خاطر باباكِ ولا حسام اللى كان جوازكم بعد أيام… أمتى حسام بقي له مكانة فى قلبك يا دُرة.
والسؤال كان مفاجئ والجواب منها كان بتسرع وكأنه عِتاب:
لما وصلي رفض باباك ليا… لما جه بيتنا مخصوص يقول لـ بابا إنه مستحيل يوافق على جوازك مني، وبعدها إنت إستسلمت و….
قاطع بقية حديثها وهو يجذبها عليه بقوة يُصمت صوتها بقُبلاته… لا تعلم أنه تخلي حِلم حياته بالعمل ك، وكيل نيابة من أجلها وتقبل مساومة والده له…وحين رضخ كانت بداية الضياع.
❈-❈-❈
باليوم التالي صباحً
بقسم الشرطة الذي يعمل به حاتم
منذ ليلة أمس وذهاب جود مع طوفان وهو لم يذق عيناه النوم، شعور غريب بالغيظ او الغضب… ولماذا لا يعلم… بالتأكيد السبب هو غباء جود التى دائمًا تُظهر أمامه أن طوفان ذو أهمية خاصة وكأنه الفارس الوحيد، بينما بالحقيقة هو موالس…
نظر الى ذلك الساعي الذي وضع أمامه كوب القهوة ومعه كوب مياة قائلًا:
قهوتك يا باشا تطلب مني حاجة تانية.
هز رأسه بـ لا
غادر الساعي بينما حاتم مازال عقله شاردًا، يشعر بضياع، ما بدأوه إنتقام ينقلب على حياته كـ لعنة أصبح مُشتتً، يشعر بروحه تنطفئ… جزء منه تعتم بعد معرفته بمقتل أخيه إنتظر القضاء والقانون، لكن هو أكثر من يعلم أن الأثنين ضُعفاء أمام الادلة والشهود ومُلابسات القضية… لولا معرفة طوفان بذلك وتلاعب بالقانون ربما كان تعاقب القاتل بعقاب أقل شيء كان ضياع شبابه خلف قُضبان السجن لسنوات… لكن طوفان تلاعب بالقانون كذالك ضياع سلاح الجريمة
بخضم ذلك، وهو يُلقي اللوم على طوفان شعور لو كانت جود صادفته هل….
قبل أن يُكمل بقية هزيان عقله
فُتح باب الغرفة وطلت من خلفه من تقول بدلال:
حضرة الظابط فاضي ولا بيحارب الأشرار.
نهض مُبتسمً بترحيب قائلًا:
أهلًا يا “ماهيتاب”.
ترحيب فاتر هكذا شعرت فهو نطق بإسمها كاملًا عكس عادته يُناديها بلقب الدلال” ماهي”
نظرت الى ملامح وجهه بوضوح يبدوا عليه الإرهاق….إقتربت منه بدلال رفعت يديه وضعتهما حول ذقنة قائلة بدلال:
دقنك كبيرة يا حضرة الظابط مفيش عندك وقت تحلق دقنك..كمان بقالك كام يوم مفكرتش تتصل عليا زي عادتك….
نظر لها للحظات كأن صورة جود تجسدت أمامه لكن سُرعان ما تلاشت… حين أغمض عيناه وابتعد عنها يشعر كأنه لا يمُلك القوة الكافية لمواجهة نفسه..
بينما جلست ماهيتاب وضعت ساق فوق أخري، وباغتته بسؤال:
قولي إيه آخر أخبارك مع مراتك اللى بسببها هضيعني من بين إيديك… واضح إني كنت غلطانة لما صدقت حجتك إنك تتجوز من غيري عشان تنتقم من اللى والس على قضية قتل أخوك، إيه بدأت تميل لها وتنسي حُبي لك اللى خلاني أستحمل وأسيبك تتجوز من غيري انا خلاص مبقتش قادرة أتحمل يا حاتم… قول الحقيقة… قول إن مشاعرك إتغيرت وكفاية تتلاعب على كل الأوتار.
↚
❈-❈
بعد مرور أسبوع
بمنزل ريفي كبير وعتيق… بـأحد قُرى المنيا القريبة من بلدة طوفان
كانت تلك الزالفة اللسان تنظر الى تلك النساء التي تعمل بنشاط بين جنبات ذلك المنزل منهن من يُنظفن الدار وأخريات يقومن بفرش الدار بمفروشات أخرى…حتي سمعت من تأمرهن:
شهيلوا شوية، خلاص زمان الطيارة نزلت المطار وساعتين يبجوا إهنه وانتم لساكم حتي مخلصتوش فرش الدار، ولسه الوكل كمان.
تهكمت بإستهزاء تهمس لنفسها قائلة:
كأنه الفارس المغوار چاي.. أهو راچع يتنك علينا إنه واخد الدكتوراة من بره، كانه كان بياخدها فى الطاقة النووية ولا علوم الفضاء، ده فى المساخيط(الأثار) والأدب الأغريقي…اللى نزاعاتهم كلياتها كانت بسبب النسوان و…
قبل أن تستكمل تهكمها، إقتربت منها تلك السيدة وقفت أمامها تنظر لها بتمعُن، ثم تحدثت بنُصح:
“خلود”
واجفة إكده ليه، إطلعي إتحممي وإلبسي عباية چديدة… بلاها السروال الواسع اللى زي العفريته اللى عليكِ تشبه خلجات الميكانيكيه اللى بيشتغلوا فى تصليح العربيات
تهكمت خلود بإستنكار وهي تنظر الى زيها…ثم تحدثت بنزق:
ده مش سروال ولا عفريتة يا مرات عمي ده كرديچان وموضة حديثه كمان،وعاچبني،وبعدين إنتِ شيفاني عِفشة عشان أتحمم.
نظرت لها زوجة عمها قائلة بمحبة:
لاه والله إنتِ تعرفي معزتك عِندي كيف بناتي،بس النهاردة عاوزكِ تبجي زينة الصبايا،خلاص واد عمك رچع من السفر،ولازمن تبجي جدامه ملكة منورة إكده،هو كان عايش بجاله فترة فى بلاد باره وهناك البنات بيبرقوا ويزغللوا عيون الرچاله.
رفعت خلود حاجبيها بإستهزاء قائلة بإستخفاف:
بيبروقوا ولا بيضلموا وأنا مالي،وأها جولتي واد عمك،يعني لا چوزي ولا خطيبي عشان أتزين وأبان جدامه ولا أزغلل عنين الرچالة..أنا مش فى دماغي الحديت الفارغ ده.
صقكت زوجة عمها أسنانها بغيظ من ردها قائلة:
هتفضلي إكده طول عمرك… ولسانك زالف.
أبتسمت خلود ببرود قائلة ببعض من الكِبر:
عاجبني لساني الزالف، أهو أحسن ما أبقي ضعيفة.
نظرت لها زوجة عمها وكادت تسبها لكن تعلم أنها باردة ولن تهتم، تركتها وإبتعدت عنها بغيظ قائلة:
لو وجفت معاكِ الشغالين هيأنتخوا وخلاص الغالي على وصول.
تهكمت خلود بإستهزاء وإستسخاف من حديث زوجة عمها، قائلة:
عقول فاضية، ده ناقص يتقال فى واد عمي أشعار… الاحسن أشتري دماغي وأهرب من هنا على الجنينة أنا وقهوتي وكتابي.
بالفعل بداخل مظلة بالحديقة جلست تحتسي قهوتها ثم شردت بين طيات ذلك الكتاب الخاص بمغامرات الخيال العلمي.
.لم تنتبه الى ذلك الذي تسلل الى المظلة وقف للحظات ينظر لها قبل أن يضحك بسخرية قائلًا:
كُل البنات بيقروا القصص الرومانسية والروايات العاطفية،لكن إنتِ مختلفة عن الجميع،بتقري فى قصص خيال علمي.
لإندماجها بالقراءة لم تشعر به شهقت بخضة حتى أن الكتاب وقع من يدها على الطاولة أمامهاو،نظرت له لوهلة شعرت كأن ملامحه تغيرت عن ما برأسها،أربع سنوات غياب،لم تراه سوا ببعض الصور عبر الهاتف،لكن وجهًا لوجه مختلف،لكن مهلًا مازالت تلك النظرة المُتعالية واضحة كذالك نبرته التهكمية…زفرت نفسها قائلة بنبرة استهجان مبطن بإستهزاء :
على فكرة الإثنين زي بعض
الروايات العاطفية هي نفسها القصص الرومانسية ،ولا القاعدة فى اليونان خلتك مبقتش تعرف تفرق بين المفردات اللغوية.
ضحك بقبول قائلًا:
لساكِ لسانك زالف يا خلود يا بِت عمي وتردي عالكلمة بعشرة.
نظرت له وضحكت هى الأخري قائلة:
وإنت لساك بتسأل أسئلة سخيفة يا “جلال” يا واد عمي.
تبادل الإثنين الضحك مد جلال يده لها تبسمت وهي تُصافحه وهو يمزح قائلًا:
يدك ناعمة عكس شخصيتك الخشنة.
ضحكت قائلة:
وإنت يدك خشنه عكس شخصيتك الـ
نظر لها بنظرة تحذيرية أن تُشاكس بطريقة غير لائقة،فضحكت قائلة:
عكس شخصيتك الإزدواجية.
ضحك وهي الأخرى ضحكت،
هنالك من رأتهما من بعيد خفق قلبها فرحً تظن أن ضحكاتهم لبعض أنها مشاعر، لكن الخقيقة مختلفة فكلاهما غير مُقتنع بالمقولة الشهيرة والسائدة
“البنت لـ واد عمها من وهي فى اللفة”
وعلى أحدهما التحرُر من الآخر.
❈-❈-❈
بمنزل كريمان
كانت تجلس بتلك الشُرفة المُطلة على الحديقة، خفق قلبها حين هبت نسمة صيفية شبه حارة، تجمعت الدموع بعينيها وهي تنظر الى المقعد المقابل لها تنهدت بإشتياق وهي تتذكر جلوسها مع “مختار” هنا لأوقات كثيرة، حتى تلك الحديقة التي مازال أثار يد مختار بها تلك التكعيبات والأحواض الخاصة بالنباتات الذي زرعها، وكلماته وهو يزرعها يتغزل بها
حُب دام أكثر من خمس وعشرون عام
مودة كانت طاغية بينهم، أحبها وأصر عليها، رغم الضغوطات الذي تعرض لها، ظنوا أن زواجهم لن يستمر هي لن تتحمل الحياة وسط مجتمع له قوانين جامدة وصارمة.. هي من تعودت على السهولة والدلال، بقائها بمنزل واحد مع حماتها التي كاتت ترفضها بإستماتة الى أن كسبت وِدها بل وأوصت مختار عليها أن يظل شاكرًا لله أن أعطي له فرصة مقابلة تلك الكريمة الأخلاق، نالت حب وإحترام من حولها غصبً لأخلاقها، هنالك من ظن أن بوفاة مختار قد ترحل الى القاهرة وتستكمل حياتها هناك، لكن لا لن ترحل من هنا حتى بموتها ستظل هنا جوار رفيق قلبها ودربها، ذكريات وامنيات كانت بينها وبين مُختار، لن تنتهي برحيله بل باقية فى قلبها، قلبها الذي إنتكس برحيله لكن هنالك أمانتين تركهما لها مازالا يحتاجان لها، بالأخص تلك المُتسرعة التى بلحظة تلغي عقلها ولا تُفكر فى العواقب
تنهدت تبتسم للحظة وهي تتذكر
أحلام حلمت بها مع مختار… وتحققت بأبناء، فى البداية دُرة الهشة العنيدة لمجرد العند فقط لا أكثر كذالك مُتسرعة وذلك أسوء عيوبها
باسل… باسل الذي يُشبة مختار كثيرًا ليس فقط بالشكل بل فى الصبر والتحمُل… تعلم أن مقتل والده أثر كثيرًا عليه، شعر بإنكسار لكن يُخفي ذلك وهو يتحمل مسؤولية ما تركه مختار، يستكمل من خلفه مثلما أراد أن يكون النسخة الثانية من والده لذلك يهوى الزراعة والأرض،رغم أنه أصغر من دُرة لكنه بالعقل أكبر منها،وقور مثل والده لا يتسرع بل يتمهل بصبر يكبت حُزنه فى قلبه ولا يجعل أحد يشعر بذلك.
ذكريات وذكريات والقلب يتمني العودة والبقاء فى الماضي،لكن أعادها من ذلك الحاضر الذي سمعت صوته وهو يقترب منها مُبتسمً… إبتلعت تلك الغصة القوية فى قلبها، ضغطت على عينيها تُخفي الدموع.. ورسمت بسمة مودة، حين جلس باسل على ذلك المقعد أمامها يتنهد بإرهاق قائلًا:
من الصبح مقعدتش، خلاص خلصت تجهيز الأرض و….
قاطع بقية حديثه، صوت رنين هاتف كريمان،نظر بتلقائية نحو الهاتف،لوهله خفق قلبه حين قرأ الأسم على شاشة الهاتف…بينما تبسمت كريمان وقامت بالرد:
مساء الخير يا سُجى أخبارك إيه.
على الجانب الآخر تبسمت سُجى تتحدث معها بود وتقدير،حتى جذبهما الحديث حول الطب والتمريض،تتبادلان بعض المعلومات التى إكتسبتها كريمان من قراءة ومتابعة الأبحاث الطبية حتى عن بُعد وسُجى التى بشرتها:
أنا الحمد لله وصل جواب التنسيق وقبلت فى كلية الطب،حبيت أبشرك.
إنشرح قلب كريمان بإعتزاز قائلة:
الف مبروك يا دكتورتنا المستقبلية.
مودة وتقدير وصداقة غريبة تنمو بينهن دون تدبير،فقط القدر جمعهمن صدفة.
إنتهت المُحادثة بينهن،وضعت كريمان الهاتف ثم نظرت لـ باسل قائلة بأمومة:
أكيد جعان،هقوم أحضر لينا الغدا سوا.
إبتسم لها قائلًا:
وإنتِ لسه متغدتيش ليه،إفرضي كنت إتأخرت.
إبتسمت له قائلة:
كنت هستناك لحد ما ترجع أنا مش بعرف أكل لوحدي.
غص قلب باسل وهو يتذكر نفس الجملة كانت تقولها لوالده،لكن كتم الغصة فى قلبه قائلًا:
من شوية كنت بتكلم مع درة على الموبايل،بقولها تعالي إتعشي عندنا وهاتي طوفان معاكِ قالتلي حاسة بأرهاق وما هتصدق ترجع للبيت عشان تنام.
ضحكت كريمان قائلة:
نفس الشئ معايا لما أقولها تجيب طوفان وتجي نتعشي فى ليلة مع بعض تتحجج بالارهاق والنوم،حتى إمبارح كنت بكلمها بالليل وكنت سامعه صوتها بتتاوب.
ضحك قائلًا:
يظهر لما سافرت مع طوفان جسمها أتعود عالكسل.
هزت كريمان رأسها بنفي قائلة:
لاء قلبي حاسس فى سبب تاني،هيبان.
كاد يستفسر باسل لكن تحدثت كريمان:
دُرة مش من النوع الكسول،فاكر تيتا كانت بتعاني معاها لما كانت بتدرس فى القاهرة،كانت تقولى دي شبه مبتنامش طول فترة الامتحانات هتركز إزاي دي،كنت بقولها هي تشبة جدتها والدة مختار الله يرحمها كانت كده لما يكون فى دماغها هدف متنامش.
ضحك باسل قائلًا:
بس جدتي كان فيها صحة عن دُرة أنا وعيت عليها رغم إنها كانت كبيرة فى العِمر بس كانت صحتها كويسه،حتى يوم ما توفت انا جالي ذهول إزاي ماتت بالبساطة دي وهي كانت جامدة.
تنهدت كريمان قائلة:
مختار كمان وقتها جاله حالة ذهول ومكنش مصدق بس هو الموت كده قريب مننا فى لحظة…يلا كفاية رغي عن دُرة بكرة هي بنفسها هتقطع الشك باليقين.
رغم عدم فهم باسل،لكن تحدث بسؤال:
نفسي اعرف ليه دُرة أصرت تدرس الطب فى القاهرة رغم كان سهل تدرسه هنا وتبقي قريبة مننا.
زمت كريمان شفتيها بحركة عدم فهم ثم تفوهت:
أنا نفسي معرفش السبب هي وقتها أصرت ولما أعترضت عشان صحتها مختار دعمها وقال ممكن لو إعترضنا تحس بإننا بنفرض سُلطتنا عليها وتفكر إننا ضد مصلحتها،كمان إنها هتبقي تحت رعاية ماما،وماما بصراحة شديدة عننا حت يأوقات هي اللى كانت بتفرض سيطرتها عليها،ودُرة كانت بتتقبل منها.
❈-❈-❈
ليلًا
دلف حاتم الى المنزل يجُر قدميه يشعُر بالإرهاق البدني، توقف لوهلة يُفكر بالدخول الى شقة والديه لكن توقع ربما يجد والدته مُستيقظة لا يود الجِدال مع أي أحد، صعد الى أعلى فتح باب الشقة ودخل، لوهله كاد يُخطئ لسانه وينادى “جود” لكن توقف لسانه، دلف بخُطى بطيئة نحو غرفة النوم توجه الى الفراش يشعر برتابة وهو يُلقي بجسده عليه، ينظر الى سقف الغرفة يشعر بالآرق… زفر بقوة ومرر يده على وجهه المتعب، يشعر أنفاسه بطيئة، مُنهكة… كأن كل لحظة تمر تُضيف ثُقلًا جديدًا يجثم على صدره
امتدت يدُه بتلقائية إلى الوسادة المجاورة جذبها ثم ألقاها ونهض من فوق الفراش، غادر الغرفة ذهب الى الحمام، نزع ثيابه وقف أسفل المياة وقت لا بأس به
يُغمض عينيه والماء ينهمر فوق رأسه، يحاول أن يُفرغ عقله، أن يُطفئ شيئًا ما يشتعل داخله
فتح عينيه فجأة يلوم نفسه على تلك الحالة منذ متى وهو مُذبذب هكذا،دائمًا كان حاسمً، مد يده وأغلق صنبور المياة بعنف قليل… التقط المنشفة، جفف خُصلات شعره دون اهتمام لتجفيف جسده ،ربما بقاء المياة عالقة بجسده تُعطيه بعضًا من البرودة الجسده،تأمل انعكاسه في المرآة للحظة، لم يتعرف على ملامحه، كأنها لشخص آخر…
منذ متى أصبح هكذا مثل الشريد
تنهد ببطء، ولف المنشفة حول خصره، ثم خرج من الحمام بخطوات ثابتة، لكن داخله كان عاصفة من المشاعر المتضاربة، ارتدى بنطال النوم فقط ، ثم تمدد على الفراش،وضع يده على بطنه،رغم أنه يشعر بالجوع،لكن لا يوجد لديه شهية لتناول الطعام، تذكر قبل أيام حين كان يعود منتصف الليل يجد جود مُستيقظة،رغم أنه لم يكن جائعًا لكن كانت تسأله وهو يتضايق وأحيانًا يتعصب بلا داعي..
شعر بضجر وجذب وسادة وضعها على رأسه يشعر بضجر…
حاول النوم لكن فشل لوقت طويل عقله ينشغل بصورة جود ويحاول رفض ذلك… حتى أنه تذكر تلك الليلة الذي كان فيها مُصابً وعلم سبب إحمرار يدها
كان هنالك سببً
هي والدته التى أخبرته أنها لم تقصد سكب القهوة فوق معصم جود وأنها ربما فعلت ذلك عمدًا كي تضعهم بصورة سيئة أمام والدتها وأخيها تكسب تعاطف، تلك الذكري جعلت من عقله يغفوا وهو يتنهد قائلًا:
كده كفاية دلع يا جود.
❈-❈-❈
بـ منزل مرعي بدران
ليالي الصيف طويلة، كما أن والدها لن يعود الا مع نسمات الفجر كعادته السهر خارج المنزل، عدم وجوده هو راحة جميع من بالمنزل
سواء هي أو أختها الأخرى وأخيهم الصغير…
إستغلت ذلك، ذهبت الى تلك الرُدهة فتحت شباكها كي يأتى بنسمة ليلة لطيفة تُرطب الحرارة… فتحت التلفاز بدأت بالتنقُل بين القنوات تبحث عن شيء يُسليها حتى وجدت أحد الافلام الكوميدية إستقرت على القناة وإندمجت مع الفيلم، تضحك بقلب صافي… لكن فجأة صدح رنين هاتفها النقال ذو الإصدار القديم، هو يقضي الغرض فقط وهو الإتصال والرد… جذبت الهاتف وإستغربت من سيتصل عليها بهذا الوقت فكرت بعدم الرد، بالفعل تجاهلت لأكثر من رنين وبسبب عودة الرنين خشيت أن تسمع والدتها أو أحد بالمنزل رنين الهاتف، وضعت الهاتف فوق أذنها وقامت بالرد ليرتعب قلبها هلعًا وهي تسمع صوت ذلك البغيض الذي يقول بإستهجان:
مبترديش ليه من أول مرة،ولا الفيلم عاجبك وواخد عقلك.
قال ذلك وذكر إسم الفيلم التي تُشاهدة،إزداد الهلع فى قلبها سقط الهاتف من يدها ونهضت واقفة تتلفت حول نفسها بترقب مُرعب، رمقت شباك الردهة بخطوات مُرتعشة توجهت نحوه تخشي النظر الى الخارج فتجد ذلك البغيض، تخشى ان تمد يديها وتُغلق النافذة فيقبض عليها البغيض، لحظات كفيلة بأن تجعل قلبها يتوقف، تود الصُراخ ولا تستطيع وضعت يديها فوق فمها تكتم ذلك…تخاف على والدتها واخويها من البطش،لكن أنقذها والدتها التى نظرت نحو وقوفها بالردهة قريبه من النافذة سائلة:
واجفة إكده ليه يا زينة،وفاتحة شباك الصاله هيدخل ناموس للدار.
شهقت بقوة تكاد تصرخ،إستغربت والدتها من ذلك،وإقتربت منها بخوف حين شهقت هكذا وضعت يدها على كتفها وجدتها ترتعش لم تُلاحظ ذلك الهاتف على الأرض،بل شعرت بالقلق من ملامح وجه زينه التى سقطت بين يدها شبة غائبة عن الوعي،إنخلع قلب والدتها ونهضت سريعًا أجلستها على آريكه خلف ذلك الشباك وتوجهت للمطبخ لحظات كانت فيها زينه صماء تود ان تقول لوالدتها لا تبتعدي عني،وصوتها مكتوم،وعيناها تنظر الى فتحة تلك النافذة تنتظر أن ترا وجه وليد بين لحظة وأخري،وبعقلها لو حدث ذلك لن تبقي على وجه الحياة من الخوف..بعد لحظات عادت والدتها تحمل كوبً من المياة،إقتربت منها لاحظت نظرات عينيها نحو النافذة،جلست جوارها بقلق أسندتها قائلة:
خدي إشربي المية بسُكر وحطيت فيها كام نقطة ماية ورد هيردوا روحك،كل ده بسبب خضيتك معليشي…حقك عليا كان لازم أتنحنح الاول.
وزينة تسمع وبداخلها ضعف متوغل،تتمني لو تتحدث وتخبرها أنها ليست السبب،لكن الخوف بقلبها جعلها تصمت.
بينما بـ منزل عزمي على الجهة الاخري كان وليد بقمة سعادته وهو يسمع لحديث والدة زينة عبر ذلك الهاتف الذي مازال مفتوحً…شعر بنشوة فائقة،جعلته يشعر بزهو وهو يتسبب بكل ذلك الخوف بقلب زينة
تلك الحمقاء الذي علم أنها تستمع لأحد الافلام عبر سماعة لأصوات التلفاز عبر الهاتف…
زهو وشغف ينموان بداخله من شِدة تأثيره على زينة
تلك الفتاة البريئة الذي لسوء حظها بسببها أصبح قاتل إثنين،وشهور قضاها بسجن الاحداث… ولولا الحظ ساعده لكان إنتقل من ذلك السجن الذي كان فيه البقاء للأقوي،الى سجن آخر قد لا يجد البقاء فيه،فالبقاء للأشرس والأكثر إجرامً،وهو قتل مرة
وهي المرة الاولى بعدها تجعل القلب فى تبلُد يستمد قوة ولا يخاف بعد ذلك من القتل،لكن مازال جبانً وتذكر دُرة حين وقفت أمامه وهددته الرعب سيطر عليه،نفض ذلك سريعًا وهو ينظر الى شاشة ذلك التلفاز أمامه وصورة لإمرأة عاريه بأحد الأفلام الأجنبية الممنوعة،شعر بإثارة يود العثور على امرأة مثلها …لعق شِفاه وهو يُفكر وإتخذ القرار لما لا يتزوج…
فكر بوالده الذي قد يعترض ليس فقط بحِجة أنه مازال صغيرًا كذالك من أين سيُنفق على زوجته… لكن تبسم وهو يعلم ان هنالك من ستسانده وبالنهاية سيرضخ والده جبرًا.
❈-❈-❈
بـ شقة إبتهاج
نهض عزمي من جوارها مُتسللًا بهدوء،ظنًا أنها لم تشعر به…ذهب الى إحد الغرف فتحها ثم دخل الى الغرفة…ذهب الى ذلك المكتب وجلس خلفة فتح أحد الادراج الموصودة فتحها بمفتاح خاص.. أخرج علبة من المعدن وضع بصمة إصبعه، ثم نظر لها… لحظات قبل أن يفتحها… نظر الى ذلك السلاح الذي ظهر بالعلبة… لحظات قبل أن يتردد بإمساك السلاح
لوهلة شعر برعشة فى يده لكن تمسك بالسلاح بقوة فتح الخزنة الخاصة بالرصاص، كانت فارغة تمامً، عاد وضعها بالزيناد ثم وضع السلاح بالعلبة مرة أخري وهو يتذكر كيف وصل له ذلك السلاح الذي تسبب ضياعه فى نُقصان أدلة القضية… سلاح الجريمة ضائع وغير مُرخص، ساهم ذلك بتخفيف عقوبة وليد.
وضع السلاح بالعلبة مره أخرى وأغلقها ببصمة إصبعه
غير مُنتبهًا ظل دقائق…بينما بغرفة النوم،شعرت به يتسلل من جوارها،لحظات ظلت بالفراش ثم نهضت رأت أين ذهب بالشقة كما توقعت دخل الى تلك الغرفة،سريعًا عادت للفراش وجذبت هاتفها فتحته على أحد البرامج ظهر أمامها الغرفة والمكتب بوضوح
رأت تلك العلبة ومحتواها…وذلك السلاح بيده.
أغلقت الهاتف حين عاود وضع السلاح بالعلبة…
فكرت لحظات…لما يحتفظ بذلك السلاح بتلك العلبة هنا…
لحظات ولحظات تُفكر حتى إهتدى عقلها
لكن نفت ذلك:
مستحيل يكون ده السلاح اللى وليد قتل بيه.
وعقلها يؤكد:
لاء هو أكيد، طب وصل له إزاي… وذلك هو اللُغز
لكن طرأ لعقلها فكرة شيطانه وهي تهمس بعقلها:
لو السلاح ده إتصاب بيه طوفان…
توقفت لحظة قبل أن تبدل القرار هامسة:
لاء مرات طوفان.
❈-❈-❈
باليوم التالي
مساءً
بمنزل حاتم
نظر له والده مُبتسمً يقول:
وصلت فى وقتك، بدرية هتحضر لينا العشا إتعشي معانا.
أومأ ببسمه
بعد قليل جلسوا يتناولون الطعام بصمت لدقائق قبل أن تقطع بدرية الصمت وجهت نظرها نحو حاتم قائلة:
هي مراتك هتفضل فى دار أهلها لحد ما تولد ولا إيه مكنوش شوية تعب، ولا هناك دلع وهنا مشغلينها فى صُخرة.
رفع حاتم رأسه ونظر لها قائلًا:
أنا إتصلت عليها يا ماما وخلاص إتفقت معاها هروح أجيبها بكرة الصبح.
تهكمت بدرية قائلة:
ليه خليها لحد ما تولد، طبعًا هناك دلع و…
قاطعها زوجها وهو ينظر لـ حاتم قائلًا بإرشاد:
خليها عند أهلها لحد ما ترتاح يا حاتم و…
نظرت له بدرية باستهجان وقاطعته بتعسُف:
يسيبها فين، عشان يرجعوا يفضحونا إننا مش قادرين نأكلها، الست لها الشرف تفضل فى بين جوزها حتى لو مريضة ومحتاجه اللى يخدمها، ويجوا أهلها يخدموها هنا، كان غلط إنها تروح دار أهلها، بس هقول إيه، مبيفهموش فى الأصول وحابين يظهروا أنهم أعلى مننا طبعًا.
نظر لها زوجها بغضب قائلًا:
بلاش إفتعال مشاكل يا بدرية وبلاش تدخلى بين إبنك ومراته ونسايبه.
كادت تتهجم لكن صدح هاتف حاتم الذي يشعر بضياع وأصاب حديث والدته عقله بالثوران لكن ذاك الهاتف كان من القسم نهض للرد وغادر بعدها مباشرةً، بينما نظرت بدريه لزوجها بإستهجان قائلة:
بتبص لى اكده ليه، انا مش عاوزه نبجي ماعيرة فى بلد بحالها.
هز رأسه برفض وهو يشعر بالآسف على حال حاتم الذي وضع نفسه بين حجري الرحا.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
بغرفة جود
دخلت شكرية تحمل صنية طعام، وتبسمت لـ جود التى كانت تنهي حديثها عبر الهاتف، تبسمت له قائلةبدلال:
الحلوة جود كانت بتكلم مين وشها نور.
إبتسمت جود قائلة:
ده حاتم كان بيتصل يطمن عليا، وحتى قالى إنه هايجي بكرة ياخدني، كفايه قاعدة هنا بقي أنا بقيت كويسة كمان النهاردة كنت مع ماما عند الدكتورة وقالت لى أتحرك عادي، هرجع لـ.
قاطعتها وجدان الذي دخلت قائلة:
ترجعي لإستعباد بدرية ليكِ من تاني، أوعي تفكري إنك هناك بعيدة عن عنينا ومش عارفين إن بدرية بتعاملك بإستعباد، دلوقتي إنتِ حِبلة ولازمك راحة أنا هقول لـ طوفان يـ…
قاطعتها جود قائلة:
منين جبتي الكلام ده يا ماما، وبعدين انا خلاص إتفقت مع حاتم.
نظرت شكرية نحو وجدان التى هزت رأسها وكادت تعترض، لكن بنفس الوقت دلفت دُرة الى الغرفة مُبتسمة
صمتن، بينما تحدثت دُرة مع جود وبطريقة غير مباشرة كانت تسألها عن بعض الاعراض التى تشعر بها هل مرت عليها، وإجابات جود كانت دليل…
دقائق ودلف طوفان الى الغرفة مُبتسمً يقول بمرح:
كل ستات الدار متجمعين هنا.
إبتسمت له جود قائلة بدلال وهو يقترب منها ينحني يضع قُبلة على رأسها، عيناه على دُرة التى تنظر له، لكن تجاهل نظرها له وتحدث بدلال لـ جود
جود التي تمنت لو كان حاتم يمتلك جزءً ممن حنان طوفان.
كذالك تمنت دُرة هي الأخرى نيل دلال طوفان، لكن هو يتعمد تجاهلها، فقط مجرد أحاديث قليلة امامهم فقط.
༺༻
بعد قليل بغرفة طوفان
تمددت دُرة على الفراش تنظر الى باب حمام الغرفة حتى فتح طوفان الباب، أدارت وجهها، الناحية الاخري لاحظ طوفان ذلك فتبسم، أخفض ضوء الغرفة ثم ذهب نحو الفراش وتمدد عليه مُتعمدًا تجاهل دُرة التي زفرت نفسها تنتظر أن يقترب منها ويضمها لكن هو لم يفعل ذلك بل أغمض عيناه ومثل أنه قد ذهب الى النوم، شعرت درة ببعض التقلصات فى بطنها… نهضت توجهت نحو الحمام… ظلت لوقت
وضعت يدها فوق بطنها بقرار قائلة:
خلاص لازم أقطع الشك باليقين، بكرة هجيب إختبار حمل وأتأكد.
بينما طوفان إستغيب دُرة شعر بالقلق وكاد ينهض من فوق الفراش لكن سمع صوت فتح باب الحمام، أغمض عيناه، بينما دُرة عادت للفراش نظرت نحو طوفان تنهدت بـهمس خافت، سحبت الغطاء وتمددت على الفراش تنظر نحو طوفان داخلها إشتياق الى أن يضمها الى صدره وهي تتدلل …
بينما طوفان يشعر بحنين يود ضمها لصدرة لكن منعه كبرياءه… أغمض عيناه وإستسلم لغفوة… بعض وقت فتح عينيه نظر نحو دُرة كانت غفت…
تبسم وشدها يضمها لصدره، فتحت دُرة عينيها حين شعرت بذلك، تبسمت وهمست:
طوفان.
إبتسم وضمها لصدره وعاد يغفوا مره أخري.
༺༻
في صباح اليوم التالي
فتح عيناه تبسم حين رأي دُرة غافية رأسها فوق عضد يده، لحظات ظل ينظر لها يشعر بإنشراح فى قلبه، يتذكر ليلة أمس حين إستلقى على الفراش وتجاهلها عمدًا كالايام السابقة… إقترب برأسه منها وضع قُبلة ناعمة فوق شفتيها، سُرعان ما إبتعد عن شفتيها برأسه للخلف بعدما شعر بها تتململ، لحظات ينظر لها، بينما هي كأنها شعرت بأنفاسه قريبة منها تململت قبل أن تفتح عينيها بنُعاس وأغمضتهما مرة أخرى، لكن فتحتهما حين شعرت بـ طوفان يسحب يده من أسفل رأسها…
نظرت نحوه تبسمت له وهو كذالك،للحظة قبل أن يُخفي بسمته وينهض من على الفراش لكن هي سبقته قبل أن يدلف الى الحمام قائلة!
صباح الخير.
أجابها وهو يُعطيها ظهره،مُتعمدًا ثم دخل الى الحمام…شعرت ببرودة في قلبها رغم دفء الصباح، وكأن ابتسامته التي لمحَتها للحظة لم تكن إلا طيفًا عابرًا لشعور تفتقده.. جلست على الفراش، تسند ظهرها إلى الوسادة، تحدق في الباب المغلق وكأنها تنتظر تفسيرًا لما يفعله، لماذا يقترب منها حين تغفو، ويبتعد حين تفتح عينيها..
ظلت جالسة على الفراش الى أن خرج من الحمام، توجه الى خزانة الثياب وبدأ بإرتداء ثيابه صامتً، وهي تنظر له بصمت لمح نظرها له من إنعكاس المرأة، بينما هي فاض بها الصمت فتنحنحت قائلة:
عربيتي عطلانه بقالها يومين عند الميكانيكي ممكن تتصل عليه يسعف فى تصليحها لاني بتصل عالسواق بيتأخر على ما يجي لى المستشفى.
اومأ لها قائلًا:
تمام هتصل عليه وخدي عربيتي على ما يخلص تصليحها أنا مش محتاجها.
تفوهت بإستفسار!
أخد عربيتك وأنت هتروح شغلك ومشاويرك بإيه.
اجابها دون أن يلتفت، وهو يضبط ياقة قميصه أمام المرآة:
أنا هاخد عربية تانية عشان مسافر القاهرة النهاردة.
اتسعت عينيها وبتسرُع منها تحدثت بنبرة سؤال:
وهتاخدني معاك.
اجابها بنفي وتبرير:
لاء… إنتِ بتضايقي من السفر، وأنا مش هغيب يومين تلاته بالكتير وكمان إنتِ السفر الطويل ممكن يكون غلط عليكِ.
نظرت له بعدم فهم سائله:
والسفر غلط عليا ليه.
إبتسم بخباثة قائلًا:
الطريق فيه مطبات كتيره.
مازالت لاتفهم وسألته:
وفيها إيه المطبات دي، ما…
قاطعها وهو يقترب وإنحني عليها جالسًا على طرف الفراش.. وضع قُبلة على إحد وجنتيها يتلاعب بأنفاسه فوق وجنتها، هامسًا:
إفرضي إنك حامل.
فهمت أخيرًا، لكن أنفاسه وهو مكار يتلاعب بالهمس الناعم، ويده تسير فوق فوق يديها بنعومه، الى أن وصلت إحد يديه وإستقرت فوق بطنها مع قوله ذلك… فاقت من تلك المشتعر ورفعت يديها تدفعه بهما قائلة:
غلطان أكيد، وعادي أنا أساسًا مش عاوزه أسافر عندى هنا شغل خلاص السمسار اللى باسل كلمه إتصل عليا وبعت لى لوكيشن أكتر من مكان ممكن أعمل فيه مركز البصريات بتاعي.
إبتسم ونهض من فوق الفراش يُعيد هندمة ثيابه قائلًا:
برضوا بلاش تجهدي نفسك، يلا همشي أنا بقى عشان الحق اوصل عندي مواعيد كتير النهاردة أشوفك بعد يومين، بلاش تطاوعي نفسك على قلة الأكل، وبلاش الاجهاد الكتير.
نظرت له بغيظ، ضحك طوفان ويخرج من الغرفة، بينما دُرة قذفت الوسادة خلفه قائلة:
كُل اللى فى دماغه إنى حامل كأنه خبير ولا دكتور….
قطعت حديثها حين فتح طوفان الباب مره أخرى ودخل قائلًا:
نسيت السجاير والموبايل.
نظرت له ولم تُعقب، بينما تخابث طوفان قبل أن يخرج من الغرفة قائلًا عن عمد:
إسألي جود عن الدكتورة اللى راحت لها، سمعت إنها شاطرة، كمان بلاش اتغذي كويس.
غادر طوفان مُبتسمً بينما دُرة قذفت وسادة أخرى قائلة:
بارد مُستفز.
↚
بعد مرور يومين
بمنزل طوفان
بغرفة الضيوف
تنهدت كوثر بنزق قائلة بسؤال يحمل الخُبث:
أمال فين مرات إبنك،من يوم صباحيتها مشوفتهاش وكمان طوفان فين هو كمان مُختفي ، إيه خايفة نحسدها، ولا مستكبرة علينا.
هزت وجدان رأسها برفض قائلة:
لاء طبعًا مش خايفة تحسديهم، طوفان فى مصر بجاله يومين، ودُرة بتشتغل فى المستشفي بترجع آخر النهار.
تهكمت كوثر بسخرية قائله:
وطوفان قدر يبعد عن حُضن عروسته بسرعة كده.
تنهدت وجدان بتفسير قائلة:
رايح يشوف شغله.
تهكمت بسخرية وتسألت بفضول:
ويا ترا المحروسة مراته حِبلت ولا لسه.
رغم ضيق وجدان من أسئلة وطريقة حديث كوثر،لكن تحكمت فى رد فعلها قائلة:
معرفش أنا هجثها،هي لو حِبلت هتقول،هي دي حاجه بتستخبي
تهكمت كوثر، وأدارت دفة الحديث:
أه على رأي المثل”اللى بتحبل فى الضلمة بتولد فى النور”، وإيه أخبار جود بعد ما رجعت دار جوزها.
أجابتها وجدان:
الحمد لله بخير كنت متصلة عليها من شوية وقالت لى إنها بخير.
تهكمت كوثر بحسرة قائلة:
هو كده البنت اللى تطلع بره العيله ببيبقى حظها قليل.
فهمت وجدان فحوي حديث كوثر، نظرت لها وتنهدت بآسف، على حال كوثر البطرانة على ما تمتلكه من زوج صبور، لو كان تبدل الأمر من البداية وكانت تزوجت كوثر من نوح كانت علمت أن بيديها نعمة كبيرة، لكن هكذا طبع بعض البشر… البطر على النعم.
❈-❈-❈
بعد الظهر… مكتب طوفان بالقاهرة
ترك العمل على حاسوبه ثم خلع نظارته الطبية، ثم إستند بظهره على خلفية المقعد يفرك عيناه يشعر بإرهاق، زفر نفسه يرفع رأسه لأعلى للحظات ثم إبتسم يشعر بشوق لـ دُرة
يومين مروا وهو يتعمد عدم الإتصال عليها وهي بالتأكيد بعقليتها لن تتنازل وتهاتفه هي،
فكر بمكر سحب هاتفه الخليوي من على طاولة المكتب وبعث رسالة، ثم سُرعان ما أتاه الرد على رسالته ابتسم، وفى نفس اللحظة قام بالاتصال على والدته
بعد الترحيب بينهما كذالك إطمئنان كل منهما على الآخر،كذالك سؤاله عن حال جود..
بنفس الوقت بالمنيا كانت تدخل دُرة الى المنزل تشعر بالإرهاق… لكن زال ذلك عندما سمعت وجدان تتحدث عبر الهاتف قائلة:
ودُرة أهي لسه داخله الدار خُد كلمها.
مدت وجدان يدها بالهاتف الى دُرة التى لوهله إستفهمت:
أكلم مين يا طنط.
إبتسمت وجدان قائلة:
طوفان.
خفق قلبها بقوة لكن سيطرت على ذلك وأخذت الهاتف من يد وجدان سمعت حديث طوفان:
إزيك يا دُرة.
ضغطت على أسنانها تحاول تلجيم غضبها وقامت بالرد بحُنق:
أنا الحمد لله بخير وإنت أزيك واضح إن الشُغل واخد كُل وقتك.
فهم تلميحها،إتكئ بظهره على المقعد رغم بسمته يتنهد بإرهاق قائلًا:
فعلًا،كان فى شغل كتير هنا متأجل وقتي كله مقضيه إجتماعات ولقاءات مع عُملاء وصفقات… للآسف مش عارف هرجع المنيا امتى…يمكن بكره أو بعده
شعرت درة بالضيق وتهكمت بإستهزاء قائلة:
ترجع براحتك، ربنا يعينك، أنا كمان لسه راجعه من المستشفي، هغير هدومي وأروح عند ماما، خد كمل كلامك مع طنط وجدان.
قالت هذا ولم تنتظر رده أعطت الهاتف لـ وجدان وغادرت، بينما أخذت وجدان الهاتف وعادت تتحدث لـ طوفان سائلة:
إنت زعلان مع دُرة
شعر من حديث دُرة بالمرح حتى بعدما أعطت الهاتف لوالدته،لكن أجابها:
لاء بالعكس.
إبتسمت وجدان قائلة:
راجع إمتى.
أجابها:
خلصت شُغلي هنا خلاص،إحتمال أرجع الليلة،بس مقولتش لـ دُرة.
إبتسمت قائلة:
أه يمكن عشان اكده حسيت إنها زعلانه،متنساش إنك مبجتش زي زمان تجضي وجتك كلياته فى الشُغل عندك،بجي عندك هنا ست لها حقوق عليك.
تبسم هو الآخر يشعر بشوق لـ دُرة،لا تعلم والدته أن مكوثه هنا سابقًا لفترات طويلة كان من أجل البقاء قريب منها، تنهد قائلًا:
أنا جاي الليلة أو بكره بالكتير.
إبتسمت وجدان قائلة:
تجي بالسلامة، بلاش تتأخر.
أغلق الهاتف وضعه أمامه على الطاولة إتكئ على المقعد يرفع يديه خلف رأسه، لكن سمع صوت فتح باب المكتب، نظر نحوه تفاجئ بمن دخلت، إعتدل فى جلسته قائلًا بإستغراب:
روزان!.
رغم ما تشعر به من حُب له لكن فى هذه اللحظة تشعر بالحقد منه، لكن رسمت بسمة هادئة على شفتيها قائلة بصوت ناعم يخفي توترًا:
مفاجأة غير متوقعة مش كده.
ظل ينظر لها للحظات، لم يكن يتوقع رؤيتها، الآن ولا بهذه الطريقة،تحدث بنبرة حذرة:
مفاجأة فعلًا.
إقتربت بخطوات بطيئة حتى أصبحت أمامه وتغاضت عن أنه حتى لم يقف إستقبلًا لها لكن هي إبتلعت ذلك، وكادت تنحني عليه تُقبله، لكن هو عاد بالمقعد للخلف، ثم نهض واقفً ينظر لها بـ إزدراء قائلًا بنهي:
روزان إحنا خلاص إطلقنا.
نظرت إليه مباشرةً، نظرة كانت خليط من العتاب والألم وهي تتحدث بسؤال كأنه حق لها:
ازاي قدرت تخرجني من حياتك كده بالسرعة دي من غير حتى كلمة وداع… وإزاي دلوقتي في واحدة تانية واخدة مكاني، اسمها “دُرة”… مش كده.
سادت لحظة صمت بينهما، قبل أن يقطعها طوفان قائلًا بتفسير وصرامة:
أظن كان بينا إتفاق من قبل ما نمضي على ورق الجواز العرفي، مالوش داعي طريقتك دي، أعتقد إنك مخسرتيش حاجه من طلاقنا.
إبتلعت طريقته الجافة، هكذا كان دائمًا معها جاف، كأنه تزوج بها للهروب من شيء، فجأة مر على رأسها، طلبه للزواج منها تلك الليلة، كان يبدوا وكأنه يبحث عن طوق نجاة… لا عن شريكة حياة… نظرت إليه بعينين تلمعان بقهر مكبوت، وقالت بنبرة منخفضة لكنها موجعة: فعلاً…انا كنت مجرد مهرب، وأنا غبية صدقت إنك محتاجني… صدقت إن في عندك مشاعر ليا حتى لو كانت قليلة… فيها إيه دُرة مكنش عندي يا طوفان، تعرف أنا كنت بسمعك تهمس بإسمها وإنت معايا عالسرير، ليه إتجوزتني عشان هي كانت لغيرك،بس…
تبدلت نظرة عيناه لغضب هي ذكرته ما كان يعتقد أنه نسيه،أن دُرة واقفت على عقد قرانها من حسام،وأن ليلة زواجه من روزان كانت هي نفس ليلة عقد قران دُرة وحسام…تلك الليلة التي شعر فيها أنه يحتضر من الداخل… خسر كل ما كان يتمناه… فقرر أن ينتقم من نفسه، بزواجٍ لم يكن حبًا، بل ربما انتحارًا ببطء… وقتها كان يريد تدمير نفسه بأي شكل، وقد كان زواجه العرفي من روزان هو هذا التدمير.
شعرت روزان بضيق من صمته، تابعت، بخطوة للأمام وصوت متهدج:
بس عارف يا طوفان؟ أكتر حاجة وجعتني مش الطلاق… لأ، اللي وجعني إنك كنت واخدني مُسكن… لاء مش مُسكن منوم..بس للآسف مفكرتش في مشاعري إتجاهك،أنا مش ملاك وهقولك أتمنالك السعادة،بالعكس يا طوفان أنا بتمنالك تعيش نفس الإحساس اللى أنا عِيشته لما إنت طلقتني،ومحستش بوجع قلبي،ولما إتجوزت من غيري فى العلن قدام الناس،كمان واضح إنك مبسوط معاها،بس بلاش تفكر إنك هتبني سعادتك على تعاسة قلبي،فى حاجه إنت معملتش حسابها.
نظر لها بإستفهام، وقبل أن يسأل توجهت روزان نحو باب الغرفة وقبل أن تغادر نظرت له قائلة:
هتعرفها فى الوقت المناسب… القلوب لما بتنكسر… مبتتصلحش، وبتتحول لصخر… وإنت كسرت قلبي يا طوفان…
بس أوعى تفتكر إنك هتتهنى، لأن اللي بيزرع وجع في غيره… بيحصد ندم، حتى لو بعد حين.
ثم أغلقت الباب خلفها، بصوت خافت لكنه كان كفيل يرنّ في أعماقه مثل صدى ضمير…
وقف هناك ساكن، عينه على الباب،لكن عقله شرد في ليلة فقد فيها دُرة، وفقد بعدها نفسه… فحاول ينتقم من ذاته، عاد يجلس مرة أخري يُفكر لو كان تبدل القدر وإكتمل زواج دُرة وحسام هل كان سيتحمل ذلك، بالتأكيد لا.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
دخلت سامية الى غرفة النوم وجدت عزمي ينتهي من إرتداء ثيابه نظرت له بسخط وهو يضع العِطر، تحدثت بسخرية قائلة:
لابس الجلابية الفلاحي وبتحط ريحة كمان، رايح فين إكده.
بغيظ منه لها تحدث بنبرة إستفزاز:
رايح أتجوز عليكِ.
تهكمت بضحكة سخرية قائلة:
وماله اللى خدته أم الشعور تاخده القرعة، إبقي أختار زين واحدة تليق تبجي ضُرة بِت الحسب والنسب.
نظر لها مُتهكمً:
حسب ونسب، وماله، ما أهو القرد فى الغابة له عشيرة.
إغتاظت منه بشدة، لكن لن تستسلم وتحدثت:
بس قبل ما تتجوز، جوز ولدك الكبير الأول.
تهكم بسخرية قائلًا:
وماله أجوزه وأصرف عليه هو ومراته.
نظرت له بلا مبالاة قائلة:.
وماله، وإنت فقير.
نظر لها بإندهاش سائلًا:
إنت بتتكلمي جد.
أومأت برأسها قائلة:
أيوه بكلم جد الجد كمان، وليد فاتحني وقالى إنه عاوز يتجوز.
تهكم عزمي ضاحكًا يقول:
يتجوز… ده يا دوب كمل واحد وعشرين سنه، حتى مش بيشتغل
حتى الدراسة فى الجامعه سابها
وفاشل فى كل حاجه، مش فالح غير يركب الحصان يتمتظر به عالسكك، مين اللى هترضي بواحد سوابج كمان.
تفوهت بضجر ونهي:
بطل تجول عليه سوابج، وهو مجاليش مين اللى عاوز يتجوزها، هو بس جالي إنه عاوز يتجوز، وأنا جولت أعرفك عشان عارفه إنك هتعارض، بس أنا بجول توافق وتسيبه يتجوز يمكن الجواز هو اللى يصلح حاله.
نظر لها مُتهكمً باستهزاء قائلًا:
الجواز يصلح حاله، ده أكيد لو لحس بلاط الجامع بلسانه مش هيتصلح حاله إبنك جاتل جتل إتنين لو مش أنا اللى والست ودفعت لـ مرعي بدران كان شهد عليه،وكان قدم السلاح للبوليس وأقل ما فيها كان ولدك خد تأبيدة فى السجن،عقلي إبنك وقولي له يتعدل الأول قبل ما يقول عاوز أتجوز،أنا مش فاضي للرغي،ومن غير سلام.
غادر الغرفة وهو يتهكم يهمس بإستهزاء،بينما هي بعقليتها تفوهت:
هتوافج يا عزمي وغصب عنك.
❈-❈-❈
بمنزل والد حاتم
على طاولة العشاء
جلست جود بعدما أمرها والد حاتم قائلًا بأمر:
إقعدي يا جود إنت ملكيش الإرهاق ولا الشُغل الكتير،بدرية هتجيب الوكل.
أشارت له بدرية…فذهب الى المطبخ نظرت له بغضب وضيق قائلة:
ويعني أنا اللى فيا عافية،كفاية عليا جتل ولدي قبل فرحه بأيام هد جلبي…إنت مش حاسس بقهرة قلبي.
شعر زوجها بوخزات قوية فى قلبه قائلًا:
مش بس انتِ اللى إتقهرتي وجلبك إتهد يا بدرية،بس بلاش تبجي ظالمة ومفتريه على غيرك،جود بِت ناس،كمان حِبلة محتاجه راحة،خلي فى جلبك رحمة،بلاه الإستبداد وإنك تضغطي على حاتم،كفاية يا بدرية أنا ساكت من الأول ومش عاوز أحرجك أو أضغط عليك عشان حاسس بقهرة موت حسام،لكن إنتِ بكده هتخسري حاتم كمان.
تلهفت بهلع قائلة:
بعيد الشر إنت عاوز حاتم هو كمان…
صمت لسانها،بينما وضح زوجها قائلًا:
لما بيت حاتم يتخرب مش هيبقي سعيد يا بدرية،وده آخر تحذير مني،بعد كده هطلب من طوفان ياخد أخته لحد ما تقوم بالسلامة،مش عارف ليه حاسس إن جواكِ أمنية إن الحمل ده ميكملش.
نظرت له بإستهجان قائلة:
إحساس غلط،أنا كل الحكاية مش عاوزها تتمرع علينا وإنها بنت الحسب والنسب وأعالي الناس.
تمم على سخريتها قائلًا:
أيوه بنت أعالي، الناس ونسب عالي عن نسب أخوكِ اللى كنتِ مموته نسب عليه مش عشان حسام كان بيحب دُرة لاء أملاك مُختار، الطمع فى جلبك لساه فى الأرض اللى باعها لـ طوفان بعد ما إستردها بالمحكمة، وطلعتِ بدون أي ورث فيها فوقي وحافظي على بيت إبنك وكمان فكري، يمكن اللى فى بطن جود يكون هو العوض عن موت حسام شاب.
نظرت له بحقد قائلة بنزعة غاضبة:
محدش هياخد مكان حسام، وبحديتك ده أنا…
قبل لحظات بعدما تحدث والد حاتم لها بهذه الطريقة اللطيفة، شعرت بسعادة، لكن حين ذهب نحو المطبخ وظل دقائق شعرت بالحرج من جلوسها وحدها،رغم أنها ليست فضولية لكن نهضت ذهبت نحو المطبخ، توقفت بعدما سمعت حديث والد حاتم مع زوجته بهذا الشكل،شعرت بالصدمة من طريقته معها كذالك مواجهته لها بعيوبها الواضحة،حتي من بجاحة بدرية بدل أن تفهم غرضة كادت تتغطرس وبالتأكيد ستتلاعب على أوتار حاتم،وقد تدخل الى عقله أن والده غير مُهتم بحسرتها لفقدان حسام،لحظة فارقة،وكشفت عن نفسها،قبل أن تتعجرف بدرية تحدثت جود بهدوء حذر وصوت ثابت، قاطعًا للحظة الصراع بينهم:
الأكل برد عالسفرة.
سادت لحظة صمت وتبادل فى نظرات العيون، قبل أن تتحدث بدرية بحجود وهي تنظر نحو زوجها:.
أنا مش جعانه حاسة إنى مصدعة إتعشوا إنتم، أنا رايحه أنام.
ذهبت بدرية نحو غرفة النون بينما
لم يُبالي زوجها وهو يشعر بالإسف وضع يده على كتف جود قائلًا بود ومرح:
تعالي إخنا نتعشي وبدرية لما الصداع يروح تبقي تاكل براحتها… أنا عاوز حفيدي يجي متغذي كويس.
ابتسمت جود له بمودة وتمنت أن يتبدل حاتم ويُصبح شخص لطيف ولين فى تعامله معها مثل والده.
༺༻
بعد وقت
شعرت جود بعدم الرغبة في النوم. شيء بداخلها يقاوم السكون، وكأن أفكارها تتراكم فوق صدرها فلا تدعها تغفو… تذكرت هوايتها ا التي كانت دائمًا ملاذها من ضجيج الحياة… الرسم.
نهضت بهدوء، ذهبت نحو غرفة المعيشة أضاءت نورًا خافتًا، فتحت تلك الحقيبة التي لا تفارقها، أخرجت منها أدوات الرسم.. ألالوان وأقلام الفحم، وبعض الأوراق السميكة.
جلست على الأرض، أسندت ظهرها إلى الأريكة، وبدأت ترسم… لم تخطط لما سترسمه، لكن يدها كانت تقودها،ترسم
خطوط وجه طفل صغير بعد بدأت تتشكل، بعينين واسعتين كأنهما تنضخان بالسعادة… ثم وجه آخر، شاب يُشبه حاتم،
مرت دقائق، وربما الساعات، ولم تشعر بالوقت… كانت فقط ترسم في صمت وسكون كأنها مُنفصلة عن العالم،حتى أنها لم تشعُر بـ حاتم الذي وقف على عتبة الغرفة يتأملها وهي جالسة هكذا كأنها شاردة …في عالمها الخاص، لا يتحرك فيها شيء سوى أناملها التي تنساب برفق فوق الورق، ترسم الملامح كأنها تنحتها من ذاكرتها أو من قلبها…
ظل حاتم واقفًا دون أن يُقاطع، يتأمل تفاصيل وجهها المنهمك، والهدوء الذي يكسو ملامحها، وكأنها تهمس للورق بما تود قوله… دون كلام
اقترب خطوة حتى أصبح يرا ما ترسمه لم يفهم تحدث بأستفسار:
مين الطفل ده… ومين التاني اللى جنبه ده.
انتفضت قليلًا تشعر بفزع، كأن صوته سحبها من غيبوبة ناعمة، نظرت إلى الرسمة ثم إليه، ولم تُجب… فقط ابتسمت، ورفعت عينيها إليه، بعينين تشبهان ما رسمته تمامًا… لحظات صمت، كادت أن تُخبره عن ما عبرت عنه الصورة… هو وطفلهما كان باقيًا فقط أن ترسم نفسها معهما لكن يبدوا أن الصورة ستبقي ناقصة.
لم يهتم بصمتها… بل نظر لجلستها على الأرض قائلًا:
الدكتور قايل بلاش حركة كتير وتنامي على ضهرك، قاعدتك كده ممكن تتعبك.
ماذا قال… هل فحوى حديثه أنه مهتم بها وبصحتها… خفقات قلبها تزداد ليته يكون هكذا فعلًا وحتى إن لم يكن يكفي قوله..
والإندهاش الأكبر الذي يجعلها لا تُصدق عينيها
يداه
أغمضت عينيها قد تكون بحِلم فتحتهما حين وضع حاتم يده فوق كتفها مُتحدثًا بتسرُع:
جود إنت كويسة.
فتحت عينيها ونظرت ليده التى على كتفها، شعور ما بين الدفء والارتباك سرى في أوصالها…
يدهالتي تُلامس كتفها وكأنها تُرمم بها جدارًا تهشّم في غفلة منه.
همست بخفوت وعينيها على يده :
أنا… كويسة.
خرج الصوت من حنجرتها لكن القوة كانت في قلبها.
نظرت له وللحظة رأت ملامحه مختلفة… ليس هذا حاتم الذي دايمًا يرتدي قناع الجفاء والتحفظ… بل رجُل آخر يشعر ، يهتم… سبحبت بمشاعر تتمني لو يظل هكذا…
أغلقت كراسة الرسم وتركتها فوق الأرض وإستجابت له وهو يساعدها على النهوض، قلبها يخفق وعقلها يحاول الاستيعاب ولكنه يعجز عن فهم حقيقة شخصية
حاتم، هل لديه شخصية أخرى عكس ما يُظهره معها، أم أن…
-أم أن ماذا
-الحقيقة… الحقيقة الأولى التي عاشتها معه منذ أول ليلة شخص أناني فى مشاعره معها، يأخذ ولا يُعطي حتى نظرة شُكر أو إمتنان…
حِيرة تجعلها بين إعصار يشدها له، وإعصار آخر تخشي الإنجراف فيه فتجد القسوة والخذلان كالسابق.
سارت الى جواره الى أن دخلا الى غرفة النوم، … ساعدها للصعود على الفراش ودثرها بالغطاء الخفيف… ترك صراع بعقلها من تلك الشخصية….
كذالك حاتم لم يكُن يصطنع ذلك، بل كان ذلك تلقائيًا منه، وداخله شعور غير مفهوم
وذكرى أول لقاء بينهما أمام ماكينة الصرف،شعر بداخل عينيها براحة ودفئ غريب… وأمنية وقتها تمني أن يراها مرة أخري، لكن لسوء القدر كانت أقرب الناس الى من أضاع وأهدر حق القصاص لأخيه، وسؤال بعقله لو كانت أخري هل كانت إختلفت مشاعرك نحوها…
والقلوب حائرة بين أعاصير تقذفها لا تعرف الى أين لا تعلم؟.
❈-❈-❈
رغم وجوده بالبلدة من وقت باكر لكن تأخر فى العودة الى المنزل الى بعد منتصف الليل لوجوده بأحد الأعراس لأحد الشخصيات الهامة…
توقف بالسيارة فى فناء المنزل ينظر نحو غرفته مع دُرة، كانت أبواب الشُرفة مفتوحة…
ابتسم، وهو يدلف الى المنزل كان ساكنً، صعد مباشرةً نحو غرفته… بقلب مُشتاق.
بينما قبل وقت قليل
رغم مكوثها لوقت طويل على حاسوبها تقوم بقراءة بعض الأبحاث الطبية الحديثة فى مجال العيون،حتى أنها شعرت بالسأم والضجر والسُهد… كذالك سخونة فى جسدها، رجحت ذلك لحرارة الغرفة، نهضت من فوق الفراش وضعت الخاسوب على طاولة بالغرفه ثم ذهبت نحو الشُرفه، قامت بفتح أبوابها وحررت الستائر التى تطايرت بخفه قليله… ثم ذهبت نحو الحمام، أخذت حمامً باردًا، وإرتدت قميص نوم خفيف فوقه مئزر يُشبهه، عادت نحو الفراش
نزعت دُرة عن جسدها ذلك المئزر وألقته على مقدمة الفراش، ثم أبعدت الدثار الخفيف، ومددت جسدها على السرير وهي تتنهد، لا تعلم سبب تلك الحرارة التي تشعر بها، رغم استحمامها بماء بارد… رجحت أن يكون السبب حرارة الطقس، وستزول الحرارة بعد قليل، ثم تنهض لترتدي ثيابًا أخرى… لكنها غفت دون أن تدري.
فتح باب الغرفة، فاستقبل أنفه عِطر استحمامها المنتشر في الأرجاء… نظر مباشرة نحو الفراش تحت ضوء خافت ينبعث من خلف ستائر الشُرفة المفتوحة، وضوء خفيف من إحدى اللمبات الصغيرة بالغرفة… خفق قلبه حين رآها بذلك الثوب القصير، الشبه عارٍ، الذي يكشف ظهرها ومعظم ساقيها… لونه البني الداكن كان يُبرز انعكاس بشرتها المتوردة… ابتسم، وهمس لنفسه بيقين:
لو كانت تعرف أني راجع الليلة، مكنتش حتى فكرت في لمس قميص النوم ده.
اقترب بخطاه الهامسة، كأنه يخشى أن يوقظ الحُلم بداخله… أو يُبدد تلك الصورة التي سكنت عينيه… جلس على طرف الفراش، يتأمل ملامحها الهادئة، شفتيها المضمومتين، وتنهيداتها العميقة التي يشعر كأنها نغم يعزف على أوتار قلبه موسيقى خاصة لا يسمعها سواه….
مد يده بلطف وأزاح خُصلة متمردة من شعرها سقطت على وجهها… إنحني يضع قُبلة على وجتتها.. شعرت بأنفاسه تقترب، فتململت دون أن تستيقظ…. ظل يتأملها للحظات، ثم لم يتردد وهو يطبع قبلة خفيفة على كتفها العاري، همس بإسمها بصوت أجش من توقه:
دُرة.
كأنها سمعته، فتحت عينيها لحظات… نظرة واحدة منها كانت كفيلة بأن تزلزل قلبه… اغمضت عينيها مره أخري ظنًا أنها بحلم ، لكن شعرت بانفاسه وهو يضم شفتيها يُقبلها…
رفت جفونها ببطء، وكأنها تحاول التأكد إن كان ما تشعر به حقيقة أم حُلمًا…فتحت عينيها ثبتت نظراتها عليه لحظات… فقط يسود صمت دافئ يحمل ألف كلمة.
قطع هو الصمت بصوت أجش:
وحشتيني.
لحظة وأخرى وعادت تشعر ليس فقط بشفاه تتجول على وجنتيها ويديه تسير فوق ساقيها بحميمية، في البداية إستسلمت لعاطفته وبادلته تلك القُبلات بنفس الشوق، مد يده بلطف يمسك يدها يتعمق فى بث مشاعره المُشتاقة وهي تتجاوب معه،.. بنفس الشوق كأنها بلا عقل… تجاوبت معه بنداء الجسد من أول لمسة…ذابت بين يديه،
وهو كل شيء فيها يناديه… أنفاسها، لمسة أصابعها، تلك النظرة التي لم تفارقه، وكأنها تحفظ ملامحه
لم تكن بحاجة إلى كلمات،
ضم كفها إلى صدره، وراح يُقبل أطراف أصابعها برفق،
همست إسمه بصوت متهدج، بالكاد خرج من بين شفتيها المرتجفتين:
طوفان.
ابتسم، ونظر لعينيها طويلًا، كأنما يُخبئ فيهما اعترافًا دفينًا، ثم رد بهدوء:
بحبك يا أغلى دُرة.
تحركت أناملها تلقائيًا تمسح على وجنته، تلمس ملامحه كمن يتحسس الطمأنينة… ارتجف قلبه تحت لمستها، واقترب أكثر حتى لم يعد بينهما سوى أنفاسٍ تتلاحق، وشوقٍ يحكى من دون صوت…. يعيشان اللحظة بتفاصيلها… لا زمن، لا مكان، فقط حضور مشاعر غامرة تروي تمحي جفاف كُل بُعد، وكل فُرقة….
قلبها كان ينبض بجنون، وجسده يحتضنها كما لو كان مُغترب عاد إلى وطنه بعد غيابٍ طويل…. استسلمت لحضنه، لرائحته، لصوته الذي أخذ يهمس بكلمات عشق لا تعرف الزيف، كذالك غزل يُناشد قلبها…. مشاعر خاصه تخترق أعماقهما، تُربت على قلبيهما، مشاعر إنتهت بقُبلة سلبت أنفاسهما…
انسابت أناملها فوق ظهره، تتحسس تفاصيله كما لو كانت تحفظه عن ظهر قلب… تنفُسها اختلط بأنفاسه، وقلبيهما يُحدثان بعضهما بصمتٍ عميق، صمتٍ يفوق في صدقه كل الكلمات…
رفع رأسه قليلًا، ينظر في عينيها… يشعر بأنها المأوى والمنفى معًا.
❈-❈-❈
فى اليوم التالي
بـ المصنع الخاص بـ طوفان
بجلس خلف مكتبه، يعمل على حاسوبه، لكن رفع رأسه ونظر نحو باب المكتب الذي إنفتح، سُرعان ما نهض مُبتسمً حين سمع من ذلك الذي دخل دون إستئذان يتحدث بغرور:
طوفان واد “نوح مهران”
كيفك، سمعت إنك بجيت راچل أعمال، كمان إنك إتأهلت ودخلت دُنيا.
بنفس طريقة الآخر تحدث طوفان:
“چلال الهمامي”
واد العُمدة كيفك ميتي رچعت من السفر.
إلتقيا فى منتصف الغرفة يُعانقان بعضهما بصداقة…
ثم جلسا معًا يتحدثان، سئم وجه طوفان حين سأله جلال بمرح:
قولى إيه أخبار الجواز معاك، سمعت حاجات كتير كده حصلت… كمان أخبار أختك اللى كانت بتتكسف حد يبص لها إيه.
أجابه عن جود:
جود إتحوزت وحامل.
زالت البسمة عن وجه جلال وتحولت الى دهشة مصحوبة بـرد فعل غير متوقع.
↚
بأحد القُرى السياحية لأحد الشواطئ
بـ ڤيلا خاصة
بصعوبة فتح عيناه يشعر بصداع قوي كذالك ألم بكامل جسده، تجولت عيناه بغشاوة على المكان، زفر نفسه وهو يحاول النهوض بصعوبة يضع يديه حول رأسه، سار بخطوات متعثرة، كأن الأرض تميد أسفل قدميه، يتكئ على جدران المكان باحثًا عن أي بصيص نور يرشده. الهواء ملوث برائحة الدخان التى تعبئ بالمكان… لمح من خلال الضباب الذي يغشي بصره كأن ظلًا يتحرك في نهاية الممر،اتكئ على يده حتى إستطاع الوقوف،ضغط على أسنانه محاولًا تذكُر،أين هو… كيف وصل الى هذا المكان…. لكن رأسه شبه ممحية، تضج بالألم والفراغ في آنٍ معًا…،توجه الى نهاية الممر … سُرعان ما أغمض عيناه من قسوة الضوء… نظر أمامه البحر قريب، عقله مازال غير مستوعبً أين هو، وكيف وصل الى هنا، كذالك ذلك الصداع الفتاك برأسه،
إنتفض جسده بقوة حين شعر بتلك اليد التى قبضت على ذراعه بقوة مباغتة، كأنها تُعيده من غيبوبة غامضة إلى واقعٍ أكثر غموضًا… التفت بفزع، سرعان ما تهكم عليه الآخر قائلًا باستهزاء:
مالك يا ريان باشا مكنتش أعرف إن دماغك خفيفة كده، إنت إمبارح مستحملتش السهرة وهيست من أول سيجارة.
-سيجارة
بسؤال أعاد ريان تكرارها ثم أكمل إستفسار قائلًا:
سيجارة إيه، أنا فين، وإنت مين.
ضحك الآخر قائلًا:
بالسرعة دي لحقت تنساني إحنا إتقابلنا إمبارح فى البار بتاع الفندق… أكيد هتفتكر حفلة امبارح، كنت برينس.
ذهول كذالك عدم فهم ووعي،نظرات ذلك الوضيع بها اختلاط ما بيين
الاسمئزاز والرغبة البائيسة.
❈-❈-❈
بمكتب طوفان
إندهش من رد فعل جلال الذي قال بذهول:
مش معقول هي مش لسه بتدرس فى الجامعة.
أجابه:
أيوه فاضل لها سنه عالتخرج،والنصيب كده.
-نصيب إيه
قالها جلال ثم أكمل بتوضيح:
المفروض كنت تستني لحد ما تخلص دراستها.
تنهد طوفان قائلًا:
أنا مكنتش موافق عالجوازة أساسًا،بس هي فاجئتني ولما أمي عرضت عليها واقفت،وأنا زيك إتصدمت وتمت الجوازة… نفس يوم جوازي.
إستغرب جلال أكثر قائلًا:
أنا سمعت حكايات فى الفترة الأخيرة، قولي إيه حصل بالتفصيل، كمان موت حسام، صحيح أنا وهو مكنش بينا إستلطاف،كان شخص عنده عنجهية وغطرسة، بس لما أبويا قالى إنه إتوفي حزنت عليه.
إتكئ طوفان بظهره على المقعد وتنهد بآسف وسرد له ما حدث الى ان إنتهي برزواجه هو ودُرة،كذالك جود وحاتم.
إستغرب جلال قائلًا:
فعلًا القدر له تدابير عجيبه،وأنت بقي على كده طبعًا سعيد إن حبيبة العُمر رجعتلك.
تهكم طوفان بين نفسه،حقًا يكفي قلبه أن دُرة أصبحت من نصيبه لكن عِنادها وكِبريائها كذالك تقلُباتها المزاجية كثيرًا ما تفسد سعادته مثل ليلة أمس
التي كانت بدايتها حالمة وهي بين يديه ينبادلان الغرام،…لكنها فجأة انقلبت، انسحبت من بين ذراعيه وكأن نارًا مستها، حدقت فيه بعينين تومضان بعتبٍ غريب، وتحدثت بصوتٍ حاد:
إمتى رجعت، مش كنت بتقول لسه عندك شغل فى القاهرة… ليه بتحسسني دايمًا إني لعبة في إيدك.
سئمت ملامحه، لم يفهم ما الذي حدث.. قبل لحظات كانت تهمس إسمه بحبٍ وتتنهد بشوق فما الذي تغير فجأة.
اقترب منها، حاول لمس كتفها لكنها تراجعت، فزاد ذلك حيرة، بل وضيقًا خفيًا بدأ يتسلل إلى أعماقه… إبتلع ذلك بصبر قائلًا:
حبيت أعملهالك مفاجأة.
تهكمت عليه قائلة:.
مفاجأة مش لطيفة، ومن فضلك إبعد عني.
تضايق من طريقة حديثها لكن لن يستسلم ونظر الى صدرها وكتفيها وبعض علامات الحب واضحة عليهم،وتعمد إحراجها قائلًا:
درة بلاش طريقتك دي معايا،أنا مغصبتكيش، إنتِ كنت لسه من شوية دابية بين إيديا و…
قاطعته بعينين دامعتين:
من شوية كنت ناسية، دلوقتي افتكرت… إنك دايمًا بتكدب عليا، وكمان إستغليت إني كنت نايمة.
شعر طوفان بصدمة… كأن جدران الغرفة تضيق عليه… لكن لم يتركها هكذا تعمد إحراجها أكثر قائلًا:
غريبة إنك تنامي بقميص نوم مكشوف وكمان مش إسود.
نظرت لجسدها سُرعان ما شعرت بالخجل وسحبت الدثار عليها تُفكر بماذا تُبرر ذلك، تنحنحت قائلة بتعلثُم:
عادي الجو حار وكنت زهقانة.
نظر نحو شُرفة الغرفة وضع يدها على كتفها يلعب بأنامله بذاك الحبل الرفيع لقميصها قائلًا:
الأوضة فيها تكييف سهل تشغليه.
شعرت بتوتر قائلة بنزق:
المرة الجاية هشغله، تسمح تبعد إيدك عني.
إبتسم وتقبل تقلبها بل وأغاظها حين جذب بنطاله وقام بإرتدؤه ونهض من فوق الفراش قائلًا:
بلاش تشغيله دلوقتي، هروح أخد شاور بارد، وإنت كمان خدي شاور بارد ومش هتحسي بالحر، كده كده ابواب البلكونه مفتوحة والناموس هيدخل يعمل حفلة ويزود العلامات اللى على صدرك وأكتافك.
نظرت الى كتفيها وصدرها، سُرعان ما شعرت بالحرج لكن أخفته خلف غضبها وظلت صامته بينما هو ضحك وهو يغلق باب الحمام…
عاد من ذلك على سؤال جلال:
قولي أخبارك إنت إيه واضح إنك بقيت راجل أعمال، غريبة مع إنك كنت حابب تبقي وكيل نيابة.
تنهد طوفان بإستسلام قائلًا:
القدر يا جلال.
تنهد جلال هو الآخر مُتفهمً:
فعلًا القدر يا طوفان، أنا كمان عملت زيك وحاولت أتمرد بس واضح إن القدر دايمًا هو اللى بيجبرنا نتقبل فى النهاية ونتخلي أو عالأقل نستسلم، أنا كمان راجع للقدر إني أورث العمودية من أبويا، غير كمان ممكن القدر ده يخليني أستسلم لرغبة أمي، نفسها تجوزني لبنت عمي مستخسره تطلع لحد غريب.
إبتسم طوفان قائلًا بمزح:
مبروك مقدمً يا حضرة العمدة بالرفاء والبنين.
ضحك جلال قائلًا:
إنت خلاص صدقت إني ممكن أستسلم بسهولة كده، طبعًا جلال الهمامي مُناضل حتى النصر.
ضحك طوفان قائلًا:
فى القدر مهما ناضلت.. المكتوب مكتوب.. هترفع راية الاستسلام غضب عنك
❈-❈-❈
بمنزل والدة دُرة
بعد جلسة طويله بين دُرة وكريمان، كانت أشبه بتحقيق من كريمان مع دُرة عن حياتها بالفترة الأخيرة، تحدثن فى موضوعات كثيرة بعضها حساس وآخر مجرد إستفسار عابر ، لكن مازال
ذلك التردُد يُسيطر على عقل دُرة ولكن كريمان تعرف دُرة جيدًا حين تكون حائرة بأمر يشغل رأسها…وها هو السؤال المُنتظر من دُرة التى قالته بتردُد:
ماما هو إنت لما كنتِ بتبقي حامل كُنتِ بتحسي بإيه
قصدي يعني إيه هي الأعراض اللى…
قاطعتها كريمان بصدمة:
نفس الأعراض اللى إنتِ بتحسي بيها، يلا طلعي الإختبار من الشنطة وقومي إقطعي الشك باليقين.
لوهلة تملك دُرة الغباء وسألتها بلا فهم:
شك إيه باليقين.
زفرت كريمان نفسها بضجر قائلة:
مش معاكِ فى الشنطة إختبار حمل، قومي إستعمليه عشان تتأكدي إنك حامل.
إرتبكت دُرة قائلة بسؤال وجواب غبي:
عرفتي منين إن معايا إختبار حمل في الشنطة…إنتِ بتقري المستقبل.
إبتسمت كريمان قائلة:
لاء… بقرأ وشك باين عليك، حتى من غير ما تستعملي إختبار حمل متأكدة إنك حامل وإنتِ كمان عندك شبه يقين بس مش عارفة إزاي إنت المفروض دكتورة، يعني حتى من باب العِلم بالشئ تبقي عندك معرفة، بس عقلك هقول إيه، قومي إستعملى الاختبار عشان تقتنعي، وكمان لازم تتابعي مع دكتور أو دكتورة عشان حالة صدرك متأثرش عالجنين.
شعرت دُرة بالغيظ قائلة:
مش يمكن تكهناتك غلط.
ضحكت كريمان بإصرار قائلة:
ليه خايفة تتأكدي إنك حامل، معتقدش طوفان عنده إعتراض،بل متأكدة إنه يتمني تقولى له إنك حامل، دُرة بلاش تخلي الماضي يضع عليكِ زهوة فرحة حقيقية.
تدمعت عين دُرة وهي تنظر لـ كريمان نظرة يشوبها العتاب:
ليه بحس إنك واخدة اللى حصل كأنه شيء عادي إنى أتجوز من طوفان رغم إنه ساهم بشكل كبير فى ضياع الحق فى قضية قتل بابا.
غص قلب كريمان ونهضت من مكانها جلست جوار دُرة ضمتها من كتفيها، والدموع تنزف من عينيها قائلة بلوعة:
محدش قلبه إتكسر قد قلبي يا دُرة، موت مُختار كسر قلبي وضهري، بس لازم كان لازم أقف من تاني وأتحمل عشانك، وعشان أخوكِ إنتم أمانة مختار اللى سابها ليا، ومش معني إني بظهر إني كويسه أبقي كده إتقبلت اللى حصل، أنا لو بأيدي مكنتش إستنيت حكم المحكمة وروحت بأيدي خدت تار مختار، بس أنا مسؤولة عنك إنتِ وأخوكِ، بحاول أبان إني قوية، بس لازم أبقي قوية لو ضعفت كان زمان باسل هو كمان ضعف، تعرفي يا دُرة مختار قبل ما يموت بساعات قالي إيه؟.
نظرت لها دُرة وعينيها تسأل:
قالك إيه.
أجابتها وهي تبتلع غصة خانقة فى قلبها:
قالي عندى إحساس كبير جواز دُرة وحسام مش هيكمل…عندي إحساس إن دُرة مُترددة وفى لحظة هتاخد القرار وأنا مش هتعرض وقتها وهساندها،دُرة معندهاش أي مشاعر ناحية حسام غير إنه إبن عمتها،فى شئ حصل هو اللى خلاها وافقت على كتب الكتاب.
ذُهلت دُرة من قول كريمان، وسالت دموعها، هي كانت كذالك فعلًا، لو تأخر مقتل والدها ليوم واحد لأخبرته أنها لا تود ذلك الزواج، وتريد إنهاؤه قبل بداية قد تكون خاطئة ولها عواقب لاحقًا.
غصبًا تبسمت شفاه كريمان حين رأت نظرة عين دُرة، ضمّتها، ثم مدت يدها تُجفف دموعها قائلة:
مُتأكدة… لو مكنش عندك مشاعر لطوفان، عمرك ما كنتِ هتتقبلي جوازك منه… أو حتى على الأقل كنتِ هتمنعي نفسك عنه… وشخصية زي طوفان كان مستحيل يفرض نفسه عليكِ أو يغصبك في موضوع زي ده، لأن لو مفيش رضا… مش هيبقى في روح، ولا أمان، ولا حتى لحظة ممكن تتبني عليها حياة.
صمتت لحظة، ثم نظرت لـ دُرة بعمق، تحاول الوصل الى عقل دُرة ثم أكملت:
أنتِ بتحبيه يا دُرة، بس لسه خايفة تعترفي لنفسك… وده طبيعي… بس متنسيش، إن أوقات اللي بنحبه مش بيبقي محتاج تصريح، بيبقى محتاج نديه فرصة… الحُب ساعات بييجي في شكل طوق نجاة، وساعات بيبقى إعصار، وساعات بيبقى فى حضن ساكت وسط الفوضى… طوفان مش سهل، بس اللي شُفته في عينيه ناحيتك… مشاعر حُب حقيقي.
❈-❈-❈
فى شقة إبتهاج
كان باب الشقة مغلقًا، لكن ليس بإحكام… دفعه عزمي بهدوء ودلف إلى الداخل…
توقف في الرُدهة، وعيناه تستقران على ابتهاج التي أسرعت نحوه بخوف ظاهر، تضم نفسها إليه،شعر برعشة جسدها الناتجة عن الرعب.
لكنه لم يبالي بإدعائها المُتقن، وسأل بنبرة حادة:
ايه اللي حصل.
أجابته بإدعاء الذعر، تتلعثم قليلاً وكأن أنفاسها لا تسعفها:
أنا…أنا كنت نازلة أشتري شوية حاجات محتاجاها، مغبتش يمكن ساعة أو أقل… ولما رجعت، لقيت باب الشقة مفتوح.
ضيق عزمي عينيه وهو يتفحص ملامحها، جيدًا بتمعُن يبحث عن شِق صغير في قناع الخوف الذي ترتديه…وتحدث بنبرة هادئة تحمل تهديدًا مُبطنًا:
ولما لقيتِ الباب مفتوح… دخلتِ ليه.
اتسعت عينا ابتهاج، وتظاهرت بأنها تبتلع ريقها بصعوبة:
كنت مفزوعة…ومفكرتش قولت يمكن أكون انا نسيت أقفله كويس وأنا خارجة… دخلت بسرعة، لقيت الشقة زي ما إنت شايف كده، كنت هصوت وألم الجيران، بس خوفت إنت بعد كده تلوم عليا.
دفعها بعيد عنه
وتقدم خطوة، نظراته تجوب المكان بعين خبيرة، ثم فجأة سألها دون أن يلتفت:
لاحظت إن كالون الباب مش مكسور.
تجمدت للحظة قبل أن ترد:
أكيد اللى فتحه خبير وإستعمل طفاشة ولا حاجة تفتح الباب من غير ما يكسر الكالون.
أدار رأسه نحوها ببطء، ثم قال ببرود:
مُمكن.
رمشت عينيها بإضطراب ، وصوتها بدأ يفقد تماسكه:
أنا خايفة أوي، أنا حاسة أن روحي راحت مني ومعرفش إزاي إتصلت عليك.
اقترب منها حتى كاد يلامس وجهها، وهمس:
ومعرفتيش إيه ناقص من الشقة.
ردت بخوف:
لاء أنا مش قادرة أتلم على أعصابي.
تابع ملامحها بجمود وتحدث بإستهزاء:
مش قادرة تتلمي على أعصابك، لكن مخوفتيش تدخلي الشقة، مش يمكن كان الحرامي لسه جواها
بلعت ريقها وارتدت خطوة للوراء:
ما أنا قولت لك إني خوفت أصوت او أستنجد بالجيران لا تتعصب عليا، دخلت وأنا برتعش وقلبي كان هيوقف، قولت يمكن يكون الحرامي لسه هنا يخاف ويهرب من غير ما ياخد حاجه من الشقة.
نظر إليها طويلًا،نظرة تهكمية… ثم أدار ظهره واتجه نحو غرفة المكتب:
ماشي يا إبتهاج شوفي إيه اللى ناقص من الشقة عشان نعرف الحرامي كان هدفه إيه.
توترت إبتهاج وهي تنظر نحوه وهو يدخل الى تلك الغرفة رغم خوفها لكن لمعت عينيها، ثم توجهت نحو غرفة النوم…
بينما لم يحتاج عزمي الى تدقيق، فأمامه أدراج المكتب مكسورة، نظر داخل إحد الأدراج، تفاجئ بأختفاء تلك العلبة الذي كان يضع بداخلها السلاح، شعر بغضب عارم، وخرج يُنادي على إبتهاج بصوت جهور، لم ترد، سمع نواحها توجه نحو غرفة النوم، وجدها تجلس أرضًا تنوح وهي تضرب ساقيها بقوة قائلة:
الصيغة بتاعتي إتسرقت ، كمان مبلغ كُنت شيلاه على جنب.
نظر لها مازال بعقله بعضً من الشك…أن تلك السرقة قد تكون من تدبيرها،لكن ماذا ستفعل بذلك السلاح.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
دلفت دُرة الى المنزل، تشعر شعور خاص، بعدما تأكدت من ما كانت مُترددة من تأكيده،داخلها حسمت قرارها ستُخبر طوفان،أو بالأصح ستُأكد شكه…
تقابلت مع شُكرية فى الردهة،تبسمت لها بترحيب
قائلة:
الحجة وجدان فى المندرة من شوية كانت حاسة بصداع وجولت لها أكيد بسبب وجع عينيها…مبترضاش تلبس النضارة بتقول إنها بتخيلها.
تبسمت دُرة قائلة:
المفروض تلبسها ومع الوقت هتتعود عليها.
أومأت شكريه بتوافق، بينما تفوهت دُرة:
هروح أشوفها.
إبتسمت شكرية وغادرت، بينما توجهت دُرة الى المندرة، دلفت مُبتسمة، بعد إلقاء التحية، جلست مع وجدان يتسمران حول وجع عينيها، لكن فجأة سئم وجه دُرة حين سمعت ذلك الصوت البغيض يتحدث بعشم:
كيفك يا عمتي.
نظرة عين وجدان تبادلت بين دُرة وذلك الوضيع الذي تعمد الإقتراب من وجدان وإنحني وكاد يمسك يد وجدان، لكنها سحبت يدها ونظرت له بغضب:
إنت إيه اللى جابك هنا يا وليد، مش طوفان،آمر إنك ممنوع تدخل الدار، إزاي الغفير اللى عالباب سابك تدخل.
شعر وليد بالحرج والغضب لكن أخفي ذلك قائلًا:
وحشتيني يا عمتي، كمان فى موضوع مهم ومُتأكد إنت الوخيدة الللى هتقدر تقنع أبوي يوافق على غرضي..
❈-❈-❈
رغم برودة المياة
لكن يشعر بها تسيل حارقه على جلده يزفر نفسه بغضب وضيق، أزاد من برودة المياة لكن لا فرق، إلتقط انفاسه بقوة.. محاولًا تهدئة اعصابه ونفض غضبه…
فجأة كأنه سمع صوت سُعال لم يهتم للحظات ظل أسفل المياة حتى شعر أنفاسه تُختنق… فأخرج رأسه من أسفل المياة، يفتح عينيه ببطء وقد بدأ الضيق يحاصر صدره أكثر… لكن
تكرر صوت السُعال مجددًا…
هذه المرة لم يكن هادئًا…
خرج من أسفل المياه تتساقط من شعره على وجهه المشتعل، وقلبه يخفق بعنف…
وصوت السعال القوي يتكرر وكأنه نداء خافت، ضعيف، لكنه مستغيث…جذب منشفه
خرج سريعًا من الحمام، لوهلة وقف مُتجمدًا مصدومًا حين رأي دُرة محنية قليلًا تتألم بوضوح وهي تضع إحد يديها على صدرها ويدها الأخري أسفل بطنها، تسعُل بشدة، تئن بألم ودموعها تسيل وهي تنظر الى خطين من الدماء يسيلان فوق ساقيها…
فزع في عينيه،كأن قلبه توقف لوهلة، وعيناه لا تصدقان ما يراه…
ركض نحوها، مشاعره تتخبط بين الذهول والخوف وقلبه يكاد يخرج من صدره:
دُرة!
قالها بصوت خافت، كأنه لا يستطيع تصديق ما يحدث أمامه.
🌷🌷🌷
↚
بمنزل كريمان
شعور بسيط بالقلق فى قلبها من ناحية دُرة كالعادة، تنهدت تستغفر كي تُزيح ذلك القلق، تبسمت لـ باسل الذي دلف عليها المطبخ مُبتسمً يقول:
صباح الخير يا ماما، إمبارح رجعت لقيتك مع دُرة ونمت بدري، نسيت أقول لحضرك أنا محتاج فلوس، عشان أشتري مُعدات جديدة للأرض كمان كمان الصوب محتاجة تدعيم.
تبسمت له قائلة:
صباح الخير يا حبيبي، المعدات والحاجات دي هتحتاج مبلغ كبير والرصيد بإسم مختار الله يرحمه…وللآسف منقدرش نسحب منه قبل إعلام الوراثة،هتصل على دُرة وأكلمها وإن كانت فاضية النهاردة نروح الشهر العقاري نعمله.
سهمت كريمان للحظة تعلم أن ذلك صعب على دُرة،دُرة كانت مُدللة مُختار وكان بينهما إنسجام كبير،لكن لابد أن تفهم أن الذكريات لا تنتهي وتظل موصومة بالقلب.
بالفعل جذبت هاتفها الخاص وقامت بالإتصال على دُرة،لكن إستغربت قائلة:.
موبايل دُرة بيرن ومش بترد.
ببساطة أجابها بتطمين:
يمكن لسه نايمة،أو راحت المستشفي…وعاملة الموبايل صامت،مجتش من يوم إبقي إتصلي عليها كمان شوية،أنا هفطر وأنزل المركز أشتري شوية مستلزمات .
نظرت كريمان لـ ساعة الهاتف قائلة:
دُرة بتصحى بدري وكمان الساعة قربت على تسعة، تعالى نفطر وشوية كده أبقي أكلمها تاني.
أومأ باسل وجلس بينما عقل كريمان رغم قلق قلبها لكن عقلها يُفكر فى رد فعل دُرة بعدما تعلم أنها تمتلك تلك الأرض.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
كالعادة شِجار الصباح بينهم
تأفف عزمي مُتغطرسً يسأل:
المحروس إبنك ريان إيه مشبعش من الصياعة طول أجازة الصيف هبرجع إمتي ولا طول ما التحويل له شغال هيفضل صايع هناك يصرف عالمقاطيع أصحابه.
زفرت نفسها بغضب قائلة:
كلمني إمبارح وقولت له إن الدراسة خلاص هتشتغل ولازم يرجع وقالي هو كمان زهق وهيرجع فى أقرب.
تهكم ساخطًا يسأل:
وإمتى أقرب وقت بقى، قبل إمتحانات نص السنة، يجي يعكر مزاجه بالامتحانات،ما هو طول ما هو اللى بيطلبه بيوصل له مش هيفكر يرجع لاهنه ويعكر مزاجه،وولدك التاني فين كمان.
أجابته بغضب:
وليد شوفته خارج بالحصان من شوية، أهو يفرج عن نفسه أنا مش عارفة إنت ليه ممانع إنه يتجوز.
تهكم مجاوبً:
أنا مش ممانع أنا عارف نية ولدك.
تهكمت بسؤال:
وإيه هي نية ولدي.
أجابها بتوضيح:
إبنك بيتسلي، عاوز يبين إنه بقي راجل، وهو عيل، كل اللى فى دماغه عاوز واحدة ينام معاها يثبت إنه خلاص بقي كامل الرجولة، زي ما كان هيحصل قبل إكده وربنا فضحه… مش عاوز حديت كتير فى الموضوع ده، بدل ما يفكر فى الجواز، يفكر إزاي يبقي راجل بجد، وقفلي عالموضوع ده نهائي، أما يبقي يعرف الرجولة يبقي يفكر فى الجواز، أنا مش هجوزه وهو يعيش نزوته ولما ياخد مُتعته منها أبتلى أنا من وراه… فكري مره واحدة فى مصلحة عيالك، أنا بحاول أشد وإنتِ بترخي وفى الآخر الإتنين معندهمش أي أساس لتحمّل المسؤولية، آخرهم يصيعوا كل واحد على هواه.
قال ذلك وغادر يتركها لغباء عقلها،وهي تظن:
طول عمرك بتكرهني يا عزمي كان نفسك فى ست تانية لو أعرف هي مين اللى شغالة عقلك لحد النهاردة مش قادر تحب ولادك بسببها.
༺༻
أثناء سيره بالسيارة على الطريق مر على طريق المقابر… نظر نحوه نظرة عابرة، لكن سُرعان ما توقف كأنه سمع صوتً يُناديه.. صوت جعل قلبه ينطرب، نغمة عاذبة إفتقدها او بالأصح تخلى عنها غصبً مُرغمً إمتثالًا لجبروت والده، تجنب على الطريق وترجل من سيارته سار بين أروقة المقابر حتى توقف أمام أحد القبور، إسم محفور على قطعة رُخامية،سالت دمعته بحسرة وجوار إسمها محفور إسم رُجل آخر،ماضي إندفن معه رُفات قلبه…همس بإسمها
“جليلة”…
ولو يعود الزمان ما كنت تأخرت عنك…لأتيتك عاشقًا للوصل.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان قبل وقت قليل
هلع قلب إحد الخادمات المسؤولة عن التنظيف حين رأت بعض بُقع الدم منثورة على ألأرضيات، سريعًا ذهبت الى غرفة شكرية التي قابلتها بالطريق نظرت لها برعُب قائلة:
خاله شكرية تعالي معايا إكده شوفي إيه اللى عالأرضيات ده.
ذهبت معها شكرية بتلقاىية لمعرفة سبب ذلك الرعب المرسوم على وجه الخادمة، توقفت الخادمة عند بُقعة دم قائلة:
بصي يا خاله الأرضيات عليها بُقع دم أخرها عند باب الدار.
هلع قلب شُكرية قائلة:
خلينا نتبع الدم ونشوف أولها فين يمكن قطة جريحة دخلت الدار، بلاش نقلق الست وجدان يمكن يكون قطة.
وافقتها الخادمة وتتبعن أثر الدماء الى أن توقفن أمام غرفة طوفان، وللغرابة الباب لم يكُن مُغلقًا بالكامل… نظرن نظرة عابرة للداخل بعض أثار الدم، كادت الخادمة أن تُكمل فتح باب الغرفة لكن قبضت شكرية على يدها قائلة:
هتعملى إيه عقلك جَن، إستنيني هنا وإياك تدخلى الأوضة.
وقفت الخادمة بينما شكرية ذهبت مُسرعة نحو غرفة وجدان التي أستيقظت حين
سمعت طرقًا على باب غرفتها تسألت:
مين؟.
اجابتها شكرية:
انا يا ست وجدان.
سمحت لها بالدخول قائلة:
إدخلي يا شكرية.
حاولت شكرية إمتثال الهدوء وهي تُخبر وجدان:
صباح الخير، صحيتك من النوم بدري.
أجابتها وجدان وهي تتثائب:
لاء أنا كنت صحيت صليت الفجر وقعدت أقرأ قرآن بس يظهر عيني غفلت،صباح الخير.
تنحنحت شكرية أكثر من مرة،ترددت كيف تُخبرها،عشرتهن مع بعض لسنوات جعلت بينهن تفاهم كبير،تنهدت وجدان قائلة:
خير يا شكرية،في إيه عماله تتنحنحي كده ليه،قولى عندك إيه،وصلك حاجه من ناحية جود.
هزت شكرية رأسها بنفي،ثم تحدثت بلُطف:
الخدامه من شوية كانت هتنضف الدار،وشافت بقع دم عالأرضيات.
بفزع أزاحت وجدان ذلك الغطاء الخفيف ونهضت من فوق الفراش،تجذب وشاح رأسها قائلة:
فين الدم ده إيه سببه..
ردت شكريه:
معرفش.
سارت الإثنتين معًا الى ان وصلا الى غرفة طوفان لم تنتظر وجدان واكملت فتح باب الغرفة تفاجئت ببقعة دم قريبه من الفراش، هلع قلبها قائلة:
فين طوفان ودُرة.
عقلها غير مستوعب رغم أن بُقعة الدم ليست كبيرة، لكن يخفق قلبها بقوة وسابت أعصابها شعرت بدوخة خفيفة، سندتها شكرية.الى أن جلست على إحد مقاعد الغرغة، لحظات حاولت تمالك حالها، ثم فاقت قائلة:
هاتيلي موبايلي بسرعة من أوضتي أتصل على طوفان.
أشارت شكرية الى الخادمة برأسها فذهبت سريعًا… حاولت شكرية تهدئتها قائلة:
إهدى شوية، الدم مش كتير، يمكن حد فيهم إتعور.
نظرت لها وجدان بقلق قائلة:
تعويرة ايه اللى تنزف الدم ده كله، الخدامة بتقول إن آخره عند باب الدار… هي فين راحت تجيب الموبايل من بلد تانية… ميفوتهاش تتلكع.
هداتها شكرية قائلة:
إهدى دي يا دوب لسه طالعه من الاوضة.
حاولت وجدان أن تهدأ، رغم الخادمة لم تتأخر لكن الوقت بطئ، حتى جاءت الخادمة بالهاتف خطفته من يدها بيد مُرتعشة… سريعًا قامت بالاتصال على طوفان، لكن شهق ثلاثتهن حين سمعن صوت هاتف بالغرفة، ذهبت الخادمة نحوه وجذبته وعادت به الى وجدان الذي زاد القلق فى قلبها، حين قالت الخادمة:
وفي موبايل تاني عالكومدينو بتاع الدكتورة درة.
خفق قلب وجدان، بحِيرة فما سبب تلك الدماء، وماذا ستفعل.
ربما هنالك رحمة بقلبها،حين صدح هاتف وجدان،نظرت للشاشة كان رقمً غير مُسجل لديها…سُرعان ما ردت لتسمع صوت طوفان
بقلق تحدثت له:
طوفان إنت بخير…ودُرة …إنتم فين،إيه سبب الدم اللى فى الدار ده.
تحدث طوفان بهدوء:
أنا بخير ودُرة كمان بقت الحمد لله بخير.
خفق قلب وجدان سائلة:
أنت بتكلمني منين،كمان دُرة…إيه اللى حصل،سبب الدم ده إيه.
أجابها بأختصار:
لما أرجع هقولك إيه اللى حصل،دلوقتي أنا فى المستشفى مع دُرة والدكتورة قالت تخرج مفيش مشكلة،بس محتاجين هدوم نضيفة،إبعتي مع السواق غيار ليا وكمان غيار لـ درة.
ردت وجدان:
انا هجيبهم وأجيلك قولى إنتم فى مستشفى إيه.
أجابها:
مالوش لازمه تجي يا ماما بقولك الدكتورة سمحت بخروج دُرة،بس إبعتي غيارين لينا،وكمان خلى واحدة من الشغالات تنضف الأوضة من الدم وأنا بس يوصل السواق بالهدوم مفيش ساعة وهنكون عندك فى الدار.
غصبً إمتثلت وجدان
༺༻
بالمشفي قبل وقت قليل
بعدما فاقت دُرة
نظرت لـ طوفان تستوعب إجابته
-للآسف الجنين لسه موجود.
لحظات وتسرعت كعادتها وعي تنظر له بإستياء:
ومالك بتقول للآسف ليه، مكنتش عاوزه، مش إنت اللى كنت بتخمن إني حامل دلوقتي لما إتأكدت….
قطع بقية حديثها بـ قُبلة كانت رقيقة وناعمة لحظة واحدة ورفع رأسه… بينما دُرة إرتبكت تشعر بخفقان قلبها، لكن تلاقت عيناهم تبسم طوفان بخباثة قائلًا:
بالعكس يكفي إن إنت قولتي لى بحبك يا طوفان.
توسعت عينيها ونظرت لاقترابه هذا منها قائلة بتوتر ونفي:
مستحيل،أكيد إنت كنت بتحلم، أنا مش…
قاطعها بـ قُبلة أخرى، ثم ترك شفاها ومازال وجهه قريب من وجهها قائلًا:
قولتي أنا حامل يا طوفان، وبحبك… وأنا كمان بحبك يا دُرتي المُتسرعة.
كانت هادئة فقط تنظر له، لكن زمه لها جعلها تتعصب، رفعت يدها تدفعه بكتفه قائلة بغضب طفولي:
كداب… إبعد عني مش عارفة أتنفس، كفاية أنابيب التنفس دي خنقاني، أنا عاوزه أشيلها، كمان الكانولا اللى فى ايدي دي بتشوكني.
ضحك طوفان قائلًا:
تعرفي يا درة إنى أوقات كتير بقتنع إنك بعقل طفلة مش بتكبري.
إغتاظت منه قائلة:
بطل سخافة لو سمحت وقولى إيه حصلي وإيه سبب النزيف.
أجابها:
الدكتورة قالت مجرد حادث عرضي مالوش تأثير،بس المفروض تهدي أعصابك.
وضعت يدها على بطنها وتبسمت بهدوء،لاحظ طوفان ذلك فتبسم هو الآخر،ثم عادت عيناهم تتلاقي بحديث صامت،كان كفيل ببث مشاعر مستوطنة فى قلبيهما،إقترب طوفان من دُرة إختلطت أنفاسهم،كاد يُقبلها مرة اخري يستمتع بذلك الهدوء،لكن توقف عن ذلك وقطع إنسجام اللحظة صوت طرق على باب الغرفة… إستقام طوفان واقفً، كذالك حايدت دُرة النظر لـ طوفان الذي تبسم لتلك الطبيبة التي دلفت للغرفة… تبتسم قائلة:
حمدالله على سلامتك يا مدام… خلينا نقيس الضغط، كمان هنا في المستشفى قسم خاص بالنسا والتوليد، نطمن عالجنين.
أومأت دُرة ببسمة
بعد لحظات كانت دُرة تنظر الى تلك الشاشة التى تعرض حركة جنينها.. تشعر بمشاعر مُميزة
كذالك طوفان نسي شعور الإحراج وهو ينظر الى تلك الشاشة وتبسم بشعور خاص له مذاق عذب.
❈-❈-❈
بشقة خاصة بالمركز
دلفت تلك التي كانت ترتدي زيًا أسودً بالكامل، كذالك نقاب يخفي وجهها، بمجرد ان دخلت أغلقت خلفها الباب وازاحت ذلك النقاب عن وجهها وقفت تلهث وهي تضع يدها فوق صدرها، دقائق حتى عادت تتنفس بهدوء، سُرعان ما تبسمت حين رأت ذاك الذي يقترب منها مُتحدثًا بترحيب:
لما أتأخرتي قولت معرفتش تجي.
تبسمت له وهي تقترب منه سُرعان ما خفق قلبها بسعادة وهي ترا ذلك الطفل ذو الخمس أعوام يتوجه ناحيتها يقول:
“ماما”.
إنحنت تضمة بين يديها بحنان، ثم جذبته وجلست على أريكة تضمه لصدرها، تبسم الآخر لها قائلًا:
كويس إنك عرفتي تزوغي من رجالة عزمي.
تنهد بإرتياح قائلة:
من يوم سرقة الشقة وحاسة إنه ناقص يحط كاميرات فى الشقة…لو شوفته وهو بيتكلم معايا كأنه تحقيق فى النيابة،ها قولي السلاح وصلك.
نهض واقفً توجة نحو الداخل وعاد بعد لحظات بيده السلاح قائلًا:
السلاح أهو،بس الحرامي طمع فى الدهب.
تبسمت له قائلة:
مش مهم الدهب ده كان حاجات بسيطة،إنت عارف إني حاطة الدهب فى خزنه خاصة فى البنك،ده بس سيبته تمويه.
ابتسم لها قائلًا:
تمام،قوليلي ناوية تعملي إيه بالسلاح ده.
نظرت نحو السلاح قائلة:
السلاح ده اللى هيبرد ناري لما رصاصة منه تقتل مرات طوفان مهران.
نظر لها بتفاجؤ قائلًا:
إنت عارفة طوفان ممكن يعمل إيه،ده ممشي وراها حراسة خاصة.
نظرت للسلاح بتصميم وعينيها تلمعان بغِل وحقد:
ده تاري مع طوفان زي ما هو حرمني من جوزي ويتم إبني وخلاني أثبت إبني بإسم تاني غير إسم أبوه الحقيقي هلدع قلبه على مراته،عزمي حكالي بالغلط هو عمل إيه عشان يتجوزها ده ركعه هو وإبنه قدام الخلق،هي دي اللى تكسر قلب طوفان،وأكيد ممكن نستغل ثغرة،عاوزاك تكثف مراقبتها من بعيد.
تنهد بسؤال قائلًا بسؤال:
وأشمعنا عاوزه تنفذي بالسلاح ده بالذات.
لمعت عينيها بشرر قائلة:
بلاش أسئلة كتير، إنت تنفذ وبس فى الوقت المناسب… وياريت يكون فى أقرب وقت.
نظر لها بإعتراض قائلًا:
بلاش اللى فى دماغك، ممكن يفتح العين وعزمي يتأكد من شكه إنك إنتِ ورا سرقة السلاح.
إنطفأت لمعة عينيها وإسودت قائلة بلا مبالاة:
ميهمنيش عزمي يعرف، يهمني اللى فى دماغي يتنفذ وطوفان يحس بلدعة القلب.
❈-❈-❈
بـ المشفى
أخذ طوفان تلك الحقيبة الصغيرة من السائق كذالك هاتفه، ثم أعطى له مفاتيح سيارته قائلًا:
سبيب لى العربية وخد العربية التانية وديها المغسلة.
أخذ السائق منه المفاتيح وغادر،بينما عاود طوفان الذهاب الى الغرفة التى بها دُرة،فتح الباب وتبسم لها قائلًا:
الهدوم وصلت… تحبي أساعدك.
نظرت له بغيظ قائلة:
لاء شكرًا أنا هساعد نفسي.
ضحك طوفان ولم يستمر فى إستفزازه
بعد دقائق
فتح طوفان باب الغرفة، دلف يدفع ذلك المقعد المُتحرك يخفي بسمته بصعوبة يتوقع رد فعل دُرة، خطوة واحدة وترك المقعد جوار باب الغرفة، نظر نحو الفراش كانت دُرة إنتهت من تبديل ثيابها، كذالك تلك المُمرضة تُنهي معها الحديث،
نظرت دُرة نحو باب الغرفة سُرعان ما تغضنت ملامحها غيظً، لكن شكرت المُمرضة قائلة بهدوء :
شكرًا لمساعدتك.
إبتسمت الممرضة وغادرت بينما إقترب طوفان من درة ينتظر رد فعلها الذي يتوقعه… لكن تخابث قائلًا:
أنا خلصت إجراءات المستشفى، إن كنتِ جاهزة يلا بينا.
مازالت عين دُرة مُسلطة على ذلك المقعد وبسؤال غبي منها تسألت:
أيوه أنا خلاص جاهزة، بس الكرسي المتحرك ده جايبه لمين.
بصعوبة أخفي بسمته وتوجه نحو المقعد جذبه نحوها قائلًا:
جايبه علشانك.
نظرت له بسُحق قائلة:
علشاني… ليه شايفني رجليا إتشلوا.
لم يستطع إخفاء بسمته غصبً وضحت على وجهه، وبترير قال:
الدكتورة قالت بلاش حركة كتير.
إغتاظت من بسمته كذالك من جوابه قائلة بنزق:
الدكتورة قالت بلاش حركة كتير لكن ممنعتش انى أتحرك نهائي، وكمان ماقالتش أتحط في كرسي متحرك كأني عجزت خمسين سنة.
ضحك طوفان وهو يمد يده ناحيتها، متحدثً بنبرة مرحة ممزوجة بحنية خفية:
الكرسي مش بس للعواجيز… ده علشان أريحك، وبعدين صدقيني أنا هبقى مستمتع وأنا بزقك حاسس إني بمثل في فيلم دراما رومانسي.
رفعت حواجبها بسخرية رمقته بنظرة غيظ وتحدثت بعصبيه وسخط:
فيلم رومانسي دراما…
مش لاقي رد أذكى من كده
يعني أنا البطلة اللي فقدت الوعي والبطل جاي ينقذها يا سلام.
اتكأ على المقعد، وعينيه بها لمعة شقاوة:
آه… بس البطلة دي عنيدة وعاملة فيها رامبو، لازم حد يوعيها لصحتها.
عاندت دُرة تحاول أن تثبت إنها قادرة على السير، رغم أثر التعب البين عليها، قائلة بإصرار:
أنا هخرج برجليا، ولو وقعت في نص الطرقة يبقى ساعتها أقعد على الكرسى بتاعك ده.
ضيق عينيه وهو بيشاور على الكرسي:
بلاش عناد وتحدي يا دُرة.
نظرت له بثقة، بينما
ضحك طوفان وهو يسحب المقعد وضعه أمامها مباشرة قائلًا بمرح:
بلاش عناد يا دُرة، إقعدي عالكرسي مش هتقدري تمشي على رجليكِ كتير، وبصراحة كده، أنا ضهري لسه بيوجعني من إمبارح، فمش هقدر أشيلك تاني
نظرت له بـغيظ وأصرت على السير ولحسن الحظ كانت الغرفة قريبة من باب خروج المشفى… سار طوفان يسندها. الى أن وصلا الى السيارة.
❈-❈-❈
دقائق مضت… حاول طوفان مشاغبة دُرة وهما بالسيارة لكنها التزمت الصمت ليس لسبب غير أنها حقًا تشعر بخمول
وصلا الى المنزل، كانت دُرة شبة غفت، بينما ترجل طوفان من السيارة وتوجه. نحوها أيقظها، فتحت عينيها… كاد يحملها لكن هي إستهجنت قائلة بغضب طفولى:
مش فى المستشفى كنت بتقول ضهرك بيوجعك.
ضحك طوفان قائلًا:
هو كده فعلًا بس مُضطر عالأقل عشان منظري قدام أهل البيت.
نظرت له بغيظ، قائلة:
لا متخافش على منظرك، وأنا همشي، كتر خيرك.
إبتسم حين حايدته درة وترجلت من السيارة، تلهفت عليها وجدان وشكرية وقامتن بمساعدتها حتى وصلت الى غرفتها، تفاجئت بدخول كريمان الى الغرفة سائلة بلهفة:
إيه جرالك فجأءة كده.
نظرت لها درة بوهن صامته.
❈-❈-❈
بمنتصف النهار
إنحني ذلك الضيف على يد وجدان يُقبلها،إبتسمت له بقبول قائلة:
إمتى رجعت من السفر يا جلال.
إبتسم لها قائلًا:
من أيام وإتقابلت مع طوفان وبعت معاه السلام للحجة وجدان عارف إن مشاغله كتير وأكيد نسي يبلغك.
إبتسمت له بمرح،ظل يتحدث معها بود وعفوية لبعض الوقت…كذالك إنضم إليهما طوفان،
بعد وقت وقف جلال قائلًا:
الزيارة لازمً تكون خفيفة وأنا كنت جاي مخصوص عشان اشوف الحجة وجدان.
تبسمت له بود بينما أكمل جلال حديثه:
كمان أعزمكم يوم عالغدا نجمع العيلتين زي زمان.
إبتسمت له وجدان قائلة:
إنت جاي صدفة وشوفت الظروف.
تنهد جلال قائلًا:
طوفان قال إن الحمد لله مفيش شئ خطير،وعالعموم أنا هنتظر رد من طوفان بميعاد العزومة،هستأذن انا بقي.
ابتسمت وجدان بينما طوفان رافقه الى باب المنزل وبسبب رنين هاتفه تركه يسير وحده الى مكان سيارته….
لكن صدفة أو قدر، أو رغبة وتحققت
رأي دخول جود الى المنزل… بتلقائية منه نظر لها وابتسم لنفسه قائلًا:
بقت أجمل يا خسارة.
لكن بنزعة فضول منه قطع طريقها قبل أن تدخل الى المنزل، وقف أمامها قائلًا:
ازيك يا جود.
توقفت جود تنظر له لم تتذكره الى أن قال:
أقلع النضارة يمكن تعرفيني.
تذكرته وتبسمت نظرت ليده الذي مدها بالمصافحة، قائلة:
أستاذ جلال.
إبتسم لها قائلًا:
الحمد لله أفتكرتيني كنت هزعل، انا أساسًا شخصية متتنسيش.
ضحكت، ضحكتها الرقيقة لكن سُرعان ما خفتت تلك البسمة حين سمعت من ينطق إسمها بصوت جهور
شعرت بالارتباك يتسلل الى ملامحها وهي تنظر خلفها قائلة:
حاتم.
↚
بمنزل طوفان
بالردهة
خفق قلب جود بإرتباك حين سمعت صوت حاتم، نظرت نحوه بتلقائية رسمت بسمة رغم إستغرابها مجيئه الآن، هو فى العادة يعود للمنزل مُتأخرًا، لا داعي لتخمين من أين علم بوجودها هنا… بالتأكيد والدته أخبرته، إزدردت ريقها وعادت تنظر نحو جلال ويده الممدودة، فكرت بعدم مصافحته، لكن هنالك تفكير آخر ربما يفهم حاتم وقوفه مع جلال بمنظور خطأ، مدت يدها بتردُد صافحت جلال الذي تبسم وضغط على يدها بقوة قائلًا بإحترام:
إنبسطت إني شوفتك النهاردة يا جود، عرفت من طوفان إنك إتجوزتي، ليه إستعجلتي مش كنتِ خلصتي دراستك الأول… عالعموم مبروك و..
قاطع بقية حديث جلال حاتم الذي شعر بغضب ونظر بحِدة الى جود التي شعرت بالتوار وسحبت يدها من قبضة جلال، بينما ترك حاتم النظر لها ونظر نحو جلال
نظرات متداخلة، سارت بين ثلاثتهم، والأوضح نظرة الغضب التي إرتسمت على ملامح حاتم، حتى ظهر ذلك فى رده على جلال بغلاظة:
فيها إيه لما تتجوز وهي بتكمل دراستها، وأعتقد ده شأن خاص إنت مالكش الحق فيه.
تفوه بذلك ثم نظر الى جود بنظرة لاذعة…
شعر جلال بتوتر الأجواء فإستأذن قائلًا:
إتبسطت إني شوفتك يا جود… عن إذنكم.
غادر وهو يعتلي شفتاه بسمة، بينما زادت نظرات حاتم إحتداد ولوم، تفوه بنبرة عصبية واضحة:
أعتقد الزيارة إنتهت، خلينا نرجع لبيتنا.
توترت يخفق قلبها بخوف قائلة:
مش هتطلع تطمن على دُرة.
أجابها بنفي غاضب:
لاء… كفاية إنتِ مش إطمنتي عليها، أنا مخنوق خلينا نمشي.
أومأت برأسها قائلة:
هروح أسلم على ماما وأقولها….
قاطعها بغضب وهو يجذبها من مِعصم يدها قائلًا:
كفاية سلامات يلا بينا.
غصبً إمتثلت جود حتى لا تُثير مُشكلة فى غِنى عنها… بالفعل غادرت معه، لكن بحديقة المنزل تقابلت مع طوفان الذي كان يقف مع جلال، نظر نحوهما لاحظ وجوم وجه حاتم، بينما جود ابتسمت بتكلف حتى لا يظهر عليها الحزن، لكن على من
طوفان يفهمها أكثر من نفسها لكن لن يتغاضي عن ذلك الانطفاء بملامحها كثيرًا، رصيد حاتم أصبح على شفا الإنتهاء وبلحظة لن ينتظر رأفة قلب جود،تنهد بجمود وهو يتحدث مع جود قائلًا:
لسه الوقت بدري مقعدناش مع بعض.
ابتسمت له بمحبة قائلة:
إنت مشغول كان الله فى عونك، ربنا يطمنك على دُرة وتقوم بالسلامة.
إبتسم بأخوة وضع يده على كتفها قائلًا:
وإنتِ كمان ربنا يطمني عليكِ وتقومي بالسلامة ويرزقك بنوتة رقيقة القلب زيك…
توقف للحظة ونظر نحو حاتم قائلًا بإستفهام:
ولا يمكن حاتم نفسه فى ولد قاسي القلب…
توقف طوفان بسبب نظرة جود بينما لاحظ حاتم نظراتهم، شعر بغصة قوية فى قلبه وتفوه بجمود:
الاتنين بالنسبة لى واحد، الأهم تقوم بالسلامة هي والمولود.
اومأ طوفان رأسه ببرود بعيناه نظرة حادة لـ حاتم الذي أشار لـ جود بالسير فسارت أمامه، تابعهما طوفان بعينيه الى أن خرجا من المنزل، إقترب منه جلال قائلًا:
واضح إن مفيش قبول بينك وبين جوز أختك، بستغرب إزاي وافقت عليه.
هز طوفان رأسه بموافقة قائلًا:
القدر يا جلال، نفسي يخلف توقعي فيه لأنه معايا على تكة، اللى مسكتني هي جود والجنين اللى فى بطنها مش عاوز أتحمل يكون ضحية سوء إختيار القدر لـ جود.
ابتسم جلال بتفهُم قائلًا:
كل شئ قدر ومكتوب، همشي أنا بقي هستناك تحدد ميعاد عزومة الغدا، وربنا يقوم مراتك بالسلامة.
ابتسم طوفان، يتابع جلال الذي غادر بسيارته يبتسم.
༺༻
بغرفة الضيوف
جلسة نسائية يسودها النم والهمز واللمز
حين تحدثت سامية لـ كوثر بجفاء:
من وقت ما جينا ولا حد عبرنا،حتى وجدان إتحججت وقامت تصلي،ومن وقتها مرجعتش،واضح إن بنت المصراوية خلاص سحبت عقلها هي كمان زي ما سحبت عقل طوفان قبلها.
زفرت كوثر نفسها بحقد قائله:
بنت المصراوية خلاص بعد ما بجت حِبلة هتركب العيلة وتدلدل رجليها… وبدأتها بالسهوكة زي أمها ما عملت قبل منها، دي ضحكت على عقل أخت جوزها وخلتها كتبت أرضها لجوزها وحرمت مش بس بدرية من الميراث كمان عيلة”بدارن” جوز عمتها، بالذات مرعي واد عم جوز عمتها.
تهكمت سامية قائلة:
كله ده بسبب “جليلة”هي اللى ضغطت على جوزها يكتب لها كل أملاكه فى الآخر راحت أملاكها لأخوها،المصراوية ضحكت على عقلها خلتها باعت دار جوزها وإدحلبت لها لما كانت عايشه معاهم طبعًا تمن الدار والارض وكل اللى كان بأسمها خده مُختار، وبدرية وعزمي الإتنين طلعوا من المولد بلا حُمص.
تهكمت كوثر قائلة:
بدرية مش ساهله، أهو خدت جود وبقت مرات إبنها وشكل حاتم شوكته قوية على جود، وطبعًا ميراث جود مش شوية، وعزمي ساكت خايف من طوفان طبعًا بعد ما إشترى الأرض من مختار… مقدرش يتنفس قصاد طوفان.
إستهزأت سامية قائلة:
عزمي جبان بس دينه ومِلته الفلوس،وإن ساكت مش بس حكاية خوف،مش يمكن مرقد لحاجه فى دماغه.
نظرت لها كوثر بعدم فهم سائلة:
قصدك إيه،يعني عشان قبل ياخد فلوس وغير فى شهادته فى قضية وليد،ممكن يكون فى دماغه هدف…بس إيه هو الهدف ده…
توقفت تُفكر للحظة ثم قالت:
لا الأرض موضوعها مختلف عن شهادته الزور.
-شهادته الزور
تلك الكلمتين اللذين أغاظا سامية،فتحدثت بعصبية:
هو مشهدش زور فى قضية وليد،ده شهد باللى شافه.
نظرت لها كوثر مُتهكمة هي تعلم الحقيقة التي ضاعت بسبب ضعف المحكمة المقيدة بالدلائل والشهود،والشاهد الكاذب الذي شهد زورًا…لكن لم تهتم لذلك،كذالك سامية التى صمت عاطفتها لإبنها عن حقيقة لو تبدلت لكان تأكل عقلها بالثأر.
❈-❈-❈
تبسمت كريمان لـ باسل قائلة:
أنا هبات الليلة هنا مع دُرة وإرجع إنت للدار، وإن شاء الله الصبح هتكون دُرة إتحسنت وهرجع للدار.
نظرت لها دُرة قائلة:
والله انا بخير إنتِ اللى مبالغة فى الموضوع.
نظرت لها كريمان بحِدة قائلة:
النزيف اللى حصلك، وبياتك ليلة فى المستشفى وببالغ، كل ده أنا عارفة سببه
الضغط
بيضغطي على نفسك بزيادة، والله كتر خير طوفان إنه متحملك.
ضحك باسل غصبً وإقترب من دُره قبل رأسها قائلًا:
حمدلله على سلامتك.
ابتسمت له وهو يغادر الغرفة،بينما عادت بنظرها الى كريمان التى تهمس:
يااارب
نظر لها بغضب إغتاظت قائلة:
كتر خير طوفان..ليه… متحملني بعمل إيه يعني، هو اساسً مش جديد عليه الكدب، عاوزاني لما الاقي المجرم اللى إسمه وليد هنا والحقير كمان عينه فى عيني وبيتبجح، أنا لو كان فضب دقيقة واحدة قدامي كنت قلته وخدت بتار بابا.
تنهدت كريمان بـمرارة، قائلة بصوت هادئ لكن حاسم:
يا بنتي، أنا مش بقولك ما تاخديش حقك، بس كل حاجة ليها وقتها…عندي يقين إن كان وليد فلت من عقاب المحكمة مش هيفلت من عقاب ربنا… ومش معنى إنه واقف قدامك بيتبجح تتعصبي،وأهو شوفتي نتيجة عصبيتك كان ممكن النزيف يبقي خطير وتفقدي الجنين اللى فى بطنك.
وضعت دُرة يدها على بطنها بخوف عميق، كأن كلمات كريمان اخترقت جدار إنكارها… ارتجفت شفتاها، وتلعثمت:
أنا… أنا ما كنتش بفكر، كنت شايفة وليد وقدامي كل حاجة سودا… دم بابا، ودمعي، وقهري.
تنهدت كريمان بآسف وآسي قائلة بنبرة ممزوجة بالحزن الحنان:
عارفة يا دُرة إحساسك، وعارفة إن قلبك موجوع، بس فكري في الجنين اللي في بطنك… ده زيك، بيتأثر، ويمكن أزيد… بيحس بخوفك، بوجعك، بغضبك… وتأكدي، يا بنتِ، إن الدم عمره ما بينشف، ولا الأرض بتشربه … ربنا بيخليه شاهد، وحق المظلوم عمره ما بيروح، حتى لو اتأخر.
صمتت لحظة، ومسحت دمعة سالت غصبّ من عينيها ثم أكملت:
القهر الحقيقي مش إنك تسكتي، القهر إنك تخسري اللي جاي بسبب اللي فات… خدي حقك، بس من غير ما تخسري نفسك ولا ضناك.
صمتت دُرة تنهدت كريمان وهي تنفض عن نفسها قليلًا قائلة:
هقوم أتوضا وأصلي العشا،وبعدها أجيبلك العلاج لازم تنفذي كلام الدكتورة بدل ما نلجأ للمحاليل،إنتِ لسه فى أول طريق الحمل كده هتتبهدلى فى العلاج بعدين.
شعرت درة بريبة ظهرت على ملامحها فتبسمت كريمان…بسمة موجوعة فى قلبها الذي تحاول وئد الحزن به حتى لا يؤثر على من حولها.
༺༻
بعد قليل
بمنزل حاتم
دلفت جود وخلفها حاتم الذي يشعر بغضب… تبسمت جود الى والد حاتم الذي سألها:
إزي حال دُرة دلوق.
أجابته:
الحمد لله بخير، شكرًا لك يا عمي إنت اللى قولت لى إنها عيانه، وقولت أروح أطمن عليها.
تبسم لها بأُلفة بينما شعرت بدرية بغضب وتحدثت بنزق وإستهزاء:
وطلع عندها إيه، يمكن بتدلع زي غيرها.
أجابتها جود:
درة كانت نزفت وهي حامل.
نار زادت إشتعالًا فى قلب بدرية حاولت السيطرة على حقدها قائلة بتمني:
والجنين سقط.
نفت جود ذلك قائلة:
لاء… الدكتورة قالت مفيش خطورة وبس محتاجة راحة وعلاج.
-راحة وعلاج
قالتهما بدرية بنزق ثم اتبعتهم بسخرية:
هو فى إيه اليومين دول البنات بقت تدلع عالفاضي، مسافة ما تِحبل عاوزه تنام عالسرير متجومش، دلع ماسخ.
كادت جود أن تتحدث لكن صمتت، تحدث عنها والد حاتم:
مش دلع يا بدرية، دي ظروف، وربنا يتمم لهم بخير، يلا يا جود إطلعي مع حاتم شقتكم تصبحوا على خير.
أومأت مُبتسمة…
بعد لحظات دخلت جود اولًا وخلفها حاتم الذي أغلق باب الشقة بعنف قليل نظرت جود خلفها
تهكم حاتم قائلًا:
معليش الهوا قفل الباب جامد.
اومات بصمت،بينما إقترب حاتم سريعًا منها وأمسك يدها سائلًا بغضب:
مين اللى كان بيسلم عليكِ ده.
اجابته ببساطة:
ده جلال… صاحب طوفان أخويا، كمان مامته تبقي بنت خالة ماما.
زفر حاتم نفسه بغضب قائلًا:
آه عشان كده كان عشمان أوي وهو بيكلمك.
ابتسمت جود بتلقائية قائلة:
ده كان صاحب طوفان أوي من صغرهم وكان بينا زيارات عائلية، ومازال، بس هو كان مسافر بره ومعرفش رجع إمتى اتفاجئت بيه… هو طوا عمره كده بيتعامل معايا زي أخته، مع إن معندوش إخوات بنات.
زفر نفسه قائلًا:
تمام، أنا مُرهق هدخل أخد دُش وبعدها هنام.
ابتسمت له… داخلها شعور بسعادة، لاحظت ضيق حاتم من جلال أيكون حدسها صحيح وهو يغار عليها…
والحقيقة كان يرفضها حاتم، وهو أسفل تلك المياة، يقاوم غضبه أزاح المياة عن عيناه يطرد خيال رؤية يدها بحضن يد ذاك السمج… تنفس بقوة يطرد ذلك قسرًا، فمشاعره نحو جود واضحة أخت طوفان الذي أضاع حق أخيه، بل وتزوج زوجته.
༺༻
بمنزل طوفان
دخل طوفان الغرفة،بعدما أذنت له كريمان،تبسم وهو ينظر نحو الفراش كانت دُرة غافية..
تبسمت له كريمان قائلة بهمس:
خدت العلاج ونامت وطوفان كنت عاوزه أتكلم معاك فى موضوع مهم.
إبتسم لها قائلًا:
وأنا تحت أمرك خلينا نتكلم برة الأوضة.
أومأت له بفهم،خرج الإثنين من الغرفة وجلسا برُدهة قريبه من الغرفة…
تنهدت كريمان بشجن قائلة:
هدخل فى الموضوع علطول،أنا عارفه إنك أكيد مُرهق منمتش من إمبارح.
أومأ لها قائلًا:
خير.
أجابته:
قبل أي حاجة بشكرك على اللى عملته مع دُرة إمبارح.
نظر لها قائلًا:
خضرتك عارفة
دُرة مش بس مراتي،دُرة حُب عمري.
إبتسمت قائلة:
وده السبب اللى خلاني وافقت شاهر لما جالى وقالي إنك عاوز تتجوز دُرة،ودُرة عِنادية وإنك حاولت معاها كذا مرة وهي بترفض لمجرد الرفض،وإن لازم تنحط قدام الأمر الواقع وقتهت هتمتثل حتى لو إعترضت بس مع الوقت هتتقبل الجواز.
إبتسم قائلًا:
فعلًا مساعدة وموافقة حضرتك سهلت علينا حاجات كتير.
إبتسمت كريمان وتذكرت
قبل عِدة أشهر
جلس شاهر مع كريمان قائلًا:
فى حاجه عاوزه تعرفيها،طوفان طلب ينجوز دُرة وقالي إنه فاتحها أكتر من مرة وهي رفضت.
تنهدت كريمان بآسف قائلة بحِيرة:
دُرة قتل مختار مأثر فيها وأنا خايفه عليها،دُرة متسرعة ووقت غضبها مبتفكرش،وحاسة إنها بترسم حاجه فى دماغها،عاوزه تار مختار،متأكدة هي زعلت على موت حسام بس اللى مأثر فيها بجد قتل مختار،هي كانت دايمًا قريبة منه،حتى إنه إشترى شقة القاهرة مخصوص عشان لما يروح لها القاهرة ميبقاش ضيف تقيل عند ماما…هتصدق لو قولتلك كنت مرتاحه وهي فى القاهرة بعيد عن هنا بس كان جوايا كمان حزين إنها عايشه الحزن لوحدها هناك.
أجابها شاهر:
ماما كانت جنبها،ومش هتصدقي إن طوفان نفسه كان جنبها معظم الوقت هناك،حتى إنه إتفاجئ إنها رجعت لهنا،فكر إنها هتستقر هناك،لكن إنتِ عارفة دماغ بنتك،دلوقتي أنا مش عارف أقول له إيه هو عارف إن دُرة فوضتني أبيع لها شقة القاهرة،وهو إقترح فكرة أنا مقدرش أقبلها بدون ما أرجع ليكِ حتى قولت له كده هعرض الإقتراح عليكِ الأول.
صمتت كريمان للحظات تُفكر ثم قالت:
طب ليه طوفان مجاش ليا يقولى الإقتراح بتاعه، أقولك دبر ليا معاه لقاء عاوزه أتكلم معاه قبل ما أوافق أو أرفض إقتراحه.
إبتسم شاهر قائلًا:
بسيطة.
باليوم التالي بمطعم أحد فنادق المنيا
وقف طوفان إحترامً يُرحب بـ كريمان ومعها شاهر،جلس ثلاثتهم…
تنحنح طوفان قائلًا:
شاهر إتصل عليا وقالي إن حضرتك طلبتِ نتقابل قبل ما تقولى قرارك.
نظرت كريمان لـ طوفان وتفوهت مباشرة:
مختار قالي إنك سبق وطلبت منه تتجوز دُرة والكلام ده من أكتر من سنتين،بعدين معرفش إيه حصل والموضوع إنتهي،ومن فترة إتفاجئت بموافقة دُرة إنها تتجوز من خسام رغم متأكدة إنها معندهاش أي مشاعر إتجاهه غير إنه إبن عمتها،كمان إتكتب كتابهم،أنا شوفتك يومها يا طوفان،ليه إيه اللى حصل خلى دُرة توافق على جوازها من حسام بالسرعة دي.
شعر طوفان بالحرج والأسف وأخبرها جزء من ما يعلمه،تنهدت كريمان بتفهم قائلة:
وليه دلوقتي عاوز تتجوز دُرة،وإنت عارف إنها إتغيرت … يمكن فعلًا بتكرهك زي ما بتقول.
شعر طوفان بوجع قائلًا!
متأكد دُرة مش بتكرهني،يمكن فى غشاوة ومع الوقت هتزول.
نظرت له كريمان وتبسمت وهي تتذكر تلك الليلة الذي عاد بها الى المنزل،حين كانت بالمقابر،سمعت هزيان دُرة الذي كامن مفاجئًا لها،أنها تُحب طوفان ووافقت على الزواج من حسام كي تحاول نسيانه…لكن ربما للقدر شئون أخري…فكرت وبعد عِدة محاورات بين طوفان وكريمان بوجود شاهر،إستحوذ طوفان على موافقتها،تبسمت قائلة:
أنا موافقة يا طوفان تتجوز دُرة،بس محتاجة منك وعد إنك تتحمل دُرة،دُرة عاملة زي الشريدة.
إبتسم قائلًا:
حضرتك إطمني،أنا خسرت دُرة مرة وإتحملت غصب عني،فأكيد مش هفرط فيها مهما حصل.
إبتسمت كريمان بغصة قوية،لكن تفوهت بروية:
كمان مش عاوزه دُرة تعرف إني ساعدتك هتفكر إننا بنتحالف عليها وهتعند، خليها مع الوقت تعرف بس مش فى البداية.
إبتسم لها قائلًا:
تمام، يكفيني موافقتك وأنا هتفق مع شاهر، إنه يبدل توكيل بيع الشقة بتوكيل أو تفويض بكتب كتابي أنا ودُرة.
ابتسمت قائلة:
ربنا معاك ويقويك.
ضحك طوفان غصبً…
عادت من الذكري وهي تنظر الى طوفان قائلة:
إنت عترف فات وقت كبير على وفاة مُختار،وبسبب زخم الاحداث اللى حصلت بعد كده،نسينا نعمل إعلام وراثة،كمان حاسة الموضوع ده هيسبب وجع لـ درة،كمان أكيد هتكتشف حقيقة إن أرض عمتها “جليلة”مكتوبة بإسمها.
أومأ طوفان قائلًا بفهم:
أكيد طبعًا هتعرف إن الأرض باسمها،بس مش فاهم إيه المشكلة فى كده.
أجابته بقلق حقيقي:
المشكلة دُرة نفسها وإنت عارف مرعي أكيد لسه الطمع جواه،أنا خايفه من تفكير دُرة.
༺༻
بعد مرور يومين
صباح
بذاك الحقل والد كان يعمل مرعي بالأرض وقت قليل وشعر بالتعب، ترك العمل بالأرض وجلس على أحد الجسور، يُنفث دخان سيجارته، لم يُلاحظ ذلك الذي تسلل ونزل الى الأرض الا حين سعل بسبب ذلك الدخان،رفع رأسه ،سُرعان ما ألقي السيجارة من يده وكاد يقف لكن أشار له بيده فظل جالسًا وجلس لجواره،تنحنح مرعي قائلًا:
إزيك يا وليد بيه،وإزي عزمي بيه.
أجابه وليد بتعالي:
كويسين،أنا جاي النهاردة عشان أطلب منك طلب.. ومش مسموح لك ترفضه.
نظر له مرعي بإستفسار فتحدث وليد بغلظة:
أنا عاوز أتجوز بنتك زينة… بس جواز عرفي.
༺༻
بمنزل طوفان
أثناء نومها اخترقت رائحة ذلك العطر أنفها بخفة، تململت في الفراش، تتمطىء بتكاسل، تحاول أن تطرد عن جسدها بقايا الوخم والخمول اللذين يُسيطران عليها بالفترة الأخيرة…
ببطء، فتحت عينيها، واتجهت بنظرها نصف ناعسة نحو المرآة، مكان وقوف طوفان، طوفان الذي نظر نحوها من خلال انعكاسها بالمرآة..
ابتسم بهدوء قائلًا:
صباح الخير.
تثاءبت، وهي ترد بصوت مبحوح من أثر النوم:
الساعة كام دلوقتي.
رد دون أن يلتفت، وهو يعدل ياقة قميصه:
سبعة ونص.
رمشت عينيها ببطء، ثم دفنت وجهها في الوسادة مجددًا وهي تهمس:
بتلبس بدلة ورايح فين بدري أوي كده.
اقترب طوفان من الفراش بخطوات هادئة، ثم جلس على طرفه، مدّ يده بلطف يبعد خصلات شعرها عن وجهها وتعمد المزاح معها قائلًا:
أكيد مش رايح أتجوز، إنتِ اللى يتجوزك يزهد فى الحريم.
شعرت بضجر.. فتحت عينيها واعتدلت قليلًا في جلستها … مقاومة النعاس قائلة بنزق:
تزهد فى الحريم…إنت سيرتك مع الحريم سباقاك، كويس إنى صحيت هقوم أخد شاور وأفوق وبعدها أروح المستشفي.
نظر لها قائلًا بأمر:
مستشفي إيه إنتِ مش شايفه حالتك… إنتِ مش قادرة تفتحي عينك، أنا هتصل على مدير المستشفي، وممنوع تخرجي من الدار.
رغم إرهاقها لكن كعادتها لابد أن تُعارض تفوهت بغضب:
أنا كويسة جدًا وبعدين إنت عاوز تحبسني هنا فى البيت ولا إيه.
أومأ برأسه وهو ينهض واقفً مؤكدًا:
ده فعلًا اللى هيحصل يا درة كفاية عناد عالفاضي… يلا همشي أنا عندي ميعاد مهم، أشوفك المسا.
أنهي حديثه واضعًا قُبلة على إحد وجنتيها، إغتاظت من تحكمُه وكادت تتفوه لكن كان غادر الغرفة، لكن عاود فتح باب الغرفة وإقترب من الفراش جذب تلك القداحة ثم قبل وجنتها مرة أخري قائلًا بعناد:
نسيت الولاعة، أشوفك المسا إتغذي كويس.
سريعًا غادر الغرفة بينما دُرة نظرت نحو الباب بغضب قائلة:
مفكر نفسه ديكتاتور وإني همتثل له، هقوم أخد شاور وأشوف مين بقي هيمنعني من الخروج من الدار.
بالفعل بعد قليل شعرت بالغيظ من ذلك الخارس الذي رفض فتح بوابة المنزل كي تهرج وأخبرها أن ذلك بأمر من طوفان… اشتاطت غضبً، حاولت الاتصال عليه لكنه لايرد…
عادت لداخل المنزل تقابلت مع وجدان وأخبرتها بما حدث، بل وطلبتنه منها أن تأمر الحارس يتركها تخرج… لكن وجدان شعرت بالحرج وتحججت قائلة:
حتى لو قولت للغفير مش هيرضي غير لما طوفان نفسه هو اللى يديه الأمر، وبعدين عاوزه تخرجي ليه إنت المفروض ترتاحي كام يوم زي ما قالت الدكتورة… بلاش تستهوني بصحتك.
مثل طفلة شعرت دُرة كأنه يتحكم بها شعرت بالغضب وصعدت الى غرفتها بينما ضحكت وجدان كذالك شكرية التى قالت وهي تهز رأسها بتهكم:
ـ أهو ده الرجّالة ولا بلاش، يعرف إزاي يتعامل معاها، عاوزه تمشي على مزاجها مش فارق معاها صحتها.
وجدان نظرت لها بتحذير وهمست:
ـ اسكتي يا شكرية، مش ناقصين وجع دماغ… دي دُرة مش هتسكت بسهولة، شكلها هتولع الدنيا النهاردة.
هزت شكرية رأسها قائلة:
لاء متقلقيش طوفان بيعرف يسيطر عليها كلمتين حلوين منه هتنسي.
ضحكن الاثنين بايماءة موافقة منهن.
بينما بالغرفة كانت دُرة، للحظات تدور في الغرفة بعصبية، قبضتاها مضمومتان وشفتيها ترتجفان من الغيظ، تردد في سرها:
ـ هو فاكرني لعبة… يمنعني أخرج كإني طفلة.. لا والله يا طوفان… هتعرف إن دُرة ماحدش يحط لها حدود.
وكانت تلك الحدود حين إستلقت على الفراش تتثائب مُستسلمة للنوم
༺༻
كان اليوم أول يوم تذهب فيه الى الجامعة، شعرت بملل بعد نهاية تلك المحاضرة… اقتربت منها إحد صديقتها قائلة:
جود إيه رأيك نروح الكافيتريا اللى على أول شارع الجامعة نشرب أي مشروب وندردش سوا، إحكي لى الجواز وحضرة الضابط أخبارهم معاكِ إيه.
بصعوبة وافقت جود، وذهبت الى ذلك المقهي معها، جلسن لبعض الوقت، حتى رفعت وجهها وتسلطت عينيها تفاجئت بذلك الذي دلف الى المقهي وبصُحبة فتاة.
↚
بمنزل مرعي بدران
دلفت زينة الى المنزل تشعر بسعادة بالغة فى قلبها وهي تبحث بعينيها عن والدتها، ذهبت نحو المطبخ وجدتها خلف الموقود تقوم بتحضير الطعام إقتربت منها بسعادة، نظرت لها والدتها لمحت تلك السعادة على وجهها فسألتها بلوم:
كُنتِ فين يا زينة، خرجتي من بدري من غير ما تستأذني مني.
أقتربت منها بفرحة عارمة تقول:
خرجت من غير ما أقولك عشان كنت خايفة أعشمك ويطلع عالفاضي.
شعرت والدتها بفضول المعرفة سأله:
أتعشم بإيه.
ابتسمت زينة قائلة:
فاكرة يا المدرسة اللى كانت بتساعدني لما كنت بغيب أو أروح متاخرة بسبب عصبية أبويا وأنا فى الدبلوم… المدرسة دي عرفت بالصدفة أنها ساوت معاشها فى المدرسة وفتحت مشغل تريكو وتطريز، أنا روحت لها المشغل وإتبسطت لما شافتني وقالتلى أنها كانت بتدور على حد يوصلني ليها، وعرضت عليا أشتغل عندها فى المشغل وهي عارفه إنى بعرف أشتغل عالمكن بتاع التريكو وقالتلى بتفكر كمان فى المستقبل تدخل شغل السجاد، بس عالمشغل ما ياخد وضعه ويبدأ يتشهر فى المنطقة،ويبقي مصنع وله زباين… يعني وقتها يا أمي ممكن إنتِ كمان تشتغلي فى المصنع وتترحمي من شغلك فى الحضانة اللى مكفينا بالعافية وترتاحي من تعبك مع العيال الصغيرة وعنجهية أهاليهم اللى بيعاملوكِ إنك دادة لهم هما كمان،وتستغني عن قبول إهانة الاشكال المُتكبرة دي.
إنشرح قلب والدتها بسعادة ثم غص قلبها قائلة:
أكل العيش مُر يا بنتي وده نصيبي ربنا يجعل نصيبك أحسن مني ويرزقك بإبن الحلال إبن الناس الطيبين ويصونك ويكفيكِ ويغنيكي عن البهدلة.
آمنت زينة على حديث والدتها قائلة بحماس:
آمين يا أمي ويعوض صبرك وتحملك مسؤوليتي أنا وأختي السنين اللى فاتت،عارفة يا أمي،أنا ان شاء الله هشتغل ورديتين عشان أخد مرتب الضعف،وكمان صاحبة المشغل بتحبني وقالتلى إنها عارفة إنك بتبقي تشتغلي مفارش تريكو وتطريز
اتسعت عينا والدتها بدهشة ممزوجة بأمل وسعادة فسارعت زينة تكمل:
قالتلي لو عندك مشغولات جاهزة ، اخدها لها ، وهي تعرضهم في القسم اللي بيبيع حاجات يدوية، ولما تتباع تديني تمنها… أنا مش هسيبك تشتغلي لوحدك تاني يا أمي… أنا كبرت، وجه الوقت اللي أكون سندك.
لمعت عين والدتها بدموع سالت من عينيها وهي تضم زينة بحنان قائلة بصوت مبحوح بالدموع:
انا مش مستنيه ولا طالبة من ربنا غير الستر ليكِ إنتِ وأختك…كلامك وفرحتك ريحوا قلبي،ربنا ينولك على قد نواياكِ.
ابتسمت زينة بأمل بأنها على أول خطوة في مشوار تحقيق ذات خاصة بها… ربما بذلك يومًا ما تستطيع إنشاء كيان خاص بها، بعيدًا عن سطوة وتغطرُس والدها المتواكل.
❈-❈-❈
بالحقل
الطمع يلمع بعيني مرعي في البداية لكن سُرعان ما عبس وجهه حين أكمل وليد بقية حديثه عن الزواج عرفي، إنتفض بغضب قائلًا:
إنت بتجول أيه، واعي للي جولته، عاوز تتحوز من بنتي عُرفي ليه هي كانت خاطية ولا بايرة.
تجهم وجه وليد لكن يعلم طبيعة عزمي الطامع، فبسبب شاهدته الكاذبة تبدلت القضية من قتل عمد، الى قتل بالخطأ
المال… المال هو غاية مرعي… ذلك هو طريق الوصول الى غايته، إبتلع غضب مرعي سريعًا يقول:
إنت إتسرعت وفهمتني غلط، أنا كنت هكمل كلامي وأقول إن ده هيحصل لفترة صغيرة بس، وطبعًا كل حقوق زينة الشرعية هتبقي محفوظة زي الجواز الرسمي بالتمام..
صمت لحظة ثم تابع يزيد فى تطميع مرعي:
هحط لها فى البنك رصيد بإسمها،كمان هكتب لها شقة فى البندر،والشبكة اللى تختارها ..
توقف مره أخرى ينظر الى مرعي الذي يزن حديث وليد برأسه…لمع المكر بعين وليد وهو يرى الجشع يتسلل من نظرات مرعي، فابتسم في سره، يعلم أن الطُعم بدأ يؤتي ثماره…
حاول مرعي أن يبدو صارمًا، حكّ ذقنه بتردد وهو يسأل بنبرة أخف قليلًا يستعلم:
يعني الجواز العُرفي ده مؤقت وبعدها تعملوا كتب كتاب رسمي قدام الناس
أومأ وليد مؤكدًا:
أيوه، بس أخلص شوية أمور كده الأول، وانت عارف الظروف الأخيرة اللى مرينا بها، بس هو الوقت وأوعدك هعمل لـ زينة كتب كتاب وفرح تتحاكي عليه المنيا كلها.
أطرق مرعي برأسه لحظة، ثم رفع نظره لوليد، ونبرته تميل إلى الصفقة أكثر من الأبوة:
وبالنسبة للمهر.
أجابه وليد بتطميع:
اللي تقول عليه، وكمان زينة هتفضل في شقتها زي ما هي، وكمان انا عارف ان زينة كانت فى دبلوم صنايع، وبتفهم فى التريكو هتفتح لها مشروع أو مشغل، ، مش هقصر معاها في مليم.
ابتسم مرعي ابتسامة نصفها رضا ونصفها طمع، ثم قال:
طيب، بس لو حصل أي لعب منك بعد إكده وخالفت وعدك.
نفي وليد ذلك بقطع قائلًا بخداع:
أكيد مش هيحصل، أنا قولتلك هي مسألة وقت، وهتشوف.
ابتسم مرعي لـ يد وليد الممدودة مصافحًا،يقول:
نقرا الفاتحة.
وضع مرعي يده بيد وليد قائلًا:
نقرا الفاتحة بس لو حصل خيانة منك وجتها أنا…
قاطعه وليد وعلى وجهه ابتسامة ذات مغزى قائلًا بوعود كاذبة:
فاهم كويس… وقولتلك وبأكد لك مش هنختلف…وفي الوقت المناسب هتشوف،أنا شاري زينة.
هز مرعي رأسه بقبول أسعد قلب ذلك المُخادع
كأنها صفقة تحمل نوايا غير مُبينة.
❈-❈-❈
فى شقة ابتهاج
زيارة مفاجئة من عزمي أربكت إبتهاج لكنها أظهرت عكس ذلك ورحبت به بدلال ترسم سعادة كاذبة تظنها خادعة لـ عزمي، لكن عزمي يتقبل ذلك الدلال والإغواء بمحض إرادته، عقله كان به أفكار يحاول تجميعها، لكن دلال ابتهاج السافر وهي تعبث بأزار قميصه تفتحها وتقتحم جسده بلمسات يديها وقُبلاتها لصدره، تتوهم أنه يستجيب لإغرائها، لكن بلحظة كانت مُلقاه على الأرض قبل أن تلتقط نفسها كان يجثو عليها بجسده، ينظر الى عينيها التي تحولت نظرتها من ماكرة قبل قليل الى إرتياب إزاد خوفً حين وضع كف يده فوق عُنقها للحظة ينظر لعينيها بظفر وغرور من تلك النظرة، ضغط بقوة حول عُنقها يُضيق قبضة يده كاد يخنقها، للمفاجأة من البداية كان دفاعها عن نفسها ضعيف فقط حاولت التلوي ثم رفعت يدها كي تزيح يده عن عُنقها، لكن نظرة عيناه كأن بهن تصميم وقبضة يداه كادت أن تخونه وتخنقها لكن بأخر لحظة رفع قبضته عن عُنقها ونهض من فوقها، جلس على الآريكة يلهث، ينظر لها وهي تسعُل بشدة تلتقط أنفاسها بصعوبة… بلا مبالاة، بل يشعر بمقت نحوها، بل مقت من كل شيء حوله، داخله إعصار من الحقد، وسؤال بعقله
“لما هو لم يعثُر على من أغرم بها”
والجواب:
ليست الظروف، بل غباؤه حين إستسلم لرغبة والده وتزوج بإبنة صديقه من أجل ترابط المصالح.
وسؤال آخر
-لما أنت الآن ساخط بعد كل تلك السنوات.
والجواب كان
-إشمعنا طوفان حارب عشان يفوز باللى قلبه إختارها.
وذكري من أكثر من سنتين وهو يسمع رفض نوح للزواج من إبنة “مختار غُنيم”
والسبب عمتها والكذبه أنها ستكون مثلها “عاقر” وتسلب عقله ولن تتركه يتزوج بأخرى وينتهي نسل عائلته.
-نسل عائلته
كم كان نوح كاذبً، هو رفض بسبب “جليلة”
رغم وفاتها لكن كان مازال يكن لها الكراهية لسبب أنها يومً تحدته علانية أمام بعض الفلاحين وتكاتفت مع مُختار ورفضن بيع أرض والدهما له، تلك الأرض التي كانت قريبة من النيل… المجاورة لأرضه، بعد أن إتفق مع أحد المُستثمرين أن يضم الأرضان ويُنشأ فندق سياحي فاخر يرتادوه الصفوة لإستجمام…الطمع جعله يرا جليلة عدوة وهي تؤازر مختار بالإحتفتاظ بأرضهم،ورفضت علانية رغم محاولات الضغط من نوح وإصطناع المشاكل لهم لكن ترابُط الأخوة كان أقوي من جبروت نوح، ذلك القاسي الذي بسببه هو الآخر عاني حرمانه من من خفق لها قلبه، والزواج من سليطة العقل… سامية
ليست زوجة، بل كانت صفقة خاسرة دفع ثمنها من عمره وراحة باله… من أول يوم كانت واضحة بـ
صوتها العالي، ولسانها حاد كاسيف، تعتقد نفسها أذكى من الجميع، وكل نقاش بينهم يتحول لحرب…
حرب لن يكون فيها غالب ، فقط يجني خسائر….غرورها دائمًا ترا نفسها بنت الأصل والمقام، دائمًا تُذكره كأنها تمِن عليه إنه إكتسب شأن من زواجه منها رغم العكس…. الحياة معها حُكم المسجون بقرار حُكم نهائي صدر بحقه بلا إستئناف.. اختار أن يدفن حبه، ويعيش دور ابن العيلة ذو الشأن الظاهري فقط، بالحقيقة هو تابع لطموحات غيره…
مقارنة يعقدها عقله بين سامية وجليلة
سامية كانت تتفاخر بالثراء سواء فى الملابس ومقتنيات الذهب كذالك معارف عائلتها أصحاب المقام العالي… لم تفتخر يومً بزواحها منه…
وهو فى كل مرة يسمع عن جليلة، أن زوجها يعلوا من شأنه…حتى بإدارته لأرضها….
كانت حلمً يراوده دائمًا حتى بعد وفاة زوجها، وعودتها لتعيش مع أخيها بمنزله لم تتحمل كثيرًا بعد وفاة زوجها عِدة سنوات وكان المرض يُلاحقها… وإنتهت وسكنت جوار زوجها وهو يشعر أنه مثل العبيد يُنفذ ما يؤمر به فقط دون نقاش، او ابداء إعتراض
فى البدايه كان نوح ومن خلفه ظن أنه سيكون هو صاحب الكلمة لكن كان ذلك ظاهريًا فقط بمقام كبير العائلة…
لا كلمة ولا أمر له فقط مازال تابع لغيره
ليته إنتفض عليهم من البداية حتى لو جنح عنهم مثلما فعل طوفان فى البداية، حقًا عاد، لكن عاد بزهوة خاصة له…
“وكيل النيابة السابق” الذي تخلي عن طموحه الخاص من أجل رياسة مصالح العائلة
ذو العقل الراجح، والآمر
سحب نفس قويًا وهو يتذكر حديث طوفان معه قبل وقت قليل بحِدة كأنه تناسي أنه خاله والأكبر منه
حين تحدث معه بجفاء:
خالي أنا سبق وحذرت وليد يدخل داري،والكلام كان قدامك وقولت لك إنت المسؤول عنه يبعد عن أي مكان فيه دُرة مراتي.
حاول عزمي التبرير قائلًا:
أنا مكنتش أعرف إنه راح من ورايا غير منك دلوقتي وحذرته ومعرفش سبب إنه يخالف أمري.
نفث طوفان دخان سيجارته قائلًا بأمر:
آخر تحذير ولو فكر بس يخالف أمري وقتها أنا مش هكتفي بالكلام، ولا حتى بإبعاده عن هنا بالغصب… ساعتها هعرفه يعني إيه يتحدى أوامري.
ارتبك عزمي ورد بسرعة:
خلاص يا طوفان، أنا هتكلم معاه تاني، وهو هيعتذرلك ومش هيتكرر تاني.
رمقه طوفان بنظرة باردة قائلًا:
اعتذاره مش هيغير حاجة، وده آخر تحذير يا خالي.
حديث طوفان معه كان آمرًا بنبرة خالية من الإحترام والتقدير له،لكن هو من فعل بنفسه ذلك وآن الآوان أن يضع ويصنع له مكان ومكانة لا جدال فيها.
❈-❈-❈
بالمقهي
رغم إستغراب جود، كذالك فضولها نهضت من مكانها تبتسم وهي تقترب من ذلك الذي رأها فظل واقفً حتى أصبحت أمامه وضع يده على كتفها بحنان أخوي مُبتسمً يقول بسؤال:
خلصتي محاضراتك.
أومأت له بإبتسامة قائلة:
أيوة.
قاطع حديثهم ذلك الآخر قائلًا بمرح:
حلو لقاء الأخوة فى الكافية صدفة… إزيك يا جود.
إبتسمت جود قائلة:
الحمد لله، إنتوا هنا بتعملوا إيه فى الكافية.
ابتسم جلال قائلًا:
خلود بنت عمي، السبب آننا نتقابل النهاردة فى الكافية.
نظرت جود نحو خلود وابتسمت قائلة:
إزيك يا خلود أخبارك إيه.
ابتسمت خلود بمودة قائلة:
الحمد لله بخير وأخيرًا هشتغل فى الحسابات عند طوفان فى المصنع.
ابتسمت جود قائلة:
الف مبروك… يعني سبب جمعنا النهاردة كان إنتِ من زمان متقبلناش، خلينا نقعد ننم سوا مع بعض شوية.
ابتسمت خلود مرحبة بذلك قائلة:
كويس إنك هنا بالصدفه كان الإتنين دول هيقعدوا مع بعض يتكلموا وأنا هبقي مستمعة.
جلس الاربعة بينهم حديث تلقائي، حتى نظرت جود الى شاشة هاتفها تفاجئت قائلة:
الوقت سحبنا والساعة بقت أربعة ونص.
قالت ذلك ونهضت واقفه،..بنفس الوقت صدح هاتفها برسالة ،نظرت الشاشة سُرعان ما ارتبكت،لاحظ ذاك كل من طوفان وجلال الذي شعر بإندهاش،بينما طوفان تضايق قائلًا:
تمام خليني أوصلك،كده كده أنا راجع البيت.
وافقت جود،وصافحت خلود على وعد بلقاء قريب،كذالك امائت برأسها لـ جلال ثم غادرت وخلفها طوفان
بينما تفوه جلال لـ خلود:
إحنا كمان خلينا نرجع زمان مرات عمي فكرت إني خطفتك.
ضحكت خلود قائلة:
لاء ماما منفضة ليا،اللى مركزة معايا هي مامتك…ده نهاية اللى تبقي مرات عمها أخت أمها.
ضحك جلال كذالك خلود التي قالت:
تصدق انا اتفاجئت لما عرفت ان جود اتجوزت،مكنش واضح فى اهدافها الجواز دلوقتي…كانت بتقولى انها هتخلص دراستها وتقدم على دراسات عُليا وتعمل معرض فني بلوحاتها،فجأة كده اتغيرت أهدافها.
اومأ جلال برأسه موافقًا،ثم تنهد قائلًا:
واضح ان القدر هو اللى بيحدد أهدافه حتى لو ضد أهدافنا.
❈-❈-❈
بعد وقت قليل أمام منزل والد حاتم ترجلت جود من السيارة بعدما ودعت طوفان الذي ظل واقفًا الى أن دخلت الى المنزل
لا تعلم سبب لخفقان قلبها القوي…
تقابلت مع بدرية التى نظرت لها بضجر قائلة:
ما صدقتي روحتي الجامعة وجاية آخر النهار وطوفان اللى وصلك صح،طبعًا لازم تروحي تدي لامك تقرير.
إبتلعت جود ريقها قائلة:
أنا مشوفتش ماما، اتقابلت انا وطوفان صدفة.
تهطمت بدرية قائلة:
صدفة… صدفة سعيدة… عالعموم حاتم وصل من شوية وطلع فوق يغير هدومه
إبتلعت جود ريقها قائلة:
عن إذنك يا طنط هطلع أغير هدومي.
نظرت لها بدرية بنزق بينما صعدت جود تشعر بإرتباك، هل سوء القدر هو ما جعل حاتم يعود باكرًا اليوم… فتحت باب الشقة ودلفت الى الداخل،سُرعان ما توقفت حين رأت حاتم يقف بالرُدهة ينظر الى ساعته ثم تحدث بنبرة تجهم:.
الساعة خمسة ولسه راجعة للبيت،مش قولتي إن المحاضرات هتخلص قبل الساعة اتنين.
إبتلعت جود ريقها وقبل أن تتحدث إستطرد حاتم حديثه قائلًا:
ولا لازم تمضي عن الست والدتك قبل ما ترجعي لهنا.
من نبرة صوته شعرت جود بالضيق لكن حاولت ان تمتلك زمام الغضب قائلة:
لاء يا حاتم مروحتش عند ماما، انا اتقابلت مع طوفان صدفة فى كافية قريب من الجامعة وعزمني عالغدا مش أكتر، وبلاش نبرة كلامك دى مش لطيفه،أنا لو روحت عند ماما كنت هخاف من إيه، وهكدب ليه.
نظر لها حاتم، شعور بالغضب دائمًا يشعر به كلما رأي إقتراب طوفان من جود
كأن ذلك دائمًا يُذكره بأخيه المغدور وضعفه فى أخذ حقه الذي أهدره طوفان… لم يسنطيع تمالك غضبه وجذب جود من عضدها بقوة قائلًا:
طوفان… طوفان…
دايمًا بحس إن مفيش فى دماغك غيره، جود ممنوع بعد كده تتأخري بره البيت بمجرد ما تنتهي محاضراتك ترجعي فورًا، أنا مش عاوز أمنعك من مرواح الجامعة.
كأن ذلك بنبرة تهديد شعرت بها جود… لاول مرة لا تتقبل فظاظة حاتم، نفضت يده عن عضدها قائلة:
متقدرش تمنعني عن الجامعة يا حاتم، ناسي إن فى إتفاق ومكنش مع طوفان لوحده كان قدام كُبار المحافظة.
تبلدت نظراته شعر كأنها تتحداها، اقترب منها غاضبًا، شفتاه كادتا تنطقا بشيء، لكن رنين هاتفه اخترق الأجواء المتوترة… أخرجه بعصبية، رمق الشاشة بنظرة نارية، ثم نظر إليها … وبلا كلمة، استدار
وغادر دون وضع نهاية للجدال بينهم.
زفرت جود نفسها بعمق وجلست على أحد المقاعد وضعت يدها فوق بطنها تشعر بغصة مع الوقت تحتار أكثر بشخصية حاتم
فى البداية ظنته انه تابع لوالدته
لكن هو ليس كذالك، هو تابع لأشياء خاطئة برأسه، حقده من طوفان واضح وغير مُبرر لها
شعور بالبرودة يزحف الى قلبها، وفتور يغزو حياتها، يبدوا أنها مثلما قيل لها
“لما تعجلتي بالزواج”
أصبح ذلك هاجس بقلبها
ظلت جالسة مكانها، تنظر للاشيء، يدها لا تزال فوق بطنها، وكأنها تحاول تطمئن الجنين أو تطمئن نفسها… لكن ذلك الاطمئنان مفقود.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
دلف طوفان الى المنزل تبسمت له شُكرية الذي سألها:
ماما فين.
أحابته:
راحت عند الست كوثر.
أومأ لها مُبتسمً ثم سأل:
ودرة فين؟
أجابته:
من شوية خبطت على الاوضة بتاعتكم وقولت لها ان الغدا جاهز، ردت عليا إنها مش جعانه هي عاوزة تنام، سيبتها على راحتها.
ابتسم طوفان قائلًا:
تمام حضري لها غدا وهاتيه الأوضة.
أومأت شكريه مُبتسمة، بينما صعد طوفان الى غرفته يتوقع ثورة دُرة… توقف للحظات قبل أن يفتح باب الغرفة بهدوء ثم
دلف الى الداخل نظر نحو الفراش، تبسم بتلقائية على تلك الغافية بثياب خروج
إقترب من الفراش، توجه نحو الفراش، تمدد جوارها يُقبل وجنتها بقُبلات ناعمة ورقيقة يمهس:
دُرة حبيبتي… أصحي عشان تتغدي، ناسية إنك حامل ولازم تتغذي عشان الجنين، مش لازم تطاوعي نفسك عالنوم وبس.
شعرت دُرة بقبلات طوفان مازال الخمول مُسيطر عليها تود النوم فقط،لكن ضحك طوفان على ذلك الخمول وبدأ في مشاغبتها كي تصحوا…سواء بالقبلات والهمس لكن دُرة لا تُبالي بذلك،حتي شعرت بيد طوفان فوق جسدها مباشرة بلمسات حميمية…فتحت عينيها نظرت لـ طوفان وهي تتثائب بين الغفوة واليقظة.
ابتسم طوفان بمكر قائلًا:
انتِ مش عاوزة تفتحي عيونك وعاوزة تروحي المستشفي عشان تنامي وإنتِ بتكشفي على المرضي.
بدأت تستوعب فتحت عينيها تنظر له، إبتسم وهو يحني رأسه يُقبل شفتيها، تجاوبت معه فى القُبلة حتى توغلت يديه بلمسات، لكن سرعان ما وعت ودفعته بيديها، إبتعد عنها ينظر له، تبسمت بكيد:
الدكتورة قايلة ممنوع ولو سمحت إبعد عني كفاية إنك حابسني هنا فى البيت متفكرش إنك بكده إتحكمت وفرضت سطوتك عليا أنا بس عديتها بمزاجي عشان حاسة بعدم رغبة فى الشغل.
ضحك طوفان قائلًا:
وكمان مالكيش رغبة فى الأكل، بس المفروض تغصبي على نفسك مش بس تقضيها نوم، كده البيبي هيبقي ضعيف، أنا عاوز إبني يبقي متغذي.
نظرت له قائلة:
وإنت حددت نوع الجنين إزاي إذا كان الدكتورة نفسها قالت مش واضح.
ضحك طوفان قائلًا:
الحجة وجدان قالت لى إنها عندها شبة يقين إنك حامل فى ولد.
تذمرت دُرة قائلة:
انا عاوزه أول خلفتي تبقي بنت وتكون شبهي.
نظر لها ضاحكً يقول:
أنا موافق يكون عندي بنت شبهك إنت جميلة، لكن تاخد عقل جداتها
سواء طنط كاريمان أو ماما لكن عقليتك كده هعاني معاها وكفاية عليا مُعناة واحدة.
نظرت له بغيظ قائلة:
قصدك إيه إني…
قاطع عصبيتها بقُبلة تذمرت منها فى البداية لكن سرعان ما تجاوبت معه، لكن بتحذير آخر.
نهض من على الفراش مُتذمرًا يقول:
زمان شكرية طالعة بالغدا، هروح أخد دُش ساقع.
لم تستطيع إخفاء بسمتها وهو كذالك تبسم وهو يُغلق باب الحمام.
للحظات شىردت دُرة وهي تضع يدها فوق بطنها، كذبت على طوفان هي لا تريد فتاة بل ترد ذكرًا بقلب حنون مثل والدها.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام
صباحً
بمنزل عزمي… فتح عزمي عيناه على صوت رنين
تضايقت سامية من رنين هاتف عزمي تحدثت بإستهجان:
إيه الازعاج ده عالصبح مين اللى بيتصل عليك بدري كده.
نهض عزمي وجذب الهاتف نظر الى شاشته سُرعان ما نهض جالسً، لاحظت سامية ذلك بينما قام عزمي بالرد يستمع الى الآخر:
زي ما طلبت مني، وإن شاء الله الموضوع هيتم خلال أيام.
إبتسم عزمي قائلًا بشُكر:
شكرًا جدًا لك.
أغلق الهاتف، رمق ساميه التى مازالت نائمة على الفراش نظرت له بضجر سائلة:
مين اللى كان بيكلمك بدرى إكده، وشك نور.
لا يريد إفساد سكونه… نظر لها ثم نهض من على الفراش قائلًا:
خلى الخدمات يحضروا الوكل عندي مواعيد هامه.
إغتاظت من ذلك وهي تتهكم ولم تبالي وعادت للنوم.
❈-❈-❈
بعد الظهيرة
بمنزل ريفي كبير كان إستقبال حافل لـ طوفان كذالك دُرة، بل النساء بمدحن بذوق طوفان فلقد إختار جميلة تليق بيه كذالك تبدوا رقيقة
لكن هنالك من لفتت نظرها وجعلتها تشعر شعور بالفتور معها من طريقة حديثها البسيطة والقبول بينهما…. حتى أنها اخذت موقع المتفرجه على حديثها مع طوفان وجلال الذي استأذن للرد على هاتفه، لاخظت خلود نظرات دُرة وصمتها شعرت بإرتباك وتحججت وتركتهم…
لحظات تنهدت دُرة براحة سائلة:
مين دي يا طوفان.
أجابها ببساطة:
خلود.
زفرت نفسها بإستفهام سائلة:
ما أنا عرفت إن إسمها خلود، بس مين دي، بتتعامل معاك بالطريقة دي ليه.
أخفي طوفان بسمته سائلًا بخباثه:
طريقة إيه.
تنهدت بـبداية زهق ونبرة واضح منها الغِيرة قائلة:
طريقة إن بينكم عشم زايد.
إبتسم طوفان وإقترب من أذن دُرة قائلًا بمكر:
انا شايف إن طريقة كلامها معايا عادية…
توفف ثم غمز بمزح وهمس قائلًا:
ولا تكوني غيرانه منها.
نظرت له بنزق قائلة:
غيرانة منها، هغير منها ليه.. عادي بس أنا مستغربة عشمها معاك فى الكلام كأنكم قريبين لبعض.
ضحك طوفان بخفة وإزداد فى وتيرة إثارة غيرة دُرة قائلًا:
خلود كانت مترشحة تبقي خطيبتي.
نظرت له بحنق قائلة :
إنت كان أهالي كل بنات عائلات المنيا المرموقة حاطين عينهم عليك، طبعًا مش إبن نوح مهران.
ضحك طوفان قائلًا:
حصل بس للآسف قلبي كان مشغول بواحدة عقلها…
صمت يضحك حين نظرت له بغيظ، بنفس الوقت عاد جلال مُرحبً بهم… قائلًا:
الدار نورت، ياريتك كنت جبت معاك الحجة وجدان وكمان جود.
تبسم طوفان قائلًا:
للآسف جود مبقتش زي قبل كده، بقي فى لها زوج، والحجة وجدان خالتي اتصلت عليها فى آخر الوقت وقالت انها عيانه فراحت لها.
ابتسم جلال قائلًا:
تتعوض مرة تانية و…
قبل أن يكمل حديثه أشارت خلود قائلة:
الغدا جاهز إتفضلوا يا جماعة على أوضة السفرة.
نهض طوفان ومد يده لـ درة التى سرعان ما وضعت يدها بيده تسير جواره تنظر الى تلك الفتاة تشعر ببرودة نحوها.
❈-❈-❈
منذ آخر شِجار بينهما وهو لا يعود الى المنزل فقط يتصل هاتفيًا ويتحجج بأي شئ كي لا يعود للمنزل، وهي تشعر بتأنيب ضميرها، ربما تحدثت معه بحِدة، قلبها الرقيق يشتاق له، رغم جفاؤه، إتخذت قرارها، بعد نهاية المحاضرات ستذهب الى ذلك القسم الذي يعمل به، ربما ذهابها إليه وجودها المفاجئ أمامه يذيب بعضًا من جليد الخلاف..
خاولت
أعداد بعض الكلمات جيدًا في عقلها، لا تريد أن تبدو ضعيفة، لكنها أيضًا لا تود أن تُكبّر الأمور أكثر مما ينبغي…
ربما ستكتفي بالقول:
جيت أطمن عليك…
كانت ترتجف من الداخل، لا تدري إن كان سيفرح لرؤيتها أم يتجاهلها كعادته الأخيرة…
لكنها ذاهبة، لأن قلبها اشتاق، ولأنها لا تريد للكبرياء أن يكون حاجزًا دائمًا بينهما…
بالفعل ها هي تترجل من سيارة الأجرة أمام القسم لكن تصنمت للحظات حين رأت حاتم يخرج من القسم ومعه فتاة توجها الى مكان سيارته وقف يفتح لها باب السيارة، صعدت ثم هو توجه نحو باب المقود، لحُسن الحظ مازال سائق سيارة الأجرة واقفًا، سريعًا عادت للسيارة قائلة:
لو سمحت خليك ورا العربية اللى هناك دي.
بالفعل سار السائق خلف سيارة حاتم حتى توقف امام أحد المطاعم، ترجل هو ومن معه من السيارة، كذالك هي ترجلت من سيارة الأجرة، وقفت أمام باب المطعم للحظات قلبها يرتجف بداخلها، وقرار
اتعود ولا تهتم بمعرفة من تلك
أم
الفضول يدفعها
ليس الفضول، بل حقها، لا داعي للتردد، قد يكون ذلك شيئًا غير ما يتلاعب الشيطان برأسها… حسمت قرارها دون مبالاة لرد فعل حاتم لاحقًا
لن تهتم لا للوم أو عتاب فقط تود معرفة من تلك…
بالفعل دخلت الى المطعم عينيها تبحث عن مكان حاتم، حتى رأت جلوسه مع تلك الفتاة وبسمة تُزين وجهه عكس معها دائمًا عابس… خفق قلبها بأسي، لكن تحملت وذهبت نحوهما، بجرأة منها رغم إرتعاش يديها وهي تسحب أحد المقاعد وإنضمت الى طاولتهم ولم تستطيع الوقوف كثيرًا، جسدها بالكامل يرتجف، جلست تنظر الى الفتاة قائلة:
تسمحولي أقعد معاكم أشاركم اللمة دي، ولا وجودي هيضايقكم.
رفعت حاجبيها بنبرة مصطنعة من العفوية تخفي وراءها غليانًا داخليًا، بينما نظراتها مُثبتة على وجه الفتاة التي تجلس بجواره… أما حاتم ارتبك قليلًا، لم يكن يتوقع حضورها على الإطلاق، خاصةً بتلك الجرأة… ازدرد ريقه محاولًا التحكم بتعابيره التي كادت تفضح توتره.
بينما تحدثت الفتاة عن قصد:
لاء طبعًا مُرحب بيكِ.
نظرت جود نحو حاتم تحاول تثبيت يديها المرتجفتين فوق ساقيها، ونظرت لحاتم قائلة بنبرة محايدة:
مش تعرفنا على بعض يمكن نبقي أصحاب.
قبل أن يرد حاتم ردت الفتاة:
معتقدش إننا ممكن نبقي أصحاب، أنا عارفة إنتِ مين، شوفت صورك قبل كده.
رغم رجفة قلب جود لكن إمتثلت بالهدوء سائلة:
كويس إنك تعرفي أنا مين، بس أنا معرفش إنتِ تبقي مين.
كانت نظرة عينيها نحو حاتم، ماكرة خبيثة وهيتضع يديها على كتفه بدلال مُفرط قائلة بثقة:
أنا عارفة إنك تبقي مرات حاتم… اللى إتجوزها عشان غرض فى دماغه
أنا بقى أبقي”ماهيتاب” خطيبته الأولى هي طنط بدرية مقالتش قدامك قبل كده إن
….. حاتم خاطب….وإن جوازه منك مجرد خطة… خطة هدفها يوصل لحاجة هو بس اللي عارفها.
ثم انحنت قليلاً ناحيتها، وهمست بنبرة ممزوجة بـ سمٍّ ناعم:
بس متقلقيش… لو لف الدنيا بحالها هيرجعلي عشان بيحبني.
رفعت حاجبًا، وابتسمت ابتسامة صغيرة مائلة للانتصار، بينما عينا جود كانت تمتلئ تدريجيًا بمزيج من الصدمة والوجع، لكنها تماسكت، رفعت رأسها، بكبرياء وبرود ظاهر يُخفي زلزلة مشاعرها، بل إنهيار قلبها….
رغم رجفة قلبها لكن تحدثت بصوت ثابت :
حلو إنك فاهمة مكانة نفسك…، بس تعرفي في فرق كبير بين إنك تكوني “خطيبة سابقة”… وإنك تكوني “مراته”.
الفرق ده مش بس ورقة… ده اختيار…ومتأكدة إن إختيارات حاتم دايمًا كلها بتبقي غلط…محتاج تصحيح إختيارات وأولها…..
↚
بمنزل كوثر قبل قليل
دخلت وجدان إستقبلتها سجى بترحاب، سألتها عن كوثر:
فين كوثر إيه اللى جرالها.
فأجابتها:
ماما فى أوضة النوم، معرفش هي صحيت الصبح قالت عندي صداع، روحت للصيدلي اللى على أول الشارع وجه قاس لها الضغط والسكر، وقال الصغط نازل حاجه بسيطة.
تنهدت وجدان براحة قائلة:
وإيه سبب نزول الضغط، ألف سلامة عليها هدخل أشوفها.
أومأت لها سجى، دخلت وجدان الى غرفة النوم، نظرت نحو الفراش كانت كوثر جالسة تتكئ بظهرها على بعض الوسائد على خلفية الفراش، تضع وشاح فوق جبينها، شعرت وجدان بالقلق سائلة:
مالك يا كوثر، إيه جرالك فجأة كده.
زفرت كوثر نفسها بضيق قائلة بكذب:
صداع هيفرتك راسي من امبارح،خدت مسكن راح شوية ورجع تاني الصبح أقوي.
نظرت لها وجدان بقلق، بينما بالحقيقة كوثر
لم تكُن مريضة بل ناقمة على حالها، منذ أن رأت ذلك الطقم الذهبي الذي إشترته سامية زوجة أخيها بالأمس، وعرضته أمامها بتباهي، شعرت بغضب جعل رأسها تفور، لماذا هي لا تستطيع شراء مثل ذلك، بل بالأصح زوجها لن يستطيع شراؤه لها، رغم أنها تمتلك ريعًا خاص بها وبسهوله تستطيع شراء ما تريد، لكن تود أنفاق زوجها ببزخ مثل زوجة أخيها، التي تباهت أمامها أن من دفع ثمن ذلك الطقم هو عزمي… وتباهت أيضًا بإنجابها للذكور، رغم أنها على يقين أن بناتها أفضل منهما لكن بالنهاية ذكور.
جلست وجدان جوارها على الفراش قائلة:
قومي إلبسي ونروح للدكتور يشوف سبب الصداع إيه.
وضعت كوثر يديها حول رأسها قائلة:
جابولى الصيدلي قاس الضغط وقال منه، وأهو خدت العلاج يمكن يجيب مفعول.
وضعت وجدان يدها على يد كوثر قائلة:
ان شاء الله يجيب مفعول وتتحسني.
-آمين
قالتها كوثر ثم عقبت:
مش عارفة زي ما يكون عيلتنا إتحسدت،إنت من فترة كمان كان الصداع ماسكك.
ردت وجدان:
مش حسد يا أختي المرض من عند ربنا،وأنا طول عمري كان نظري ضعيف بس المقاوحة بقي،تصدقي فى الاول كنت كارهه النضارة ومخايلة عينيا لحد ما دُرة قالتلى ألبسها شوية وأقلعها شوية دلوقتي أهو مبقتش أضايق منها حتى دُرة قالتلى ينفع اعمل عملية تصحيح نظر بالليزر، وأستغني عن النضارة، بس ممكن العملية تنجح لوقت ونظري يرجع يضعف تاني، قولت هغلب نفسي ليه النضارة خلاص إتعودت عليها.
تهكمت كوثر قائلة:
تعرفي طول عمرك هابلة يا وجدان، مش عارفة ازاي عايشه كده بسهولة مع دُرة مش هي اللى ضربت طوفان بالرصاص قدامنا،لو أنا كنت أخاف تقرب حتى من صورة إبني دي قلبها جاحد،طب طوفان هنقول الحب عامي عينه لكن إنتِ كده بتتعاملي معاها ببساطة…كأن محصلش حاجه.
لوهلة تشنجت شفاه وجدان وهي تحاول تسيطر على أعصابها قائلة ببرود متعمد:
انا مش هَبَلة يا كوثر… أنا بعاملها كويس اللى حصل كان غصب عنها… دُرة وقتها كانت مكسورة، وكانت بتحاول تخرج غضبها، وليد قتل أبوها وفى الآخر مخدش جزاء مناسب.
تعمدت كوثر الضغط على وجدان قائلة:
جزاء إيه ده كان بيدافع عن نفسه، وبعدين كفاية أمها المصراوية.
زفرت وجدان نفسها بهدوء قائلة:
مالها كريمان ست عاقلة، إنسي بقي يا كوثر
خطوبتك من مختار إنتِ كنتِ رفضاه من قبل الخطوية وأبويا اللى ضغط عليكِ ولما إتفسخت الخطوبة إنت وقتها قولتي أحسن انا مكنتش ريداه.
تضايقت كوثر قائلة:
انا فعلًا مكنتش رايده “مختار” كنت بحس إنه إبن أمه وشورتها، كنت لما أقوله على حاجه يقولى هشاور أمي، زهقت وقولت له فى وشه إني مش هعيش وياها فى معاش وقتها فضلها عليا وقال مفيش نصيب والحمد لله إننا لسه عالبر، وراح قابل المصراوية وإتحدي أمه عشانها وغصب عليها توافق وعاشت معاها وعرفت تضحك عليهم حتي أخته جليلة طوتها، زي بنتها دلوقتي بتطويكي إنتِ وطوفان، وبتدلع، بسببها تمنعي واد أخوكِ يدخل داركِ.
زفرت وجدان قائلة:
بلاش نكدب على نفسنا يا كوثر، وليد مجرم فعلًا حتى لو كان دفاع عن النفس مكنش يقتل إتنين، وبالعجل عزمي ولا مراته اللى قالولك،أنا يهمني راحة مرات إبني اللى كان ممكن تسقط بسبب وليد البجح.
توترت كوثر وكادت تعترض لولا أن نهضت وجدان قائلة:
أنا شايفة إن مفعول العلاج بدأ يأثر عليكِ هسيبك ترتاحي وهرجع المسا أطمن عليكِ.
شعرت كوثر بالغضب لكن أخفته خلف ايماءة
..خرجت وجدان ابتسمت لـ سجى التي قالت لها:
رايحة فين يا خالتي.
أجابتها:
ببسمة كوثر نامت،هبقي أرجع المسا أشوفها تاني.
أومأت لها سجى ببسمه،ورافقتها الى باب المنزل،أغلقت خلفها الباب وقفت خلف الباب عقلها غير مستوعب ما سمعته صدفة
هل كانت والدتها يومً ما مخطوبة لوالد دُرة و…
“باسل”نطقها قلبها
فسرت الآن سبب عصبيتها ذلك اليوم الذي أوصلها باسل وكريمان
“كريمان”
بالتأكيد تعلم ذلك رغم ذلك عاملتها بلطُف،حتى انهما أصبحن صديقتين بينهما إتصالات ورسائل…
فرق شاسع بين الإثنين
كريمان ووالدتها
من حيث كل شئ
سواء التفاهم او المعاملة سواء مع أبنائها والمحيطين بها…لوهلة تمنت لو كانت فعلًا والدتها…لكن نفضت ذلك حين سمعت نداء كوثر عليها حتى أنها تذمرت بضجر حين ذهبت لها قالت بقسوة:
بقالي ساعة بنادي الطرش صابك،تعالي إفتحي الشباك ده يجيب هوا حاسه اني مخنوقة.
❈-❈-❈
بمنزل جلال
تذمرت دُرة بتأفف لم تعُد قادرة على تحمُل سماجة تلك الفتاة من نظرها… رمقتها بنظرة حادة ثم تنهدت بضجر، ثم نظرت لـ طوفان قائلة بهمس:
طوفان خلينا نمشي ضهري وجعني من القعدة.
إبتسم يعلم أنها فقط مُتضايقة، هو الآخر لديه أعمال عليه إنجازها، بالفعل نهض مُتحججًا!
والله القعدة لطيفة، بس للآسف أنا مُرتبط بميعاد عمل فى المصنع مُضطر نستأذن.
إبتسم له جلال كذالك خلود، كذالك والدة جلال التي قالت بابتسامة ودودة:
يا خسارة الوجت مر بسرعة، ان شاء الله المرة الجاية تبقي ترتب وجتك ونقعد مع بعضينا وجت أكتر ويكون معاك وجدان وجود وجوزها، انا شوفته فى الفرح معرفش ليه حسيت إنه زي اللى واخد جنب لوحده.
اومأ طوفان قائلة بود:
ان شاء الله العزومة الجاية عندنا.
ابتسمت له بمودة، رافقهم جلال الى السيارة، صعدت دُرة، لحظات وخلفها طوفان ناحية المقود…
بمجرد أن أدار السيارة تنفست بعُمق لاحظ طوفان ، ذلك ابتسم بخبث قائلًا:
مالك ليه حاسس إنك مضايقة مع إن القعدة كانت لطيفة، كمان كنتِ ساكتة طول الوقت.
زفرت نفسها وإتكئت بظهرها على خلفية المقعد قائلة بكذب:
مفيش بس ضهري واجعني شوية.
أخفي بسمته فهي لا تستطيع إخفاء كذبها.
بعد وقت قليل وصلا الى المنزل ترجلا من السيارة ودلفا الى داخل المنزل ، تقابلا مع وجدان، تحججت دُرة بوجع ظهرها وصعدت الى غرفتهم، بينما وقف طوفان تحدثا قليلًا، ثم ترك وجدان وصعد الى الغرفة
بنفس الوقت دلفت دُرة الى الغرفة مازالت تشعر بضجر، نزعت عن رأسها الحجاب تتنهد بتأفف وهي تُلقيه على الفراش تخففت من بعض ثيابها ، ثم جلست على طرف السرير، تدلّك أسفل ظهرها بكفها وهي تهمهم بانزعاج:
كانت عزومة تقيلة أوي.
دخل طوفان في نفس اللحظة ، وأغلق الباب خلفه بهدوء، ثم تقدم نحوها ببطء، متأمّلًا ملامح وجهها الذي عبس وإدعت الآلم… جلس إلى جوارها دون أن يتكلم، فقط مد يده يساعدها في تدليك ظهرها برفق..قائلًا بمزح:
ضهرك وجعك من دلوقتي أمال لما تدخلي شوية فى الحمل وبطنك تكبر، مش هتقدري تمشي.
نظرت له بغضب وحاولت إزاحة يده عن ظهرها، لكن طوفان كان خبيثًا ترك تدليك ظهرها وصعد بيده الى كتفها، وأزاح ذلك الحبل الرفيع ووضع قُبلة دافئة على كتفها العاري… شعرت بأنفاسه القريبة من عُنقها، أغمضت عينيها وهي تشعر بقُبلاته تزحف نحو عنقها ربما فقدت الادراك ولم تعي كيف تسطحت على الفراش وهو يطُل عليها، رفعت يديها تعبث بأزرار قميصه… لاول مرة بتلك الجرآة الذي إندهش لها طوفان نفسه… وهي تشعر بقُبلاته التي إقتربت من شِفاها، لكن فجأة فاقت من ذلك الغياب، وعادت للوعي حين توقف طوفان عن تقبيلها ورفع جسده عنها نظر الى عينيها ثم تبسم ماكرًا يقول:
نسينا تحذيرات الدكتورة…
تبدلت نظرة عينيها له لنظرة قاتمة وفهمت تلميحة، هو يرد لها قبل يومين حين منعته عنها بحجة تحذيرات الطبيبة، ضغطت على أسنانها، سمع طوفان ذلك فابتسم وهو يهندم ثيابه، كادت دُرة أن تتفوه، لكن صدح رنين هاتفه، اخرج الهاتف ونظر له سُرعان ما قام بالرد ليسمع صوت جود الباكي كأنها تستغيث به:
طوفان تعالي خدني.
فقط قالت ذلك…. شعر بقلق تفوه بتسرُع:
إنتِ فين يا جود؟…
لم ترد ليزداد القلق بقلبه حين سمع صوت إرتطام يُشبه كسر الزجاج ثم إنقطع الإتصال… حاول الإتصال أكثر من مرة لكن لا رد وأصبحت رسالة أن الهاتف مُغلق تترد فى أذنه… شعر بقلق بالغ، بنفس الوقت نهضت دُرة من على الفراش وإقتربت منه سائلة:
فى إيه يا طوفان.
أجابها بقلق:
جود فجأة الخط قطع وموبايلها بيدي خارج الخدمة او مغلق، هتصل على زفت حاتم.
بالفعل قام بالإتصال على حاتم، لكن لم يأتيه رد… توجه نحو باب الغرفة، حاولت دُرة الحديث لكن خرج كادت تخرج خلفه لكن وعت الى ثيابها المكشوفة، سريعًا جذبت كنزتها ترتديها.. كذالك وشاح رأسها وضعته بعشوائية كي تلحق به،بينما طوفان كان يهرول الهاتف بيده ينتظر رد من حاتم، صدفة إصتطدم وجدان التي نظرت له بريبة سائلة:
فى إيه يا طوفان مالك رجعتوا إمتي من العزومة، دُرة بخير.
أغلق طوفان الهاتف وكاد يتحدث لكن صمت فماذا سيقول، سيُشعل قلب وجدان وهو لا يعلم شيء… تنهد بهدوء مُصطنع قائلًا:
مفيش يا ماما، مشكلة فى المصنع، لازم أخرج دلوقتي.
بنفس الوقت سمعت دُرة حديثه مع وجدان لم تستطيع الالحاق بها، كذالك رأفت بقلب وجدان، قد يكون هناك تفخيم فى قلق طوفان.
❈-❈-❈
قبل قليل بذلك المطعم
نظرات عين جود نحو حاتم، كانت واضحة
“إزدراء وإشمئزاز”نظرات كانت كفيلة بفضح كل ما تشعر به…قرف حقيقي لا تُخفيه. هو يستحق نظرة أقل دونية من ذلك، كذالك نظرتها لـ ماهيتاب التي تنتظر بقية حديث جود قد تُعلن ما يُسعدها، أنها ستنفصل عن حاتم
بالفعل ها هي جود تنهض واقفة تقول:
الرخيص بيفضل طول عُمره رخيص… لانه هو اللى رخص نفسه، لو كان عندك ذرة كرامة مكنتيش قبلتي إن خطيبك يتجوز بواحدة غيرك حتي لو كان وهمك إن ده مجرد إنتقام… مفكرتيش زي ما قدر يبقي لواحدة غيرك زوج بمشاعر كاملة… مفيش واحد هيكمل جوازه من واحدها كارهها وعاوز ينتقم منها، ولا واحدة هتعيش مبسوطة مع واحد شايفها وسيلة مش اختيار بس يلا… كل واحد بيختار مستواه.
قالت جود ذلك وجذبت حقيبة يدها فقط وغادرت بخطوات مُسرعة
بينما ماهيتاب ظلت جالسة، ملامح وجهها متجمّدة…
ضحكت ضحكة واهية لكنها خرجت مهزوزة، محاولة كسر الصدمة:
عادي يعني…
لم تستكمل بقية هجائها
حين نهض حاتم
عيناه تتتبعت باب الخروج، ووجهه شاحب، وكأن جود لم تخرج فقط… بل خرجت ومعها شيء من كرامته، من رجولته، من صورته أمام نفسه…. لم يُفكر أو يسمع لهجاء ماهيتاب وهي تسأل:
إتأثرت من جرأتها ووقاحتها و…
كان عقله لوهلة بغفلة قبل أن يذهب خلف جود بخطوات سريعة…
تنهد براحة قليلًا حين رأها تسير بالشارع، ترفع يدها لأي وسيلة مواصلات وللزحام فى المكان لم يقف لها أي سيارة… هرول نحوها سريعًا
بنفس الوقت كانت دموعها تسيل بغزارة تشعر بقهر فى قلبها، ودت ان تقف وتصرخ، أو تجري حتي ينقطع نفسها، لكن تذكرت أن هنالك روحً أخرى بداخلها، روح نبتت بداخلها…
جنين صغير لا ذنب له، لا يفهم ما معنى خيانة أو خيبة، فقط يحتاج الأمان… وهي وحدها من تستطيع أن تمنحه ذلك… أمسكت بطنها بخفة تشعر بحسرة داخلها تائهه مثل تلك السيارات التى تمُر أمامها كانها قصدًا لا تقف لها، فتحت حقيبتها لم يبقي لها سوا طوفان
تود أن ترتمي بحضنه يضمها ربما تهدأ أخرجت هاتفها من حقيبتها بيد ترتعش،
سمعت صوت حاتم يقترب منها بخطوات مسرعة، سارت هي الأخرى مُسرعة تود الإبتعاد عنه … صوته كان لاهثًا، مُرتبكًا، لا يشبه غروره المعتاد وهو يقول برجاء:
جود… استني.
وجود لا تريد سوا الإختفاء بحضن حنون يضمها… سمعت رد طوفان عليها كانت كلماتها موجزة
“تعالي خدني يا طوفان”
بنفس الوقت خففت من سرعتها كاد حاتم أن يقترب منها، بنظرة رفض عادت للخلف لم تنتبه الى تلك السيارة القادمة الا باللحظة الأخيرة
سقط الهاتف من يدها وحاولت تفادي السيارة لكن تعرقلت بحرف طريق المُشاة، وإختل توازنها فسقطت شعرت بضربة قوية فى رأسها وألم آخر أسفل بطنها وغابت عن الوعي.
هلع حاتم من ذلك المنظر الدامي لـ جود
لأول مرة يفهم حقيقة مشاعره وهو ينحني على جسدها المُلقى بلا حراك، عيناه تتسعان بفزع، وصدره يعلو ويهبط بجنون، كأن كل شيء توقف من حوله، كأن الشوارع سكنت والسيارات تلاشت وصوت العالم انخفض ليعلو فقط صوت أنفاسه اللاهثة، ونبض قلبه الذي يصرخ باسمها…
جود
بلا انتظار حملها سريعًا دون الاهتمام الى زحام وقفة الطريق… يهرول بها نحو مكان سيارته دمائها لوثت ثيابه…منظرها قاسي وقاسم لقلبه الذي إكتشف للتو حقيقة مشاعره
جود كانت طوق إنتقام إختنق هو به
بعد وقت قليل ترجل من سيارته أمام إحد المشافي، يحمل جود، يصرخ طلبً للمساعدة.
دخلت جود الى غرفة الطوارئ سُرعان ما إنصدم حين سمع صوت الطبيب يقول:
المريضة تتنقل العمليات بسرعة، فى نزيف شديد غير خبطة راسها إشاعة فورًا نشوف حجم الضرر.
كاد ينهار، لكنه تشبّث بالحائط، يده المرتعشة لا تزال ملطخة بدمائها، رائحتها على ثيابه، وصورتها المرتجفة بين ذراعيه تفتك بعقله.
بعد لحظات خرجت فوق فراش نقال، رافقها بعينيه نادمً حتى دخلت الى غرفة العمليات… دقائق وقت يمُر وهو كأنه مفصول عن العالم عينيه مُعلقة بباب تلك الغرفة… لم يُلاحظ
رنين هاتفه الذي تكرر… الا حين وضع يده فوق صدره فوق أثر دماء جود، إهتز قلبه، أخرج الهاتف ينظر له…
سمع إستهجان وتهديد طوفان:
فين جود رد عليا قسمً بالله لو بس…
قاطعه حاتم بإنهزام واضح:
أنا فى المستشفى وجود فى أوضة العمليات.
ظن أنه لو حدث ذلك ما كان سيشعر بما يشعر به الآن من
سكنت أنفاس طوفان للحظة على الطرف الآخر من المكالمة، كأن الكلمات ضربته في مقتل، ثم انفجر صوته بالغضب والقلق:
يعني إيه في العمليات.. حصل لها إيه عملت فيها ايه…
ازداد طوفان حدة وتهديد:
هجيلك حالًا… لو جرالها حاجة، مش هرحمك.
أنهى المكالمة قبل أن يسمع رد حاتم.
بينما ظل ممسكًا بالهاتف في يده، يحدق في شاشته كمن لا يراها، تمتم بندم:
أنا أصلًا مش قادر أرحم نفسي.
جلس على أحد المقاعد عيناه مُعلقة على باب غرفة العمليات،يشعر بإجتياح إعصار يُدمر كيانه… إحساس يعود ليشعر بقسوته… شعور حين علم بمقتل أخيه… بل ربما أسوء.
*****
وصل طوفان إلى المستشفى خطواته تسبق أنفاسه، نظره حاد كالسهم، يبحث بعينيه عن أول من يصب عليه قلقه وغضبه
رأى حاتم جالسًا أمام غرفة العمليات، وجهه شاحب، وثيابه ملطخة بدماء جود… الدماء التي أحرقت قلب طوفان بمجرد رؤيتها…
انقض عليه دون تردد، رفعه من ياقة قميصه بقوة:
عملت فيها إيه… رد عليا يا حقير، إنت السبب.
لم يقاومه حاتم، فقط رفع عينين تملؤهما الهزيمة والذنب ولم يتحدث أو يدافع عن نفسه من صفعات طوفان بقبضته مرة، واثنتين، ثم تركه يدوي على الأرض، بينما العيون من حولهم تراقب، والممرضون يهرولون للفصل بينهما.
نظر لها طوفان يلهت بعدما تدخل الامن وفصب بينهم:
جود كانت أمانة، وإنت خنتها وأنا هدفعك التمن غالي.
صرخ بهم الطبيب وهو يفتح باب غرفة العمليات:
فيه حالة حرجة جوه، الهدوء لو سمحتوا.
سكت الجميع، وصمت طوفان أخيرًا، لكن قلبه يصرخ.
اقترب الطبيب الآخر من طوفان قائلاً:
حضرتك من العيلة محتاجين توقيع على بعض الأوراق
هزّ طوفان رأسه سريعًا:
أنا أخوها… قولي حالتها إيه
تفوه الطبيب:
للآسف الجنين نزل… بسبب النزيف… كمان فى جرح فى راسها، مش خطير.. هتخرج دلوقتي لأوضة عادية هتفضل تحت الملاحظة.
تبادل طوفان وحاتم نظرة صامتة، لم يكن هناك حاجة للكلام، الحزن والندم والذنب كانوا يتحدثون عن الاثنين
حاتم وطوفان الذي قام بطرد حاتم من أمام تلك الغرفة التي دخلت لها جود عقب خروجها.
لم يعترض حاتم، ليس تخاذلًا ولا خوف من بطش طوفان، بل إنهزام و وجع قاسي لم يتخيل الشعور به.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
القلق يزداد فى قلب دُرة… كذالك وجدان شعرت بإنقباض فى قلبها، حاولت الاتصال على جود أكثر من مرة لكن الهاتف خارج التغطية.
حسمت دُرة قرارها وقامت بالإتصال على حاتم، الذي قام بالرد عليها تسرعت بالسؤال بلوم:
عملت إيه فى جود يا حاتم.
أجابها بإنهزام:
أنا فى المستشفى يا دُرة.
شهقت دُرة سائلة.بريبة:
إيه اللى حصل، مستشفى إية، وطوفان.
أجابها بيأس:
طوفان طردني… جود خسرت الجنين.
شهقت دُرة بصدمة تستوعب ما قاله ذلك الحقير… وعقلها يكاد يذهب.
❈-❈-❈
بعد قليل وصلت دُرة الى المشفي
توجهت مباشرةً الى تلك الغرفة،وقفت لحظات تستنشق الهواء ثم طرقت على الباب ودخلت نظرت نحو طوفان الذي بمجرد أن رأها تعصب بغضب وهو يقترب منها بخطوات …متسارعة، عيناه تشتعلان بإعصار لمن يهدأ، كأن رؤيتها الآن سكبت الملح على جرحه المفتوح… قبض على معصم يدها بقوة يشدها للسير معه الى أن خرجا من الغرفة
تفوه بصوتٍ حاد، يكاد يخرج من بين أسنانه:
إية اللى جابك يا دُرة، عرفتي منين… طبعًا من الحقير إبن عمتك، رد عليكِ بسرعة طبعًا يبشرك.
قال ذلك بغضب ثم ترك يدها قائلًا:
إنتِ السبب يا درة، كان فين عقلي كان لازم أفهم إن حاتم يبقي أخو حسام وأكيد وصولي
وطالما خِسر إنه يفوز بيك سهل يبدلك بـ أختي
إنتِ لعنة حياتي يا دُرة.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
هنالك قلق ينهش قلب وجدان منذ أن غادرت درة خلف طوفان… حاولت نفض ذلك الإحساس عنها لكن ظل مرافق لها… حاولت الإتصال على جود لكن لم ترد عليها… فكرت بالاتصال على بدرية وتتحجج بأي شئ وتتحمل سماجتها… بالفعل اتصلت عليها كان ردها شبه جاف، لكن أكدت ان جود بخير.
أغلقت وجدان الهاتف مازال قلبها غير مُطمئن لكن لم تدع ذلك الاحساس يتوغل، نهضت ذهبت الى غرفة الضيوف تستقبل إحد نساء العائلة جائت لتقوم بدعوتها لحضور حفل زفاف إبنتها،كان قلبها شارد، لكن ما زالت تضغط على قلبها،تنفض ذلك الشعور السئ.
❈-❈-❈
بالمشفي
تجمعت الدموع بعيني دُرة وهي تنظر الى طوفان بإستنكار يغص قلبها بألم قائله:
إفتكر كويس أنت اللى إتفقت مع شاهر وكتب كتابنا بدون علمي وقتها، مع ذلك قبلت بجوازنا ولما عرفت إن حاتم متقدم لـ جود وقتها قولتلك إيه، وإنت قولت لى إنها موافقة بدون أي ضغط… حاتم طول عمري أنا وهو علاقتنا سطحية، عكس حسام، يمكن لانه أختار المدرسة العسكرية وكان بعيد عكس حسام اللى كان متربي فى بيت بابا ودايمًا قريب منه…
قاطعها بغضب:
قصدك كان قريب منك عشان توافقي تتجوزيه.
غص قلبها وإبتلعت ريقها قائلة:
أنت عارف مين كان السبب في موافقتي على الجواز من حسام… ومع ذلك…
قاطعها بغضب أقوي:
إنتِ اللى دايمًا كده يا دُرة مُتسرعة وبتصدقي اللى على مزاجك ومش بتفكري بعقلك… ودلوقتي مالوش لازمه وجودك هنا، إرجعي البيت.
مازالت تشعر بوخزات فى قلبها من طريقة طوفان القاسية لأول مره ترا ذلك الجانب منه معها، توقفت الدموع بين أهدابها، وقالت بتصميم:
مش هرجع للـ البيت يا طوفان…
-درة
قالها طوفان بعصبية لكن قاطعته دُرة بتصميم:
مش هرجع البيت يا طوفان ولو مشيت من هنا دلوقتي… هرجع بيت بابا ومش هرجع بيت مهران تاني.
تمركزت عينيهما في مواجهة صامتة…
عيون طوفان تشتعل بغضبٍ مكبوت، وأنفاسه تتسارع وكأنه يُحارب رغبة بداخله أن يصرخ، أن يهدم كل شيء حوله
بينما دُرة، فكانت تحدق فيه بعينين دامعتين ولكن ثابتتين، تلمع الدموع بعينيها تنتظر منه اماءة فقط، لكن طوفان
تقدّم خطوة نحوها قائلًا بصوتٍ منخفض مشحون بالغضب:
بتهدديني يا دُرة… تمام.
قبل أن ترد درة حايد النظر لها ولم ييالي وتركها واقفة وذهب نحو غرفة جود… فتح الباب، رمقها نظرة أخيرة قبل أن يغلق الباب بوجهها..
شعرت درة بغصة قوية وعاندت جلست على أحد مقاعد الردهة… سالت دمعة من عينيها سُرعان ما مسحتها.
بينما طوفان أغلق باب الغرفة ثم ذهب نحو جود نظر لها يغص قلبه يلوم نفسه، ليته كان أنهي طلب حاتم بالرفض وما أخذ رأي جود
كيف تغافل عن أفعال حسام الدنيئة معه بسببه إفترق عن دُرة لولا لعبة القدر لكانت الآن بعيدة عنه… زفر نفسه وشعر بألم فى قلبه زائد من ناحية تلك العنيدة الأخرى… توجه ناحية باب الغرفة يتمني أن يفتح الباب ويجد دُرة غادرت…
لكن كما توقع حين فتح الباب ونظر بالردهة كانت دُرة جالسة لاحظ خلعها للحذاء، زفر نفسه بآسف وتجنب على طرف الباب، فقط يُشير لها بيده لتدخل الى الغرفة دون أن يتحدث…
كانت دُرة تجلس تتكئ بظهرها على خلفية المقعد شعرت ببعض الألم الطفيف بقدميها فخلعت الحذاء، بمجرد أن سمعت صوت فتح باب الغرفه نظرت نحوها، سُرعان ما تبسمت من إشارة يد طوفان لها نهضت سريعًا وضعت قدميها بالحذاء وذهبت نحو الغرفة دخلت لداخلها، حتى أنها سمعت همس طوفان وهو يغلق الباب قائلًا:
الصبر يااارب.
غصبً ابتسمت وهي تجلس على آريكة بالغرفة.
❈-❈-❈
أمام منزل حاتم
ترجل من السيارة يشعر بإنهيار وهو يسير مثل الشريد الذي فقد عقله، فتح باب المنزل يتمني الا يقابله أحد، لكن لسوء حظه…
شهقت بدرية حين رأت منظر حاتم وأثر الدماء الكثيف على ثيابه إقتربت منه بلهفة وقلق سائلة:
حاتم جرالك إيه، إيه الدم اللى على هدومك ده، إنت بخير.
نظر لها عيناه دموية، قائلًا بنبرة خسارة ويأس:
للآسف أنا بخير.
تنهدت بإرتياح قليلًا، بنفس الوقت جاء والده ونظر له بقلق، لكن سبقته بدرية بالسؤال:
إيه سبب الدم اللى على هدومك ده كله، كمان منظرك اللي يوجع القلب.
نظر لها.. يشعر بثُقل فى لسانه خرجت منه كلمة واحدة:
جود.
لسانه توقف عن بقية الكلام، أكملت بدرية قولها ظنًا أنه يسأل عن جود تحدثت بطريقة
فظة:
البرينسيسة خرجت من الصبح راحت الجامعة ولحد دلوقتي مرجعتش أكيد…
قاطعها حاتم بعصبية:
جود فى المستشفى.
هلع قلب والد حاتم سائلًا:
فى المستشفى ليه إيه اللى حصل وإيه سبب الدم اللى على هدومك ده، ساكت ليه، ومنظرك ده إيه سببه،هنطلع منك الكلام بالعافية.
رمق والده بنظرة مشوشة، ثم جلس على أول مقعد كأن قدميه لم تعد تتحمل جسده، دفن وجهه بين يديه وقال بصوت مخنوق:
جود سقطت.
صدمة لجمت والده وأذهلت عقل بدرية التي جلست جواره تضع يدها فوق فمها بذهول،بينما سأل والده بإستفسار:
إيه اللى حصل لـ جود سقطت إزاي، ساكت ليه بتتكلم بالقطارة.
بماذا يتكلم هو يود أن يكون بكابوس ويفيق منه، لكن للآسف إنه الواقع الذي حدث في الوقت الذي صدمه حين أراد ان ينهي ضغائن قلبه لـ جود ويبدأ من بمشاعر أخيرًا فهمها،
فاز براءة ونقاء جود أن تسحبه نحوها، لقاؤه مع ماهيتاب اليوم، كان لوضع نهاية لعلاقته بها لن يجرح قلب جود ولن يجعل طفله يعيش بؤس ..بداية مشوهة…
كان يُريد أن يُنهي كل ما مضى، أن يُنهي الماضي بشوائبه، أن يُغلق صفحة ماهيتاب للأبد، ولكن…
القدر دائمًا ما يختار التوقيت الخطأ
لم يتخيل أبدًا أن تتحول خطوته نحو اصلاح الحياة بينه وبين جود…. إلى صدمة تنغرز في قلبه مثل خنجر…
رؤية جود اليوم، نظرتها، دموعها المكبوتة، كانت كافية لتُشعل داخله حربًا… بين رجلٍ أراد الإصلاح، وواقعٍ يُصر على معاقبته على نواياه السابقة…
كيف يخبرها أن لقاءه بـ ماهيتاب لم يكن خيانة، بل ختامًا….
كيف يُبرر جروحه وقد لطّختها الدماء أمام عينيها
كيف يُنقذ قلبه الذي اختارها، بعد أن رآها تهرب منه تمنى لو يصرخ، لو يُمسك بكتفيها ويخبرها:
“أنا جيتلك… برجلي، بإحساسي، بقراري… مش عاوز غيرك إنتِ.”
لكن حتى هذه الأمنية الصغيرة، صارت الآن بعيدة، كما جود تمامًا.
سرد جزء من ما حدث ثم نهض يترنح قائلًا:
أنا عاوز أبقي لوحدي، هطلع شقتي أنا و…
صمت وهو يتوجه نحو السلم يسير يرتكز بيديه على سياج السلم يصعد
راقبت عيون بدرية وزوجها حاتم وهو يصعد شعر الإثنين بإنفطار قلبيهما بؤسً، نظر والد حاتم لـ بدرية بنظرة لوم قائلًا:
إرتاحتي كده عاجبك منظر إبنك، يا ما نصحتك قولتلك بلاش طريقتك دي معاه، بلاش تغذي الحقد فى قلبه، أهو شوفتي بعينك، إبنك حب جود إكتشف، لاء اتصدم فى مشاعره ناخيتها للآسف فى الوقت الغلط، مش جود اللى تسامح، حتى لو سامحت فى كرامتها هتسامحه إزاي بعد ما فقدت الجنين اللى كان فى بطنها، هتنسي الألم ده إزاي، حاتم كانت علاقته إتقطعت بـ ماهيتاب بعد وفاة حسام، ليه كلمتيها تاني وخلتيها ترجع تلف حواليه، بعد ما إتجوز، خوفتي قلب حاتم ينشغل ويحب جود، أهو اللى خوفتي منه إتحقق، ياريت ترتاحي، والله أعلم لسه رد فعل طوفان مش هيبقي سهل، إشربي، لو واحدة غيرك كان بعد ما فقدت واحد كانت حافظت عالتاني لكن إنتِ عملتي العكس، مش قادر أديكِ عذر وأقول قلبها محروق على ضناها، حاولت كتير ونصحت حاتم لكن طبعًا دموعك كان لها مفعول أقوي، حاولت أجبر بخاطر جود كانت رقيقة وهشة وبتتحمل كنت بشوف نظرة عينيها قلبي بيزعل عليها، مُغرمة بـ حاتم رغم متأكد إنه كان قاسي معاها، يمكن كانت بتنتظر منه بس نظرة محبة، بقاله كام يوم غايب عن الدار، ملاحظتيش إنها كانت متغيرة وزعلانه، داست على كرامتها وكانت رايحة له عشان تشوفه وتطمن عليه، لكن طبعًا سبقت ماهيتاب اللى بسببك رجعت تحوم حوالين حاتم، نسيتي سُمّها الناعم، ولا تكبرها عليه وعلينا إنها بنت لواء…وطلباتها لازم تتنفذ … جود بنت أصل عنها وعمرها ما اتكبرت ولا طلبت حاجه…
ماهيتاب مكنتش راجعة عبث، دي راجعة عارفة إن قلبه مكسور من ناحية أخوه ، وإنه في لحظة ضعف ممكن يلاقي فيها حنان كاذب…حقيرة وإستغلاليه،رجعوها مكنش محبة لـ حاتم…رجعوها وقبولها إن حاتم يبقي متجوز من غيرها كان لغرض فى دماغها…رجعوها كان هدفه تفسد حياة حاتم وإنه مقدرش ينساها،متأكد إنها بمجرد ما كانت هتخرب حياته مع جود كانت هترجع ماهيتاب القديمة وتخليه يكره حياته…
، لكن جود… جود كانت رايحة له بقلبها، بكل خوفها ووجعها، كانت عايزة تطمن عليه حتى لو من بعيد،
بس للأسف لقت نفسها واقفة تتفرج على مشهد ماكنتش تستحقه…ونهاية صعبة.
قال ذلك وغادر شهقت بخضة حين سمعت صوت إغلاق الباب القوي، دموعها سالت أمام حقيقة لم تكُن غائبة عنها… لكنها صُدمت بمشاعر حاتم نحو جود… ندم توغل من قلبها لكن فات الآوان وربما لا يكون هنالك فرصة أخري.
*****
دلف حاتم الى داخل شقته… توغل الى فؤاده رائحة خاصة، كأنها نسيم ربيعي محمل بأريج الزهور… إنها رائحة عِطرها الذي أبدى لها يومً إعجابه به، داومت على استعماله ونثره أحيانًا بالشقة…أشياء بسيطة كان يُعطيها لها،جفاء مُتعمد منه مقابل رقتها…ذهب الى غرفة النوم…كان العِطر أقوي،لكن يخنق روحه…
جلس على طرف الفراش، يشعر كأن جسده ثقيل كذالك وجدانه، نظر الى يديه ملطختان بدماء بمن لا ذنب لها… وثيابه تشهد على ليلٍ قاتم قادم يغزو حياته
أسند وجهه بين كفيه، صوته بالكاد خرج، أشبه بهمهمة موجوعة:
جود… سامحيني.
أغمض عينيه، وكل ما رآه هو ملامحها… عيناها المتسعتان بصدمة، يدها التي أمسكت بطنها قبل أن تُدير ظهرها له… تمنى أن يكون أبًا
لكن ليس بهذا الشكل، ليس وهذه النظرة في عينيها…. لم يستطع تذكُّر كيف وصل للبيت، فقط يتذكر صوت بدرية وهي تصرخ حين رأت الدماء على ثيابه، سيل من الأسئلة، وذعر يشبه ذعره تمامًا.
لكنه لم يُجب… لم يكن هناك جواب يكفي.
هو الآن عالق… بل هالك بعشق امرأة انتهى معها كل شيء،
❈-❈-❈
بالمشفي
جلس طوفان على الطرف الآخر لتلك الآريكة، لاحظ خلع دُرة لحذائها كذالك إتكائها بظهرها على الآريكة زفر نفسه من عنادها، ليس بمزاج قادر على المناهدة معها، كذالك تُغمض عينيها، لكن فتحت عينيها ونظرت له قائلة بلا مقدمات:
أنا جعانة.
نظر لها بإندهاش قائلًا بسؤال:
بتقولي إيه؟.
أجابته ببساطة:
بقولك جعانة… وعاوزة أكل.
نظر لها بدهشة قائلًا:
جعانة… تمام هتصل عالسواق يجي ياخدك للبيت هناك هتلاقي أكل.
زفرت نفسها قائلة:
قولتلك مش راجعة البيت، خلاص مش جعانة.
تنهد بسأم قائلًا:
درة بلاش عناد متنسيش إنك حامل كمان عندك مشكلة فى صدرك وإحنا هنا فى مستشفي يعني ممكن تلقطي أي عدوة.
تنهدت درة قائلة ببساطة:
بسيطة إحنا فى مستشفى لو مرضت إحجزلي أوضة،وخلاص أنا مش جعانة.
غصبً إبتسم، رغم أن البسمة تغص فى قلبه…ظل لحظات قبل أن ينهض متوجهًا نحو باب الغرفة ثم فتح الباب تحدثت دُرة بتسرُع:
رايح فين.
تنفس قائلًا:
طالع أشرب سيجارة فى الهوا بره.
نظرت له بغيظ،هي ظنت أنه سيقول أنه سيأتي لها بطعام تفوهت بسخط:
أحسن برضوا،بره مكان مفتوح،حاول تقلع عن السجاير عشان صحتك.
أومأ لها وغادرت،زفرت نفسها وضعت يدها على بطنها قائلة:
منها لله خلود بسببها معرفتش أتغدا ودلوقتي طوفان يقولى أرجع البيت عشان أكل،خلاص هتحمل الجوع لحد الصبح.
بينما خرج طوفان توقف بحديقة المشفي،زفر تنهيدة طويلة كأنها تحمل كل ما يشعر به من وجع وندم…. رفع رأسه للسماء يستنشق الهواء يشعر بندم وآسي على حال جود حين تعود للوعي وتعرف أنها فقدت جنينها…لا يعلم رد فعلها ولا سبب لما حدث لها لكن على يقين أن ذلك الأحمق حاتم هو السبب، انتهت كل فرص حاتم، حتى لو توسلت له جود نفسها، لن يسمح له بالاقتراب ثانية…. عليه أن يتأدب….
،كذالك عِناد درة الحمقاء حين تعصب عليها بلا ذنب هي حقًا… لام نفسه دُرة لا ذنب لها لكن إستغرب تقبلها لهجاءه لها أنها “لعنة حياته”
رغم غصة قلبه حين لاحظ لمعت عيني دُرة بحزن حين قال لها جملته السامة
كان يتوقع منها أن تغادر ، لكنها نظرت له بصمت موجوع… صمت كان كفيلاً بجلده أكثر من أي كلمة.
أحس بالمرارة تملأ فمه، وبالندم ينهش صدره…
.. “هي حقًا لعنة أعطت لحياته دفئ كان مفقود…لعنة تؤلم وتداوي في نفس الوقت”
تنهد وأخرج علبة السجاىر والقداحة لكن قبلها قام بإتصال هاتفي يطلب طعام لـ درة هو لاحظ عدم تناولها الطعام بشكل يُشبعها… أشعل السيجارة، سحب نفسًا عميقًا منها…. كأنه يحاول سحب حيرته، وجعه، حبه… قائلًا:
آه يا دُرة حيرتيني معاكِ، أوقات بحس إنك طفلة وعاوزة اللى يراضيكِ، وأوقات بحس إنك
لا بتخافي، ولا بتتراجعي.
لا يعلم كم أحرق من السجائر، حتى سمع رنين هاتفه، نهض واقفًا وإقترب من ذلك الشخص أخذ منه المغلف وزفر نفسه عائدًا الى الغرفة…
بينما دُرة حين غادر طوفان ظلت جالسة لدقائق ثم نهضت نحو شباك الغرفة نحت الستائر ونظرت للحديقة رأت طوفان يجلس يُدخن، غص قلبها وشعرت بالمرارة من أجله، لكن هي لا تمتلك سوى قبول عصبيته فى صمت، كذالك لم تقدر على تركه وحده الليلة كما أراد فكيف لقلبها أن ينفصل عن حزنه…
تركت الستائر وعادت تجلس على الآريكة، رفعت قدميها ممددتهما أمامها وإتكئت على مسند المقعد، فتحت هاتفها تعبث به بعض الوقت… كادت تغفوا لكن فتحت عينيها حين سمعت صوت مقبض الباب، سُرعان ما تبسمت حين دخل طوفان يحمل كيسًا متوسط، لا تحتاج لتخمين محتواة فالعلامة التجارية واضحة لأحد المطاعم، لكن لم تُبدي لهفة، إقترب طوفان نظر لها وهي تجلس هكذا، زفر نفسه هي بالتأكيد لا تشعر براحة… لكن ماذا يفعل أمام عنادها، وضع الطعام على طاولة صغيرة وقربها منها قائلًا:
الأكل.
إبتسمت وهي تجذب ذلك الكيس وفتحته رائحة الطعام شهيه، نظرت له قائلة:
تعالي أقعد ناكل سوا.
أجابها وهو يتجه نحو الفراش ينظر لـ جود قائلًا:
مش جعان كُلي أنتِ.
-براحتك
هكذا قالت، بينما هو عاد يجلس على طرف الآريكة يختلس النظر لها وهي تأكل تعمد قائلًا:
واضح إنك كنتِ جعانة، رغم إن أكل العزومة كان مُمتاز.
نظرت له بسخط قائلة:
أه كان ممتاز وكله دسم وأنا مش بحب الدسم بيغم على قلبي.
تبسم قائلًا:
مش بتحبي الدسم بس بتحبي أكل المطاعم.
أومأت له واكملت طعامها حتى شبعت، نظرت له قائلة:
فاض أكل كتير على فكرة…. لو…
هز رأسه بالنفي وأسند رأسه على خلفية المقعد بصمت.
حل الصمت، رغم أنه لم يغفوا لكن حين إستقام برأسه تفاجئ بـ درة غافية.
تنهد بقلة حيلة… نهض بهدوء وعدل جسد دُرة على الآريكة كي تشعر بالراحة، ثم وضع عليها مِعطف خاص به، ثم جلس على مقعد آخر يراقب الإثنين الغافيين كل منهن تمتلك مكانة خاصة في قلبه، وإن كانت مكانة غير متساوية…
جود تنام على الفراش، ملامحها الساكنة تُخفي آلام، ودُرة على الآريكة، تحمل براءتها في غفوتها كأنها تستجديه ألا يغادر عالمها.
ضمّ ذراعيه إلى صدره، ومال برأسه للخلف مغلقًا عينيه، لا لغفوا ربما يرتاح، بل ليهرب من صراع لم يُحسم بعد.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
صباحً
بالمشفي
رغم هدوئها الغير متوقع حين علمت بفقدان جنينها، لكن تحمل بقلبها ألمً قويًا حاولت تحمله وحدها، لا تلوم أحد غير نفسها، هي أرادت خوض مشاعر كانت واهيه من الطرف الآخر فلما تحمل غيرها مرارة ما تشعر به، لكن طوفان ووالدتها كانا مرافقين لها كذالك دُرة…
تبسمت لتلك الطبيبة التي دونت بعض الادوية وقالت بعض الآرشادات لها…ثم خرجت،بعدها دخل طوفان قائلًا:
أنا خلصت إجراءات المستشفي.
تنهدت وجدان براحة قائلة:
الحمد لله الدكتور قال إن جرح راسها مش هياخد وقت طويل ويخف وفى جرح فى ايدها اليمين هيخف بسرعة.
حقًا بعض الجروح تطيب سريعًا لكن هنالك جروح لا تطيب ولا تندمل سوا بالكي،وهي الآن أخذت قرار كي تلك الجروح حتي لا تعود وتشعر بضعفها وخسارتها.
يومان وها هو اليوم الثالث
يأتي الى المشفى ولا يستطيع الإقتراب من غرفة جود،يتابع تطور حالتها من الطبيب عبر الهاتف..علم أنها ستخرج اليوم من المشفي…ظل واقفً بسيارته أمام المشفي…ربما رؤيتها تخفف من ألم ما يشعر به من فقدان…
بالفعل ها هي تستند على طوفان حتى وصلا الى السيارة…
توقفت للحظات حين رأت حاتم يترجل من سيارته…تلاقت عيناهم
بحوار صامت بلا إهتمام منها،كأنه فقد حتى حق التبرير…
أخفض عينيه أولًا، أما هي، فأكملت خطواتها دون أن يرمش لها طرف، لا وجع، لا شوق، ولا حتى حنين… فقط برود موجع يشبه التجاهل المتعمد، كأن ما بينهما لم يكن يومًا.
تشبثت بيد طوفان الذي فتح لها باب السيارة صعدت إليها، أغلق طوفان الباب خلفها بصمت، ثم استدار لينظر نحو حاتم للحظة، نظرة فيها من التحذير أكثر مما فيها من الكلام… وقد كان رد فعل جود واضحًا هي إستقوت بـ طوفان الذي لم يخذلها مثلما هو فعل….
ظل واقفًا، يده متجمدة على باب سيارته، قلبه يصرخ بمرارة
لكنه لم ينطق…
لأول مرة، يعجز لسانه عن ملاحقة قلبه، ويكتفي بالمراقبة، بالخذلان، وبالوجع.
غادرت السيارة، وغابت معها جود من أمام عيناه
أدرك الآن أن ما كسره لم يعد يُصلح… وأن ما خسره لن يُعوض.
❈-❈-❈
منزل عزمي
قوة عسكرية دلفت الى المنزل، شعرت سامية بهلع منها بالأخص حين سألوا عن وليد تلاعب الظن السيء برأسها لكن تحدث رئيس تلك القوة قائلًا:
إحنا من الجيش وجاين معانا أمر بأخد
“وليد عزمي مهران”
تنفيد لقرار ظبط وإحضار له بسبب تهربه من الجيش وعدم تنفيذه لأمر إستدعاءه.
ذُهلت سامية من ذلك…حاولت الإتصال على عزمي لكن لا رد هاتفه يُعطي خارج التغطية…
بينما جاء أحد العساكر يقبض بيده على معصم وليد الذي تباجح معهم،لكن أمر رئيس القوة قائلًا:
أي إعتراض أو إلتماس قدمه بعدين،أنا بنفذ المطلوب مني …وهو القبض عليك وتسليمك للنيابة العسكرية.
صرخ وليد بغضب وهو يحاول التملص من قبضة العسكري:
إنتو مش فاهمين… أنا سبق وخدت تأجيل قبل كده في غلط حاصل.
لكن الضابط رد بصرامة دون أن يتزحزح:
أي مستند أو دفاع تقدمه بعدين، دلوقتي تنفيذ القرار أولًا.
انكمشت سامية مكانها، قلبها يوشك على الانفجار، تلهث وهي تراقب العساكر يُحيطون بـ وليد كأنه مجرم ، أحدهم يُقيده بالكلبشات دون رحمة، صرخت فجأة بصوت مبحوح:
وليد…
تلفّت وليد نحوها، نظرة مختلطة بين الذهول والانكسار، حاول أن يبدو قويًا، لكن عيناه خانتاه…. همس لها وهو يُساق للخارج:
ـ ماتقلقيش يا ماما… أكيد فى سوء فهم… الموضوع هيتحل.
خرجت القوة من المنزل كما دخلت، تاركة خلفها صدى ثقيلًا وسامية يرتجف جسدها بالكامل، غير مصدقة ما حدث، تردد:
ـعزمي… فين عزمي ليه سايبنا كده.
نظرت للهاتف مرة أخرى قامت بالإتصال عليه، لكن الرد نفسه ظل يُجيبها:
“هذا الرقم غير متاح حاليًا…”
❈-❈-❈
بالسجل المدني
ذُهلت دُرة من ذاك المستند الذي بيدها
نظرت نحو شاهر سأله:
مش فاهمة إيه المستند ده.
أجابها ببساطة إيه اللى مش مفهوم.
سألته:
المفروض الأرض دي بابا باعها لـ طوفان… آزاي متسجلة بإسمي.
فسر لها شاهر بهدوء:
فعلًا، طوفان كان اشترى الأرض من مختار الله يرحمه… بس العقد كان صوري. بعدين تراجع وسجّلها باسمك، بيع وشراء رسمي.
دُرة بعفوية وبنبرة شبة غبية:
مش فاهمة حاجة.
ضحك باسل، ولم يمنع شاهر نفسه من الابتسام، لكن كريمان هجمت عليها برد ساخر:
إيه اللي مش مفهوم الأرض اتسجلت باسمك رسمي… مختار هو اللي سجلها.
نظرت لها دُرة باستغراب، لكن ما لبثت أن ارتسمت صدمة على وجهها وهي تتذكر مساومة طوفان لها على الأرض…
الأرض دي كانت ملكها من الأساس
فلماذا ساومها… لماذا راوغها يوم طلبت منه أن تشتريها
الآن فقط فهمت…
هو لم يكُن مالك حقيقي، كان بيتلاعب بيها، يحاول إثبات سلطة عليه حتى ولو وهمية…
همست بصوت مبحوح، شبه مصدومة:
يعني… يعني كان بيضحك عليا
وبيساومني بحاجة مش مِلك له….
لازم أواجهه وأعرف هو إزاي قدر يعمل كده
❈-❈-❈
بعد قليل
بمصنع طوفان…
دلفت دُرة الى مكتب طوفان دون أن تستأذن، لطن وقفت بمكانها مُتصنمة حين رأت تلك السخيفة خلود تقف جوار طوفان كأنهما يتحدثان بإنسجام.
↚
منذ أن عادوا من المشفى،اتخذت جود
من النوم سبيلًا للهروب من قسوة ما تشعر به من خسائر متلاحقة انتهت كُل طاقتها على التحمُل، أنهكت روحها وهي تُجاهد للتماسك كي لا تصرخ… صارت تغفو ساعات طويلة بلا وعي، لا راحة فيها ولا أحلام، فقط ظلامٌ كثيف يُغلف عقلها وقلبها
حتى وجنتاها، اللتان كانت تحملان يومًا بقايا ابتسامة، خفت لونهما وتيبّس الشعور فيهما،تشعر كأن الحياة انسحبت منهما … لا تود أن تجيب على أسئلة من حولها حتي عن صحتها، كل ما تريده أن يتوقف الزمن، أو على الأقل يتوقف ذلك الألم الذي ينهش وجدانها،خسارتها ليست هينة
خسرت جنينها الذي لم تنبت به الروح بعد…ربما أخذ روحها هي معه… شعور مرير، قلبها نبض للمرة الأولى… إحساس لشخص خاطئ… هى دُمرت ليس فقط معنويًا فقدت الإحساس لا تشعر ولا تود أن تشعر.
غص قلب وجدان من حالة جود… كأن الحظ يتكرر مرة أخري معها
زواج فاشل
لا فرق بين
حاتم ونوح
الإثنين لا يُقدران مشاعر من معهم، يتعاملان بقسوة، وإن كان حاتم أسوء من نوح
نوح لم يكُن
مخادعً ولا مُنتقم مثل حاتم…
تنهدت بأسي صغيرتها الرقيقة كانت أسوء حظً منها… فقدت جنينها …تقبلت ذلك بـ ربما ذلك رحمة من الله عليها لا يكون بقايا رابط بينها وبين حاتم ويخرج من حياتها ومعه الألم.
تركت وجدان جود نائمة وخرجت من الغرفة، تقابلت مع كوثر التي مثلت الحزن قائلة بنهجان من أثر صعودها السلم:
فين جود.
أجتبتها وجدان:
نايمة.
تنهدت كوثر بأسي مُصطنع:
هو إيه اللى حصل لها، وبعدين فين جوزها.
ردت وجدان:
معرفش، عدم وجوده أفضل.
زفرت كوثر بحقد:
بدل ما يحمد ربنا إنه ناسب نسب مكنش يحلم بيه، يسيبها كده وميسألش عنها هو…
قاطعتها وجدان بحسم:
بلاش السيرة دي، وجود مش لوحدها، أنا وطوفان جنبها.
بحقد تفوهت كوثر بتحريض:
طوفان المفروض كان يعمل زي حاتم ما عمل فى جود، دُرة مش بنت خال حاتم.
زفرت وجدان بغضب قائلة بحسم:
“ولا تزر وازرة وزر أخرى”
ربنا قال إكده وبعدين قولت بلاه الحديت ده كفاية.
ارادت كوثر نفخ النار لكن حكمة وجدان كانت الفائزة.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
دلف إلى المنزل بخطوات هادئة، مزاجه هادئ بل صافٍ ، حتى أنع يُدندن إحد الأغنيات الفلكلورية الشهيرة بنغمة خفيفة على لسانه…
لكن سرعان ما خفتت ابتسامته، وتأفف في صمت حين وقعت عيناه على سامية، بوجهها المتجهم كعادته. تمتم باستنكار وهو يمر بجانبها:
ـ بومة… متعرفش تضحك ولو مرة فوشي.
بينما سامية، رمقته من طرف عينها، ورفعت حاجبًا في سخرية وغضب كان مكبوت وأعطت له الصراح قائلة بإستهجان:
داخل الدار رايق وبتغني ومتغرفش المصيبة اللى احنا فيها.
إستغفر بين نفسه ثم نظر لها باستفسار سائلًا بنزق:
يا ساتر يارب، خير، إيه هي المصيبة.
بغضب يزداد أجابته:
طبعًا قافل موبايلك ومروق دماغك والدنيا تضرب تقلب ولا فى دماغك، أنا اللى شايلة هم الدار ده.
نظر لها بحنق مُتهكمً سائلًا ببرود عكسها:
طول عمرك سدادة… إيه هي المصيبة اللى حصلت.
بغضب عارم أجابته:
إبنك وليد الشرطة جت وخدته من الدار.
رغم بروده لكن إدعي اللهفه سائلًا:
وخدته ليه، عمل إيه تاني.
نظرت لها بإستهجان قائلة:
معملش حاجه، إنت ليه مفكر إن إبنك الإجرام فى دمه،اللى خدته هي شرطة الجيش…إتصلت عليك وعلى اخويا أنتم الاتنين موبايلاتكم خارج الخدمة … خدوه مقدرتش أمنعه لو شوفته وهمت بياخدوه قلبك هيتقطع عليه… مش قادرة انسي منظره وهو بيستنجد أنه ميروحش معاهم، إنت لازم تتصرف وتشوف حل للمصيبه دي أنا عاوزه إبني يرجعلي.
نظر لها بإزدراء لكن تفوه عكس إرادته:
تمام انا هتصل أشوف إيه حصل، يمكن فى غلط فى الموضوع.
بغضب تفوهت:
تتصل على مين، إنت تروح تشوف خدوه فين وتجيبه أنا عاوزه إبني مش كفايه قبل إكده إتحبس شت شهور مع المجرمين.
تهكم لكن أظهر عكس ذلك، ثم غادر فقط ليبتعد عن وجهها.
بالاعلى بغرفة والديه
تسحب ريان للغرفة يترقب حوله يمين ويسار، حتى دلف الى الغرفة وارب الباب ثم ذهب نحو تلك الخزنه الصغيرة، حاول فتحها لكن فشل… وقف يزفر نفسه بغضب، بنفس الوقت دلفت سامية وجدته إندهشت من وقوفه سألته باستفسار:
واقف كده ليه يا ريان.
تعرق وجهه وإرتبك قائلًا بتعلثُم:
انا… أنا… كنت… كنت…
رغم الارتباك الواضح عليه وتعلثمه لكن لم تهتم بذلك ظنت أنه يريد شيء ويتردد فى طلبه… إقتربت منه ربتت على كتفه قائلة:
قول عاوز إيه انا دماغي هطير مني… بسبب أخوك.
توتر قائلًا:
كنت محتاج مبلغ مالي…
توقف للحظات ثم برر طلبه:
عاوز أحجز كُتب الجامعة.
جلست على الفراش تشعر بإنهاك قائلة:
والمبلغ ده قد إيه.
أجابها بقيمة المبلغ المُبالغ فيه، لم تعترض ونهضت نحو تلك الخزنة، لاحظ تلك الأرقام التى فتحتها بها وسحبت له قيمة ما طلبه… ثم اعادت إغلاق الخزنه… ظل ريان يُحملق بالمال الكثير الموضوع بالخزنه كذالك بعض المصوغات الخاصة، بها عقله حفظ تلك الارقام، وعاود يتذكرها حتى يحفظها…لم ينتبه الا حين مدت يدها له بالمال قائلة:
الفلوس ايه يا ريان انا عاوزاك تتجتهد فى الجامعه متبقاش زي الثانوية وتاخد السنة فى اتنين.
أخذ المال منها قائلًا بمهاودة:
حاضر متقلقيش.
بمجرد أن لمس المال توجه نحو باب الغرفة مغادرًا… بينما عادت سامية تجلس تشعر بانهاك وغضب تنتظر إتصال من عزمي.
بينما خرج ريان من الغرفة متوجهًا الى مغادرة المنزل، لكن قبل ذلك جلس فى سيارته يضرب رقم هاتفي قائلًا:
جبت مبلغ محترم عاوز حاجه محترمة اتكيف بها.
****
وعلى الناحية الاخرى كانت ضحكة ظفر تدوي وهو يقول:
قولتلك هيرجع مدمن وأهو.
ولخباثة الآخر ضحك هو أيضًا قائلًا:
برافوا عليك، عاوزك تطمعه، فترة بس وبعد كده مهما دفع ممنوع تطاوعه، عاوزه ينتهي عالبطئ.
❈-❈-❈
مساءً
عاد طوفان الى المنزل
تلاقي مع شكرية التى تبسمت له، سألها:
الحجة وجدان فين.
أجابته:
شوفتها من شويه كانت داخلة أوضة جود، تحب أحضر العشا.
أومأ راسه بـ لا … صعد السلم توجه نحو غرفته أولًا… توقع وجود دُرة لكن كانت الغرفة خالية… تنهد بغيظ جذب هاتفه قام بإتصال سمع جواب الآخر زفر نفسه بجمود اغلق الهاتف… توجه نحو الحمام أخذ حمامً باردًا ربما يزيل عن كاهله بعضًا من التوتر والضغط النفسي الذي ينهش صدره… خرج بعد دقائق، يلف المنشفة حول خصره، وقطرات الماء تنحدر على جسده، مرر يده في شعره المبلل وهو يتجه نحو الخزانة ليبدل ملابسه…ثم خرج من الغرفة توجه نحو غرفة جود، دخل بعدما طرق على باب الغرفة… إبتسم حين وجد وجدان تضع صنية صغيرة جانبًا بعدما إنتهت جود من الطعام… إقترب من جود وجلس جوارها على الفراش يُقبل رأسها سائلًا:
أزيك دلوقتي.
أجابتته ببسمة طفيفة رغم ذاك الشعور القاسي الذي ينتهك روحها:
الحمد لله بخير.
غص قلبه فالحقيقة تعكسها ملامحها الواهنة المسؤمة…
نظرت لهما وجدان بغصة قوية، الإثنين يتحملان أكثر من طاقتهما، بالأخص طوفان
قدره دائمًا عكس ما يتمني، ربما الشئ الوحيد الذي تمناه وناله هو “درة” رغم عنادها الا أنها على يقين أنها مثل طوفان تعشقه وهذا ما غفر لها وتقبلت زواجه منها بحذر فى البداية حتى تاكدت من ذلك… لو ظلت معهما بالغرفة قد تبكي، تحججت قائلة:
أنا مخدتش العلاج هروح أخده وأرجع لكم هاخد معايا الصنية مش هغيب.
اومأ لها الإثنين… خرجت وجدان توقفت على جانب الغرفة تمسح دموعها، مازالت تشعر بألم صدمتها حين علمت بمرض جود وإجهاضها وكيف أخفي طوفان الامر عليها الى أن إستعادت جود وعيها حتي لا تراها بمنظر أسوء مما كانت عليه… الا يكفي أنها عاشت القسوة… جود كانت بعيدة عن قسوة نوح لكونها فتاة، عاشت الدلال بكنف طوفان لا بكنف أبيها… لكن كانت القسوة فى إنتظارها مع أحمق.
****
بداخل الغرفة… إقترب طوفان أكثر من جود التي نظرت له ثم لم تعد تحتمل ما تكبته بصدرها… إنفجرت باكية،
شعر طوفان بهزة أعصار قوي توغل من قلبه يكاد يجعله يُقدم على إقتلاع قلب حاتم من صدره لو طلبت جود ذلك.. ضمها لصدره سريعًا وهي تبكي، وبكاءها يزداد وهي تضم طوفان،تركها تبكي رغم قسوة ما يشعر به،ربما البكاء يكون تنفيس عن مكنون صدرها… حتى شعرت بهدوء وخفت صوت بكائها… ضمها قائلًا:
إحكي لي بالراحة إيه اللى حصل.
رغم وجع قلبها من سردها لما حدث كأنها تعيشه مره ثانية، سردت لـ طوفان ما حدث.
ضمها طوفان بقوة يشعر بغضب قائلًا:
من يوم الصباحية وأنا كنت ملاحظ أفعاله وكنت ساكت مش عاوز أفرض السوء، لكن أنا صبرت عليه كتير وإنتهي صبري، دلوقتي عاوز منك قرار يا جود.
بلا تفكير كان ردها:
الطلاق.
لم ينصدم، جود قدمت تنازلات كثيرة مع حاتم وإن أختارت شيء غير ذلك لن تكون جود الذي رباها أن كبريائها أولًا…
لكن لن يكون ذلك سهلًا ولا بدون ثمن
لكن لـ جود أيضًا مشاعر أخويه، ضمت طوفان قائلة:
مش عاوزه غير أني أطلق يا طوفان، أنا مش مسامحة حاتم بس مش عاوزاك تبقي زيه جاحد متأكدة إن ربنا هيخلص حقي منه، بس مش عاوزه تبقي إنت سبب فى أذية حد حتى لو كان أكتر شخص أذاني، بس إنت لك مكانة تانية عنه، إنت مش هتبقي زيه وتختار الإنتقام… أنا عارفة قلبك أبيض، واللي جواك أنقى من إنك تلوثه بالغضب والانتقام…
إنت سندي، ولما بشوفك بحس بالأمان… بس كمان بخاف عليك من نفسك…
خليني أنا اللي أتحمل الوجع، خليني أختار الطريق اللي يخليني أخرج من الليلة دي بكرامتي، مش بدموع وندم.
نظر لها بعين ممزوجة بالحنان والغضب، لكن كلمتها الأخيرة كانت كأنها برد على جمرة قلبه…
هزّ راسه، قائلًا بصوت مخنوق:
خلاص يا جود، الطلاق هيكون…
بس أوعديني، أوعديني إنك مش هتسبي نفسك لكسرة قلبك… ولا هتخلي أي وجع يحني ضهرك…
أنا معاكي، في وش الدنيا دي كلها.
شدت جود على إيده، قائلة بضعف:
أنا عايزه أبدأ من جديد… بس أكيد أنا مش لوحدي.
مد إيده على وجهها يمسح دموعها، وضمها قائلًا ببث ثقة فيها:
عمرك ما كنتِ لوحدك… من أول ما اتعلمتي الكلام ونطقتي قولتي إسمي ” يا طوفان”، بقيت نَفسك التانية…
وحقك، لو ما جاش على إيدي… هييجي من ربنا اللي عمره ما بيخذل المكسورين.
وساد بينهما صمت دافيء، خالي من الخوف…
صمت طمأنينة إن اللي جاي، مهما كان صعب، في ليست وحيدة.
******
بعد وقت
خرج من غرفة جود سمع صوت سيارة نظر من ذلك الشباك الذي بالممر زفر نفسه بغضب حين رأي دُرة تترجل من السيارة، ظل واقفًا تلاقت عيناه مع عيني درة التي رفعت رأسها رغم ان الضوء خافت لكن رأت تغضُن ملامحه لوهلة إرتجف قلبها لكن أكملت سير وتوجهت الى داخل المنزل، بينما توجه طوفان نحو الغرفة الخاصة بهما… ينتظر دُرة التي دلفت الى الغرفة نظر لتلك الساعة بيده ثم لها قائلًا بإستهجان:
كنتِ فين لحد دلوقتي؟.
لاحظت على ملامحه الغضب، إزدردت ريقها قائلة بهدوء بارد:
كنت عند ماما.
عاد ينظر للساعة بيده قائلًا:
كنتِ عند مامتك للساعة حداشر ونص مش ملاحظة إن الوقت إتأخر ولا كنتِ ناوية تكملي وتباتي هناك.
عادت تبتلع ريقها، هي فعلًا أرادت المبيت بمنزل والدها لكن لم تود إثارة سؤال والدتها فعادت رغمً عنها، ظلت صامته.
زفر طوفان نفسه بغضب قائلًا:
ساكته ليه مش بتردي.
ظلت دُرة واقفة أمامه تنظر له بثبات رغم ارتجاف داخلها، لم ترد، فاقترب منها خطوة وتحدث بنبرة منخفضة مشحونة بالغيظ:
بتتصرفي من دماغك وترجعي وقت ما تحبي… كل ده ليه عشان…
قاطعته بغضب تلمع الدموع بعينيها قائلة:
عشان طردتني من المكتب الضهر ومكنتش ناوية أرجع هنا، بس…
صُدم طوفان من ردها ولم ينتظر بقية حديثها قاطعها بغضب:
بس إيه يا دُرة….
لم يُكمل حديثه حين هطلت دموع دُرة وبمفاجأة بدأت تسعُل بشدة.
هلع قلب طوفان وتبدلت عصبيته الى قلق سريعًا توجه نحو تلك الطاولة وبحث عن البخاخ… توجه نحوها جذبها لأحد المقاعد جلست…:
وسريعًا أمسك بوجهها بين يديه وهو يهمس بقلق:
دُرة، خدي نفس… اهدي شوية، أنا معاكِ.
أخرج البخاخ ورفعه نحو فمها المرتجف، وضعه بحذر وهو يثبت يدها المرتعشة علي البخاخ، ضغط هو بخفه
أطاعته رغم اضطرابها، وحاولت الضغط على البخاخ لكن تركت له ذلك… أخذت شهيقًا متقطعًا وهي تميل برأسها على كتفه دون وعي…. ضمها طوفان إليه بحنان وهو يمسد على ظهرها برفق…
شعرت بنبضه يتسارع مثلها، كأن قلبه يسعل معاها، كأن وجعه أكبر من وجعها…
بضعف حاولت دفعه عنها تبكي تتحدث من بين سُعالها بصوت متقطع تلومه:
إنت طردتني من المستشفى وكمان طردتني من مصنعك… ناقص تطردني من البيت هنا.
ضمها بندم قائلًا:
مستحيل يا درة.
زفر نفسه يتحمل كثيرًا
همس مرة أخرى، لكن هذه المرة نبرة صوته حملت رجاءً:
خليني أساعدك تاخدي شاور.
هدأت قليلًا،هزت رأسها بنفي قائلة بحشرحة صوت:
لاء مش محتاجة شاور، بس هغير هدومي وأنام.
لم يعترض ساعدها على النهوض وتبديل ثيابها، حتى تمددت على الفراش، ظل واقفً جوار الفراش لحظات حتى تحدثت له:
مش هتنام.
أجابها ببساطة هنام.
رسمت بسمه وهو يتوجه للناحية الاخري وتمدد على الفراش نظرت له تود أن يقترب منها ويضمها،لكن منعها كبريائها مازالت تشعر بالإنزعاج منه…بينما طوفان تنازل وإقترب منها يضمها لصدره يشعر بضياع وتشتُتت.
غفت دُرة بينما هو ظل مُستيقظً حتي سطوع شعاع الشمس…تسلل من جوار دُرة و نهض من فوق الفراش،ذهب نحو زجاج الشُرفة،أزاح الستائر قليلًا ونظر للخارج…وذكرى تطوف أمام عيناه
«قبل بضع شهور قبل مقتل حسام بحوالي أسبوعين تقريبًا…
صدفة،أم قدر قاسي يُزيد من جرح قلبه
بأحد مطاعم القاهرة الفخمة
كان يجلس مع روزان وأحد العملاء غداء عمل
أثناء ذلك نظر عبر واجهة زجاج المطعم الى الخارج…لوهلة ثم عاد بنظره،لكن شيئًا ما جذبه ليتلفت مرة أخرى، لم يكن يعلم ما الذي دفعه لذلك، حتى وقعت عيناه عليها…
لكن سُحق قلبه وهو يرا حسام يمد يده لها كي يدخلا سويًا الى داخل المطعم، لم ترفع درة يدها وتجاهلت يده ودخلا معًا
تجمد في مكانه، ولم ينتبه لـلـ الحديث الدائر بين روزان والعميل ، لم يعد يسمع شيئًا سوى دقات قلبه التي خذلته فجأة، دقات متسارعة تندفع من بين ضلوعه … ظن أن الوقت كفيل أن يجعله حتي يتناسي غصبً، لكن رؤيتها أحيت لهيب الجرح… شعر بحرارة تغزو كيانه، تحجج ونهض، ذهبً الى الحمام، وقف لحظات ثم توجه يغسل وجهه ربما تمحو المياة صورة دُرة، لكن عبثً حين فتح عيناه ورفع رأسه تصنم للحظات حين رأي إنعكاس حاتم بالمرآة…تمسك بالهدوء وإستدار
تلاقت عيناهم….كاد طوفان أن يتجاهله لكن حسام كان خبيثً وتعمد الحديث:
مفيش حتى بينا سلام…حتى السلام لله…يا طوفان.
نظر له طوفان صامتً ثم كاد يتحاشي ويغادر لكن وقف متصنمً حين سمع حسام يقول بنبرة
نصر:
على فكرة أنا ودرة حددنا ميعاد زفافنا خلاص خلال شهر بالكتير.
كلمات قليلة لكنها كانت كصرير رياح تكاد تقتلع قلبه… لكن إستقوى طوفان وعاد تلك الخطوات أصبح أمام حسام، تمركزت عيناه بعيناه وتفوه بنبرة ثقة:
متأكد إن الزفاف ده مستحيل هيتم، ومتأكد إن درة هي اللى هتنهي القصة دي كلها.
نظر له حسام بنظرة نصر وثقة قائلًا:
متنساش إن أنا ودُرة مكتوب كتابنا يعني متجوزين رسمي الزفاف مجرد تحصيل حاصل… درة… مراتي.
إبتسم طوفان بسخرية مريرة، لكن ملامحه لم تهتز، رد بنبرة باردة كأنها صفعة:
كتب الكتاب مش حبل غليظ، دي ورقة ممكن تتبدل بسهولة.. ومتأكد درة هتفوق وتعرف حقيقتك… وساعتها… إنت اللى هتفتكر الكلام ده وتتحسر عليه.
اقترب منه خطوة، حتى صار الفارق بينهم شبه منعدم، ثم أكمل بصوت منخفض لكنه يحمل في طياته تهديد خفي:
متأكدة دُرة مشوشة، ومتأكد إن إنت اللى وصلت لها الڤيديو… بس صدقني دُرة فى لحظة هتتراجع وتفهمك على حقيقيتك الإنتهازية يا حسام.
تحدث طوفان بذلك ثم تركه ، ومضى بخطى ثابتة، لكن بقلبه نسمات حامية تحرق داخل صدره.
ظل حسام واقفًا مكانه، يلاحق طوفان بعينيه المشتعلتين… الشرر يتطاير منهما…
قبض على قبضته بقوة، يحاول كبت الغضب، لكنه نطق بين أسنانه بغيظ:
بتحلم يا طوفان مستحيل يحصل اللى بتقوله…
ثم أكمل بتصميم:
درة من نصيبي.
لم ينتظر وعاد مرة أخرى الى تلك الطاولة التي تجلس دُرة خلفها… تبسم قائلًا:
طلبتِ الأكل… معليشي إتأخرت تعرفي شوفت مين هنا فى المطعم.
رفعت رأسها عن ذلك الكُتيب الصغير قائلة بإستفسار:
فعلًا إتأخرت وقولت للجرسون يستني رجوعك، ومين اللى شوفته هنا فى المطعم.
تمركزت عيناه على وجهها ثم تفوه بخباثة:
طوفان… “طوفان مهران”
هنا فى المطعم شوفته قاعد مع بنت واضح بينهم إنسجام.
شعرت دُرة بخفقان فى قلبها كأن الهواء إنسحب من رأتيها… تجمدت ملامحها لثوانٍ، ثم سرعان ما تمالكت نفسها وأغلقت الكُتيب ببطء.
نظرت لحسام نظرة غامضة، لا هي صدمة ولا غضب… نڟرة بلا معني قائلة باندفاع:
يمكن عميلة، وبعدين هو حُر، خلينا نتغدا أو الأفضل نمشي حاسة بصداع.
شعر حسام بالغيظ وندم على إخبار دُرة… لكن حاول تصليح ما أفسده بالخطأ… قائلًا:
أكيد الصداع من الجوع خلينا نتغدا وبعدها هتحسي إنك بقيتي أفضل.
لم تقتاط سوا القليل وطلبت منه المُغادرة… غصبً امتثل حسام يشعر بإنسحاق، لكن لن ينهزم ويترك دُرة، فلقد إقترب الوصول الى هدفه… ربما أخطأ بذكر طوفان، لكن أصاب حين قال أنه يجلس مع امرأة بإنسجام.
نهضت درة وحسام وخرجا من المطعم، توقفت دُرة لحظات أمام باب السيارة، رفعت رأسها لأعلى حقًا، رأت طوفان يجلس مع امرأة لم ترا الشخص الثالث، وهو لم يراها كان يحاول التركيز فى هدف اللقاء وهو العمل، رغم لان روزان زوجته لكن ليس هذا هو سبب اللقاء بل لقاء عمل بحت… زاد من غصة درة هو رؤيتها أخذ طوفان كوب المياة من يد تلك المرأة… صعدت للسيارة تشعر بوخزات تخترق قلبها مثل الإبر الساخنة، تشعل وجعًا لم تعرفه بهذا الشكل من قبل…
بلعت غصتها بصعوبة، ويداها ترتجفان وهي تُغلق باب السيارة، نظرت من الزجاج الجانبي نظرة أخيرة، علها تُكذب عينيها… لكن لا، ما رأته كان واضحًا كالشمس، وضوح ألمه شديد
بداخلها تشعر بشيء انكسر…
صوت داخلي ينهرها:
مش من حقك تزعلِي، كُل واحد بقي فى طريق بعيد… فوقي يا دُرة إنتِ لسه مشاعرك إتجاه طوفان بتتحكم فيكِ، كفاية لازم تاخدي قرار حاسم.
بينما طوفان هو الآخر لن يستطع رؤية دُرة وهي تُغادر مع ذلك الأفاق، نهض مُعتذرًا وغادر ظنًا أنهما مازالا بالمطعم،غادر من إتجاة آخر»
عاد طوفان من تلك الذكرى المريرة يلوم نفسه…
هل كان أعمى لدرجة أنه ظن أن أخلاق حاتم لا تُشبه أخلاق حسام..
هل خدعته ملامح الرجولة الهادئة أم الكلمات المزيفة التي كان حاتم يتقن حبكها، وصمت جود .
نظر أمامه كان هنالك سكون نهاية الليل… رغم ذلك لم يمنحه طمأنينة، بل أشعل في صدره نارًا لم تهدأ….
أطلق زفيرًا طويلًا، وكأنه يطرد شيئًا ثقيلًا يجثم على صدره، لكنه لم ينزاح…
يشعر أنه مع الجميع ينساق نحو إعصار،
يبدوا أن القدر قرر أن يُلقيه دومًا في قلب العاصفة… كي يتذوق مرارة مذاق الخذلان مرة أخرى.
↚
بمنزل كوثر
تهكمت حين رأت دخول سجى تحمل على يدها مِعطفً أبيض وبعض الكُتب، سخرت قائلة:
الدكتورة وصلت بالبالطو الابيض على ايدها.
فهمت سجى نبرة تلقيح والدتها، غص قلبها تعلم أنها
تزن الناس بما يمتلكون من أموال ومُمتلكات، لا تهتم بأخلاقهم ذلك آخر ما تفكر به
تنهدت بقوة ولمعت الدموع بعينيها قائلة:
أيوه هبقي دكتورة يا ماما، وعندى أخلاق والناس كلها هتحترمني، مش عشان الأموال
عشان أنا الدكتورة بنت الموظف اللى بيشتغل فى الجمعية الزراعية… تفتكري وقتها الإحترام هيبقي لمين
ليا ولا…
توقفت تنظر لها، ثم أكملت
ليا ولا لإسم عيلة مهران… عيلة مهران اللى سببت لك هوس الشُهرة والأموال… قدامك الأموال وإسم العيلة
هل نفعت جود
رغم حزني عليها بس قدامك الحقيقة يا ماما
لا إسم العيلة المشهور ولا الأموال جابوا السعادة لـ جود و…ولا حتى قدروا يلموا كسر قلبها.
نظرت إليها سجى بعينين دامعتين، صوتها منخفض لكن موجع:
جود كانت بتضحك دايمًا، بس محدش كان يعرف الوجع اللى في قلبها…
كانت بتضحك قدام الكل، وبتتألم في سكات.
إنتِ طول عمرك شايفة إن الجاه والمظاهر هما اللى بيعملوا قيمة للناس…
بس جود كانت عندها كل ده، ومع ذلك كانت مجابوش لها السعادة
سكتت لحظة، ومسحت دموعها بإيدها المرتجفة، وأكملت:
هتقوليلي إختيارها غلط لانسان مش من مستواها، هقولك قبلها خالتي وجدان كنت صغيرة صحيح بس كنت بشوف الحزن فى عنيها من معاملة جوزها، عكس حنية بابا
بابا اللى متأكدة إنه متحمل العيشه مش عشان إسم ولا شهرة عيلة مهران
لاء عشان أنا وأخواتي البنات، خايف علينا من الضياع…
يمكن بابا موظف بسيط، بس عمره ما باع نفسه، ولا باع ضميره… ودايمًا بيعاملك باحترام
وده في نظري أغنى مليون مرة من كل فلوس مهران….
كمان خالي عزمي وولاده اللى دايمًا مرات خالي بتتباهي إنهم صبيان
الإتنين مفيش واحد فيهم عنده مسؤولية بالعكس دول عندهم تسيُب
صمتت سجي للحظات…لم تستطع كوثر الرد…ساد صوت صمت ربما أقوى من أي الكلام…
سجي لوهله ظنت أن حديثها رغم غلطتة قد يساعد فى إفاقة والدتها من هوس العظمة الذي يُسيطر لكن كانت أمنية واهيه وهي ترا جحود والدتها، وهي تنظر لها بإستهزاء قائلة:
خلصتي المُحاصرة بتاعتك… غوري من وشي.
هزت سجى رأسها بآسف، تخشي على والدتها من ذلك الهوس.
غادرت سجى بينما جلست كوثر على آريكة بالردهة، تشعر بغضب من حديث سجى، كيف لها أن تحدثها بتلك الطريقة المُجحفة..كم هي حمقاء،يعتنق عقلها شعارات والدها الواهية
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
إندفعت سامية خلف عزمي الى الغرفة بغضب عارم، تحدثت بإستهجان:
خرجت من الدار من إمبارح مرجعتش غير دلوق،ولا فى دماغك ولدك فين ولا عامل إيه.
شعر بتأفُف، وأجابها بنزق:
ولدك.. ضحكتيني والله بلهفتك عليه، لهفتك دي اللى ضيعته، ولدك فى الجيش.
شعرت بغضب قائلة:
يعني اللى خدوه إمبارح بتوع الجيش هو مش كان الجيش بتاعه إتأجل.
إستهزأ بها قائلًا:
اللى كان بيأجل له الجيش هو الجامعه ولما بطل يروحها، نسي إنه يروح يقدم أنه على ذمة الجامعه كانت اجلت له الجيش، دلوق
كل اللى أقدر اعمله انه أكلم أي واسطه تتوسط ويجبوه فى أي ثكنة للجيش قريبه من هنا.
شعرت بغضب قائلة:
وليد مش هيتحمل العيشة القاسيه دي، شوف واسطه تخليهم يدوه تأجيل تاني، أو إعفا نهائي.
تهكم بإستهزاء قائلًا بسخريه:
تأجيل، أو إعفا، وعيشة قاسية، هتكون أقسي من الشهور اللى قضاها فى الأحداثية، خليه يتربي يمكن أخلاقه تتحسن شويه.
نظرت له بغضب ساحق، والدموع تكاد تنفجر من عينيها، وهتفت بصوت متحشرج:
تعرف… أنا قلبي حاسس إنك انت اللى يمكن تكون السبب في كل اللي حصل لوليد
من أول ما طلع على ضهر الدنيا، وأنا شايفة فيك السبب… قسوتك، جفائك، عدم وجودك أصلًا… مكنش لاقي راجل يحبه ويحتويه… مكنش لاقي أب… يا عزمي.
ظل عزمي مُتصنمً مكانه للحظة، كأنه تلقى صفعة، لكن سرعان ما ضيق عينيه وقال ببرود:
أنا السبب…
ماشي، خليه على…
بس ما تنسيش إنك انتي اللى كنتِ كل يوم تدلّعيه، وتبعديه عن أي مسؤولية،
كنتِ بتغلفي الغلط وتسمّيه حب وحنان.
وقفت سامية بتحدي، اقتربت منه وتحدثت بصوت خافت لكنه حاد:
كنت بحاول أرمم اللي انت بتكسره.
إستهزأ من ردها قائلًا:
بلاش ترمى اللوم عليا، إنت السبب فى فساد إبنك البكري، لما بشد عليه إنتِ بترخي وتدلعي وهو يفكر شدتي عليه قسوة، لكن هقول إيه ده طبعك دايمًا كل هدفك التفاخر، زي ما بتتفاخري بشرا المجوهرات كده، بتتفاخري إن عندك ولدين صبيان، “أم الصبيان”
وطبعًا الصبيان مش بتحتاج تربية زي المحروسة أمك ما بتقول، “إرمي الولد الشارع يرجعلك راجل”
منطق غلط نسيتِ حتى لو أنا كنت مهمل فى ولادي وقاسي زي ما بتقولى كان سهل تلمي عيالك وتعلميهم الصح من الغلط
وعلى الأمثال اللى امك دايمًا ترميها وهي ماشيه
“الأب بيطفش والأم بتعشش”
بتعشش بالحب والادب والتربية الصح مش بالدلع المرئ والسايب الحبل عالغارب… وكل شئ مباح قدامه.
نظرت له وتهكمت من تلك المواجهه قائلة:
وإنت مش أحسن مني، إنت فين، ورا هفواتك، بلاش تعمل فيها إنك شجاع… إنت كل هدفك السُلطة، بس حتى دي مقدرتش توصل لها، جه طوفان ودمر كل أحلامك إنك تبقي كبير العيلة وصاحب الأمر النافذ… جه طوفان ودمر كل أحلامك إنك تبقي كبير العيلة فى لحظة جبرك تركع إنت وإبنك قدام الخلق العالي والداني.
إتسعت عيناه بذهول من صلافة كلماتها اللاسعة… لم يتوقع منها هذا الهجوم المباغت، ولا أن تُفرغ ما بجعبتها بهذا الكم من الاحتقار في نظرة واحدة.
لوهلة حاول تمالك أعصابه لكنه فشل، صوته خرج غليظًا بمُعايرة قصدًا:
وإنتِ اللى مش حقودية وفي قلبك الغِل،والرياء…كُل هدفك تظهري بصورة بنت الأكابر،عندك عقدة نقص تبقي زي امك اللى أبوكِ فضل عليها واحدة من الخدمات واتجوزها وبقت شأنها بشأن والدتك بنت الأجاويد.
تباينت النظرات بينهم بتلك المواجهه، وبداخل كل منهم معركة وأمنية
تلاقت نظراتهما، اشتعلت معركة صامتة، كل منهما يُكابر، وكل منهما يتمنى
هو… لو أنها فقط أظهرت بعض الاهتمام، والاحتواء، لربما نسي خيباته القديمة، ولأحبها بصدق… ونسي معها أماني الماضي الضائعة.
وهي… لو أنه فقط أفصح عن جزء بسيط مشاعر دفءٍ يسكن صدره، لاحتضنته بقلبٍ عامر، وشيدت معه غدًا بأماني مُستقرة.
لكن بينهما بُنيان شاهق… شيداه بأيديهم، طوبةً طوبة، من صمتٍ وغرور وجحود وكبرياء.
انسحب عزمي في النهاية، وغادر… كأن بقاؤهما لدقائق أخرى كان كفيلًا بأن يُفجّر أحدهما الآخر.
❈-❈-❈
بمنزل الشيخ عرفه
رغم وجع قلبها ربما ليس على خذلانها من مشاعر حاتم، وأنها رسمت بنفسها وهمً ليس له أي أساس، عِدة لقاءات ظنتها كافيه لخوض مصير واحد بينهما، كان الاساس واهيًا وسقط سريعًا من أول هَبة رياح… الوجع الحقيقي والمُضني فى قلبها كان خسارتها لذلك الجنين، رغم كل شئ كانت تريد بقاؤه معها ليس ليكون رابط بينها وبين حاتم بل لأنه كان حلمًا صغيرًا تشكل بداخلها، قطعة من روحها بدأت تنمو في صمت، تمنّت أن تحتضنه، أن تمنحه حبًا لم تنله من والده، أن يُولد ليملأ فراغ الوحدة التي أصبحت تشعر بها….
كانت تشعر أنه فرصتها الوحيدة لتمنح الحياة معنى، أن تثبت لنفسها أنها قادرة على العطاء رغم كل الخذلان…
لكن القدر لم يمهلها، وانتزع منها ذلك الأمل قبل أن يُزهر….
رحل قبل أن تشعر بحركته، قبل أن تُخبره كم كانت تحبه رغم أنه لم يُولد،
رحل وترك في صدرها فراغًا أكبر من كل الخيبات، وألمًا لا يراه أحد،
تركها تشعر بالنُقصان تسير مع الأيام، تُظهر عكس ما يختزله قلبها من ألم… كأن شيئًا لم يحدث، تبتسم حين تُجبر نفسها على ذلك،
لكنها في الخفاء ليلًا كانت تتكوّر على ذاتها، تحتضن ذاتها،والآن بطنها أصبحت خاوية،
تبكي بصمت على جنينها وكأنه رحل بعد عمرٍ معها، لا مجرد أسابيع قليلة.
نظرت لـ حاتم الذي فاق من سطوة الانتقام تفاجئ بمشاعر لم يحسب لها حساب… إعترف أخيرًا رِقة جود فازت على قسوتك، لكن مازال صامتً ينظر لها وجهها شاحب لكن لم تنطفئ رقة وبراءة ملامحها… زفرت نفسها وهي تنهض واقفه تُعيد قولها بنبرة أشد قسوة:
طلبت ليه تقابلني، طوفان وصلك قراري.
إقترب منها وكاد يمسك يدها، لكن عادت للخلف، آنت بألم، للغرابة تلهف عليها حاتم.
رفعت وجهها تنظر ببسمة سخرية وإستهزاء من رد فعله ودت أن تقول له…
-يالك من كاذب..أحقًا ألمي يفرق معك….كاذب لا تتظاهر فلم يعُد هنالك شيء يجمعنا سوى الخيبات، لا تُمثل دور الندم الآن، فقد أهدرتَ فرصتك مرارًا… وألمي… أتعلم ما يؤلمني حقًا أنك كنت تعرف كيف تحطمني، وفعلت، دون أن يرف لك جفن.
سكتت لحظة، تتنفس ثم زفرت بمرارة قبل أن تتحدث بصوت متهكم قائلة:
الكلام إنتهي… لاء الطريق بينا خلص يا حاتم.. من البداية أنا ضليت الطريق مكنش يليق بيا أمشي فى طريق مُخادع مُنتقم على باطل.
تجمدت نظراته على وجهها، كأن كل الكلمات تبعثرت فجأة…
قال بصوت منخفض يحاول الحفاظ على بقايا كبريائه:
جود…
رفعت يدها بوجهه تضع حاجز بينه وبينها قائلة بنهي:
متكملش، كل اللي ممكن تقوله مش هيغير حاجة.
لكنه أصر على الحديث بتبرير:
منكرش إنى كنت ضعيف قدام رغبة فى الإنتقام ، بس أنا مش كذاب.
ضحكت بمرارة وهي تنظر له:
كنت ضعيف… لما يبقى ضعفك على حساب غيرك، يبقى أنانية، مش ضعف..وبتنتقم من مين،مش طوفان هو اللى قتل أخوك،كان قدامك وليد تاخد تارك منه،لكن إنت جبان يا حاتم،طوفان كان أشجع منك وسيطر على عيلة كاملة ضغط على خالي وابنه وغصب عليهم يركعوا قدام بلد كاملة.. وده كان بناء على رغبتك… طوفان لأخر لحظة كان متردد يوافق ومستني مني أرفض، بس أنا كنت غبية، وصدمة الحب الأول بلعتها فى قلبي علقم زي اللى بيقاوح قدام دوامة بحر هايج، للآسف مغرقتش زي ما أنت كنت عاوز، إيد طوفان إتمدت لى وشدتني…
صمتت للحظات ثم أكملت بكبرياء وتحدي: الأيدين اللى دايمًا كانت بتساندي إيدين طوفان اللى كنت بشوف نظراتك له كنت بسأل نفسي ليه بتنظر له بالشكل القاسي ده، عرفت ليه
عشان عقدة نقص عندك، معندكش شخصية تاخد قرار، دايمًا بتستني تصتطاد من أخطاء غيرك… أنا أتأكدت متأخر إنك مش البطل اللي كنت بحلم بيه، إنت بس شخص لابس دور صاحب الحق الضايع…تعرف درة كانت صاحبة إرادة وشخصية فى لحظة رفعت السلاح ومخافتش،لكن إنت جبان لابس قناع الضعف … كان عندي هاجس خايفة إن أخسرك.. دلوقتي عارفة مين أنا، وعارفة مين اللي يستحق قلبي ومين اللي ضيعه…
اقتربت منه خطوة، همست وهي تنظر في عينيه:
انا شوفتك على حقيقتك، إنت متستحقش قلبي… بس الحمدلله، قلبي فاق… ومبقاش ليك.
قالت ذلك
واستدارت تمشي، تسير بكبرياء، كأنها تخرج من شرنقة جرحها وهي شامخة…
ظل خاتم
واقف مُتخشب، أمامه الحقيقة لأول مرة،لك بعد فوات الأوان… هي
لم تعاتب، لم تشرح، لم تطلب شيئًا.
لكن شيئًا في داخلها تغيّر،
تلك النار التي كانت تحترق بصمت، قررت أن تُعلن لهبها في وجهه، عيناه ظلت تنظر نحوها حتى خرجت وأغلقت الباب برفق،
لكن ما أغلقته معه فعليًا كان أعمق…
أغلقت بابًا داخل قلبها،خطت بثبات، بينما ظل واقفًا مكانه، يتنفس عبء خسارته لأول مرة دون أن يجد مبررًا يُخدره.
❈-❈-❈
قبل لحظات
بحديقة المنزل، كانت عيني دُرة تُراقب عصبية طوفان الظاهرة بوضوح، يحاول كبت غضبه كي لا يدخل الى الغرفة، رغم ذلك درة لم تستطيع إخفاء بسمتها،
تنفست بهدوء قائلة:
تعالي إقعد يا طوفان بلاش عصبيتك دي.. العصبيه مُضره ليك.
نظر نحوها بسخط قائلًا بغضب:
أقعد جنبك عالمورجيحة.
ابتسمت وهي تهز تلك الأؤرجوحة قائلة:
أنا كنت بحب المورجيحة دي من وأنا صغيرة كنت باجي الدرس مخصوص عشانها فاكر لما كنت بتزقني عليها.
زفر نفسه بحنق، فهي تحاول إثارة غضبه أكثر، لكن هي العكس تمامً تحاول صرف تفكيره عن من بالداخل… أخرج علبة السجائر وضع إحداها بفمه وكاد يُشعلها بالقداحة لكن دُرة سريعًا تحدثت بتنبيه:
طوفان إنت هدخن قدامي، ناسي مشكلة صدري.
نظر نحوها أطفأ شعلة القداحة، كذالك عاود وضع السيجارة مكانها بالعلبة بغيظ، يقف مُتحفزًا وهو ينظر نحو تلك الغرفة،
دقائق بكل لخظة يخشي على جود من مواجهتها مع ذلك الخسيس، يخشي أن تميل له مرة أخرى وتهدر كبريائها…
لكن كما توقع حين سمع صوت فتح باب الغرفة وطلت جود منه تسير نحو طوفان، سُرعان ما توجه نحوها وصل قبلها قبل أن تُلقي بنفسها عليه كان يضمها بقوة هامسًا:
جود مهران متبكيش على خسيس، وبكلمة منك أنا…
تفوهت رغم لوعة قلبها بنهي:
لاء يا طوفان، كل اللى انا عاوزاه هو الطلاق وأنهي المرحلة دي من حياتي بقى.
ضمها أقوي، ثم نظر نحو الشيخ عرفة الذي نظر له بآسف كان يود ان يهتدي الحال، لكنه القدر.
جذب طوفان جود نحو سيارته، ثم نظر لـ درة قائلًا:
ناوية تكملي بقية اليوم عالمُورجيحة.
نهضت واقفة تقول بتسرع:
لاء الشمس قاسية.
زفر نفسه بحِيرة من تلك المُتسرعة.
صعد الإثنين اللى السيارة كذالك طوفان، غادروا بالسيارة بينما خرج حاتم ينظر الى ذلك الغُبار الذي تركته السيارة خلفها، هو مثل ذلك الغبار يتلاشى، يتبعثر، لا يبقى منه سوى أثر باهت لا يُرى،
وقف ساكنًا، يداه بجانبه، ونظراته مُسمّرة نحو الطريق…
كل خطوة تبتعد بها جود عنه كانت تسحب من روحه بقايا أمل.
همس لنفسه بمرارة:
حتى النهاية ماعرفتش أحتفظ بيها،
ولا حتى واجهت وجعها برجولة.
تقدم خطوتين بسير يشعر كأن الأرض تهتز به بزلزال ترك صدعً بل إنشاق وإنشطار
❈-❈-❈
مساء
بغرفة وجدان
كانت تشعر بتقطُع فى قلبها…أخفت عن الجميع حزنها،لكن بين جدران غرفتها تركت العنان لقلبها وعينيها التى سالت دموعها بغزارة
غصات قوية تفتك بقلبها…
بذلك الوقت سمعت صوت طرق على باب الغرفة… جذبت محرمة ورقيه… جففت دموعها، وسمحت له بالدخول… رفعت رأسها تنظر نحو باب الغرفة…
رسمت بسمة وبعضً من التماسك، لكن سُرعان طغت عاطفتها أمام طوفان الذي دلف الى الغرفة وذهب نحوها، ضمها سريعًا، ربما يحتاج الى حضنها وهو يشعر بالخذلان… والأسي على جود الرقيقة التي تُخفي وجعها أمامهم، لكن يشعر بألمها… ربتت وجدان على ظهره هامسة بأمومة:
هتمُر يا طوفان… جود مش ضعيفة دي من نسل “نوح مهران”
غص قلبه لكن تبسم قائلًا:
جود الصورة التانية من وجدان مهران.
ضمته قائلة:
يبقي بلاش تعذب ضميرك وإعرف إن ده قدر، حاسه بقلبك، بلاش تحمل نفسك اللوم.
قالت ذلك ودفعته عن حضنها قائلة:
ـجود صحيح الضربة قاسية، بس يمكن تفوقها من العالم الرومانسي اللي كانت حابسة نفسها فيه…
أنا مش هسيبها، وهقف جنبها وهقويها، لحد ما ترجع تضحك من قلبها تاني.
نظرت له بعينين بهن حزم وعتاب:
وإنت… بلاش تستسلم لغضبك، وتقسى على مراتك…
هي كمان عندها مشاعر، وحامل… ومتحملة عصبيتك وبعدك عنها…
لو كنت موجوع، هي كمان موجوعة…
روح لها، طبطب على قلبها، قبل ما تكسرها زي ما الزمن كسر جود.
سكتت لحظة، ثم أردفت بصوت أهدى:
الحياة مش دايمًا عادلة، بس إحنا نقدر نكون أحنّ على بعض…
ويمكن دي تبقى البداية… بداية ترميم كل اللي اتكسر.
❈-❈-❈
بعد وقت بغرفة طوفان
دلف وجد درة غافية… تنهد بإرتياح، خلع ثيابه… ظل بسروال فقط، ذهب نحو الفراش لكن توقف للحظة حين سمع صوت ذلك الطائر الذي يُناجي ربه بصوت شجي،يشق سكون الليل…ذهب نحو الشُرفة ازاح الستائر ينظر الى الخارج،ظلام من بعيد،حتى النجوم مُتفرقة وعددها قليل،فالخريف بدأ يزحف،ظل واقفً يود أن يفصل عقله عله يرتاح من عذاب الضمير…لكن فاق من ذلك الشرود حين شعر بيدي درة حول عضديه ثم سندت برأسها على ظهره تتفوه بآسي ودعم:
أنا حاسة بيك يا طوفان.
شعر برأسها على ظهره، ودفء أنفاسها يلامس جلده كأنه ندي رطب يُهدئ جفاف داخله ..
ترك الستائر ببطء، و إستدار يده امتدت تمسك يدها برفق، كأنه يتمسك بالأمان الهارب، عينيه مليئة بصراع داخلي مرير، لكن صوتها الهادئ الخالي من اللوم هدئه:
أنا حاسة بيك يا طوفان… حتى لو مش بتتكلم، عارفة اللي جواك.
عارفة إنك موجوع ومشتت
مش هسيبك تغرق في موجة حزن وصمت.
حاول أن يتكلم، أن يقول أي شيء، لكن كلماته علقت في حلقه،
فقط نظر لها طويلًا، ثم ضمها إليه بقوة، كأنه يتشبث بها من الانهيار.
همس أخيرًا بصوت محشرج يحاول إخفاء حزنه بضلوعه:
إيه اللى صحاكِ.
فهمت أنه مازال يُكابر حتى لا يُظهر حزنه أمامها…
رفعت وجهها إليه، كذالك كف يدها على وجههه قائلة:
مكنتش نايمة هي بس عنيا غفلت، كنت مستنياك وحضرتك أنا آخر إهتمامك… خلى بالك إني حامل وبكره هحكي لابنك كل ده… مش الحجة وجدان بتقول إنى حامل فى ولد، هاخده لصفي عليك وأقوله كان بيزعل ماما.
غصبً تبسم وعانقها بقوة، يشعر ببعض الراحة وجدها وهي بين يديه ، فك عناقه عنها، جذبته من يديه سار معها نحو الفراش… تحدثت له:
بقالك كام يوم مش بتنام وأكيد مُجهد تعالى نام.
وافقها وفعلًا تمدد على الفراش، توجهت الى الناحية الأخري للفراش،تمددت هي الأخرى على الفراش،لكن لم تستطيع النوم،ظلت لدقائق تتقلب يمين ويسار،شعر طوفان بذلك فتحدث بتريقة قائلًا:
من شوية قولت لى أنام عشان أرتاح وعماله تتقلبي وتهزي فى السرير.
تنفست بقوة قائلة:
مش عارفة أنام،مش حاسة براحة
بنام على جانبي اليمين يوجعني،انام على ظهري بطني توجعني،أنام على جانبي الشمال يوجعني.
لم يستطيع إخفاء بسمته التى لاحظتها درة،فصفعته على صدره بخفه قائلة:
بتضحك على إيه،طب عقاب بقي قصاد ضحكك ده هنام هنا.
قالت ذلك ووضعت رأسها فوق صدره يده فوق عُنقه…ضحك قائلًا:
كده حسيتي براحة.
اومأت برأسها تزداد فى ضم نفسها له قائلة بإرتياح:
جدًا جدًا.
تنهد طوفان مُبتسمًا يضمها لصدره،لم تظل وقت وغفت سريعًا بعد حديث قليل بينهم،ربما كان بالنسبة له إزاحة عن صدره بعضً من الهم.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين
صباحً
بأحد فنادق المنيا الفخمة
أزاحت تلك الستائر عن زجاج الشُرفة… نظرت امامها كانت الشمس تملأ الكون بنورها…
منظر الخُضرة المُمتد حول النيل مُريح للغاية… كادت تفتح زجاج الشرفة لكن منعها صوت رنين الهاتف
تركت الستائر وذهبت نحوه جذبته…تنهدت بعمق قبل أن تقوم بالرد:
صباح الخير يا روان،قوليلي إيه أخبارك فى المنيا هترجعي إمتي.
أجابته:
النهاردة هقوم بزيارة خاصة لبيت طوفان،وإن شاء الله راجعه بكره القاهرة.
سألها الآخر:
طوفان مش سهل وأكيد…
قاطعته بحسم:
مش هيقدر ينكر إننا كُنا متجوزين،متنساش كمان معايا نسخة من عقد الجواز العرفي…عاوزة أشوف مراته عن قُرب وأعرف رد فعلها لما تعرف إنه كان متجوز قبلها و…
قاطعها الآخر قائلًا:
ربنا يستر أنا مش قلقان غير من رد فعل طوفان.
أجابته بتصميم:
ميهمنيش إيه هيحصل كل اللى يهمني أرد كرامتي.
❈-❈-❈
ظهرًا
على ذلك الطريق الترابي المؤدي إلى البلدة، كانت دُرة تقود سيارتها بهدوء عائدة الى المنزل، أناملها تقبض على المقود بإحكام، وعيناها تراقبان الطريق الممتد أمامها، تتنفس بهدوء… النسيم الشبه حار يتسلل الى السيارة ، مرت فوق تىك الحفر الصغيرة الممتدة في ذلك الطريق الريفي.
ربما يوم الحظ لذلك المُتربص لها، قام بإتصال هاتفي قائلًا:
شكل يوم الحظ النهاردة
الخراسة اللى دايمًا مرافقة مرات طوفان، إتأخرت فى البنزينه وهي لوحدها عالطريق.
حدثته بنوايا شريرة قائلة بظفر:
فرصتك مش لازم تضيعها… عاوزه أسمع خبر حلو النهاردة.
لمعت عيناه بشرر وظفر فها هو يقترب من سيارة درة،
درة التى نظرت الى مرآة السيارة الجانبية لاحظت سيارة سوداء قديمة تُعطي لها تنبيهًا، تچنبت بسيارته قليلًا كي تسمح له بالمرور من جوارها وها هو يقترب وأصبح بالمقابل لها
أخرج ذلك السلاح من جيبه وفتح صمام الأمان.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
بغرفة وجدان كانت سجى تضع رأسها على صدرها تبكي بألم فى قلبها وهي تشكوا لها بأسها:
هي ليه ماما مش زيك قلبها حنون، المفروض إنكم تربية واحدة، ليه هي قلبها قاسي ودايمًا مفيش حاجه بتعجبها، أنا بعذر بابا إنه دايمًا معظم الوقت بعيد عن الدار، عشان يتجنب الخناق معاها، هو خايف لحظة غضب تسيطر عليه ويطلـ…
توقفت سجى عند تلك الكلمة الفاصلة .. تنهدت وجدان بأسي وآسف، على حال شقيقتها التي كانت أفضل حظً منها حين رزقها الله بزوج عطوف ومُتحمل، لو غيره ما كان أبقي وإختار الإنفصال وماعلى مصلحة بناته،لكن هو أهتم لمصيرهن معها وحدهن،كان هو الصدر الحاني…
تذكرت والدتها كم كانت صاحبة شخصية ضعيفة أمام زوجها، حديثه أمر بلا اي جدال…هي كانت تتضايق من ذلك الضعف الذي جعلهم متمردين،كل منهم بطريقته…
هي تمردت على القسوة وإنتزعتها من قلبها
كوثر تمردت أيضًا لكن سكن الجشع والبطر فى قلبها
كذالك عزمي تمرد لكن بشخصية تميل الى السطوة والسُلطة والتباهي بأنه ذو رأي رغم أنه عكس ذلك،شخص بلا وضوح … بلا عمق، يُردد كلمات لا يُدرك معناها، فقط ليُثبت لنفسه أنه الأفضل، حتى لو على حساب مشاعر غيره.
تنهدت وجدان بإحتواء وهي تُربت على ظهر سجى بحنان، قائله بنبرة هادئة وحنونة:
عارفه يا حبيبتي، مش دايمًا التربية الواحدة تطلع نفس النتيجة، ممكن نعيش تحت سقف واحد وكل واحد فينا يطلع بشخصية مختلفة تمامًا. قلبك حساس، وده مش ضعف، ده قوة، اللي بيحس بيوجع أكتر، بس كمان بيحب أكتر.
رفعت سجى عينيها المغرورقتين بالدموع وقالت بانكسار:
نفسي ماما تحبني أنا وأخواتي، نفسي مره أشوف في عنيها نظرة رضا… حتى وأحنا ناجحين… أحنا دايمًا بنحاول نرضيها،لكن دايمًا فينا نقص مش عاجبينها.
احتضنتها وجدان قائلة بمواساة:
هي أكيد بتحبكم،بس مش بتعرف تعبر، هي تبان قاسية من غير ما تحس…بس أكيد بتحبكم… بس إوعي تخلي أي حاجة تكسرك…أبقي زي إنتِ عاوزه..
سكنت الغرفة فى صمت للحظة، قبل أن تهمس وجدان لنفسها:
وأنا كمان كنت زيك يا سجى… كنت بدور على حب أمي، على كلمة رضا، وللآسف عشت كتير من حياتي بدور عالحب والاحتواء، ربنا رزقني بقلب “طوفان” حنون.
رفعت سجى رأسها وسألت بفضول مكسور:
هو جدو كان قاسي أوي كده.
ابتسمت وجدان بمرارة وصمتت تهمس لنفسها:
كان جبروت… بس ربنا علمني أكون الرحمة اللي هو عمره ما عرفها… علمني أكون اللي محتاجاه، مش اللي اتربيت عليه.
سادت لحظات صمت، كأن الغرفة ضمّت وجعيهما معًا، قبل أن تهمس سجى بخجل:
انا بحبك يا خالتو وكنت أتمنى تكوني مامتي.
ضحكت وجدان وهي تُقبل جبينها:
وأنا أكتر، إنتِ بنت قلبي مش بس بنت أختي.
ساد بينهم حديث رغم وجع قلب وجدان لكن طيبت قلب سجى البرئ كذالك ضمدت جزءًا من وجعها.
بعد قليل
خرجت سجى ووجدان من الغرفة بعدما مسحت كل واحدة دموع الأخرى بصمتٍ دافئ، كأن الصمت أحنّ من أي مواساة.
سارتا معًا في الردهة، خطواتهما متباطئة، وكل اصبح بؤس قلبها أخف قليلًا بعد لحظات صدق واحتواء
لكن ها هي الصدفة…
بنفس الوقت دلف باسل الى المنزل، تبسمت له وجدان بترحيب… كذالك سجى تبسمت له بصمت، لمعت أعين الإثنين بوميض خاص، مشاعر غير معروفة، بسمه تنشق من قلب كليهما للآخر…
تنحنح باسل قائلًا:
دُرة كانت كلمتني من كام يوم إن نفسها رايحة لل؟
وكنت بتكلم مع تاجر فواكهه وسألته ولقيته لها لسه التاجر جايه النهاردة هي فين.
ضحكن وجدان وسجى، وضحت وجدان ذلك قائلة:
أكيد ده بسبب الوحم… درة لسه موصلتش، تعالي نقعد مع بعض هي زمانها على وصول.
ابتسم باسل وجلس معهن ينتظر، حتى صدح هاتف وجدان، نهضت وإستأذنت للخروج للرد على الهاتف… ظل باسل وسجى، ساد الصمت قليلًا حتى تنحنح باسل وسألها:
أخبارك فى الكلية ايه، اللى أعرفه كلية الطب كلية عملية وأكيد مُجهدة، تعرفي أنا كنت جايب مجموع يدخلني كلية الطب، بس أن مكنتش هاوي أبقي دكتور، زي درة.
إتسعت عينيها بذهول سائلة:
وليه مكنتش هاوي تبقى دكتور.
لوهلة شعر بغصة فى قلبه وتذكر والده الذي كان ومازال قدوته، تفوه بذاك:
انا بحب الزراعة والأرض الزراعية وفى رأيي الأرض أغلى كنز، زي بابا وكنت متأثر بيه وعشان كده حبيت أبقي زيه وأدرس زراعة وعندي مشروع فى دماغي بعد ما اتخرج.
لمعت عينيها بإعجاب سائلة:
إيه هو المشروع ده.
شعرت انها تسرعت بفضولها وأخفضت وجهها بحياء فأجابها بنبرة تحدي:
ناوي أستصلح للأراضي الصحراوية القريبة مننا…فى كذا مكان اخدت من الرمل بتاعه عينات واكتشف ان بسهولة ممكن أستصلحها وأخضرها،بدل ما أهي مقالب للمخلافات ومشوهه الطُرق، ممكن تبقي مزارع لفواكه كتير بتحب التربة الرملية ومش بتشرب ماية كتير.
زاد إعجابها وهنالك خفقان بدأ يدُق قلبها… وعينيها تُطلق فى قلبه نسمات هادئة.
انهت وجدان المكالمة وعادت نحو الغرفة لكن توقف على جانب الغرفة تنظر للإثنين،رغم انها تسمع حديثهم البعيد عن المشاعر،لكن نظرت لهما بحالمية وتمنت أمنية أن تتحقق،فتنال سجى تعويضً عن قسوة والدتها،بقلب ذلك الـ باسل العقلاني.
❈-❈-❈
على الطريق
تجنبت درة لتلك السيارة التى أصبحت مجاورة لها، كاد سائق تلك السيارة أن ينال هدفه ويغتال دُرة، بالفعل فتح صمام الأمام للسلاح ورفع يده نحو شباك سيارة درة، لكن سُرعان ما أخفض السلاح
حين سمع زامور سيارة من خلفه، كذالك سيارة أخرى مقابله على نفس الطريق تقترب حتى توقف صاحبها وترجل منها وتوجه نحو سيارة درة…
درة التى تبسمت وهي تُخفض زجاج شباك السيارة، لـ طوفان الذي فتح باب السيارة قائلًا:
إنزلي من العربية وتعالي معايا أوصلك أنا رايح البيت.
كادت تعترض لكن جذبها طوفان برفق قائلًا:
سيبي المفاتيح فى العربية، هخلي عالسواق اللى معايا ياخدها فورًا.
تنهدت بإستسلام وترجلت من السيارة ذهبت معه نحو سيارته، بالفعل ترجل سائق سيارة الحراسه وذهب نحو سيارة دُرة وقادها للأمام لإفساح مكان لمرور سيارة طوفان ودرة
درة التى نظرت نحو طوفان سائلة:
جاي منين دلوقتي… مش عوايدك ترجع للبيت فى الوقت ده.
إبتسم وأجابها:
قررت أغير عوايدي، في عندك مانع.
هزت رأسها ببسمة
بعد قليل دخلا الإثنين الى المنزل ترجل طوفان وإنتظر حتى أقتربت منه درة وأشار بيده لها لتسبقه بالهدوء، بالفعل سبقته، دلف خلفها مُبتسمً إنشرح قلب وجدان لـ بسمة طوفان بعد أيام من عبوس ملامح وجهه، درة هي بسمة طوفان… رحبت بهما قائلة:
من شوية شكرية كانت بتقولى أجهز الغدا قولت لها نستني رجوع درة، وأهو طوفان كام وصل، يلا خلونا نتغدا سوا، حتى باسل أخو درة كان هنا ولما إستغيبها مشي.
ابتسمت درة قائلة:
هو كان اتصل عليا وأنا فى المستشفى وكنت مشغولة مع مريض ومردتش عليه، وكنت هروح عند ماما، بس طوفان قابلني فى السكة وجينا لهنا، شوية وأبقي اتصل عليه.
ابتسمت وجدان قائلة:
ربنا يخليكم لبعض، يلا خلونا ندخل للسفرة شكل شكرية شافت دخولكم وحضرت الغدا وكمان جود نزلت أهي.
إبتسم طوفان لـ جود التى إقتربت منهم وذهبوا جميعًا لغرفة السفرة، عم الصمت قليلًا، ثم قطع الصمت جود حين قالت:
أنا أتصلت على واحدة زميلتي فى الجامعه وقولت لها تبعت لى المحاضرات اللى فاتتني، كمان محاضرات العملي اللى غبتها، الحمد لله مفتنيش كتير.
رغم غصة قلب طوفان لكن تبسم لها يشعر بسعادة من قوة جود التى لن تترك نفسها للإنهزام… نظر نحو وجدان وابتسم، إبتسمت له هي الاخري وتلاقت نظرات أﻋينهم كأنهما يتحدثان بتوافق.
❈-❈-❈
بمصنع خاص بصناعة المواد الكيماوية الزراعية…
دلف ذلك العامل قدم التحية لـ عزمي الجالس على مقعد الإدارة… ثم أعطى له مُغلفًا مُغلق.
نظر عزمي اللى المُغلف سائلًا بإستفسار :
إيه الجواب ده.
أجابه العامل:
ده جواب من وزارة الزراعة.
زفر نفسه بضجر وهو يفتح المُغلف، ثم قرأ تلك الورقة الموجودة بداخله، ثم زفر مره أخري بغضب قائلًا:
ده تحذير من وزارة الزراعة إن المصنع بيسرب مُخلفات كيماوية فى الترعة اللى ورا المصنع، وبيلوث ماية الترعة.
تسائل الموظف قائلًا:
التحذير ده إتكرر أكتر من مرة،حضرتك هتعمل إيه،كده ممكن الوزارة تاخد قرار وتقفل المصنع..حضرتك ممكن تتكلم مع أي مسؤول كبير فى الوزارة.
تنفس بعصبية وغضب قائلًا:
الموظف اللى كان مسؤول بالوزارة طلع معاش و”حسام” لما كان عايش وبيشتغل فى الجمعية الزراعية كان بيشيل عننا المخالفات دي،لكن زيدان جوز أختى ماسك فى راية الشرف ولو إتكلمت معاه مش بعيد بسبب كوثر يضغط عليهم يقفلوا المصنع،أنا هشوف حل،والفترة دي وقف تسريب مخالفات المصنع فى الترعة دي على ما اكلم أخو المدام أهو عضو فى المجلس نستفيد منه بأي خدمة.
❈-❈-❈
ليلًا
إبتسم طوفان حين سمع همهمات دُرة حين إبتعد عنها وتركها بالفراش نظر لها مازالت غافية، جذب مِعطفً حريري خاص بالمنزل وإرتداه،ثم جذب علبة السجائر والقداحة وتسلل الى شُرفة الغرفة.. جذب مقعدًا وجلس يُشعل إحد السجائر، نفث دخانها وهو يتكئ على المقعد ينظر أمامه للظلام البعيد لتلك الأراضي الزراعية الخاصة بهم… نفث الدخان مرة أخرى
« عقله يستعيد قبل ساعات
حين كان يجلس بمكتبه بالمصنع صدح رنين هاتفه، نظر الى شاشة، تبسم وقام بالرد ليسمع:
روزان عندك فى المنيا.
نهض واقفً يود أن يتأكد حين عاود السؤال:
متأكد إنها هنا فى المنيا.
أجابه الآخر بتأكيد:
أيوه متأكد كمان نازلة فى أوتيل.
تنفس طوفان بقوة حين أخبره الآخر بإسم الفندق… أغلق الهاتف، خرج سريعًا من المصنع، دقائق وكان يقف ببهو ذلك الفندق، يسأل عن رقم غرفة روزان، أخبره العامل رقم الجناح الخاص بها، بعد قليل كان أمام الجناح ينتظر أن تفتح له
بينما بالجناج إستعدت روزان وهييئت نفسها، فتحت حقيبتها تأكدت من وجود تلك الورقة البرهان أن طوفان كان زوجها…
تذكرت قبل عِدة شهور
بأحد المطاعم
كان غداء عمل ثلاثي بينها وبين طوفان وعميل آخر…
كان طوفان يتحدث مع العميل بنبرة إحترافية،الى أن رفع وجهه ونظر أمامه لوهله عاد ينظر نحو العميل،لكن سرعان ما عاد ينظر أمامه، تأكد أنه لا يتخيل سُرعان ما ارتسمت بسمة على شفاه ونهض واقفً يعتذر قائلًا:
ثواني وراجع.
رافقت عيناها طوفان الى أن توقف أمام أحد الطاولات
عيناه تسلطت على دُرة الجالسة، وهو يُصافح شاهر الذي سأله:
إنت هنا فى المطعم بتعمل إيه.
مازالت عيناه مُسلطة على درة التى تهربت من النظر له وهي تدعي قراءة كُتيب الطعام،غص قلبه على ملامحها الحزينة،كذالك من تعمدها عدم الإنتباة له،كذالك لاحظ رعشة يدها وهي تُمسك ذلك الكُتيب،تغاضي عن ذلك وأجاب شاهر:
غدا عمل مع عملاء،كان نفسي أقعد معاكم بس لازم أرجع لهم.
ابتسم شاهر،قائلًا:
بالتوفيق.
بينما ظلت درة صامته،حتى انها لم ترفع رأسها تنظر له…عاد طوفان الى الطاولة مرة أخرى ولكن عيناه لم تفارق النظر نحوها…وعقله بالكامل مشغول بـ درة….
أغمض عينيه لثانية كأنه يُعيد ترتيب أفكاره قبل أن يقول بنبرة هادئة:
خلونا نرجع للعرض… في نقطة مهمة في التسعير أحب أوضحها.
بدأ يشرح بثبات، بينما كانت عيناه يختلس النظرة نحوها…
وهي كذالك إن كانت تعمدت عدم النظر له لكنها تشعر أن نظراته لها تُربكها، وهنالك شعور آخر حين رأت تلك الجالسة، شعرت بغِيرة، رغم أن لا شئ يدعي ذلك…
لكن لاحظت روزان نظرات طوفان ولمعة عيناه، كذالك تسرعه أن ينهي اللقاء، تعمدت رفع يدها ولامست يد طوفان الذي سحب يده سريعًا، لكن درة لاحظت ذلك وزاد شعور الغِيرة
حاولت السيطرة على ذلك الشعور،الذي كان من المفترض ألا تشعر به فكل منهما ذهب بطريق،كما أنه هو الذي أضاع حق والدها،رغم مرور شهور على ذلك لكن مازالت تكن البُغض الواهي لـ طوفان،
طوفان الذي كان ينظر لها يتمني لو يذهب نحوها ويجذبها ويذهبان الى أي مكان آخر، ربما بعتابهم يزول ذلك الجفاء بينهما.
لكن مجرد الإقتراب منها الآن عاصفة ستقوم ولن تهدأ
استكمل العمل معهما، لاحظ نهوض درة وخلفها شاهر، ثم غادرا
إنتبه الى العمل، بالتأكيد درة لا تريد رؤيته وهي من طلبت من شاهر المغادرة.
إنتبهت روزان من ذلك الموقف على صوت باب الغرفة نهضت تفتح
بينما زفر طوفان نفسه برتابه رغم أنه
لم ينتظر كثيرًا،وإنفتح الباب…كان يُعطي ظهره ناحية الباب،بمجرد أن سمع صوت فتح الباب استدار نحوها
تسمرت روزان مكانها حين لاحظت نظرة طوفان الباردة،
إبتلعت ريقها بصعوبة وهو تقول أسمه بصوت منخفض ومحشرج:
طوفان!.
نظر لها بإستهزاء خالية من المشاعر دلف الى الغرفة دون مقدمات… تفوه صوته حاد وعاصف:
أيوة طوفان،مش كنت تتصلي عليا عشان حتي أحجزلك فى أوتيل أ فخم من ده، ولا كنت مفكرة إنك هتقدري توصلي لهنا بدون ما أعرف، جاية ليه يا روزان، سبق وقولتلك كل اللى بينا إنتهى ومعتقدش فى حد منا خسران.
لو طلب منها الركوع له ستفعل مقابل أن يعود لها،لكنه تنرفز حين حاولت أن تحتضنه لكنه إبتعد عنها،قائلًا بغضب:
كان بينا إتفاق إننا وقت ما نزهق من بعض ننفصل بهدوء،وإنتِ..
قاطعته وهي تقترب منه بلهفه قائلة بتوسل:
بس انا بحبك يا طوفان،و…
قاطعها بغضب قائلًا:
سبق وقولتلك إن جوازنا كان له أسبابه وإنتهت خلاص.
بدموع عينيها سألته:
وإيه هي الأسباب دي، وإشمعنا إنتهت دلوقتي.
صمت طوفان، بينما عاودت روزان قولها تشعر:
كان السبب مراتك اللى إنت إتجوزتها فى العلن بفرح كبير،كنت بتحبها بس هي فضلت غيرك عليك، أنا كنت محطة مؤقتة فى خياتك تنسي بها، بس مش بالسهولة دي يا طوفان،أنا مش علاقة عابرة او نزوة انا كنت مراتك.
تنرفز طوفان قائلًا:
قولتيها “كنت”وإنتهي،أوعي تفكري إني خايف إن مراتي تعرف إني كنت متجوز قبلها…
قاطعته بغضب وضحكة سخرية:
ولما إنت مش خايف ليه جيت لى هنا…و..
قاطعها بغلظة:
عشان فعلًا خايف على مشاعرها وكمان منظرك لما تعرف ان الجواز كان عرفي مش بس هتنزلي من نظرها صدقينى، هتتأكد إنك كنتِ نزوة رخيصة.
كلماته اصابت فى عقلها بشدة، لكن سرعان ما تماسكت، وردّت بصوت متهدج بين الألم والكرامة:
النزوة الوحيدة اللي حصلت في حياتي… كانت إني صدّقت إنك ممكن تحبني.
صمت طوفان لحظات ثم أجابها:
عمرى ما وهمتك بأي مشاعر كنت واضح معاكِ.
صمتت وهي تجلس على أحد مقاعد الغرفة تنظر له بدموع… بينما لم يتأثر طوفان للحظات قبل أن يقول:
فى عربية تحت هتوصلك للقاهرة، وياريت تقتنعي يا روزان إن علاقتنا انتهت، ولو عاوزة علاقتنا العمليه كمان أنا مش هتردد.
خسرت ووصلت النهاية معه، غصبً إمتثلت ربما أختارت وقت خطأ لتؤجل ذلك، لن تخسر وحدها لكن لا مانع من انتظار فرصة أفضل.
على لسعة عُقب السيجارة ليده عاد من ذلك، ألقي العُقب ونهض بعدما شعر بنسمة هواء باردة، عاد يدخل الى الغرفة.. خلع ثيابه وعاد ينضم الي درة بالفراش، ضمها، إبتسم حين تفوهت وهي ناعسه:
ريحتك سجاير فاقعه.
ضمها أكثر
وهو وقتها كان داخليًا يشعر مهزوم فى معركة لم يختارها كان يائسًا بائسًا،
❈-❈-❈
بعد ﻤرور أسبوعين
بمنزل والد حاتم
ذُهل والديه حين أخبرهما:
أنا أتنقلت من الخدمة هنا.
سأله والده:
إتنقلت لفين.
أجابه:
مرسي مطروح.
سريعًا تفوهت والدته بقين وإستهجان:
أكيد طوفان هو السبب هو اللى يقدر يعمل كده.
صمت حاتم يشعر بضياع بينما تحدث والده قائلًا:
كان لازم تتوقع طوفان…مش هيعدي كسرتك لقلب جود بالساهل…
طبعًا، ياما حذرتك وقولت لك فى إيدك نسمة رقيقة ضمها في قلبك … لكن مشيت ورا غباء دماغك وضيعت كل حاجة بإيدك.
نظر له حاتم بعيون تائهة، أصبحت الحقيقة واضحة تضرب كيانه… قلبه يصرخ بينما لسانه عاجز… بينما عاودت بدريه الحديث بإستهجان وذم:
هو طوفان اللى دايمًا كده بيستقوي بـ سلطته وقوته و علاقاته….
قاطعها والد حاتم بحدة تخفي خلفها مرارة:
طوفان… طوفان… كل ما يحصل حاجة تقولي طوفان، طوفان يمكن مش ملاك، بس على الأقل راجل… وقف جنب جود وقت ما أنتِ ابنك إفترتوا عليها بأفعالكم الخبيثة…إبنك إختار ينتقم عشان يثبت إنه راجل…الرجولةمش فى الانتقام يا حاتم… الرجولة أحتواء مش جحود وأنانية وإنتقام من بريئه للآسف حبتك وإستحملتك للآخر وإنت كنت قاسي،دلوقتي دوق من نفس الكاس ولسه.
ضغط حاتم على قبضته، يشعر بوجع قهر وإعترف بمرارة :
بس أنا حبتها… والله بحبها…وحاولت أقنعها نبدأ من جديد رفضت.
تهكم والده بضحكة سخريه موجوعة قائلًا:
تقنعها بإيه… وبعد إيه
الحب لوحده مش كفاية… النسمة اللى كانت فى إيدك اتحولت دلوقتي عاصفة زلزلت كيانك وللآسف كُل شئ إنهار وبدأ الحساب.
رفع حاتم راسه وسأل بصوت مبحوح:
انا مش زعلان إني إتنقلت لأن شغلي متعود على الخدمة فى أي مكان بس الفترة دي بالذات كنت محتاج أبقي هنا،عندى أمل أسترد جود من تاني.
كا. والده أن يصدمه بأنه خسرها،لكن تحدث بتحفيز له:
لو قلبها لسه بيدق ليك، يمكن… بس إنسى إنها هتسامح بسهولة، إنت كسرت حاجة جواها، ولما الست تتكسر من جواها، بتقوم بس بشكل تاني، بشكل ما تعرفوش.
للآسف أيقن حاتم فداحة خسارته والآن يخشي ابتعاده عن هنا.
❈-❈-❈
ليلًا
بمنزل طوفان
كل ليلة تنزوي على حالها، رغم محاولات والدتها وطوفان في انتشالها من حزنها، في جرها للحياة مجددًا، لكن هل النسيان سهل
هل يُمكن محو أول دقة قلب خفق بها صدرها لأجل رجلٍ تبين أنه مجرد وهم
كيف تنسى جنينًا نبض يومًا بداخلها، تشكل من لحمها ودمها، ثم اختفى فجأة، وكأن شيئًا لم يكن
لم يكن مجرد حُبٍّ، بل كانت حياةً بدأت ثم انتُزعت منها بالقوة…
صوت ضحكته ما زال عالقًا في أذنها، وصورة ذاك السونار ما زالت محفورة في عينها، وكل ليلة… كانت تتساءل:
هل الألم يُنسى فعلًا، أم فقط يتعلّم الإنسان كيف يختبئ خلف ابتسامة…
لكن بقلبها بعضً من اليأس تنظر حولها بالغرفة
ها هي تعود وتتأقلم مرة أخرى بين جدران غرفتها التي شهدت على أحلامها الوردية، أحلامًا وُلدت في ربيع قلبها لكن قُتلت في خريف الخيبة…
كل زاوية تحمل ذكرى تهمس لها بما كانت تحلم به، وكل ركن يُعيد بث مشاهد الفرح الذي لم يكتمل….
كانت غرفتها هي عالمها مساحتها الخاصة للحلم والطمأنينة، لكنها الآن تشعر بأنها قفص… يحتضنها كل مساء كي تُصارع وحدها طيف ايام إبتعدت فيها عن تلك الغرفة….
عاشت خداعً …كانت مُفرطة في العطاء، حلمت وتمنت أن تكون زهرة ربيع لكن فاقت وعلمت أن
الخريف لا يُنبت وردًا، … واليوم ها هي أمام مرآتها، لا ترى إلا فتاة أرهقها والخذلان.
نهضت فجأة من فوق فراشها، تنفض ذلك الشعور بالهزيمة، بإصرار… هي لا يليق بها أن تستسلم
لن تعيش منزوية
جذبت كراسة رسم وفرشاة وضعتها وجلست خلفها، فى البداية كانت يديها ترتعش وسقطت الفرشاة من يدها وصورة الورقة البيضاء أمامها
…تشعرها بالعجز… وكأنها مرآة أخرى، تُعيد لها صورة الفراغ في روحها.
حدقت طويلًا في تلك الورقة، تتنفس ببطء، تستجمع شتاتها… جذبت الفرشاة وتمسكت بها بقوة بدأت ترسم خطوط مُبهمه كأن يديها أنفصلت عن جسدها بلا وعي ترسم، رغم جفاف دموعها، لكن توقفت عن الرسم تنظر الى اللوحه التى رسمتها
كأنها رسمت نفسها أمامها صورة
امرأة تبكي حلمً ضاع منها بمهده… وبقايا أزهار الخريف حولها… لكن هنالك زهرة فى مكان بعيد تختبئ أسفل أحد الأغصان كأنه يحميها من الرياح… تبسمت غصبً، فا هو جود تعود ولن تنهزم وتنحني للخريف يُسقط أوراقها.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة شهور
رغم شعورها ببعض الألم لكن صرفت عن نفسها ذلك بإستسلامها للنوم
بينما قبل قليل عاد طوفان الى المنزل، صعد الى الغرفة تبسم حين وجد دُرة غافيه… ذهب نحو الفراش يُشاغبها بقبلاته على وجهها، تنفست درة وفتحت عينيها قائلة:
ريحتك سجاير.
ضحك قائلًا:
إنتِ حاسة الشم عندك وقفت عند ريحة السجاير.
تملمت فى الفراش، لوهلة شعرت بألم ثم زال، لم تُظهر ذلك، بينما طوفان تمدد لجوارها يضمها، وضعت يدها على صدره قائلة:
إنت هتنام بهدومك.
ضحك وهو يغمز بعينيه قائلًا بإيحاء:
إنتِ عاوزة إيه بالظبط
تثائبت قائلة:
أنا مفيش فيا حيل للى فى دماغك.
ضحك بغمز قائلًا:
وإنت عارفه إيه فى دماغي.
هزت رأسها فضحك، وهو يُقبلها.. يضمها له وهي تعود للغفيان مرة أخرى بين أحضانه
لكن فتحت عينيها بعد وقت قليل تشعر بألم طفيف… يصحبه حرارة فى جسدها… تسللت من جوار طوفان تسير بخطوات بطيئه حتى دخلت الى الحمام
وقفت لحظات قبل أن تحسم قرارها وفتحت الصنبور ملأت حوض الإستحمام بمياة دافئه، بصعوبه …خلعت ملابسها وجلست في الحوض ببطء، أغمضت عينيها تحاول تهدئة ذاك الألم المجهول الذي يتسلل عبر جسدها كتيار خفي…
لم تكن تعلم إن كان ما يؤلمها ليست حرارة جسدها بل ألم آخر إشتد فجأة، جعلها صرخت
من ذلك الالم
بالغرفة تململ طوفان شعر بخواء بين يديه نظر جواره لم يجد دُرة قبل ان ينطق إسمها سمع صرختها الآتيه من الحمام، ذهب مُسرعً نحو الحمام، وجدها بالحوض تتألم وجهها متعرق لا يعلم ان كان من سخونة المياة أم من سبب آخر… صرخت مره اخري تستنجد به قائلة بألم:
طوفان إلحقني أنا بولد.
وقف مُتصنمً لحظات قبل ان يقول بذهول:
هتولدي فى البانيو.
↚
صحوت فجأة من النوم، تشعر بانقباضة فى قلبها، بعدما رأت طيف دُرة كأنها تستغيث بها… كانت الغرفة مظلمة، نهضت من فوق الفراش واتجهت نحو زر الإضاءة… أضاءت الغرفة، ثم جذبت هاتفها بتوتر، نظرت إلى الساعة… كانت بعد منتصف الليل بوقت… شعرت بضيق مفاجئ، كأن شيئًا جاثمًا على صدرها… شيء من ناحيّة درة كأن بينهما رابط غير مرئي، ما زال نابضًا … خفق قلبها سريعًا، وارتعشت يدها حين صدح رنين الهاتف فجأة، لتزيد خفقاتها وتتلاعب الظنون السيئة برأسها… ضغطت على زر الإجابة بلا وعي، وقبل أن تسمع أي كلمة، قالت بتسرّع:
مسافة السكة وهكون عندك… إنت بس حاول تهديها، صوتها واصل لعندي.
أغلقت الهاتف بسرعة، وبدّلت ثيابها، ثم خرجت من غرفتها متجهة إلى غرفة باسل أشعلت الضوء واقتربت من فراشه، أيقظته بهدوء حتى فتح عينيه يتساءل بنعاس:
خير يا ماما… هي الساعة كام.
ردت بصوت قلِق:
الوقت متأخر يا باسل… طوفان اتصل عليّا من شوية، بيقول إن دُرة يمكن تولد الليلة… معلش، قوم وصلني لدار طوفان.
أزاح باسل الدثار الخفيف ونهض سريعًا دون انتظار.
❈-❈-❈
قبل دقائق
بمنزل طوفان
نظر طوفان لـ درة بذهول مُتصنمً للحظات قبل ان يفوق عل صرخة أخري من درة وهي تبكي قائلة:
إنت واقف تبص لى وأنا عريانه فى البانيو، إلحقني، إتصل على ماما خليها تجي، أنا عاوزة ماما.
“شر البلية ما يُضحك”
هذا ما حدث مع طوفان… طلب درة لمجئ والدتها بتلك الصيغة الطفولية أجبره أن يضحك مما أغاظ درة التى بدلت صرختها ببوادر بكاء وهي
تضعط على أسنانها بقوة تحاول مقاومة ذلك الألم، رأف بها طوفان بقلق وجذب مئزر قطني وذهب نحوها ساعدها أن تنهض من المياة ثم وضع المئزر حول جسدها، وإنحني كي يحملها لكن رغم ذلك الألم إعترضت درة قائلة:
لاء متشلنيش أنا تقيلة ضهرك هيوجعك… أسندني بس.
ابتسم طوفان ولم يُبالي بإعتراضها حملها وضعها فوق الفراش وجذب هاتفه قائلًا:
هكلم الدكتورة…
إعترضت درة بوجع قائلة:
لاء، كلم ماما.
غصبً إمتثل طوفان وقام بالاتصال على كريمان، أثناء حديثه معها علم ان درة تعمدت التأوه بألم كي تُثير قلق والدتها،لتأتي سريعًا هي حقًا تتألم بوضوح، أنهي الاتصال زاد القلق قائلًا:
فين موبايلك، خلينا نكلم الدكتورة.
قبل أن تعترض درة شعرت بألم أقوى، بنفس الوقت سمعوا طرقً على باب الغرفة، فتح طوفان الباب، دلفت كل من وجدان وجود وخلفهن شكرية، إقترب الثلاث من درة، شعرت وجدان بالتوتر قائلة:
دي شكلها بتولد بسرعة ياطوفان خلينا نوديها المستشفى.
رغم الالم لكن أصرت درة بدموع:
أنا عاوزة ماما.
تحدثت وجدان:
هنتصل عليها تقابلنا فى المستشفى.
رفضت درة تتحمل الوجع الى أن دلفت كريمان الى الغرفة بلهفة وقلق تقول:
درة.
نظرت لها درة بألم قائلة:
ماما انا تعبانه اوي.
رغم قلقها حاولت كريمان أن تبدو متماسكة، اقتربت منها بسرعة وجلست إلى جوارها على الفراش، أمسكت بكفها المرتجف وهمست بحنان:
حاولى تهدي وخدي نفس بالراحة… مش قايله لك على شوية حاجات تعمليها لما تحسي بوجع ولا إنتِ دايمًا كده مبتفهميش مش عارفة دخلتي طب عيون إزاي
رغم إستهجان كريمان لكن درة بحالة لا تستطيع الجدال فعلت مثلما قالت لها كريمان،لم يزول الوجع…وعادت تتألم…وقفت كريمان قائلة:
أنا كنت خدت كورس فى التوليد وقت ما كنت بشتغل فى المستشفى،يلا يا طوفان باسل أخرجوا بره وبلاش زحمه فى الأوضة أنا والحجة وجدان وجود والست شكريه هتساعدني.
بالفعل خرج طوفان وباسل
حاولت كريمان التعامل بحذر مع درة، تُخبّئ قلقها خلف توجيهات هادئة وهمسات حنونة، بينما كانت عيناها تراقبان وجه ابنتها الشاحب بقلق، شعرت براحة قليله حين
صدح صوت بكاء الصغير… حملته كريمان بذراعين مرتجفتين، ثم نظرت إلى درة التي شبة غابت عن الوعي إلا من بقايا أنفاس ضعيفة لا تزال تتشبث بالقوة الواهية…
اعطت كريمان الطفل إلى وجدان التي انخلع قلبها لرؤية درة بهذا الحال، ضمّت الطفل إلى صدرها كأنها وجدت كنزًا، بينما كاريمان مازال قلبها قلقًا على درة ونفسها الذي ربما عاد قليلًا أفضل عن قبل أثناء الولادة، تنهدت براحة…
بعد قليل جائت الطبيبة بعد ان إتصل عليها طوفان لزيادة الاطمئنان على درة…
خرجت الطبيبة من الغرفة تنظر الى طوفان قائلة:
الحمد لله حالة درة كويسه والبيبي كمان، هكتب لها على شوية محاليل، كمان الولد يروح بكره يعمل الفحوصات دي، كشف روتيني مش أكتر لزيادة الاطمئنان،ومرة تانيه حمدالله على سلامة المدام.
أخذ طوفان الورقة من يد الطبيبة وأعطاها لـ باسل الذي قال:
خليك إنت هنا وأنا هروح أجيب الأدوية من الصيدلية،قربنا عالفجر ومش هتلاقي صيدلية فى البلد فاتحه هروح أجيبه من البندر.
اعطاه طوفان ورقة العلاج بود مُبتسمً يقول:
أعمل إيه أختك غاوية سهر،حتى فى ولادتها تولد آخر الليل.
ضحك باسل وأخذ الورقة قائلًا:
معليش ده قدرك وإنت اللى أختارت.
ضحكات متبادلة،خففت من التوتر السائد.
بعد قليل حمل طوفان صغيره مُبتسمً بشعور لا يوصف، نبته صغيرة من درة التى عشقها وتمناها دائمًا حتى بأصعب أوقات الفُراق بينهما كان هنالك أملًا دائمًا يخبره أنها لن تكون لغيره حتى لو أضطر لخطفها وإرغامها على إنهاء عقد قرانها من حسام،وكاد يفعل ذلك لولا حادثة مقتل والدها وحسام التي بدلت القدر بشكل آخر…قبل أن تتوغل الذكريات السيئة نفضها همهمات ذلك الصغير،كأنه يقول،لا داعي للذكريات القديمة،أنا المستقبل.
❈-❈-❈
بعد وقت قليل بغرفة جود
رغم شعورها بالإرهاق بسبب السهر، إلا أن بداخلها مشاعر أخرى تُسيطر عليها، لكنها استطاعت كبتها كي لا تُفسد فرحة والدتها وطوفان بذلك الصغير…
وجعٌ ينهش قلبها، ظنت أنه تلاشى مع مرور الوقت، لكنّه عاد يتسلل بين أنفاسها مع بكاء ذاك الصغير …
وجع فقدان جنينها، ذاك الذي لم يُكتب له أن يكتمل، ولم يتمسك بالحياة بداخلها كما تمنت..
كم تمنت لو احتضنته كما تحتضن وجدان الآن هذا الملاك، لو سُمح له بالبقاء، لو قاوم الرحيل….لكن لم يُكتب له البقاء…
رحل في صمت، دون بكاء، دون أن تُمهلها الحياة لحظة واحدة لِتلمس دفء نبضه، أو تسمع صرخته الأولى…
رغم مرور الوقت، ظنّت أنها تجاوزت ذلك الألم، دفنته مع الدموع المكبوتة فوق وسادتها، لكنها الآن تشعر أن شيئًا ما بداخلها قد تمزق من جديد…
لحظات تمر امام عينها ووالدتها تحمل ذلك الطفل بعيون تُشع فرحً، وطوفان الذي حمل طفله قبل أن تحمله درة، يبتسم، يهمس للرضيع بكلمات لا تسمعها،
تساءلت في صمت موجع:
هل لو ظل كانت إختلفت مشاعري الآن…
شعرت بوخزة خفيفة أسفل بطنها، لم تكن وجعًا جسديًا…
بل ذاكرة تعود بجسدها إليها، تذكرها بالفراغ،
بالوحدة التي شعرت بها وقتها ح
تنهدت،
ثم همست لنفسها:
مش وقته… مش وقته أضعف، لازم أفرح لهم… ولو من بعيد.
لكن قلبها، رغم كتمانه، كان يصرخ في صمت:
ابني… كان من حقي أعيّش فرحتي بيك… بس انت ما استنيتنيش…
اعتدلت في جلستها حين سمعت صوت طرق على باب الغرفة، مسحت دمعة خائنة قبل أن تراها وجدان التي دلفت الى الغرفة،داخلها تتناقض المشاعر
بين فرح من أجل طفل طوفان،وحزن وبؤس من كسرة قلب جود التي مازال قلبها يئن ليس من خسارتها لـجنينها ربما دفنت ذلك الحزن فى قلبها وباتت تبتسم،لكن لحظة كفيلة بعودة نفس الشعور بل وأقسي.
ارتسمت بسمة مغصوصة على وجة جود وبصوت شبة محشرج:
ماما انا قولت هتروحي تنامي،إنتِ مش متعودة عالسهر،والليلة كانت طويلة.
بغصة قلب إقتربت وجدان من الفراش وهي تتثائب قائلة:
فعلًا كانت طويلة،ومُرهقة الحمد لله عدت علة خير.
إبتسمت جود رغم وجع قلبها بنية صافية قائلة:
شرف إبن طوفان،ربنا يبارك له فيه.
-آمين
قالتها وجدان وهي تتمدد على الفراش قائلة:
هنام هنا جنبك مش هقدر أقوم او اتحرك من مكاني.
ضحكت جود،وتمددت جوار وجدان التي جذبتها على صدرها بلا حديث …شعرت جود بدفء حضن والدتها، وكأن قلبها المكسور وجد الضماد… لم تتكلم، فقط أغمضت عينيها وهي تستمع إلى دقات قلب وجدان، تسترجع معها لحظات الطفولة، حين كانت تنام هاربة من الأحزان الصغيرة، غير أن وجع الليلة مختلف… وجع لا يليق بطفلة، ولا حتى بامرأة.
ربتت وجدان على كتفها، ولم ترد، فقط شدّتها أكثر، كأنها تحاول لملمة بقايا جود الهشة بصدرها الصامد… وفي الصمت، كانت الطمأنينة الوحيدة هي حضن لأم، وراحة يعرفها القلب حتى وهو موجوع.
❈-❈-❈
بـ مرسي مطروح
رغم إرهاق العمل بهذه المنطقة، لكن أصبحت لياليه جافة، بل قاحلة، مثل هذا المكان البعيد… يشعر بخواء يمتد بداخله كصحراء لا يمر بها أحد، لا صوت فيها سوى صوت أنفاسه المجهدة، ولا ضوء سوى عينيه المرهقتين… كل شيء أصبح رتيبًا بلا روح… الروتين ينهش أيامه، والوحدة تطرق على قلبه بقسوة كل مساء… حتى النجوم، كانت هناك، بعيدة كعادتها، ، لا طمأنينة ولا حتى وعدًا بغدٍ مختلف… هذا المكان لا يستهلك جسده فقط، بل يسحب من روحه شيئًا فشيئًا… يعلّقه بين سماء عالية لا يسمعها، وأرضٍ جرداء لا تحتضنه.. يعلم أن المكان ليس السبب فى هذا الشعور،فهو سبق وقام بالعمل فى أماكن أشد قسوة،لكن كان خالي الفِكر والقلب…الآن
الإثتين يسيطران عليه وتنهيدة خرحت من صدره أعقبها لسانه حين نطق بإشتياق:
جود .
والجواب مفقود… هي أصبحت بعيده ليس آلاف الاميال،
بل بمسافة وجعٍ لا تُقاس… أصبحت بعيدة كأنها من زمنٍ آخر،المسافات ليست ما يفصله عنها، بل الفقد، والندم.
همس باسمها مره أخرى … كأن نُطق اسمها يجعله يشعر براحتُه الوحيدة، لكن الصدى وحده رد عليه، بارداً، مثل جدران وحدته.
جود…جود… جود
كررها، هذه المرة أغمض عينيه، يحاول استحضار ملامحها، صوتها، دفء نظراتها حين كانت تناديه باسمه وكأنها تُعيد الحياة إلى صدره…. هو لا يفتقدها فقط، بل يشعر أن روحه عالقة معها، حيثما كانت…
لم يكن خالي القلب كما ظن، بل كان محمّلًا بها، بحكايتها معه التى لم تنتهي بألم فراقها،
كل شيء مضى أصبح يُكفّر عنه… بعذاب الفقد، تمنى لو كان ذلك الجنين التى كان برحم جود ظل مُتمسكًا بالحياة، ربما كان جعل الطريق بينهما ممهد للعودة،
لكنه رحل…ليت ذلك لم يحدث ربما كان أصبح رابط بينهما،ربما كان الآن أداة وصل…لكن الآن للأسف، كل ما تبقى له ليل قاحل، ونفسٌ ثقيل لا يواسيه فيه أحد.
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي
بدأت درة تستعيد وعيها، بعد غفوة إرهاق بعدما وضعت صغيرها التى لم تراه سوا لوهلة قبل ان تغيب عن الادراك بسبب إرهاق الولادة
ملامحها قد عادت قليلًا…تبسمت حين ونظرت نحو والدتها التى تجلس جوارها تحمل صغيرها…شعور لا مثيل له مُطلقً ولا وصف غير أن تلك القطعة الصغيرة حياة جديدة لها…ابتسمت كريمان قائلة بمرح:
أخيرًا صحيتي أنا قولت هتواصلي نوم للضهر…أومال لو كنت والدة قيصري بقي مكنتيش صحيتي.
ضحكت دُرة بخفوت، وراحت تمرر يدها برقة على رأس صغيرها، ثم تمتمت بعينين نصف مغمضتين:
معرفش ليه حاسة إني في حلم… بس كل حاجة فيه وجع وجمال مع بعض.
ردت كريمان وهي تُعدل من وضع الطفل كي تعطيه لـ درة،لكن درة خافت ان تحمله بين يديها … فيتأذي…
كلما خاولت حمله فشلت… تعصبت كريمان قائلة:
اعدلي إيدك وخدي إبنك شليه، إيه دي كمان صعبه عليكِ.
بتردد من درة فعلت مثلما قالت كريمان وحملت صغيرها بحذر شديد، تهكمت عليها كريمان حين قالت:
ده حجمه صغير أوي يا ماما.
تهكمت كريمان قائلة:
السبب سوء التغذية طبعًا مكنتيش بتاكلي كويس،عالعموم بكره حجمه يكبر.
تبسمت درة وهي تنظر لصغيرها قائله:
حاسه بشعور مش…
قاطعتها كريمان قائلة
ده شعور الأمومة يا ستي… وجع لذيذ، ومشاعر مالهاش اسم… بس على فكرة، أول يومين دول أسهل، استني بقى لما السهر يبتدي رسمي.
قهقهت دُرة رغم تعبها، وقالت:
يعني هنام واقفة زي الخيل.
أجابت كريمان بخبث:
ده لو عرفتي تنامي أصلًا.
نظرت دُرة إلى صغيرها وكأنها تكتشفه لأول مرة، ثم قالت بهمس:
هو شبهي… مش كده؟
رفعت كريمان حاجبيها بدهشة، ثم نظرت للصغير جيدًا قائلة بتأكيد:
لاء كله باباه طوفان، نسخة منه.
نظرت درة بتمعن لصغيرها دون اقتناع قائلة:
لاء… ده أحلى من طوفان بكتير.
على تلك الجملة دلف طوفان بعد أن طرق على باب الغرفة ودخل بعدما سمع سماح كريمان له بالدخول، ضحك من قول درة اقترب من الفراش وجلس جوار درة، وضع قبله على جبين صغيره… مُبتسمً لـ درة قائلًا:
حمدالله على سلامتك يا أم “نوح”
لوهلة ظن انها قد تعترض على اسم صغيرهما، فهي ووالده لم يكُن بينهما ودًا… لكن تبسمت درة بسمة موافقة، إنشرح قلب طوفان لها…
لحظات مرت بمشاغبة طوفان وكريمان عن ملامح الصغير… وإعتراض من درة.. حتى
دلف باسل يحمل بيده كيس ورقي مُبتسمً يقول:
جبتلك الـ “دوم” اللى كنت بتتوحمي عليه …. وجيت أشوف وحمة الدومة طلعت فين فى جسم “أبو دومة” إبنك
زجرت له دُرة بغضب قائلة:
متقولش كده على إبني حبيبي… وخلاص مبقاش ليا نفس ليه.
ضحك باسل كذالك ضحكت كريمان بسخط قائلة بأستهزاء:
إبني حبيبي… إبنك اللى مش عارفه تشليه إزاي.
نظرت لها دُرة بغيظ مُبررة:
هو اللى حجمه صغير أشيله إزاي ده.
ضحك طوفان أيضًا حين نظر باسل الى الصغير قائلًا:
الولد شبه طوفان… بس فين وحمة” الدومة”
دا انا اتسحلت على ما عرفت أجيبهالك وإنتِ حامل،وأهو النهاردة لقيت التاجر اللى كنت جبتها منه قبل كده اتصل عليا وروحت جبتلك كذا واحدة.
ضحك طوفان كذالك كريمان التى تهكمت على درة قائلة:
عشان كده دايمًا كانت تقول سناني بتوجعني طبعًا من أكل الدوم… تصدق لايق عليها تقول لها
يا” أم دومة”.
ضحك باسل قائلًا:
والله التاجر لما اتصل عليا كنت هقول له دى ولدت بس خوفت تطلع الوحمة في وشه أو يطلع شبهها.
ضحك الجميع
بينما إعترضت درة قائلة:
مفيش وحمة، وبعدين الولد فى شبه كتير مني.
نظر باسل للطفل بتمعُن كذالك لـ درة مُعترضًا يضحك يؤكد:
هو بس شعرك.
زفرت دُرة قائلة باعتراض:
غلطان وبكره ملامحه هتظهر أكتر ويوضح هو شبه مين بالظبط.
تنفس طوفان بقوة نظر نحو درة ، رفعت درة وجهها تلاقت نظراتهما معًا … كأن الزمن توقف للحظة…ثم نظرا الى الصغير الذي يعبث بيده الصغيرة في الهواء،يُمهم بصوت ضعيف لكن صداه فى قلبيهما قويًا فهو الرابط المتين بينهما
❈-❈-❈
بعد مرور اسبوع
ضج البيت بالحياة من أول النهار…
مظاهر سبوع الحفيد كانت طاغية، بين النساء واستقبال وجدان لهن وتلقي المباركات والأماني السعيدة للصغير منها برياء ومنها ما صدق مشاعره، ومنهم غير مهتم سوا لأخذ الأشياء العينية….
❈-❈-❈
باليوم التالي
منزل عزمي
على طاولة الفطور
كانت سامية تشعر بسعادة من مشاركة وليد لهما للفطور تفوهت بنزق وهي تنظر الى عزمي قائلة:
الناس فى البلد ملهاش سيرة غير سبوع إبن طوفان كأنه كان سبع السبوع…مظاهر فارغة.
نظر لها عزمي بسخط قائلًا:
ولما هي فى نظرك مظاهر فارغة ليه مضايقه منها.
نظرت له بغضب قائلة:
مين قالك انى مضايقة، دي مظاهر عاديه، ده اقل سبوع فى عيلتي بيقعد البلد تتحاكي عليه لحد العيل ما يمشي.
تهكم عزمي ساخطً بصمت… بينما شعر وليد بالغيظ والغضب، تبسمت له ساميه قائلة:
الحمد لله قرار نقلك تكمل بقية خدمتك في الجيش هنا فى ثكنه قريبه من إهنه.
أومأ لها برأسه، بينما بداخلة يشعر بحقد يهمس لنفسه بعدما علم من أحد القادة أنه هنالك من بلغ عنه وقام بالتوصية عليه ليدخل الى الجيش عنوة عنه، لا داعي للتخمين بمن
بالتأكيد ذلك الشخص هو طوفان، أراد إبعاده عم هنا لراحة زوجته، لكن الآن إقتربت عودته لهنا مره أخرى وسيكون هنالك حضور خاص لعودته.
❈-❈-❈
بالأمس كان سبوع إبن أخيها واليوم هو
يوم التخرُج لها
بإحد قاعات الجامعة كان احتفالًا خاص
بالطُلاب…
كانت تمرح وسط زملائها، سعيدة بحضور طوفان السند الداعم لها دائمًا…
إنتهي الإحتفال خرج طوفان ينتظرها بالسيارة بينما هي وقفت مع زملائها لالتقاط صور تذكارية حتى إنتهوا من ذلك، خرجت تسير عبر أحد ممرات الجامعة كي تذهب الى طوفان، لكن اثناء سيرها لعدم إنتباهها كادت تتعرقل… اختل توازنها وكادت تسقط أرضًا، لولا أن مسك احدهم يدها… نظرت نحوه بذهول.
↚
أمام الجامعة
ترجل طوفان من السيارة للرد على إتصال هاتفي حتى إنتهي نظر أمامه
ابتسم حين رأي جود بتلقاىية لكن إندهش حين رأى جلال خلفها… ظل واقفً حتى وصلا أمامه مد جلال يده يُصافحه سائلًا:
إيه جايبك هنا.
اجابه جلال:
صدفة أكيد سعيدة لو كنت أعرف ان حفلة التخرج بتاع جود النهاردة كنت جيت من بدري، انا بحب حفلات التخرج، و جود مش اي حد.
ابتسمت جود كذالك طوفان قائلًا بمزح:
طول عمرك منافق يا جلال.
ضحك جلال مُتقبلًا مزح طوفان قائلًا بتبرير مرح:
ناسي إني واد العُمدة والعُمدة المستقبلي من اهم سِمات العُمدة الشاطر النفاق.
ضحكت جود كذالك ضحك طوفان قائلًا:
الاعتراف سيد الاخلاق، رايح فين دلوقتي.
أجابه:
انا خلصت شغلي هنا فى الجامعه وكنت راجع البيت أتغدا.
ابتسم طوفان قائلًا:
تمام، هروح جود ونتقابل بعد ساعتين عندي فى المصنع.
اومأ جلال موافقًا بإبتسامة…ضحك طوفان له غامزًا بمرح…لم تفهم جود،وصعدت الى السيارة.
بعد ساعتين ونصف تقريبًا
بمصنع طوفان
توقف جلال على عتبة باب ذلك المكتب،ينظر الى تلك المُنهمكة فى العمل،نظرة عيناه بها إعجاب خاص،فهي ليست فقط إبنة عمه الصغيرة التى تربت أمامه،لفترة ظن أنها فقط مجرد شقيقة كما كان يظن،لكن سنوات الغُربة وضعت حقيقة أخري أمام قلبه،الإشتياق لها لكن ليست كإبنة عم أو مثابة شقيقة بل إشتياق إلى حبيبة…
تنحنح مُبتسمً ،رفعت رأسها ونظرت نحوه سُرعان ما خفق قلبها هي الأخري ،هي الأخرى مغرمة به لكن كتبت ذلك بقلبها حتى لا تجد الخذلان التى تخشاه سنوات غيابه كانتكانت تعيش بهاجسٍ خفي، يخيفها ليلًا ونهارًا…
أن يتصل ذات يوم ليُخبرهم ببساطة أن هنالك من استحوذت على قلبه، أن سنوات الغربة حملت له حبًا آخر، ودفنها في طيّات الذكرى.
لم يكن رفضها للعرسان بسبب عناد، ولا لأنها لا تُريد الزواج، بل كانت تختبئ خلف شعارات “بناء الذات” و”التركيز على المستقبل”، بينما الحقيقة المؤلمة تختبئ في أعماق قلبها…
لم يكن تعلّقًا عابرًا، ولا إعجابًا طفوليًا كما توهّم الاثنين…
كان حبًا صامتًا، ينمو في صمت، يتجذر معها كلما كبرا الاثنين… حتى يوم عودته
رأته أمامها من جديد.
لم يتغير كثيرًا، فقط صارت ملامحه أنضج، وصوته أهدأ، وكأن الغربة صقلته كما صقلتها هي أيضًا…
تقدّم جلال بخطوات هادئة داخل المكتب،
يُطالع المكان بعينيه لكن عينه الحقيقية كانت عليها…
تنحنح جلال قائلًا:
واضح انك مركزة أوي واضح إن عقلك مشغول…وناسية الوقت،المفروص وقت الدوام انتهي.
انتبهت ، ثم أدارت مقعدها تنظر نحوه بإبتسامة قائلة:
الشغل فعلًا بيخليني أنسى الوقت.
ضحك بخفة، جلس على طرف المكتب، نظراته تفضحه أكثر من كلماته… كذالك هي تنظر له…
لكن قطع تلك النظرات دخول طوفان الذي نظر لنظرات الإثنين وفهمها، فوساطة جلال ليوافق على عملها بالمصنع كانت لهدف برأسه.
❈-❈-❈
ليلًا
بمنزل طوفان
فتحت درة باب غرفة جود ودلفت مُبتسمة تنظر الى ذلك الصغير الذي بين يديها تتحدث بمرح قائلة:
عمتو الفنانة… يلا يا نوح قول لعمتوا الف مبروك عالتخرج وعقبال الدكتوراه وكمان معارض للوحاتك الجميلة
أبتسمت جود وتركت الرسم ونهضت واقفه تستقبل درة تأخذ من الصغير وقبلته قائلة:
نونو حبيب عمتو.
ضحكت درة قائلة:
بلاش نونو لطنط وجدان تسمعك تقولك معندناش رجالة تدلع.
ضحكت جود وهي تداعب الصغير قائلة:
والله دي أكتر واحدة مدلعاه، هي مش عاوزه حد يدلعه غيرها.. مش كده يا نونو، إنت بتحب دلع تيتا وجدان.
والصغير يبتسم وجود تجلس على الفراش وهي تحمله، جلست درة لجوارها تنظر الى تلك اللوحه المرسومة قائله:
الرسمه حلوة أوي… أنتِ موهوبة بجد يا بختك عندك موهبة زي الرسم، تعرفي كان نفسي يكون عندي موهبة، بس للآسف معنديش اي موهبة.
ابتسمت جود قائلة:
الموهبة هِبة ربانية، تعرفي مين اللى شجعني عالرسم.
نظرت لها درة بإستفسار… إستطردت جود حديثها بحنين:
طوفان هو اللى شجعني وجابلي ادوات الرسم، كنت بشخبط فى الكراسات والكُتب بتاع المدرسة وكان فى مدرس غِلس وبسبب شخبطتي فى الكتاب بعت معايا جواب لاستدعاء ولي الأمر… بصراحة خوفت اقول لـ بابا وقتها كان ممكن يعاقبني بقسوة، قولت لـ ماما، وماما قالتلي أنها هتتصرف بعيد عن بابا، وبعتت طوفان معايا، تعرفي طوفان قال إيه للمدرس وقتها… قاله بدل ما تشجعها على موهبتها وترشدها إزاي تنميها باعت معاها إستدعاء لولي الامر مفكر إنه هيأدبها ويعاقبها ويمنعها من موهبة زي الرسم، المفروض تنكسف من نفسك…
المدرس وقتها حس بالخزي ومن وقتها طوفان بقي يشجعني…
توقفت جود للحظة ثم تنهدت بأسي وذكري أول مرة تجرأت وأرادت مدح والدها
بتردُد منها ذهبت الى تلك الغرفة التى كان دائم الجلوس بها، إستغلت وجوده وحده بالغرفه… دلفت تبتسم برقتها رغم ذلك التردُد الداخلي لكن تشجعت وهي تقترب من تلك الآريكة التى كان يجلس عليها، لم يبتسم لها، تغاصت عن ذلك وبتردُد مدت يدها المرتعشة له بتلك الصورة المُغلفة قائلة:
شوف الصورة دي يا أبوي.
بقسوة أخذ منها الصورة وأزال الغلاف عنها…دق قلبه بدقات مُضطربة، عيناه تجولت ببطء على تفاصيل الصورة، كانت له، وهو يُمسك بيدها وهي صغيرة، تضحك من أعماق قلبها، بينما يده تحيط يدها بحنانٍ لم يُعطيها منه شيء…ظل صامتً لوقت لا يُعطي أي رد فعل، فقط تلك النظرة الخافتة التي لم تستقر طويلاً قبل أن يعيد نظره إليها، ثم للصورة، ثم إليها مجددًا.
تمتمت جود بصوتٍ واهن ظنت أنه لم يفهم مغزي الصورة بتوضيح:
ده إنت يا ابوي.
ترقرقت بعينيه دمعة لاول مرة بحياته يشعر بضعف قلبه… لم ترا منه سوا القسوة، ورسمته بصورة يبدوا شخص حنون…،ربما تلك الصورة هي أمنيتها أن يمسك يدها بحنان،بالفعل وضع الصورة جوارة،لوهلة تحكم الظن والخوف بقلب جود،لكن كانت مُخطئة،حين جذبها وضمها لصدره يُقبل جبينها قائلًا:
حلوة اوي يا جود أنا هبروزها وأعلقها فى أوضة نومي.
سعادة الكون كله دبت فى قلبها،ليس قلبها فقط،بل قلب طوفان أيضًا الذي صدفة جعلته يرا هذا المنظر الابوي والعفوي،تمني لو يضمه والده هكذا لمرة واحدة،لكن يبدوا أن كُل القسوة كانت من نصيبه.
على همهمات الصغير نفضت جود تلك الذكري وإبتسمت حين دلف وجدان الى الغرفة تقول بإشتياق:
سألت عن نوح شكريه قالتلي شافت درة داخله بيه هنا،هاتيه أما أشبع منه شويه النهاردة مشلتوش كتير.
ضحكن جود ودُرة التي قالت:
ده مبقالوش ساعتين بعيد عنك.
تأففت وجدان قائلة:
وساعتين شويه تعالى يا حبيبي لـ تيتا، الإتنين دول عاوزين ياخدوك مني،عشان وحشين.
تبسمن الإثنتين وهي تاخذ الصغير وتغادر الغرفة تذم بهن بمرح، داخلها سعيد، جود تقريبًا تخطت ألم فقدانها لجنينها، تراها حنونه على صغير أخيها، كذالك درة التي تأقلمت مع جودأصبحن اقرب لبعضهن، وبينهن تألُف.
ضحكت جود قائله بمرح:
الولد إتصادر مننا.
ضحكت درة قائلة:
كده أنا مهمتي إنتهت بعد ما ولدت نوح الأحسن ليا إنتبه بقي لمستقبلي المهني المؤجل.
اومات جود بضحكه موافقة، قائلة:
أعتقد ده الانسب ليكِ…إنت المفروض دكتورة ومن يوم ما بقيتي حامل وإنت مقضياها أجازات.
ضحكت درة قائلة:
فعلًا، أنا أتأخرت كتير عن زمايلي، كام مرة فكرت افتح مركز بصريات والاقي المكان المناسب ويحصل حاجة تعطلني، الحمد لله، خلاص بقي نوح لاقي له ماما تانيه برتاح معاها عني، أنا بس أخد فترة راحة من الولادة وهرجع تاني للـ الطب.
ابتسمت جود قائلة:
عارفة يا درة، أنا بفكر أعمل معرض لوحات، بس محتارة أعمله هنا فى المنيا ولا فى القاهرة… عشان الدعاية وكده.
انشرح قلب درة قائلة:
والله فكرة ممتازة، بس أعتقد فى القاهرة يكون أفضل، كدعاية كمان ده أول معرض عشان يتسلط عليه الضوء أكتر من هنا فى المنيا.
فكرت جود لثواني ثم وافقت قائلة:
عندك حق فعلًا، هقول لـ طوفان يشوف لى مكان مناسب فى القاهرة من بتوع المعارض الفنية.
ابتسمت درة قائلة:
تعرفي كان نفسي يبقي ليا أخ ولد كبير عني، عشان أعتمد عليه فى كل حاجه… صحيح باسل أصغر منى واوقات بعتمد عليه بس بحس بالكسوف من نفسي، المفروض أنا الكبيرة، بس هو والله دايمًا بيثبت إنه شخص قد المسؤولية.
ضحكت جود قائلة بمزح
فعلًا بأمارة “الدوم” اللى كنتِ بتتوحمي عليه هو اللى جابه ليكِ.
ضحكت درة قائلة:
بلاش تفكريني ده لغاية دلوقتي بيفكرني بيه، حتى كل ما يشوف نوح يقوله مامتك كانت بتتوحم على”دوم “.
ضحكن سويًا، جلسن معًا يتحدثن عن طموحات لهن مؤجلة لأسباب مختلفة، ربما آن وقت تنفيذها.
❈-❈-❈
بمنزل والد حاتم
صعد الى تلك الشقة التى جمعت بينه وبين جود… دلف يشعر بنسمة هواء مُحملة بعطر خاص، كأن الجدران إحتفظت برائحتها… أغمض عيناه وتوقف لحظات يستنشق تلك الرائحة… لكن طاف بخياله صورة جود وهي تمسك بيد رجل آخر… رأها…
كان ذاهب ليري فرحتها بتلك اللحظة الفارقة فى عمرها، لحظة التخرح… توقع وجود طوفان
” عدوه”
لكن إكتشف اليوم عدو آخر يمسك بيد جود يقترب منها وهو بعيد فقط يشاهد لوهله أراد إظهار نفسه والذهاب نحوهما وتهشيم يد ذلك الذي تجرأ وأمسك يدها قبل أن تسقُط…ظلّ يراقبهما من بعيد، يتشبث بنظراته في يدها التي أمسكت بذلك الآخر… يد كان يجب أن تكون يده، أن يحميها ويخبئها في كفه، لكنه اختار أن يُفلتها مرارًا…لكنه تسمر في مكانه، كأن شيئًا أثقل قدماه، وكأن العالم كله قرر أن يذيقه مرارة ما صنعه بيديه….أراد أن يندفع نحوهما، أن يصرخ باسمها، أن يُبعد ذلك الرجل عنها… أن يثبت ولو لمرة أنه ما زال يملك مكانًا في قلبها.
رآها تبتسم. راقبهما ورأي وقوفهما مع طوفان وحديثهما كذالك مصافحته لها وفتح باب السيارة، بسمتها لذلك السمج شقت قلبه..كصعقة البرق فتّته كزجاج مهشم.
خسرها وخسر
…خسرها… يوم ظن أن البُعد اختبارًا منه وأن الاشتياق سلاحها الأوحد، وأنه وحده صاحب القرار والعودة.
خسر… حين استكثر عليها بعض كلمات الحنان، أو لحظة احتواء، عندما توهّم أن الحب بعيد عنه…خسر حين ظن أن المشاعر تُقاس بصمته القاسي لا بحضوره الدافئ… واليوم يدفع الثمن…. يسير مثل الشريد حتى
دخل الى غرفة المعيشه، رأي ذلك الرُكن الصغير الذي مازال به بقايا، أدوات الرسم التي كانت تستخدمها جود
جلس على ذلك المقعد الصغير التى كانت تجلس عليه وهي تقوم بالرسم،أحيانًا كان يستخف من تلك الموهبة،الآن يجلد نفسه على كل لحظة كذب فيها، كل لمحة خذل فيها قلبها…كل لحظة كان يتعمد البُعد عنها، يلعب على وتر الأشتياق الذي كان يراه بعينيها…
أشياء بسيطة كانت تفعلها جود بطيبة خاطر وهو يقابل ذلك بالجفاء
رفع عينه لأعلي يتنهد بندم، ملامحه شاحبة، يهمس حزين مُعترفً :
خسرتك يا جود… كنت مفكر إنى كنت ألاقوى، لكن إنتِ كنتِ أشجع مني بكتير.
جذب تلك الكراسة لأول مرة يقوم بفتحها…
بدأ ب…تقليب الصفحات واحدة تلو الأخرى. كانت رسومها مليئة بالحياة، ألوانها دافئة كقلبها، تفاصيلها ناعمة كضحكتها، وكل خطّ مرسوم كأنه يحمل رسالة خفية له… هنالك
أكثر من مرة رسمت وجهه… بنظرة عينيها، لا كما يرى نفسه… في إحدى الصفحات، وجده مرسومًا وهو يبتسم لها بصدق رغم أنه كان وقتها قاسيًا لم يتذكر أنه وهب لها بسمه يومًا. تأمل الرسم مطولًا، شعر بغصة… كيف استطاعت أن تُحبه بهذا القدر، رغم جفائه
توقّف عند صفحة تبدوا الرسمه ناقصة،. الخطوط غير مكتملة، والظل يحيط بالمشهد . كانت مرسومة يوم خلافهما الأخير… يوم خرج وتركها تبكي دون أن يلتفت لندائها
أغلق الكراسة ببطء، ثم ضمها إلى صدره. ظل جالسًا في صمت، يشعر كأن الجدران تعاتبه، وكل شيء حوله يلومه…
انحنى للأمام، وأخفى وجهه بين كفيه، لأول مرة ينهار، بدون كبرياء… فقط رجل خسر قلبًا لم يُقدّر وجوده، والآن لا يملك سوى الذكريات…بـ كراسة وبعض اللوحات،كتلك اللوحة الموضوعه فوق مسند خشبي مُغطاه بورق أبيض،أزاحه…لينفجع قلبه من تلك الرسمة
كانت له وهو يحمل طفلًا وليد وهنالك يد ثالثة وبعض الخطوط بالصورة لم تكتمل..تلك الصورة هي كانت عالم صغير تمنته جود معه لكن الصورة لم تكتمل مثل بعض الصور الذي كان بها….
الصور كانت دائمًا تنقُصها.
❈-❈-❈
بعد مرور أكثر من شهر
مساءً
الحظ العثر حين يكون الطريق خاوي وتتقابل مع اسوء مخاوفها
هذا ما حدث حين كانت عائدة من المشغل عبر ذلك الطريق المُختصر، رغم انه طريق ترابي وصغير قليلون من يسيرون عليه، لكن هي لتاخيرها بالمشغل تعودت السير من عليه لتعود للمنزل سريعًا قبل ان يكسوا الظلام كما أنه طريق آمن أو هكذا كان قبل اليوم
كانت تحمل حقيبتها، تسرع قليلًا وهي تُمسك بشالها الذي تلاعبت به نسمات المغيب…
ثم، عند تلك الشجرة التي تنحني بجزء منها الطريق توقفت فجأة…
عيناها اتسعتا، وقلبها بدأ يدق بعنف، وكأنّه يكاد يخرج من صدرها الخوف جثم على صدرها،ها هو كابوسها القديم التي لم ترتاح منه…
أسوأ مخاوفها… عاد ليُقابلها وجهًا لوجه..
ضحكته المقيتة،نظرة عيناة الفجة التي تخترق جسدها…يقترب منها،عيناه يظهر منهن الشر … بلا وعي
تراجعت خطوة للخلف دون أن تُبعد نظرها عنه تنظر حولها ربما تجد من تستغيث به لم تنتبه أن الأرض خلفها كانت غير مستوية، فتعثرت قليلًا، كادت تسقط بذلك المجري المائي الصغير لولا تمسّكها بفرع إحد الأشجار.
شهقت وهي تعتدل بجسدها على جذع الشجرة …
بينما ذلك الوغد يضحك وهو يقترب منها ، بعين تضخ شررً يقول بصوب شبه مُرعب:
فكرتي إنك إرتاحتي مني يا زينة، أنا رجعت تاني…
توقف للحظات ثم إستطرد حديثه بنبرة تقليل من شانها وإتهام واضح بتدني أخلاقها:
راجعه متأخر ، إيه كنتِ بتشتغلي ورديتين زي عادتك، بس يا ترا وردية المسا بتكون صاخبة المشغل فيها ولا الادارة لأخوها المهندس اللى بيحسس عليكِ و…
تجمّدت الدماء في عروقها من إقترابه وصورته المرعبة وخصلات شعره التى تتطاير بسبب سرعة النسمات…
لكن شعرت بالبُغض والغضب من إتهامه… لكن دار بعقلها حديثه…
ماذا يعني بعاد مرة أخري لم تنتهي بعد مدة تجنيده… هل هرب
لسوء حظها لا إجابة غير ذلك وسلطة والده وخاله أيضًا تستطيع حمايته…
يال بؤسك ماذا ظننتِ ان الكابوس إنتهي…
ها هو يكاد قلبها يُعلن وقف دقاته وتنتهي هنا..
رفعت يدها على صدرها، محاولة أن تهدئ نبضها، لكن عيناها ظلّتا تحدّقان نحوه.
بدأ يقترب، خطوة بخطوة،
اكتفت بالنظر إليه، وعيناها تحكيان كل شيء
الخوف، الألم… والنهاية لها
بينما هو يستمتع بنظرات عينيها المرعوبة وإرتعاش يدها التى وضعتها على صدرها، كل ذلك زهوًا يشعر به وهو يُنهي الخطوات وكاد يحصرها بينه وبين جذع الشجرة، لكن لم ينتبه الى ذلك الإنزلاق الذي كادت هي بسببه أن تسقط فى المياة الضحلة…فإنزلقت إحد قدميه وللزوجة الأرض الطينية لم يعرف أن يتحكم بجسده ولم ينتبه الى ذلك الفرع التي تشبث به زينة…
سقط فى المياة…
كأن الله أعطي لها القوة مرة أخري… وتمسكت بالفرع حتى وقفت على بداية الطريق… كأن الله نفخ في روحها طوق نجاة، لا يُرى…
قوة لا تعرف مصدرها، فقط انتفضت بداخلها حين لمحته يطفو على سطح الماء، يحاول النهوض، يحاول الإمساك بها من جديد…
كان قلبها يخفق بجنون، ورئتاها تختنقان، وركبتاها بالكاد تحملانها… لكنها ركضت.
ركضت بكل ما فيها من حياة، من خوف، من رغبة في النجاة.
لم تلتفت خلفها.
لكنها سمعت صوته… ذلك الصوت البغيض الذي يُشبه اعصارًا يمشي على الأرض….
سبابٌ قذر، توعد بعودة… لكنها لم تتوقف…
تعلم… أن هذا اللقاء بالتأكيد
ليس صدفة… بل اختبارًا مؤجلًا…. هذا اللقاء ليس عبثًا، بل رسالة… بل صفعة توقظها من غفلة…
ربما لتتجهز، ، وربما لتعرف أن الشيطان التي ظنت أنه إبتعد عنها قد عاد ومازال يضمُر لها السوء…
اليوم إستطاعت الركض من أمامه
لكن المرة القادمة ربما ينال ما يبغي…
لا لا… لن يحدث ولابد أن تحذر …ولابد من مساعدة أحدًا، لكن من… بالتأكيد ليس والدها.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
وضعت درة طفلها بمهده بروية وهدوء،ثم ذهبت الى الحمام
بالكاد خلعت ثوبها العلوي حتى سمعت صوت بكاء صغيرها، تنهدت بعمق وبعض إرهاق، سحبت منشفه لفتها حول جسدها بعشوائية وخرجت سريعًا من الحمام
توجهت إلى مهده بخطوات شبه متعثرة من شدة الإرهاق، لكن حين اقتربت تبدل كل ذلك الأرهاق.. إرتخت ملامحها ، وابتسمت وهي تنظر له بحنان ترفعته إلى صدرها ضمته… فهدأ على الفور، ضحكت بعتاب تهمس له:
نفسي تنام بس نص ساعة أخد شاور… قولى إيه صحاك بالسرعة دي.
لوح الصغير بيديه فابتسمت درة…
بنفس الوقت دلف طوفان الى الغرفة وأغلق الباب خلفه سريعًا حين رأي دُرة تقف تحمل الصغير بذلك المنظر المُغري، إقترب منهما مُبتسمً يقول بمرح:
واضح إن الأمومة مش سهلة.
تنهدت درة بإرهاق قائلة:
واضح كده،وانا كنت بقول سهلة، بس للاسف طنط وجدان وجود حتى شكرية التلاته خرجوا وسابوني مع نوح بيه، وطبعًا هو متعود عالدلع،كان نعسان، يا دوب حطيته فى سريره وكنت هاخد شاور مفيش دقيقتين وسمعت صوته بيزوم طبعًا اتعود حتى وهو نايم يكون متشال.
ضحك طوفان وهو يمسك يد صغيره يُقبلها، رفعت درة رأسها تنظر له بدلال، تبسم وهو يضع قُبلة على وجنتها، ثم عاد ينظر للصغير الذي يتثائب وهو يلعق فمه بلسانه.. نظر لها قائلًا:
واضح إن الجوع هو اللى خلاه يصحي بسرعة.
نظرت للصغير قائلة بتأكيد:
لاء مش جعان هو غاوي تعب والدليل سكت لما شيلته.
ضحك طوفان قائلًا:
برضوا ممكن يكون جعان بيطلع لسانه من شفايفه.
تنهدت قائلة:
هو كده علطول…زي التعبان لسانه بره شفايفه.
ضحك طوفان،بينما عاد الصغير يبكي رغم أنها تحمله…نظر لها طوفان وضحك.
تنهدت دُرة،بنفس الوقت استوعبت،على نفسها أنها تقف بمنشفة وبعض الثياب الداخلية،شعرت بخجل حين غمز لها طوفان وهي ترفع طرف المنشفه لأعلى،تنفست درة قائلة:
بتبص على إيه.
ضحك طوفان قائلًا بوقاحة:
وهو في إيه مشوفتوش قبل كده،أومال اللى على إيدك ده جه إزاي.
تنرفزت درة بغضب تحاول إخفاء إحرجها وهي تمد يديها تُعطيه الصغير قائلة بنبرة عقاب!
طالما كده،خد إبنك وأنا هروح أكمل الشاور بتاعي،أهو قوله هو جه إزاي.
ضحك طوفان وهو يأخذ منها الصغير بمرح قاىلًا:
طب ما نحطه فى سريره وناخد شاور مع بعض.
إغتاظت منه وصفقت باب الحمام بقوة…جعلته يضحك،وهو ينظر الى صغيره بحنان.
بعد قليل خرجت درة من الحمام ترتدي مئزر قطني طويل نظرت نحو طوفان الذي يُعطيها ظهره وهو يقوم بخلع ثيابه،تسألت:
الولد فين.
استدار بوجهه نحوها، وعلى وجهه ابتسامة لا تُخفى مكرها، وأجاب وهو يُشير برأسه نحو المهد الصغير بجوار الفراش قائلًا :
نام، وأنا قلت أستغل الفرصة وآخد شاور، بس واضح إني إتأخرت.
رفعت حاجبها ببرود، تمسكت بطرفي المئزر القطني تُغلقه أكثر وقالت بسخرية:
لاء متأخرتش الحمام قدامك إدخل خد شاور براحتك.
اقترب منها خطوة، وصوته نبرته مرحة لكن عينيه تلمع بوميض من المكر قائلًا:
شهقت درة، وقامت باغلاق المئرز، قائلة:
قليل الأدب.
ضحك وهو يقترب أكثر، وأخفض صوته:
مش هتنازل عن الليلة… تنامي فى حضني.
همت بالرد لكن عيناه كانتا تغازلها أكثر مما تحتمل… فهربت بعينيها وقالت بحدة مصطنعة:
انا بقول تدخل تاخد شاور بارد لوحدك لان اللى فى دماغك مش هيحصل، السكة سد.
نظر لها بنظرة شوق ضاحكً هو يتحدث بصوت دافئ:
مين اللى قال إن السكة سد عالعموم أتأكد بنفسي.
رفع يديه نحو ياقة المئزر وكاد يفتحه لكن درة تشبثت بيدها فوق يديه للحظة ضحك وهو ينزل يده عن ياقة المئزر وضعها حول خصرها… رفعت يديها حول عُنقة وتمايلت برأسها بدلال قائلة:
لا يا عزيزي اللى فى دماغك مش هيحصل قبل ما أخد وسيلة منع حمل الاول، كفاية اللى مريت بيه وانا حامل فى نوح محتاجة فترة نقاهه قد خمس سنين كده.
ضحك طوفان قائلًا:
خمس سنين مش كتير أوي، وهتاخدي الوسيلة بقي أمتي، وبعدين مجتش من ليلة..ده فى ستات بتاخد وسايل منع حمل وبتحمل برضوا مفيش وسيلة مضمونه ميه فى الميه.
أنزلت يديها كذالك إبتعدت عن يديه قائلة بتعقيب:
ما اهو عشان مفيش وسيلة مضمونه، يبقي ده سبب قوي إني أكون حريصة أكتر.
كاد طوفان أن يمزح ويزداد فى وقاحته اللذيدة فى الجدال معها، لكن صدح رنين هاتفه… تفوهت درة سريعًا قائلة:
موبايلك بيرن، شوف مين وفُضك من الوقاحة اللي كنت ناوي تكملها
ابتسم وهو يلتفت ليلتقط الهاتف من فوق طاولة جوار الفراش، قام بالرد لكن.. تحولت ابتسامته إلى تجهم خفيف، قائلًا:
تمام، لاء متتصرفش أنا بكرة هكون فى القاهرو وهحل أنا الموضوع ده.
أغلق الهاتف، تنفس بقوة، لاحظت ، لاحظت تغير ملامحه رغم محاولته التظاهر بالهدوء، شعرت بقلق وتحدثت بنبرة مُتسائلة:
فى إيه اللى حصل، بسببه هتسافر القاهرة.
أجابها ببساطة، يُحاول تطمينها وهو يبتعد بعينيه عن عينيها:
ولا حاجة… بس فيه شغل لازم أكون موجود فيه.
ضاقت عيناها وهي تراقب ملامحه، تعلم أنه يُخفي عنها شيئًا، فهو بارع في الهروب من الحديث.
كادت تجادله لكن بكاء الصغير منعها، تنهدت بارهاق قائلة:
يارب ده مش بينام.
ضحك طوفان، ذهبت درة حملت الصغير، بينما تفوه طوفان بمرح:
شكلي هاخد الشاور لوحدي، هسيبك مع نوح بيه… يمكن على ما أطلع من الحمام…
صمت يغمز بعينيه… تبسمت درة
قائلة:
بلاش عشم.
ضحك طوفان وذهب نحو الحمام… دقائق وعاد للغرفة يرتدي سرولًا فقط وعاري الجذع ضحك حين وجد درة تنام فوق الفراش بمنامة حريرية مُحتشمة، ليس ذلك فقط تضع نوح جوارها على الفراش تحدث بمرح قائلًا:
وحاطه نوح عالسرير ليه.
ضحكت قائلة:
مِحرم.
ضحك طوفان وهو يتمدد على الفراش، لكن تخابث … وجذب درة بغفلة منها لتبقي فوقه، فى ثواني انقلب وأصبحت هي بالأسفل، يثبتها بجسده وهو يُقبل عُنقها بشغف وهمس بصوته الأجش:
فين المِحرم بتاعك.
شهقت درة وهي تحاول دفعه بخفة، لكن ضحكتها خانتها، فبدا التأنيب على وجهها ممتزجًا بالحُمرة:
طوفان! قوم من فوقي بقى بجد مش هينفع اللى فى دماغك.
تنفس على عُنقها وقبله ثم قبل شفتيها، تجاوبت معه للحظات لكن فاقت ودفعته… مُرغمً ترك شفتيها، وإنزاح عنها نائمً فوق الفراش مُبتسمً وهو يسمع همهمات الصغير الذي أراد أخذ حق إشتياق والده
تنفس بعمق والابتسامة ما زالت تتلاعب على شفتيه… قائلًا بنبرة شماته مرحة:
أهو إبني هياخد بحقي.
ضحكت بدلال قائلة:
لاء إبني غيور على مامته.
ضحك وهو يراها تعتدل تضم الصغير لحضنها، إقترب منهما يضمهما الإثنين لصدره…
ليغفوا ثلاثتهم.
❈-❈-❈
باليوم التالي
القسوة حين تظن أن الجرح قد إلتئم،لكن مجرد لمسة على موضع الجرح يعود نفس الألم
لو كانت وجدان تعلم هدف تلك السيدة من زياتها اليوم،وطلبها رؤية جود بكذبة أنها تود رؤيتها لعدم رؤيتها لها منذ فترة طويله…لكن وضح سبب ذلك حين قالت تلك السيدة:
جود لسه صغيرة حتى لو إطلقت بعد جوازها بكام شهر، وبقت” عازبه”فى الف مين يتمناها،ولاد أصول وأكابر كمان،وأنا النهاردة جاية مرسال بعريس متجوزش قبل إكده لها بس طلب يشوفها الأول .
توقفت تلك السيدة عن الحديث حين انتفضت وجدان أولًا قائلة بغضب:
مكنش له لازمه اللف والدوران،وجود حتى لو “عازبة”
فهي مش عرض لأي حد حتى لو متحوزش قبل كده،جود تبقي بنت نوح مهران وأخت طوفان مهران
و مقامها عالي مش أي حد يبعت ست تقيس النبض بكلام متغلف…
وإن كان فاكر إن طلاقها ينقص منها، يبقى هو اللي ناقص، مش هي.
حاولت السيدة الرد،والتبرير… لكن وجدان لم تترك لها فرصة، تابعت بنبرة حاسمة:
ـ جود مش محتاجة تترجا فرص تانية، اللي هيكون من نصيبها هيجي بيها، وهي رافعة راسها.
خيم الصمت على المكان، قبل أن تقول وجدان بكبرياء:
شرفتي يا حجة.
قالت ذلك ثم نادت بصوت جهور على شكرية التي آتت مُسرعة للغرفة تنظر الى وجدان التي تحدث بتعالي:
مع الحجة لحد باب الدار يا شكرية، واضح إنها كبرت ورِجليها مش قادرة تشيلها وعقلها بدأ ينقص ومتعرفش هي جايه تتكلم عن مين.
كادت السيدة ان تُبرر لكن رفضت وجدان تبريرها قائلة:
عمري ما طردت حد قصد بابي فى أي طلب، لكن لما يوصل الأمر لإهانة بنتِ يبقي مالكيش مطرح عندي.
غادرت السيدة مع شكرية بعدما قدمت إعتذارات… بينما إقتربت وجدان من جود وضمتها تشعر بغصات، كذالك جود كان هنالك
بعينيها دمعة حزينة… و أخري دمعة امتنان.
❈-❈-❈
بالقاهرة
بمكتب طوفان بالشركة
ارتسم الهدوء على وجهه وهو يُنفث دخان تلك السيجارة بين شفتيه ببطء، ،يستمع الى تُرهات ذلك الأحمق الذي يتحدث بتعالٍ لا يليق بمقامه.
تركه يتحدث…كل كلمة تخرج من فمه كانت تزيد ابتسامة السخرية على ملامحه… ابتسامة باردة، مُهينة، لكنها لا تُفصح عن شيء… حتى إنتهي الآخر قائلًا بنبرة مشحونة بالغرور:
كده ممكن نتراجع عن وننهي التعاقد مع شركتك.
وضع طوفان بقايا السيجارة بالمنفضة وسحقها ثم نظر الى ذلك الاحمق قائلًا ببرود وثقة:
وماله… واضح اللى وسوس لك فى دماغك، إداك صورة بعيدة عني، متعرفش إني قبل ما أبقي راجل أعمال كنت وكيل نيابة يعني القانون لعبتي وأعرف ألجم اللى قدامي، بالقانون… بص بقي مش إنت اللى هتلغي التعاقد مع شركتي، أنا اللى هلغي التعاقد، بس للآسف إنت واضح إنك مقريتش العقد اللى بينا… فيه شرط جزائي، فى حالة فسخ العقد قبل نهاية المُدة المحددة، سيادتك هتدفع لى تعويض قيمته مثبوته فى العقد…
أه هتقولي إن أنا اللى بلغي التعاقد… رغم ده هتدفع التعويض اللى أنا هتبرع بيه للمنظمات الخيرية، تأديب لك، عشان لما تعرف إنك قاعد مع طوفان مهران… نبرة الغطرسة دي متنفعش معاه….
يمكن تنفع مع موظفين مكتبك، أو حتي مع اللى وسوس لك فى دماغك
وصدقني… الفلوس دي هتبرع بيها للمنظمات الخيرية، مش عشان إنساني… عشان أربيك…
قال ذلك وضغط على ذر أمامه قائلًا بجمود:
دخليهم دلوقتي.
وما هي إلا لحظات، حتى انفتح باب، ودخل رجلان ببدل رسمية يحملان ملفات ومستندات، أحدهما يحمل حقيبة جلدية سوداء.
رفع طوفان نظره للأحمق الجالس أمامه، وانحنى للأمام مستندًا بكوعه على المكتب، نبرة صوته اتخذت صرامة رسمية:
دول مستشاري القانوني ومراجع الحسابات… جايين يشرحوا لك بالتفصيل قيمة الشرط الجزائي، ومدة التنفيذ، وجدول التعويض…
وبعد ما يخلصوا، هتوقّع على إقرار بأنك اللى فسخت التعاقد، واعتذار ضمني مكتوب بالورق… مش علشاني، لاء علشان تتعلم تبقى راجل أعمال بجد، مش لعبة فى ايد غيرك.
ثم اعتدل في جلسته، وابتسم ابتسامة باهتة خالية من أي ود:
بالمناسبة… اللي وسوس لك
بلّغه إن طوفان مهران مبيتهددش… وبيتسلى.
هلع الرجل ونخ وهو يقدم إعتذارات.
******”
بـ ڤيلا طوفان
بالكاد دخل الى الفيلا إستقبله أحد الخدم، توجه نحو سلم الڤيلا لكن توقف حين سمع صوت عالي تقول بنرفزة:
طوفان إيه اللى عملته مع العميل اللى كان عندك.
استدار طوفان ببطء، وعيناه التقتا بعينيها الغاضبتين، وقبل أن ينطق، أردفت بنبرة أكثر حدّة تتوهم:
كل ده عشان العميل كان من طرفي.
تهكم طوفان وهو مازال يصعد السلم قائلًا:
زي ما وسوستي له ساهمي معاه وإدفعي جزء من الشرط الجزائي… المقابلة إنتهت.
قال ذلك وأكمل صعود لم ينتبه الى صعودها خلفه حتى وصل الى غرفة النوم… حين إستدار وجدها أمامه نظر لها بسخط وإنحطاط
بينما هي نظرت الى الغرفة ونظراتها تتفحص المكان بتأمل جامد، ثم أكملت بتهكم واضح:
طبعًا لأن حضرتك كنت شايفني أقل من إنك تدخلني عالمك… حتى لو كنا متجوزين على سنة الله ورسوله، بس الڤيلا دي كانت دايمًا حدود ممنوعة عليا.
تقدم نحوها بخطوات بطيئة، نبرته مشتعلة بالغضب وجذبها من يدها وخرجا من الغرفة
رفعت حاجبها باستفزاز، وضحكت بظفر فهي وصلت لهدفها، وهي تلتقط صورة لهما بغرفة النوم وهو يُمسك يدها، حتى لو كانت الحقيقة عكس تلك الصورة…
لحظات ونظرت له بظفر وتشفي قائلة
صورتنا وصلت لموبايل مراتك اللى فضلتها عليا.
↚
بمنزل مرعي
تتمدد على فراشها الصغير، رغم إرعاق وتعب اليوم بالعمل لكن جفاها النوم، ها هو
عاد الخوف يدب في قلبها مرة أخري تشعر بصقيع على صدرها…جذبت الدثار علها تستمد بعضً من الدفئ،لكن الخوف هو سبب شعور البرد لديها…
يسألها عقلها المنهك:
ماذا ظننتِ
أحقًا اعتقدتِ أن ابتعاده، انخراطه في الجيش، كان نهاية الحكاية.
والجواب:
كنتِ موهومة فى غفله… رسمتِ وهم أنكِ اتنعّمتِ بالراحة،
صدقتِ أن مطاردته لكِ انتهت، وأن المجرم اختفى من حياتك … لكن الكابوس رجع تاني.
واعتراض عقلها:
ازاي فكرتي بكده ناسيه أنه سبق دخل سجن الأحداث
خرج كما دخل، من غير عقابٍ رادع يليق بقاتل، يوقفه عن افعاله الإجرامية
تنهدت بآسف وأسي وهي تُخبر نفسها:
واضح إن الشر لا بيموت، لا بيرحل،
بل يختبئ… يتخفّى كذئب ينتظر الظهور أمام فريسته،ينتظر اللحظة المناسبة ليعود
أشد قسوة، أكثر دهاء، أكثر غطرسة… يزرع الهلع فى قلب فريسته يموتها بيه قبل ما يلتهمها…
فى خضم ذلك الخوف الجاثم على صدرها، حاولت طرد تلك الأفكار من رأسها، لكن هلع قلبها وإنتفض جسدها حين صدح رنين
رن هاتفها،
تجمدت خلايا جسدها للحظات قبل أن تجذب الهاتف … نظرت على الشاشة…كان رقمً غير مُسجل لديها…فكرت بعدم الرد لكن خشيت من تكرار الرنين يوقظ أختها….، قامت بفتح الخط
سرعان ما شعرت، بنبضات قلبها تتقاذف داخل صدرها بدرجة غير مألوفة حين سمعت ذلك الصوت البغيض …يتردد عبر سماعة الهاتف يخترق وجدانها وهو يسخر منها بنبرة قوة:
فاكراني… أوعي تكوني نسيتي صوتي.
رغم أن الصوت منخفض..لكن كان عميق، ساخر… بل مستقوي برعبها أمامه
صمتت
ثوانٍ طويلة، تتنفس فيها رعبًا بدل الهواء.
ثم جاء الصوت مره أجري…جعل الدماء تتجمد في عروقها،
ذلك الصوت الذي كانت تتمنى أن لا تسمعه أبدًا مرة أخرى…
أرادت أن تغلق الهاتف، أن تصرخ، أن ترمي الهاتف من النافذة،
لكن ليس فقط يدها تحجرت على الهاتف كذالك قدميها تصنمن
وصوت نبضات قلبها أعلى من أي شيء…ربما يصل صوت تلك النبضات له عبر الهاتف تجعله يستلذ بتأثير ذلك الهلع لديها، ينتهز ذاك للوصول الى غايته، بينما هي
ابتلعت ريقها بصعوبة، وانسحبت للخلف على الفراش تشعر كأن الجدران تتقلص حولها،
وكأن الغرفة ضاقت فجأة أكثر من ضيقها… لحظة ارتجفت يداها،
سقط الهاتف منها، فوق الفراش لم تشعؤ به وهي تُحدّق في اللاشيء…
لكن عقلها كان يرسم كل خيالات ممكن حدوثها … وعقلها يعيد حديثه:
نايمة على السرير الخيش معايا هتنامي على سرير من حرير.
كيف علم ذلك هو
– يراقبها؟
-متى سيُهاجم؟
رجع الخوف، لكنه هذه المرة لم يأتِ وحده…
عاد ومعه ماضي أكثر من عام من الصمت، وكل الصرخات التي كتمتها يومًا… هي الشاهدة على قتله لإثنين… لو كان بيدها لكانت شهدت عليه، ربما كانت إستراحت منه، لكن الخوف، هو المُحرك بحياتها دومً، والدها ليس سندًا يحميها…
والسؤال بعقلها:
لو يعلم أن ذلك المجرم الذي تسبب فى عدم نيله العقاب المُستحق،حاول إنتهاك شرفه هل كان شهد بالباطل…
والجواب مفقود او بالأصح لا تود الأعتراف أن والدها طماع وقد يبيع أي شئ مقابل المال حتي شرفه
دموعها تسيل وحالة الشرود بدأت تزول…نظرت لهاتفها التقطته بيد مرتجفة،
كأنها تمسك بيدها جمرة مُشتعلة
تفحصت الرقم مرة، ثم مرة، ثم ضغطت على سجل المكالمات… سريعًا حذفت المكالمه…
كأنها بذلك ستمحي ذلك الهمس الذي ما زال يدوي في أذنيها،كأن صوته التصق بروحها.
نهضت بخطوات غير ثابتة،توجهت نحو النافذة…فتحتها بهدوء، رغم النسمة كانت ربيعية تميل للبرد لكن شعرت كأن يخنقها الهواء،جالت يمينًا ويسارًا، الشارع كان خاليًا… هادئًا أكثر مما ينبغي…. الهدوء المصطنع قبل صخب العاصفة القريب قدومها… فهل تصمت وتنحني لتلك العاصفة ربما تكسرها،أم تشتد أمامها وتمحو الخوف وتبحث عن من تستقوي به أمامها.
❈-❈-❈
بأحد المقاهي بالبلدة
كان مرعي يجلس بكبر وغطرسة يضع خرطوم الأرجيله بفمه ينفث الدخان بضجر… ينظر حوله بإشمئزاز كأن من حوله رعاع وهو لا ينتمي إليهم، لو كان أخذ “مختار غُنيم”أعطى له حقه فى ميراث قريبه لكان الآن ذو شأن آخر… يجلس بين الصفوة.. لا هؤلاء العاملين والفلاحين البسطاء، بنظره رعاع…
فجأة نفث دخان من فمه يضع يده على صدره يسعل بشدة…للحظات،حتى إبتلع ريقه وهو ينظر الى تلك اليد الممُدودة له بكوب المياة،أخذها وإرتشف القليل ثم وضع الكوب على الطاولة أمامه ثم رفع وجهه ينظر الى أعلى تفاجئ بذلك الواقف وعيناه الخبيثة تتبعته عيناه حتى جلس بالمقابل له قائلًا:
إيه شكلي إتغير للدرجة اللى متخليكش تعرف أنا مين.
إبتلع ريقه،وتحدث بحشرجة صوت:
لاء شكلك متغيرش بس مستغرب وجودك هنا فى قهوة بلدب زي دي يا وليد.
بغطرسة وغرور كاد يُجبره أن يقول”وليد بيه”لكن هنالك هدف برأسه لا داعي للتعالي عليه الآن…نظر حوله بإشمئزاز مُتأففً قائلًا بغطرسة:
وكنت عاوزني أقابلك فين…
توقف ثم نهض واقفً يقول له بأمر:
قوم نشوف مكان نضيف نقعد نتكلم فيه.
بالفعل نهض معه بعدما دفع لعامل المقهي ثمن ما شربه…
سارا معًا حتى وصلا الى سيارة وليد التي كانت بمكان قريب جلسا بها، بغرور تفوه وليد:
من كام شهر طلبت منك طلب وحصل ظروف وقتها بس أنا منستش الطلب.
توتر مرعي قائلًا:
إنت اللى بعدها دخلت الجيش و…
قاطعه وليد:
أيوه دخلت الجيش، وخلاص كلها شهر بالكتير وهستلم هنا هكمل بقية فترة التجنيد فى مكان قريب من هنا، وزي ما إتفقنا قبل كده، في أول أجازة نتمم كل شئ.
لمعت عين مرعي حين أخرج وليد رزمة من المال ومد يده بها له قائلًا:
خُد دول عربون قراية الفاتحة… خلاص كفاية تأخير يا مرعي، المرة دي كل حاجة لازم تتم على الساكت.
تردد مرعي لحظة، يشعر أز المبلغ أثقل من يده، ثم رفع عينه لـ وليد، يبحث عن طمأنينة بين نبرة صوته ونظرة عينيه، لكنه لم يجد سوى جمودٍ بارد.
تلاعب وليد بحدة ناعمة مغلفة بنبرة تهدبد:
إنت أكتر واحد عارف إن لو خلفت وعدك معايا، أو حد عرف بإتفاقنا وقتها ممكن أعمل إيه.
لوهلة تذكر مرعي وهو يراه يُطلق الرصاص على مختار وحسام كأنه يطلق الرصاص على جماد أو حمامة طائرة لا إنسان… هو صاحب قلب جاحد…أومأ قائلًا بإمتثال:
لاء متقلقش الموضوع هيفضل سر،بينا لحد ما يتم الجواز.
زفر وليد بظفر قائلًا:
تمام…كمان متقولش لا لمراتك ولا لـ زينة خليها مفاجاة وقتها.
أومأ عزمي بإمتثال…فتح باب السيارة وترجل منها وقف يراقب الطريق بعدما غادر وليد وضع رزم المال بجيب داخلي لجلبابه وسار يضع يده فوق ذلك الجيب، يترقب حوله حتى وصل لمنزله عاد ينظر حول المنزل ثم دلف يغلق خلفه الباب بالقفل كأنه يعتقد أن هنالك من رأي وليد وهو يعطيه المال وربما تعقبه، لكن كان ذلك خيالًا أو ربما بقايا ضمير.
❈-❈-❈
بالقاهرة
نظرة غضب لولا إحساسه بالخطأ وأنها امرأة ما كان تردد وصفعها، لكن حاول تمالك غضبه ومازال يمسك يدها يسحبها خلفه حتى وصل أمام الڤيلا الداخلى توقفا بالحديقة بعدما سلتت روزان يدها من قبضته، تنظر له عينيها بهن نظرة شماته، بينما تفوه طوفان بغضب:
روزان كان بينا إتفاق من قبل ما نمضي الورقتين إن اللى يحس إن العلاقة بينا إنتهت التاني يتقبل الموضوع ودي وبإحترام وتحضُر
تهكمت بضحكة سخرية موجعة لقلبها قاىلة بحنق وتكرار:
“إحترام.. وتحضُر”
ده مش موجود فى الواقع، بالذات فى حكاية زي حكايتنا، إنت طلبت تتجوزني أنا روزان اللى كان رجال أعمال وأصحاب نفوذ بس يتمنوا مني إشارة وافقت اتجوزك عرفي، عارف ليه يا طوفان عشان حبيتك من أول مرة شوفتك فيها، مكنتش بارع فى إدارة الاعمال بس لفتت نظري وإتمنيتك، لكن إنت…
توقفت ضحكتها الساخرة ترا بعينيه نظرة برود…تسأل بلوعة:
ليه قلبك ما اتحركش، محسيتش مرة بلهفتك عليا، حتى وإنت معايا عالسرير، كنت زي المغصوب… ليه يا طوفان قلبك محسش بيا، ليه هي بالذات قلبك بيتلهف عليه، شوفتكم مع بعض فى أول جوازكم عاالبحر، عرفت إنها ضربت عليك الرصاص، قولى واحدة إتمنت ليك الموت، ليه قلبك عاوزها أوي كده، حققت معاها اللى كنت بتمني أحققه معاك طفل يجمعنا، حتى ده كنت بتبقي حريص إن ميحصلش حمل.
ألقت عليه وحده اللوم كأنها يومً وعدها بشيء، كانت علاقتهما الخاطئة واضحة، لكن لم يحسب حساب أن تتمكن منها كل تلك المشاعر تنفس بقوة ثم نظر لها قاىلًابنبرة جامدة، دون أي تردد علها تفيق من تعلُقها بمشاعر واهية: روزان إنتِ وافقتي من الأول قولتلك إني معنديش أي مشاعر لا غصبتك ولا وعدتك بحاجة مش هقدر أوفي بيها… من أول يوم كنت واضح.
هزّت راسها بمرارة وقالت:
فعلًا كنت واضح.. كنت بارد، كنت قاسي، بس قلبي إتشد لك … حسّيت إنك الراجل اللي يستاهل أراهن على إنى انول قلبه… طلعت من الرهان خسران..قلبك كان مشغول .
تعمد النظر لها، بنظرة نفور حاول يخفيها لكنه فشل قائلّا بمحاولة هدوء :
إنتِ بتخسري نفسك يا روزان .. بتحاولي تكسبي قلب عمره ما كان ليكِ،إنتِ اللى رسمتى الوهم براسك،وكفاية يا روزان صدقيني حتى لو دُرة عرفت بجوازنا مش هنفصل عنها ولا هي هتنفصل عني،بينا مشاعر وطفل .
صُدمت من ثقته بمشاعره ومشاعر زوچته رغم انها كانت تتوقع ذلك … لكن كانت تحاول
جزت على أسنانها قائلة بانهزام فقط لتكسب وقت فهي لن تستسلم وترفع الراية :
تمام يا طوفان هنشوف رد فعلك بعد ما نتيجة الصورة اللى وصلت لمراتك أكيد… دلوقتي إنت عارف إن وقتي مش ملكي.
غادرت وهو تشعر بانهزام ساحق، لكن بداخلها شُعلة أخيرة.
بينما طوفان سريعًا، أخرج هاتفه وقام بالاتصال على هاتف دُرة…
يخفق قلبه بقلق بالتأكيد الصورة وصلتها عقلية درة مُتسرعة لن تُفكر كعادتها.
للغرابه هاتف دُرة يُعطي خارج النطاق… شعر بخفقان زائد، هو لم يتحدث مع دُرة منذ صباح اليوم… كان برأسه الاتصال بها بعد العودة الى الڤيلا لكن لم يتوقع حضور روزان ولا ما فعلت، وتلك الصورة التى لا يعلم فحواها ولا رد فعل درة… عاود الاتصال بترقُب لكن الهاتف يُعطي خارج نطاق الخدمة…
وضع الهاتف جواره وجلس قليلًا، ثم عاود الاتصال، نفس الرسالة، شعر بالقلق، قام بالإتصال على والدته
ردت عليه، بعد حديث قليل سمع بكاء صغيره شعر باستغراب سائلًا:
نوح معاكِ، لسه صاحي.
أجابته ببسمة حنون:
أيوة درة سابته وقالت هتروح مشوار، زمانها على وصول… أهي وصلت.
شعر طوفان بريبه وترقب، بينما درة اقتربت مُبتسمه من وجدان قائلة:
نوح صاحي توقعت أرجع القاه نايم.
تبسمت وجدان، بينما عادت ترد على طوفان الذي قال بترقب:
اديني درة أكلمها.
بالفعل مدت وجدان يدها بالهاتف لـ درة قائلة:
خدي كلمي طوفان.
أخذت درة الهاتف من وجدان، بمجرد أن سمع صوتها تسأل سريعّا:
درة بتصل على موبايلك بيدي خارج نطاق الخدمة ليه.
ضحكت قائلة:
موبايلي وقع وإتكسر وبقي أشلاء وتقريبًا كده مش هيشتغل تاني… وهعوز واحد جديد.
استغرب طوفان سائلًا:
ليه إيه اللى حصل.
أجابته:
أنا كنت أنا وماما عند الدكتورة وإحنا طالعين وقفنا نستني طلوع الاسانسير الموبايل رن، طلعته من الشنطة لسه هفتحه وقع من إيدي تحت الأسانسير دشدشه.
كأن القدر شاند طوفان الذي تنهد بإرتياح بلتقط أنفاسه ثم تسأل:
وكنتِ عند دكتورة ليه.
أخفضت صوتها وهي تنظر نحو وجدان التي إنشغلت مع الصغير،قائلة:
كنت عند الدكتورة عشان تحدد لى وسيلة منع حمل.
ضحك طوفان قائلّا:
أه تصدقي نسيت…
توقف طوفان ثم تعمد الوقاحة قائلّا:
كويس إنك روحتي للدكتورة،عشان لما أرجع متتحججيش تاني وتبعدي عن حضني هايفة من تأثيري عليك طبعًا ممكن تضعفي و….
حاولت إخفاء ضحكتها وهمست قائلة:
طوفان بطل أسلوبك مامتك واقفه بلاش تحرجني قدامها ويلا بالسلامه، وبلاش تنسي تجيب لى فون جديد إعتبره هدية ولادة نوح الكل جابلي هدايا معداك.
ضحك طوفان عن قصد بوقاحة قائلّا:
ونوح مين السبب إنه جه عالدنيا مش أنا يعني أنا كمان محتاج هديه لما أرجع.
-طوفان…
كفايه يلا بقي روح نام عشان تصحي فايق وتخلص شغلك وترجع لهنا بسرعة.
ضحك طوفان قائلّا:
تمام متنسيش تبوسي نوح وإنت كمان.
تنهدت قائلة:
طوفان خلاص إقفل بقي إنت مش مُرهق من الشغل خدلك شاور ونام.
ضحك طوفان قائلّا:
هاخد شاور بارد أهو يرطب جسمي.
ضحكت درة غصبّ… أغلقت الهاتف وأعطته لـ وجدان ثم أخذت الصغير منها قائلة:
هروح أنام أنا ونوح تصبحي على خير.
قبلت وجدان الصغير قائلة:
وإنتِ من أهله.
ذهبت درة بالصغير، تنهدت وجدان بسعادة…
بينما أغلق طوفان الهاتف وضعه جواره وهو يتنهد بإرتياح، فالقدر اليوم كان فى صالحه، لكن لن يظل ذلك دائمً عليه أخذ خطوة وإخبار دُرة بزواجه من روزان، ربما وقتها خفت حِدة رد فعلها… الغير متوقعة، أو ربما تتسرع دُرة برد فعل…برد فعل غير متوقع ، لكنه على الأقل سيكون قد واجهها بالحقيقة بدلًا من أن تكتشفها من غيره.
أسند طوفان رأسه للخلف، عيناه تحدقان في السقف يشعر بتزاحُم في عقله يلوم نفسه يخبرها أنه
بالتأكيد أخطأ حين تزوج روزان… لكن الظروف وقتها كانت قاسيه وذلك الزواج كان هروبً… كذالك
صوت داخله تمرد عليه:
كان لازم تفكر قبل ما تخطي الخطوة دي… مكنش لازم تسرع فى رد الفعل…
تنهد بأسف يشعر ان القدر دائمًا يضعه في مواجهات حاسمة دون أن يستعد لها.
❈-❈-❈
شقة ابتهاج
كان عزمي مُمَدّدًا على الفراش، شاردًا، يسبح في دوامة من الأفكار المتشابكة، يشعر بتزاحم المشاكل برأسه حتى كاد يختنق من كل شئ حوله يود الهروب من تلك الدائرة … لم يكن حاضر الذهن، بل كأن روحه تائهة بين خيبات مر بها…
فاق حين شعر بيد إبتهاج تُلامس صدره، بنعومة وجرأة…
رفع عينيه ببطء، نظر لـ ابتهاج التي تُمَسّد على صدره بإغراء سافر، نظرتها تحمل الكثير من الزيف… ابتسامتها التى تتسع بثقة من تظن أن لها أثر عليه..
شدّ أنفاسه، لم يُبدِ رد فعل مباشر، لكن عينيه قالت الكثير…
صراع بين التعب والرغبة، بين الحاجة للاحتواء والاشمئزاز من أسلوبها…
توقفت يد ابتهاج للحظة، كأنها تراقب رد فعله، وعينيها تُحدّقان فيه بجرأة،
همست بنعوم مُتعمّدة :
شكل دماغك مشغولة محتاج لحد يخرجك من اللي شاغل بالك…قولي إيه اللى شاغلك أوي كده…يمكن تلاقي عندي الحل اللى يريح راسك.
ظل عزمي ساكنًا، لم يتحرك، لكن عينيه لم تغفلا عن تلك النظرة التي رآها كثيرًا فى عين تلك الأفاقه
تنهد بهدوء يشوبه البرود والتهكم:
حلالة المشاكل إنتِ.
ابتلعت طريقته الجافة تبسمت بنعومة مُصطنعة تستفزه وهي تقترب أكثر، حتى أصبحت أنفاسها تلامس وجه، تتعمد إغراؤه وكادت تضع قُبلة فوق شفتيه، قائلة بإغراء:
جرب وشوف
تهكم عزمي
وفجأة، اعتدل في جلسته وهو يزيح يدها عن صدره بهدوء لا يخلو من الحسم، نظر لها نظرة ثابتة قائلّا بإمتهان لها:
جربت وشوفت… أنا زهقان، قومي حضرلي الشيشة يمكن انسي… كل اللى عاوزه هو النسيان.
عبست ملامحها قليلًا، ولمعت في عينيها نار خفية، لكنها أخفتها خلف ابتسامة مصطنعة: واضح زي ما قولت إن مزاجك مش رايق النهارده.
نهض من على الفراش، ، وتركها جالسة علي الفراش ثم قال وهو يسير نحو الباب:
مزاجي مش رايق … قومي هاتيلي الشيشة يمكن النفخ يطلع الكبت اللى جوايا.
فتح الباب وخرج، تاركًا خلفه سكونًا ثقيلًا، وامرأة لا تعرف الهزيمة…نهضت بعده دقائق وذهبت الى تلك الغرفة تحمل الأرجيلة تنظر له مازال عابسً، جلست أرضًا لجواره تدلل عليه بخبرة، لكن هو كل ما يريده تلك الأرجيلة فقط، يُنفث الدخان… حاولت سحبه للحديث، لكن هو كان أخبث منها ،لكن بلا وعي منه تحديث أمامها عن طوفان قائلّا:
طوفان…
طوفان قدر يوصل لكل اللى إتمناه، إتجوز اللى كان بيحبها، خلف منها، حياته هادية، بقي كبير العيلة وكلمته سيف على رقابهم… وأنا من زمان أوي اتنازلت عشان خاطر أبقي الكبير وفي الآخر…
توقف يضحك على خيبته… ثم تحدث بندم:.
ياريتني عملت زي طوفان وجرفتهم كلهم معايا تحت أمري، لكن نوح كان أقوي…
توقف يضحك بشدة قائلّا بحنق من تدابير القدر:
نوح لو يعرف إن أكتر واحدة كان معارض إن طوفان يتجوزها هي اللى جابت له الولد ورجعت إسمه يتنطق من تاني…تعرفي طوفان ليه سمى إبنه “نوح”.
صمتت تسمع هزيانه:
عشان يبقي الإبن البار… رغم قسوة نوح عليه، أنا شوفت نوح وهو كان هيصفع درة بالقلم وطردها هي وخالها من الڤيلا … مع ذلك سامحت…
توقف وعاد يضحك:
لاء مسامحتش هي عاوزه تبان إنها…
توقف يسعل ثم أكمل بتوهان:
تبان إيه…
عاد يمِن بغِل على:
طوفان محظوظ اتجوز من اللى حبها وأنا مصيري أتجوز من سامية، عمرها ما حسستني إني ليا مكانه دايمًا تتفاخر بعيلتها وأخوها سيادة النايب، دايمًا بومه عمرها ما أستقبلتني ببسمه زي اللى شوفت درة بتبتسمها لـ طوفان
تعرفي مش درة ضربت طوفان بالرصاص… بس حسيت وقتها إنها مش عاوزاه يموت وهو كمان كان مرحب بكده إنها تضربه بالرصاص يمكن تحس براحة قلب وترجع من تاني له وتنسي اللى حصل… أنا شوفت الفيديو…
الفيديو كان معايا.
توقف عزمي… بينما تحكم فضول ابتهاج سائلة:
فيديو إيه.
نظر لها بتوهان يُبعثر خصلات شعره كأنه نسي نظر لها سائلًا:
فيديو إيه.. أنا مصدع عاوز أنام…
لم يستطع النهوض تمدد مكانه أرضًا تركته ابتهاج وهي تشعر بزيادة الغِل والحقد على طوفان، تنفست هواء كأنه مسموم برياح قاصفه، لكن بداخلها قرار لابد من أخذ تارها من طوفان والهدف أصبح إثنين
زوجته وإبنه.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
بالمصنع
-زي ما قولتلك إيه اللى مش فاهمه.
انتقض جلال ونهض واقفً بتفاجؤ وعاد يسأل يود تأكيد النفي عله سمع خطأ:
قول تاني قولت إيه.
أخفى طوفان بسمته وعاد يؤكد قوله:
بقولك فى مهندس بيشتغل هنا فى المصنع، شاف خلود وعجبته وهو عارف انها قريبتي فطلب مني اتوسط وأكلم أهلها، هو من عيلة كويسة و….
قاطعه بغضب جم قائلًا بتعسُف ورفض ثم لوم لـ طوفان :
وإيه…ده مستحيل، بقي أنا جايبها تشتغل عندك هنا عشان في الآخر تجيب لها عريس، ماشي يا طوفان حسابك معايا بعدين.
مازال طوفان يحاول كبت بسمته فها هو من كان يدعي دائمًا إن خلود بالنسباله مثل شقيقته… الآن ظهرت حقيقة مشاعره
غضب وغِيرة من مجرد إقتراح عريس ، فضحته انفعالاته أكتر من أي اعتراف.
رفع طوفان حاجبه بخبث قائلًا:
أنا قولت عريس مش عدو جاي يحتل داركم
إيه يا جلال الراجل غرضه شريف شافها وعجبتها و….
تجمدت ملامح جلال، الغضب غلف صوته كذالك ملامحه:
طوفان قفل عالسيرة دي و…
قاطعه طوفان بنبرة ناعمة كذالك لاذعة ومفاجئه تكشف حقيقة قلبه وقسوة ما مر به سابقًا:
إنت بتحب خلود
حب حقيقي مش حب قرايب، بلاش تضيع وقت وخد خطوة الارتباط
بلاش تبقي زيي مستسلم للوقت ممكن تضيع منك فى غفلة وقتها هتعيش الندم فى كل لحظة، أنا لولا القدر كان زماني عايش بائس، رغم كنت أتمني جوازي أنا ودرة يكون بشكل تاني، بدون منغصات وأوجاع الماضي فوق قبل فوات الآوان بلاش تسيب الوقت يسرقك
تنهد وهو يتكئ بظهره على المقعد
تذكر قبل أكثر من عام مواجهة درة له بذلك الفيديو الذي كان
بداية الفُراق الذي ما زال صداه يصفع قلبه حتى الآن…
نظرتها له وقتها ، نظرة امرأة طُعنت فى كبريائها… ليته تحدث وقتها، لكن
صمته كان اعترافًا، وبداية إنهيار عاشه لوقت وحيد يتحمل بقسوة.
🌹🌹
↚
بالمصنع بمكتب طوفان..
نفث دخان سيجارته ثم نظر لـ عزمي الجالس أمامه قائلًا بنبرة حِدة:
خالي بلغني عن مخالفات كتير فى المصنع بتاع الكيماويات، من وزارة البيئة كمان من الصحة والزراعة، ليه كل المخالفات دي.
إرتبك عزمي وتعلثم بالرد قائلًا بتبرير:
مشاكل ايه دي كلها دي مُبالغات كمان…دى أكيد خفايا دفينة وتصفيات حسابات قديمة انت عارف….
قاطعه طوفان بتهكم:
تصفيات وخفايا إيه يا خالي،بلاش تدخل نفسك فى مشاكل تقدر تستغني عنها،أنا عارف إن حسام كان بيسهل لك حاجات كتير سواء مع وزارة الزراعة او البيئة قبل كده معرفش كان بياخد مقابل أو لاء،بس كفاية مخالفات يا خالي، المصنع شغال وبيكسب كويس يبقي ليه تدخل نفسك فى مناوشات، غير سمعة العيلة… عدل مواسير الصرف ودخل المخلفات فى حاويات خاصه بها واتخلص منها فى أماكن بعيدة عن الترع والمصارف المائية.
كاد عزمي ان يتحدث لكن صدح رنين هاتف طوفان، جذبه من على المكتب نظر للشاشة سُرعان ما خفق قلبه وتبسم حين قرأ إسم درة
نظر نخو عزمي ثم نحو الهاتف وقام بالرد لينتفض بفزع واقفًا
قبل دقائق
على الطريق
هلع قلب دُرة من أصوات الرصاص كذالك بعض الرصاصات التى أصابت أطراف سيارتها
بتلقائية، نظرت نحو المقعد الخلفي تنظر لصغيرها الذي بكي كأنه فزع من أصوات الرصاص هو الآخر ،شعرت برعب عليه عقلها كأنه توقف للحظات لا تفكر سوا فى بكاء صغيرها… فاقت بسبب رصاصة أصابت صفيح باب السيارة المقابل للمقود… اخفضت رأسها عن الزجاج كذالك أغلقت صمام الأمان الخاص بالسيارة بصعوبه فكت ذلك الحزام الذي كان حول مقعد صغيرها، سحبته الى أرضية السيارة، ثم بيد مُرتعشه جذبت هاتفها بلحظة لم تُفكر سوا بـ طوفان… فتحت الهاتف وقامت بالإتصال عليه، رغم انه لم يغيب بالرد لكن أصوات الرصاص مُفزعة وكل خوفها علر صغيرها… بمجرد ان سمعت صوت طوفان كان صوتها مُرتعبًا:
طوفان إلحقني…
إنقطع صوتها للحظة، هلع طوفان بعدما وصل له أصوات الرصاص وسأل بفزع:
درة إنتِ فين.. إيه أصوات الرصاص دي…
أجابته وهي تلتقط أنفاسها:
أنا على الطريق…والرصاص شغال.. نوح معايا فى العربية ألحقنا يا طوفان.
بفزع حدثها بنبرة أمر:
درة افقلي العربية بالسنتر لوك وأوعي تنزلي من العربية، وإبعدي عن الإزاز.
بدموع ورجاء حدثته:
نوح يا طوفان، أنا خايفه أوي… أنا بحبك يا طوفان.
“انا بحبك يا طوفان”
يبدوا أن تلك الجملة لا يسمعها الا بوقت الخطر….
تنهد يزفر نفسه قائلًا بتطمين زائف:
درة إهدي أوعي تطلعي من العربية…سيبي الموبايل مفتوح معايا.
-حاضر.
قالتها بهلع
بينما طوفان أخرج هاتف آخر من درج المكتب وغادر مُتجاهلًا سؤال عزمي…
الذي لوهلة لمعت عيناه فيبدوا أن هنالك مصيبة ودرة طرف بها…
بينما أثناء ركض طوفان نحو السيارة قام بإتصال تحدث بلهجة عالية :
إنتم فين، إيه اللى حصل… وإزاي ده يحصل… إدخل بسرعة أنا جاي فورًا.
أجابه الآخر بذلك الفخ الذي حدث وأن ذلك الجرار مازال واقفً على الطريق والحرس تركوا السيارة وهم بالطريق نحو سيارة درة.
صدفة… أو قدر… او كلاهما معًا
كان عائدًا الى المنزل بعدما أكتشف أنه نسي ذلك التقرير الطبي الخاص بحالته الصحية… بسبب ذلك الحادث الخادع الذي تعرض له مؤخرًا فضربة السلاح برأسه تركت جرح غائر قليلًا…. إستلزم عمل آشعة على رأسه…
فى أثناء عودته وأثناء قيادته للسيارة سمع صوت طلق رصاص… بحدثه كضابط شرطة إستشعر الخطر، أكمل طريقه، بعدما ظن أن يكون ذلك بعُرس أو ما شابه ذلك، تقدم بسيارته حتى تفاجئ بتلك السيارة التي تقف بعرض الطريق تطلق الرصاص على سيارة أخري… توقف مذهولًا حين رأي السيارة الأخري سيارة دُرة…
بنفس الوقت كانت درة أصبحت هدفُ قريب الوصول بعدما ترجل رجلان من السيارة وتوجها نحو سيارتها يحملان السلاح…
بنفس الوقت إقترب عناصر من الحراسة يقومون بإطلاق الرصاص التحذيري عشوائي فى البداية، يحاولون تجنب سيارة درة…
توقف للحظات يُفكر،هو ليس معه سلاح، درة إبنة خاله،بنفس اللحظة تذكر حسام وحكاياته وهيامه بـ درة، وبعض المُقتطفات تمر أمامه
مدى أمنية حسام أن يمُر الوقت ويجتمع مع درة بمكان واحد وهي زوجته…
أمنية لم تتحقق، والآن أمامه دُرة محاصرة، بعدما عاد ذلك الرجلان الى السيارة ابتعادًا عن رصاص رجال الحراسه حتى يستكملا مهمتهما دون تلقي رصاص إحتماءًا بالسيارة…
درة بالمنتصف، حقًا الحراسة تحاول تفادي الرصاص نحوها لكن المجرمين هدفهم سيارة درة التي تلقت وابل من الرصاص،كأنها حرب مُصغرة،ورجال الحراسه هنالك منهم من قد نالته رصاصات…لحظات قبل أن يتحكم ضميره كـ ضابط شرطة…حماية الأبرياء.. لابد ان يتدخل…
لكن عدم وجود سلاح لديه… لكن ليس ذلك عائق هو مُدرب على مواجهة ذلك، بالفعل ترجل من سيارته… وتسلل بخفة متقنة خلف السيارة المتوقفة، يراقب المشهد بعين صقر لا يطرف.. دُرة كانت لا تزال محاصرة، صوت الرصاص كالمطر الغاضب فوق سطح سيارتها، والزجاج الأمامي لحظات وقد يتناثر كشظايا،
اقترب أكثر، ، يدرس تحركات المجرمين… حتى جاءت الفرصة… أحد المجرمين كان يفرغ مخزن سلاحه بهوس، والآخر يراقب الطريق الخلفي، متيقظ لأي حركة… الفرصة الوحيدة كانت في المباغتة…
رأى فرع شجرة سميك جاف يُشبه عصا خشبية طويلة مُلقي بجوار الطريق، التقطه دون صوت، يده ترتجف من التوتر لكن عينيه ثابتتين… تحرك كالشبح خلف المسلح الأقرب، وفي لحظة سريعة هجم عليه، وضربه على مؤخرة رأسه بكل ما أوتي من قوة…
سقط المسلح أرضًا، لم ينتيه زميل المجرم للحظة… لكنها كانت كافية انقض حاتم على السلاح وتدخل،استطاع قنص أحد المجرمين التى بدات قوتهم تضعف بعدما تدخلت قوة من الشرطة بنفس الوقت وصل طوفان هو الآخر ومعه قوة مُسلحة تصارعوا بعنف معهم …
تمت تصفية المجرمين عدا رئيسهم الذي أصبح شبه وحيدًا خلف مقود السيارة،فكر بالهرب عن طريق إلقاء نفسه بذلك المجرى المائي،لم يُعد أمامه سوا ذلك،سحب سلاح وفتح باب السيارة للحظات غير مُنتبه لـ حاتم الذي لاحظ محاولة تسلل ذلك المجرم فتتبعه فورا،لكن ذلك المجرم لاحظه،بمباغتة آستدار خلفه وأطلق رصاصه إنتبه حاتم باللحظة الأخيرة فابتعد قليلًا،أصابته بشظية بكتفه الايسر…وعاد المجرم يتسلل لكن …
السلاح مازال في يد حاتم … وجهه نحو الجهة الأخرى، وصرخ بنبرة ضابط حقيقي: ارمي سلاحك على الأرض، مفيش قدامه طريق للهروب.
رن صوته كالرعد، تشتت تركيز المجرم … فالنهاية أمامه واضحة حتى ذاك المجري المائي ليس آمن
محاصرة رجال الحراسة وذلك الوغد الذي لا يعلم كيف ظهر، كذالك وصول طوفان
بإستسلام القي السلاح، كان بغرضه أن ينزلق فى مياة المجرى المائي لكن إستقر على طرف بعيد عن مجرد سنتيمترات…وصل أحد رجال الحراسة وتحفظ على المجرم..بحذر أخرج محرمة ورقيه جذب السلاح.
أما دُرة…وكأن الزمن قد توقف حولها إلا من قلبها الذي ينبض بالخوف والذهول… فقد امتثلت لأمر طوفان وظلت داخل السيارة، تحتضن رأسها بذراعيها، تبكي صامتة وهي تنظر لصغيرها الذي يبكي وهي كأنها مشلولة عن الحركه تخشي أن تجذبه نحوها فيتضرر زجاج السيارة ويصيبه الضرر…لكن توقف الرصاص…رفعت رأسها مازال أثر دخان الرصاص… لكن النجاة جاءت على هيئة شخص… لم تتوقعه…
حين إقترب حاتم وطرق على زجاج السيارة الأمامي بلا إنتباه انه على لمسه بسبب الشروخ الكثيرة… بالفعل وقع الزجاج، فصرخت دُرة بقوة وهي تضع يديها حول رأسها …
إنتبه لها طوفان، الذي ذهب نحوها سريعًا، بينما إعتذر حاتم قائلًا:
درة … متخافيش خلاص…
لم تهدأ درة الأ حين سمعت صوت طوفان ينطق بإسمها،لكن لم تستطيع الحركة تشعر بعجز فى ساقيها حتى فتح طوفان باب السيارة جذبها من مُعصمها،لم تستطيع السيطرة على جسدها لولا إسناده لها للحظات انتبهت لبكاء صغيرها المستمر،بلهفة وقوة واهيه ابتعدت عن طوفان تحاول فتح باب السيارة الخلفي،لكن يديها إرتعشت على مقبض الباب فتح طوفان الباب وجذب الصغير إطمئن عليه وقف جوار درة الذي ضمها هي وصغيرة بصورة عفوية،يلتقط أنفاسه بعد لحظات كان يُصارع خوفً من الفُقدان…لم تستطع درة الوقوف على قدميها،جلست على طرف باب السيارة الخلفي…رفعت رأسها تنظر لـ طوفان الذي يحمل صغيرهما الذي هدأ بكاؤه قليلًا قائلة:
هات نوح يا طوفان.
أعطاه لها بدأ يختفي بكاء الصغير حين ضمته لصدرها،كأن ذلك ما كان يحتاج له وسط ذلك الصخب الدامي حضنها،ظل طوفان واقفً جوارهما…
صورة عفوية وحاتم يرجع للخلف ذهب نحو قائد الشرطة قام بإعطاؤه ذلك السلاحين كـ حِرز…ثم نظر نحو طوفان ودرة منظرهما عفوي…ودليل واضح
وذكري مواجهة درة له عقب إجهاض جود تطن برأسه
“أنا وطوفان بنحب بعض من وإحنا أطفال صغيرين،اللى فرق بينا” حاتم”،وأنا كنت مجروحة وإتسرعت فكرت إنى برد على وجع جوايا، وصدقت إني ممكن أنسى طوفان…
بس الحقيقة جرحت مش بس قلبي كمان قلب طوفان،ومستحيل جوازي من حسام كان يكمل وقبل ما يتوفي بيومين طلبت منه الإنفصال،لان مشاعري مكنتش قادرة أعيش وأكمل فى الارتباط ده أكتر، وأضغط على مشاعري أكتر ، قلبي كان متعلق بـ طوفان، وكل يوم كنت بعيشه بعيد عنه… كنت بحس إني زي الغصن المكسور وسط اعصار،أنا لما رجعت للـ المنيا تاني رجعت بسبب طوفان…وأول شخص طلبت مقابلته…كنت عاوزه أواجهه، أصرخ فيه، وأعاتبه، ليه إستسلم وبعد عني… يمكن كنت مستنية نظرة منه ترجعني…
حتي لما طلبت تتجوزني وافقت قدامه عشان أعانده…لما ضربته بالرصاص،كنت عاوزاه يتوجع قد ما أتوجعت إنه لما مات بابا مفكرش يجي يعزيني وأحس بوجوده جانبي وقتها حسيت وقتها إني لوحدي، والكون كله سابني وبقيت شريدة…
إنت دخلت جود فى دايرة إنتقام بخِسة منك،بس اللى واضح قدامي إنك إنت و جود متساوين فى الوجع يا خسارة يا حاتم…دوق كَسرة القلب…متعرفش إن القسوة والجفا أكتر حاجتين بتكرههم أي ست”
ندم اليوم أكثر… درة كانت مُحقه… لم تهدأ الا حين سمعت صوت طوفان كأنه ناقوس الأمان لها… رفع وجهه نحو سيارة درة،رأى طوفان يأخذ منها صغيرهما يساعدها أن تنهض لحظات ندم قوية تخترق قلبه مثل بركان ينصهر بغليان، ربما لو لم يخذل قلب جود كان لديه هو الآخر طفل بنفس عُمر ذلك الطفل وحياة أخرى أكثر إستقرارًا وهدوء
وقف ثابتً رغم إنهيار قلبه … نظراته مُسلطة على ذلك الطفل، وكذالك طوفان… الذي أخد الطفل من حضن درة كأنه يسترد روحه،
هذه اللحظة كشفت له حقيقة
إنه فشل… ليس فقط في الحفاظ على قلب جود، لكن أيضًا فشل في إنه يكون رجلًا بمعنى الكلمة، رجُل يحارب لأستعادة قلب من خذلها.
❈-❈-❈
الأخبار السيئة لا تنتظر كما يقولون
اشاعات وإشاعات، كلها سيئة والأسوء هو
إنتظار العودة حتى بعد اتصال طوفان واخباره له انهم بخير
بمنزل طوفان
كانت وجدان لا تقل قلقًا عن كريمان كذالك جود…
لكن دخول طوفان يحمل نوح وجواره درة كان بمثابة …إعادة تنفس بعد اختناق طويل.
تجمدت وجدان مكانها، والدموع تتلألأ في عينيها، لم تستطع النطق، فقط نظرت للصغير بين ذراعي طوفان كأن قلبها قد استعاد نبضه من جديد…
بينما كريمان فوضعت يدها على صدرها تُحاول السيطرة على دقات قلبها المتسارعة، ثم تقدمت ببطء نحوهم تنظر الى درة وتلك الدماء على ثيابها،ضمتها بقوة،تبسمت درة قائلة:
أنا بخير يا ماما والله،دي جروح صغيرة فى ايدي بسبب إزاز العربية.
رفعت كريمان رأسها تنظر لـ درة ثم عادت تضمها… تبسمت درة لو سابقًا لقالت أن ذلك مبالغة فى المشاعر لكن هي قبل قليل كاد عقلها أن يذهب خوفُ ولم تُفكر سوا بنجاة صغيرها.
بينما جود ركضت نحو طوفان سائلة بلهفة:. إنتم كويسين.
أومأ برأسه… ثم ذهب نحو وجدان… التي مدت يديها أخذت نوح منه تنظر له بحنان، وأخيرًا تفوهت:
الحمدلله قدر ولطف.
بنفس الوقت دخل باسل يلهث قائلًا:
درة.
تبسمت له قائلة:
أنا بخير شوية جروح صغيرة… واضح ان الحادثه لها صدا واسع معرفش فين اللى أنا ليا مكانه كبيرة أوي كده عنده، ده كان عصابة.
زفر طوفان نفسه هو الآخر لا يعلم سبب لتلك الحادثه فهو ليس له أعداء،أو هكذا كان يظن،والآن عليه معرفة من ذلك العدو الخفي معدوم الأخلاق الذي ينتقم من امرأة وطفل.
❈-❈-❈
كذالك الخبر وصل الى إبتهاج رغم ضيقها من نجاة درة وطفلها، لكن داخلها تشعر بهدوء، فالأخبار تقول أنه تم تصفية العصابة، إذن هي مازالت مجهولة، لن تتنازل عن ثأرها مع طوفان
هو حرمها من زوجها ووالدها، الإثنين معًا فقدتهما بوقت واحد والسبب طوفان الذي قدم أوراق إعدامهما الى المحكمة
سيدفع ثمن ذلها من بعدهما وإضرارها حتى وصل بها الحال ان تُصبح زوجة أحد صِبيان زوجها كي لا تتشرد هي وطفلها الذي لم يكُن أكمل ثلاث سنوات وهي تُخطط لضرب طوفان فى مقتل، انتظرت أن تنتقم مثلما حرمها من زوجها تحرمه من زوجته، إقترابها من عزمي لم يكُن لإحتياجها للعمل كما ظن، بل كان خطوة نحو الإنتقام، ربما حُرمت من زوجها ووالدها ، لكن باقي خيوط اللعبة بيدها فهي لا تختلف عنهم وأخذت خبرة الإثنين الذي لولا الخداع والتضحية لكانا أصبحا هما أقوي تُجار السلاح لكن تم التضحية بهما وقوعهما كان بدسيسة، عزمي كان آبله وسقط في قبضتها سريعًا… لا تعلم أي نُقطة إستغلت به، لكنه سقط بسهولة… كشف لها جزء من خطوات طوفان، كذالك حكايته عن مدى غرامه بزوجته… لو كانت وصلت اليوم الى هدفها كانت ستختفي وتنتهي من وجوده فى حياتها لا يستحق أن تتخلص منه، يكفيها الطلاق، لكن مازال له أهمية، وعليها تحمل بلاهته.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين.
صباحً
بمنزل طوفان
شعر بغصة فى قلبه وهو يرا تلك الاصقات الطبيه حول معصمي درة التى تجلس تحمل صغيرهما الذي رفض الإنصياع والإستسلام رفضًا لصدرها، وبديل عن ذلك أصبح يرغب تلك الزجاجة البلاستيكية… زفرت درة نفسها بأسف قائلة:
زي عادته اليومين اللى فاتوا، يظهر أتعود عالبيبرونة خلاص.
ابتسم طوفان قائلًا بمرح:
إبني طالع ليا بيحب اللى يريح مامته.
نظرت له بسخط قائلة:
وهي البيبرونه راحه ليا، ده تعب عليا بسبب تجهيزها وبالذات بالليل،بالنهار طنط وجدان أو جود أهو بيهتموا بيه لكن وردية الليل أصعب وردية.
ضحك طوفان، نظرت له درة بغيظ فازادت ضحكته وهو يأخذه منها يُقبله قائلًا بغمز وعتاب مرح :
ليه غاوي تعب لـ ماما…
ثم همس:
أيوه كده خد بتاري منها.
لم تسمع درة ذلك،نهضت قائلة:
طالما ساكت معاك هاخدلي دُش سريع وأغير هدومي،عندي ميعاد مع سمسار عشان الشقة اللى هعمل فيها مركز البصريات…
توقفت ثم تنهدت بأسف:
للآسف الموضوع ده اتأخر كتير.
ابتسم طوفان قائلًا:
ومالك بتبص لى كده ليه أنا مالي.
زفرت نفسها قائلة:
الجواز والخِلفة عطلوني كتير،مكنش كل ده فى تخطيطي.
ضحك طوفان وهو يقترب منها قائلًا بوقاحة:
وأنا كنت غصبتك إنتِ اللى دايمًا مُتسرعة و…
توقف للحظة ثم عمدًا همس بأذنها ببعض الكلمات التي لو تركته يستكمل لن تتحرك من أمامه بل ستلتصق به،لكن نفضت تأثيره وهمسه الناعم قائلة بتعسُف:
خُد إبنك وإطلع من الاوضة يا طوفان.
ضحك طوفان وكاد يشاغبها لكن رنين هاتفها منعه…سحبت هاتفها،نظرت له ثم لـ طوفان قائلة:
دي رسالة من شركة الاتصالات.
ابتسم طوفان قائلًا:
بلاش تتأخري بره البيت يا درة أرجع المسا تكوني فى الدار مستنياني ومسربة نوح.
ضحكت قائلة:
وأسربه ليه.
ضحك قائلًا:
عشان أستفرد بـ مامته ليا لوحدي، يمكن تحمل مرة تانيه ويقولوا حملت من الخضة.
ضحكت درة قائلة:
لا خلاص الخضة عدت وحمل تاني دلوقتي مستحيل… عاوزه انتبه لمستقبلي العملي شوية.
ضحك طوفان قائلًا:
لما أرجع المسا هنشوف.
تبسمت درة بدلال وتركته مع نوح الذي شاغبه قليلًا حتى صدح هاتفه،أخرج الهاتف من جيبه،إستغرب ذلك الرقم قام بالرد سمع حديث قليل،بنفس الوقت خرجت درة من الحمام وبمجرد أن رأها قطب فى الحديث قائلًا:
تمام الساعه حداشر هكون عندك.
اغلق الهاتف،نظرت له درة وقبل أن تتحدث بفضول تهرب قائلًا:
هاخد طوفان وأنزل على ما تسرحي شعرك وتلبسي هدومك…
اتبع ذلك بمزح وقح كيف يصرف فضولها:.
عشان لو فضلت هنا فى الاوضة هندخل نستحمي إحنا الأتنين.
زغرت له فضحك،وضع قُبله على إحد وجنتيها قائلًا:
بلاش زغر عالصبح.
غادر هو والصغير،بينما تنهدت درة تشعر بأن هنالك خطبِ ما من خلف ذاك الإتصال،لكن نفضت ذلك بسبب الوقت.
❈-❈-❈
بالنيابة
استقبل النائب طوفان مُصافحً وتبسم قائلًا:
مواعيدك مظبوطة واضح إن مازال شغلك السابق كـ وكيل نيابه مأثر عليك.
ضحك طوفان،بينما عاود النائب حديثه قائلًا:
أنا الصبح اتصلت عليه واديتك نبذة عن سبب اتصالي عليك.
أومأ طوفان رأسه قائلًا:
أيوة،وأنا بصراحة مُندهش،بس أكيد فى نقطة مفقودة تفسيرها عند المجرم اللى اتمسك.
واقفه وكيل النيابه قائلًا:
مش أنا اللى كنت وكيل النيابة هنا أثناء التحقيق فى قضية القتل دي،بس عرفت إنك كنت موجود بشكل واضح،وكإستثناء مني،هتقوم معايا بالتحقيق مع المجرم ده.
أومأ طوفان مُرحبً
بعد دقائق دلف احد العساكر ومعه ذلك المجرم،الذي نظر نحو طوفان بإستبياع…
تحدث النائب أولًا:
دلوقتي المحامي بتاعك موجود هنا فى المكتب يعني حِجة مش هتكلم قدام المحامي بتاعي بتاعتك بطلت.
صمت المجرم ينظر نحو محاميه الخاص…أومأ له برأسه…
بينما تحدث طوفان قائلًا بحِنكة… كمُحقق سابق:
كل المجرمين اللى كانوا معاك فى عملية الإغتيال إتصفوا، مفضلش غيرك.
قاطعه المجرم ببجاحة:
ربنا يرحمهم ويرحمنا جميعً.
تنهد طوفان وأبتلع سخافة المجرم الذي يبدوا أنه ليس المرة الاولى له، يقين أنه هو كان رئيس هؤلاء الاوغاد…
تفوه بهدوء:
السلاح اللى كان فى أيدك وقت ما إتقبض عليك، جبته منين.
تهكم المجرم قائلًا بسخافة:
إشتريته من السوبر ماركت، حتى كانوا عاملين عرض خُد واحد والتاني هدية.
نظر طوفان والنائب لبعضهما بضيق، لكن عاود طوفان السؤال:
من مصلحتك تقول مكان السوبر ماركت ده.
تهكم المجرم قائلًا:
إنت بتحقق معايا بصفتك إيه.
تحدث النائب بأمر ومنع المحامي من الاعتراض قائلًا:
من مصلحتك تتكلم وترد على أي سؤال يتوجه لك باحترام ومصداقيه.
نظر له طوفان قائلًا:
جبت السلاح منين.
صمت المجرم.. فتفوه طوفان بتوضح صعق المجرم:
السلاح ده اتقتل بيه اتنين قبل كده، بسخافتك فى الإجابه على سؤالي بتضمن لنفسك إعدام… قول السلاح ده وصلك إزاي.
❈-❈-❈
أمام أحد المشافي
بسبب عدم الإهتمام بتلك الإصابة بكتفه نزف، هاتف الطيب الذي سبق وضمد له الجرح، وقام بالقدوم الى المشفي لمداواة ذلك الجرح…
لم يعلم بمن قد يقابلها اليوم
صدفة قدرية دون تخطيط
ترجل من سيارته
لكن توقف حين إقتربت تلك السيارة الاخرى كي يُفصح مجال لها للوقوف،
إتسعت عيناه وشعر بخفقان زائد حين رأي تلك التي قامت بركن السيارة وترجلت منها كانت كعادتها تبتسم،لكن إختفت البسمة وعبث وجها حين تقابلت عينيها مع حاتم الذي همس قلبه بأسمها
“جود”
🌹🌹
❈-❈-❈
بالنيابة العامة
راوغ ذلك المجرم رغم رجفة قلبه خوفً من جهتين
الجهة الأولى ذلك العقاب الذي يقول عليه طوفان هو الاعدام
والثانية لو أوشى بـ إبتهاج لن يفرق كثيرًا بالتأكيد لن تتواني وتُرسل من يقتله فى السجن…
حائر بين قرارين والإثنين موت مُحقق…
إبتلع ريقه الجاف ثم نظر لـ طوفان قائلًا بإنكار:
معرفش السلاح ده كان مع واحد من اللى كانوا معايا فى المطاردة ومعرفش هو جابه منين.
نظر طوفان والنائب لبعضهما بنظرة فهمها الإثنين… نهض وكيل النيابة من خلف المكتب ثم توجه نحو جلوس المجرم، وبخفه وضع يده على كتفه ثم تحدث بنبرة تحفيز مُبطنة بتهديد غير مباشر:
دلوقتي كل اللى كانوا معاك فى المطاردة إتصفوا مفيش غير واحد فى المستشفي صحيح حالته خطر الله أعلم ممكن تحصل معجزة ويعيش وقتها فى الإستجواب ممكن هو كمان ينفي عن نفسه الإتهام ويرمي التهمة كلها عليك، كل شئ وارد، يمكن إنت خايف تعترف مين اللى سلطك تقوم بمطاردة سيدة وإبنها فى عز النهار، أكيد كنت مخطط لكل شئ كويس، بس نسيت القدر سهل يدخل وده اللى حصل بحضور سيادة الضابط “حاتم بدران”
صدفة وهو اللى قبض عليك والسلاح اللى بنتكلم عليه كان فى إيدك، يعني حتى لو زي ما بتنفي عدم معرفة هاوية السلاح، فبرضوا تهمة القتل العمد هتتوجه ليك، متنساش
إن السيد “طوفان مهران” كان وكيل نيابة سابق وهو اللى سبق وقدم متهم للقضية اللى إتقتل فيها إتنين اتقتلوا بالسلاح ده… كمان مش للصدفة أكيد
واحد من الإتنين اللى إتقتلوا بالسلاح ده هو والد زوجته، وسهل تفتح القضية من تاني لظهور سلاح الجريمة.
توتر المجرم يُفكر للحظات، نظر نحوه طوفان والنائب بترقُب، لكن خاب أملهما حين أصر المجرم على النفي وعدم الإعتراف بمن أعطى له تلك المهمة، ولما أختار زوجته… كانت إجابته غير مُقنعة:
محدش عطاني أوامر المطاردة كلها صدفة.
إجابة لا يقتنع بها أبله لكن للآسف بعد محاوارات كثيرة تبث الخوف فى قلب المجرم، فشل الإثنين فى أخذ إعتراف مُقنع.
بعد قليل
غادر المچرم،ظل طوفان مع وكيل النيابة الذي تحدث بتخمين:
أكيد خايف يعترف على اللى حرضه.
أومأ طوفان برأسه موافقًا:
للآسف،السلاح ده نفس عيار السلاح اللى إستخدم فى جريمة قتل إتنين،هو أكيد عارف إن لو إعترف ازاي السلاح وصل له هيموت قبل ما يوصل للمحكمة،بس متأكد إن لو ضغطنا عليه ممكن يعترف،ويعترف كمان بمين اللى حرضه على قتل زوجتي،بس هو دلوقتي واخده شوية إستبياع مع الوقت هيروحوا.
❈-❈-❈
تمكن منه الإدمان،
أصبح أسيرًا لعادةٍ تنهش روحه قبل جسده،
كل مرة يظن أنها الأخيرة… ثم يضعف،
يفتح الباب للضياع طواعية،
كأنه لا يعرف طعم النجاة،
أو كأن ذلك التوهان صار صديقًا لا يُغادر…
في زوايا الغرفة المعتمة رغم أنه منتصف النهار ، جلس على الأرض، ظهره يتكئ للحائط وذراعه متدلية بجانبه، وبقايا آثار ذلك المسحوق الأبيض حول أنفه لم تزول بعد…
عيناه نصف مغمضتين، تحدقان في السقف، كأنهما تبحثان عن مخرج وهمي، عن لحظة صافية لم يلوثها الهروب… لكن أصبح لا هروب سوا لمكان واحد… نهض يترنح ذهب نحو خزانة ثيابه يبحث عن مُغلف صغير، جذبه سُرعان ما تأفف بضيق حين وجده فارغًا… جذب سُترة له ووضع بعض المال، وغادر برأس بدأت تؤلمه…
بعد قليل بمكان من الخارج مقهى راقي لكن هنالك غُرف الظلام… دلف الى إحداها وجلس أخرج المال الكثير، وضع أمامه مغلف صغير لا يزيد عن حجم عُقلتي إصبع سُرعان ما إستنشقه، ثم أشعل سيجارة خلف ذلك نفث دخانها بإنتشاء
و ذكرى تمُر أمام عيناه
« بعد ذلك الحادث الذي تم القبض على وليد بعد أن قتل إثنان وجد والده يُخرج ليلًا مثل اللصوص يتسحب، بفضول سار خلفه الى أن وصل الى مكان قريب من ذلك الحادث فتح كشاف الضوء الخاص بهاتفه ينظر حوله بترقُب،إختفي ريان خلف جذع إحد الأشجار، تأكد عزمي من عدم وجود أحد سريعًا قام بالفحر أسفل إحد الأشجار أخرج ذلك السلاح، سُرعان ما وضعه بكيس بلاستيكي، ثم دفسه فى ثنايا ثيابه، ثم عاد ينظر حوله وذهب من طريق آخر حتى وصل الى سيارة كانت تقف على جانب الطريق صعد إليها ثم سُرعان ما إنطلق… وقف ريان يُفكر عقله لماذا فعل ذلك، والإجابه علمها لاحقًا ضياع السلاح او بمعني أصح عدم وجوده كان لصالح قضية وليد
وليد قاتل وبالنهاية مجرد شهور قضاها فى إصلاحية كان بها سلطانً بأموال والده لم يتأثر بشئ كانها كانت شهور إستجمام»
ضحك بإستهزاء دمعت عينيه يشعر بضياع ليس مُستجد، المال… السطوة
الإثنين فقط هما ما يجعلان والده يشعر ببنوته لهم، حتى ذلك المال أحيانًا كثيرة يبخل عليهم به والدته تعطي بسخاء بلا سؤال، كأنها بذلك تعوض نقطة نقص لديها، فرغم ثراء والدها لكن كان بخيلًا…!
وهي تعلمت منه لكن ليس بُخل المال بل بُخل المشاعر ترجمتها خطأ مع أبنيها
المال ببذخ دون حنان أو عطف…حولتهما لمظهر إجتماعي، لديها صبيان
والصبي لا خوف عليه من أي شئ ليفعل ما يريد…
ربما بداخله لحظات يتمنى أن تضمه تُملس على شعره وتضحك فقط، لكن هي تظن الحنان فى المال…
ضحك وهو ينفث دخان السيجارة ينظر لبصيصها
لم يهتم حين سقطت منه بقايا السيجارة المشتعلة بعدها إختلت أصابعه ولم يستطيع التحكم بها، نظر نحو تلگ البقايا التي سقطت معها آخر بقايا إتزان عقله، من مقاومته، ورغم النهار لكن بدأ ليل طويل…
وهنالك شخص آخر نظر لغفوته وضحك بظفر قائلًا بشرر:
كده تمام أوي هنبدأ بقي المرحلة التانية، مرحلة التجويع… ممنوع بعد كده مهما دفع أو إستغاث تديه أي نوع من …المُسكنات، لا المهدئات، ولا حتى جرعة موهِمة…
خليه يصرخ، يتلوى، يتوسل…
كله جزء من الخطة.
اقترب الآخر منه تأكد أنه يتنفس ببطء، كأن أنفاسه تنبعث من جمرٍ مُشتعل،
نظر إلى جسد ريان المنهك الملقى على الأرض، تكسوه طبقة عرق باردة،
وصوت أنينه المتقطع لا يثير الشفقة، بل يُغذي في داخله لذة السيطرة.
❈-❈-❈
بالمشفى
تلاقت العيون بلحظة عابرة
سرعان ما حايدت جود النظر لـ حاتم،
وأكملت سيرها تدلف إلى المشفى بلا أي مشاعر،
استغربت هي نفسها من ذلك الجمود،
من تلك البرودة التي غلفت قلبها، كأنها ليست هي…
كأن الألم الذي كان يعصف بها بأخر لقاء، قد تلاشي اليوم بهدوء…
اللقاء الأول بعد آخر لقاء… بمنزل الشيخ عرفة،
وقتها كانت منهارة، تتوسل بداخلها القوة
أما الآن…
فلا شيء.
كأنه شخص غريب مر جوارها في ردهة مزدحمة،
بلا ملامح، بلا صوت، بلا ذكرى حتى…
أجابت نفسها عن سبب ذلك الشعور:
يمكن وجعت قلبي بما فيه الكفاية، لحد ما اتخدر….
يمكن قلبي فقد الإحساس بقى زي شبح، بيدق بس مش بيحس.
كانت خطواتها ثابتة، عيناها تنظر للأمام،
لكن بداخها شيء ما كان يُسجل اللحظة…
يقارنها بلحظات كان قلبها يهتز لمجرد سماع اسمه
أما الآن
فالاسم فقد وزنه، والنظرة فقدت دفئها،
والماضي إندثر… فقد سلطته على قلبها.
بينما غرق حاتم في نظرة عينيها العابرة، شعر بوخزات قوية تخترق صدره كأنها طلقة صامتة… لم تكن نظرة شوق، ولا حتى عتاب، كانت فراغًا تامًا، كأن كل شيء بينهما قد مُحي من ذاكرتها… وكأنّه لم يكن… في نفس اللحظة،
وقف كمن تلقى صفعة قوية
لم يتوقع هذا البرود،
لم يتخيل أن تكون ردة فعلها كل هذا الجفاف،شعر كأن كل شيء تحطم في صمت… دون أن يُصدر صوت الارتطام…
حاول تبرير برودها، ربما صُدمت برؤيته فجأة ربما تتظاهر بالقوة
لكنه يعلم… تلك النظرة لم تكن تمثيلًا، بل إعلانًا صامتًا بانتهاء كل شيء.
والأصعب من الفقد… هو أن تُصبح بالنسبة لمن أحببت، مجرد لا شيء…
تسمرت خطواته للحظة، كأن الأرض سحبت منه القدرة على الحركة،
ظل ينظر في طيفها وهي تبتعد،
كل خطوة منها كانت كصفعة… توقظه من وهم ظنه حقيقة…
أين الدفء الذي كان يراه في عينيها
أين ذاك الارتباك الذي كانت تخفيه حين تراه
اليوم… مرت جواره كما تمر الرياح الباردة فوق صخرة..
ابتلع غصة قلبه بصعوبة،
أراد أن يناديها… أن يعتذر منها برجاء:
أنا آسف… يا جود، سامحيني، ارجعي بس اسمعيني.
لكن صوته اختنق بين شفتيه،
وكرامته التي طالما إستعلي بها عليها…
ظل واقفًا مكانه،
وكل الذكريات تهجم عليه في لحظة:
ضحكتها الرقيقة… دموعها… حتى صمتها وقت الخلاف..
.
أما هي، فقد عبرت باب المشفى دون أن تلتفت…
وكأنها دخلت عالمًا لا مكان له فيه…
وفي قلبه…
بدأت الحقيقة تُعلن ذاتها
“جود… انتهت.”
وضع كفيه فوق وجهه، ليس ليداري حسرة واضحة على ملامحه … بل ليحجب عنه واقعًا لم يعد يحتمله…
مرت لحظات وهو يراها تتلاشى داخل المشفى
حتى صوت الضجيج قد تلاشي كل شئ يتلاشي معها غيابها عن عينيه والسؤال القاسي بعقله
لهذه الدرجة فقد كل مشاعرها نحوه. ..
فهو ما زال عالقًا هناك…
في تلك النظرة التي لم تكن فقط نظرة.
رفع رأسه أخيرًا، نظر لباب المشفى الذي تلاشت خلفه
وفكر:
هل تأخرت…
ضحك بسخرية، ضحكة واهية، كأنها محاولة يائسة للتماسك،
خطا ببطء،نحو سيارته كل خطوة يشعر بثقلها،
كأن الذكرى تُمسك بطرف ثوبه،
تمنعه من الرحيل… أو تجره للندم أكثر.
وصل لسيارته، فتح الباب وجلس دون أن يُشغل المحرك،
أسند رأسه للمقود وأغمض عينيه،
تخيّل لو أنه لحق بها…
لو ناداها باسمها كما اعتاد… “جود” فقط،
هل كانت ستلتفت
هل كانت ستتوقف
هل كانت دمعتها ستسبقها
أم كانت ستُكمل طريقها بنفس البرود
هل لو أخبرها أنه أصبح تائه من غيرها، ستصفح له
زمه عقله…
الا يكفي إنتظارًا ماذا تنتظر إذهب خلفها
لا داعي للتخاذل، عليك التحمُل
بالفعل خرج من السيارة… سريعًا دلف الى المشفى خلفها فلا داعي للتفكير…
لكن توقف مُتصنمً يشعر بصدره يعلو ويهبط
يكاد يخرج من بين ضلوعة وهو يرا بسمتها وحديثها برِقة مع ذلك السمج الذي يعلم هاويته.. كل بسمه منها لع كانت صفعة على قلبه… زفر نفسه بقوة كمن يحاول التنفس… بلا وعي كان يتقدم نحوهما، لكن توقف بعدما صدح رنين هاتفه الذي أعاد له ضبط النفس… أخرجه من جيبه، نظر له قام بالرد بهدوء:
تمام يا أفندم ساعة بالكتير هكون فى مكتب سيادتك.
أغلق الهاتف ونظر أمامه شاردًا…
عينيه تجوبان المكان بقلقٍ متزايد، تلفت في كل الاتجاهات، بحثًا عنها…
أين ذهبت كيف اختفيا بهذه السرعة
كاد يندفع باحثًا عنهما، مستعدًا لفتح كل غرف المشفى إن لزم الأمر، ولو بتطفلٍ لا يليق به…
لكن،
تذكر صوت القائد في الهاتف…
فأرجأ فكرة البحث عنها، مؤقتًا، لكنه أقسم ألا يظل بعيدًا طويلاً…
ربما الندم لا يُرمم ما تهدم…
لكن المحاولة، حتى وإن تأخرت، قد تزرع بذرة غفران…
وقد تمنح فرصة أخيرة .
❈-❈-❈
بعد قليل
كأن هذا اليوم كُتب ليكون يوم خسائر مؤكدة…
في مركز القيادة، أدى حاتم التحية العسكرية بقلبٍ يئن.
رد القائد التحية، لكن نظرته لم تحمل صرامته المعتاد، بل آسف واضحًا غلف صوته وهو يقول :
للآسف يا حاتم…
إنت من أكفأ الضباط اللى خدموا تحت إيدي، وعمري ما كنت أتخيل إن اليوم ده ييجي… يوم أقولك “للأسف”.
سكت لحظة، يحاول اختار ألفاظه بعناية، ثم أكمل بنبرة أكثر حزمًا:
بعد اللى حصل… وبعد ما تم تثبيتك على الطريق وسرقة سلاحك الميري…
للأسف، تم توقيفك مؤقتًا عن العمل كضابط، لحد ما ينتهي التحقيق، ونتأكد إذا كانت الحادثة مدبرة…
ولا نتيجة تقصير منك.
تنفس القائد بعمق وأضاف بصوت منخفض:
هحاول… هحاول أساعدك قد ما أقدر، بس دلوقتي لازم نمشي على الإجراءات.
تنهد حاتم بآسف يشعر بإنكسار وأسى، عينيه تائهة في نقطةٍ ما على الأرض، كأنها تُخفي عنه قسوة الواقع…
هو لم يتخيل يومًا أن يكون واقفًا في هذا الموقف، محاطًا بالشك، موقوفًا عن العمل الذي أفنى عمره فيه.
لكنها الخسائر… لا تأتي إلا قاسية، تطرق أبواب القلب بلا رحمة.
رفع رأسه أخيرًا، وبصوت هادئ يشوبه المرارة، قائلًا:
ثقة حضرتك فيا… هي أكبر دليل إني كنت بحاول أكون على قدر المسؤولية…
يمكن أكون اتثبت على الطريق، ويمكن سلاحي اتسرق مني… بس ضميري صاحي،
ولو كان في تقصير، فعمري ما ههرب من الحساب.
سكت للحظة، ثم أضاف بنبرة فيها شجن:
أنا مش ندمان إني اتعرضت للخطر، بس موجوع من إنه حصل وأنا لابس البدلة اللى كنت دايمًا شايفها أكبر شرف.
ربت القائد على كتفه بمؤازرة قائلًا:
متأكد إن الحقيقة هتظهر وهترجع من تاني أقوي.
أومأ له حاتم بثقة مُبتسمً.
❈-❈-❈
بالمشفي
سارت جود جوار جلال سائلة:
إنت هنا فى المستشفي بتعمل إيه.
أجابها:
أمي الدكتور طلب منها شوية فحوصات وهي فى أوضة الآشعة وأنا كنت برد على اتصال وشوفتك، إنتِ هنا ليه.
أجابته بغصة قوية:
خالتي كوثر هنا فى المستشفى كانت فى غيبوبة والحمد لله فاقت منها، ربنا يشفيها.
أومأ لها:
ربنا يشفيها، تعرفي لو مكناش اتقابلنا النهاردة كنت هتصل عليكِ.
إبتسمت برقة:
والسبب.
ابتسم قائلًا بتوضيح:
بصي يا سيتي، أنا عارف إنك بترسمي كويس، وإنتِ عارفة إني دكتور في الجامعة… الجامعة عندنا عاملة أسبوع ثقافي عن مبدعين المحافظة، وده كنوع من التشجيع وتسليط الضوء على الطاقات الموهوبة في المجتمع المحلي… أنا فكرت إنك تكوني واحدة من المشاركين في المعرض الفني اللي هيتعمل ضمن الأسبوع ده، خصوصًا وإنك مش بس موهوبة، لكن كمان عندك بصمة مميزة في شغلك… المعرض هيكون مفتوح للطلبة ومواهب المحافظة وأعضاء هيئة التدريس والزوار، فهتبقى فرصة ممتازة لعرض أعمالك، وكمان تتعرفي على ناس تانية في نفس المجال… لو حابة تشاركي، ممكن أبلغ اللجنة المنظمة، وهم هيرتبوا معاكي كل حاجة. إيه رأيك.
لمعت عينيها ببسمة إمتنان قائلة:
بدون تفكير موافقة طبعًا.
ارتسم على وجهه بسمة ارتياح قائلًا :
متأكد إنك هتكوني إضافة مُشرفة للمعرض والمحافظة… والكل هيشوف شغلك ويقدره زي ما أنا سبق وشوفته.
ابتسمت له بإمتنان، تفكر بتلك الفرصة، لكن تذكرت انها بالتأكيد ستحتاج الى بعض الادوات كي تخرج بمجموعة من الصور مُميزة.
بعد حديث قليل بينهما
تبسم جلال حين سمع صوت هاتفه، نظر له ثم لـ جود قائلًا:
ده طوفان.
ابتسمت قائلة:
تمام هسيبك ترد عليه وهروح انا لخالتي.
ابتسم لها وذهب كل منهما فى اتجاة… توقف جلال بأخر الممر يرد على طوفان الذي اخبره:
كنت بتصل عليك عشان اعزمك عالغدا عندنا بكره، طبعًا مش محبه فيك، بس عشان تقول لـ جود على موضوع معرض المواهب.
ضحك جلال قائلًا بمرح:
وفر العزومة خلاص قابلت جود وقولت لها وهي فرحت ووافقت طبعًا زي ما أنت توقعت.
تسأل طوفان باستفسار:
قابلتها فين.
سرد له جلال مقابلته معها صدفة بالمشفي.
تنهد طوفان بأسف قائلًا:
للآسف حالة خالتي بقت صعبة إتأخرت كتير فى العلاج كانت مخبيه عن الكل حقيقة مرضها، ربنا يشفيها.
آمن جلال على ذلك ثم تحدث مازحً:
هسيبك تكمل وجباتك كـ أب صوت نوح واصل لعندي.
ضحك طوفان قائلًا:
درة سابته معايا وراحت تجهز له الراضعة…
عقبالك قريب، أنا بقول تستعجل لأحسن تتفاجئ بعريس جديد غير اللى أنا طفشته.
ضحك جلال قائلًا:
لاء خلاص بس أطمن عالفحوصات بتاع أمي وبعدها مباشرةً هيتم كل شئ.
ضحك طوفان قائلًا:
ألف مبروك مقدمً.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
صباحً
بمنزل عائلة جلال
خرج من غرفته حاملاً مُغلف بيده، تقابل مع إحدى الخادمات في الرواق، فسألها بنبرة هادئه:
الحجه فين.
أجابته ببساطة لا تعي وقع كلماتها:
الحجة في المندرة يا بيه، عندها ضيوف جايين يطلبوا الأستاذة خلود.
تجمد مكانه… كأن الجملة أطبقت على صدره.
ماذا…
خلود…
ركض نحو المندرة دون أن يستوعب تمامًا ما سمعه، قلبه يسبق خطواته، والمغلف يكاد يسقط من يده…
اقترب من الباب، لم يكن مغلقًا تمامًا، رأي جزء من ما يحدث وسمع صوت تلك سيدة تتحدث بمدح عن ما سمعته عن خلود تلك الجالسة وسط المجلس، ملامحها هادئة، عيناها للأرض تبدوا خجِلة عكس عادتها، لكن شيئًا ما فيها لم يكن مُطمئنًا… لم تكن تشبه خلود التي يعرفها، مُتمردة أو لعل الصدمة هي من غيرت ملامحها في عينيه…
تراجع خطوة للخلف، كأن الباب الذي لم يكن موصدًا أصبح جدارًا عازلًا بينه وبين ما يُقال…
صوت السيدة استمر، ينهش سكونه
كلماتها تصفع أذنيه، وخلود… لا ترفع نظرها، لا تُبدي اعتراضًا، فقط تجلس هناك كأن الأمر لا يعنيها، أو كأنها تعرف… وتقبل
شَعر بحرارة تلسع وجهه، ليس من الغضب وحده، بل من خيبة تشبه الغرق..
خطا للأمام، دفع باقي الباب دفعة خفيفة، لكنه كان كافيًا ليجعل كل العيون تلتفت نحوه فى
صمت…
رفعت خلود عينيها، وارتجفت نظرتها، ارتبكت… لكنها لم تتكلم.
أما والدته، فنهضت بخفة، تتدارك الموقف بابتسامة شامته…
تبادل الضيوف النظرات، وبدأ الهمس بين النساء، بينما خلود ما زالت في مقعدها، تحاول السيطرة على رعشة يديها.
تقدم نحوها خطوة، وبلا تفكير إنحني وقبض على يد خلود وجذبها بقوة
بهدوءًا لكنه مشحون…
طواعية سارت معه، لكن حين خرجا من الغرفة بغضب حاولت سحب يدها من قبضته قائلة:
فى إيه، إزاي تسحبني بالطريقة دي قدام الضيوف.
نظر لها بغضب سائلًا:
إنتِ موافقة يا خلود.
لم تُجِب للحظات …
ثم نظرت إليه مطولًا، تنتظر منه كلمه… ثم همست كمن يختنق بالكلمات قائله بعناد:
إنت إيه رأيك، عريس ممتاز.
-عريس إيه
قالها بغضب شديد، يشعر بأن الدم يغلي في عروقه، ثم تحدث بغضب وهو يقرب وجهه منها:
عريس إيه يا خلود… أنا داخل ألاقي أمي عاملة لكِ مقابلة خطوبة وانتي ساكتة.
شهقت خلود، تراجعت خطوة للخلف، لكنها لم تهرب من عينيه، وقالت بنبرة واضحة:
ساكتة.. عايزني أعمل إيه قدام الناس.. أصرخ وأقوم أرقص من الفرحة…
أنا ماعرفتش غير لما اتكلموا واتفاجأت بس…
سكتت، لكنها عضت على شفتها تمنع دمعة غادرة من السقوط.
اقترب منها أكثر، صوته منخفض لكنه مزلزل:
بس إيه يا خلود…
رفعت عينيها نظرت لعيناه لاول مره تراها بذلك المنظر المُعتم، إختفت شخصيته المرحه، بمكر أنثوي تفوهت ببلاهة أغاظته بل سلبت الباقي من عقله:
بس بفكر ليه لاء، ممكن لما اشوف العريس يعجبني.
-بتحلمي
كان ذلك مختصر رده، تحدثت بتحدي:
بحلم بإيه وبعدين إنت مالك مضايق كده ليه، أنا مش صغيرة وإنت عارف إن محدش يقدر يمشي كلامه عليا.
عاد يقبض على يدها وسحبها مره أخري ودلف الى إحد الغرف دفعها بقوة كذالك اغلق الباب بقوة و عاد يجذبها بقوة إصتطدمت بصدره، بلا إنتظار كان يُقبلها بقوة ساحقً شفتيها، كأنه يُعاقبها…
من الغفلة بين الصدمة والذهول، علق جسدها بمدار جنونه، عاجزة عن الفرار، لا من قبضته ولا من قُبلته التي تمنتها… ولا من الذهول…
ترك شفتيها بعدما فاقت ودفعته بيديها لكن مازال يأسر جسدها بين يديه يلهث غاضبً يحاول السيطرة على غضبها وتلويها بين يديه وقبل أن تتحدث صدمها قائلًا:
إنت مراتي شرعً وقانونً
سكنت عن الحركة تنظر له بعينين متسعتين، مذهولة.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
على صوت تلك الهمهمات الصغيرة، فتحت عينيها بتثاقل، مازالت تشعر بالنعاس ، لكن غصبًا حاولت نفض النُعاس… تعلم أن تلك الهمهمات سيتبعها بكاء كالعادة …حين تحركت شعرت بقيد يُقيد جسدها تبسمت وهي
تتحسس ذراعي طوفان الملتفين حولها كقيد دافئ، فتبسمت برقة ورفعت رأسها عن صدره تتأمل ملامحه الهادئة وهو نائم… للحظات شعرت بهيامٍ يسري في قلبها… قبل أن تشهق بخضة حين تحرك فجأة، واستدار بجسده ليصبح فوقها، يُطل عليها يُظلها بعينيه وجسده
التقطت أنفاسها، تحاول إخفاء ارتباكها خلف ابتسامة، لكنه لم يُمهلها… اقتنص شفتيها في قُبلات رقيقة، ينساب بأنامله على بشرتها، فتجاوبت معه دون مقاومة، غارقة في ذلك الشعور الذي يأخذها دومًا معه…
ترك شفتيها، همس لها بصوته الأجش الدافئ:
صباح الخير يا درتي.
رفعت حاجبيها بدهشة ممزوجة بابتسامة، تسألت بنعومة:
إنت صاحي من إمتى.
ضحك بخفوت، وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعرها المُبعثرة:
من بدري… بس كنت مستمتع بدفاكِ.
ابتسمت، تلك الابتسامة تأسر قلبه فاقترب مرة أخرى يُقبلها، كما لو أن لا شيء في العالم يعادل مذاق شفتيها… تركها يتنفس، وهمس بخفوت:
دلوقتي نوح هيصحى، وهتنشغلي بيه، فكنت بسرق اللحظة قبل ما الإزعاج يقطع علينا الإرسال.
ضحكت درة، وتوردت وجنتاها، بينما قلبها يدق كأنها معه لأول مرة، وقالت بدلال عفوي:
هو مش بس واخد منك الشبه فى الملامح، دا كمان واخد نفس الإزعاج.
ضحك طوفان، وانخفض بجسده أكثر، فزفرت بتذمر ناعم وهي ترفع يديها تضعهما على عنقه بدلال:
تسمح تقوم من فوقي… إنت تقيل جدًا.
ابتسم طوفان بمكر خافت، وهمس قرب أذنها:
تقيل ده أنا لسه مابدتش صباحي بجد.
ضحكت درة بدلال، وضربته بخفة على كتفه:
طوفان… قوم من فوقي نوح هيصحى في أي لحظة، بلاش جنان عالصبح.
تجاهل تحذيرها، ودفن وجهه في عنقها يستنشق عبيرها كأنه يختزن به طاقة يومه، وهمس بنبرة متمهلة:
إنتِ الجنان اللي بيخليني أستحمل كل حاجة .
سكنت بين ذراعيه للحظة، لكن حين شعرت بجرآة لمساته تحدثت بصوت منخفض:
طوفان..
قطعت بقية حديثها حين أصمتها بقبلاته يتوغل ببث مشاعره وهي تنطاع معه… بنفس المشاعر… بعد وقت قليل
رفع وجهه ينظر لعينيها مباشرة، رأي فيهن لمعة خاصة ، فقبل جبهتها بحنو … قبل أن ينزاح من عليها… ينظر نحوها بعشق
تبسمت درة وكادت تتحرر من غطاء الفراش،
لكن جذبها طوفان فوق جسده،شهقت مرة أخري، تبسم طوفان لكن شعر بشيء من القلق والترقُب… تسمر نظرة عيناه نحو وجهها، وهو يُمرر ظهر يده على وجنتها قائلًا:
درة فى موضوع مهم لازم أقولك عليه، لازم تعرفيه مني، بس.
تبدلت ملامحها الى مستفسرة سائلة:
بس إيه.
-بس تسمعيني للآخر وتفهميني يا درة وبلاش تسرُع منك.
إزداد فضولها وشعور آخر بالترقُب… قطعه بكاء ذلك الصغير.
↚
بعد مرور أسبوعين
صباحً
بمصنع خاص بالمنسوجات…
رغم غياب وليد الفترة الماضية لكن هنالك هاجس خفي فى قلبها تخاف أن تصادفه بأي وقت دون توقع ، إحياس بعدم الطمأنينة…
تخشى أن تصادفه فجأة،
حتي ذلك الطريق المُختصر لم تعُد تذهب من عليه… معظم الوقت اصبح ذلك الهاجس يُسيطر على عقلها… يجعلها تفقد التركيز أحيانًا وهذا ما حدث الآن،
لولا ملاحظة المُشرف لكانت تسببت فى عُطل تلك الماكينة التى تجلس خلفها.. سريعًا أوقف سير الماكينة… إنتبهت على ذلك شعرت بالأرتباك،بينما تحدث المُشرف لها:
فى إيه مالك يا زينة إنت قاعدة قدام الماكنه سرحانه،المكنة كانت هتبوظ القماش.
توترت قائلة بتبرير:
آسفة والله ده سهو و…
نظر لها المُشرف بحدة، لكن سرعان ما هدأ نبرته حين رأى ملامحها المتوترة وشفق عليها قائلًا:
زينة، أنا عارف إنك شاطرة وملتزمة، بس تركيزك قل اليومين دول، وده مش من عادتك. لو فيه حاجة مضايقاكي قوليلي، يمكن أقدر أساعد.
نظرت له لوهله فكرت بالبوح عن مخاوفها له لكن بأي منطق تقول له عن مشكلتها الشخصية… هزت رأسها نافية، تحاول التماسك:
مفيش حاجة ، بس يمكن تعبانة شوية… مش أكتر.
رمقها بنظرة متفحصة، قائلًا بلهجة جادة:
تمام خدي راحة خمس دقايق، إشربي حاجة وارجعي، وركزي كويس، لأن أي غلطة ممكن تبوظ شغل كتير.
أومأت بهدوء، ونهضت وهي تخفي رعشة يدها، وما إن خرجت من القاعة إلا ووقفت تستند على الجدار، تتنفس ببطء… تشعر وكأن قلبها صار رهينة اسم “وليد”، حتى بغيابه يُلاحقها كظل مُخيف.
همست لنفسها:
لحد إمتى هفضل خايفة هو مش هنا… ومش لازم يفضل هنا جوايا… أنا لازم أتحرر من الخوف ده الخوف ده هيموتني، لازم أقوي قلبي، هو بيستغل خوفي ده، أنا…
توقفت عن تشجيع نفسها وعادت للخوف قائلة:
أنا هستقوى بمين، أبويا
ضحكة استهزاء مريرة خرجت من شفتيها…
عادت تُخبر نفسها لوهله تذكر عقلها موقف حدث قبل أشهر…
تفوهت باستقواء:
زيارة الدكتورة درة، إزاي نسيت، أنا بعد كده لو إتعرض ليا هروح أقولها وهي هتقول لـ طوفان بيه مفيش حد يقدر على وليد غيرهم… لاء انا مش هنتظر لحد ما يرجع ويتعرض لى تاني مش كل مرة الحظ هيبقي معايا، اقرب وقت هروح للدكتورة.
إبتسمت تشعر بهدوء نفسي، بنفس الوقت اقترب منها المُشرف قائلًا:
بقيتي أحسن.
أومأت له قائلة بشُكر:
الحمد لله شكرًا لحضرتك وتأكد الغلط ده مش هيتكرر تاني.
ابتسم لها بتفهم قائلًا:
تمام إنتبهي بعد كده، أنا لو مش عارف إنك من أكفء وأنشط اللى بيشتغلوا فى المشغل كان بقي ليا رد فعل تاني.
اومأت بشكر ونظرة إمتنان… غادرت لتعود لعملها، بينما إقتربت صاحبة المصنع من ذلك الواقف عيناه ترافق زينة، شعر بحرج ابتسمت وهي تقف أمامه، ثم تفوهت بثقة:
“نصر” ملاحظة كده إن عندك إهتمام زايد بـ زينة دون عن البنات اللى فى المشغل، انا لو مش واثقة فى أخلاقك كنت فهمتك غلط… وقولت إن في حاجة مش مظبوطة
ارتبك نصر للحظة، ثم تدارك نفسه قائلًا بابتسامة خفيفة، يخفي بها ارتباكه:
كل اللي في المشغل أخواتي، وزينة بالذات أختي الصغيرة… يمكن بس باهتم إنها تطلع أحسن ما عندها، شايفة فيها موهبة تستاهل الدعم.
نظرت له صاحبة المصنع نظرة فاحصة، ثم قالت بنبرة هادئة لكن حاسمة:
كويس… بس خليك دايمًا فاكر إن أي تصرف منك ممكن يتفهم غلط، وزينة بنت شقيانة على نفسها، ومش عايزة حد يعطلها، بالعكس… عايزاها تكبر وتثبت نفسها، مش تتلخبط.
أومأ نصر برأسه باحترام:
“معاكي حق… وهفضل دايمًا في ضهرها بالشكل الصح.”
ابتسمت السيدة قائلة:
لو عندك مشاعر ناحية زينة أنا ممكن أدخل وأبقي وسيط انا أعرف والدتها هي ست على قد حالها كل هدفها تستر بناتها.
فرصة شعر نصر بالسعادة قائلًا:
إنتِ عارفة حالتي كويس صحيح مستورة الحمد لله وعندي شقة فى بيت أهلى بجهز فيها يعني قدامي عالاقل سنة قبل ما اخلص تشطيبات الشقة وكمان مصاريف الجواز.
تفوهت السيدة ببسمه: هي كمان صغيرة وفيها إيه ممكن تتخطبوا سنة لحد ما تنتهي من تشطيبات الشقه وكمان مصاريف الجواز، الغلابة بتبقي أخلامهم بسيطه”الستر”
الستر وبس، قولي غرضك بالظبط لو شاري أنا هكلم والدتها، وإن حصل قبول ناخد خطوة.
أومأ لها براسه موافقًا ببسمة إمتنان
ارتسمت على وجهه
إبتسمت له بقبول قائلة:
تمام أنا هكلم والدة زينة وإن شاء الله خير، وكمان مصاريف الخطوبة هتبقي عليا ان شاء الله، إنت زي أخويا وزينة زي بنتِ.
❈-❈-❈
بالمشفي
نظرات متبادلة بين زيدان وكوثر التي بظرف أيام كأنها هرمت الى أكبر من عمرها، كانها كانت تُخفي حقيقة عمرها خلف ذلك التجبُر الذي كان مُسيطرًا عليها…رأف قلب زيدان عليها،بعدما علم الحقيقة الكارثية التي أصمت عقله هو وبناته صدموا بحقيقة أخري لوالدتهن،حقيقة كانت تُخفيها خلف الغطرسة والتي كانت تتعمدها…
تفوه زيدان:
أنا دفعت كفارة يمين الطلاق ورجعتك تاني لذمتي الدكتور خلاص قال حالتك بقت كويسة وتكملي بقية علاجك فى البيت، كفاية كده، البنات إتشحططوا بين المستشفي ودراستهم.
نظرت كوثر نحوه بإمتنان قائلة:
عارفة إنك كنت كرهتني يا زيدان ومعاك حق، عارفة إن اللى خلاك تتحملني السنين دي كلها كان بناتنا و…
قاطعها زيدان بعطف:
مهما كان يا كوثر كان لازم تعرفيني أنا عالاقل بحقيقة حالتك.
إبتلعت ريقها قائلة:
كنت خايفة يا زيدان… أمي فى أيامها خالها نفس المرض بس كان بحالة أشد، شوفت أبويا كان بيضايق منها، يمكن كمان كان بيستخسر فيها العلاج اللي مكنش علاج كان مُسكنات تخفف عنها الألم.
جلس زيدان على طرف الفراش وضع يده فوق يدها ينظر لها بشفقة قائلًا:
ولو يا كوثر أنا صحيح مش فى نفس ثراء والدك بس مش زيه أنا راجل مؤمن بالله وربنا قال خدوا بالأسباب،إنتِ إستسلمتي لغرور شيطانك،كنتِ بتتعمدي تكرهيني فيك،حتى بناتك المفروض كنت تبقي أول سند وحافز لهم،كنتِ…
قاطعته تشعر بألم:
والله أنا بحبهم بس خوفت عليهم من الفُراق،مرضي مفيش منه علاج، علاجه مُسكنات مع الوقت بيقل تأثيرها، قولت لما أبقي قاسية عليهم لما افارقهم يبقي الحزن فى قلبهم خفيف، والله انا فرحانه لـ سجى إنها هتبقي دكتورة، والله سامية مرات أخويا جت تتباهي بعيالها أنهم صبيان أنا قولت لها بناتي أحسن من الصبيان الاولى هتبقي دكتورة وإسمها يشرف والأتنين التانين هيبقوا هما كمان زيها، بناتي يشرفوا عيلة بحالها… كنت قاسيه قدامهم بس، فاكر لما قولتلك إني عرضت على وجدان تجوز سجى لـ طوفان والله ما كان غرضي سطوة وغنا طوفان كنت عاوزه أحس انها مع راجل أستأمنه عليها إنه مش هيضرها… لما شوفتها مع اخو درة فى العربية خوفت عليها تتعلق بحاجة تشغلها عن دراستها.
تنهد زيدان يشعر بأسي علي حال كوثر قائلًا بمواجهه:
كل ده مكنش مبرر للقسوة يا كوثر، يمكن هما كانوا محتاجين منك بس كلمة تشجعهم،حضن يطمنهم حتى لو زي ما بتقولى خوفتي عليهم من الفُراق،كانوا هيفتكروا حنيتك عليهم تبقي دعم لهم وقت الشدة…إنتِ نفسك ضعيفة… الأم هي اللى بتقوي ولادها عالأيام، يمكن كلمة منك كانت تفضل ذكري قويه تقويها.
ببكاء مرير تفوهت كوثر:
أنا مش قوية يا زيدان،زمان أبويا هو اللى كان بيتحكم فى حياتنا كلنا،كنت بكره تحكُماته بس مقدرش أعترض لا أنا ولا حد من أخواتي،شوفت صورة أمي الخاضعة دايمًا كرهت الشخصية دي وحلفت لنفسي مش هكون زيها حتى مع ولادي،بس للآسف إستسلمت لسطوة عقلي، تفتكر بناتي ممكن يبقوا زيي ويكرهوني بسبب قسوتي عليهم.
غصبً تبسم زيدان قائلًا:
يكرهوكي… يمكن مشوفتيش حالهم وإنتِ فى الغيبوبة، ولا وهما بيقسموا الوقت بينهم عشان يجوا هنا المستشفى،بالغصب كانوا بيروحوا،ولما يجوا يقعدوا جانبك كل أمانيهم إنك تفتحي عينك وتبصي لهم حتي لو هتقسي عليهم…
إنتِ فى عز قسوتك عليهم كانت قلوبهم بيتزرع فيها حنان.
نهض زيدان واقفً يقول:
كفاية كده عشان صحتك يا كوثر، بناتك بينتظروكِ فى الدار، بلاش نقلقهم أكتر، أنا بقول ننسي الماضي وقسوته قدامك فرصة مع بناتك.
-وإنت
قالتها كوثر بلوعة.
تسائل ويدان بعدم فهم:
وأنا أيه.
أجابته:
ماليش فرصه معاك، عارفة إنى كنت جاحدة وبطرانه بس..
قاطعها بلطف وعطف:
خلاص يا كوثر الماضي إنتهي.
صمتت كوثر للحظات، عيناها تتجول على ملامحه، كأنها تبحث عن بقايا أمل تنازلت عن غرورها سائلة:
يعني…
يعني ممكن أسند عليك لو ضعفت
ممكن ألاقيك لو وقعت
نظر لها زيدان طويلًا، قبل أن يزفر بتنهيدة ثقيلة، كأنها حمل سنوات:
أنا عمري ما كنت بعيد…وعمري ما هسيبك توقعي يا كوثر.
بسمة شقت شفتيها لكن بالحقيقة كانت مؤلمة لقلبها… وندم ينهش قلبها مرارته أقوي من مذاق المرض.
بعد قليل بالمنزل
تبسمت حين دخلت الى المنزل تستند على زيدان عندما رأت لهفة بناتها عليها وهن يتسابقن كي يدعمنها، تدمعت عين وجدان لذلك ما كانت تتمني ان تعلم حقيقة قسوة كوثر، الحقيقة كانت دائمًا واضحة لكن أحيانًا تغشي العيون
❈-❈-❈
بمنزل جلال
بغرفة خلود كانت تستشيط غضبً بعدما إستغل جلال الموقف وطلب إتمام بقية مراسم زواجهما،
زواجهما الذي تفاجئت به كأنها ليست صاحبة شأن بذلك
بذلك الوقت دلفت زوجة عمها تقوم بالتهليل ودندنة بعض الأغاني الشعبية ثم أتبعتها بفرحة قائلة:
طلبتها من ربنا ونولتها تكوني مرات جلال إبني، رغم أنه خبي عليا واتفاجئت بس كانت أحلى مفاجأة.
إستهجنت خلود بذلك لكن صمتت للحظات إبتسمت زوجة عمها ظنًا أن صمت خلود حياء..
بينما صمتها تحاول تقبُل بعدما
تفاجئت بطريقة عقد قرانها مع جلال
بالعودة لذلك اليوم
نظر لعينيها بعدما كانت تقاومه وتصفعه على تلك القُبلة جحظت عينيها شعرت ببرودة تكسوا جسدها من قوله
“مراتي شرعًا وقانونًا”
كيف هذا
ضحك على منظرها بعد أن كان يُقيدها بيديه ترك لجسدها الحرية وابتعد عنها جلس بكل برود على إحد المقاعد بالغرفة عيناه تنظر لـ خلود الذي بالكاد تفوهت ببعض الكلمات القليلة وبطريقة مُتعلثمة:
إزاي…شرعًا…قانون!!
-هقولك إزاي..
قالها جلال ببرود شعرت بدوران رأسها تلقائيًا نظرت نحوه…
فتحدث ببرود موضحًا وهو يتذكر قبل سنوات
حين جائته تلك البعثة لأخد رسالة الدكتوراه من إحد الدول الأجنبية…فرصة كان وقتها يُريدها للهروب من ضغط والديه عليه بالزواج من “خلود”إبنة عمه الصغيرة آنذاك بالكاد أكملت الثامنة عشر، وهو بالخامسة والعشرون
ظن أن تلك فرصة للهرب،لكن إعترض والده على تلك البعثة،كيف له أن يترك هنا وهو الوريث الأول،لسُلطة تلك العائلة وموروث العمودية… كأن والده قرأ أفكاره هو يريد الهرب من كل ذلك، وأولًا الهرب من قيد
” الفتاة لابن العم”
ظن أن لا مشاعر له نحوها…
دخل على والده بالغرفة تفاجئ بوجود عمه تنهد قائلًا:
طلبت تتحدت معاي يا أبوي.
حدثه والده بصرامة:
إجعد.
بالفعل جلس ليس خوفً بل إحترامً
إستطرد والده الحديث بأمر:
إنت جولت إن البعثة اللى جاتلك دي مهمة لمستجبلك، وأنا موافق… بس بشرط.
فى البداية تفتحت ملامحه، لكن عقد حاجبية بعدما علم أن هنالك شرط للقبول… فتنحنح سائلًا بإستفسار:
وإيه هو الشرط ده يا أبوي.
-تعجد (تعقد) كتابك على “خلود” بت عمك.
-ماذا!…
تبدلت نظرته الى ذهول،فهو يريد الهرب من ذلك القيد كما يعتقد…
حاول الإعتراض بحجة:
خلود لساها صغيرة ويادوب خلصت الثانوية وجدامها الوجت و…
قاطعه والده بأمر:
ده شرط قبولى غير إكده مش موافج وعارف إن سهل تكسر كلمتي بس وجتها تنسي إنك ولدي.
لا يفرق معه لا سطوة والده المالية أو السُلطة،لكن يفرق معه غضب قلبه عليه غص قلبه من ذلك التحكُم الجبار لوالده…إستسلم لقرار والده بعدما حاول الإعتراض كانت الاسباب برأس والده غير كفاية،تنحنح قائلًا:
طب ورأي خلود.
أجابه عمه الذي أخيرًا تحدث:
خلود بِتي وأنا الوحيد اللى ليا كلمة عليها ومستحيل تخرج باره طوعي،وأنا موافق على حديت أخوي.
-طب مش هتاخد رأيها.
تحدث عمه:
جولت لك كلمتي أنا الأهم.
يبدوا ان الإثنان تحكم جبروتهما ومتوافقان على قرار واحد، لكن تحدث والده:
الحديت اللى تحدتنا فيه دلوق هيفضل بيناتنا لحد ما ترجع من البعثة وجتها لو لساك معترض، أو خلود هي اللى رفضك هنحلك من كتب الكتاب وتطلجها وكل منكم يشوف حياته.
ذهول أصاب عقل جلال وتسائل:
مش فاهم، يعني إيه.
أجابه عمه:
يعني لما ترجع من البعثة هتكون خلود خلصت الجامعة،لو إنت او هي بجي عندكم رغبة إن مش هتقدروا تتقبلوا تكملوا ويا بعض،يبقي نفُض كتب الكتاب…وكل واحد فيكم يختار حياته كيف ما يشاء.
تبرجل عقل جلال سائلًا:
مش فاهم،طب ليه من أساسه نكتب الكتاب.
أجابه والده بصرامة:
ده شورتي وأنا اللى قررت ومالكش تسأل أو تعترض…دي مسؤولية، ومفيش حاجة هتتربط بيناتكم غير الورق، لا معيشة ولا حقوق زوج، لحد ما ترجع ونتأكد إنكم الاتنين عايزين تكملوا.
رغم عدم إقتناعه لكن وافق، فلا يعلم ماذا يُخفي المستقبل…
وقد كان عُقد قرانه على خلود وكان أبيه وليها الشرعي، وهي لو قال لها عمها إمضي على قرار موتك ما كانت ستعترض وهذا ما حدث، وأصبح هنالك عقدًا شرعيًا قانونيًا.
عاد ينظر لها وهي تتعلثم بالقول ولم يُخبرها بحقها فى الإعتراض أو الرفض،ربما أنانية منه لكن انانية عاشق غاب خمس أعوام حددت حقيقة مشاعره،هي ليست تلك الصغيرة ابنة عمه التي كان يشاكسها … بل رأي نساء كثيرات لم تلفتن إنتباهه، علم لما أصر والده على ذاك الأمر بجبروت وصرامه، أراد أن يربطه بمكانه وكذالك بفتاة على عاتقه…
كان دائمًا ما يُذكره بها
هو علم أن خلود هي الوطن له الذي غصبً سيعود من أجله…
كذالك خلود رغم إختلاطها بمجتمع الجامعة لكن كأن ترسخ بعقلها وقلبها صورة خاصة لشريك حياتها لم تلتفت لأي شاب ، رغم هواجس قلبها وعقلها أنه قد يكون مشغول بأخري، ضمرت ذلك الحب بقلبها لكن الآن لن تكون سهلة المراس ولابد أن تعترض ليس فقط سوا للإعتراض.
نظرت نحو جلال قائلة:
بس ده يعتبر عقد باطل أنا مكنتش أعرف، ومحدش خد رأيي، كمان انا…
نهض جلال يبتسم بتسلية قائلًا:
سبق وقولتلك لا انا ولا إنت لينا حق الإعتراض ده أمر نافذ، وخلاص هكلم عمي نحدد ميعاد للجواز يا….
توقف ينظر لها بتسلية لحظات ثم استطرد حديثه:
يا مرتي.
نظرت له بغيظ تتلفت حولها ربما تجد ما تقذفه به، لكن منعها دخول زوجة عمها التى نظرت لهما لم تُفسر ملامحهما، فتحدثت بتلقائية:
أم العريس…
لم تُكمل حديثها حين إقترب منها جلال وقبل رأسها قائلًا:
الموضوع ده إنتهي خلاص يا أماي، أنا وخلود إتفاقنا هتحدت ويا عمي نحدد ميعاد جوازنا فى أقرب وقت… مش دي كانت أمنيتك.
ذُهلت والدته لاحظات ثم أطلقت زغودة لا تعلم كيف فعلتها، تقول بسعادة:
ده اليوم اللى كنت بتمناه من يوم ما إتولدت خلود على يدي، كنت بصلي وادعي ربنا يحقق أملي.
ابتسم جلال لفرحة والدته التي تفوهت بسعادة:
أنا هتحدت ويا ابوك وسلفي وأجول لهم يحددوا كل شئ بأسرع وجت…
خير البر عاجله،دلوق هتحدت وياهم.
بالفعل غادرت والدته وظل هو مع خلود المذهولة من غباء جلال الذي لم يفهم مشاعرها وفهمها عمها ووالدها،مشاعرها كانت مكشوفه لهما رغم أنها كانت مازالت ببداية صباها…لكن لن تكون سهلة المراس،وهذه هي البداية.
عادت تنظر الى تلك الاغراض التي تركتها زوجة عمها وما كانت سوا بعض المفروشات عليها الانتقاء منها.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام
حملت دُرة طفلها الذي يبكي بعدما اعطت له بعض الأدويه، بذلك الوقت خرج طوفان من الحمان، إقترب من مكان وقوفها وضع يده على جبين نوح تحسس حرارته متحدثً بقلق:
نوح لسه سخن.
أومأت درة برأسها، دون حديث، شعر طوفان بالضيق لكن تحمل صمتها قائلًا:
طب ما تروحي للدكتور مره تانيه تشوفي سبب السخنية.
نظرت له درة بعصبية قائلة:
يعني إيه…شايف أنا قصرت في حاجة
كل يوم عند دكتور، وكل شوية دوا جديد
مش شايف أنا عاملة إزاي..
ما بنامش،
وإنت جاي دلوقتي تقوللي روحي للدكتور تاني كأني قاعدة مستنية أنه يتعب أكتر…
صمت طوفان للحظة، حاول يمسك أعصابه، ثم قال بهدوء:
محدش قال إنك مقصّرة…
أنا بس خايف عليه،
حرارته مش بتنزل وترجع.
لمعت عيناها بالدموع، لكنها أدارت وجهها بعيدًا، وهمست:
لاء إطمن الدكتور قال ده شئ طبيعي، السخونيه تنزل وترجع تاني… وأنا اديته العلاج ودلوقتي السخونية هتنزل .
اقترب منها طوفان أكثر، مدّ يده بلطف ولمس كتفها… لكن هي شعرت بضيق من لمسته وإبتعدت عنه، تقبل طوفان ذلك رغم غصة قلبهقائلاً بنبرة أكثر لينًا:
تمام يا درة، بلاش تعصبي نفسك…
نظرت له بغضب قائلة بعصبيه:
إنت ليه شايفني متعصبة.
تنهد طوفان مستوعبً قائلًا:
خلاص أنا آسف.
تنرفزت درة قائلة بغضب وإيحاء:
بتعتذر على إيه ولا إيه، عالعموم كده كده أنا إتصلت على ماما وهنروح نعيد كشف المسا.
تفهم طوفان حديث درة ولم يضغط عليها فيبدوا أنها لن تتحمل أي كلمة منه بسهولة.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
أصبح هدفه هو مرافبة منزل جود يتمني فرصة أن يقترب منها، بعدما أخفق فى الإتصال عليها بعدم ردها عليه، لكن لا مانع من المجازفة…
وكأن اليوم هو يوم الحظ، رأي سيارة تخرج من المنزل وتبسم حين رأي جود هي من تقودها… تعقبها حتى توقفت أمام ذلك المحل الخاص ببيع اغراض الرسم… راها تترجل من السيارة ثم دلفت الى المحل، انتظر دقائق ثم اتخذ قراره ودخل خلفها..
قبل أن تخرج من المحل تفاجئت بذلك الصوت الذي يقوم بالقاء السلام من خلفها.. رغم مرور عِدة شهور على لقائهم الأخير،كذالك قرارها عدم الرد على إتصالته الهاتفية كذالك عدم الرد على رسائلهُ بل ومحوها دون قرأتها، مازالت أذنيها تُميز طنين صوته، لوهلة أغمضت عيناها يخفق قلبها…
تسمرت في مكانها، وكأن الزمن عاد بها خطوات إلى الوراء، إلى لحظة كانت تظن أنها دفنتها مع آخر دمعة سالت بصمت….
سمعت صوت خطواته يقترب، كعادته بخطوات منتظمة واثقة، تمامًا كما اعتادت أن تسمعها حين كانت تنتظره ليلًا… وقتها كانت ضعيفه،تتحكم بها مشاعر قلبها…مشاعرها الذي أهانها كثيرًا… لكن الآن هي أصبحت مختلفه… تعلمت بل وأجادت درس القسوة … أصبحت تُسيطر على قلبها لا يحمل لهفتها، بل يطمس بداخله كل إحساس قد يُضعفها… إبتلعت ريقها ثم تحدثت بثبات كأنها لم تسمعه وهي تنظر الى ذلك الصندوق الورقي:
مُتشكرة جدًا إنك جبت الأدوات والألوان اللى طلبتها منك، إتفضل الحساب.
أخذ البائع منها المال مُبتسمً يمدح في جودة تلك الأدوات كذالك أنها بالتأكيد فنانة موهوبة قائلًا:
بقالك فترة كبيرة بتاخدي مني ادوات الرسم بصراحة نفسي أشوف لوحة من لوحاتك.
إبتسمت له قائلة بثقة:
قريب جدًا هعمل معرض فني بلوحاتي وهتكون أول المدعوين…
أنهت حديثها وكادت تحمل ذلك الصندوق، لكن صاحب المحل تحدث بذوق:
إستني هخلي العامل اللى فى المحل يشيل الكارتونة يوصلها لحد العربية.
كادت تعترض أنها خفيفة فلا داعي لكن سبقها العامل وحمل الصندوق خرج أمامها وهي خلفه دون النظر نحو حاتم الذي شعر بالغِيرة من حديثها مع البائع… والغضب بسبب تجاهلها حتي للرد على السلام… راقبها بعينيه وهي
تفتح باب السيارة الخلفي لذلك العامل وضع الصندوق، وبذوق منها كالعادة أعطته مبلغًا من المال وشكرته، كادت تتوجه للناحية الأخري كي تقود السيارة لكن هو أسرع بالخروج من المحل وقبل أن تضع يدها فوق مقبض باب السيارة وضع حاتم يده فوقه، ينظر لها مُبتسمً قائلًا:
إزيك يا جود.
كلمتين فقط، خرجت من بين شفتيه، بصوته الذي لم يفقد نبرته الرخيمة ، رغم ذلك
لم تلتفت، بل زفرت بصمت ورفعت يدها كي تزيل يده عن السيارة، تحمل صمتها قائلا بتحريض على الرد:
مش هتردّي… حتى بـ السلام.
صوته هذه المرة كان مختلف، مزيج من الرِقة والرجاء، كأن الكلمات تخرج من بين أضلعه لا من فمه، تحمل معها الحنين، واعتذارٍ ينطق به:
أنا آسف، جود أرجوكِ ممكن نتكلم….
ترددت، قلبها يشتعل .. وجروح لم تُشفَ بعد…
استدارت أخيرًا، ببطء يشبه التحدي، وعينيها تلمعان ببريق لم يتضح إن كان غضبًا أم حنينًا
وخرج صوتها بثبات :
متآسفة، إنت تبقالي إيه عشان أوافق أتكلم معاك من فضلك شيل إيدك من عالعربية، أنا مقولتش لـ ماما إني هتأخر، واللى فى نفس ظروفي كل شئ عليها محسوب… وقفتك كده ممكن لو حد شافك يفكر تفكير غلط.
لم تكتفي بالحديث، بل بالفعل أزاحت يده عن مقبض السيارة وكادت تضع يدها لكن أمسكها حاتم من معصمها، سُرعان ما شعرت بإحتراق ونفضت يده بغضب قائلة بعصبية وكبرياء وتفاخُر:
مش مسموح لك تلمس إيدي وكفاية أنت كنت السبب إني أعرف قيمة نفسي
أنا
جود نوح مهران
أخت طوفان مهران… أكتر شخص إنت بتكرهه، لأنه كان السبب في كشف ضعف شخصيتك… من فضلك كفاية وإبعد عن طريقي، أنا خلاص نسيت كل مشاعري نحوك إنت دمرتها ومستحيل… مستحيل أسامحك يا حاتم لأن اللى إتكسر مش بس قلبي، إنت كمان إتكسرت قدامي بقيت بلا قيمة… عيب يا حضرة الظابط توقف كده قدامي… آسفه نسيت إنك موقوف عن العمل.. فأكيد نسيت نفسك.
كلماتها سامة تخترق فؤاده مباشرةً، غير مُصدق أن من أمامه هي تلك الرقيقة الذي أضاعها لأضغان هو أول من دفع ثمنها
❈-❈-❈
بالمشفى التي تعمل به درة
إنتهت اجازة الوضع الخاصة بها عادت تزاول عملها بالمشفي
دخلت إحد الحالات الى الغرفة.. نظرت لها درة قائلة:
إتفضلي إرفعي النقاب عن وشك.
بالفعل رفعت النقاب عن وجهها.. نظرت لها درة سائلة:
بتشتكي من إيه فى عيونك.
نظرت الأخرى لها بتقييم ثم تفوهت بحِدة:
أنا نظري ممتاز.
تسألت درة:
ولما نظرك ممتاز جاية هنا ليه.
أجابتها بغلظة:
جاية عشان أشوفك وأتكلم معاكِ فى موضوع خاص.
إستغربت درة سائله:
موضوع إيه ده؟.
اجابتها:
أعرفك بنفسي الاول
أنا روزان… مرات جوزك.
نظرت درة لها بصدمة وذهول.
↚
بإحدى الثكنات العسكرية،
كان الغضب يتملكه كالنار في الهشيم، يذرع الأرض بخطواته غضبً، بعدما
علم للتو أن تم رفض طلب نقله إلى ثكنة قريبة من المنيا ، وقف خلف النافذة الحديدية،يزفر نفسه بقوة يتطلع إلى ساحة التدريب كأنها تذكره بحجم القيود التي تحاصره، ضرب الحائط بكفه بعنف وهو يزمجر:
هم فاكرين إني هسكت لا… القرار ده لازم يتراجع، وبأي تمن.
حسم قراره وذهب الى أحد الضباط المسؤولين بالثكنة …وقف للحظات مترددًا في الكلام، لكنه نطق بعد تردد:
حضرتك من شوية بلغني ان قرار نقلي لـثكنة عسكرية اترفض أعرف السبب ايه.
أجابه الضابط:
القرار صادر من فوق…من القيادة العامة نفسها مش من هنا.
أدار له وجهه بحدة، نظراته حادة كحد السيف: قرار نقلي من هنا مهم اوي كده ان القيادة بنفسها ترفضه، أنا مش مرتاح هنا… ومن حقي..
نهض الضابط وضرب على سطح المكتب بقوة قائلًا بحسم:
احترم نفسك يا مُجند، إنت هنا بتأدي خدمة الوطن ومالكش تختار المكان بمزاجك، ودلوقتي على سكنك، وإحمد ربنا إني هتغاضي عن طريقتك الفظة فى الكلام ومش هحولك لمكتب تأديب.
لوهلة إرتجف وليد،لكن أظهر عكس ذلك وإستسلم وخرج من المكتب بخطوات حاسمة،
برأسه لن يستسلم، لن يستمع الى حديث ذلك الضابط فهنالك الأعلى منه، بالفعل
في الطابق العلوي من مبنى القيادة، دلف الى القاىد بعدما سُمح له، بنفس الوقت كان القائد ينهي إتصالًا… نظر الى وليد قائلًا
خير يا مُجند طلبت تقابلني.
نظر وليد له بملامح مشدودة، يقاتل ليبقى متماسكًا… وقف باحترام، ظهر التوتر في صوته بوصوح:
حضرتك أنا كنت قدمت طلب نقلي من هنا لمكان قريب من المنيا،بلغني قرار الرفض،كنت جاي اطلب من حضرتك مراجعة قرار نقلي اللي اترفض.
نظر له القائد قائلًا نفس حديث الضابط:
لازم تعرف القرار مش شخصي… فيه أولويات حسب احتياجات التوزيع.
اعترض وليد قائلًا بايحاء:
خضرتك اللى كان قالي على طلب النقل هو خالي عضو مجلس الشعب و…
انتفض القائد بغضب قائلًا بتعسف:
لا عضو مجلس شعب ولا وزير، انت هنا فى خدمة الوطن وأي مكان تخدم فيه، واتفضل عالسكن بتاعك وآخر مره هسمحلك تتكلم بالطريقة دي، كفاية اللى بيوصلني عنك انك مُجند متخاذل ومتكاسل، وده آخر إنذار لك ومتفكرش إن سطوة عيلتك أو حتى خالك هتخوفنا، وآخر تحذير لك قضي مدة خدمتك على خير بدل ما تتقدم لمحاكمة عسكرية ويتم زيادة مدة خدمة أو تقضي بقية مدة خدمتك فى السجن والمرة دي مش هتبقي فى سجن الاحداث زي قبل كده.
إرتعب وليد وإرتبك صامتً، نظر له القائد قائلًا:
إنصرف على سكنك يا مُجند وآخر مره أسمع من اعتراض او شكاوي.
غصبً ورعبً إمتثل وليد قدم التحية العسكرية وغادر، ذهب الى السكن مع زملاؤه… يشعر بغضب عارم، يكبت غضبه بصعوبة، يتمنى لو يصرخ، أو يلكم الحائط، لكنه يدرك جيدًا أن أي خطأ الآن سيكلفه الكثير… جلس على فراشه، يتصبب عرقًا يرمق زملاءه بنظرات مشحونة، ثم انحنى للأمام يُخفي وجهه بين كفيه، يهمس من بين أسنانه المطبقة:
لازم فى أقرب وقت أنزل المنيا والأجازة دي لازم أتمم كل حاجه اتفقت عليها مع مرعي… لازم أوصل لـ زينة… كمان متأكد فى حد ورا رفض قرار نقلي من هنا، بعد ما خلاص كان شبه إتأكد، أكيد اللى ورا كده طوفان، هو الوحيد اللى عاوزني أبعد عن البلد طبعًا عشان خاطر الحقيرة مراته… بس حتى لو بعدني هبعد قد إيه هرجع له من تاني والمرة دي مش هرتاح قبل ما طوفان يدفع تمن اللي عمله بداية من سجن الأحداث لحد هنا فى الجيش
❈-❈-❈
بشقة إبتهاج
كانت تقف أمام المرآة تُعدل هندامها استعدادًا للخروج، لكن تصنمت مكانها للحظات حين دوى صوت جرس الباب بطريقة مُفزعة، كأن الطارق يطرق على قلبها لا على الخشب…
ارتجف قلبها خوفًا، وأقدامها المرتعشة قادتها نحو الباب بخطى متوترة، نظرت من خلال ثقب الباب، فرأت وجه عزمي…
حاولت التقاط أنفاسها، لكنها لم تستطع أن تمنع رجفة قلبها من التزايد… عزمي لا يأتي نهارًا دون سبب، ولم تكن بينهما مواعيد اليوم.
ترددت… ثم فتحت الباب ببطء.
دخل عزمي ينظر لها بغضب قائلًا:
قافلة الباب عليكِ ليه..ولابسه كده كنتِ رايحة فين.
أجفلت من سؤاله المباغت، تراجعت خطوة، وقالت وهي تحاول السيطرة على نبرة صوتها مُبررة:
إنت عارف اني بقيت بخاف من يوم الحرامية اللى دخلوا الشقة وسرقوها… مكنتش رايحه في حته، دي عبايات جديدة اشترتها أونلاين وكنت بجربها
رمقها بنظرة طويلة، ثم اقترب منها قليلًا مُتفحصًا قائلًا بنبرة تشكيك:
أونلاين وبتجربيها وماله… أنا متغدتيتش جهزلي غدا ولا…
مازال قلبها يرتجف تسرعت بالرد وهي تلتصق به بدلال :
ولا إيه… نص ساعة أجهزلك أحسن غدا
هتاكل صوابعك وراه.
تهكم على دلالها والتصاقها به، وابتعد عنها جلس على آريكة، يتكئ بظهره قائلًا:
بلاش دلعك ده النهارده، مش رايق.
شعرت كأن سكين بردٍ مر على قلبها من كلماته، ابتعدت خطوة صغيرة، ثم قالت بصوت خافت حاولت أن تُبقيه مرحًا:
مالك صوتك فيه حاجة… حاجه مضيقاك.
أغمض عينيه للحظة وهو يتنفس بعمق، ثم فتحهما وحدق في السقف قائلًا:
مفيش… بس متضايق من كذا حاجة، كذا موضوع فى دماغي ودماغي مش راكبة على بعضها
ظلت لحظات تنظر له بصمت، قبل أن تستجمع شجاعتها وتقترب مجددًا تجلس جواره تتدلل قائلة:
طب قوم غير هدومك، وانا أعملك الغدا… وبعدها فضفض لى يمكن ترتاح.
أدار وجهه نحوها فجأة، نظر في عينيها نظرة طويلة حملت شيئًا لا تفهمه، ثم قال بجفاف:
متخليش بالك تقيل عليا، كل ما تلاقيني مضايق تسيبي اللي وراك وتعملي فيها” أمي” وترسمي الحنان… مش ناقص حنان مزيف.
تجمدت في مكانها، سقطت كلماتُه كصفعة، ارتعشت شفتاها لكنها حاولت أن تبتسم، لكن الوجه خانها، وقالت بصوت مبحوح:
مش حنان مزيف… إنت ليه بتقلل من مشاعري ناحيتك، إنت عارف إني بحبك واقفت اتجوزك فى السر عشان كده.
لم يرد للحظات… فقط أغلق عينيه مجددًا، وكأنّه يهرب من المواجهة، مواجهة ذاته لا يعلم ما يفعله هو الصواب أم الخطأ، يريد ابعاد وليد عن هنا ليس خوف من طوفان بل ربما بعده أفضل له….
شعرت ابتهاج بالغضب والحقد لكن أظهرت عكس ذلك انسحبت بهدوء إلى المطبخ، تحاول أن تتماسك، لكن هلع قلبها حين صدح رنين هاتفها يصل لها وهي بالمطبخ تركت ما كان بيدها وخرجت مُسرعة نحو غرفة النوم، دلفت تفاجئت بـ عزمي يمسك هاتفها بين يديه شعرت بالتوجس، إبتلعت ريقها بتوتر حين سألها عن هاوية المُتصل… بتوتر أجابته:
دي الست اللى إشتريت منها العبايات أونلاين أكيد عاوزه تسألني عجبوني ولا لاء.
تهكم بسخط ومد يده لها بالهاتف تمثلت بالهدوء وهي تقوم بالرد بالتورية الى أن إنتهت، نظرت الى عزمي الذي إتكئ على الفراش، نظر لها بخباثه قائلًا:
فاكرة لما الشقة اتسرقت من فترة.
توترت تبتلع ريقها قائلة:
أومال أنا بقيت بخاف وأنا لوحدي وبقفل الشقة على نفسي، ولو حد خبط بكش فى نفسي.
ضحك عزمي بقوة، نبرته تمزج بين السخرية والدهاء وهو يقول:
بتكشي في نفسك غريبة… مع إن المحترم والدك على حد علمي كان موظف بريد، يعني…
تجمدت ملامحها للحظة، نبرة صوته ونظرته زرعت في قلبها بوادر شك:
هل يقصد شيئًا.. هل علم بأمر السلاح.
ارتبكت، شعرت أن حديثه ليس عابرًا، بل يحمل ما وراءه…
لكنها تمسكت بخيط أمل داخلي:
لو كان فعلاً عارف، مكنش اتكلم بالهدوء ده… ولا ضحك بالشكل ده.
تهربت منه بجملة مقتضبة، قالت وهي تخفض نظرها:
ربنا يرحمه… هروح أشوف الأكل… البوتجاز والع.
غادرت المكان بخطوات سريعة، وكأن الأرض تشتعل تحت قدميها… دخلت المطبخ، سندت جسدها على الرخامة بارتباك، عيناها تنظران بلا تركيز نحو الفراغ، وكل ما يدور في عقلها هو صوته… ضحكته… وطريقته في نطق كلمة “كان موظف بريد”.
تشعر بتوهان… ضياع غريب…
هل حديثه كان تلميح
أم تهديد مستتر
هل يختبرها
أم يلعب معها ليهز ثقتها
وضعت يديها على رأسها، كأنها تحاول أن تجمع شتات أفكارها:
لازم أكون أذكى… مش كل كلمة أفسرها على مزاجي… لكن برضه، عزمي مش سهل.
أفاقها من التوهان صوت غليان الماء على النار أعادها للواقع،
فتحت الثلاجة بارتباك، نظرت بداخلها دون تركيز، ثم أغلقته بسرعة دون أن تأخذ شيئًا
كانت تبحث عن مخرج… لكن كل الأبواب الآن مُغلقة… إلا باب الحذر… عليها الوصول بأي طريقة الى ذلك المجرم، وإن ادعي الأمر قتله.
بعد قليل
نهضت من خلف مائدة الطعام قائلة:
تحب اعملك شاي.
أومأ برأسه موافقً يقول:
ياريت كمان شيشة وهاتيهم أوضة الضيوف.
تجمدت للحظة بعد كلماته وتمتمت:
شيشة.
أصبح يشعر وكأنه في نُزُهة، بينما هي تقف على شفا جرفٍ من الجنون.
تقدمت نحو المطبخ بخطوات ثابتة ظاهرًا، لكن بداخلها عاصفة… وهمست:
شيشة كمان.. عايز يروق ويتسلطن.
بعد دقائق عادت بصينية نحو أوضة الضيوف… نظرت إليه، كان مُتكئًا على الآريكة، ممسكًا بهاتفه، يُرسل رسالة ما بابتسامة ماكرة على وجهه.
تنحنحت فأغلق الهاتف ورفع وجهه نحوها،إنحنت تضع ما بيديها على الأرض،قبل أن تنهض جذبها بقوة عليه لتمكُث جواره…
لوهلة شهقت،ضحك على شهقتها قائلًا بخباثه:
مالك متوترة كده ليه.
تنحنحت بخفوت قائلة:
مش متوترة،واضح ان مزاجك رايق.
ضحك وهو يجذبها علي صدره يُقبلها فجأة…قُبلة عنيفة كادت تختنق لولا أن دفعته بيديها فإبتعد بمزاجه ينظر لها وهي تلهث لالتقاط أنفاسها وقبل أن يهدأ تنفسها تحدث:
ناوليني كوباية الشاي.
مازالت تلهث لكن جذبت كوب الشاي ومدت يدها به نحوه،لكن سُرعان ما صرخت من قسوة تلك السخونة التي اشتعلت فوق يدها فجأة،
بعدما سكب الكوب عمدًا…
ورغم ذلك، ادعى البراءة وعدم الإنتباه ببرودٍ قاتل:
إيه ده معليشي… الكوباية وقعت غصب عني.
نظرت له، الألم يشتعل في جلدها، لكنه لا يُقارَن بالنار التي توهجت بداخلها…
نار القهر… والغصب… تنظر له بجمود ووجه شاحب تشعر بيد ها تحترق، ؤغم ذلك تخدثت بهدوء خادع:
بسيطة، مش مشكلة..هقوم أعملك غيرها.
سحبت يدها بحذر، وكادت تقف لكن بمكر جذبها بقوة من يدها الأخري وضعها فوق فحم تلك الآرجيلة الملتهب… صرخت مرة أخرى،
لمع الخبث بعيناه يشعر بإستمتاع…
حاولت الإفلات، لكنه ضغط أكثر…
رائحة الجلد المحترق بدأت تتصاعد…
وقلبها… انفجر صمتًا.
لمع الخبث بعينيه، يراقبها كصيادٍ يتلذذ بعذابات فريسته،
نظر لها بابتسامة هادئة كأن شيئًا لم يكن… عاود الحديث بتبرير:
معليشي إيدك اتلسعت.
لم تنطق…
ودموعها تحجرت… فقط عينها تومض بوميض قاتل.
سحب يدها أخيرًا، دفعها كدمية خشبية سقطت على الأرض،
تجعدت على نفسها، تضم يدها المصابة، وذهبت نحو المطبخ
بينما هو جلس بثقل وراحة على الأريكة،
يمد يده يجذب خرطوم الشيشة
يُراقبها بعين لاهية، كأن المشهد بالنسبة له تسلية مؤقتة في ليلة طويلة.
بينما هي الغضب والألم ممزوجان بقلبها… وضعت يديها لدقائق أسفل المياة، لكن مازال الالم… أغلقت المياة وجففت يديها، ذهبت الى غرفة النوم جذبت أحد انواع المراهم وقامت بوضعه فوق يديها همست بغضب مُستعر:
إنت اللى بتقرب النهاية يا عزمي.
جذبت هاتفها وبصعوبة حركت أصابعها تكتب رسالة مفادها.
“امنع عن ريان المخدرات عاوزه أسمع خبره النهاردة قبل بكره”
حذفت الرسالة واغلقت هاتفها، تشعر ببداية هدوء الألم نسبيًا.
همست بغلول:
خلي اللعب عالمكشوف بقى.
❈-❈-❈
نظرت جود لـ حاتم بإمتهان ثم تحدثت بإستهزاء:
واضح إن قرار وقفك عن العمل خلى بقى عندك وقت فراغ كبير، الافضل تقضي الوقت ده مع خطيبتك السابقة…
إستني نسيت إسمها
-آه… ماهيتاب…
ولا لما إتوقفت عن العمل نزلت من نظرها ومبقتش تنفعها، عالعموم أنصحك تبعد عن طريقي، جود اللى كنت تعرفها خلاص بح تلاشت والفضل ليك… العالم الرومانسي اللى كان فى خيالها إتمحي وشافت الصدمة الحقيقية فى الواقع .
صمت حاتم للحظة، عيناه تراقب ملامحها التي لم تتغير
ملامح جود لم تتغير… لكن هي ليست كما كانت.
حاول التمسُك بالبرود قائلًا:
خلصتي
نطقها بهدوء خادع، لكن صوته كان يحمل شرارة لمعة وجع قديم… اقترب خطوة، نظر في عينيها مباشرةُ قائلًا:
يمكن فعلاً مبقتيش جود اللي عرفتها…
بس برضه أنا حاتم اللي كنتِ شايفاه فارس أحلامك…
أنا واقع… خيب ظنك… بس صدقيني أنا مش طالب منك غير لقاء واحد يا جود…من حقي تسمعيني.
ابتسمت بسخرية واستهزاء قائلة:
مش بس معدوم المشاعر كمان بجح بتطلب شئ مش من حقك، خلاص إنت كنت قصة خيالية وصحيت منها، وهم وراح.
لوّح بيده وهو يتقترب أكثر قائلاً:
عالعموم… لو فاكره إنك بتنتقمي مني بالكلام ده، فكّري كمان إنتِ بتعملي إيه في نفسك.
تهكمت ضاحكة:.
بعمل ايه فى نفسي، فوقت بس على صدمة، وخلاص اتعلما،
وأنا لا بنتقم ولا إنت فى دماغي أساسً عشان أنتقم منك…شخص اتمحي من حياتي بسهولة وبسرعة تلاشي أثرهُ.
قالت ذلك ولم تنتظر فتحت باب السيارة ودلفت إليها، جلست خلف المقود وأغلقت الباب ثم سريعًا أدارت السيارة وغادرت.
ظل واقفً مكانه لحظات نظراته متسمرة نحو سيارتها التي تبتعد يشعر أن شيئًا ثقيلًا يشد جسده إلى الأرض…. لكن لن يستسلم،صعد الى سيارته وتعقبها
بينما جود لمعت عيناها…
لكن قاومت،دمعة واحدة فقط سقطت، ومسحتها بعنف، كأنها تُنكرها قائلة:
أنت اللي اخترت…
وأنا اللي كسرت جود القديمة علشان محدش يكسرها تاني… لم تنتبه الى سير حاتم خلفها الا حين سبقها وتوقف بسيارته بعرض الطريق بعيد عنها قليلًا كي لا تتفاجئ وترتبك وتتوقف فجأة، بالفعل رأت ذلك على بُعد ليس بعيد توقفت بالسيارة لحظات تنظر أمامها حتى ترجل حاتم من سيارته يسير نحوها،لكن قبل أن يصل إليها نظرت خلفها انتظرت لحظة أخري ثم إستدارت بمقود السيارة وغيرت إتجاه سيرها للعكس، تفاجئ حاتم بذلك وسريعًا توجه نحو سيارته بنفس الوقت صدحت أبواق سيارات أخري تود المرور، أعتدل بسيارته لكن كانت جود كانت إبتعدت… جلس يضرب المقود يزم غباؤه، الذي اوصله لفعل ذلك.
بينما جود رغم ذلك إبتسمت دون تعقيب لتلك البسمة
❈-❈-❈
بالمشفي
نظرت درة الى تلك البجحة
بصدمة وذهول
صدمة… من جرأتها اللامتناهية وكلماتها التي نطقتها بلا أدنى خجل.
وذهول… من قدرتها على قلب الحقائق وكأنها صاحبة الحق.
زفرت درة نفسها بصلابة رغم شعورها بالغِيرة ليس من تلك السفيهة الوقحة بل لأنها كانت الزوجة الأولى لـ طوفان…سبقتها…
بينما لمعت عين روزان وهي تُعيد قولها بعدما ظنت أنها نالت مرادها وأصابت قلب درة بذلك…
أنا…
قاطعتها درة بصلابة:
إنتِ مش مرات طوفان،إنتِ طلقيته،قصدي فى مقام عشقيته لأن اللى تقبل الجواز العرفي مالهاش مُسمي تاني غير كده،مجرد ست حس برغبة إتجاهها،رغبة كدابة،لان لو كان عنده فعلًا بس ذرة مشاعر نحوك مكنش قبل تكوني فى السر،اللى أعرفه إنك سيدة اعمال وليكِ مكانتك كان إيه يرخصك للدرجة دي وتقبلي تبقي فى الضل، شوفتك معاه فى مطعم كان سهل يقدمك قدام العميل على إنك زوجته ويتباهي بذكاء سيدة الاعمال، لكن إنتِ زي ما قولتلك مجرد رغبة وقت، أو بالأصح غلطة هو ندم عليها
إنصدمت روزان من رد درة،أخفضت رأسها لحظة، محاولة إخفاء ارتباكها، لكن ابتسامة ساخرة سرعان ما ارتسمت على شفتيها، محاولةً استعادة كبريائها:
واضح إنك متأثرة أوي يا مدام درة… الغيرة فاضحة عنيك.
رفعت درة حاجبها بسخرية هادئة، اقتربت خطوة ورسمت ضحكة سخرية وإستهزاء:
غِيرة…. أنا لو كنت بغير… كنت غرت من واحدة في مقام زوجة، مش من واحدة باعت نفسها بورقة عرفي.
ثم أردفت ببرود قاتل:
إنتِ ممكن تضحكي على نفسك وتصدقي إنك كنتِ مهمة… لكن أنا عارفة ومتأكدة… إنك كنتِ مجرد محطة هو مر بيها… وبسرعة كمل طريقه.
تصلبت ملامح روزان، لكن قبل أن تنطق، أضافت درة وهي تستدير مبتعدة:
وعلى فكرة… اللي بيعيش في الضل طول عمره، حتى لو خرج للنور… بيفضل شكله باهت.
ظلت روزان واقفة مكانها، وملامحها تتلوى بين الغضب والمهانة… وهي تنظر الى درة
كيف هي بهذا البرود عكس ما توقعت،تخيلتها تشتعل غيرة أو تهتز غضبًا، لكنها فوجئت بصلابة جعلتها تشعر بأن كل شهور الانتظار لم تكن سوى سقوطٍ جديد في هاوية المهانة… لهذه الدرجة أخطأت وتنازلت عن كبريائها، حين ظلت لشهور تنتظر تلك الفرصة، لم تكُن فرصة بل جزء آخر لمهانتها وشعورها بالدونية،
عقلها يستوعب حديث درة
بالتأكيد طوفان أخبرها بذلك، هو قالها لها لا يخشي من رد فعل زوجته، هو كان يضمن عشقها له، وبالتأكيد حصل غفرانها…
وحديثه السابق يتردد صداه بأذنيها
“أنا مش خايف من رد فعل مراتي… عشقي عندها مضمون.”
شعور بالمذلة والمهانه وهي تعود ترسيب كلمات طوفان وتلك التي أمامها التي لم تهتز بل أفحمتها…
الخسارة لأول مرة تشعر بمذاقها
فالخسارة ليست فقط قلبها
بل كبريائها التي أهدرته هي منذ البداية حين واقفت على الزواج العرفي،
ضربة موجعة استقرت في أعماقها، تُذكرها بكل لحظة تنازلت فيها عن نفسها من أجل رجل لم يمنحها سوى الفُتات من مشاعره….
أحست أن الهواء من حولها ينسخي، وأن عيني درة الساكنتين أمامها أكبر صفعة تلقتها صفعة بلا يد، بل بكبرياء امرأة لم تسمح لأحد أن يهز عرشها…. ارتجفت أصابع روزان وهي تحاول تمالك نفسها، لكن صوت عقلها يصرخ بداخلها: كيف كنتِ عمياء لهذه الدرجة… كيف صدقتِ أن طوفان سيختاركِ يومًا.
كان كل شيء الآن يبدو واضحًا… وضوحًا مؤلمًا، كيف صدقت حماقة قلبها
ابتلعت ريقها الجاف، وهي تجر قدميها خطوة للخلف، محاولة الهرب من تلك المواجهة التي لم تكُن تتوقع نتيجتها، لكنها اليوم أيقنت أن بعض الهزائم لا تُنسي… بل تعيش، تُحفر داخلها ، وتذكرك كل مرة أنكِ كنتِ الخيار المؤقت في حياة رجل لم يكن يومًا لكِ.
استسلمت لتلك الهزيمة، فلم يعُد هنالك جولة أخرى…
خرجت من المكان وهي تجر خلفها ظلًا مُثقلًا بالخذلان، وفي قلبها غصة تدرك أنها لن تبرأ منها أبدًا…
وعليها الاعتراف، ولو مع نفسها فقط، أن النهاية قد كُتبت… نهاية بلا شرف وبلا ذرة انتصار، فقط هزيمة صريحة تجردت من أي تجميل، هزيمة امرأة أحرقت كل أوراقها بنفسها، ولم يتبقَّ لها سوى الرماد.
بينما دُرة
مع خروج روزان، شعرت دُرة ببوادر اختناق يضغط على صدرها …
سعلت بشدة، محاولة استجماع أنفاسها، بينما حرارة حارقة تسري في رئتيها…
توجهت بخطوات متعثرة نحو حقيبتها الخاصة، أخرجت ذلك البخاخ الطبي بيد مرتجفة، وبدأت تستنشق منه في فمها، تحاول امتصاص الهواء كمن ينتشل نفسه من الغرق…
استندت إلى أقرب مقعد، عيناها نصف مغمضتين، وقلبها يخفق بعنف، لكنها أجبرت نفسها على التماسك…
لن تمنح أحدًا متعة رؤيتها وهي تنهار… يكفي انهيارها قبل أيام.
خفضت بصرها نحو ذلك البخاخ بين أصابعها المرتجفة… هو نفسه البخاخ الذي كان طوفان يُمسكه ذلك اليوم حين باغتها ضيق التنفس بعد شجار عنيف بينهما…
ارتجف قلبها رغمًا عنها، فذاكرتها لا تزال تحفظ ملامحه القريبة وحرارة كفه وهو يسندها.
زفرت ببطء، وهي تتذكر أحداث ذلك الصباح المُعتم
بالعودة الى ذلك اليوم
نظرت درة الى طوفان بفضول قائلة:
يا ترا إيه هو الموضوع المهم اللى عاوز تقوله عالصبح كده.
تنهد طوفان بداخله خوف من رد فعل درة ،لكن بُكاء صغيره جعله يُزفر قائلًا:
شوفي نوح الأول.
رفعت درة حاجبيها باندهاش ثم نهضت من جواره نحو مهد الصغير جذبته وعادت للفراش مُبتسمة بحنان قائلة بعتاب مرح:
مش كنت تفضل نايم كمان شوية عشان اعرف الموضوع المهم بتاع باباك، ليه الإزعاج.
صمت الصغير بينما رسم طوفان بسمة مُترقبة، بعد دقائق تنهدت درة بتعب قائلة:
مش عارفة إيه حكايته بقي بيرضع من صدري بصعوبه، يمكن إتعود عالبيبرونة.
أومأ طوفان قائلًا:
شكله بينعس.
ابتسمت درة قائلة:
أيوة هو هينعس وينام ويرتاح بعد ما أزعج غيره وصحاه من النوم.
ابتسامة طوفان باهته، نهضت درة قائلة هحطه فى سريره يكمل نوم عندي فضول أعرف الموضوع الهام بتاعك.
أومأ طوفان ، لحظات وضعت درة نوح بمهده، ثم نظرت الى طوفان الذي توجه الى خزانة الثياب فتح أحد الأدراج وعاد نحوها بورقة يحملها بيده، توقف أمامها قائلًا:
إقري دي.
إستغربت درة قائلة باستفسار:
ورقة إيه دي.
عقب طوفان:
إقريها.
أخذتها منه بترقب، بدأت تقرأ محتويات الورقة فجأة توقفت قائلة بذهول:
دي ورقة جواز عرفي… بتاع مين.
هز رأسه بترقُب قائلًا:
كملي قراية.
عادت تقرأ محتويات الورقة بتمعُن، فجأة تبدلت ملامحها من الدهشة إلى الصدمة، اتسعت عيناها وهي ترفع رأسها نحوه بصوت مختنق تستفسر تنتظر منه نفي:
الاسم… ده اسمك يا طوفان.
لم يرد، اكتفى بتثبيت نظراته عليها بجمود، وكأن رد فعلها كان متوقعًا…
تسارعت أنفاسها، شعرت بحرارة تتصاعد في وجهها، قبضت على الورقة بقوة حتى كادت تقطعها ثم هتفت بغضب:
يعني إيه جواز عرفي… مين دي اللي اتجوزتها.
ظل واقفًا في مكانه، يراقب ثورتها بصمت تنرفزت درة بغضب قائلة:
رد عليا.
نطق أخيرًا بنبرة منخفضة لكن حادة:
اللي اسمها مكتوب جنب اسمي.
تراجعت خطوة للخلف، قلبها يخفق بعنف، لم تعد تعرف أيهما ينهشها أكثر… الغيرة أم الغضب والخوف من الإجابة القادمة.
ارتجف صوتها وهي تحاول السيطرة على أعصابها:
مين دي يا طوفان…؟ قول بسرعة قبل ما أفقد أعصابي.
اقترب منها خطوة، مدّ يده وأخذ الورقة من قبضتها، ثم رفعها أمام عينيه وكأنه يراجعها من جديد، قبل أن يجيب ببطء:
اسمها… روزان.
شعرت وكأن الأرض تميد تحت قدميها، الاسم ارتطم بعقلها وقلبها معًا، ليس لأنه غريب، بل لأنه غير معلوم لديها رمشت بعصبية وهي تحاول استيعاب:
روزان؟!
روزان مين…
أبتلع ريفة وأجابها:
عميلة من عملاء الشركة.
وضعت يدها على جبينها، تحاول لملمة أفكارها، لكن الغضب كان أسرع من عقلها:
عميلة… وإتجوزتها عشان عجباك…
وإنت كنت فاكر إنك هتفضل تخبي عليا الموضوع ده لحد ما أنا أكتشفه بالصدفة… ولا كنت مستني اللحظة اللي تجرحني فيها…وتحسسني بالقهر.
نفي طوفان ذلك برأسه… تنفس بعمق، ونبرة صوته هذه المرة كان ممزوجة بالقهر:
إقري التاريخ اللى فى آخر الورقة.
شعرت درة بلوعة ودموعها بدأت تسيل من عينيها قائلة:
هيفرق تاريخ الورقة فى إيه.
اقترب طوفان منها خطوة، وصوته يزداد صرامة:
إقريه يا درة… بقولك إقريه.
بيد مرتعشة مسحت دموعها ونظرت إلى آخر الورقة، عيناها تجمدتا للحظة، شهقت بذهول وهي ترفع نظرها نحوه:
ده نفس يوم كتب كتابي أنا وحسام.
توقفت تلتقط نفسها ثم رفعت رأسها ونظرت له بلوعة قلب قائلة:
للدرجة دي مقدرتش تُصبر، الحب اللى كنت دايمًا تظهره كان خداع بسهولة هان عليك، طبعًا هتقولى إني السبب وتسرعي وموافقتي على كتب كتابي انا وحسام…
حسام كان عنده حق، إنت مشاعرك قاسية ومتقلبة فى لحظة بتنسي، ليه جاي تقولى دلوقتي، خلاص زهقت مني وعاوز تنفذ وصية باباك، إني…
قبل أن تُكمل حديثها جذبها يضمها بقوة لصدره قائلًا بعذاب:
لو كنت عاوز أنفذ وصية أبويا مكنتش إتعذبت فى بعدك عني، ولا كنت حاربت عقلك عشان تبقي من نصيبي،درة أنا…
بقوة واهية دفعته عنها عاد خطوة للخلف بينما هي إنهارت جاثية على الأرض قائلة بلوعة:
إنت إيه…إنت كسرتني يا طوفان…وأنا اللى كنت عايشة عذاب ضمير وطلبت من حسام ننفصل،إنت منتظرتش وقت يمُر في نفس الليلة…كنت فى حضن واحدة تانيه،تنسيك…
ونسيتني يا طوفان.
شعر طوفان بالقلق على درة ، عيناه تلمعان بصدمة وألم، تقدم خطوة نحوها وجثي جوارها كاد يضمها لكن صوتها المتهدج أوقفه:
متقربش مني .
لم يستسلم لدفعها له بيديها ضمها
حاول التحدث، لكن الكلمات خرجت مختنقة:
درة… والله ما نسيتك لحظة… الليلة دي كانت بداية عذابي مش نهايته.
رفعت رأسها نحوه، عيناها حمراوان من البكاء، وصوتها يُقطر مرارة:
عذابك إيه اللي بتتكلم عنه… أنا شُفت بعيني الورقة… وشُفت التاريخ… وشُفت اسمها… كل ده مش هيمحي الصورة اللي رسمتها في دماغي عنك وإنت معاها… طبعًا الجواز كان كامل، نمت معاها
قولى كنت بتحس بإيه وإنت معاها….
اتسعت عينا طوفان بصدمة من جرأة سؤالها، كأن كلماتها كانت طعنة اخترقت صدره، شهق بعمق وحاول السيطرة على انفعاله، ثم قال بحدة ممزوجة بالقهر:
إنتِ سامعة نفسك يا درة إنتِ فاكرة إني هقارنها بيكِ…
ضمها أقوي وصوته يزداد خشونة:
اللي كان بيني وبينها ماكانش حب… ولا حتى رغبة…
قاطعته بعذاب:
أومال كان إيه… قولي كانت مشاعرك بتبقي عاملة معاها إزاي، قولي… ساكت ليه…
لمستها زي ما كنت بتلمسني، خدتها فى حضنك بعد كل علاقة…
تسمرت أنفاس طوفان في صدره، وانخفض جفناه لجزء من الثانية وكأنه تلقى لكمة في قلبه، رفع نظره إليها ببطء، وعيناه تلمعان بعذاب مكتوم.
رغم أنه يضمها لكن كأن هنالك مسافة بينهما صارت جدارًا من نار:
لا… والله ، ما لمستهاش زي ما كنت بلمسك… مستحيل… درة أنا كنت تايه…
توقف يلتقط نفسه ثم تحدث
صوته كان غليظًا، مخنوقًا، وكأن الحروف تجرح حنجرته وهي تخرج:
حضني ليكِ، كان عشق، حياة أتمنيت أعيشها معاكِ.. أمان، وطن… حضنها كان برد… صخر… كنت بحس نفسي مخنوق وأنا معاها، وكأني محبوس في قفص.
تهكمت درة بمرارة،وهي تدفعه بقوتها الواهنة وبدأت رأتيها تُعلن الإستسلام للإختناق وبدأت تسعُل،تتحدث بتحشرج صوت:
إبعد عني…سيبني لوحدي.
نظر طوفان لملامحها ويدها التي تضعها فوق صدرها وهي تسعُل،نهض سريعًا ذهب نحو أحد الأدراج وجذب تلك القنينة الصغيرة وجهها نحو فمها،لكن درة عاندت ترفض يده،مازالت تسعل كأنها لا تود الحياة…تستسلم لذاك السُعال الذي ينهش صدرها، رغم وجعه القاسي لكن ليس أقسي مما تشعر به… لكن طوفان لم يستسلم وضمها بقوة جعلها تفتح فمها غصبً، قام برش رذاذ الدواء داخل فمها قائلًا بعذاب:
درة أنا عارف مفيش إعتذار …
توقف للحظة ثم إستطرد حديثه بتحفيز:
عشان خاطر نوح محتاج لك.
غصبً تقبلت درة الدواء، حتى هدأ السُعال لكن لم يهدأ لوعة قلبها، دفعت طوفان بوهن قائلة:
سيبني لوحدي، عاوزة أبقي لوحدي لو مش هتخرج من الأوضة همشي أنا من الدار كلها.
هذا ليس وقت أن يفرض نفسه عليها، يعلم عِناد درة، بالفعل إمتثل لذلك وغادر الغرفة، سمعت درة صوت إغلاق باب الغرفة رفعت رأسها، سُرعان ما أرادت ان تصرخ لكن شهقات قلبها أضعف من ذلك، ظلت جاثية تبكي وتشهق بألم ينهش كيانها، حتى فاقت من ذلك الشعور المرير على صوت بُكاء صغيرها، الذي يزداد، بوهن تحملت ونهضت ذهبت نحوه بصعوبة حملته بيديها المرتعشة، لم تتحمل السير، جلست به أرضًا، تنظر له بعينين غارقتين بالدموع، تحاول رسم ابتسامة واهنة على شفتيها عله يهدأ، لكن وجهها المرهق كان يفضح ما تخفيه…
مدت يدها تتحسس وجنتيه الدافئتين، تهمس بصوت متقطع:
ماما هنا… ماما مش هتسيبك أبدًا.
ارتفع نحيب الصغير وكأن قلبه الصغير يستشعر وجعها، فضمته بقوة إلى صدرها، كأنهاتحتميهي من قسوة العالم…
أغمضت عينيها، وأطلقت زفرة طويلة امتزجت بأنين مكتوم، محاولة أن تمنحه حنانًا ودفئًا يعوض رعشة جسدها وارتجاف قلبها.
«عودة»
عادت على صوت طرق فوق باب الغرفة،جففت دموعها بيديها وسمحت له بالدخول… متناسية تلك الوقحة.
❈-❈-❈
مساءً بـ دار طوفان
منذ يومين وهو غائب لأداء بعض الاعمال، هذا كان الظاهر لكن الحقيقة هو أراد هدنة ربما تجعل درة تهدأ، ويُصبح الحديث بينهما أهدأ…
إستقبلته والدته مُبتسمة:
حمدالله على السلامة.
اومأ لها مُبتسمً عيناه تبحث عن درة، تبسمت وجدان قائلة:
درة رجعت من المستشفي من شوية وخدت طوفان وطلعت أوضتك، على ما تغير هدومك تكون شكريه حضرت العشا نتعشا مع بعض كلنا.
أومأ لها مُبتسمً وصعد نحو غرفته…توقف أمام باب الغرفة لحظات بشعر بخفقان فى قلبه، حسم قراره وفتح باب الغرفه…
سمع حديث درة مع نوح وهي تقوم بوضع بعض الثياب علي جسده تتحدث معه بمرح.
إختفت بسمتها حين سمعت صوت فتح باب الغرفة ورأت طوفان، الذي إبتسم قائلًا:
مساء الخير.
ردت بخفوت، ثم نهضت قائلة:
كنت طلبت من شكرية تحضر البيبرونه لـ نوح، هو ساكت، هنزل أجيبها منها.
غادرت درة
وقفت على جانب باب الغرفة، تضع يديها على صدرها كأنها تحاول احتواء دقات قلبها ا
الهائجة الصراع بين الانكسار والصمود… تستجمع أنفاسها قبل أن تخطو للأسفل…
دخلت الى المطبخ، تبسمت لـ شكرية التي أعطت لها زجاحة الحليب قائلة:
كويس إنك نزلتي تاخدي الراضعه.
تبسمت لها درة بامتنان أخذت الزجاجه،وعادت تصعد نحو الغرفة،كانت خطواتها بطيئة، مُترددة، كأن كل خطوة تحمل معها ثِقل ما بداخلها…تحملت ذلك الوجع…
بينما طوفان شعر بوخزات قويه، يعلم أن درة مازالت غاضبه، ذهب نحو الفراش
وحمل صغيره الذي يبكي، وابتسم له بحنان هامسًا بحنان:
بتعيط ليه… عايز ماما
خفّت نبرة بكاء الصغير قليلًا، فقرب طوفان جبينه من جبين صغيره…. قبله بحنو، ثم همس له :
قول إنك اشتقت لحضنها… أنا كمان اشتقت لحضنها.
سكت لحظة، وصوته اختنق بندم….
بنفس اللحظة نظر نحو باب الغرفة، ارتسمت بسمة على وجهه حين رأى دُرة تدخل الى الغرفه، تحمل بيدها زجاجة حليب صغيرة.
لم تنظر إليه، تقدمت نحوه بصمت، رفعت يديها لتأخذ نوح دون كلمة، ثم اتجهت نحو الفراش جلست وبدأت تُطعمه.
وقف طوفان يراقبها للحظات يبلع ريقه، يشعر بغصة في حلقه من تجاهلها… لكن تغاضي،عن ذلك واقترب جلس إلى جوارها على حافة الفراش، ناظرًا إلى صغيره، ثم تحدث بهدوء: برضه لسه غضبان.. مش راضي يرضع من صدرك.
أومأت برأسها دون أن تنظر إليه.
تنهد طوفان، ثم مد يده وضمها من كتفيها إليه، طبع قُبلة خفيفة على وجنتها، وهمس:
مفيش حمدالله عالسلامة.
رفعت عينيها إليه أخيرًا، وقالت بهدوء يشبه العتاب:
حمدالله عالسلامة.
شعر بوخز في قلبه .. تنهد بعُمق وضغط على عضدها يضمها له بقوة
عيناه معلقتين بملامحها وهي تُطعم الصغير، تلك اللحظة تُحيي فيه شعور الندم.
همس قريبًا من أذنها، بصوت خافت لكنه مشحون بمشاعر قلبه الصادقة:
وحشتيني.
رفعت عينيها تنظر له بصمت، تشعر بقلبها يخفق سريعًا…ودت أن تنهض وتحتضنه فهي أشتقت لحضنه… لكن منعها كبرياء أحمق..رسمت البرود
لم يستسلم طوفان وحاول أن يُقرب وجهه منها أكثر، و….. لكنها انسحبت قليلًا وهي تُعدل وضع الطفل بين يديها كأنها تتهرب…
ضغط بيده من على كتفها، وعيناه ما زالت تراقبها بحزن…وقبل أن يتحدث تجمدت يدهُ على كتفيها حين تحدثت درة:
روزان كانت هنا جاتلي المستشفي.
↚
بمنزل جلال
وقفت خلود بمنتصف تلك الغرفة تعقد ذراعيها ببعضهما أمام صدرها، نظرتها ثابتة، صارمة،تزفر انفاسها كأنها تنتظر خوض معركة.
بنفس الوقت دخل جلال الى الغرفة بخطوات هادئة على غير عادته، كصأن ما به من بركان داخلي يحاول قمعه بالعقل… مع تلك المُتصلبة الرأس
توقف أمامها على مسافة قصيرة، يراقب تصلب ملامحها كأنها جدار لا يمكن اختراقه، بينما هي لم تحرك ساكنًا، سوى زفيرها الذي يتصاعد ببطء كأنه إعلان تحدٍ صامت… ضاقت بهما الغرفة ،اول كلمة ستُقال ستكون بمثابة الطلقة الأولى في معركة لا تحتمل الجِدال…
تنهدت تنظر بإحتقان،تتنفس بقوة،تنهد هو الآخر يشعر ببوادر شِجار قائلًا:
خير.
نظرت له بغضب قائله:
ايه اللى فى الصندوق ده.
نظر نحو الصندوق الورقي الكبير قائلًا:
ده فستان فرح واضح جدًا.
نظرت له باستهزاء قائلة:
تصدق اتفاجئت ومكنش عندي نظر.
ابتسم بينما هي شعرت بغيظ قائلة:
ومين اللى قالك تشترى فستان زفاف، بدون علمي، افرض ذوقه معجبنيش.
تفوه بحسم:
بس عاجبني، أنا العريس والفستان ذوقه عاجبني … كفاية سيبتلك حق اختيار فستان الحنه براحتك، بس ميكونش مكشوف.
نظرت له بغضب قائلة:
مكشوف، شايفني بلبس مكشوف.
نظر لها قائلًا:
لاء، بس ممكن الشيطان يوزك.
نظرت له بغضب قائلة:انا مش عاجبني الفستان وفى دماغي ديزاين خاص، وكنت هتفق مع مصممة تعملها خاص ليا، وإنت حددت ميعاد الزفاف بعد اسبوعين وانا محتاجه وقت، الفستان ده رجعه تاني.
نظر لها قائلًا بمهاودة ظاهرية
والفستان ده هياخد قد ايه.
أجابته:
من أسبوعين لتلات اسابيع او يمكن أكتر.
نظر لها بدهشه وفهم هي تود تأجيل الزفاف، فتحدث بتجبُر:
الفرح خلال اسبوعين دعوات الفرح اطبعت خلاص، والفستان ذوقه راقي وشيك، مشي نفسك بيه ليلة وتعدي.
نظرت له بغضب ورفض
وكادت تتحدث لكن هو يتثائب بارهاق قائلًا:
بصي يا خلود انا فاهمك كويس، بلاش اعتراض لمجرد الاعتراض، لاحسن والله ألغي الزفاف…
توقف يتثائب فابتسمت بأمل سرعان ما خفتت بسمتها، شعرت بخجل… حين قال:
والله الغي الزفاف وأخدك حالا من ايدك لاوضتي وأتمم جوازنا ومحدش هيعترض، وبصراحة أنا نفسي ده يحصل بس بحترم رغبة عمي ومرات عمي وكمان امي قال ايه لازم نفرح.
ضربت الارض بغضب وغصبً امتثلت… وغادرت الغرفة، ضحك جلال يراقبها وهي تبتعد، وعيناه تلمعان بمزيج من الانتصار والمرح، وكأنه يعلم أن كل هذا الغضب ما هو إلا قناع يخفي ارتباكها.
❈-❈-❈
بعدما إنتهوا من تناول العشاء، جلسوا جميعًا بغرفة المعِيشة
تبسمت وجدان على تذمُر نوح من مشاغبة جود بالضغط على وجنتيه المكتنزتان، شعرت بغصة فى قلبها لوهلة، جود حقًا تخطت كبوتها مع حاتم وعادت تمرح برقتها وبرأتها التي لم تتغير،ربما نضجت لكن مازالت تحتفظ بخِصالها الرقيقة…
كذالك طوفان ضحك على تذمُر صغيره من مشاغبة جود،بينما درة تجلس فقط تنظر كأنها شاردة نظر نحوها طوفان غص قلبه… حين تقابلت نظراتهما… عمدًا
أخفضت درة بصرها سريعًا، تحاشيًا لعمق نظرته التي تثير في داخلها شوقٕ لا تريد الاعتراف به… تظاهرت بالانشغال بكوب الشاي أمامها، أصابعها تعبث بحافته في حركة بطيئة.
همّ طوفان بأن يتحدث مجددًا، لكن جود قطعت الصمت بضحكة عالية وهي تعيد شد وجنتي نوح، مما جعل الجميع يلتفت إليها للحظة، إلا طوفان… عينيه لم تفارقا درة…
بينما تحدثت وجدان بنهي ومزح:
بلاش تشاغبي نوح يا جود.. ده لسه قايم من دور مرض.
تبسمت جود وازادت في مشاغبته وهو يتذمر وهم يشعرون بسعادة، لكن غص قلب وجدان حين رأت نظرات طوفان نحو درة، خمنت أن هنالك شد بينهما… تنهدت بآسف…
حتى مر وقت تثائب نوح لاحظت درة ذلك فنهضت تقترب من وجدان قائلة:
نوح هينام… أنا كمان حاسة بإرهاق وهو واضح كده شبع من مشاغبة عمتو، هاخده واهو أنام ساعتين بدون إزعاج.
أبتسمت لها وجدان وهي تأخذه منها قائلة:
تصبحوا على خير.
-وأنتِ من أهل الخير هكذا رددن
وجدان وجود التي نهضت قائلة:
أنا كمان هروح أوضتي، أخلص تجهيز رسوماتي عشان تتغلف صخلاص المعرض بتاع المحافظة فاضل عليه أيام، بصراحه أول مره أشارك فى معرض فني ومتوترة أوي وعاوزه كل حاجه تبقي ممتازة.
تبسم لها طوفان بمدح قائلًا:
إنتِ موهوبة وبلاش التوتر ده، وإن شاء الله متأكد من إن لوحاتك هتنول مدح كبير.
إبتسمت له بإشراق وإمتنان قائلة بمرح:
شكرًا على المدح ده، بس الأهم رأي الجمهور وده مش متوقع، يلا تصبحوا على خير.
-وإنتِ من أهل الخير
قالها طوفان و وجدان التي نظرت لـ طوفان قائلة:
جود متحمسة أوي وفرحانه إنها هتشارك فى المعرض ده، حاسه بحماس، حاسه إنها رجعت تستعيد نفسها من تاني.
إبتسم طوفان قائلًا بموافقة:
جود طول عمرها بتحب الرسم ولما جلال قالي عالمعرض ده قولت له كلم جود تشارك فيه.. واضح إن الرسم هو اللى رجعها تاني تلاقي نفسها بعد تجربتتها مع حاتم…
توقف قليلًا ثم تنهد بآسف قائلًا بندم:
مكنش لازم أوافق على جوازها من حاتم.. و
قاطعته وجدان وهي تضع يدها على كتف طوفان قائلة:
كل شيء قدر بلاش تجلد نفسك، ويمكن التجربة دي فهمتها إن الدنيا مش وردي زي ما هي راسمة فى خيالها، الضربة اللى مش بتموت بتقوي يا طوفان، جود بعد التجربة دي حسيت إنها نضجت…يمكن صدمة قاسيه فى أول بس علمتها إزاي تسيطر على مشاعرها.
غص قلب طوقان مازال يشعر بالمسؤولية والخطا قائلًا:
بس جود مكنتش تستحق التجربة دي… ياريتنا ما كنا قولنا ليها على طلب حاتم وقتها.. وجعها كان كبير يا ماما… وأنا شُفت ده في عينيها.
ربّتت على كتفه برفق أكبر، قائلة بحنو:
وأنا شُفته كمان… بس جود قوية، وبتعرف تقوم، يمكن أكتر مننا إحنا الاتنين.. المهم إحنا كنا جنبها، لحد ما قلبها بدأ يطيب… بلاش إحساسك القاسي ده.
اومأ برأسه لها، لكن تفاجئ من سؤال وجدان:
إنت ودرة زعلانين.
نظر لها مُستغربً ثم أجابها بنفي:
لاء ليه.
نظرت له، تفهمه من نظرة عيناه مازال صغيرها التي كانت تفهم ما يدور بداخله قبل أن ينطق، ثم ابتسمت بخفة قائلة بتوضيح:
يمكن أنا غلطانه.. بس حاسة في حاجة مش مظبوطة بينكم… درة مسهمه كده وساكته.
ارتسمت على وجهه ابتسامة كادبه، قبل أن يحول بصره بعيدًا، وكأنه يخشى أن تفضحه عيناه… ثم نهد وحرك كتفيه بلا مبالاة مصطنعة، محاولًا إخفاء ما يجول في صدره:
لا، مفيش بينا حاجه… يمكن هي مرهقة من رجوعها تاني لممارسة الطب،بعد فترة أجازة فده أثر عليها فترة وهترجع تتعود.
ظلت تحدق فيه لدقيقة، تحويل نظره بعيد عنها دليل على صدق حدسها…. على يقين أن إجابته ليست صحيحة لكنها لن تضغط عليه وإن كان بينه وبين زوجته خلافُ الأفضل أن يظل بينهما حتى يجدان له حل…
تبسمت له بحنان ونهضت قائلة:
أنا كمان هقوم أنام، خالتك عندها متابعة بكرة وهروح معاها.
تبسم طوفان قائلًا:
بصراحة مرض خالتي فاجئني، إزاي قدرت تتحمل تخبي السنين دى كلها.
غص قلب وجدان تذكرت مُعاناة والدتها من نفس المرض الذي استمر معها لوقت طويل وطريقة معاملة والدها لها وقتها وإستخساره لعلاجها او بالأصح إستخساره لإحضار مجرد مُسكنات لها فمرض كوثر ليس وراثي، لكن هي خشيت أن تجد نفس المعاملة من زوجها ومن حولها يشعرون بثُقلها قائلة بتبرير:
أنا كمان إتفاجئت، بس هي كمان قالتلى مكنتش حابه تصعب على حد،لما نعرف إن عندها سوسة فى العضم” نخر العظام”، بس إحنا كمان غلطانين كان فى إشارات واضحة من جسمها إنها تعبانة، وإحنا طنشناها أو افتكرناها إرهاق عادي…
أخفضت وجدان نظرها وهي تتابع بصوت يحمل خليطًا من الحزن واللوم:
هي كانت بتقاوم لوحدها، وإحنا سايبينها تواجه الألم ده من غير ما نحس قد إيه موجوعه… حتى جبروتها وقسوتها كان ستار بتخفي وراه وجعها،خافت تبقي عبئ.
أومأ لها طوفان برأسه موافقًا، أغمضت وجدان عينيها كي تخفي دمعتها ثم تنهدت قائلة:
يلا إطلع لمراتك وأنا كمان هروح اوضتي أتوضا وأقرأ الوِرد بتاع كل ليلة وبعدها هنام…تصبح على خير.
قبل رأسها قائلًا:
وإنت من أهل الخير يا ماما.
تركها وتوجه نحو غرفته بينما هي نظرته فى أثره تزفر نفسها بغصة قائلة بتمني::
دايمًا متحمل فوق طاقتك يا طوفان…بس متأكدة درة بتحبك زي ما أنت بتحبها أكيد شوية زعل وهيرحوا مع الوقت.
…… ….. ….
قبل قليل دلفت درة الى الغرفة تشعر بوجع فى قلبها مازالت مواجهة تلك السخيفة روزان تطن برأسها أعادت فتح جرح قلبها من جديد بل زادته وجعًا هو لم يلتئم بعد،تعلم أنها مُخطئة فى مُعاقبة طوفان،هي الأخرى مسؤولة عن ذلك،لكن وجعها يتحكم كلما تخيلت طوفان يُبادل غيرها الغرام…ربما ليس بنفس الشغف الذي يمنحها إياه، لكن مجرد الفكرة كافية لتمزق أعصابها وتكسر شيئًا عميقًا بداخلها…
تقدمت نحو وضعت صغيرها على الفراش وجلست على طرف الفراش بثقل، كأن وزن قلبها أضعاف جسدها، وضعت كفيها على وجهها علها تحجب تلك الصور التي تتدفق في ذهنها بلا رحمة… صور طوفان وهو يبتسم لغيرها، يلمس يدًا ليست يدها، أو يهمس بكلمات كانت تظنها تخصها وحدها…
زفرت بعمق، كأنها تحاول دفع الهواء المحمّل بالمرارة خارج صدرها، لكن طيف روزان وكلماتها الوقحة ظل يلتف حول رأسها كأفعى، يضغط على جرحها المفتوح ويمنعه من الالتئام…حاولت درة أن تُقنع نفسها بأن ما قالته روزان مجرد استفزاز رخيص، لكن قلبها لم يصدق، عقلها لم يُسعفها، ووجعها كان أقوى من أي منطق.
رفعت رأسها نظرت في الفراغ أمامها، تشعر كأن ذكرياتها مع طوفان بين جدران الغرفة تتحول من دفء وطمأنينة إلى وخز مؤلم ينهش روحها…
كم مرة أخبرها أنها كل عالمها، وكم مرة وعدها أنه لن يخذلها…،كم كانت تغرق بين يديه وتنسجم معه من بضع كلمات ولمسات… واليوم… يكفي أن تشك للحظة في صدق وعده حتى تجد نفسها تغرق في بحر من الغيرة والخذلان.
وضعت يدها على قلبها كأنها تحاول تهدئته، لكنه يخفق بجنون، ليس خوفًا من فقدانه فقط، بل من فكرة أن يكون قد منح غيرها ما كانت تظنه حقًا حصريًا لها…
رغم ان الغرفة دافئة لكن تشعر بالبرد،مسدت على ذراعيها تبحث عن حماية من برد داخلي لا علاقة له بالطقس… برد سببه كلمات روزان وذكريات طوفان التي لم تعد كما كانت.
كادت تغرق فى دوامة من الصور المتداخلة، ملامحه حين كان يبتسم لها بعفوية، صوته وهو يهمس باسمها بنبرة خاصة، دفء حضنه الذي كان يومً ملاذها وحدها ، تلك الصور نفسها تنقلب إلى أشواك تمزق قلبها كلما تذكرت أن روزان سبقتها ونالت من مشاعره حتى لو كان ذلك…مجرد لحظات عابرة…
يكفي أن تتخيل عينيه تنظران لغيرها بنفس العمق الذي يذيبها، أو أن صوته يلين ليحتوي أخرى يحتويها، شعرت أن الهواء يُسحب من رئتيها.
يتساءل عقلها بمرارة:
هل كان حبهُا فى قلبه حصنًا منيعًا حقًا، أم أن باب قلبه كان مفتوحًا دائمًا لمن تجرؤ على العبور.
إختناق بدأت تشعر به، وضعت يدها تُدلك صدرها… ثم نهضت جذبت تلك القينية وضعتها بفمها تستنشق ذلك الرذاذ، بنفس الوقت، نظرت نحو باب الغرفة، حين سمعت صوت فتح الباب تجاهلت دخول طوفان الذي لوهلة خفق قلبه بقلق حين رأها تستنشق من تلك القنينة إقترب سريعًا وقف أمامها يشعر بقبضة خوف تعتصر قلبه، عينيه تتفحص ملامحها المتوترة وأنفاسها المتقطعة، مدّ يده يحاول إزاحة القنينة عن شفتيها برفق وهو يسأل بصوت مبحوح:
مالك يا درة إيه اللي حصلك
لكنها لم ترفع عينيها نحوه، وكأن حضوره في تلك اللحظة يزيد من ضيق صدرها، لا يخففه… وضعت القنينة جانبًا ببطء، ثم ابتعدت خطوة للخلف، تحاول أن تحافظ على المسافة بينهما، تلك المسافة التي أصبحت حاجزًا يحميها من هشاشتها أمامه.
شعر طوفان بوخز في صدره من برودها، لكنه قاوم اندفاعه لاحتضانها، واكتفى بالنظر في عينيها، باحثًا عن أي إجابة بين ظلال الغضب والخذلان التي تحيط بهما، وهمس بقلق أكبر:
درة أرجوكِ…
قاطعته برجفة صوت مكتومة:
أنا كويسة يمكن اكتشفت إن مش كل الوعود دايمًا صادقة… بلاش تقلق نفسك مع الوقت هنسي وهبقي كويسه.
شعر بوخز قوي فى قلبه، وكاد يضمها يؤكد لها أن قلبه سيبقى حصنها الحقيقي، لكنها ابتعدت خطوة للوراء، كأنها تضع مسافة لتمنع أي محاولة لاقتراب جديد…
ارتجفت أنفاسه وهو يراها تبتعد عنه، يعلم أنها تُخفي خلف ذلك التماسك الزائف جرحًا ما زال ينزف.
لم يقل شيئًا، اكتفى بمراقبتها وهي تحمل صغيرها،ثم توجهت به نحو مهده الصغير وضعته به نظرت له لحظات ثم دثرته،وبصمت ذهبت نحو حمام الغرفة بعد قليل خرجت ترتدي منامة قاتمة اللون وبصمت توجهت نحو الفراش وإستلقت عليه تُغمض عينيها،زفر طوفان نفسه يشتعل بداخلة برغبة في محو كل ما جعلها تفقد ثقتها في الأمان.
بعد لحظات تمدد جوارها على الفراش، بمجرد أن شعرت به، إستدارت تُعطيه ظهرها، غص قلبه وهو ينظر نحوها، نظر نحو سقف الغرفة والذكريات تعود له هو الآخر.
«بالعودة قبل عامين تقريبًا
صدمة أذهلت عقله من تلك الرسالة التى وصلت إليه للتو عبر هاتفه
عاد يقرأ نصها
“النهاردة كتب كتابي أنا ودرة فى القاهرة، كان نفسي تبقي الشاهد بس إنت فى المنيا هتتأخر على ما توصل، هبقي أبعتلك صور من كتب الكتاب”
-مستحيل
هكذا ضرب على مقود السيارة، هذا لن يحدث، بالتأكيد ذلك كذب من حسام لمجرد إثارة غضبه…
لكن عقله يعترض:
إتصل على درة اكيد حسام
حاول الإتصال على درة لكن فى البداية كان يُعطي أن الهاتف مشغولًا، تنهد حين رن لكن انتهت مدة الرنين دون رد من درة
ضرب مقود السيارة غاضبً يقول:
مستحيل درة توافق، حسام كداب
مستحيل درة تتخلى عني بالسهولة دي.
جذب الهاتف وقام بالإتصال على والد درة..الذي رد عليه،بإندفاع من طوفان سأله يود منه النفي،لكن
-عمي مُختار قولى إن حسام كداب،ودرة مستحيل توافق إنها ترتبط بيه.
أجابه مُختار بما عصف بقلبه:
للآسف حاولت مع درة لكن هي مصممة،حتى إنها وافق على عرض حسام إنهم يكتبوا الكتاب النهاردة.
تحدث برجاء:
بحاول اتصل عليها مش بترد عليا، لو هي جانبك اديهالى أكلمها.
رد مختار بآسف:
أنا مش فى الشقة يا طوفان.
أطبقت الصمت لحظات على طوفان، كأن الكلمات علقت في حلقه، عيناه تجولان بلا تركيز وكأنه يبحث عن مخرج وسط الضباب الذي لا يغمُر الطريق فقط بل يغمُر عقله.
شد على هاتفه حتى كاد يحطمه بين أصابعه، زم شفتيه وهو يضغط على أسنانه، صوته خرج متحشرجًا:
مش هسيبها تعمل كده، حتى لو اضطرّيت أروح القاهرة دلوقتي.
قطع الاتصال قبل أن يرد مختار، وأدار محرك السيارة بعنف، وعيناه تعكسان خليطًا من الغضب والخوف، قلبه يصرخ:
درة… إزاي توافق… أكيد حسام وسوس لها فى دماغها… دلوقتي إتأكدت إن اللى وصل لها الفيديو هو حسام،
ضرب المقود بقوة قائلًا:
حقير مُستغل.
انطلق على الطريق كالسهم، وسط ذلك المطر الذي يُعتم الروؤية… محرك السيارة يعلو صوته مع كل ضغطة غاضبة على دواسة البنزين، وعقله مشغول فقط بفكرة واحدة،أن يصل قبل ما يفوت الأوان…
بعد ساعات أصدرت السيارة صوت صرير حين أوقفها أمام تلك البِناية
ترجل سريعًا خطواته تتلاحق، وكل خطوة تشعل في صدره مزيدًا من النار…
لكن توقف لحظات مصدومً أسفل غزارة المطر حين رأي حسام يمسك يد درة يخرجان من مصعد تلك البِناية…
مازال عقله وقلبه يتمني أن يكون وصل قبل عقد القران، لكن نظر له حسام بشماته وضم يد درة قائلًا:
مش تبارك لينا، كتبنا الكتاب وبالمناسبة دي أنا ودرة خارجين نحتفل.
شعر وكأن المطر لم يعد ماءً، بل سهامًا باردة تنغرز في صدره، تجمد في مكانه عاجزًا عن الحراك، تتلاطم بداخله رغبة في الانقضاض على حسام، ورغبة أخرى في أن يصرخ بدرة لتستفيق…
لكنها لم تنظر إليه حتى، وكأن بينهما جدارًا شفافًا لا يمكن اختراقه…
ابتسم حسام باستهزاء، شد يدها أكثر نحو الخارج، فيما كانت هي تتجنب النظر إليه، ملامحها جامدة، أو ربما تحاول إخفاء شيء خلف ذلك الجمود…
انقبض قلبه، شعر بمرارة الهزيمة تُطبق على أنفاسه، لم يسمع سوى دوي المطر وصوت قلبه وهو يتكسر قطعةً قطعة…
رفع رأسه أخيرًا، بعينين تحترقان، وقال بصوتٍ مبحوح:
– مبروك…
لكن تلك الكلمة خرجت منه كطعنة، وكأنها أغلقت الباب الأخير الذي كان يربطه بها..
استدار ببطء، خطواته ثقيلة، كل خطوة تشبه طعنة تنغرس فى قلبه
المطر يتساقط بغزارة، يلتصق بقميصه، يلسع وجهه، لكنه لم يرفعه ليحتمي، وكأن الألم الخارجي هو ما يحتاجه الآن ليغطي على ما يشتعل بداخله…
عقله يصرخ
كيف إستطاعت فعل ذلك
وقلبه، يتشبث بأمل
توقف فجأة، يضغط كفيه بقوة حتى إبيضت مفاصله، وعيناه تنظر نحو تلك السيارة التي إنطلقت… وعقله يستوعب صوت حسام وهو يقول “كتبنا الكتاب” يعيد دق المسامير في صدره.
رفع عينيه للسماء المظلمة، زفر بمرارة، ثم أسرع في خطواته كأن الهروب هو الحل الوحيد لئلا ينهار في منتصف الطريق…
دخل سيارته وأغلق الباب خلفه بعنف، كأن ضوضاء المطر بالخارج لم تكن كافية لإسكات العاصفة التي بداخله.
أسند جبهته على المقود، أنفاسه متقطعة،
مد يده ليمسح قطرات المطر، لكن أصابعه اصطدمت بدمعة ساخنة، لم يعرف متى سقطت.
أخرج هاتفه، فتح صورها، يمرر بإبهامه على ملامحها وكأنه يلمسها حقًا، ثم فجأة قذف الهاتف بعيدًا ليرتطم بالباب الآخر للسيارة يسقط صامتًا.
دفن وجهه بين كفيه، صوت حسام وضحكته الشامتة يجلدان روحه بلا رحمة، وصورتها وهي تمسك بيده تُذيب ما تبقى من كبريائه…
همس بصوت مبحوح، وكأنه يخاطب نفسه أكثر منها:
ليه يا درة ليه… كنتِ حياتي كلها…
وفي تلك اللحظة، لم يعرف إن كان الغضب هو الذي يسيطر عليه، أم الحزن… أم كليهما في وقت واحد.
بنفس الوقت دوى صوت هاتفه… رأي إضاءة الشاشة، جذب الهاتف، نظر له… أراد إغلاق رنين الهاتف يكفي تلك الضوضاء القاتلة برأسه، لكن بالخطأ ضغط على ذر الرد، غصبً قام بالرد، صدفة أو قدر ينساق به دون أن يدري كيف.
بعد قليل بأحد المطاعم دلف بثيابه المُبلتة، نظر بالمكان حتى وجد روزان تجلس خلف إحد الطاولات… ذهب نحوها، إستعجبت من هيئته، فسرت ذلك بانه سار أسفل المطر بالخارج…
تحدثا معًا ببعض الاعمال، لاحظت أن السيجارة لا تنطفي بيده قبل أن تنتهي يُشعل أخرى، مدت يدها وضعتها فوق يده، كانت باردة، رفع رأسه ونظر لها عيناها كانت مثل وهج نار، وهو يشعر بالتجمُد داخليًا، ظل ينظر لعيناها وهي تتغنج وتتمني فقط تلك النظرة منذ أن تعرفت عليه…
كلمات حسام تتردد برأسه ونظرة الشماته تتراقص أمامه
جلمة نطقها بتسرع دون مشاعر
تتجوزيني يا روزان.
رفعت رأسها تنظر له مشدوهه مصدومة، لكن صدمت حين كاد يتردد ويعدل عن ذلك، تبسمت له، رأي صورة درة ويدها بيد حسام…
بنفس الوقت تفوهت روزان:
موافقة.
صدم طوفان واراد أن ترفض هي فقال:
تتجوزيني عُرفي.
صمتت للحظات، فكرت ظن أنها قد ترفض لكن صدم حين قالت:
موافقة يا طوفان.
بعد قليل كان الإثنين بغرفة مكتبه بالمقر الخاص بشركته بالقاهرة يوقعان ورقتان مفادهما زواج عرفي تم بينهما…
لحظات وندم على ذلك
بينما روزان كل ما يهمها ورقة تضم اسمها مع طوفان، بالتأكيد تلك الورقة العُرفية لن تظل لوقت، ستتحول الى رسمية وشرعية، نهضت بجرآة تقترب منه حتى أنها جلست على ساقيه حاولت تقبيله، لكن هو…شعر بنفور حاد، كأن برودة غريبة تجمدت في عروقه، يداه تلقائيًا أمسكت بكتفيها وأبعدها عنه بقوة، عينيه تلمعان بغضب مكتوم.
قائلًا بصوت حاد خافت:
روزان… إحنا فى الشركة.
ارتسمت على وجهها ابتسامة مائلة، مزيج بين التحدي والتصميم على الوصول لقلبه، ثم مالت للخلف وهي تمسد على الورقة الموضوعة على المكتب:
وفيها ايه ما إحنا إتجوزنا.
عاد بالمقعد للخلف، غصبً نهضت من فوق ساقيه، نهض هو الآخر واقفً، متجاهلًا كلماتها، وأخذ يبتعد نحو النافذة، نظر إلى أضواء القاهرة التي تلمع في البعيد، وقلبه يصرخ داخله يلومه:
إيه اللي انت ورطت نفسك فيه وورطها معاها..
قطع أفكاره حين شعر بيديها تتسلل على صدره تضمه من الخلف تضمه بحميمية تضع رأسها فوق ظهره تحاول إغواؤه، لكنه كان مثل الطقس بارد بل الطقس مُمطر وهو جاف.
لم يستطع لمسها، وابعد يديها عنها تقدم خطوة ظل واقفًا مكانه، يراقب قطرات المطر التي بدأت تتساقط خلف الزجاج، تتسابق على الملمس الشفاف وكأنها تحاول الهرب من سماء مثقلة بالغيوم… تمامًا كما يريد هو الهرب من هذا المأزق.
أغمض عينيه، يتذكر وجه درة، ضحكتها، وحتى نظرتها الغاضبة منه… كيف كانت تنفذ إلى روحه بلا استئذان، بعكس روزان التي تحاول اقتحامه بالقوة.
مد يده إلى جيبه، أخرج سيجارة وأشعلها، لعل الدخان يخفف من وطأة الضيق في صدره، لكنه اكتشف أن الثقل باقٍ، وأن الورقة التي وقّعها اليوم ليست مجرد حبر على ورق، بل قيدًا جديدًا حول عنقه…
انفلتت منه همسة أشبه باعتراف مُر:
دي غلطة هتدفع تمنها غالي يا طوفان.
عودة»
بالفعل دفع الثمن غالي درة رغم أنها جواره على الفراش لكن بعيدة عن روحه، كأن بينهما جدارًا من صمت وجفاء لا تُجدي معه أي محاولة اقتراب…
التفت نحوها في على ذلك الضوء الخافت ، تُعطيه ظهرها أنفاسها تبدوا هادئة لكن نبضه هو كان فوضويًا…
مد يده بتردد ليلمس شعرها، لكنه أوقف نفسه في منتصف الطريق، وكأن بين أصابعه وخصلاتها نارًا ستحرقه إن اقترب…
كل ما كان يراه أمامه هو ظل روزان وهي تبتسم بانتصار، وصوت قلمه وهو يوقع تلك الورقة المشؤومة.
ابتلع غصته.. وحسم أمر قلبه المُشتاق، إقترب من درة ورفع يده يضمها، يضع وجهه بين خصلات شعرها هامسً بعشق:
درة.
تزلزل كيانها هي تشتاق أليه، اغمضت عيناها بقوة هي الأخرى تلوم نفسها، تُبرر لـ طوقان، أليست هي من تسرعت وواقفت على الزواج من حسام، تلك الليلة كانت تبكي على خطأ أفسد قلبها، منظر طوفان وهو يقف أسفل المياة مازال برأسها، ربما ظن أنها لم تنظر إليه، لكنها نظرت له لتعلم أنها كسرت الأمل بداخله ذلك اليوم…، لكن هي الاخرى انكسر شيئًا بداخلها لم تستطع إصلاحه حتى الآن… قضت ليلتها
دموعها تختلط بحرارة أنفاسها،
لكن الآن إحساس ذراعيه حولها يعيدها للحظة ، قبل أن تتبعثر بين القرارات الخاطئة.
هو بدوره أحكم ضمها، وكأنه يحاول أن يطرد من بينهما كل الصور القديمة، كل الأسماء التي دخلت حياتهما وعبثت بمصيرهما
❈-❈-
بداخل قاعة كبيرة، كانت لوحاتها مصفوفة على جدارن تلك القاعة العريقة التابعة لإحد الجامعات….
رغم التوتر الذي يعصف بها، ابتسمت برقة وهي تراقب العيون تتجه نحو رسوماتها المعلّقة على جدران القاعة…. تسلل إلى وجنتيها خجل دافئ حين التقطت أذنها صوت أحدهم يمدح موهبتها وإتقانها للرسم، وكأن كلماته كانت لمسة تقدير تلامس قلبها قبل أن تصل إلى مسامعها… خفضت بصرها قليلًا، تخفي ارتباكها خلف ابتسامة هادئة، بينما قلبها ينبض بإيقاع مختلف، مزيج من الفخر والدهشة… لم تعتد أن تكون مركز الاهتمام، لكن في تلك اللحظة شعرت وكأن عالمها الصغير انفتح على اتساعه، وصارت ألوان لوحاتها هي من تتحدث بالنيابة عنها.
اقترب منها بخطوات واثقة، رجل يحمل ملامح هادئة وابتسامة ودودة، توقف أمامها ناظرًا إلى إحدى اللوحات قبل أن يلتفت إليها قائلًا:
مشوفتش رسام يجيد أسر الضوء داخل ألوانه بالدقة… لوحتك كأنها بتتنفس.
شعرت بحرارة كلماته تتسلل إلى قلبها، رفعت عينيها نحوه بتردد وهمست:
أنا برسم اللى بحس بيه مش اللى بشوفه.
ارتسمت على وجهه نظرة إعجاب صامتة، وكأنها دعوة لحديث أطول، حديث ربما يترك في حياتها أثرًا يشبه أثر ألوانها على تلك اللوحات …..تحدث بمدح:
إلاحساس… إنتِ عندك احساس فني فى إختيار الالوان مع مضمون اللوحة، مزيج مُتجانش يشد العين تتمتع بجمال اللوحة.
ابتسمت برقة، لكن سُرعان ما عبثت ملامحها حين إستدارت بوجهها ورات حاتم يقترب منها بعيون مُسلطة عليها، لا تعرف مغزى نظراته لها لكنها إبتلعت ريقها …تشجعت بابتسامة متماسكة، تخفي خلفها ارتباكًا مفاجئًا، وكأن حضور حاتم قلب موازين اللحظة…
اقترب حتى أصبح على بُعد خطوة منها، عينيه لا تفارق ملامحها سُرعان ما إهتز كيانه من تجاهُل جود له وإندماجها برقة ورُقي فى الحديث مع ذلك الشخص… شعور بالغِيرة يعصف بصدره من مجرد بسمتها لذلك الشخص الذي لا يعلم هاويته… ظل مُراقبًا لها وهي تتنقل من صورة لأخري تستمع لمدح ذلك الشخص… بلحظة تبدلت ملامحه الى الغضب ولم يستطع التحمُل حين تلامست يدها مع يد الآخر تقدم بخطوات حادة، كأن الأرض تضيق تحت قدميه، خرج صوته منخفضًا لكنه مشحون بالتحذير:
جود…
توقفت عن الحديث، رفعت رأسها نحوه بدهشة،وكبرياء… بينما كانت يدها ما تزال عالقة بين يدي الآخر، لمحت في عينيه عاصفة مشاعر لم ترها سابقًا لم يستطع عقلها تفسيرها….ربما فقط مجرد تملُك واهي منه… لكن بالحقيقة كانت
غيرة جامحة وغضب مكتوم، امتزجت مع ملامحه الصارمة… برد فعل دون تفكير
سحب يدها منه دون تردد، وكأن مجرد لمستها لغيره كان خطيئة… جذبها، غضبً سارت معه حتى لا تلفت انتباة من بالقاعة… حتى تجنبا فى أحد الجوانب
سحبت يدها من يده بغضب رمشت سريعًا، تبحث عن رد يوازن بين برود الحذر وسخافة الموقف، لكن الكلمات علقت في حلقها، فاكتفت بالقول بهدوء:
إنت إيه اللى جابك هنا… أظن محدش وجه لك دعوة حضور للمعرض.
تسلل الصمت بينهما لحظة، لا يقطعه إلا وقع أنفاسها المتسارعة.
ساد بينهما صمت قصير، لكنه لم يكن صمتًا جافًا؛ بل ذلك النوع الذي يترك مجالًا للأنفاس أن تتلاقى والعيون أن تقول ما تعجز عنه الكلمات… أشار بيده نحو مخرج القاعة مبتسمًا:
ممكن أعزمك على عصير فريش، عارف إنك مش من هواة القهوة.
نظرت له باستهزاء، فماذا يعرف عنها، تحدثت برفض:
لاء وإتفضل امشي من هنا، أنا أساسً معرفش ايه جابك.
رغم غصة قلبه لكن تمسك بالثبات ومد يده بورقة ملفوفه بشكل اسطواني، قائلًا:
الصورة دي لازم تكون بين لوحات المعرض.
غصبً اخذت تلك الورقة فتحتها سُرعان ما تهكمت على نفسها، تلك الصورة ذكرتها بـ جود الحالمة التي دثرتها، عاصفة الخذلان.
بلا تقكير مزقت الورقة، دون حديث تركته وسارت خطوات ثم توقفت تبتسم لذلك الذي يقترب منها مادحً.. بسمتها لذلك السمج مثل اعصار هادر.
↚
بعد مرور عِدة أيام
بمنزل مرعي
إستقبلت زوجته تلك الضيفة بترحيب كبير
تعلم فضلها على إبنتها منذ سنوات وهي تدعمها، حتى بعد ما إنتهت من دراسة الدبلوم، وفرت لها عمل…
تحدثت بهدوء:
بصي يا أم زينه انا النهاردة جايه فى أمر خاص
انتِ عارفة ان المشغل بتاعي مش بشغل فيه غير الناس المحترمة، وفى شاب إسمه أكرم ده المشرف بتاع المشغل، ويبقي ابن عمي ومتربي قدام عنيا، ولو مش واثقة فى أخلاقه مكنتش وافقت اتوسط له وأجي النهاردة أطلب إيد زينه له.
فرحة ما بعدها فرحة فى قلب والدة زينة كذالك زينة التى تقف بالقرب منهن سعادة بقلبها لا توصف، بالتأكيد ستوافق، فهذا هو طوق النجاة لها من براثن ذلك الوغد وليد…
لكن ذهبت الفرحة سُدى حين دخل مرعي، وسمع الجزء الاخير وعرض تلك السيدة وتحدث برفض قاطع:
طلبك مرفوض.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
تبسمت لـ شكريه قائلة:
عندي نواقص فى أدوات الرسم،اتصلت عالمحل اللى بشتري منه وقالى موجودة هروح أجيبها مش هتاخر.
ابتسمت لها بحنان قائلة:
بدل البهدله، كنتِ خلتيه جابها لحد هنا.
هزت جود راسها بمرح قائلة:
ليه، أنا فاضية وأهو أخرج أتهوى شوية من قاعدة البيت، كمان، فى كذا محل شوفت لهم اعلانات عالنت هروح أشوف منتجاتهم ولو عجبتني حاجه هشتريها… مش هتأخر.
ابتسمت لها شكرية قائلة:
ترجعي بالسلامه ركزي فى الطريق وبلاش سرعة زايدة.
ضحكت جود قائلة:
اطمني انا يادوب لسه بعرف اسوق، وبسوق زي السلحفة بالظبط.
ضحكت شكرية وتنهدت تشعر بأسي على حال جود صاحبة القلب البرئ التى بدأت شبابها بصدمة لا تستحقها.. زواج فاشل تجربة حُسبت عليها قيدت قلبها، لكن لم تنزع منه الطيبة،كذالك البسمة…تنهدت بتمنى قائلة بهمس:
ربنا يصلح حالك ويعوض قلبك باللى تستحقيه.
غادرت جود بالسيارة عبر ذلك الطريق… كانت تقود بسرعة متوسطة كعادتها، لكن
لوهلة ارتبكت حين ظهرت تلك السيارة أمامها، لم تستطع التحكم في أنفاسها ولا في السيارة ببديهية اوقفت السيارة فجأة إنتفضت السيارة قليلًا… ظلت بالسيارة تلتقط أنفاسها، هي مازالت جديدة العهد بقيادة السيارات لحظات حتى عاد تنفسها طبيعيًا ورفعت نظرها للأمام لتزفر نفسها بضجر حين رأت
توقفت تلك السيارة أمامها ببطء، وانفتح الباب ليخرج منها حاتم يترجل نحوها… لشعورها بالارتباك وعدم مهارتها بالقيادة نظرت خلفها، الطريق صغير ولن تستطيع العودة للخلف بسهولة ظلت جالسة بالسيارة، حتى توقف حاتم جوار السيارة يدُق على زجاج الباب المجاور لها.
زفرت نفسها ورفعت رأسها تنظر له لحظات كان الصمت، تأملت
ملامحه التي أصبحت بشوشة عكس ذلك العبوس السابق… كذالك ظهرت بعض الخطوط الخفيفة حول عينيه، كذالك النظرة اختلفت… ليست نفس النظرة السابقة التي كانت تمقتها…حتى الابتسامة ليست نفسها التي كان يطعنها بها حين تشعر ان ابتسامتة لها جافة…
ارتجف قلبها بمرارة، لكن هذه المرة لم يكن ضعفها حاضرًا، بل غضبها الذي حاولت دفنه طويلًا..ها هو يقف قريب منها بخطوة، عينيه مثبتتان على ملامحها،حتى صوته تبدل عن الذي عرفته يومًا بنبرة قسوة تحول الى نبرة هادئة، يقف امامها بجرأة ليست جديدة عليه قائلًا بنبرة واثقة:
جود… ممكن تنزلى من العربية نتكلم بس خمس دقايق مش أكتر .
رفعت ذقنها بعناد، تُقاوم ارتجاف يدها وهي تُمسك بمقود السيارة قائلة ببرود جارح:
لاء، ولو سمحت إبعد عربيتك عن الطريق خليني أعدى.
عاد يدُق على الزجاج بتصميم… فتحت الزجاج ونظرت له بغضب قائلة بتعنيف:
إنت خلاص اتوقفت عن شغلك كـ ظابط شرطة وبقت كل مهمتك هي إنك تطاردني فى كل مكان، أنا خلاص بقيت بفكر قبل ما أخرج من البيت هتطلع لى منين، كفاية مطاردات خلاص يا…
توقفت ماذا تقول قبل أن تنطق إسمه، ودت وجود صيغة أكثر رسمية، لا يهم حتى ان كان موقوفً عن العمل، فربما نطقها بتلك الصيغة تجعلة يشعر بالمرارة… بالفعل نطقتها بحنُق:. كفاية مطاردات يا حضرة الظابط مش
مش ناقص غير تحطلي كمين قدام البيت.
غصبً ضحك بمرح… ولم يهتم بتلك الكنية التى نطقتها قبل إسمه…. نظرت نحوه تلاقت عينياهم لاول مرة ترى بعينيه بريقًا غامضًا لا تعرف أهو ندمٌ صادق أم مجرد مراوغة جديدة.
بعناد ظلت فى السيارة و وقامت بالضغط على ذر رفع الزجاج لكن حاتم لاحظ رفع الزجاج وضع يده قبل أن ترفع الزجاج غصبً توققت، تنظر له باستهجان قائلة:
شيل ايدك من عالازاز، وإبعد عربيتك دي وخليني أكمل طريقي.
بتصميم من حاتم لم يهتم وتجرأ وفتح باب السيارة، ينظر لها، رفعت نظرها له باستهجان قبل ان تتحدث تجرأ وأخذ مفاتيح السيارة من المقود وابتعد قليلًا كي يجبرها على النزول من السيارة… اغتاظت جود من ذلك وترجلت من السيارة تشعر بغضب، للحظات
وقفت متسمّرة أمام باب السيارة، أنفاسها متلاحقة، وقلبها يدق بجنون… أمامها يقف الرجل الذي كان يومًا كل عالمها، ثم فجأة صار جرحها الأكبر…. اقترب منها بخطوات ثابتة، عيناه تجولان في ملامحها وكأنهما يسرقانها من جديد.
تحدث بصوت منخفض لكنه محمّل بثقة يعرفها جيدًا:
تعرفي إني بسببك بقيت القراية… انا حتى كُتب المدرسة مكنتش بقرأها
أطبقت أصابعها على حقيبتها بقوة لتمنع ارتجافها، رفعت رأسها بعناد وقالت ببرود جارح:
بصراحة بعد كلامنا فى المعرض ما توقعتش أشوفك تاني… إنت بقيت أسوأ كابوس فى حياتي..افهم احنا إنتهينا.
رغم غصة قلبه لكن ابتسم بخفة، ابتسامة كانت قديمًا رغم جفافها كانت تذيب قلبها لكنها الآن تمقتها،تحدث ببرود متغاضيًا:
قريت كل الكُتب اللى أنتِ سيببها فى شقتنا و..
قاطعته بحدة وهي تتراجع خطوة للخلف:
كُتب إيه، كفاية ياحاتم متفكرش إن كان صعب عليا أكرهك، إنت محيت كل إحساس يوم حسيت به اتجاهك تعرف أن كان سهل أغفر لك أي شئ لكن خيانتك ليا،وإنت بتوصل الود والغرام بينك وبين خطيبتك السابقة..وبتقابلها طبعًا كنت ضامن مشاعري،أو عالاقل كنت خلاص حققت انتقامك من طوقان،هزمتني وكسرتني كنت ضعيفة وقتها… بس دلوقتي لأ. ما بقاش ليك مكان في حياتي….
ساد صمت لوهلة، عينيه تتفحصانها كأنه يحاول إيجاد خيط ضعف واحد يمسك به… ثم تمتم بنبرة مكسورة لأول مرة:
جود أنا كنت حاسس بضياع صدقيني مقابلتي لـ ماهيتاب كانت….
بعصبية منها قاطعته تشعر بمرارة:
صدفة… كفاية كنت مخادع بلاش كمان تبقي كداب… تعرف يا حاتم أكتر شئ بحمد عليه ربنا هو إن الجنين اللى كان ممكن يربطنا ببعض نزل، كان هيبقي وصمة ليا منك، تعرف إنى خوفت أكره إبن أخويا بسببك، لكن اللى حصل العكس، رغم لو كان حملي كمل كان هيبقي عندى طفل فى نفس عمره، بس تصدق ربنا له حكمة، لو كان عندى ولد منك كنت هكرهه وأحب إبن طوفان أكتر منه… لان طوفان هو اللى فى عز وجعي كان الصدر الحنين اللى ضمني، رغم شوفت فى عينه ندم وعذاب، سمعته وهو بيزعق لـ درة اللى بيعشقها،لمجرد جابت إسمك قدامي وطردها من المستشفى وبيلوم نفسه…مكنش أناني ولا خاين زيك…ولا متخاذل وإبن أمه…أيوه كنت بتبقي شايف معاملة الست والدتك ليا وتقليلها من شآني وكدبها وادعائها،رغم ذلك بتصدق،الوحيد اللى كان بطيب خاطري بكلمتين هو والدك
جود بنت “نوح مهران” اللي كان الأكل بيتحط لها عالسرير مفكرتش لا فى دلع ولا إتكبرت بالعكس كان نفسي بس فى بسمة وكلمة شُكر،لكن لو قولتها هتكبر عليكم،مش ده كلام الست والدتك…سمعتكم كذا مرة مكنتش بتصنت كانت بتبقي صُدف عشان تبين قدامي قد ايه أنا كنت ساذجة لما اتنازلت من البداية…كنت بتعامل بقلبي…
قلبي اللى دلوقتي حطيت عليه لجام…أوعي تقكر إن لسه لك مشاعر فى قلبي، تعرف أنا إتقدم ليا كام عريس الفترة اللى فاتت، ولاد عائلات معروفة ولها قيمتها ومنهم اللى متجوزش قبل كده، شباب متترفضش، بس أنا مش عاوزة أظلم حد معايا، أو اظلم نفسي بتجربة تانية ممكن تكون أفضل من التجربة الأولى.
تجمّدت الكلمات على لسانه، قلبه ارتجف رغمًا عنه، لكنها تماسك، زفر بقوة وكاد يتحدث، لكنها
تركته،وتوجهت نحو سيارتها هو مازال واقف خلفها، يراقبها بنظرة ندم…
لم تنجُ خطواتها من صوته الذي لحقها، أوقفها كأنها ما زالت أسيرة تلك السنوات الماضية:
تفتكري كلامك ده هيخليني أستسلم… أنا رجعت علشانك… ومش هسيبك تاني.
التفتت نحوه بحدة، عينيها تتقدان بالجرح الذي لم يُمحَ:
ـ رجعت علشاني…
توقفت تضحك بسخرية موجعة قائلة:
تفتكر عندي استعداد أعيش الكابوس مرتين.
اقترب منها أكثر، المسافة بينهما تضيق، كأن الهواء يختنق بين أنفاسهما رغم وسع المكان:
يمكن ضعفت… بس صدقيني دلوقتي بحبك و…
ضحكت بسخرية مريرة، تلك الضحكة التي تُخفي دمعة تأبى النزول وقاطعته:
دلوقتي بتحبني… للإسف فات الوقت.
اقترب أكثر، وكاد يمسك يدها لكنها تراجعت بحدة، وكأن مجرد لمسته تعيدها إلى سنوات العذاب.
قالت بصوت مبحوح لكنه صارم:
أوعاك تلمسني… وإبعد عن طريقي كفاية مطاردات مش هتكسب منها أي شئ، وبلاش تضطريني عشان أخلص من مطارداتك، أوافق على أول عريس يتقدم لي.
تركت كلمتها تتردّد في صمت، ثم استدارت ومضت مبتعدة، بينما عينيه تلتمعان بمزيج غامض بين الندم والإصرار… مزيج يوحي أنه لم يأتِ ليلتقي بها فقط، بل ليحارب لاستعادتها، حتى لو كل شيء في داخلها يصرخ بالرفض…
نظرت نحوه بحِدة قائلة:
لو سمحت إبعد عربيتك من طريقي… اللى زيي ميلقش بمقامها توقف فى نص الطريق فُرجة للى يسوا واللى ميسواش
نظر نحوها وفكر وفكر، كلماتها قاسية، لكن لديها كل الحق بها… لكن هو لن يستسلم، وإن لم تنفع المطارادات لابد من طريق آخر…
ذهب نحو سيارته وبالفعل إستقام بها على الطريق،بنفس الوقت مرت جود بسيارتها سريعًا كأنها تهرب.
❈-❈-❈
بعد وقت بنفس اليوم
بـ مبني تابع للشرطة
أدي حاتم التحية العسكرية…
نظر له القائد قائلًا:
إتأخرت عشر دقايق يا حضرة الضابط.
تحدث متأسفً:
آسف يا أفندم محسبتش وقت الطريق.
ابتسم له القائد قائلًا:
طبعًا وصلك نسخة من تقرير الردار اللى لقط نمرة شاسية العربية الكاميون اللي نزل منها المجرم اللى اعتدى عليك، للآسف زي ما إنت توقعت إن العربية مسروقة، وطبعًا فى هدف من ورا سرقة سلاحك، ولغاية دلوقتي مظهرش السلاح، لازم ناخد حذرنا، القيادة لو مش واثقة إنك ظابط كُفأ، كمان إنت أكدت كفاءتك لما إتعاملت مع المجرمين اللى كانوا حاولوا مطاردة زوجة طوفان مهران، رغم وقتها مكنش معاك سلاح بس عرفت تتعامل بمهارة وده حسِن من موقفك قدام لجنة التحقيق… وإنت عارف إن قرار وقفك عن العمل مجرد إشاعة ووضع مؤقت.
أومأ حاتم قائلًا:
تأكد يا أفندم إنى مش هرتاح غير لما ارجع سلاحي من تاني، أنا عارف إن سلاح الضابط بمثابة شرفه المهني.
هز القائد رأسه مؤكدًا:
الثقة دي مطلوبة، بس لازم تبقى صاحي كويس… في حد خطط كويس للضربة اللي اتعرضت ليها… وسرقة السلاح دي مش مجرد صدفة، دي خطوة في خطة أكبر.
أومأ حاتم له بتأكيد ذلك، فكر القائد للحظات ثم تحدث بجدية:
عدم ظهور السلاح لغاية دلوقتي لغز ولازم تنتبة، أكيد فى غرض لسرقة سلاحك.. ممكن اللى سرقة ينفذ بيه عملية اغتيال لشخص قريب منك.
وافق حاتم على ذلك قائلًا:
ده فعلًا يا أفندم اللى فكرت فيه، ومتأكد مش هيطول كتير.
وافقه القائد قائلًا وهو يشبك أصابعه فوق المكتب:
تمام، عاوزك تكون في قمة الحذر… حكاية وقفك عن العمل وتحويلك لمحاكمة عسكرية أكيد هيكون لها خلفية، مش مجرد إجراء إداري… في حد ورا الكواليس بيحرك الخيوط ضدك.
تجهم وجه حاتم وقال بصرامة:
تقصد ايه يا أفندم إن في حد من جوه الجهاز نفسه متورط.
أومأ القائد بحذر:
وارد جدًا… ومش عاوزك تستبعد أي حد، حتى القريبين منك… المجرم اللي استهدفك كان واثق من تحركاتك، وعارف خط سيرك بالظبط… ودي مش معلومة أي حد يقدر يوصلها بسهولة.
أخذ حاتم نفسًا عميقًا قائلًا بعزم:
يعني المهمة مش بس استرجاع السلاح… لكن كمان كشف الخاين.
ابتسم القائد ابتسامة مقتضبة وقال:
بالظبط… وممكن الخاين ده يبقى هو مفتاح العملية كلها.
وقف حاتم وأدى التحية العسكرية مجددًا:
اطمّن يا أفندم، أكيد مش هسمح لخاين وسطنا.
هز القائد رأسه وقال بجدية:
تمام استعد… من النهاردة أنت داخل حرب مش معروف الخصم يا حاتم.
اومأ حاتم برأسه، ثم أدى التحية العسكرية وغادر، فهو حقًا بين حجري رحا
الحجر الأول…عليه استعادة سلاحه قبل أن يستغل فى جريمة
والحجر الآخر
هو إستعادة جود وربما هذا الأصعب الآن،لكن لا شيئ مستحيل.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين صباحً
قبلت وجدان يد نوح الصغيرة وهي تُعطيه لـ درة قائلة:
هتوحشك يا نوح، تروحوا وترجعوا بالسلامة، إبقي سلمي لى على جدتك يا درة.
إبتسمت لها درة، بنفس الوقت وصلت جود قائلة:
أنا جاهزة فين طوفان.
أجابتها وجدان:
طوفان طلع الجنينه كان بيرد على الموبايل، اها رجع أهو.
ابتسم طوفان قائلًا:
لو جاهزين يلا بينا، نتوكل عشان نوصل القاهرة قبل الضهر… الطقس بدأ يحرر من تاني.
أومأت له وجدان قائلة:
ايوة عشان نوح مش هيستحمل الحرارة.
ابتسمت جود قائلة:
كل خوفك على نوح،لازم الشمس تنقحه حتى عشان يسمر ويبقي راجل.
ابتسمت وجدان قائلة:
نوح راجل من ضهر راجل،وكفاية مشاغبة فى الواد،بقي شقي بسببك.
ضحكت درة توافق وجدان قائلة:
فعلًا يا طنط عندك حق.
ادعت جود القمص واقتربت من طوفان قائلة:
شايف يا طوفان،الكنه والحما اتفقوا عليا،وده بسبب نوح… وهطلع انا العمة الحرباية.
ضحك قائلًا:
لاء طبعًا إنتِ أحن وأحلى عمة.
تبسمت له، كذالك وجدان التى قالت:
كفاية عطلة يلا اتكلوا على الله عشان توصلوا قبل الشمس ما تبقي قاسية.
تبسم طوفان وأشار لهن ان يسبقنه الى السيارة.
بعد لحظات غص قلب طوفان حين تعمدت درة الصعود الى المقعد الخلفي للسيارة وتركت جود تجلس جواره…كانت جود تنظر نحوها تُشاغب نوح،بينما درة شاردة أحيانًا،الى أن توقف طوفان امام تلك البِناية،إستغربت جود قائلة:
إحنا فين.
أجابها طوفان وهو ينظر نحو درة قائلًا:
ده بيت جِدة درة، انتبهت درة…نظرت نحو البِناية… ترجل طوفان من السياره وفتح الباب الخلفي ينظر لـ درة قائلًا:
طنط زمانها مستنية نوح من بدري.
ابتسمت درة، وأعطته الصغير،ثم ترجلت من السيارة،كذالك جود التى تشعر بالحرج.
بعد لحظات تبسم طوفان لتلك التي فتحت باب الشقة تبتسم بترحيب مدت يديها أخذت نوح منه قبلته قائلة:
نوح من يوم العقيقة مشوفتكش غير فى الصور اللى بتبعتها كريمان،لا ده مختلف عن الصور خالص،جاب شكل طوفان.
ابتسم طوفان،بينما نظرت درة لـ جدتها قائلة:
يعني نوح بس هو اللى عاوزه تشوفيه لكن أنا بقي هو حبيبك لكن أنا لاء.
ضحكت جدتها سندت الصغير على يد ومدت يدها الاخري قائلة:
لاء طبعًا إنتِ روحي… وبعدين هتغيري من إبنك.
ابتسمت درة وهي تحتضن جدتها
كذالك رحبت بـ جود…
بينما تحدث شاهر الذي خرج من باب الشقة قائلًا:
إدخلوا جوه بدل سلام السلالم ده.
ابتسم طوفان، بعد لحظات بداخل الشقة، تعمد شاهر الجلوس على طرف مقعد درة وقبل رأسها قائلًا:
هتفضلي تتجنبيني كتير، أشمعنا أنا، طوفان أحسن مني فى إيه، هو كمان كان مشترك معايا، بل الفكرة كلها كانت من تخطيطه… ولا عشان هو اللى فى القلب.
نظرت درة نحو طوفان ثم سرعان ما حايدت النظر له، غص قلبه، لكن تبسمت لـ شاهر،
جلسوا لبعض الوقت ثم نهض طوفان قائلًا:
عندى إجتماع كمان ساعة فى المقر… هرجع المسا أخد جود ودرة ونوح.
ابتسمت الجدة قائلة:
ربنا يوفقك، هعمل حسابك عالعشا أوعي تتأخر زي شاهر وتقولى مواعيد الزباين.
ضحك شاهر قائلًا:
لاء طوفان رجل أعمال مش محامي، ربنا تاب عليه بدري.
ضحكوا جميعًا.. غادر طوفان وخلفه شاهر وظل
جود ودرة برفقة الجدة التى كانت مرحه معهن.
❈-❈-❈
بمنزل حاتم
زفر نفسه بضيق، علم أن جود سافرت الى القاهرة، بالتأكيد فعلت ذلك كيف تتجنب مطاردته لها،
لوهلة شعر بغضب حين تذكر ذلك الناقد الفني الذي كان بالمعرض وأعطاها بطاقة خاصة به مد يده يجذب هاتفه،حاول الاتصال على جود لكن هاتفها يُعطي مُغلقً، ضغط عليه بقوة
تساءل في داخله بمرارة:
هل يُعقل أنها ستلجأ إليه… هو قدم لها عرضً لزيارته بمعرضه الخاص…
وسؤال آخر يوسوس له به عقله:
هل من المُمكن ان تفتح قلبها لذلك الغريب الذي لم تعرفها سوى ساعات قليلة.
والجواب حاضر بعقله حين قالت له
“أنا هوافق على أول شخص يدخل حياتي، عشان تتأكد إنك اتمحيت من حياتي”
أجفل حين غزت رأسه صورتها وهي تبتسم بخجل لذلك الناقد، كيف كانت عيناها تتألقان بفضولها الفني، كأنها لم ترا في القاعة أحدًا سواه…
تحرك باضطراب، شعر أن الأرض تضيق عليه، وأن سفرها لم يكن مجرد صدفة بل هروبًا متعمدًا منها.
همس بين أسنانه بغيظ:
جود… فاكرة إنك هتهربي مني بسهولة القاهرة مش آخر الدنيا، وهتعرفي إن مفيش طريق يبعدك عني.
❈-❈-❈
بالمقر الخاص بـ طوفان،إستقبل شاهر،جلس الاثنين معًا…نفث طوفان دخان السيجارة،فسأله شاهر:
شكل درة زعلانه أوي،كنت متوقع كده منها،إنت شايف رغم مرور وقت على صدمتهت اني بدلت صيغة التوكيل،بس لسه بتعاملني بحزازية،درة من النوع اللى مش بتسامح بسرعة،بس كويس إنك كنت قولت لها على جوازك من روزان،يمكن ده عالأقل خفف شوية من حِِدة الموقف،يمكن لو كانت عرفت من روزان كانت روزان سممت عقلها وإتسرعت زي عادتها،ومش بعيد كانت طلبت الطلاق.
نظر له طوفان بصدمة،لكن تذكر عقله…
درة رغم معارضتها فى البداية لزواجهم،لكنها لم تطلب الطلاق،كذالك بعدما أخبرها بزواجه السابق من روزان لم تطلب الطلاق…
ألقى طوفان نظرة جانبية على شاهر قبل أن يزيح رماد السيجارة في المنفضة، ثم تحدث بنبرة مُتاثرة:
مش موضوع إني قولتلها يا شاهر… الموضوع إن درة أصلاً قلبها مليان وجع، أي حاجة صغيرة هتخليها تفور من جديد، حتى لو أنا عملت ألف خطوة صح، نظرتها ليا مش هتتغير بسهولة.
مال شاهر للأمام، واضعًا كفيه على ركبتيه:
للآسف درة عقلها صغير وبتتأثر وبتاخد موقف جامد وقلبها اتكسر كذا مره صعب جدًا ترجّع ثقتها بسهولة،وأكيد حاسة جرحتها جامد … وجود روزان في الصورة اديها إحساس إنك سهل تستغني عنها وتروح لغيرها.
رمقه طوفان بحدة خافتة، وصوته خالطه الندم:
روزان كانت غلطة… وندمت عليها من البداية، بس غلطة واضح انها هتفضل تطاردني طول الوقت… المشكلة إن درة مش بس زعلانه… دي حاسة إنها اتخذلت مني، وده أصعب من أي خصام.
شد طوفان نفسًا عميقًا من السيجارة، وصوته غلّفه مزيج من الغضب والمرارة:
روزان قمة الوقاحة،كنت متأكد إنها مش هتسيبني في حالي، ، واستغلت فرصة وأكيد سخفت وقالت لـ درة إن لسه في بينا تواصل … مع إن أنا نفسي بتقزز من وجودها.
رفع نظره نحو شاهر، ملامحه غائمة بحِدة:
روزان حقيرة ومش فارق معاها لو حرقت الدنيا حواليها، المهم تهز صورتي قدام درة … وتزعزع ثقتها فيا،وده اللى وصلت ليه فعلًا.
أمال شاهر رأسه وهو يتأمل وجه طوفان،شعر بالاسف قائلًا:
للآسف، بس أعتقد مع الوقت درة هتتقبل الأمر ببساطة، يعني مسألة وقت، زي ما إتقبلت قبل كده حكاية جوازك منها بالتوكيل.
زفر طوفان نفسه قائلًا:
الأمر مختلف يا شاهر، أنا عِيشت جزء من الإحساس ده وإنت عارف وقت ما درة اتكتب كتابها على حسام… كنت يائس من كل شئ حواليا… درة معظم الوقت ساكته، حتى لما سألتها روزان قالت لها ايه اتهربت من الرد.
هز شاهر رأسه قائلًا:
كويس إنك جبتها معاك هنا، ماما بتقدر تحتويها.
تنهد طوفان بتمني قائلًا:
ياريت.
ابتسم شاهر مازحً:
تصدق بسببك بقيت حاسس اني أسامة منير.
ضحك طوفان كذالك شاهر قائلًا:
قوم انا لغيت مواعيد زباين المكتب بسببك، خلينا نلحق ميعاد العشا.
❈-❈-❈
بالمنيا
عبر الهاتف، بصوت هادئ لكنه ماكر:
طوفان سافر القاهرة النهاردة الصبح.
رد الآخر بسرعة، بنبرة حماس أعمى:
بسيطة… أسافر القاهرة وأنفذ المهمة هناك.
لكن الصوت على الطرف الآخر انفجر فيه غضبًا:
غــبــي قولتلك ألف مرة العملية لازم تتم هنا… في المنيا.
صمت الآخر لحظة، ليسمع أمره وهو يتحدث بصوت منخفض لكن ممزوج بالسُم:
بعد ما تضرب الرصاص على طوفان، السلاح يتشال فورًا ويتحدف في بيت حاتم.
تنفس ببطء وهو يضيف بلهجة آمره:
ساعتها التهمة هتلزق فيه زي المسمار، ويبقى كداب رسمي لما قال إن سلاحه اتسرق.
صمت الآخر للحظات، يبتلع غصته من الإهانة، ثم رد بصوت متردد يخفي انكساره:
حاضر… زي ما تأمر.
لكن في داخله كان الغليان ينهش صدره، قبضته تشتد على الهاتف كأنه يكاد يسحقه… همس لنفسه بعد أن أنهى المكالمة:
يوم ما هخلص المهمة دي… هتندم إنت على كل كلمة شتيمة قلتها لي.
ألقى الهاتف على المقعد بجواره، وأشعل سيجارة نفث دخانها بتوتر، ينفث دخانها بعصبية. عيناه لمعت بخليط من الطمع والانتقام، بينما صور طوفان وحاتم تتراقص في ذهنه…
الخطة وُضعت… لكنه بدأ يفكر بخطة تانية، خطة تخصه هو وحده… حين يكسب بعد ضرب طوفان و حاتم بحجر واحد.
❈-❈-❈
بالڤيلا الخاصة بـ طوفان بالقاهرة
دلفت جود أولًا وخلفها درة تحمل صغيرها وخلهن طوفان الذي أغلق الباب خلفه إستدارت جود تُشاغب نوح ثم قبلت وجنتيه قائلة:
أنا حاسة بإرهاق، مش واخدة عالسهر، بصراحة طنط جدة درة لذيذة أوي، مكنتش عاوزانا نمشي عشان نوح.
ابتسم طوفان، كذالك درة، قائلة:
أنا كمان عاوزة أنام… نوح شكله هادي كده، طول اليوم منامش ساعتين، بسبب تيتا، كل ما يجي ينعس تشاغبة فيصحي، كويس أهو يمكن ينام دلوقتي للصبح وأنام انا كمان بدون ازعاج منه.
ضحكت جود قائلة:
تصبحوا على خير.
تصبح على خير يا نونو، اوعي اما نرجع المنيا تقول لـ تيتا وجدان انى بدلعك بتزعل اوي.
بعد قليل بغرفة طوفان
خرج من الحمام المُرفق بالغرفة يلف خصره بمنشفة نظر نحو الفراش كانت درة نائمة بعد بدلت ثيابها بمنامة منزلية سمراء،زفر نفسه يشعر بغصة،درة عادت للـ اللون الأسود… ظل الصمت للحظات قبل أن يقطعه همهمات نوح النائم جوارها على الفراش،توجه للناحية الاخرى للفراش،نزع عنه المنشفه ثم تمدد على الفراش ينظر نحو درة التى ادعت الانشغال مع نوح الى أن نعس وغفت هي الأخري،غفى هو الآخر .
بـ صباح اليوم التالي
فتحت درة عينيها بعدما شعرت بملمس أصابع تُمسد على وجنتيها بنعومة،
بمجرد أن فتحت عينيها تبسم طوفان لها قائلًا:
صباح الخير.
ظلت تنظر له للحظات بصمت، تشعر بقيد يديه حولها وعقلها يستوعب كيف وصلت الى النوم صدر طوفان ابتسم طوفان رفع برأسه قليلًا حتى امتزجت انفاسهم… يُقبلها
شعرت بوجنتيها تلتهبان، تاهت بين رغبتها في الفكاك والاستمتاع بدفئ صدره، نظرت له
يعلم أن تلك النظرة لوم وعتاب معًا..، لكن نظراته لها كانت هيامً سحبها له
اقترب أكثر، وبهدوء يُحاكي العاصفة قبل انفجارها، طبع قبلة خفيفة على شفتيها، لم تُدرك نفسها إلا وقد أغمضت عينيها مستسلمة للحظة، قلبها يخفق بجنون.
↚
بالشركة
نفث طوفان دخان سيجارته، أسند ذراعه على طرف المكتب، ثم التفت نحو الجالس أمامه قائلًا:
دي كل ملفات مُعاملات الشركة مع مدام روزان، وطبعًا بلغتها بفسخ التعاقد معاها.
أجابه الآخر بهدوء ممزوج بالتحفُظ:
أيوه يا أفندم، بعتتلها إيميل رسمي وأكدت لها إنهاء التعاقد، والحمد لله مكنش فيه أي شروط جزائية على الطرفين. بس… بصراحة رأيي الشخصي إن شركتها كانت من أقوى الشركات اللي بنتعامل معاها.
أطلق طوفان زفرة دخان أخرى، وعيناه تضيقان بثقة:
تمام… متقلقش، في عملاء كتير سبق وطلبوا التعامل معانا وأنا كنت مأجل الرد عليهم دلوقتي الباب مفتوح، ونقدر نختار الأصلح.
تردّد الآخر قليلًا قبل أن يقول:
مع إني واثق فى قرارات حضرتك، بس روزان صعب تسكت… شخصيتها مش من النوع اللي يستوعب الخسارة بهدوء.
ابتسم طوفان ابتسامة باهتة، أطفأ السيجارة في المطفأة ببطء وقال بنبرة حاسمة:
خليها تتحرك زي ما هي عايزة… في الآخر اللي هيخسر أكتر هي نفسها.
ساد الصمت لحظات، بصرامة أخمدت أي شك همس بداخله:
كل المشاكل ليها حلول، واللى عملته روزان مستحيل أسكت عليه… وأنا مستحيل أسيب حد يفتكر إنه يقدر يلعب معايا ويفلت.
لم يجرؤ الآخر على الرد، اكتفى بهز رأسه موافقًا،
رفع طوفان نظره فجأة قائلًا بنبرة واثقة:
حضرلي اجتماع مع العملاء اللى فى الملف ده بكرة الصبح، الناس دي كانوا مستنيين إشارة مني من شهور.
أجاب الآخر سريعًا:
حاضر يا أفندم.
أومأ طوفان برأسه، ثم استند بظهره على المقعد، صوته انخفض لكنه حمل حدة خفية:
وبالنسبة لمدام روزان… أنا متوقع أول حركة منها خلال أيام. خلي عينك مفتوحة على كل الإيميلات والمراسلات اللي تخصها، عايز أي خبر عنها يوصلني قبل ما يتحرك غيري.
ارتبك الموظف قائلًا:
تمام… حضرتك شايف إنها ممكن تعمل إيه.
ابتسم طوفان ابتسامة جانبية غامضة، عيناه لمعت ببرود:
روزان ما بتخسرش بسهولة… بس المرة دي غلطت غلطة عمرها.
صمت طوفان قليلًا ثم نظر الى الموظف قائلًا:
تمام كده تقدر تنفذ باقي الإجراءات وتجهزلي تقرير مُفصل قبل نهاية اليوم.
اومأ له الموظف وهو ينهض قائلًا:
تمام حضرتك هنفذ كل اللى قولت عليه هستأذن أنا.
اومأ طوفان له، غادر الموظف بينما اتكئ طوفان بظهره على المقعد قائلًا:
أما أشوف هتراعي عيشك وتبقي ولائك للشركة ولا هتفضل جاسوس لـ روزان وقتها مش هندم على قرار فصلك.
1
تنهد طوفان بندمٍ يعتصر قلبه، مُدركًا أن معرفته بـ روزان كانت أعظم خطيئة ارتكبها في لحظة ضعف ويأس، خطيئة ما زال يدفع ثمنها حتى الآن…
فبعد أن هدأت العواصف بينه وبين دُرة قد خمدت، والحياة بدأت تبتسم لهما بهدوء واستقرار، جاءت روزان كعاصفة هوجاء أعادت الشرخ بينهما ربما ليس أعمق مما كان،لكن شرخ ذكره بأن أخطاء الماضي لا تُمحى بسهولة، وأن التسرع قد يقتلع ما يُزرع بالصبر والود.
❈-❈-❈
في مكتبها الفخم الموجود بأحد الاماكن الراقية، جلست روزان أمام الطاولة الزجاجية، كفها تضرب بخفة على سطحها، ووجهها متجهم… أمامها ذلك الإيميل الرسمي الذي أنهى شراكتها مع شركة طوفان.
تبادلت نظرات حادة مع مساعدتها الخاصة، قبل أن تقول بلهجة غاضبة:
فاكر نفسه يقدر يستغنى عني بسهولة كده ده مش طوفان اللي يعرفه السوق، ده واحد لسه فاكر نفسه أقوى من اللي حواليه.
اقتربت المساعدة بخوف:
مدام… حضرتك عارفة إن خسارة العقد ده مش بسيطة.
ضحكت روزان بسخرية، عيناها تلتمعان بدهاء:
خسارة لا يا حبيبتي
صمت للحظات تهمس لنفسها:
طوفان مفكر إن يقدر ينهي تعامله معايا فى الشغل زي ما نهي جوازه بسهولة، مفكر العملاء زي مراته وواثق منهم يبقي غلطان،انا هقلبها عليه.
بالفعل مدت يدها، تناولت هاتفها، وضغطت بعض الارقام، كانت تجد عدم الرد منهم، سعرت بغضب ونهضت واقفة
تتطلع إلى الأفق البعيد من نافذتها وإعترفت بهزيمتها،والحل الآن هو فى ذلك الهاتف الذي يدُق جذبته سريعًا،لوهلة تبسمت بنصر،لكن حين حاورت وحاولت التحدث معه بأن يفسخ التعاقد مع شركات طوفان كان الرد مُفحم لها…بالرفض.
أغلقت الهاتف والقته على طاولة المكتب تشعر بإنهيار، خسرت من البداية الى النهاية وعليها الابتعاد عن حياة طوفان نهائيًا حتى تُحافظ على الباقي من مكانتها التى أهدرتها من البداية.
❈-❈-❈
بالحقل
إتكأ مرعي على جذع إحدى الأشجار، يُنفث دخان الأرجيلة بنفَسٍ ثقيل، عيناه شاردتان في فضاء الخيال، يتأمل صورة الثراء التي رسمها وليد بكلماته…
حياة مُترفة، منزل فخم سيارة خاصة.. ووجوه الناس تُحييه باحترام لم يعرفه يومًا… ابتسم بخبث وهو يجر نفسًا آخر…
لكن سرعان ما تجهم وهو يستعيد صورة ذلك “العريس البسيط” الذي طُرح أمامه كخيار، همس بتقليل شأن:
ايه اللي هستفيده منه
فقر على فقر… وجيب خاوي مش هيشبع من الجوع.
بعقله… لا مقارنة بين وعود وليد بالثراء وبين مصير باهت مع آخر لا يمتلك غير قوت يومه.
ظل يراقب دخان الأرجيلة يتصاعد في الهواء، وكأنه يرى مصيره معلّقًا ما بين طموح يُغريه وخوف يُكبل قراره… ظل مرعي يتأمل حلقات الدخان وهي تتلاشى في الهواء، كأنها ترسم أمامه طريقين مختلفين…
طريق مظلم لكنه مألوف، مليء بالفقر والذل، لا جديد فيه سوى قهر الأيام…
وطريق آخر يلمع بوهج الذهب، محفوف بالمخاطر، لكنه يُغري قلبه الطامع.
زمجر في داخله:
يعني أدفن بنتي مع واحد غلبان وأفضل أنا في نفس الدوامة… وليد يمكن متهور ، بس عنده ثروة وسطوة أبوه… وقالى بيحبها.
هكذانيم ضميره كـ أب
حك ذقنه ببطء، ثم مد يده يُعدل الفحم على الأرجيلة، سحب نفسًا عميقًا، وأغمض عينيه..
يتخيل نفسه يجلس على غرفة فاخرة يضع ساعة ذهبية في يده، والناس تقف له احترام… فتح عينيه سريعًا كمن صُفع، زفر قائلًا:
ـأنا مش هافضل مرعي الفقير طول عمري.. جدامي فرصة أجب على وش الدنيا وأشم هوا نضيف، ويبجي لى جيمة كبيرة وسط الناس، مكانه أستحقها لو كان” مُختار غُنيم”عطاني حقي مكنتش إتحوجت لـ فلوس وليد..
-وليد
عند ذلك الإسم..
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة، تلك الابتسامة تُعلن بداية نزول قلبه في هاوية الطمع…مد مرعي يده إلى هاتفه الموضوع بجواره، تردد لحظة قبل أن يلتقطه، لحظة شعر كأن أصابعه نفسها مترددة في لمس الجهاز….
ظل ينظر إلى الشاشة السوداء، انعكس فيها وجهه المتعب، المليء بأثر السنين والجري وراء لقمة العيش، يُبرر طمع قلبه:
أنا تعبت من الفقر… ووليد فاتح باب يمكن يكون رزق… وأكيد هيسعد بنتِ زينة وينتشلها من الفقر، وتشوف حياة الناس الاغنيا.
ضغط على الأزرار ببطء، أخرج رقم وليد من قائمة الأسماء، ظل يُحدق فيه كمن يقرأ مصير الثراء مكتوبًا على الشاشة…
نفسٌ ثقيل خرج من صدره قبل أن يضغط زر الاتصال…
رن الهاتف مرتين، حتى جاءه صوت وليد، هادئًا لكن يحمل في نبرته دهاءً يعرف كيف يُسيطر:
أيوه إزيك يا عم مرعي أخبارك إيه وأخبار زينه إيه.
ابتسم مرعي مجاوبّ:
أنا وزينة بخير، أنا كنت بتصل عليك عشان الموضوع اللى سبق وإتحدتنا فيه، مر وجت كتير، مش كنت بتقول إنك هتتنقل لإهنه فى المنيا.
زفر وليد نفسه بغضب قائلًا:
لاء للاسف طلب النقل إترفض.
شهق عزمي قائلًا بنبرة ماكرة*
يعني إيه، إنت هترجع فى حظيتك معاي، لازمن تعرف ان زينة متجدم(متقدم) لها وأنا…
قاطعه وليد بغضب قائلًا:
مين العريس ده، اللى إتجرأ وطلب زينة، انا كلمتك وإديتك فلوس، وحتى لو اترفض قرار نقلي من هنا، أنا قريب هنزل أجازة البلد وهنفذ كل اللى اتفقنا عليه.
إرتبك مرعي قائلًا:
أنا رفضت العريس،رغم زينة وأمها كانوا موافقين عليه،بس أنا أعرف مصلحة بِتِ أكتر منيهم.
ارتفع ضحك وليد على الطرف الآخر، قصيرًا لكنه عميق:
أكيد إنت أدري بمصلحتها، هتعيش ملكة…وإنت كمان.
زاد الطمع فى قلب مرعي يشعر أن الطريق بدأ يُفتح أمامه، لكن في داخله ظل صوت خافت يهمس له بأن لا يسير خلف طمعه ويُجبر بإبنته، لكن فاز صوت الطمع.
……****
بينما بالثكنة العسكرية اغلق وليد الهاتف،يضغط عليه بقوة يشعر بغضب مُستعر،بنفس الوقت اقترب منه مُجند آخر ورأي تجهم وجهه فسأله يغمز بعينيه بإيحاء:
مالك يا لولو واقف وشك بيطلع نار،كنت بتكلم مين،لا تكون الموزه زعلتك.
نظر له بغضب، لكن سُرعان ما قال:
أنا لازم انزل أجازة.
أجابه زميله:
ليك يومين آخر الأسبوع.
نظر له وليد قائلًا بتأفُف:
عاوز أكتر من يومين، مدة أطول أقل حاجه أسبوعين كده.
نظر له زميله، فكر ثم اعطاه الحل:
لا ده يبقى أجازة مرضي بقي، ودي لازم تكون حاجه كبيرة، مش شوية رشح.
نظر له بإستفسار سائلًا:
قصدك إيه.
أجابه بتوضيح:
يعني ممكن يكون كسر إيد، كسر رجل… خبطة قوية فى الدماغ وكام غُرزة مش اقل من عشره.
نظر له وليد بحُنق يُفكر، عضّ شفته السفلى وهمس كأنه يُحدّث نفسه:
يعني لازم أعرّض نفسي للأذية علشان آخد أجازة.
قهقه المجند الآخر ساخرًا وهو يربّت على كتفه:
ما هو يا لولو دي ثكنة عسكرية وجيش مش مدرسة ابتدائي، مفيش حاجة ببلاش هنا… لو عاوز تزوغ محتاج حِجة تِعجب القادة.
ازدرد وليد ريقه بعصبية، عيونه اتسعت وهو يفكر بسرعة:
بس… كسر إيد ولا رجل، ده كبير… ممكن أفضل عاجز بالشهور.
اقترب منه زميله أكثر، يخفض صوته كأنه يبوح بسر:
فيه حلول تانية… مش لازم توصل لكسر… ممكن حادثة صغيرة مُخطط لها، كدمة جامدة، أو حتى تمثيلية تبين إنك مش قادر تكمل الخدمة دلوقتي… المهم يكون معاك تقرير طبي مُعتبر.
تجهم وليد، يتنفس بعُمق وكأن النار تشتعل داخله، ثم غمغم بصوت يكاد لا يُسمع:
أنا لازم أخرج من هنا، بأي تمن.
❈-❈-❈
مساءً
بالفيلا الذي يعيش بها طوفان
كانت درة تجلس على أورجوحة بالحديقة، تحنل صغيرها على ساقيها، كانت شاردة، لم تنتبه لاقتراب طوفان الى حين بدأ صغيرها فى اخراج بعض الهمهمات، نظرت له همهمات مرحة كأن حد يُشاغبه، نظرت خلفها وجدت طوفان الذي إبتسم لها، ابتسمت لوهلة وتركت له الصغير يحمله منها ثم جلس جوارها على الأؤرجوحة، وضع الصغير على ساقية، يشاغبه وهو يضحك، تبسمت درة بصمت، حاول طوفان جذبها للحديث كانت ترد بابتسامة باهتة، كلماتها قليلة ومقتضبة، تكتفي بمراقبتهما في صمت أحيانًا… غص قلب طوفان، تعمد الإلتصاق بـ درة بعدما ضم صغيره بيد واحدة واليد الأخرى رفعها ثم وضعها على كتف دُرة يضمها إليه، رفعت رأسها تلاقت نظراتهم، إقترب طوفان برأسه أكثر منها هي الأخرى مازالت تُسلط عينيها عليه، رأسه تقترب منها… حتى إختلطت أنفاسهما وكاد يُقبلها وهي تنظر منه القُبلة، ليست مُغيبة العقل، بل واعية، وربما راغبة فى تلك القُبلة، لكن قطع الإنسجام صوت هاتف طوفان…عادت درة برأسها للخلف قليلًا كذالك،سحب طوفان يده عنها وأخرج الهاتف من جيبه،تنفس قائلًا وهو ينظر الى صغيره:
دي تيتا وجدان أكيد هتسألني عنك.
بالفعل قام بالرد عليها،سألته بعض الأسئلة الى أن قالت:
أخبار جود إيه.
أجابها:
جود كويسة جدًا.
ابتسمت قائلة:
طيب إبقي سلم لى عليها وخليها تفتح موبايلها،عادتها وهي هنا بتقفل موبايلها.
ابتسم قائلًا:
حاضر هقولها.
إنتهت المكالمة نظر طوفان لـ درة سائلًا:
فين جود مش باينه.
أجابته:
جود خرجت من شوية راحت معرض فني..
نظر طوفان فى ساعة يده قائلًا:
الساعة قربت على تسعة ونص.
أجابته درة:
احنا هنا فى القاهرة، يعني الوقت ده مش متأخر، وأكيد زمانها على وصول… والسواق معاها وكمان حراسة… يعني متقلقش.
زفر طوفان نفسه قائلًا:
مش حكاية قلق يا درة، الوقت بدأ يتأخر وإنتِ عارفة ظروف جود المفروض.
قاطعته:
المفروض تحس بحريتها مش عشان مطلقة تتحبس فى البيت، ومعروف المعارض الفنية دي بتاخد وقت، وجود عارفة حدودها وأكيد مش هتتأخر… يعني بلاش تتصل عليها وتحسسها إنها متراقبة.
نظر طوفان لـ درة قائلًا:
مش حكاية متراقبة، أنا خايف عليها جود شخصية عاطفية، رغم اللى مرت بيه، مازال اللى بيتحكم فيها عاطفتها، بقيت بخاف حد يستغل ضعفها و…
قاطعته درة بتفهم:
معتقدش جود ممكن تكون عاطفية فعلًا بس مش بالسذاجة اللي انت متصورها… صحيح قلبها حساس، بس عندها خبرة كافية تخليها تفرّق بين الصادق والكداب… الخوف ساعات بيتحول لقيد يا طوفان، وهي محتاجة تحس إن عندها حياة مشروطه بثقة… مش بالخوف من شوية كلام.
لمعت عيناه، اقترب منها ببطء مرة أخرى، لكن هذه المرة لم يكن هاتف ولا صوت يقطع اللحظة… غير همهمات صغيرهم، الذي إعترض على تلك القُبلة الذي جمعت بينهما… بإشتياق…
❈-❈-❈
بـ أحد القاعات الخاصة بعرض اللوحات الفنية، كانت تتجول جود تتأمل اللوحات، مُنبهرة من بعض اللوحات، توقفت أمام إحد اللوحات غص قلبها، كأن تلك اللوحة توصف مكنون قلبها… مضمون اللوحة، هي رسمته سابقًا، لكن بإختلاف عكسي
وقتها رسمت وجه حاتم وطفل صغير، هنا وجهه امرأة وطفل صغير، ذكري مريرة، جعلت عينيها تدمع، لم تلاحظ ذلك الذي إقترب منها وتحدث بترحيب:
مكنتش متوقع أقابلك تاني بالسرعة دي.
ابتسمت برقتها قائلة:
أنا هنا صدفة، وقولت أستغل الفرصة وجيت المعرض.
ابتسم قائلًا:
صدفة سعيدة طبعًا، إيه رأيك فى المعرض بتاعي.
أجابته بإنبهار:
بصراحة أول مرة أحضر معرض فني، يعني عيشت خياتي كلها فى المنيا، صحيح جيت للقاهرة قبل كده، بس الوقت مكنش بيسمح أني أحضر معرض فني، المعرض هنا مختلف وله هيبة، كمان الحضور أكتر.
ابتسم قائلًا:
تعرفي دايمًا فى مقولة بتتقال…إن مواهب الاقاليم فى أي مجال سواء رسم أو مواهب تانية مش محظوظين،زي المواهب اللى عايشة فى القاهرة.
اومأت له بـ نعم.. فابتسم قائلًا:
بس الشخص الموهوب يقدر يخلق لنفسه مكانه لو حط قدامه هدف، ليه حسيت، إن مش فى دماغك هدف.
نظرت له سُرعان ما ارتبكت قائلة:
بالعكس عندي فى دماغي أهداف، بس أوقات الظروف بتأجل الهدف، يعني أنا فى دماغي أعمل لوحات كتير وأعمل معرض زي ده…بس ممكن ينجح
ابتسم قائلًا:
النجاح مش مضمون فى اي شئ، لكن كلنا بنسعي له والتوفيق والنجاح مسألة نسبية من شخص للتاني، أوقات ممكن كلمة مدح.. تشجيع… تحفيز… يبقي لها أثر كبير فى القلب،وتساوى أعلى نجاح ملموس.
لمعت عينيها،بنفس اللحظة جال برأسها ذكرى،ربما ظنت أنها تناستها…
حين مدح حاتم برسمتها ومد يده لها يساعدها على النهوض…كلمات قليلة لكن وقتها كان لها مفعول خاص بقلبها،والآن لا تعلم سبب لعودة تلك الذكري،ربما ذلك هو الموقف الوحيد التي تذكرت فيه معاملة حاتم الرقيقة.
نفضت تلك الذكرى، كأنها تخشى أن تُربكها، ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها تخفي ارتباكها قائلة:
يمكن معاك حق… بس ساعات الكلمة الطيبة بتوجع أكتر من النقد، خصوصًا لو جاية من شخص مش متوقعه منه.
تأملها قليلًا وكأنه يحاول قراءة ما وراء كلماتها، ثم حرك رأسه مبتسمًا بخفة:
يبقى السر مش في الكلمة نفسها، السر في مين اللي قالها.
“السر فى مين اللى قالها”
هذا هو الجواب حقًا… سمعت مديح كثير في رسوماتها وثناء على موهبتها، لكن لم تشعر يومًا أن أي كلمة اخترقت قلبها كما فعلت كلمات حاتم البسيطة وقتها…
نظرته كانت مختلفة… والآن هي من إختلفت عن تلك الحالمة، قلبها أصبح يخاف من أن يُصدق، فيجني الخذلان كالسابق، رسمت الجمود فلن تضعف مرة أخرى.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام
بمنزل جلال
انقسم الى قسمين، قسم للنساء وهو القسم الأكبر، والقسم الآخر وحدودها غرفة نومه، وبنهاية الليلة، سينتقل الى شقة خاصة تجمعه مع تلك المُتمردة التى دائمًا تعترض لمجرد الاعتراض، وهنالك من تساندها لا يعلم ان كانت والدته هو أم والدتها هي، تحكمات منها الا يقترب من غرفة خلود او حتى يقوم بالاتصال عليها، حتى لا يُثير غضبها بإستفزازه…
لكن سينتهي ذلك الحصار بنهاية
اليوم ليلة الزفاف… لن يمنعه أحد عن حقه، لن يجرؤ أحد على سلبه لحظة طال انتظارها، لحظة امتلاك تلك التي أرهقته بتمرّدها وصدودها، لحظة كسر القيود التي فرضتها عليه العيون والوصايا، لن يتراجع… سيقتحم عالمها، سواء رضيت أم أبت، وسيكون الليلة بداية فصل جديد، لن يشبه ما قبله أبدًا.
❈-❈-❈
مساءً بأحد قاعات العُرس الفخمة
بين الحين والآخر يرمق خلود بنظراته ويغمز لها، جعلها ذلك تشعر بتوتر، وخجل، يزيد وجهها بهاءًا يسلب قلبه ذلك الخجل الواضح، متمردته رغم انها دائمًا تدعي الصلابة وصلافة اللسان، لكن تمتلك خجل الأنثي
بالقاعة
كانت جود ودرة تجلسان جوار بعضهن يتغمزن على افعال جلال الحمقاء، كذالك خجل خلود، بينما وجدان تجلس تحمل نوح وجوارها طوفان التي عيناه على درة، التى عادت تبتسم له، خفت حِدة تلك الازمة بينهما…
لاحظ جلال يُشير له تجاهله عمد، لكن تفاجئ به يمسك الميكرفون قائلًا:
تعالي يا طوفان بينا وعد جديم، نرجص فى فرح بعض، انت إستعجلت وإتجوزت وانا مش إهنه.
ضحك طوفان، نهض غصبً توجه ناحية مسرح القاعة، ضحك كل من بالقاعة حتى العروس حين قال جلال بنبرة مزح:
حطِب يا وِلد.
مسك الإثنين العصا،وبدأ بالتحطيب معًا والرقص بالعصا فكلاهما لا يُجيد التحطيب،لكن كان عرضً مازحً أضاف المرح،على الزفاف،حتى إنتصف الليل وإنتهى الزفاف.
…..***
بسيارة طوفان على الطريق
كان محور الحديث حول زفاف خلود وجلال…
حتى وصلا الى المنزل… لكن فجأءة صدح رنين هاتف طوفان…
أخرجه من جيبه، تسألت وجدان:
مين اللى بيتصل عليك دلوق.
أجابها:
رقم مش متسجل عندي… هطلع أرد من الجنينه الشبكة أفضل.
اومأت وجدان قائلة:
تصبح على خير.
خرج طوفان للرد على الهاتف…
بينما صعدت درة الى غرفة النوم وضعت نوح بفراشه وتوجهت للشُرفة سريعًا حين سمعت صوت سيارة طوفان، رأته يُغادر المنزل تحير عقلها…
بينما طوفان تحدث بلهفة:
تمام أنا عالطريق أقل من نص ساعه وهوصل.
❈-❈-❈
بمنزل جلال
إنتهى من تبديل ثيابه بمنامه منزلية…
توجه الى باب غرفة النوم، تنهد يُشجع نفسه ثم قام بالطرق على باب الغرفة… إنتظر لحظات لكن لا رد، إستغرب من ذلك وعاد الطرق، لكن كذالك لا رد، لوهله تحدث لنفسه:
لا تكون خلود هربت من الدار.
لكن نفض ذلك قائلًا:
تهرب فين دي داخله مبقلهاش ربع ساعة يمكن فى الحمام.
لمعت عينيه بخباثة
بتلقائيه وضع يده على مقبض الغرفة كي يفتحها ويدخل يفاجئها بوجوده فى الغرفة لكن تفاجئ الباب لا يفتح يبدوا مُغلق من الداخل، زفر نفسه بفضول
،طرق الباب مرة ثالثة بصوت أعلى وهو يرفع حاجبيه بدهشة:
خلود… إفتحي وبلاش حركات عيال.
لم يأتِه سوى الصمت… وضع أذنه قليلًا تجاه الباب لعله يسمع حركة، لكنه لم يلتقط شيئًا…
عبس ملامحه، تمتم بحدة منخفضة:
هي بتتجاهلني ولا إيه؟
تراجع خطوتين للخلف يفكر في حل، لكن فضوله يشتعل داخله… مد يده يطرق الباب بقوة أكبر هذه المرة:
خلود… افتحي الباب، مش عاوز صوتي يعلى.
ومع إصراره سمع أخيرًا صوت حركة خفيفة من الداخل… أنفاس متقطعة، وكأنها مرتبكة تحاول إخفاء شيء. ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة، همس لنفسه:
آه… يبقى انتي جوه فعلاً، وبتلعبي لعبة الإستغماية.
اقترب ثانية من الباب، صوته صار أهدأ لكنه مشبع بالتصميم:
خلود..ا افتحي الباب بنفسك، ولا أنزل أجيب المفتاح من مرات عمي
مد يده يطرق بخفة هذه المرة، وكأن الطرق نفسه صار لمسة ناعمة تحمل تهديدًا خفيًا، منتظرًا منها الاستسلام…
لكن هي للتو خرجت من الحمام سمعت الطرق، توجهت ناحية الباب… سمعت حديث جلال وهو يقول بنبرة شبه جدية:
خلود… افتحي قبل ما أجيب النجار يفك الباب.
غصبً ضحكت، وردت بمرح:
طب استنى ألبس الطرحة الأول.
-الطرحة
هو مش خلاص بقيت جوزك عادي يعني أشوف شعرك، عارف إنه كنيش، وقبلت بكده، اخلصي وافتحي الباب زمان اللى تحت سمعوا صوت الهبد عالباب منظرى قدام العيلة هيبقي وحش أوي.
ضحكت بنفس الوقت سمع صوت كأن شئ وقع، فتحدث سائلًا:
إنتِ وقعتي ولا إيه.
أجابته:
لاء موقعتش، الإسدال اتعلق في طرف الكومودينو، بشده الكومودينو اتحرك وعمل صوت واتقطع.
-الايسدال اتقطع.
قالها بلمعة عين.
ردت عليه بنفي:
لاء الايسدال سليم الحمد لله.
زفر نفسه بضجر قائلًا بمحايلة:
طب الحمد لله إفتحي بقى.
-استني الف الطرحة.
قالتها بعناد، فتحدث بضيق قائلًا بتصميم ووعيد:
إفتحي يا خلود لاحسن والله اكسر الباب.
-ثواني بس.
شعر بالغضب وبلا تفكير عاد خطوات للخلف وعاد بسرعة قوية كي يستطيع كسر الباب… لكن بنفس اللحظة فتحت خلود باب الغرفة فلم يستطيع التحكم فى سرعته مُندفعًا فإنزلق واقعًا على الأرض يشعر بألم طفيف فى ظهره جلس عالارض يضع يداه خلف ظهره قائلًا:
آه يا ضهرى.
ضحكت خلود ثم مصمصت شفتيها بسخرية وتهكم قائلة باستهزاء:
عريس… وبتقول آه يا ضهرى من أولها كده… شكلنا هنفضل إخوات وولاد عم زي ما كنت بتقول فاكر…
نظر لها قائلًا:
طول عمرك قلبك إسود يا خوخة.
نظرت له بغضب قائلة:
قولت لك الف مره بكره الإسم ده.
نهض جلال قائلًا بمرح:
خلاص بلاش خوخة، يا “لودي”.
-لودي
قالتها بسخط ثم أتبعتها:
انا خلود وبس مش بحب الدلع.
اقترب منها بنظرة مكر قائلًا:
مش هنقضي الليلة فى الاسماء، الليلة، ليلة هنا وسرور، و…
كاد ينقض عليها لكن عي ابتعدت بمكر قائلة:
مش هتاخدلك دُش، أنا حضرت لك الحمام.
نظر لها قائلًا:
مش محتاج للـ دوش.
قاطعته بترغيب ودلع:
أنا حضرت لك الحمام لو مش عاوز بلاش.
ذاك الدلع جعل منه تواق ليتذوق شفتيها لكنها هربت من أمامه، فاختل توازنه وسقط على الأرض مرة أخرى، ضحكت خلود، نظر لها جلال قائلًا:
بتضحكي علي ايه، أقولك أنا هروح أخد دُش الاول واتوضا عشان البركة.
اومأت له بإبتسامة… توجه ناحية الحمام… سُرعان ما نطق بإسم خلود:
خلووووود.
ضحكت وتوجهت الى الحمام فتحت الباب تمُثل الفزع، حين رأته يجلس على الأرض جوار حوض الاستحمام… تحدث بألم:
آاااه يا ضهري.
ضحكت قائلة:
إيه حكاية ضهرك ده، واضح كان لازم تعمل فحص شامل قبل الجواز يا جِلجل.
نظر لها قائلًا:
لا انا اتزحلقت، الأرضية كانت مبلولة وأنا مأخدتش بالي، هاخد دُش ماية سخنه الوجع هيروح.
-متأكد
قالتها خلود بنبرة انعدام ثقة… أومأ لها بثقة.
تفتكروا مقالب خلود انتهت والدخلة هتم ولا لضهر جلال رأي تاني، وايه اللى حصل خلى طوفان خرج بالطريقة دي
↚
قبل ساعات، في ذلك المقهى المعتم الذي اعتاد ريان التردد عليه، حيث تختلط رائحة البن برائحة دخان ثقيلة، دخل الى ركن خاص يختبئ عن الأعين، ينتظر ذلك الرجل الذي يأتيه بالسموم المُخدّرة… قلبه يخفق بسرعة، لهفة إلى تلك اللحظة الذي يُعطيه المخدرات…يتناولها تسحب عقله من واقعه البائس ليتوه في لذة زائفة، دقائق قليلة من الانتشاء يظنها سعادة، بينما في الحقيقة هي وحوش تغرز أنيابها في روحه ببطء قاتل…
يداه لم تكفا عن الارتجاف وهو يراقب الباب، كل دقيقة تمر عليه كعقاب طويل، قبل أن يظهر الرجل بملامحه الماكرة، حقيبة صغيرة في يده، ابتسامة خبيثة ترتسم على وجهه وهو يعرف تمامًا أن ريان صار أسيرًا، لا يملك من أمره سوى أن يبيع كرامته وصحته في سبيل تلك الجرعة.
وقف ريان أمام الديلر، عرقه يتصبب، أصابعه ترتعش من الاحتياج…
لكن الديلر كان قاسيًا وأكثر إستبدادًا بالإجرام…حين رأي لهفة وذل ريان وهو يُعطي له الكثير من الأموال،مقابل فقط جرعة صغيرة،علها تُخلصه من ذلك الألم الناهش لوجدانه.
لكن الديلر تعود على القسوة ولم يُبالي بهشاشة ريان ولا توسله، رفض بحسم…
هنا انفجر ريان، ضرب الطاولة بقبضة يده وصوته خرج متحشرج متوسلًا:
أنا جبتلك مبلغ كبير وهدفع أي مبلغ تطلبه بس أرجوك عاوز بس المرة دي وبعد كده.
رفض الديلر بقساوة وكاد يتخطاه، لكن تعصب وثار عقل ريان فاندفع نحو الديلر
، دفعه بقوة على صدره فعاد للخلف، تحدث الديلر بتعسف:
إنت هتعلّي صوتك عليا… ده أنا اللي مخليك لغاية دلوقتي عايش.
اندفع ريان عليه، أمسكه من قميصه، وبدأ بينهما صراع بالايادي كانت الهزيمة لضعف جسد ريلن، لكن لم يستسلم، زهوة الحياة يظنها بإستنشاق جزء ولو بسيط… لكن
الديلر مازال يقوم بلكمه لكمات قوية على وجهه جعلت فمه ينزف،
مازال ريان يحاول باستماتة يظن ان مجرد حُبيبات من ذلك المسحوق كافية لعودة الروح لديه وشفاؤه من ذلك الآلم…
لكن إنتهت قواه حين سحقه الديلر بقسوة الضربات وهو أصبح بلا قوة…
وقع ريان أرضًا يلهث، الدماء تسيل من فمه، وعينيه بها دمعة قهر وكُره… حاول يسترد أنفاسه، لكن الديلر ، مد إيده من جيبه واخرج نصل صغير، قائلًا وهو يزأر:
إنت فاكر نفسك راجل طب جرب الرجولة دي قدامي.
طعنه أكثر من طعنة منها غائر، ثم نظر الى إثنين من العاملين معه قائلًا:
خدوا الحثالة ده، إرموه قدام أي مستشفي، يمكن قبل ما يوصل يكون السر الالهي خرج منه.
بالفعل اخذه الاثنين وضعوه بالسيارة وقاد أحدهم ببطئ حتى اقتربا من أحد المشافي، وقام بتزويد السرعة، فتح الآخر الباب وألقي جسد ريان كأنه مثل القمامة، وسريعًا إختفت السيارة عن المكان.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
لا تعلم كيف غفت عينيها وهي تستلقي، على الفراش جوار صغيرها الذي أيقظها صوت همهماته فتحت عينيها نظرت نحوه كان غافيًا، جذبت هاتفها استغربت الوقت تأخر، وطوفان لم يعود… ظنت ربما عاد للمنزل وظل بالمكتب… شعرت بقلق فى قلبها لم تُفكر،
نهضت من الفراش بحذر، كي لا تُوقظ صغيرها، تركت الهاتف على طرف السرير، ارتدت وشاحًا خفيفًا فوق كتفيها وسارت بخطوات هادئة كان الصمت يُخيم على المنزل
توجهت الى غرفة المكتب ، لم تجد أثرًا له، زاد القلق في قلبها أكثر… صعدت مرة اخرى الى الغرفة، ازاحت الستائر نظرت الى الحديقة سيارة طوفان ليست موجودة… تركت الستائر عادت نحو الفراش مدت يدها جذبت الهاتف تتصل به، سُرعان ما قام بالرد فاندفعت سائلة:
طوفان إنت خرجت من بعد ما رجعنا من الفرح، وقربنا عالفجر ولغاية دلوقتي مرجعتش البيت إنت فين.
شعر بالسعادة من لهفتها وقلقها عليه، رغم ما يشعر به من آسف وأسي، لكن إنشرح قلبه من نبرتها الواضحة، فأجابها:
أنا فى المستشفى.
-مستشفي… مستشفي ليه
سألت بقلق ولهفه وأتبعتها باستفسار:
طوفان إحلف إنك بخير.
ابتسم قائلًا:
أنا بخير والله، كُل الحكاية ريان إبن خالي عزمي هو اللى متصاب.
تنهدت بارتياح هامسه:
الحمد لله.
ثم سألته بفضول وحُنق تتوقع ان ريان مثل وليد ليس لديه أخلاق :
وإيه سبب اصابته.
أجابها طوفان:
حادثة بسيطة.
تفوهت درة بحنق:
ربنا يشفيه، لسه هطول عندك.. هترجع إمتي.
أجابها:
مش عارف، بس أطمن على ريان، تصبحي على خير يا حبيبتي.
تعمد قول حبيبتي، التى زلزلت قلب درة، رغم أنها سمعتها منه كثيرًا لكن ما حدث مؤخرًا ومعرفتها بزواجه السابق، زعزعت ثقتها فى حبه لها…
اغلقت الهاتف وإستلقت جوار صغيرها، تنظر لصغيرها النائم، مدت يدها تتحسس وجنته الصغيرة الناعمة، همست بصوت خافت مرتجف:
مع الوقت بتجيب شبه كبير من طوفان…تعرف لو في يوم باباك جرحني… إنت الأمان الوحيد ليا.
أغمضت عينيها محاولة أن تُسكت ضجيج عقلها، لكن صورة طوفان لم تفارقها، وصوت كلماته ظل يتردد في أذنها، بين الحنان والخذلان، بين الحب والشك… حتى غلبها النعاس
❈-❈-❈
بالمشفى
كان طوفان يجلس على أحد مقاعدٍ الرُدهة بانتظار خروج الطبيب من غرفة العناية
مرت دقائق ثقيلة، قبل أن يخرج الطبيب، فنهض سريعًا يسأله:
خير يا دكتور.
أجابه الطبيب بعملية:
للآسف مش خير، فى إصابات كتير فى جسم المريض، غير عندي شك أو بالاصح شبة يقين فى أمر تاني أخطر من الإصابات دي.
ذُهل طوفان يشعر بالأسي سائلًا:
قصدك إيه يا دكتور ممكن توضح إنت شاكك فى إيه؟.
أجابه الطبيب:
المريض مدمن مخدرات بنسبة كبيرة، وده ظهر فى إستجابة جسمه وقت التخدير، أنا أخدت عينة من دمه وبعتها معمل المستشفي عشان أتأكد، لأن ده هيكون له تأثير فى الادوية والمُسكنات اللى هتساعد فى علاج المريض
تجمدت ملامح طوفان، شعر وكأن الأرض تهتز أسفل قدميه.. مد يده يتحسس رأسه بارتباك، قبل أن يقول بصوت خافت ممتزج بالغضب:
إيه اللي بتقوله يا دكتور ريان مستحيل يكون مدمن.
أجابه الطبيب بحزم وهدوء مهني:
أنا ما قلتش مستحيل، قلت “شبه يقين” والتحاليل هتأكد… لو النتيجة طلعت إيجابية، لازم تتعامل مع الموضوع بسرعة… لأن استمرار الإدمان مع إصاباته ممكن ينهار في أي لحظة… للآسف هيفضل فى العناية المركزة تحسُبًا لأي إنتكاسة
شعر طوفان بقبضة من حديد تعتصر صدره، عقله يرفض التصديق لكن قلبه يخشى أن يكون الأمر صحيحًا… غادر الطبيب، بينما طوفان ظلت عينيه شاخصتان نحو باب غرفة العناية… للحظات قبل أن يدخل بهدوء، نظر الى ريان المستلقي،ملامح وجهه بها جروح عليها ضمادات،كذالك وجهه شاحب،وسواد واضح أسفل عينيه، يبدوا أن الطبيب حقّا لديه يقين بإدمان ريان للمخدرات
اقترب طوفان وجلس جواره، قلبه يحمل مزيجًا من القلق والمرارة…يسأل عقله:
أين كان خاله وزوجته وريان يغرق فى خطر السموم…والجواب ليس مفقود،الإثنين هما السبب فيما وصلا إليه إبنيهما،سواء
احدهما بالاجرام والقتل،والآخر بالادمان.
❈-❈-❈
ظهيرة اليوم التالي
بمنزل جلال
كلما نظرت له خلود لا تستطيع إخفاء بسمتها من تلك الكدمة الواضحه بجبهته، كذالك الم يده، والكلمة التي تجعلها لا تتحكم فى بسمتها
” آاااه يا ضهري”
تعلم أن جلال ليس بضعيف وربما قالها على سبيل المزح، وأنها زادت فى انتقامها من لوعة قلبها، وتحكماته قبل الزفاف بأبسط الامور…
بينما جلال لاحظ ضحكها،شعر ببعض من الغيظ،نهض من مكان جلوسه،وجلس جوارها على الآريكة تعمد ضمها من كتفها لصدره حتي أنه داعب عنقها بانفاسه وقبلاته،حاولت التحرك فضمها أكثر .. وبلحظة كان يعتليها على تلك الآريكة ويُقبلها قُبلة جعلتها يغفوا عقلها لبعض الوقت، كادت تستسلم له وهي تشعر بيديه تتحسس ساقيها فوق منامتها المُحتشمة، لكن أفاقها صوت صدح عاليًا لصريخ يأتي من التلفاز… تذكرت كذبتها بالأمس عليه أن لديها عُذر شرعي، دفعته بيديها تلهث قائلة بخجل:
جلال أنا… مينفعش.. مش قولتلك عندي عذر.
ابتسم جلال ابتسامة ماكرة، يرفع حاجبه بدهاء وهو يهمس قرب أذنها بصوت غليظ يحمل شيئًا من السخرية:
ـ آه صح… العذر الشرعي.
ظل محدقًا في عينيها، ملامحه تجمع بين الغيظ والرغبة، وكأنه لا يعرف إن كان يُصدقها أم يتحدا كذبها…نهض عنها مد يده يلتقط جهاز التحكم ويخفض صوت التلفاز حتى لا يشوش عليهما، ثم اقترب منها ثانيةً، يمرر أصابعه على وجنتها بلطف مصطنع، وقال ببطء كأنه يعصر الكلمات:
خلود… إنتي فاكرة إني عيل صغير يتضحك عليه
ارتبكت، حاولت أن تخفض بصرها لتتجنب نظراته المتقدة، لكن ارتعاشة صوتها فضحتها:
جلال والله… مش وقته.
اقترب أكثر، يحاصرها بجسده على الأريكة، يحدق في قسمات وجهها المرتبكة، وكأن الغيرة والشك يشتعلان داخله:
مش وقته… ولا إنتي مش عايزاني أصلاً.
ابتلعت ريقها بصعوبة، قلبها يخفق بقوة، بين خوف من انكشاف كذبتها وبين ارتباك من قربه، وحاولت أن ترد بصوت خافت متقطع:
جلال… أنا مش… إنت عارف إنه غصب عني…
لم يُمهلها تستكمل حديثها الواضح بالكذب، رفع ذقنها بأصابعه ليلتقط ملامحها عنوة، عينيه مليئة بتحدٍ صريح، قبل أن يطلق جملة كالسهم:
تمام يا خلود، الأيام جاية كتير.
تحسست خلود نبضها المتسارع، لم تعرف كيف تخرج من حصاره، شعرت أن الأرض تحتها تهتز بين الحقيقة والكذبة…
ارتجاف شفتيها، واحمرار وجنتيها… شعر للحظة أن كل عنادها ما هو إلا غطاء سينكشف بالتأكيد سريعًا.
***
مساءً
دخلت زوجة عمها وخلفها إحد الخادمات، نظرت الى حياء خلود ببسمه، سائلة:
فين جلال.
أجابها جلال نفسه:
انا أهو كنت بقفل شيش البلكونة.
ضحكت والدته لكن حين إقترب ونظرت لوجهه وتلك الكدمة، كذالك رباط ضغط حول إحد يديه، شهقت قائلة:
إيه اللى حصل لك يا جلال.
نظر نحو خلود التى تجنبت النظر له تُخفي بسمتها، ثم نحو والدته قائلًا:
اتزحلقت فى الحمام.
ابتسمت والدته ثم نظرت الى الخادمة قائلة:
حطي الصنية وإنزلى إنتِ.
بالفعل وضعت الخادمة الصنية وغادرت، بينما نظرت والدته له وابتسمت ثم نظرت نحو جود، التى شعرت بالخجل، جلست معهم تحدثت ببساطة:
أنا جولت لهم إنكم عرسان نسيبكم مع بعض تتهنوا،محدش يطلع غير المسا.
نظر جلال نحو خلود وتهكم ساخرًا بمرح قائلًا بنبرة مُبطنة:
آه أحسن،سيبونا نتهني.
حايدت خلود النظر له تُخفي بسمتها بصعوبة تعلم أنه يسخر على حاله معها فمنذ دخلا الى هذه الشقه وبدأت فى تنفيذ تخطيط إنتقامي… بين الجذب والفر..
بينما تحدثت والدته الى خلود قائلة:
خدي صنية الوكل دخليها المطبخ يا خلود.
وخلود مُطيعة على غير العادة نهضت،حملت صنية الطعام وذهبت الى المطبخ،نهضت والدة جلال جلست جواره قائلة:
قولي احوالك إيه مع خلود، أوعي تكون هجمت عليها زي الحيوانات، عارفاك متخلف
نظر لها بحنق قائلًا بحسرة:
هو منظري يبين إنى هجمت، مش شايفة الاصابات، واطمني خلود حبيبتك معذورة.
ضحكت سائلة باستفسار:
يعني ايه معذورة.
أجابها بتوضيح:
عُذر شرعي، كفاية إحراج يا أمي.
ضحكت والدته قائلة بإستفزاز مرح:
عذر إيه يا عنيا، ولاإنت فيك حاجه ، إنت معيوب ولا إيه، وأنا أقول ليه مبصش لبنات الفرنجة وجابلي معاه عروسة شقرا من هناك. اتاريك معيوب.
نظر له بخضة قائلًا:
معيوب…. إنتِ هطلعي عليا سُمعه ولا ايه يا أمى، بقولك عندها عُذر، عندك أيه إسأليها أنا حاولت قالتلى الحارة سد.
ضحكت والدته قائلة:
يا خيبتك يا موكوس،
ضحكت عليك، عِذر ايه، دا انا اللى مجهزاها بنفسي.
نظر لها بعدم فهم:
مجهزاها إيه دخلها فى العُذر… قصدك..
نظرا لبعضهما،أمائت والدته له بتوافق، تنهد بإندهاش، ونظر نحو خلود التى عادت تجلس معهم، ينظر لها مُستحلفً، ما هي دقائق ونهض قائلًا:
أبوي بينادي عليكِ يا أمى.
تفوهت والدته بعدم فهم:
لاه مش سامعه.
نظرلها غامزًا يقول:
أنا سامع صوته،إنت عارفة لما بتتأخري عليه فى الرد بيضايق.
فهمت أخيرًا نهضت مُبتسمة،قائلةبتوافق:
أه سمعته أهو…هروح اشوفه عاوز إيه.
نهضت خلود التى شعرت بخطبِ ما،وتحدثت لزوجة عمها:
بس أنا مش سامعه صوت عمي.
نظرت له قائلة:
لاء انا سمعت صوته،يلا هسيبكم مع بعض.
أنهت قولها بغمزة لـ جلال…بينما خلود رافقتها الى باب الشقة،جذبتها بضحك قائلة:
أنا قولتلك ربيه مش تكسريه،هو إبني برضوا،يلا هسيبكم مع بعض،بس مش عاوزه الضيوف اللى هيجوا بعد المغرب يلاقوه مدشدش،كفايه ليني شوية.
تبسمت خلود لـ زوجة عمها وأغلقت الباب خلفها،ثم توجهت الى غرفة المعيشه لم تجد جلال…تسألت:
راح فين ده…
سُرعان ما شهقت حين تحدث من خلفها قائلًا:
انا هنا يا خوخة.
تبدلت ملامحها الى غضب،لكن لم يُعطيها فرصة حين فاجئها يحملها…إزدردت ريقها،شعرت بتوجس حين ذهب بها نحو غرفة النوم قائلة بخجل:
إنت رايح فين مش قولتلك عندي عُذر.
غمز لها ضاحكًا:
وماله أتأكد بنفسي.
إزدردت ريقها وحاولت الإعتراض، لكن أخمد ذلك الإعتراض بقُبلاته وهمساته الناعمة، تناغمت أنفاسهم مع مشاعرهم، كانت خلود صعبة المنال لكن بالنهاية فازت المشاعر…تخلت عن جمودها
شعرت لأول مرة أن القوة التى كانت بداخلها ما هي الا ستار خفي إنزاح مع قوة مشاعر جلال الصادقة التى أخفاها…
بينما جلال حاول طمس تلك المشاعر والإعتراض عليها، لكن للقلب شأن آخر فهي ليست إبنة العم التى ظن أنها بمقام الأخت، بل هي السكن والطمأنينة التي بحث عنها طويلًا دون أن يدرك، أنها هي المأوى الذي يذيب عنه قسوة الأيام، واليد التي تُطفئ صخب روحه.
فكلما حاول الاعتراض ،.. كلما إزداد انجذابًا إليها، كأن قلبه يعلن العصيان على عقله… هي
لم تعد مجرد قريبة تربطه بها الدماء، بل أصبحت أنثى تُشعل بداخله حياة جديدة.
بعد وقت نهض عنها نائمًا على الفراش يشعر بإنتشاء وتشبُع، نظر نحوها، خجلت منه وهي تسحب دثار الفراش على جسدها، تُحايد النظر له، أنثي أخرى أمامه الآن، مختلفة، شهية بحُمرة خجلها الذي يُزيدها بهاءًا…
لكن تخابث، وجذبها على صدره، بينما هي خجلت ودفست وجهها بصدره، ضحك وهو يرفع وجهها ينظر لها غامزًا بوقاحة:
تعرفي العُذر طلع لذيذ أوي.
خجلت منه وعادت تُخفض وجهها، رفع وجهها ضاحكً:
إكده يا بِت عمي كنتِ هتضيعي سمعتي وهيبتي.
أخفضت وجهها تبتسم، لكن لن تستسلم ورفعت رأسها قائلة بانزعاج:
بِت عمك…
قاطعها وهو يسحب يده عنه لتصبح فوق الفراش وهو فوقها قائلًا:
بِت عمي وحبيبتي المستقوية.
تبدل عبوس وجهها وعادت هشه ناعمة من مجرد كلمات:
أنا إمتى حبيتك يا خلود، مش عارف، قد ما كنت مضايق من أبويا إنه فرض عليا أكتب كتابي عليكِ قبل ما أسافر، قد ما أنا مُمتن له ومدين بشكر له، لانه فوقني من غفلة عقلي…
جلال مفيش فى قلبه وعقله غير خلود بِت عمه… بس هي قاسية.
شعرت بسعادة من مغزى كلماته أنه عاشق، وهي قلبها كان يرتجف كلما طال غيابه تخشي أن تسرق أخري قلبه وتظل هي تحمل فى قلبها عشقًا خفي، لكن القدر إختلف وتوغل طوفان العشق يهزم قلبيهما… لكن هي مثل الأرض تحتوي احيانًا وأحيانًا أخري تثور لتعلن رفضها، فهي ليست قلبًا يُستباح متى شاء، بل كيانًا يفيض بالحب حين يُقدّر، ويقسو حين يُهان…
تعلم أن العشق الذي يغمرها ليس ضعفًا، بل قوة تُربك خطواته كلما حاول الهروب منها…عاد لها هي مثل شلال عذب كلما إستقى منه شعر برغبة فى المزيد من الإرتواء… اما
هو فيضان اقتلع جدران الخوف من قلبها، يعلم أنها أيضًا قادرة أن تُغرقه إن تهاون في حفظها.
❈-❈-❈
بمنزل والدة درة
ضحك باسل وهو يحمل “نوح” منها قائلًا بمرح:
“أبو دومة” عندنا، بقالي فترة مشفتوش ده جاب شكل طوفان خالص.
صفعته بخِفة على كتفه قائلة:
بلاش الإسم ده، ده إسم مجرم، كانت غلطة إني طلبت منك “الدوم”.
ضحكت كريمان وهي تقترب منهما قائلة:
الله أعلم المرة الجاية هتتوحمي على إيه طول عمرك غاوية تعب ومطالبك غريبة.
إدعت درة الغضب ضحكت كريمان كذالك باسل، جلس ثلاثتهم يمرحون ويمزحون، الى أز سمعوا صوت جرس المنزل، نهض باسل قائلًا:
أنا هفتح.
رفعت كريمان يدها قائلة:
هات نوح.
نظر باسل لـ نوح قائلًا:
سبيه معايا طالما ساكت.
بالفعل ذهب باسل يفتح باب المنزل تفاجئ بـ حاتم أمامه،رحب به ودخلا الإثنين،رحبت كريمان بـ حاتم،بينما درة رحبت بفتور،بينما جلس باسل بـ نوح الذي ظل حاتم يتأمله لاول مرة،وتذكر حديث جود عنه وأنها كان من الممكن أن تكرهه،لكنها كرهته هو…غص قلبه وتمني ليت طفلهم تمسك بالحياة ربما كان فتك طريق العودة الموصود منها…
أخذهم الحديث بمواضيع كثيرة،الى أن تعمدت درة القول بإدعاء السهو منها:
نوح متعلق أوي بعمتو جود بقول لها لما توافق عالعريس اللى متقدم لها وتتجوز وتبعد عنه هينساها.
رفع حاتم رأسه بسرعة، نظر لـ دُرة بعينين يشتعلان، مزيج من الذهول والغضب:
إيه اللي بتقولي ده يا درة جود هتتجوز.
ادعت درة السهو وصمتت للحظات ثم نظرت له قائلة:
وليه لاء،هي لسه صغيرة،تجربه فاشلة مش نهاية الكون.
يشعر بتهتك فى جسده بالكامل من مجرد تخيُل فقط الفكرة،بصعوبة خرج صوته مُستفسرًا:
وهي وافقت.
ارتبكت درة للحظة، لكنها تمسكت بهدوئها، وكأنها تعلم أنها زرعت قنبلة في صدره:
مسألة وقت وأنا شايفه أنها المرة دي قالت هتفكر،مش زي كُل مرة كانت بتنهي الموضوع مباشرةً.
شعر حاتم بإختناق، قائلًا
مستحيل.. جود مش ممكن تعمل كده.. مش ممكن توافق على حد غير لما…
توقف، شعر أن الكلمات تخونه، أن الاعتراف يتدفق على لسانه دون أن يملك الجرأة الكاملة لإطلاقه… عض على شفته بقوة، كأن الألم يردعه عن الانهيار أمامهم.
شعر لو ظل معهم درة ستسحقه بتأكيدها، نهض فجأة، كمن يقوده غضب عارم قائلًا:
أنا أفتكرت عندى ميعاد مهم،هستأذن أنا.
لم ينتظر، وسار بخطوات سريعة، متوترة، عيناه تائهتان لكن ثابتتان على هدف واحد الوصول الى جود.
بينما درة ظلت تنظر خلفه مبتسمة بخبث خفي، نجحت في إلقاء حجر ضخم في بحيرة هادئة، لترى كيف ستتموج المياه بعدها.
نظرت كاريمان لها بسؤال قائلة:
ليه قولتي كده قدام حاتم، ومتقوليش مكنتش أقصد.
ضحكت درة قائلة:
بالعكس أنا قاصدة، حاتم إستغبي مع جود كتير، وعرفت إنه ندم بس متأخر ويستاهل.
تنهدت كاريمان بعتاب سائلة:
و جود فعلًا وافقت عالعريس.
هزت درة رأسها برفض قائلة:
لاء حتى مش بتسمح لنفسها تفكر، جود رغم اللى عمله حاتم معاها بس هي قلبها محبش غيره، بتتعذب فى صمت، حطت كل تفكيرها فى الرسم، بتصعب عليا، أوقات بحس بالذنب إتجاهها، لما خلفت نوح إفتكرت إنها ممكن تكرهه، يمكن حطيت نفسي مكانها، لو الوضع اتعكس يمكن مكنتش هبقي زيها، وأحب إبز غيري وانا كان المفروض يبقي عندي زيه، جود قلبها مفيش فيه كُره، زي عمتي اللى سممت عقل حاتم.
تنهدت كاريمان بآسف قائلة:
فى قلوب كده صافية، وللآسف بتحول عذابها لـ محبة… طبعًا عكسك تمامً.
نظرت كاريمان نحو باسل الذي دق هاتفه فنهض قائلًا:
خدي أبو دومة يا ماما هطلع الجنينه أرد عالموبايل.
غادر باسل، بينما نظرت كاريمان لـ درة سائلة:
شايفة إنك بقيتي أهدى عن الأيام اللى فاتت كانت العصبية زايدة عندك… كان إيه سببها.
أجابتها درة بكذب تُخفى وجع قلبها من معرفتها بزواج طوفان من غيرها،ماذا ستقول تعلم رد والدتها ستلومها وتصدمها بالحقيقة أن تسرعها والموافقة على الزواج من حسام وموافقتها على عقد القران سببً كافيًا راوغت قائلة :
مكنش فى سبب، كنت متعصبه بسبب نوح.
تهكمت كريمان قائلة:
ونوح عمل ايه يعصبك أوي كده.
أجابتها درة:
رفضه يرضع من صدري، وتعبه.
نظرت لها كريمان غير مُقتنعة لكن سايرتها، خمنت قد يكون السبب خلاف بينها وبين طوفان على يقين أن طوفان لن يسمح لشيئ يُعكر حياتهما.
❈-❈-❈
بعد وقت
بمنزل طوفان
دلفت درة تحمل صغيرها… قابلت شكريه التى تبسمت لها، سألتها:
طوفان رجع.
أجابتها بـ لا… إستغربت درة ذلك فهو عاد لوقت قليل ثم خرج ولم يعود، لكن قالت لها شكرية:
فى إتنين ستات فى المندرة طالبين يقابلوكِ.
إستغربت درة ذلك، قائلة:
يقابلونى أنا ولا الحجة وجدان.
أجابتها:
لاء قالولى عاوزين يقابلوكِ… فى المندرة هاتي نوح وروحي شوفيهم عاوزينك فى إيه.
أعطتها نوح وذهبت الى المندرة فتحت الباب، إستغربت من زيهن الأسود كذالك النقاب الذي يُخفي وجوهن، تنحنحت تُلقي السلام :
سلام عليكم.
رددن عليها، نظرت لهن قائلة:
طلبتوا تقابلوني خير.
رفعن النقاب عن وجوههن، تفاجئت درة بهن، بالأخص حين تحدثت إحداهن بإستغاثة.
❈-❈-❈
بمنزل حاتم
حين دخل الى المنزل تقابل مع والدته حاولت التحدث معه لكنه نظر لها شعر بكم من الأسي… لم يستطيع الوقوف امامها تركها وص الى شقته… بينما غص قلبها وترقرقت الدموع بعينيها، غص قلب زوجها وإقترب منها قائلًا:
يا ما حذرتك بلاش تخسري حاتم هو كمان، بلاش تزرعي فى قلبه بُغض ناحية جود، وأهو بيدفع التمن.
غص قلبها، لكن إتخذت قرار لن تسمح ببؤس حاتم ولو إضطرت للذهاب الى جود وطلب الصفح منها.
****
دخل حاتم الى الشقه، جلس على مقعد بالردهة مُنهك الوجدان
يشعر وكأن عاصفة هوجاء اجتاحت صدره، رياحها تعصف بعقله وتكاد تفتك بثباته، منذ أن تسللت تلك الكلمات من بين شفتي دُرة، كالسهم المسموم:
في حد متقدملها.. وجُود وافقت.
لم يسمع بعدها شيئًا، كل الأصوات حوله خمدت، كأن العالم توقف لثوانٍ ثقيلة، ووقع الجملة ظل يتردد داخله كصدى صوت فى الخلاء لا يهدأ…
انقبض قلبه حد الألم، وكأن أحدهم يعتصره بقبضة فولاذية. أيعقل أن توافق جود… على الزواج من رجل آخر
-مستحيل
نطقها عقلة بتصميم… بعدما انكمشت ملامحه، انعكس الغضب والحسرة في عينيه، يشعر كمن تلقى ضربة غير متوقعة… كل ما يشعر به هو غليان داخلي، خليط من الغيرة والخذلان، ورغبة عارمة في الصراخ:
مستحيل.. جود مش ممكن توافق.
لكن صوته ظل حبيس صدره، والبركان بداخله يزداد اشتعالًا، كأن الأرض تحت قدميه لم تعد ثابتة، يشعر كأن عقله يتماسك بشق الأنفس بدأ يتداعى أمام فكرة خسارتها…. صدره يعلو ويهبط بعنف، وأنفاسه متلاحقة، وكأن الهواء يضيق عليه عمدًا… وعقله لا يستوعب كأنه يهزي:
ازاي توافق.
والجملة تتردد في ذهنه بلا توقف، تضرب عقله كالمطرقة، لا تمنحه فرصة للتفكير بعقلانية… وهو يقول بوعيد وتصميم:
مستحيل تكوني ملك لغيري وأنا مش هفضل واقف ساكت.
توقف فجأة، أمسك رأسه بكفيه، أغمض عينيه للحظة كأنه يحاول إخماد ذلك البركان المتفجر داخله… لكنه لم يستطع…. الصورة التي رسمتها كلمـات درة تتغلغل من رأسه، ترسم صورة جود وهي تبتسم لـ رجل آخر يمسك بيدها، كانت كفيلة بتمزيقه إربًا… فتح عينيه من جديد، بعزيمة تكاد تختلط بيأس، وهو يحسم الفكرة برأسه وبتصميم، رغم انه يخشي مواجهة عناد جود… لكن لم يعد قادرًا على التمهُل المواجهة أصبحت حاسمة ولا يوجد امامه سوا طريقة واحدة فقط.
↚
بالمشفى
تنهد طوفان بآسف وآسي على حال عزمي وزوجته، وهما يبدوان بوضوح محطمَين مما حدث مع ريان، ذلك الاكتشاف الصادم لم يكن سهلًا على أيٍّ منهما… الطبيب ثبت توقعه القاسي
ريان مُدمن، وبمرحلة مُتقدمة، رغم أن الفترة لم تكن طويلة منذ بدأ بتعاطى تلك العقاقير المُخدرة… لكن، للأسف، كانت الأنواع الذي تناولها من أخطر ما يكون، سريعة التوغل إلى الجسد والعقل، تفتك به في زمنٍ وجيز، تاركة آثارًا صعبة العلاج.
ارتعشت أنفاس سامية عقلها غير مستوعب لتلك الحقيقة الصادمة، رفعت يدها لتمسح دموعها التي سالت رغمًا عنها، بينما شهقت بصوت مخنوق كمن فقدت عقلها:
إزاي… إزاي ريان ابني يروح للإدمان والضياع.
جلس عزمي على أقرب مقعد مُنهك نفسيًا وكأن الأرض انهارت تحت قدميه، رفع كفيه المرتجفتين إلى وجهه يغطي ملامحه المصدومة، ربما يكون بغفلة ويفيق…لكنها الحقيقة تقبلها بصعوبة ينطق بصوت مبحوح:
معني كلام الدكتور إن ريان ممكن…
اقترب طوفان بخطوات مترددة، يضغط على كتفه محاولًا تهدئته:
خالي مش وقت إنهيار،ريان محتاج لك، في حاجات بتبقى أكبر مننا، وبتدخل حياتنا من غير ما تستأذن.. المهم دلوقتي الحل… الدكتور قال لسه في طريق نرجع بيه ريان ويخف من الادمان، طبعًا بعد ما يخف من الطعنات اللى جسمه.
صاحت سامية بانفعال، تكاد كلماتها تتقطع بين شهقاتها تشعر بحسرة ونبرة يأس :
حل… حل إيه يا طوفان ده بقي مدمن… يعني خلاص، وقع في جحيم… إزاي هنطلعه منه.
رفع عزمي رأسه أخيرًا، نظر لها عيناه متوهجتان باللون الدامي من الدموع والغضب، قائلًا بحزم مشوب بانكسار وللغرابة لم يُلقي اللوم عليها،فأين كان هو الآخر لكن تشبث ببوادر أمل وإصرار:
حتى لو الطريق صعب… حتى لو هيدفعني عمري كله… مش هسيب ريان يضيع، ده ابني حته من روحي.
سادت لحظات صمت ثقيله، لم يقطعها سوى صوت الأجهزة الطبية من الغرفة المجاورة، حيث يرقد ريان فاقدًا للوعي، ليس لسبب الأدوية المُخدرة،بل بسبب إنهاك جسده… يتنفس ببطء وكأنه يصارع عاصفة سوداء لا يراها أحد سواه.
***…..***
بعد قليل بغرفة الطبيب، وقف طوفان مع الطبيب يتحدث إليه بسؤال:
أكيد فى تسجيلات للكاميرات قدام المستشفي.
أجابه الطبيب:
أكيد، بس حتى التسجيلات دي ممكن متجبش
كل شيء بوضوح،لأنها بتبقي متثبته على زوايا معينة كمان،الفراش اللى شافهم بيرموا المريض قال ملحقش يدقق فى العربية إختفت فى ثواني. .. أنا لما قريت بطاقة الشخصية للمريض، وتشابُه الإسم مع إسمك، بسرعة اتصلت عليه، كان رقم موبايلك عندي، زي ما إنت عارف إني كنت الطبيب المسؤول عن حالتك الصحية وقت إتصابت بالرصاص من سنة وشوية.
زفر طوفان نفسه لوهلة تذكر تلك الحادثة ودُرة تضربه بالرصاص وضع يده مكان الرصاصات على صدره،ثواني،لكن نفض ذلك قائلًا بإستفسار:
تمام أنا طلبت من الأمن تسجيل الكاميرات يمكن نستدل على أي معلومة، المهم عندي دلوقتي حالة ريان.
للآسف الحاله مش مُستقرة، المريض فى غييوبة بسبب نزيف الدم مأثر على الأوكسجين للدماغ،لكن مع الوقت واجهزة الأوكسجين، ممكن الأوكسجين يعود لنسبة قريبة من الطبيعي وقتها هيفوق من الغيبوبة وده فى حد ذاته خطر، بسبب المخدرات اللى كان بيتعطاها، هتأثر على تحمل الألم عنده هيحس بآلام مزدوجة بسبب الطعنات اللى فى جسمه، كمان تأثير انسحاب المُخدر من جسمه، محتاج قوة وصلابة، وتحمُل، وللآسف واضح من بنية المريض الهزيلة… مستغرب إزاي اهله ملفتش نظرهم هزلان جسمه حتى منظر وشه وعنيه… للإسف الحالة محتاجه معجزة وصبر وكمان دعم جامد للمريض وهياخد وقت، والخوف نن الانتكاسات.
زفر طوفان نفسه يشعر بآسف كذالك الطبيب الذي تحدث بعملية:
للآسف الواضح إن المريض ده محتاج لمستشفي مُتخصص فى علاج الإدمان زائد إشراف طبي من جراح.
فهم طوفان حديث الطبيب فتسأل:
حضرتك أكيد تعرف مستشفيات أو مراكز متخصصه للعلاج من الإدمان، تقدر تتواصل مع مستشفي وتقدم لها تقرير بحالة ريان، وأنا جاهز لأي شيئ.
اومأ الطبيب قائلًا:
تمام، بس لازم تعرف الأماكن دي بيبقي لها ترتيبات خاصة كمان سرية وده لصحة المريض ومساعدته عالتعافي، والحالة اللى قدامي من أصعب الحالات، وشايف يعني والد المريض شخصيته مش هقول ضعيفة …لكن شخصيته واضح إنها مش قد قدرة تحمُل الصدمات القاسية، وده هيسبب ضغط نفسي للمريض، خصوصًا إن أي كلمة أو تعامل قاسي من الأهل ممكن يهد اللي بنبنيه العلاج… محتاجين هدوء وصبر واحتواء مش لوم ولا عتاب.
أخفض طوفان للحظة قبل أن يرفع بصره للطبيب قائلًا بحزم:
أنا هكون موجود، وهقف جنبه لحد ما يعدي المرحلة دي.
ابتسم الطبيب بخفة رغم جدية الموقف، ثم قال:
دعم زي ده مهم جدًا، وصدقني المريض بيحس بيه حتى وهو في غيبوبة… يمكن ده اللي يفرق معاه… هجهز التقرير وأتواصل مع المركز المناسب، بس لازم نكون مستعدين لأي طارئ.
أومأ طوفان بتصميم بينما في داخله غصة أسى، يردد في نفسه:
ريان محتاج معجزة… وأنا مش هفقد الأمل فى المعجزة دي… ومش هتخلي عن ريان .
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
للحظات ذُهلت درة وهي تنظر الى تلك الإثنتين تقربت منها إحداهن
تمسك بيدها قائلة بنبرة توسل:
دكتورة درة… بنتِ فى مصيبة ومحدش يقدر يحلها غير طوفان بيه، وإنت عارفة إن صعب نقابله، أرجوك ساعدينا.
تصنمت درة للحظات… ظنت تلك السيدة أنها لا تعرفها فعرفت نفسها بآسف:
انا مرات مرعي بدران ودي، زينة بنتِ إنتِ مش فاكرنا، كنتِ…
قاطعتها درة بإستيعاب:
أنا عارفاكم مش ناسياكم، تعالي إقعدى وإهدي وقوليلي إيه الأمر.
جلست السيدة مرتبكة دموعها غثبً تنهمر بلا توقف، وزينة بجوارها تمسك بكفها كأنها تستمد منها الشجاعة…تحدثت بصوت متهدج:
يا دكتورة… إحنا لجأنا ليكي لأننا خلاص مبقناش عارفين نتصرف ازاي.
شعرت درة بشفقة واستغربت سائلة:
ممكن تبطلوا عياط وتقولولى ايه الحكاية وان شاء الله تتحل.
سردت لها زوجة مرعي عن رغبته فى تزويج زينة الى “.وليد مهران”
“وليد مهران”
مجرد ذكر اسمه أمامها يِشعرها بعواصف رعدية تخترق فؤادها لكن تمالكت غضبها قائلة:
بس ده اللى اعرفه انه فى الجيش، كمان عرفتي منين، وانتِ بتقولى انه اتفق مع مرعي وهو مقالش لكم.
أخفضت زينه وجهها مُفسرة:
أنا عرفت بالصدفة بعد ما ابوي رفض العريس اللي كان متقدم لى، هو متعود نودي له الوكل الغيط، وأنا خدت الوكل وكنت راحة له بس أنا بالصدفة إتسمعت على كلامه عالموبايل، كمان هو رفض عريس كان متقدم لى، أبوي طماع، وأنا خايفة يبيعني زي ما عمل قبل إكده وباع ضميره وشهد بالزور… وهو السبب فى إن وليد مياخدش عقاب يستحقه.
نظرت درة لها بتفاجؤ، كذالك سألتها بمفاجأة:
ليه مش عاوزه تمشي مع والدك وتوافقي على الجواز من وليد حتى لو فى السر زي ماسمعتي، وليد ماليًا ونسب أفضل من العريس التاني… كمان مطارداته ليكِ، يمكن بيحبكبجد.
كان جواب زينة مختصر:
عشان وليد قاتل… والقاتل مستحيل يكون عنده مشاعر حب.
نظرت لها درة بخباثه سائلة:
ليه متأكدة كده إنه قاتل مع إن المحكمة برأته.
أجابتها زينة بتوتر وريبة:
عشان أنا شوفته بيقتل، والسبب كان أنا.
❈-❈-❈
بمنزل جلال
بغرفته مع خلود
همست بصوت خافت:
وإنت فى الغُربة مفيش بنت لفتت نظرك، وقولت هي دي فتاة أحلامي
اقترب منها وضمها لصدره نظراته هادئة لكن صادقة:
لاء ومعرفش السبب بعد ماكنت بشوفك
البنت اللي كبرت قدامي وكنت بقول زي أختي…لقيتني بفكر فيكِ طول الوقت،لما أمي كانت تتعمد تبعت لى صورك،بأي حِجة كنت بحس بإشتياق ليكِ… إكتشفت ان عنيا مش بتشوف غيرك.
تبسمت بدلال قائلة:
عاوز تفهمني إن جمال بنات الفرنجة على رأي مرات عمي ملفتش نظرك تبقي…
قاطعها ضاحكً:
لاء كانت صورتك في خيالي أجمل منهم ومن كل الوشوش اللي كنت بقابلها، شيلت صورك في قلبي سنين الغربة.
لم تستطع الرد، فقط نظرت نحوه بعينين امتلأت بحٓيرة وفرح وخوف، خليط لا يفهمه إلا مَن خبأ الحب طويلًا.
بعد صمت فقط ونظرات عيون قطعته بسؤال:
طالما كنت بتحس كده… ليه اتأخرت فى إنك تطلبني للجواز حتى بعد ما رجعت من البعثة.
رفع رأسه قليلًا، ثم رفع عينيه نحوها قائلًا:
كنت خايف من مشاعرك إتجاهي، كنت فى حيرة، يكون قلبك إنشغل بغيري بس لما طوفان كلمني إتصدمت بالحقيقة، أنا عمري ما شوفتك “أخت، أو بنت عم”
قلبي كان رافض يكون ليكِ مكانة فيه غير حبيبة.
اعتراف أطرب قلبها الذي لم يخفق سوا له، لكن فجأة
شهقت شهقة صغيرة،حين أصبحت ممددة فوق الفراش وهو فوقها،نظرت الى عينيه ابتسمت بخجل وهي تُخفض عينيها،
اقترب أكثر، وبلُطف مد يده يتلمس وجنتيها ثم وضع إحد يديه فوق موضع قلبها هامسًا:
وإنتِ يا خلود قلبك ده…
قاطعته بتسرع:
أنا كمان قلبي كان دايمًا يتمرد عليا رغم حاولت، وكان جوايا صراع، وخوف إن قلبك يختار غيري، فاكرة لما كنا صغيرين كنت دايمًا تقول خلود بِت عمي أختي الصغيرة… كنت بتغاظ منك…وعاوزه أقولك، لاء انا مش أختك وأنا عاوزة مقام تاني فى قلبك…بس إنت كنت غِلس.
ضحك جلال قائلًا بخباثة:
وإيه المقام التاني ده.
رفعت يدها وضعتها على صدره قائلة:
أبقي ملكة ده يا واد العُمدة.
ضحك وهو يضع يده فوق يدها التى وضعتها على قلبه قائلًا بمرح:
طماعة يا بِت عمي.
تبدلت نظرة عينيها الى غيظ وقامت بصفعه على قلبه بخفه، ثم دفعته بيديها كي ينهض عنها وهي تدعي التذمُر قائلة:
“بِت عمي”
طالما كده قوم من فوقي.
ضحك وهو يمسك يديها قائلًا بمرح:
طول عمرك يدك تقيله.
قبل أن تعترض كان يُقبلها، تفاجئت بالقُبله لكن لم تعترض عليها ولا على لمساته اللطيفة المُنعشة لمشاعرها الانثوية التى كانت تطمسها،آن آوان ظهورها…
ترك شفاها للحظات نظر الى وجهها قائلًا:
خلينا نبدأ الحكاية… بس مش من أولها، من أول ما جلال اتأكد إن خلود بِت عمه هي العشق اللى إترسم فى قلبه .
رفعت يدها ببطء، وضعتهما فوق وجنتيه تلمسهما بنعومة … تنظر داخل عينيه
لأول مرة ، شعرت أنها في المكان الصحيح… بين عينيه.
صمت، أصبح بينهما لكن هنالك حديث آخر متناغم يهمس بأنفاسهما التى إختلطت بتوهج دفئ قبلات جلال لها، ومشاعره التى اصبحت علانية… وهما هائمان وسط نسمات مُنعشة برائحة العشق…
لكن لم يستمر ذلك وجاءت موجة حارة إقتحمت عالمهم الربيعي… حين صدح هاتف جلال… خرجا من تلك النسمات…، غصبً جذب الهاتف، نظر له ثم سرعان ما زفر نفسه قائلًا:
زي ما توقعت… طوفان هو اللى بيتصل غلاسة منه أكيد.
ضحكت خلود قائلة:
طب رد عليه.
كاد يغلق الهاتف قائلًا:
لاء، هو أكيد بيتصل غلاسة…
لكن قبل أن يغلق الهاتف وصل رسالة منه فتحها وقرأ محتواها بهمس:
أنا ومراتي وصلنا الدوار عشان نصبح على واد العُمدة ونشوفه رفع براسنا ولا معاشرته للأجانب فسدت حاله.
تنهد بضجر لاحظت خلود ذلك فضحكت.. نظر لضحكتها قائلًا:
طوفان ومعاه مراته تقرييًا وصلوا هنا دلوقتي.
ابتسمت قائلة:
طوفان شخص محترم جدًا.
نظر لها بسخط قائلًا:
محترم… وكمان جدًا، وهو فى شخص محترم يقطع على عرسان.
ضحكت قائلة:
بيفهم فى الذوق، وأكيد جاي هو مراته يصبحوا علينا، قوم من فوقي خلينا نجهز عشان نستقبلهم، متنساش كمان إنه مديري فى الشغل.
نظر لها بسخط قائلًا:
مديرك… انسي دي كانت فترة وراحت لحالها.
ضيقت عينيها بعدم فهم، لكن لذلك حديث، لاحق الآن عليهم استقبال الضيوف.
بعد وقت قليل… بشُرفة بشقة جلال كان جلال وطوفان يقفان، نظر جلال لـ طوفان سائلًا بفضول:
مالك، إنت بتولع سيجارة من سيجارة، إيه اللى مضايقك كده.
أفاض له طوفان بحال ريان.
شعر جلال بآسف قائلًا:
للآسف ده بيحصل كتير، وخالك جاي يحس بالوجع دلوقتي، كان فين قبل كده، ليه مكنش ملاحظ تغيرات سواء فى سلوك ريان، الشخص المُدمن بيقي له علامات واضحة، بس هو إتغافل عنها، بصراحة خالك ده شخص معدوم المسؤولية، يعني واحد قاتل والتاني مدمن، ونعم التربية.
نفث طوفان دخان السيجارة قائلًا:
للآسف مش بس خالي كمان مراته، أنا يمكن مصعبش عليا وليد، وكان نفسي ياخد عقاب مناسب، لانه شخص معدوم الأخلاق، لكن ريان طول عمره عايش فى الضل، حتي يوم ما فكر فى الأذيه أذى نفسه، عكس وليد قاتل عن تعمُد منه.
تسائل جلال:
وإنت هتعمل إيه دلوقتي.
أجابه طوفان بحِيرة:
مش عارف.. خايف أسيب الموضوع لخالي عزمي بيمل بسرعة وممكن يزهق ويستسلم وقتها هيضيع ريان.
أجابه جلال:
الحل فى إيدك، إخلي مسؤولية خالك وإتحكم مش إنت كبير العيلة، يبقي إبعده وإتحكم إنت فى مسؤولية ريان، ومعتقدش هو هيعترض… ده مش نفس موضوع وليد
وليد زي ما قولت قاتل فعلًا وبمزاجه، وزي ما بتقول بيوصلك عنه إنه جبان، حتى فى الجيش، اللى المفروض كان يربيه مش قد مسؤولية، وأعتقد وليد لو فعلًا متحكمش بقوة ممكن يرجع ويرتكب أفظع من الجريمة الاولانية… الاتنين محتاجين شِدة وإيد تضرب من حديد، لان أي تهاون معاهم هيزود فى إفسادهم، وإسمح لى خالك شخص معدوم المسؤولية، يبقي الحل معاك إنت، لازم يكون لك قرار حاسم.
أومأ طوفان موافقًا، ربما كان يحتاج الى شخص يُثبت القرار برأسه
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
يُراقبها عن كثب،ينتظر فرصة واحدة ولن يُفلتها وربما جاءت الفرصة
حين وجدها جالسة في أحد المطاعم، تحمل كتابًا بين يديها، لكن ملامحها شاردة، كأنها تفكر في شيء بعيد… لم يتردد، تقدم نحوها بخطوات متسارعة، حتى ارتفعت عيناها إليه بدهشة…
وقف أمامها، عيناه تضجّان بلهيب لم تستطع فهمه:
جود… الكلام اللي سمعته منك لازم أسمعه دلوقتي، من غير لف ولا دوران.
رفعت حاجبيها باستغراب:
كلام إيه،وإنت مين… وإزاي تكلمني بالطريقة الفجة دي.
اقترب أكثر، وابتلع طريقة حديثها خرج صوته يختنق بغصّة:
صحيح فى عريس اتقدملك… وإنك وافقتي.
سقط الكتاب من يدها بلا وعي، اتسعت عيناها بدهشة ممزوجة بارتباك:
مين قالك الكلام ده.
– مش مهم مين اللى قال… أنا عايز أسمع منك إنتِ… الكلام ده صح ولا غلط.
قال ذلك حاتم ينتظر او بالأصح يتمني رفض جود.
صمتت، شفتاها تتحركان دون أن تخرج الكلمات، وارتباكها كان كافياً ليزيد النار المشتعلة داخله…
أمسك ذراعيها بقوة، أجبرها على النظر في عينيه:
ردي يا جود إزاي توافقي.. إزاي تبقي لحد غيري وأنا لسه عايش.
ارتعش، قلبها يخفق بعنف أمام غضبه، وصوته الذي اختلط فيه الغضب بالغيرة والخذلان. همست بصوت متقطع:
– أنا… أنا… أنا حرة، وإنت مالكش تسأل و..
قطع كلامها، صوته يكاد ينفجر:
لاء مش حرة ومستحيل تكوني لغيري …
نظرت في عينيه، أنفاسها تتلاحق كأنها مطاردة بين الحقيقة والكبرياء، ثم هزّت رأسها بعنف وتحدثت بقوة:
براحتي، أوافق أو أرفض إنت مالكش تتحكم فى قراراتي ودلوقتي إتفضل إمشي مش عاوزه فضايح فى المكان، الناس بدأت تاخد بالها.
تجمد مكانه، ويشعر بغضب… لم يتوقع أن يسمع منها ذلك، حاول التحكم فى غضبه ونطق بهدوء عكسي:
جود… أنا…
قاطعته بحسم وهي تنفض يده بقوة قائلة بقسوة:
إنت مالكش الحق تتكلم معايا، وأنا حره فى حياتي، ليه بتطاردني دلوقتي، فاكر كان نفسي بس فى نظرة رضا من عينيك، كنت غبي، روح لخطيبتك الاولانيه، اللى كنت بتحب فيها وأنا معاك، خلاص إنتهينا، إتقبل ده زي ما انا إتقبلته، وفعلًا أنا مكنتش موافقة عالعريس اللى متقدم لى، بس عشان أخلص من مطارداتك واقطع الامل عندك، انا قررت اوافق… وإتفضل إمشي، شكلك مش هيبقي لطيف لو طلبت لك الامن بتاع المطعم، يا سيادة الظابط سابقًا، دلوقتي عرفت ليه وقفوك عن العمل أكيد سوء استخدام سُلطة منك، ما أهو بدل ما تحمي الناس من تطفل الآخرين، إنت بتسمح لنفسك تضايق غيرك.
كلماتها لا معني لها غير أنها لن تميل له بسهوله، ولا يوجد سوا طريقة واحدة، زاد التحدي بعينيه ومال عليها هامسًا:
بتحلمي يا جود، ومستحيل تكوني لراجل غيري، وللآسف مبقاش قدامي طريق تاني.
قال ذلك وإعتدل واقفً… تلاقت عيناهم، كل منهم ينظر للآخر بتحدي…
غادر حاتم المكان بخطوات سريعة غاضبة، بينما جود إلتقطت نفسها تنظر حولها تشعر بخجل، لكن حاولت السيطرة على ذلك بالأخص وهي تستقبل إحد صديقاتها، جلست معها بعقل شارد حتى أنها تحججت بالصداع كي تغادر
بالفعل بعد وقت قليل، ذهبت نحو المرآب التي تركت به سيارتها، لكن لم تصل الى المرآب بعدما شعرت برذاذ على وجهها، ودوران رأسها وهي ترا حاتم بغشاوة، ثم لم تشعر بعدها بأي شيء.
❈-❈-❈
مساءً
تأخير جود فى العودة زرع القلق فى قلب وجدان التي نقلت ذلك القلق فى عقل طوفان…
زفر نفسه بغضب وهو يستمع الى قائد الحراسة المكلف لـ جود:
إحنا متأخرناش كنا فى نفس المكان بس اللى حصل، حصل فى ثواني.
تهكم طوفان قائلًا:
حصل فى ثواني، لتاني مره يحصل تقاعص من فريق الحراسة دي
الحراسة دي لازم تتغير وأجيب أشخاص قد المسؤولية.
شعر الحارس بخيبة، ولم يُبرر موقفه لكن مد يده بهاتفه قائلًا:
ده تسجيل كاميرات الجراچ.
أخذ طوفان الهاتف ونظر الى ذلك الفيديو، الذي يوضح خطف حاتم لـ جود ونظره الى الكاميرا بثقة كأنه تعمد فعل ذلك يبعث رسالة مباشرة لـ طوفان، نظرة عينيه تقول له:
أنا مش بخاف منك…
إزداد غضب طوفان من تلك النظرة المتحدية، ضغط على أسنانه بقوة حتى كاد يطحنها، بينما يده تمسكت بالهاتف أكثر وكأنها تكاد تحطمه.
تحدث بنبرة حادة :
الوغد فاكر نفسه بيتلاعب بيا…
بنفس الوقت دخلت درة الى الغرفة… أعطي طوفان الهاتف للحارس قائلًا:
اللى حصل مش هيمُر بسهولة… إتفضل دلوقتي.
غادر الحارس بينما درة نظرت لـ طوفان قائلة:
فى ايه يا طوفان، كنت بتزعق ليه صوتك وصلي وانا فوق.
أجابها بغيظ:
الحقير حاتم خطف جود، بس الموضوع ده مش هيعدي بسهولة ولو بس مش شعره منها أنا…
قاطعته درة ببسمه ونظرة إعجاب قائلة:
حاتم مش مجرم يا طوفان عشان تقول كده، ومتأكده مستحيل يفكر يأذي جوظ… وبعدين هو…
نظر لملامح وجهها وتلك البسمه قاطعها بغضب:
بعدين إيه واضح إنك معجبه باللى عمله حاتم، ونسيتي هو عمل فيها قبل كده.
ردت درة بحِدة:
مش ناسيه بس هو ندم، يبقي ليه…
قاطعها بغضب:
يبقي ليه إيه، هستني لما يأذيها مره تانيه، جود هشة وبتتأثر بسرعة وممكن تصدق كدبه وتقع فى فخه مرة تانيه.
تنهدت درة قائلة:
لاء جود مش هشة يا طوفان ومتأكدة إنها مش هتصدق ولا توقع فى فخ حاتم، رغم إنى شايفة إن حاتم ندم، ومش بيرسم لفخ تاني مع جود، ليه مش عاوز تدي له فرصة.
تهكم طوفان باستهزاء قائلًا:
فرصة تانيه، ولـ حاتم.
-أيوه، ليه لاء، زي ما أنا أديتك فرصة تانية
ليه بتحلل لنفسك ولغيرك لاء.
نظر لها بغضب قائلًا:
إنت بتقارني بيني وبين الحقير حاتم.
نظرت له درة باحتداد قائلة:
مش حكاية مقارنة، بس كمان حاتم له الحق زي ما انا سمحت لك بفرصة تانيه.
تهكم طوفان بغضب قائلًا:
درة إمشي من قدامي.
لكن درة عاندت وبلحظة غضب تفوهت بلا وعي أن طوفان على حافة الإنفجار:
انت أناني وظالم وقاسي
إرتجف صوتها لكنها لم تتراجع بل أكملت حديثها بحِدة:
وعاوز تمشي الكون على مزاجك حتي لو بالغصب، كفاية يا طوفان أنا مبقتش عارفة إنت مين، أنا شايفة إنك مع الوقت بتاخد مش بس صورة باباك كمان بتاخد قسوتة عليك بطلعها على غيرك.
تجمرت نظرة عيناه يشعر بإعصار يتملك من عقله، كأن كلماتها فتحت باب إعصار كان محبوسًا داخله….
تقدم بخطوات سريعة، وعيناه تومضان بنار لا تنطفأ، وقبل أن تنطق، كان قد قبض على معصمها بقوة…
صوته خرج من بين أسنانه كزئير رياح عاتية مُحملًا بالغضب :
عاوزة تجربي قسوة أبويا
تعالي معايا… هوريكي جزء منها.
حاولت أن تفلت يدها، ارتبكت، ارتعشت، لكن قبضته كانت كالفولاذ:
سيبني يا طوفان إنت بتوجعني.
قالتها بصوت مُختنق بالآسف والندم على ما تفوهت به.
تجمد لثوانٍ… كلماتها كانت كالصفعة، لكنه لم يفِق من غضبه بعد…
ضغط أكثر على معصمها دون أن يشعر، نظراته زائغة بين وجهها وعينيها التي امتلأت بالرجاء
..
هي لم تعد تقاوم قبضته على يدها ، فقط تنظر إليه بنظرة واحدة…
نظرة وجع…
لم يهتم لها وهو مازال يسحبها خلفه دون النظر لنظرات الموجودين حوله، حتى وصلا الى المرآب، فتح باب السيارة ودفعها بقوة للداخل… جلست تُمسد مِعصمها تشعر ببعض الألم، صعد هو الآخر الى السيارة خلف المقود، رمقها بنظرة لاحظ إحمرار يدها لم يُبالي بذلك وقاد السيارة بسرعة عالية
إرتجف قلب دُرة وتحدثت برجاء:
هدي السرعة يا طوفان.
لكن طوفان كأنه لم يسمعها، فقط برأسه ذكريات الماضي وهو يُجلد لاسباب لايعلمها لمجرد أن ذلك سوف يزيد من القسوة فى قلبه ويجعله رجُلًا قويًا قلبه لا يهاب ضعف من أمامه.. دموعه التي تسيل وهو يشعر بالخوف وأصوات عواء الذئاب تحوم حول ذلك المنزل الجبلي الشبة مُتهالك…
ذكريات تغزو كيانه أغمض عيناه للحظة يحاول السيطرة على ذاته، على يديه اللتان للحظة إختل توازنهما على عجلة القيادة، سُرعان ما فاق وفتح عيناه، وبدأ بتخفيف السرعة ليس لرجاء دُرة، بل لأنه وصل الى ذلك المكان البعيد عن العمار القريب من حُضن الجبل… إستغربت دُرة من ذلك، وكادت تتحدث لكنه سبقها وأوقف السيارة وترجل منها قائلًا بنبرة أمر:
أنزلي.
نظرت دُرة حولها بتوجُس، المكان موحش، لا شيء يُسمع سوى صفير الرياح وهي تتسلل بين الصخور كأنها تهمس بقسوة، ولا ترى سوى أطياف الجبل القريب يحتضن الأرض بجفاء… ترددت، قلبها بدأ ينبض برُعبٍ صامت، لكنها نزلت… عيناها لم تفارق طوفان الذي وقف جامدًا كالصخر، يتأمل الأفق وكأنه يتحدث ماضيه.
سألته بصوت منخفض لكنه مرتجف:
إحنا جينا هنا ليه.
لم يجب… فقط تحرك ببطء نحو ذلك المنزل الصغير وقف للحظة… والرياح تعبث بشعره ومعطفه، وصدى الماضي يُدوّي في رأسه بلا رحمة… ثم دفع باب ذلك المنزل فإنفتح،دخل،وهي خلفه تحدث أخيرًا، دون أن يلتفت:
عايزة تعرفي قسوة “نوح مهران”.. هنا كانت القسوة الحقيقية
طفل مكملش إتناشر سنة إتحبس هنا أربع أيام، بدون أكل، وبدون غطا يدفي جسمه من البرد، صوت الديابة المُرعب وهي بتحوم حوالين البيت…
هنا… كنت بعيط
هنا… كنت بصوتي الضعيف بنادي على أمي وعندي أمل تسمعني وتجي تنقذني من الخوف…
هنا… كنت بخاف أنام، علشان كان في حاجات بتتحرك في الضلمة، وأنا مش قادر أهرب منها.
ثم التفت إليها، نظرته كانت تحمل أكثر مما تحتمل، مزيج من الطفولة المذبوحة والرجولة المتجلدة، وقال:
من شويه قولتيلي إن قلبي قاسي…
قلبي هنا عاش وشاف القسوة الحقيقية هنا… كان سهل أفقد إحساسي، وقلبي يجحد…
صمت للحظة عم السكون الذي ضرب قلبه فجأة.
ارتخى جسده، وتراخت قبضته ببطء… وكأن شيئًا ثقيلًا سقط من يده وليس فقط يدها…
نزلت يدها المرتجفة بجانبها، ومسحت دمعة عن وجهها دون أن تُبعد نظرها عنه…
تشعر بأسي، إقتربت منه مسكت عضديه وضعت رأسها على ظهره قائلة بندم:
أنا آسفة يا طوفان …
همس بصوت مبحوح، كمن وجد نفسه فجأة واقفًا أمام مرآة ماضيه:
إنتِ دايمًا كُنتِ سبب ضعفي.
تقدم خطوة وأدار وجهه ونظر لها ، مرر بكفه على شعره بعصبية، ثم ضرب الجدار المجاور بقبضته صامتً،كأن بذلك يُنفس عن غضبه…
لم تقل شيئًا، فقط تراجعت خطوة للوراء، قلبها يدق بعنف، لكن ليس من الخوف،بل من القلق عليه بعدما رأت تلك الدماء التى تسيل من يده…
إقتربت منه بهلع، بطواعية منها كانت ترفع يديها تُعانقه كي تمتص غضبه الزائد
توقف عن ضرب الحائط وعانقها هامسً بضعف لأول مرة تراه هكذا:
إنتِ الوحيدة اللى عريت روحي قدامها.
إزدادت من عناقه هامسة بلطُف:
إنت إتعريت قدامي من أول ليلة فى جوازنا يا طوفان، أنا بحبك من أول مرة زقتني من عالسلم فى دار الشيخ عرفة فاكر.
↚
إعتراف بالحُب مصحوب بكذبة جعله يضحك،بل يُقهقه وهو يعود برأسه للخلف ينظر لوجهها بتكذيب ساخر.. نظرت له يخفق قلبها من ضحكاته التى تُعطيه وهجً بقلبها العاشق… تأملت خطوط وجهه بإحساس… قائلة بإستفسار:
بتضحك على إيه.
مازال يضحك وهو يُعطيها الرد:
بضحك على كدبتك، إفتكري كويس يا حبيبتي أنا يومها حذرتك وقولت لك هتقعي بس إنتِ اللى عاندتي.
تغنجت بدلال وهي تُسبل جفنيها تتمايل براسها بدلال قائلة بإصرار:
برضوا إنت السبب، إنت لما إتكلمت أنا إنتبهت لك وفضلت أبصلك ومركزتش فى السلم.
قهقهته خفتت تدريجيًا، وملامحه صارت أهدأ وهو يطالعها بعينين يملؤهما العشق، ابتسامة عريضة مازالت ترتسم على شفتيه:
يا سلام… يعني أنا السبب لما كلمتك خطفت عقلك من الدنيا كلها.
بدلال أومأت رأسها بتأكيد، ضحك طوفان وهو يرفع رأسها يتأمل عينيها سعيدًا وهي تنظر له تبتسم، أحنى رأسه يشتهي شفتيها المُبتسمة ضمهما فى قُبلة ناعمة تزداد شغفً مع تجاوبها معه وهي ترفع يديها تُعانق بهما عُنقه، وهو يضم خصرها بيديه يُقربها منه، تزداد يديه عبثً وجرأة على جسدها يُبعثر أنفاسها ما بين اللذة والإشتياق،من قوة مشاعره… لا تستطيع مقاومة انجذابها، كلما حاول عقلها أن يتمسك بخيط واهن من الاتزان، يذوب مع حرارة لمسته، كأنها سُلبت القدرة على التفكير…
أغمضت عينيها مستسلمة للحظة، بينما هو يزداد اقترابًا، يُمزج بين عاطفةٍ جارفة ورغبةٍ عاتية، هامسًا جوار أذنها باسمها،يجعلها تهمس إسمه بخفوت، متشبثة بعنقه أكثر، تستسلم لفيضان عذب يُغرقهما.. تسارعت أنفاسهما، كل خلية بجسدها تستجيب له كأنها تذوب بين ذراعيه، تائهة بين لذّة القبلة وحرارة اللمسات.. يديه تجولان فوقها بجرأة ، يضغط على خصرها ليقربها أكثر، حتى صار ملتصقين… تسمع خفقاته المتلاحقة تختلط بخفق قلبها المُنتعش…
انزلقت أنامله تتلمس وجنتيها بشغفٍ… يهمس باسمها من جديد، بصوت مبحوح، من شدة الولع والوله، يود أن تمنحه المزيد، فارتجفت بين يديه ، لا تريد سوى الغرق أكثر في ذلك الفيضان الذي اجتاح كيانها، بل كيانهما بالكامل…
بعد وقت ساد صمت بالمكان لا يُسمع سوا صوت رياح بعيدة، لا يشعر سوا بأنفاسها المضطربه بكنف عُنقه وهي تتنفس
وهي لا تشعر بشيء سوا يديه اللتان يحكمهما بتملُك يضم جسدها عليه يحتضنها بقوة عاشق
ارتخت جفنيها وهي مازالت ملتصقة بصدره، بينما هو يُشدد من ضمته، يطبع على شعرها قبلة طويلة…
رفعت رأسها ونظرت له كان يُغمض عيناه، تفوهت بهدوء:
طوفان إنت نمت.
فتح عيناه يهز رأسه بنفي.. تبسمت قائلة:
طوفان أنا…. جعانه
ضيق عينيه بإندهاش قائلًا:
إنت إيه…
أجابته بتأكيد:
أنا جعانه، إيه الغريب في كده…مالك مستغرب كده ليه هو مش انسانه وبجوع.
ضحك قائلًا:
مش مستغرب، بس فكرت هتقوليلي عاوزة أرجع عشان إبني.
نظرت له وتهكمت بسخرية قائلة:
إبني… إبني زي باباه، بيرتاج مع الحجة وجدان كأني مش مامته وأنا اللى حملت فيه تسع شهور، حتى الرضاعة من صدري استغنى عنها.
ضحك طوفان لكن سريعًا بدل وضعهم ليصبح فوقها… تلمع عيناه بشغف، لوهلة شهقت وهي تُغمض عينيها بقوة، قلبها يخفق بجنون، رفعت عينيها تنظر له تبتسم…
ضحك بخفوت، ضحكة خليط بين شوق ورضا، ثم عاود يُقبلها وهي تستجيب معه بلا عقل ولا إهتمام لقسوة المكان…هما معًا فقط وكل شيء ساكن،انفاسهما ودقات قلبيهما فقط…مشاعر تفيض مع تدفُق عذب يرتويان منه،يغرقان فى ثمالة…
فى النهايه طبع قبلة إمتنان وعشق على جبينها،وضمها لصدره…لحظات قبل أن
ترفع رأسها بخجل مصطنع، ابتسمت تعض على شفتها السفلى.. ضمها أكثر، يسمع خفقات قلبها المتسارعة، وصوته انخفض ليصبح همسًا دافئًا:
من النهاردة بلاش تعاندي تاني… إنتِ قولتي حقيقة قلبك من غير ما تاخدي بالك… أول مره تعترفي إنك بتحبيني وإنتِ مش فى موقف خطر.
ضحكت سائلة:
قصدك إيه.
أزاح بعض خصلات شعرها عن عُنقها قائلًا،بتذكير:
يعني الاعترافات السابقة كانت بتبقي وقت مِحنة.
رفعت عينيها له بلمعة مُغرية، وقالت بمرح:
الحقيقة إني وقعت… وقعت في حبك قبل ما أقع من على السلم.
ابتسم وهو يمد يده يمسح على شعرها بحنان:
ووقوعك ده، أسعد لحظة في حياتي.
لمعت عينيها… نظر في عينيها بتركيز جعل أنفاسها تتلاحق، وصوته صار أهدأ وأدفأ:
وإنتِ من يومها خطفتي قلبي كله… حتى وأنا بضحك دلوقتي، جوه قلبي في رهبة، لأنك أهم حاجة في حياتي.
شعرت بارتجاف خفيف يجتاحها، فحاولت الهروب بالابتسامة وتفوهت بغرور:
إنت كتير قولت إنك بتحبني.
قهقه بهدوء، ثم أمسك بيدها يضمها بقوة وهو يرد بنبرة جادة ممزوجة بالعاطفة:
عارفة الأرض أما تكون قاسية وناشفة، ويجي شوية مطر صغيرين يروها، إنتِ المطر ده يا درة… يمكن عشقك هو اللى خلى جوا قلبي حتة لينة كان سهل تبقي حجر.
ارتجفت شفتاها من وقع اعترافه، نظرت لملامحه التي تلمع بالصدق، ثم همست بخجل وعيونها تفيض عشقًا:
وأنا… وقعت، ومش ناوية أقوم من الوقعة دي.
أقترب من وجهها صارت أنفاسه تختلط بأنفاسها، وملامحه تكاد تلامس وجهها… نظر إلى عينيها التي تهرب تارة وتعود تارة أخرى، ثم همس بصوتٍ منخفض لكنه نافذ بأمنية:
طب قوليها تاني…
ارتبكت، عضّت على شفتها السفلى، كأنها تحاول الهروب من ثقل اللحظة، لكنها ما لبثت أن رفعت عينيها نحوه وهمست بعشق:
بحبك.
لم يستطع التماسك أكثر، ضمّها إلى صدره بقوة، كأنما يخشى أن يسرقها منه الزمن… سكنت بين ذراعيه، تسمع دقات قلبه المتسارعة فتزداد يقينًا أن قلبها وجد موطنه…
همس عند أذنها وهو يمرر يده برفق على شعرها:
إنتِ دنيتي يا درتي.
ابتسمت وهي تدفن وجهها في صدره يديها تعانقه، تحدثت قلوبهم كثيرًا فى لحظة العناق الصامت الذي قطعه طوفان حين همس جوار أذنها :
اتكلمي… بس قولي حاجة واحدة بس…
تنفست بعمق، وشعرت إن الوقت لا يحتمل الهروب، فنطقت بصدق:
أنا ليك… أنا اخترت أعيش في حضنك.
ضمها أقوي، فى لحظات صمت… قطعتها هي
حين سألته سؤال دائمًا حيرها وهو الوحيد الذي لديه الإجابه :
طوفان ليه بعد موت باباك فضلت مدة ومفكرتش تتقدم وتطلبني من بابا تاني.
-تاني
قالها باندهاش سائلًا:
قصدك إيه بـ تاني.
لوهلة شعرت بإرتباك، رفع رأسها عن صدره ينظر الى عينيها التي حاولت الهرب وهي تتذكر بعد معرفتها بحقيقة عقد قرانها على طوفان بذاك التوكيل التي فعلته لـ شاهر من أجل بيع شقة القاهرة، لا تنكر عصبيتها، ربما أرادت أن يحدث ذلك لكن بطريقة مباشرة دون مراوغة…جعلتها تشعر بأنها خُدعت أو أن الأمر تم من خلف ظهرها..تحاول كبح فرحتها ، بينما كان قلبها يتقافز من الصدمةٍ
لكن شعرت بغصة قوية فى قلبها حين وقع نظرها على صورة والدها الموضوع بإطار فوق طاولة جوار الفراش إقتربت وأمسكت ذلك الاطار تنظر إليه بوجع قوي فى قلبها، هطلت دموعها، لكن سُرعان ما جففتها وضعت الاطار بمكانه مرة أخري حين سمعت صوت طرق على باب غرفتها، سمحت له بالدخول، دلف يبتسم قائلًا:
لسه سهرانه.
أجابته:
كنت هنام.
اقترب منها وضع يده على كتفها يبتسم قائلًا:
جبت لك شمع عسل نحل، إنتِ بتحبي تاكليه.
غص قلبها وهي تنظر الى ذلك البرطمان الصغير، تذكرت والدها الذي كان يأتيها بذلك الشمع العسلي، مدت يدها وأخذته منه، تذوقت جزء صغير، تدمعت عينيها، ليس نفس المذاق السابق، تنهدت بأسي، شعر باسل بالأسي هو الآخر قائلًا:
دي أول قطفة عسل نحل بعد وفاة بابا، للآسف زي ما ماما بتقول “المال بيحزن على صاحبه” الإنتاج مش زي ما كان بس أنا ههتهم بالمنحل وان شاء الله هيزيد الانتاج تاني، تعرفي بسبب المنحل ده، فى مرة شوفت
والد طوفان، كان راجل ضخم وشكله يخوف، أو يمكن هيبة، معرفش بس وقتها كان بيتهجم على بابا، كمان جه طوفان يومها، وإعتذر من بابا، أنا فاكر إنه قاله إنه عاوز يتجوزك وطلبك من بابا يومها، بس بابا قاله لازم موافقة باباك الأول.
إنصدمت درة من ذلك وسألت باسل بإستفسار وتأكيد:
طوفان طلبني من بابا.
أجابها بتأكيد:
أيوه أنا كنت واقف يومها قريب منهم.
ذُهلت درة… وتحير عقلها يُقارن بين ذاك الفيديو التي رأته من هجوم والد طوفان على والدها، وبين معرفتها الآن برد فعل طوفان وقتها…
أيقنت أنها تسرعت وأخطأت حين إستسلمت لتسرُع عقلها ووافقت على الزواج من حسام…
أغمضت عينيها يمُر بخيالها لو كان حسام مازال حيًا، بالتأكيد لن تتخيل أن يكون زوجها، ذلك كان بعيد عن رأسها تمامً،
تبسمت لـ باسل الذي وضع يده على كتفها وتحدث بحنان أخوي مادحً طوفان:
أنا كنت رافض جوازك من حسام، لكن فرحت النهاردة لما عرفت إن طوفان هو اللى هيبقي من نصيبك، متأكد إنه بيحبك، هو قالي كده لما كنت فى النيابة، وإتحمل قضية كان ممكن تضره،مش بش عشان يظهر الحقيقة،لاء كمان عشان كمان عشان يحميك إنتي من أي شبهه أو كلام جارح…
ساعتها عرفت إن مشاعره ليكي صادقة، وإنه بيشوفك مش مجرد زوجة مستقبلية، لكن أمان وحلم وحياة.
كلمات باسل دخلت الى قلبها ،شعرت بسعادة مصحوبة بغصة قوية جعلت.. دمعة خفيفة لمعت في عينيها وهي تبتسم بخجل ممزوج براحة…
التفتت له قائلة:
مش يمكن وهم…وهو مخادع.
رد باسل بابتسامة مطمئنة نافيًا:
مش وهم يا درة، طوفان مش من النوع اللي يضحك على حد بمشاعر كدابه، ولو كان حبك ضعف في نظره، كان اختار يبعد، لكن هو اختارك بإصرار.
اتسعت ابتسامتها رغم ارتباكها، بينما قلبها يدق بشدة
كلمات باسل أيقظت بداخلها مشاعر حاولت وئدها خوفّ من الخذلان.
عادت من ذلك على مشاغبة طوفان وهو يُسلل أصابعه بين أصابعها يتشابك أيديهما معًا، نظرت نحو يده بتلقائية كانت يدها تضغط بقوة على يده ثم رفعت بصرها نحو وجهه وعادت تستفسر:
مردتش على سؤالي يا طوفان.
ضحك طوفان قائلًا بمشاغبة:
واضح إن جواب السؤال ده مهم أوي بالنسبة لك.
أومأت رأسها بتأكيد، فتنهد طوفان بتعب قائلًا:
بعد موت أبويا المفاجئ،إنه مكنش مريض وازمة قلبية فجأة كده تنهي حياته رغم عمره ما إشتكى من أي ألم بس ربنا بيسبب الأسباب زي ما أمي قالتلى وقتها لأني كنت مذهول،إزاي بكل الجبروت ده فى لحظة ينتهي ، ابوي كان شديد حتى فى إدارته لشؤون العيلة…يمكن أوقات بقول مكنش لهم غير كده… بعد وفاة أبوي، مكنش فى دماغي أمسك إدارة العيلة وأسيبها لخالي عزمي، بس للآسف خالي عزمي كل اللى يهمه الوجاهه، ومشاكل العيلة كبرت والحلول بقت صعبة، ولازم شد وحزم، العيلة بدأ يبقي لها خلافات مع عائلات تانية،وخالي عزمي بيحكم حسب مزاجه،بصراحة خوفت من مستقبل العيلة تتورط فى نزاعات،وقتها كلمني” الشيخ عرفة” وقالي يا طوفان العيلة بتتمزع وخالك هوائي مينفعش كبير عيلة، إنت اللى تنفع، وغصب واقفت، وكان لازم أبقي حازم وحاسم فى أي قرار أقوله، بصعوبة سيطرت على جماحهم وجمعتهم تاني تحت سيطرة قوية،إدارة العيلة مش زي أي إدارة ، هنا النفوس متقلبة، كل واحد ليه مصلحة، وكل كلمة بتتوزن بميزان حساس…
كنت بحس إن كل قرار باخده لازم يكون سيف قاطع، ولو اترددت لحظة، العيلة كلها هتتفتت…
أمي كانت دايمًا تقولي “خليك شديد يا طوفان، ده اللي هيخليهم يسمعوا كلامك”، وأنا عارف إن الشدة مش كفاية، لازم كمان يبقى في عقل وتخطيط…
خالي عزمي ما استحملش إني أخدت منه مكانة كبير العيلة، وفضل يحاول يبين إنه الأحق، بس الحقيقة إنه مجرد واجهة، يهتم بالمنظر قدام الناس، ومش فارق معاه الجوهر…
الشيخ عرفة كان دايمًا يقعد معايا، ينصحني
“الكبير مش بالشدة بس، الكبير اللي يعرف إمتى يقسى وإمتى يحن، لو فضلت ثاير طول الوقت هضيع اللي حواليك.”
وكلامه دايمًا بيرن في وداني كل ما أغلط أو أعنف حد زيادة… كمان
المصانع، الاجتماعات، مشاكل مع التجار، وخصومات العائلات… كله وقع فوق دماغي مرة واحدة…
بس جوايا كان في يقين أنا لازم أكون قدّها، ولازم أكمل الطريق اللي أبوي بدأه، حتى لو الثمن إني أفقد راحتي، أو جزء مني يضيع في وسط المعارك دي…
كمان شُغل المصانع، وأنا مكنتش أعرف عن الإدارة غير حاجات بسيطة إكتسبتها من الممارسة… كل ده خد وقت مني على حساب مشاعري الخاصة، وقتها إنتِ كمان كنت يادوب متخرجة من الجامعة، والوقت سحبنا من دون ما نحس.
جوابه كان مُقنعًا يُزيد الآسف والندم برأسها، وهي فسرت ذلك على هوا عقلها أنه إستسلم لرغبة والده وكلمات الحب الذي كان يُخبرها بها كانت مجرد كلمات فقط… لكن الحقيقة إن كل منهم فهم الموقف بشكل مختلف….
هي…رات إنه ضعف واستسلام لرغبة والده.
وهو يرا إن تضحيته كانت نوع من الوفاء والبر، وإن حبه لها ليس مجرد كلام لكنه واقع مكبل بالقيود…
كل منهم يحمل ألم مختلف…
هي ألم الخذلان والفقدان….. وهو ألم العجز.
لكن كان لابد لذلك أن ينتهي، وإنتهى… ضمها قويًا وهي تبسمت تضم نفسها إليه… عاود يُقبلها، وهي تستجيب، بداخله شعور مختلف اليوم بهذا المكان الذي كان سابقًا كـ خندق بهواء مسموم يخنقه…
….. الآن فضاء هادئ يهيم بين نسائمه الرقيقة المُنعشة للوجدان.
❈-❈-❈
قبل عِدة ساعات
بمنزل حاتم
إستغربت والدته حين رأته وهو يدخل الى المنزل يحمل جود بين يديه،
شهقت بخضة سائلة:
مالها جود، وجايباها هنا ليه.
نظر لوالدته قائلًا:
جود بخير ممكن توسعي وتطلعي قدامي تفتحي باب الشقة اللى فوق.
طاوعته وصعدت أمامه فتحت باب الشقة دلف خلفها وضع جود على آريكة قريبة من الردهة، نظرت له بدرية وعاودت الاستفسار، فرد عليها ببساطة:
أنا خطفتها، ومن فضلك مش عاوز مواعظ ولا تأنيب،ولا حتي نقاش دلوقتي.
شهقت بدرية وارتفعت يدها تلقائيًا على صدرها، قلبها يدق بقوة وهي تحدّق في وجه وجه حاتم غير مستوعبة ما قاله سائلة:.
إيه اللى بتقوله ده… خطفتها… إنت عقلك راح منك.
اقترب منها بخطوات باردة وصوته منخفض لكن نافذ:
– أيوه عاقل، وعارف أنا بعمل إيه كويس، وياريت بلاش تأنيب.
ارتجفت قلببدرية ما بين خوف على حاتم من من تهوره وبين قلقها من ناحية أهل جود، بالاخص طوفان… تحدثت لائمة:
اللى إنت عملته غلط و…
قاطعها حاتم:
غلط أو صح مبقاش قدامي طريق تاني خلاص.
أطبقت بدرية شفتيها، عقلها بين الانفجار بالصراخ أو التزام الصمت، لكن عينيها ما قدرتش تخفي رعبها:
إنت بتدخل نفسك في طريق ملهوش رجوع… و..
قاطعها مره أخري:
من فضلك يا ماما، ممكن تسبيني لوحدي مع جود، عشان خلاص البنج قرب مفعوله ينتهي وأنا عاوز أبقي أنا وهي على إنفراد.
حاولت بدرية الإعتراض والالحاح على حاتم، لكن لم يستمع لها، شعرت بخوف شديد… غادرت غصبً.
جلس حاتم على مقعد مُقابل تلك الآريكة، ينظر الى جود وملامحها الرقيقة، الهادئة، مثل شخصيتها، ذكريات تمُر وندم ينهش كيانه، لكن لن يستسلم ويتركها، هي مازالت تحمل مشاعر نحوه،
إعترض عقله:
لو كانت لسه فعلًا بتحبك مكنتش كل ما تقرب منها تصدك وتتعمد لومك وتذكيرك بفداحة ما فعلته معها ومقابلتك لمشاعرها بالجحود…
واعتراض آخر، أو بالأصح ما يتمني:
هي بتعمل كده عشان مجروحة
وبين الاعتراضات والافتراضات هو شئ واحد حقيقي جود أمامه وبالشقة التى جمعتهم سابقًا،ولن يتنازل عن عودتها له.
بدأت جود تفتح عينيها بغشاوة تشعر بصداع طفيف،رفعت نصف جسدها عن الآريكة … تفرك رأسها من الألم حتى إستوعبت وتذكرت آخر ما حدث، إنتفضت بغضب ونظرت أمامها، كم كانت بسمة حاتم بغيضة بالنسبة لها فى هذا الوقت، حاولت النهوض لكن شعرت بدوخة، ظلت جالسه، بينما حاتم اقترب منها بلهفه وحاول مساعدتها، نفضت يديه بقسوة قائلة بإستهجان وهي تنظر حولها:
إيه اللى جابني هنا، ده آخر مكان كنت أتمنى أرجع ليه،أنا لازم أمشي فورًا.
ارتكزت جود بإيدها على طرف الأريكة تستند عليها نهضت بصعوبة رغم تلك الدوخة التي تسيطر عليها. مدّ حاتم يده سريعًا لكنها صدته بنظرة صارمة قائلة بحدة.:
إوعى تلمسني، وإبعد عني كفاية، انا مش عاوزه مشاكل يا حاتم، طوفان زمانه عرف وأكيد رد فعله هيبقي قوي، انا مش خايفه عليك، أنا خايفة على أخويا، بسببك ممكن يتهور، أنا اللى سبق قبل كده شُفت بعيني إزاي ممكن يفقد عقله لو حد مسني بأذى.
تجمدت ملامح حاتم، ضاقت عينيههو يضغط على أسنانه:
عارف إن طوفان ممكن يقتلني من غير ما يفكر… بس ده مش هيمنعني…
هزّت رأسها بعصبية، وقاطعته دموع الغضب تلمع بعينيها:
لا يا حاتم المرة دي أنا مش هسمحلك تخليني سبب في دم تاني ممكن يتسفك… كفاية اللي حصل قبل كده… كفاية.
تقدم خطوة منها، نبرته مُشبعة بوجع دفين وندم:
وإنتِ فاكرة إني كنت عايز أذيكِ أنا… أنا كل اللي عايزه تبصيلي زي ما كنتِ قبل كدة،نظرة عينك كان كلها دفا، انا مش عدوك،يا جود وصدقيني انا ندمت على اللى حصل،كنت مشوش….إنتِ دلوقتي خايفة على طوفان من مجرد إنه يتأذي بسببِ، لو اتبدلت الاماكن وكنتِ مكاني وفجأة إنهارت كل حاجه حواليك… أخوكِ اللى المفروض فرحه بعد أيام،
حتى القانون مقدرش ياخد القصاص المظبوط القاتل طلع حُر طليق،… سبق وقولتيلي درة كانت أشجع مني، هي فعلًا كده، أنا
توقف يحاول كتم غصته يبتلعها بجوفه بمرارة قائلًا:
أنا ضعفت يا جود… معرفتش أكون زي درة، يمكن هي أشجع مني فعلًا، بس أنا… أنا كنت مجرد واحد تايه بين وجع وحقد وصدمة… كل يوم كنت بصحى وأحس إني مخنوق، مش قادر أتنفس، وألاقي صورت أخويا قدامي… والقاتل اللي عايش حياته عادي وأنا أخويا تحت التراب.
قرب خطوة صغيرة منها وهو بينظر الى عينيها برجاء:
إنتِ شايفة إني وحش… بس صدقيني، أنا كنت بني آدم مكسور، يمكن اتصرفت بغباء، يمكن ضيعتك ، لكن عمري ما كنت عايز أأذيك… أنا عايزك تفهميني، ولو للحظة واحدة، زي ما كنتِ قبل كده من غير ما أتكلم.
شد أنفاسه بمرارة وابتسم ابتسامة باهتة:
ندمي ده بيقتلني كل يوم… يمكن مفيش طريق أرجع بيه زي ما كنت، بس على الأقل خليكِ جنبي أرجوك… حتى كنوع من الإنسانية
قلبها بينبض بسرعة عاليه من التوتر، لكن صوتها خرج ثابت رغم الارتجاف :
إنسانيه…. كل ده مش مبرر يا حاتم على اللى عيشته معاك، شوفت جفا… عاوزني اتعامل معاك بإنسانية إزاي بعد ما كسرتني، جرحتني قدام نفسي… قدام الناس… مشكلتك إنك بتبرر لنفسك دايمًا إنك مظلوم، لكن عمرك ما سألت نفسك جرحت ولا لاء.
ارتعشت شفتيها وهي تكمل بنبرة غاضبة:
أنا كنت فعلًا مقدرة اللي مريت بيه… مقدرة وجعك، بس ده مكنش مبرر إنك تحوّل حياتي جحيم. إنت اخترت الطريق السهل… اخترت الانتقام بدل ما تواجه، واخترت إنك تغرق وتشدني معاك.
اتسعت عينيه من وقع كلماتها، ولم يعترضها ظل يسمع إستهجانها:
أنا مش هسامح بسهولة، ومش هقدر أشوفك زي قبل… يمكن يوم من الأيام ربنا يداوينا، بس دلوقتي… كل اللي بيني وبينك، حدود. ومهما حاولت…
سكتت لحظة، وهي تنصدم من حديث
حاتم الذي انهار يبوح بمرارة ودموع:
أنا تعبت يا جود… تعبت من إني أبان قوي وأنا من جوه ميت… إنتِ الوحيدة اللي كنتِ شايفاني، اللي كنتِ فاهمة أنا مين… ولما خسرتك حسيت إني خسرت آخر أمل يخليني بني آدم.
نظر لها من بين دموعه قائلّا بصدق :
أنا مش طالب تسامحيني دلوقتي… ولا حتى تبصيلي زي زمان. أنا بس… نفسي تفتكري إني مش عدوك، إني بني آدم وقع… وبيحاول يقوم.
وقفت جود متصلبة مكانها، قلبها يخفق بين غضبها وشفقتها، ما بين خوفها على طوفان وبين الذكريات التي تحاول مقاومنها… اتنهدت بوجع قائلة:
حاتم… مش عارفه إذا كان في يوم هقدر أصدقك تاني ولا لأ… بس دلوقتي، خلينا نقول إنك محتاج تواجه نفسك.
نظر لها حاتم بإحتياج…
بنفس الوقت بالأسفل، خفق قلب بدريه بهلع حين فتحت باب المنزل ووجدت طوفان امامها، لم ينتظر أن تسمح له بالدخول بل إقتحم المنزل سائلًا بغضب:
جود فين.
ظلت بدرية صامته، لكن شعرت ببعض من الإرتياح حين دخلت درة خلف طوفان… نظرت الى بدرية سائلة:
جود فين يا عمتي..
لم ينتظر طوفان الرد وصعد الى الأعلى كان باب الشقة مفتوحّ… بحث عن جود متلهفًا، حتى وقع بصره عليها توجه نحوها جذبها يضمها قائلًا:
جود إنتِ بخير الحيوان الحقير ده عملك إيه.
بمهادنه تفوهت جود برجاء
أنا بخير يا طوفان… خلينا نمشي.
وقع بصر طوفان على حاتم الذي يبدوا من ملامحه مهزوم، شعر بغضب من خطفه لـ جود
ابعدها عن حضنه وبلحظة اتجه نحو حاتم كانت لكمة قوية يتردد صوتها،ولكمة أخرى وأخرى ثالثه،وحاتم يتلقى الضربات بلا دفاع.
ربما لانه لا يود إثارة غضب جود،او السبب…أنه يستحق تلك اللكمات.
سريعًا توجهن جود ودرة نحو طوفان وقبل أن يلكم حاتم وقفن الإثنتين أمامه نظراتهن كفاية لجعله يهدأ ولو قليلّا…أنزل يديه،بينما إتجهت بدرية نحو حاتم تشعر بأسي وندم هي قد تكوت سببً فيما وصل إليه حاتم من خسارة فادحة، قسوتها على جود… كذالك معاونتها لـ ماهيتاب لتتسلل لحياة حاتم كي لا ينشغل بـ جود وتُسيطر على مشاعره…
ندم لكن بوقت خطأ…
غادر طوفان ومعه درة وجود التى رمقته بنظرة
ظاهرها… يكفي محاولات بلا جدوى، لكن في أعماقها شعور خفي لا يريد أن يفضحه كبرياؤها…
باطنها… مازال هنالك أمل لا تستسلم…
ضغطت على شفتيها تخنق غصة بداخلها، وكأنها تُعاقب نفسها قبل أن تُعاقبه…
أما هو فكان ، يُخفي تحت صلابته انكسارًا لم يعهده من قبل…
لم يكن يعرف،كيف يجر قلبه الممزق خلفه أم يهرب من لوم والده الذي جاء للتو، نظرة عينيه كافية عن الحديث بلوم… فلا داعي لذلك.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
صباحً
بالعيادة الطبية الخاصة بالثكنة العسكرية
حاول وليد تمثيل الألم وهو يحاول الإعتدال فى الفراش كنوع من التحية للقائد الذي إقترب من ذلك الفراش المُتكئ عليه…
نظر له القائد بصرامة سائلًا:
إيه اللى حصلك.
أجابه وليد:
إتزحلقت وأنا بجري ورجلي الشمال اتكسرت.
نظر له القائد رغم عدم تصديقه وحاول محاورته عله يُخطأ بالرد لكن وليد كان حريصً، تنهد القائد بزفر قائلًا:
تمام…
قاطعه وليد وهو يدعي الحرج:
حضرتك انا دلوقتي مُصاب، والمفروض أخد راحة لحد ما أعرف أدوس على رجلي، ممكن الأجازة دي أروح أقعد فى المنيا عند أهلي، يعني الرعايه هتبقي هنا زي هناك، بل هناك أفضل.
فكر القائد للحظات ثم وافق بمضض قائلًا:
تمام هوافق لك على أجازة أسبوعين لحد ما تفك الجبس.
انشرح قلب وليد، وظن أن الخِطة نجحت.
❈-❈-❈
مساءً
ببهو منزل طوفان… اعطي صغيره الى والدته وهو يبتسم لـ درة التى وصلت قائلة:
أنا جاهزة، خلينا نمشي عشان منتأخرش على ميعاد كتب الكتاب متنساش إنه هتبقي واحد من الشهود.
تبسم لها، كذالك وجدان تبسمت رغم شعور خفي بقلبها، لكن تفوهت بتمني:
عقبال ما تشوفوا كتب كتاب نوح وتخاوه كمان.
نظر طوفان نحو درة وغمز بعينيه، شعرت بالخجل من نظرة وجدان، لكن حايدت ذلك وقبلت وجنة صغيرها، أشار طوفان لها بأن تتقدم أمامه، غادر الاثنين نظرت لهما وجدان لا تعلم سبب لذلك الخفقان الزائد بقلبها… لكن همهمات الصغير جعلتها تنفض ذلك الاحساس.
❈-❈-❈
بعد وقت
بمكان قريب من منزل مرعي
ترجل وليد من تلك السيارة يستند على عكازين طبيين، وتوجه نحو منزل مرعي
بخطوات بطيئه، لكن توقف حين سمع أصوات الزغاريد تخرج من المنزل، سمع حديث إحد النساء تتحدث مع أخرى تسألها عن سبب الزغاريد:
ده كتب كتاب بنت مرعي الكبيرة الليلة،وطوفان بيه مهران هو اللى ادخل واتوسط للعريس، كمان هيبقي شاهد على كتب الكتاب، أم زينة قالتلى كده الصبح.
صدمة… بل إنهيار فى عقل وليد، انقبض قلبه وكأن أحدًا يعتصره بيديه،عقله غير مستوعب كيف خان مرعي الوعد الذي كان بينهما
زاد حقدًا وهو يرا طوفان يخرج من منزل مرعي وبصحبته تلك الحقيرة زوجته يبتسمان
تلك البسمة كانت مثل خنجر مُلتهب إخترق قلبه… ضعط على أسنانه يكاد ينكسر فكيه… يديه تشنجت حول العكازين، وهاتف بداخله يُحرضه لما لم تسفك دم طوفان وتلك الحقيرة التى تسير لجواره تبتسم، كأنها تراه وتتشفي به… شهقة غيظ حبست أنفاسه، عينيه جحظت بحمرة الغضب، اختزلت في لحظة الانتقام… لكنه فجأة شد أنفاسه ببطء، صوته الخافت خرج كزئير وحش جريح…
لكن لن يتنازل عن محاسبتهم جميعًا التى تأخر فيها، والبداية كسر قلب طوفان عن طريق تلك الحقيرة “درة”…
↚
بـ شقة إبتهاج
كان يُنفث دخان الأرجيلة ببطء، عينيه تنظر بالفراغ… لكن عقله مشغول بصوت ريان…
صرخاته كانت تمزق داخله قبل أن تشق هواء الغرفة… كل أنين ألم يصدر منه يُعيد إلى ذهنه حقيقة مُرة… لو لم تتوغل تلك السموم من جسد ريام ، ما كان سيصل إلى هذا الحال….
مفعول المسكنات يكاد لا يُعطي سوا مفعول ضئيل مقابل قسوة جروحه الغائرة… الألم يُنهش جسده كذئب جائع، يلتهمه بلا رحمة…
شعر بوخز قوي في صدره، خليط بين تأنيب الضمير وقهر العجز، رفع رأسه يتابع الدخان المتصاعد وكأنه يبحث في خيوطه الرمادية عن مخرج، عن لحظة سكينة تُنقذه من هذا الانهيار البطيء… لكن لا شيء سوى صدى صرخات ريان، يجرحه هو الآخر… ومنظره يُعاد برأسه ارتعشت يداه وهو يضغط على صدره بعنف، دخان الأرجيلة خرج متقطعًا ، حتى كاد يختنق به…
ألقى الخرطوم جانبًا ونهض مترنحًا، يتذكر
«قبل أيام
ازدادت حدة أنين ريان ، صار صوته يعلو كأن كل جرح في جسده يُصرخ من قسوة الألم…
والعجز.
صرخة شقت سكون الليل، صرخة كسرت صبره، جعلت قلبه ينقبض وكأن السكين قد غُرزت فيه هو…
اقترب منه بخطوات مضطربة، مد يده ليمسك بكفه البارد، يتمسك بآخر خيط بينهما، هامسًا بصوت مُختنق بالدموع:
استحمل… استحمل يا ريان، دلوقتي مفعول المُسكن يشتغل والألم هيخف.
صمت ريان لحظات لكن الألم لا يخف بل يزداد نهشًا،عاد يصرخ …
رائحة والدواء بالغرفة تخنق، ولا ألم ريان يهدأ… لحظة ذروة،لحظة وجع، لم يعد فيها للألم حدود ولا للدمع خجل… سالت دموع عزمي مثلما سالت دماء ريان من قسوة الألم والحركة، لم يعُد سوا طريق واحد
الاستسلام لقرار طوفان لابد من نقله لـ مشفي مُتخصص لعلاج الادمان، ربما يستطعون إنقاذه…
وقع على اوراق المشفي بما فيها قرار إخلاء المشفى لمسؤليتها لو زاد تدهور حالة ريان
»
سعل بشدة بعدما امتلأ المكان بمزيج خانق من دخان الأرجيلة… ارتعشت يداه وهو يضغط على صدره بعنف، دخان الأرجيلة خرج متقطعًا ، حتى كاد يختنق به…
ألقى الخرطوم جانبًا ونهض مترنحًا… بجسد هُلامي، حتى أنه لم يستطيع السير كثيرًا… وقع على احد المقاعد بالمكان، تسيل دموعه… غير مُنتبه لـ إبتهاج التي تقف بمكان قريب تُتابع ذلك تشعر بتشفي تلمع عينيها بشماتة،
بينما جذب عزمي هاتفه وقام باتصال قائلًا باندفاع:
ريان يا طوفان
أجابه طوفان: ريان الدكتور المسؤول عن حالته كل يوم بيبعت لى رسالة عن حالته بالتفصيل، هبعتلك رسالة النهاردة.
شعر عزمي بأسي قائلًا:
أنا عاوز أشوفه.
تنهد طوفان بمهادنة:
تمام يا خالي هتصل عالدكتور ولو سمح بالزيارة هرد عليك.
أنهى عزمي الاتصال وقام بقراءة تلك الرسالة التي وصلته مفادها أن شبه لا تقدُم فى حالة ريان تقدُم بطيء للغاية… ترك الهاتف، يشعر بوخزات قويه… لحظات وسمع صوت الهاتف، جذبه وقام بالرد على طوفان الذي أخبره:
الدكتور سمح إنك تزور ريان بكره وأنا هاجي معاك.
تنهد عزمي بشجن قائلًا:
تمام من بدري هستناك نروح القاهرة سوا.
توقف للحظات ثم تحدث بامتنان:
شكرًا لك يا طوفان.
أجابه طوفان:
الاهم دلوقتي ريان يعدي مرحلة الخطر يا خالي.
أمن عزمي على قوله قائلًا:
ان شاء الله، مرة تانية شكرًا يا طوفان.
اغلق عزمي الهاتف وضع رأسه بين يديه ضائع…
عادت تلمع عيني ابتهاج بشمت وتشفي وهي تهمس لنفسها بغضب وحنُق:
قال وأنا اللى قولت إنك الوحيد اللى هقدر من خلاله أنتقم من طوفان، طلعت إنت كمان تابع له.
زفرت نفسها بحقد تهمس:
لازم أشوف طريقة أتخلص منك فى أقرب وقت، مش هطلع من الجوازة دي بلا مكسب.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
أصبحت سامية تلوم نفسها وتغوص في دوامة مراجعة قاسية مع نفسها… بعدأن كانت متمسكة بفكرة بقاء ريان هنا، ظنت أن قربه منها أفضل،،، رفضت بقوة اقتراح عزمي و طوفان بسفر ريان إلى القاهرة والدخول لمستشفى مُتخصص يملك إمكانيات أكبر…
لكن امتثلت لقرارهم حين رأت وجعه يزداد وصراخه يمزق قلبها، يغمرها شعور مرير بالذنب… انعزلت عن الجميع، مزوية في منزلها قلبها يمتلأ بالألم … وليس ذلك فقط السبب بل تخشي نظرات منحولها… ا تتهرب من نظرات عيونهم، تخشى أن يقرأوا بداخلها ذلك الندم الذي يحرقها. لم تعد تملك القوة لتجادل أو تعارض، اصبح كل ما تريده أن ينجو ريان، حتى لو كان ثمن ذلك أن تعترف بخطئها…
بخضم تلك الدموع التي تسيل من عيونها… دلفت خادمة اليها قائلة بتردُد:
ست سامية… وليد بيه وصل للدار وطلع لأوضته.
ربما لوهلة خفق قلبها وهدأ وجع قلبها قليلًا، وجففت دموعها بيديها ونهضت سريعًا تتجه نحو غرفة وليد فتحتها بلا استئذان ترسم بسمة اشتياق، لكن سرعان ما خفتت بسمتها حين راته يقف مسنودًا على ذلك العكاز الطبي، إقتربت بلهفة سائلة باستفسار:
وليد إيه اللى حصلك إنت كمان، هي عين واعرة ورشقت فيكم إنتم الإتنين، طول عمرهم بيحسدوني إني خلفت صبيان.
تهكم وليد مستهزءًا:
هما مين دول اللى بيحسدوكِ.
وضعت يدها على كتفه قائلة بتفسير:
كتير بيحسدوني لحد عينيهم ما صابتك إنت وأخوك.
تهكم وليد بلا مبالاة قائلًا:
أخويا… أخويا إيه اللى جراله.
سردت له ماحدث مع ريان، لم يهتز وكانه لا يربط بينهم دم أخوة، تهكم مستهزءًا.. غص قلب سامية وسألته:
وإنت إيه اللى جرالك.
تهكم قائلًا:
عادى رجلي اتكسرت مش قصه، أنا جاي تعبان وعاوز أستريح.
غص قلبها من معاملة وليد القاسية كادت تتحدث لكن هو سبقها وتحدث بجفاء:
أنا مصدع من الطريق، عاوز أنام.
غص قلبها قائلة:
أخلى الخدامة تحضرلك الوكل.
رد بجفاء مصحوب بغضب:
قولت مصدع، سبيني عاوز أنام.
بإرتباك سكتت سامية، بلعت غصتها، وعينيها تلمع من الدموع وهي تحاول تتمالك نفسها. التفتت بخطوات بطيئة وهي تخرج من الغرفة، سابت الباب نص مفتوح كأنها لسه منتظرة يسمعها وينادي عليها. لكن وليد استلقى على الفراش، أدار وجهه للحيط متجاهل وجودها تمامًا.
خرجت ساميه تشعر كإنها غريبة داخل بيتها، قلبها يتلوى من قسوته، زاد الخذلان بداخلها وقفت في بالردهة للحظة، شردت في صورة ريان وهو يتألم، وفكرت كيف وليد أخيه لا يفرق معه رفعت إيدها تمسح دموعها تهمس بوجع:
إيه اللي جرالك يا وليد… ليه قلبك بقى حجر كده..
تهكمت باستهزاء:
ومنذ متى كان حنون، هو أخذ خِصال والده وأولها قسوة القلب.
بينما تمدد وليد على الفراش يزفر انفاسه يشعر بغصب ساحق، وتلك الأصوات تتردد الى أذنيه، وحديث تلك السيدتان كذالك صورة خروج طوفان وتلك اللعينة زوجته من منزل مرعي…
ازاد الغضب بداخله يتمتم لنفسه بوعيد:
مش هتمُر بالساهل يا طوفان، حسابك بقي كبير، أكيد الملعونة مراتك هي نقطة ضعفك وهي اللى هحسرك عليها قد حسرتي دلوقتي،كمان زينة هتفكر بكده إنها بعدت عن إيديا موهومة،ومرعي له معايا حساب لوحده.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
بمجرد ان دخلا الى الغرفة إستدارت وإقتربت منه رفعت يديها تُعانقه، إستقبل ذلك العناق بترحاب وضم خصرها مُبتسمً قائلًا بإستفسار:
يا ترا إيه سبب الحضن الجامد ده.
إبتسمت بدلال وهي تضع قُبلة على إحد وجنتيه…
اندهش قائلًا:
بوسه كمان، لا فى سر.
ابتسمت بدلال قاىلة:
هو لازم يكون فى سبب عشان أحضن جوزي وأبوسه.
ضمها أكثر يرفع يدها إلى شفتيه يُقبلها ببطء، ثم نظر في عينيها بعمق وقال بنبرة مليئة بالدفء:
لا طبعًا، بس أنا بحب أعرف السبب عشان أفرح بيه أكتر.
تنهدت بعشق وهي تسند رأسها على صدره قائلة بصوت واهن:
مفيش سبب غير إنى…
ابتسم بحنان، شدها إلى صدره أكثر وقاطعها يهمس في أذنها:
غير إنك إيه…
رفعت عينيها إليه بلمعة حب، ابتسمت قائلة بدلال وخباثة:
غير إني لازم اروح اوضة طنط وجدان عشان أجيب منها نوح.
ضحك بخفة، ثم حملها بين ذراعيه متجهًا نحو الفراش، وهو يهمس مازحًا:
مش وقت نوح خالص، أنا مش عاوز إزعاج.
ضحكت بدلال لكن فجأة شعرت بنغزة أصابت قلبها وارتعش جسدها، لاحظ طوفان تلك الرعشة وضعها بالفراش ثم إنضم إليها يضمها، نظرت له بتأمُل لحظات ثم قامت بحضنه، تبسم قائلًا:
أنا بقول نسيب نوح مع الحجة وجدان ونستغل الليلة فى…
توقف يغمز عينيه بوقاحة، ثم قال:
خصوصً أنا مسافر بكرة القاهرة ومحتاج جرعة غرام.
لوهلة خفق قلبها، وسألته:
وهتغيب هناك.
كان رده:
ممكن أرجع بكرة المسا لو خلصت المهمه اللى رايح عشانها.
-ويا ترا ايه هي المهمة اللى ظهرت فجأة كدة.
قالت ذلك بإستفسار فأجابها:
لو المهمة خاصة بيا كنت قولت لك، لكن..
قبل أن يستكمل حديثه، تمايلت برأسها ونظرت له بتركيز وعينيها تضيق بفضول وتحدثت بنبرة جادة:
لكن إيه يا طوفان؟ ، أنا حاسة إن في حاجة مش طبيعية… بالذات بعد مكالمة خالك لك واحنا فى الطريق
ابتسم ابتسامة مرح ومد يده يلمس خدها برفق قائلًا بمزح:
كنتِ مركزة اوي يا دكتورة… ده يعتبر تصنت
ضحكت درة قائلة:
لا مش تصنت، يلا قولي إيه سر المهمة.
أجابها بتوضيح، عن سوء حالة ريان.. زفرت نفسها بآسف:
للاسف دي نهاية التربية الغلط والاستهتار والدلع الزايد،
واحد مدمن والتاني مش بس قاتل لاء كمان قذر وعاوز ينتهك حُرمة بنت غلبانه،وفكر انه ممكن يشتري مُتعته منها بشوية فلوس يطمع بيهم مرعي ويبيع بنته زي ما عمل قبل كده وشهد زور واتسبب فى ضياع حق بابا،بس ربنا مش هيسيبه وعقابه جاي،و وليد كمان عقابه جاي.
شعر طوفان بالريبة قائلًا:
قصدك إيه يا درة…
توقف ثم استطرد حديثه بحسم قائلًا:
درة إحنا إتفقنا بلاش تتصرفي من دماغك كفاية،دلوقتي بقي عندك ولد.
نظرت له بغضب قائلة:
قصدك ايه،أنا مش مجرمة يا طوفان،وعارفة كويس إن بقي عندى ولد وبخاف عليه،وإطمن زي ما وعدتك مش هتصرف بعيد عنك…هقوم أغير هدومي وأروح لـ طنط وجدان أجيب نوح منها
شعر طوفان بغضب درة تنهد بآسف وقبل أن تنهض جذبها عليه تذمرت من ذلك قائلة:
لو سمحت سيني خليني…
قاطع حديثها وضم شفتيها بقُبلة مُتملكة بالشغف،فى البداية تمنعت لكن سُرعان ما ذابت بين يديه تحولت القُبلة الى مشاعر ترجمتها بصيغة عشق.
بعد وقت، ضم طوفان جسد درة بين يديه وهمس جوار أذنها بصدق:
بحبك يا درة ولحد آخر نفس فيا هفضل أحبك.
خفق قلبها بقوة،وشعرت برجفة رفعت رأسها ونظرت لوجهه رفعت إحد يديها وضعتها على وجنته تربت بحنان قائلة:
وأنا بحبك يا طوفان، بس بلاش طريقتك دي فى الكلام.
ضحك طوفان سائلًا:
طريقة إيه، قصدك كلمة آخر نفس فيا، متقلقيش يا حبيبتي، مش بيقولوا الحب بيطول العُمر.
وضعت رأسها على صدره وجذبت يده تضم أصابعه بين أصابعها قائلة:
هنعجز سوا يا طوفان، ونحكي لولادنا كل اللي مرينا بيه سوا.
ضمها لصدره يضع قُبلة فوق رأسها، أغمض عينيه سُرعان ما غفي، كذالك هي
سكنت لحظة وهي تستمع لدقات قلبه،تشعر بشعور غير مفهوم… ضمت نفسها له بقوة كأنه تود الالتصاق به.
❈-❈-❈
صباخً
فتحت عينيها على مُشاغبات وقُبلات طوفان، تبسمت وهي مازال النعاس يُسيطر عليها، رفعت يدها بكسل لتصد وجهه لكن ابتسامتها كشفت رغباتها فى دلاله… همس عند أذنها بصوت عابث:
صباح الخير يا درتي.
ابتسمت وهي تغمض عينيها من جديد، متوسدة ذراعه:
يا طوفان… سيبني أنام شوية، لسه بدري.
ضحك طوفان ومازال يشاغبها..
تململت بين ذراعيه محاولة أن تُفلت منه، لكنه أحكم حصاره ، وهمس بضحكة صغيرة:
ولا تحلمي… إنتي أسيرتي.
فتحت عينيها نصف فتحة، نظرت له نظرة مُدللة وهي تقول بنعاس:
ـطب ومين قالك إني راضية بالأسر.
اقترب أكثر، قبل جبينها ثم أنفها بخفة، وكأنه يُعاقبها بمزيد من القُبلات:
راضيه غصب عنك لأنك بتحبينى.
قهقهت بخفوت وهي تخفي وجهها في صدره:
طوفان، إنت جننتني.
شد ذقنها برفق ليلتقط نظراتها من جديد، صوته هبط جادًا لكن ما زال مفعمًا بالحنية والأشواق ويُلقي على أذنها همسات عشق ذابت بين يديه.
بعد وقت وقفت أمام تلك المرآة تلف وشاح رأسها، تبسمت حين إنعكس صورة طوفان وهو يقف خلفها يُهندم ثيابه تحدثت بعتاب قائلة:
دلوقتي هقول لـ طنط وجدان إيه، نسيت أبني عندك.
صحك وهو يضع يديه يضمها من الخلف، يضع رأسه على كتفها قائلًا:
متقلقيش يا حبيبتي، أكيد الحجة وجدان مبسوطة بحفيدها وهتقولك هاتي لى واحد كمان غيره.
إستدارت درة ولم تبتعد عن يديه.. تنظر له قائلة:
ليه بحس إن دي رغبتك قبل رغبة طنط وجدان.
ضحك وهو يجذبها له أكثر قائلًا:
عاوز يبقي عندى أولاد كتير،مش عاوز نوح يبقي وحيد زيي.
تمايلت بدلال قائلة:
طب إنت مكنتش وحيد جود أختك.
ابتسم قائلًا:
فى فرق تسع سنين بيني وبين جود…أنا مش عاوز يبقي بينهم فرق كتير وبقول سنة كفاية.
شهقت درة قائلة:
سنة…لا إنسي مش قبل خمس سنين عالأقل.
ضحك قائلًا بتصميم:
هنشوف الموضوع ده لما أرجع من القاهرة.
أنهى قوله بوضع قبلة على وجنتيها ثم شفتيها
ضحكت بدلال تستقبل قبلاته،حتى فصل شفتيه عن شفتيها إلتقطت نفسها قائلة بحشرجة صوت:
كفاية يا طوفان خلينا ننزل انا مكسوفة هبص فى وش طنط وجدان إزاي، هتقول عليا إيه.
ضحك طوفان وهو يمسك يدها مُبتسمً، غادرا الغرفة…
بعد قليل كانت درة تقف جوار سيارة طوفان الذي نظر حوله ثم ابتسم ووضع قبلة على وجنة صغيره وقبلة أخري على وجنة درة، ثم صعد الى سيارته مُغادرا…
عادت درة للداخل بصغيرها لم تنتبه الى ذلك الثعلب الحقير وليد الذي رأهما من شرفة منزل عزمي… شعر بغضب ساحق هامسً بحقد:
لازم العسل ده ينتهي، كُتر أكل العسل بيموع النفس يا طوفان والانتقام هيبقي بنفس طريقو الحرمان يا طوفان.
❈-❈-❈
بالقيادة العامة للشرطة
ادي حاتم التحية العسكرية للقائد الأعلى الذي تبسم له قائلًا مباشرةً:
مش كفاية راحة بقي يا سيادة الضابط وترجع في مهمات متأجلة وحان وقتها.
شعر حاتم بغصة هو ظن أن بتلك الفترة سيسترد جود لكن برغم اختطافه لها وتقديم اعتذارات كثيرة لكن هي لم تصفح عن خطأوه بحقها،الآن عليه العودة للعمل ربما ذلك يصرف عقله عن احساسه المؤسف تنهد بامتثال قائلًا:
أنا جاهز يا افندم.
ابتسم القائد قائلًا:
تمام في عملية مهمة فى الجبل مطاريد خد الملف ده فيه كل المعلومات عن الجبل وكمان خريطة للمكان، العملية هتم فجر بكرة نسق مع زمايلك فى المنطقة اللى فيها المكان،كمان محدش من العساكر يعرف ميعاد تنفيذ العملية مش عاوز الخبر يوصل لقطاع الطرق هناك،عنصر المفاجأة مهم.
أخذ الملف من يده قائلًا:
تمام يا أفندم.
أخذ الملف وغادر، عاد الى منزله دلف، بالردهة، استفبلته بدرية، شعرت بغصة من سأم ملامحه…جلس لوقت ثم ذهب الى غرفته غاب قليلًا وخرج بحقيبة صغيرة… نظرت بدرية الى تلك الحقيبة اندهشت من ذلك، تلك الحقيبة كانت خاصه بالمأموريات… نظر لها قائلًا:
أنا مسافر وان شاء الله هرجع بعد يومين.
استغربت من ذلك سائلة:
هتسافر فين.؟ الشنطة اللى معاك دي مش كنت بتاخدها لما تطلع مأموريات.
أجابها بتبرير:
هي فعلًا…
قاطعته بسؤال:
مش إنت موقوف عن العمل.
أجابها:
من فضلك يا ماما أنا مش قادر أوضح ولا اتكلم لازم أمشي دلوقتي،إدعي لى.
وقفت عقلها مذهول وغير مستوعبة للحظات قبل أن تشعر بوخزات مؤلمة فى قلبها،من حال حاتم الذي وصل إليه،وهي كانت جزء من ذلك…لكن لن تظل تقف بلا رد فعل،حسمت الأمر ستذهب الى جود.
❈-❈-❈
بالوحدة الزراعية
دلف باسل إلى غرفة زيدان الذي استقبله بحفاوةٍ بالغة، صافحه بحرارة وأجلسه بجانبه، ثم انشغلا سويًا في حديثٍ طويل عن شؤون الزراعة، تبادل فيه زيدان إعجابه بخبرة باسل رغم صِغر سِنّه، وكان يُثني على أفكاره يرى فيه صورة شاب واعد سيحمل على عاتقه مسؤوليات كبرى.
قُطع الحديث على صوت طرقٍ خفيف على الباب.
رفع زيدان رأسه وأذن بالدخول.
فتحت الباب سجى، تحمل ابتسامة رقيقة تُضيء ملامحها، لكن ما إن وقع بصرها على باسل مع والدها… خفق قلبها، واحمرّ وجهها خجلًا، فتلعثمت في تحيتها قائلة:
مساء الخير يا بابا…
بادلها باسل بنظرو مُبتسمً… ثم انحنى برأسه بابتسامة احترام. أما زيدان، فقد لمَح ارتباك ابنته، لكنه آثر الصمت مبتسمًا، يعلم خجلها… كذالك… اهجب برقي نظرات باسل… كذالك حديثه المهذب.
❈-❈-❈
مساءً
بمنزل طوفان
كانت وجدان تجلس على الفراش تنظر إلى حفيدها الذي يُهمهم بسعادة، تبسمت حين مد يديه الصغيرتين نحوها يود مشاغبتها له…ابتسمت اقتربت منه حملته بين ذراعيها، تُقبل وجنته الناعمة هامسة بحنو:
يا روح تيتا.. إنت اللي منور دنيتي.
كأنه فهمها وبدا يهمهم بسعادة اكثر، تبسمت هي الاخري بسعادة يخفق قلبه
تشعر كأن بسمة ذلك الصغير تمحي تعب السنين… يذوب أمام ضحكته، وأن عمرها عاد يزهر من جديد وهي ترى ملامح طوفان تُعاد فيه. استندت بظهرها على الوسادة تراقب أنفاسه البريئة كأنها أنغام تهويدة تُعيد لقلبها الطمأنينة.
نظرت نحو باب الغرفة بعدما سمحت للطارق ان يدخل، تبسمت لـ درة التى دخلت تُلقي السلام ثم جلست جوار وجدان على الفراش
تبسمت وهي تأخد منها نوح الذي أظهر عدم رغبته بترك حضن وجدان وبدأ يزوم…ضحكن الاثنتين على ذلك،تحدثت درة بمرح:
ده نسيني خالص…. طبعًا إنت قاعد طول الوقت فى حجر الحجة وجدان وانا مهمتي إنتهت كده.
تبسمت وجدان قائلة:
بسيطة خاويه بأخ او أخت غيره.
خجلت درة قائلة:
نفس اللى بيقوله طوفان.
غمزت وجدان قائلة:
وانا من رأي طوفان.
خجلت درة وسعلت،انقذها رنين هاتفها،نظرت للهاتف ثم تبسمت قائلة:
إبن الحلال زي ما يكون عرف اننا بنتكلم عنه.
ابتسمت وجدان ومدت يدها أخذت نوح قائلة:
هاتي نوح وكلميه براحتك.
ابتسمت درة،وقامت بالرد عليه، سمعت بعض كلمات العشق والغزل، مما إضطرها لقولها:
أنا قاعدة مع طنط وجدان، نوح مش عاوز يسيبها، لما خدته منه قعد يزوم مسكتش غير لما راح لها تاني.
ضحك طوفان وتبادل الحديت معها، الى ان سألته:
لسه كتير على ما توصل.
تنهد طوفان بارهاق قائلًا:
للآسف هبات هنا فى القاهرة وهرجع بكره آخر النهار.
شهقت درة بقلق سائلة:
هتبات ليه.
أجابها:
شغل ظهر فجأة، ان شاء الله هرجع بكره آخر النهار.
حين سمعت وجدان سؤال درة لا تعلم لما فجاة شعرت بقبضة فى قلبها…
انتهت درة من الاتصال نظرت لـ وجدان قائلة:
طوفان لسه فى القاهرة هيبات هناك.
مازالت تشعر بنفس الانقباضة فى قلبها لكن تبسمت بهدوء قائلة:
يرجع بالسلامه.
نظرت درة الى صغيرها قائلة:
نوح بيتاوب، هاخده ونروح ننام.
ابتسمت وجدان رغم انقباضة قلبها وتركت لها الصغير أخذته وغادرت… بدأت الظنون تتلاعب برأسها، لكن نفضت ذلك عن راسها ونهضت تتوضأ ثم جلست تقرأ القرآن الكريم، تحاول ابعاد تلك الظنون…
كذالك درة وضعت صغيرها على الفراش للحظات يخفق قلبها سريعًا تشعر بزيادة فى ضربات قلبها وبعض الاحساس السئ… لكن حاولت نفض ذلك بالعبث مع صغيرها.
❈-❈-❈
بغرفة جود
كانت تسهر غارقة في تفاصيل رسم لوحتها، مندمجة لدرجة أنها لم تشعر بالوقت، حتى قطع ذلك الاندماج صوت رنين هاتفها معلنًا وصول رسالة جديدة.
تركت الريشة جانبًا ونهضت بخطوات متثاقلة نحو الطاولة، التقطت الهاتف ونظرت إلى الشاشة، فزفرت بضيق حين لمحت اسم “حاتم”.
كعادتها، كادت تحذف الرسالة دون أن تفتحها، غير أن استلامها لرسالة أخرى في التو، وهذه المرة صوتية، أثار استغرابها…
ترددت قليلًا قبل أن تضع إصبعها على زر التشغيل…
انطلق صوته من الهاتف، متهدجًا، يحمل بين طياته الندم:
“جود… يمكن أكون آخر شخص تتمني تسمعيه دلوقتي، بس والله مش قادر أسكت بعترفإنى غلطت، وغلطتي دي بدفع تمنها كل ثانية… … سامحيني. أنا مش عدوك زي ما بتفتكري.”
تجمدت مكانها، يداها ترتعشان، حاولت أن توقف التسجيل لكن الفضول شدها لتسمعه حتى النهاية…
وما إن انتهى، حتى أغلقت الهاتف بعصبية وضغطت على زر القفل بعنف، كأنها تحاول أن تطرد صوته من رأسها. ومع ذلك، تسللت من بين شفتيها همسة واهنة:
ليه دلوقتي يا حاتم… ليه.
لكن عادت تتردد كلمة واحدة برأسها
“سامحيني”
ماذا يقصد، عادت تسمع الرسالة مره أخري هذه المرة كان صوته مختنق ليس بالدموع بل بالضياع، كذالك تسمعت بعض الأصوات من حوله،تداخلت مع صوته، وهنالك صوت واضح
يقول:
“تمام يا أفندم القوة جاهزة للهجوم”
تحير عقلها كيف ذلك، أليس موقوفً عن العمل… شعرت بخفقان تلاه انقباضة بقلبها.
❈-❈-❈
بعد ظهيرة اليوم التالي بالقاهرة
أمام المقر الخاص لـ طوفان
ترجل من سيارته، لم يكد يخطو سوى بضع خطوات حتى دوى صوت محرك سيارة تقتحم المكان بسرعة جنونية… انخفض الزجاج الجانبي بلمح البصر، لتنطلق منه فوهة سلاح، ومعها زخات الرصاص تمزق صمت اللحظة. رصاصة باغتت الجميع وأسقطت أول الضجيج أرضًا، وأخرى اخترقت هدفها بدقة قاتلة.
تعالى الصراخ، وتبعثر الحرس بين ارتباك وردة فعل، لكن قبل أن يُحكموا السيطرة أو يردوا بإطلاق النار، كانت السيارة قد اندفعت هاربة كالشبح، تاركة وراءها غبارًا كثيفًا بعدما وصل الى هدفه ورأي طوفان يجثو أرضًا ينزف.
↚
قبل ساعتين،في مصحةٍ نفسية خاصة، داخل غرفة عزل مُهيأة بدقة، تُشبه غرف العمليات لكن بفرش مُخصص، يتوسطها سرير ثابت تُحيط به قيود جلدية قوية مُبطنة بقماش ناعم كي لا تُجرح جسد المريض.
سالت الدموع من عينا عزمي رغمً عنه حين وقعت نظره على ريان المُقيد من يديه وساقيه بالفراش،، ظن فى البدايه أنه غارقً في النوم… لكن ما إن مد يده ليمسح على رأسه حتى فتح ريان عينيه باتساع، يحدق فيه بتوسل، وصوته المرتعش يتقطع برجاء:
بابا… أرجوك، خليهم يفكوا إيديا ورجليا… جسمي بيوجعني أوي… خليني أخرج من هنا، أنا أعرف مكان أجيب منه علاج يريحني… بابا… بابا…
كانت كلماته أشبه بهذيان ممزوج بالألم، رجف قلب عزمي بأسى، وكاد بالفعل أن يمد يده ليفتح إحدى القيود… لكن توقف فجأة حين دلف الطبيب إلى الغرفة وتحدث بتحذير:
أوعي تفك القيود …
تجمدت يد عزمي في مكانها بعد تحذير الطبيب، خطوات الطبيب الواثقة كسرت حالة التردد التي سيطرت على قلب الأب لدى عزمي… تقدم الطيب بهدوء نحو السرير، نظر أولًا لـ ريان الذي ما زال يردد برجاءٍ متقطع:
ـ بابا… خليني أخرج…
رفع الطبيب نظره إلى عزمي، بصوت حازم يحمل طبقة من الاطمئنان:
سيد عزمي ممكن تخرج لو سمحت بارة الأوضة … رجاءً ما تضعفش دلوقتي، هو محتاج يبقى تحت الملاحظة… أي محاولة لفك القيود في الحالة دي خطر كبير عليه.
ابتلع عزمي غصته، نظر لابنه بعينين دامعتين، وصوته مبحوح:
ـ ده ابني يا دكتور… شايفه قدامي بيتعذب ومش قادر أعمل له حاجة.
اقترب الطبيب أكثر، وضع يده على كتف عزمي بثبات:
أحيانًا الرحمة الحقيقية إننا نستحمل ضعفه قدامنا، من غير ما نسيبه ينهار أكتر… إحنا هنا علشان نساعده، مش نعذبه.
لكن صرخة ريان قطعت حديث الطبيب وهو يجذب القيود بجنون:
سيبونييي… جسمي كله بيوجعني… أنا عايز الجرعة دلوقتي.
ارتجف قلب عزمي للحظة، شعر كأن جدار الغرفة يطبق على صدره، بينما الطبيب يطلب من الممرض الذي دلف:
حقنة مهدئة بسرعة.
في تلك اللحظة ، بدأ ريان يصرخ ويقاوم بعنف، تراجع عزمي للخلف، يضغط كفه على فمه كي يكتم شهقته… لم يحتمل رؤية ولده يتلوى وسط القيود والدموع تسيل من عينيه. التفت بخطوات متعجلة وخرج من الغرفة قبل أن يخذله قلبه ويمنعهم.
بمجرد أن خرج الى الممر ذهب نحو طوفان الذي يقف بالممر يُتابع ما يخدث بالغرفة عبر ذلك الزجاج الخارجي للغرفة شعر بالأسي على خال ريان،وبالأسف على حالة عزمي الانهزامية،صدمة قاسية له لكنه فاق متأخرًا، انهار عزمي جالسًا على احد المقاعد بالممر، أسند ظهره إلى الحائط البارد ودفن وجهه بين كفيه… شهقات مكتومة كانت تخرج منه، كأن صدره يضيق بكل ما يحمله من عجز ووجع.
اقترب طوفان منه وجلس لجواره… صامتً لم يقدر على مقاطعته… ظل عزمي في مكانه، عينيه محمرتان، رفع رأسه ينظر لـ طوفان يردد بصوت مبحوح يكاد لا يُسمع:
ـ ده ابني… ابني اللي ربيته… ليه وصل للطريق ده.
تنهد طوفان آسفً ود القاء اللوم عليه فعن أي تربية يتحدت، رأف بحالته الانهزامية، فى نفس الوقت
أصوات صراخ ريان والضجيج ما زالت تتسرب من خلف الباب، تمزق قلب عزمي أكثر. رفع رأسه أخيرًا، زفر بمرارة، وتمتم وكأنه يعاهد نفسه:
مش هستسلم يا طوفان، ريان لازم يخف.
اومأ له طوفان قائلًا:
ان شاء الله يا خالي
بعد دقائق بدت كأنها دهور، انخفضت الأصوات تدريجيًا خلف باب الغرفة حتى خيّم الصمت فاق عزمي من دوامة ألمه على صوت فتح الباب وظهور الطبيب… كان وجهه هادئًا، لكن عينيه تخفيان تعبًا اعتاده من مثل هذه الحالات.
اقترب الطبيب وجلس بجانب عزمي على المقعد الخشبي في الممر، ترك مساحة صمت قصيرة قبل أن يقول بنبرة رصينة:
هو خلاص نام… الحقن المهدأة بدأت تأثر فى جسمه صحيح بشكل ضعيف ولوقت قصير، بس دي البداية.
لم يرد عزمي، ظل يحدق في الأرض بعينين زائغتين. تنهد الطبيب وتابع:
عارف إحساسك كويس كـ أب… بس لازم تصدق إن اللي بنعمله في مصلحته… ريان مش في مرحلة يقدر يتحكم في نفسه، وأي ضعف منك دلوقتي هيرجعه ورا… سبق وإتكلمت مع طوفان وشرحت له الحالة بدقة وأنها هتاخد وقت، للآسف بسبب الجروح اللى جسمه زودت قسوة الإحساس بالألم عنده.
رفع عزمي رأسه ببطء، عيناه محمرتان ووجهه شاحب:
أنا حاسس إني السبب… يمكن قصرت معاه… يمكن لو كنت جنبُه أكتر ما كانش ده حصل.
هز الطبيب رأسه بهدوء:
للآسف إحنا فى زمن لازم ننتبه على أفعال أولادنا،لأن بقي كل شئ سهل ومباح…مع ذلم الإدمان مرض، مش مجرد غلطة… وإحنا محتاجين نقاومه سوا، خطوة بخطوة. الدعم الحقيقي منك دلوقتي مش في فك قيوده… لكن في صبرك وثباتك جنبه.
أخفض عزمي وجهه قليلًا، ثم مرر يده على وجهه وكأنما يحاول يستجمع نفسه، وتمتم بصوت خافت:
هحاول… علشان هو ابني، ومش هفرط فيه.
ابتسم الطبيب ابتسامة قصيرة تحمل شيء من التعاطف:
ده بالظبط اللي محتاجه منك الفترة الجايه.
بتلك اللحظة شعر طوفان بالأسي، تذكر طفله وعقله لوهله فكر وقارن بين سامية زوجة خاله ودرة زوجته
زوجة خاله امرأة متعالية متغطرسة تظن أن الحنان هو في الإنفاق بلا حساب..ولا إهتمام عكس
درة قد تُدلل لكن بحساب لن تُفسد، فليس كل الدلال إفساد.
على التفكير بها إشتاق إليها هي وصغيره، تجنب بعيدًا وقام بالاتصال عليها… خفق قلبه حين سمع صوتها تتحدث بدلال سائلة:
قولي راجع النهاردة ولا هترجع تتصل المسا تقولي عندي شغل لسه مخلصش.
ضحك قائلًا بمزح:
أنا بقيت كتاب مفتوح للدرجة قدامك عارفة كل أعذاري قبل ما أقولها.
أجابته بدلال أعمق:
ما هو أنا حافظاك أكتر من نفسك… قولي هترجع إمتى.
تنهد مبتسمًا، يحاول يخفي اشتياقه:
طب يرضيك قلبي يفضل يولع شوق وأنا بعيد عنك
تبسمت وهي ترد بخفة:
يرضيني ترجع بسرعة وتخلي الشوق ده قدامي مش في التليفون.
ضحك قائلًا بمغزي:
يعني إنتِ عاوزاني أرجع أمتي.
-دلوقتي.
قالتها درة فضحك طوفان قائلًا:
صعب، بس أنا راجع المسا جهزي نفسك وتسربي نوح… مش عاوز إزعاج.
ضحكت قائلة:
بسبب نوح بقينا مفضوحين يا حبيبي، فهموا إحنا بننساه معاهم ليه.
ضحك قائلًا:
وهو في إيه أحلى من إنهم يعرفوا إنك ليا.. خليهم يفتكروا زي ما يحبوا، المهم إني هرجعلك الليلة ونسيب الدنيا كلها برا الباب.
ابتسمت قائلة:
متقلقش هترجع تلاقينا أنا ونوح بنستناك.
ضحك لكن قبل أن يرد لاحظ اشارة الطبيب له فأنهي الحديث معها قائلًا:
تمام أنا راجع المسا، هقفل دلوقتي وأشوفك المسا.
أغلق الهاتف وعاد يتوجه نحو الطبيب وعزمي، لم يشفق عليه للحظات وهو يستمع لشرح الطبيب عن مشوار علاج ريان سواء الجسدي او العلاج من الإدمان، حتى إنتهي الطبيب وغادر، كذالك هو وعزمي غادرا المشفى… بالطريق تحدث طوفان:
أنا رايح مقر الشركة هنا هخلص شوية أشغال وراجع المنيا المسا.
بإنهزام تحدث عزمي:
خدني معاك ونرجع سوا.
أومأ له طوفان، كان يود قول بعض كلمات المواساة والتحفيز، لكن عزمي يستحق اللوم والعتاب… بينما غرق عزمي في صمته، والندم يعصف بداخله ، بينما طوفان عاود طوفان النظر للطريق، بداخله تصميم إن تخاذل عزمي وإستسلن، هو لن يستسلم ولن يترك ريان يضيع.
….. ….. ….
بعد قليل وصلا إلى مقر الشركة، وبمجرد أن توقفت السيارة وترجلا منها، بدأ اطلاق الرصاص المفاجئ نحو طوفان…
ارتبك عزمي من صوت الرصاص، اندفع لا إراديًا باتجاه طوفان محاولًا الاحتماء بخلفية السيارة، لكن رصاصة غادرة اخترقت منتصف ظهره، وأخرى استقرت في ساقه، فتمدد على الأرض متألمًا.
بينما طوفان… أصابته رصاصة في كتفه، ولولا اندفاع عزمي لكان هو من تلقى الرصاصتين القاتلتين. لحظة واحدة كانت كافية ليجد نفسه منحنيًا على عزمي في محاولة لحمايته، في نفس الوقت الذي استنفر فيه حرس المقر…
لكن السيارة المجهولة التي ظهرت كالشبح، لاذت بالفرار سريعًا، ورغم أن بعض الرصاصات اخترق جسدها المعدني، لكن لم يتمكن أحد من إصابة الإطارات، فاختفى المهاجمون كما جاؤوا، تاركين خلفهم صدى الرصاص والدماء التي تسيل على أرض المقر…
تنحى الأمن عن الارتباك الأولي، وانطلقوا بسرعة نحو طوفان وعزمي، أصواتهم تتعالى بالأوامر:
إسعاف حالًا.
ركض اثنان منهما ليشكلا ساترًا أمام طوفان، بينما انحنى آخران لمساعدة عزمي الذي كان يتنفس بصعوبة والدماء تسيل بغزارة من ظهره وساقه…
رفع طوفان صوته رغم الألم، آمرًا:
خالي عزمي، انقذوا خالي.
حاول أحد الحراس رفعه لكنه صرخ متألمًا، فاستدعوا فورًا حقيبة الإسعافات، ضغط أحدهم على جرح الساق ليوقف النزيف، فيما تولى آخر لف الكتف المصاب لطوفان بقطعة قماش ميدانية حتى
وصلت سيارة الإسعاف التابعة للمقر بعد دقائق بدت كأنها دهر، بسرعة صعد طوفان خلف عزمي جلس معه… وسط أصوات الإنذارات وتعليمات الأمن المنتشرة لتأمين المكان…
برغم إصابة طوفان لكن حاول الاهتمام ب’ عزمي داخل سيارة الإسعاف، أمسك بيده الملطخة بالدماء قائلًا لأحد المُسعفين بنبرة امتزجت بالغضب والخوف:
هو ليه سكت.
أجابه المُسعف:
اطمن حضرتك النبض موجود بس ممكن يكون بسبب النزيف المصاب دخل فى غيبوبة مؤقته، كلها دقايق وهنوصل المستشفى .
بينما العربة تشق طريقها بصوت صفارتها، كان الحرس يطوقون المكان، والكاميرات تراجع، والعيون تترقب بداية خيط قد يقود إلى هؤلاء المجرمين.
بينما وصلت سيارة الاسعاف الى مشفي قريب ترجل طوفان على قدميه،بينما حمل المُسعفين عزمي على فراش نقال وعلى الفور ذهب الاثنين لغرفة العمليات.
❈-❈-❈
بمنزل كريمان
إستقبلت درة بالأحضان ثم أخذت الصغير منها تُقبله قائلة:
حبيب ناناه واحشني كتير.
ابتسمت درة قائلة:
ده هما يومين بس اللى غابهم عنك.
ضحكت كاريمان وهي تجلس على أحد المقاعد تنظر لـ نوح بحنان قائلة:
قولها وهما يومين شوية.
ابتسمت درة وهي تجلس قائلة:
والله نوح شايف دلع من كل الجهات… فى بيت باباه طنط وجدان مش بتشيله من حجرها… وهنا منك وكمان باسل،أومال هو فين،ولا أقولك بلاش يجي،كل ما يشوف نوح يقوله يا “أبو دومة”.
ضحكت كاريمان وهي تنظر لـ طوفان بمرح قائلة:
قولها إنتِ اللى كنتِ طفسة.
ضحكت درة، بينما تسألت كاريمان:
إيه آخر أخبار مركز البصريات بتاعك.
تنهدت درة بزهق قائلة:
للآسف السمسار اللى باسل كلمه راجل بطيء جدًا وكل الاماكن اللى جابها، تقريبًا مش مناسبة، بفكر أكلم طوفان يشوف سمسار تاني يمكن يعرف يجيب مكان مناسب، كمان بفكر أقدم على رسالة الماجستير، كفاية كده بقى، أنا كان زماني المفروض بشتغل على رسالة الدكتوراة، بس الظروف اللى حصلت، وبعدها جوازي والحمل والولادة عطلوني كتير، بس بغكر أبدأ بالرسالة فى أقرب وقت.
ابتسمت كاريمان قائلة:
كُل شيء بآوان،وأخبارك مع طوفان إيه.
أجابتها:
طوفان فى القاهرة من إمبارح.
تبسمت كاريمان قائلة:
عشان كده جيتي النهاردة لو هو هنا مش بنشوف وشك.
ضحكت درة وبدأ الأثنتين الحديث بمواضيع شتى،الى أن تفاجئن
أثناء جلوسهن، بدخول باسل بتسرُع… وقبل أن ينتبه لوجود درة بجوار والدته، اندفع بالكلام:
شوفتي الفيديو ده يااا…
توقف فجأة، كأن الكلمات علقت في حلقه حين وقعت عيناه على درة.
رفعت وجهها تنظر باستغراب وسألته بفضول غامزة بمرح:
فيديو إيه قطعت كلامك ليه؟.
ارتبك، وهو ينظر إلى والدته، تنحنح أكثر من مرة ثم ابتلع ريقه وصمت…
ازدادت حيرة كريمان، وكذلك درة التي ألحت بنبرة بفضول:
فيديو إيه اللي عاوز ماما تشوفه؟ وريني أنا كمان.
ازدادت ملامح باسل توترًا، يخشى رد فعلها، فهي تبدو هادئة أكثر مما ينبغي، بالتأكيد لا تزال تجهل ما جرى مع طوفان…. رمق والدته بنظرة حائرة، فانعكس توجسه عليها هي الأخرى، لتسود لحظة من الصمت
لكن درة لم تهدأ، بل نهضت من مكانها واقتربت منه بخطوات سريعة، وقفت بجواره تنظر في عينيه مباشرة وقالت بإصرار:
لازم أشوف الفيديو اللي بتخبيه ده فيه إيه.
حاول باسل أن يحاورها، لكنها اخذت الهاتف من يده بخفه، لكن سُرعان ما إرتعشت يدها وكاد الهاتف يسقط من يدها لكن التقطه باسل ينظر لرد فعلها ظلت صامته للحظات كأنها بغفوة تستوعب… قبل ان تشعر بزيادة نبضات قلبها وتحدث بنهجان:
ده طوفان… مـ مـ مستحيل قولى الفيديو ده كدب، ده مكلمني الصبح وقالي هيرجع المنيا آخر النهار…
لكن عقلها يعترض بألم قائلة:
قلبي كان حاسس من اول ما قالي مسافر القاهرة…
وضعت يدها على صدرها تحاول التنفس قائلة بانفاس متقطعة هي تنظر لـ باسل بتوسل:
قولى إن الفيديو ده كدب وطوفان بخير… طوفان لو جراله حاجه مش هتحمل…أصبخ جسدها هُلام إختل توازنها وكادت تقع لكن سندها باسل سريعًا أجلسها على المقعد،نظرت له كريمان بهلع قائلة:
إيه اللى فى الفيديو…
بنفس اللحظة إنتاب درة السُعال الشديد،تفوهت كريمان بتسرُع:
بسرعة يا باسل إطلع أوضتي هتلاقي علب علاج درة فى الكوميدنو اللى جنب السرير.
ثواني وعاد باسل بالعلاج، تفوهت كاريمان بقلق:
خد نوح.
أخذ باسل نوح بينما توجهت كاريمان ببخاخ الاستنشاق نحو فم درة، قامت برش رذاذ حتى هدأ سُعال درة، نظرت الى والدتها بتوسل قائلة:
طوفان.
لم ترا كاريمان الفيديو، لكن حاولت طمئنتها قائلة:
لو فيه حاجه كان زمان الخبر وصلنا… إهدي بس وباسل هيتصل عليه.
حاولت درة الهدوء، قائلة:
لاء انا اللى هتصل عليه، شنطتي فيها الموبايل، بيد مُرتعشة جذبت حقيبتها وفتحتها جذبت الهاتف تقوم بالاتصال على طوفان… تنهدت بقلق قائلة ودموع:
موبايل طوفان بيرن ومش بيرد عليا.
تنهدت كاريمان قائلة:
إهدي يمكن مشغول فى مكالمة تانيه.
نهضت درة قائلة بتسرع:
لاء مش هقدر أهدى قبل ما أشوف طوفان بعنيا، انا هسافر القاهرة حالًا.
نظرت لها كاريمان حاولت معها ان تُرجأ ذلك لكنها أصرت تنهدت كاريمان بقلة حيلة قائلة:
روح ما أختك يا باسل وسوق إنت.
أعطاها نوح قائلًا:
حاضر يا ماما.
تنهدت كاريمان بصبر قائلة:
وإبقي إتصل عليا طمني.
أومأ برأسه وذهب خلف درة نحو سيارتها.
❈-❈-❈
بمنزل جلال
ها هو أول شِجار بين خلود وجلال والسبب ليس سوا عناد خلود، أو هكذا هو يعتقد حين
ذهب الى خلود بمقر عملها ورأي تعاملها مع ذلك الشخص الذي كان تقدم لطلب الزواج منها حقا كان حديثهما بمحور العمل لكن شعر بالغِيرة من ذلك، ود حجب عينيه عنها حاول إخفاء غيرته خلف تصلُب رأيه قائلًا:
خلود إنتِ مش محتاجة لشغل، وإنتِ عارفة إني كنت معترض على شغلك… قبل كده كنتِ بتشتغلي تضييع وقت لكن خلاص.
تنهدت بعصبية وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:
دي مشكلته هو، مش مشكلتي… وبعدين إنت ليه مكبر الموضوع كده، وأنا مكنتش بشتغل عشان أضيع وقتي، بالعكس،وإيه اللى خلاص.
زم شفتيه، أدار وجهه عنها وكأنه يحاول السيطرة على غيرته، ثم عاد يحدق بها بنبرة قاسية:
يعني خلاص إتجوزنا، ولا إنتِ عاجبك نظرات الاعجاب والمدح
أنا راجل، ومقدرش أشوف حد تاني بيحاول يقرب منك حتى لو تحت مسمّى شغل.
فههمت خلود سبب اعتراض جلال، “إنها الغِيرة” حاولت كبت غضبها وتفهم ذلك
ساد الصمت لحظة، نظراتهما متشابكة كأنها معركة بلا نهاية، هو يرى عنادها، وهي ترى غيرته قيدًا خانقًا… تنهدت بتفهم قائلة:
انا من البداية حاطة حدود لكل شخص بيتكلم معايا، وللآسف مش هنطوي واوافق على رغبتك دي، أنا مش بشتغل تضييع وقت زي ما إنت مفكر و….
قبل أن تستكمل حديثها صدح هاتف جلال… بضيق جذبه من جيبه كي يغلقه لكن رأي الاتصال من طوفان فقام بالرد… سمع بعض الكلمات، فشعر بالقلق قائلًا:
يعني إنت بخير.
إجابه طوفان:
الرصاصة جت فى كتفي وأنا رايح مع خالي المستشفى دلوقتي، إسمعني أكيد الخبر هيوصل لـ أمي، عاوزك تروح لها تطمنها ومتأكد مش هتطمن لا هي ولا درة، هاتها وتعالي.
اغلق جلال الهاتف ونظر لـ خلود قائلًا:
نأجل كلامنا لبعدين، لازم أروح بيت طوفان.
سألته خلود بقلق:
ايه اللى حصل.
أجابها بما قاله طوفان، تركها وغادر سريعًا.
❈-❈-❈
بعد وقت قليل
بمنزل طوفان
الخبر السئ يصل الى صاحبه، قلق عارم فى قلب وجدان بعدما علمت صدفة من أخبار التلفاز، حاولت الاتصال على طوفان لكن لا رد، حتى تفاجئت بدخول جلال سريعّا حدثته:
طوفان.
اجابها:
بخير إطمني لسه مكلمني من شوية وأنا جاي علشانك لو جاهزة خلينا نسافر بسرعة.
نادت على شكرية قائلة:
جود خرجت تشتري مستلزمات للرسم وزمانها على وصول، أنا مسافرة القاهرة حتى.
أومأت شكرية قائلة:
توصلي بالسلامه ابقى اتصلي عليا وطمنيني على طوفان.
…. ….. …..
على الجانب الآخر بمنزل عزمي
كانت سامية تجلس بغرفتها منزوية، يكسو ملامحها حزن قوي يعصر قلبها…. صورة ريان وهو يترنح بين الألم والخذلان لا تفارق خيالها، كل تفصيلة من ملامحه الجريحة تعود لتطاردها، لتجعلها تغرق أكثر في بحور الندم…
وضعت كفها على صدرها كأنها تحاول كبح وجع داخلي، لكن كلما تذكرت قسوة وليد، ازداد قلبها نزيفًا…
تساءلت بمرارة وهي تحدّث نفسها
كيف استطاع وليد أن يتجرد من مشاعر الأخوه، ليظهر كل هذه القسوة.. أليس ريان أخاه، من لحم ودم كيف يمكن أن يقسو عليه بهذا الشكل وكأنه غريب، في خضم ذلك صدح رنين هاتفها، لوهله شعرت برجفة فى جسدها لعدم انتباهها للهاتف بيدها، التقطت انفاسها ثم إزدردت ريقها ونظرة لـ شاشة الهاتف، ثم قامت بالرد لتسمع لحديث أخيها الذي ظن أنها علمت بما حدث مع زوجها، نهضت واقفه بخضة قائلة:
ماله عزمي، قولي تعرف ايه.
اجابها بما يعلم… أغلقت الهاتف سريعًا ثم ذهبت الى غرفة وليد دلفت بلهفه، نظرت نحو وليد الذي كان يتخدث بالهاتف. مجرد دخولها غير الحديث، بصعوبة تحدثت إليه:
وليد إلحق، أبوك اضرب عليه رصاص وهو فى المستشفى فى القاهرة.
بلا مبالاة رد عليها:
الف سلامه عليه وانا هعمل له إيه انتي مش شايفة رجلي مكسورة
-مكسورة
نظرت له تشعر بقسوة تلك الكلمة كأنها تُصيبها فى عقلها
ارتجفت أنفاسها وهي تدرك أن الادمان لم يقتصر على ريان وحده، بل امتد ليهز كيان العائلة كلها، ويمزّق ما كان بينهم من روابط…
وليد هو الآخر مدمن، لكن ليس للمخدرات بل للقسوة والجحود… ابتلعت ريقها وبانكسار غادرت الغرفة… بعض لحظات كانت تجلس بالسيارة، لكن تفاجئت بـ وليد يفتح الباب كأنه حجر صعد الى السيارة، نظرت له كادت تتحدث وتسأله من أين لك بتلك القسوة لكن الجواب كان معلوم لديها، من عزمي، صمتت حين صعد السائق خلف المقود.
❈-❈-❈
دلفت تلهث الى المشفي بعدما رد عليها طوفان وهما بالطريق، توجهت الى تلك الغرفة فتحت بابها نظرت نحو الفراش لم تجد طوفان،رأته يستقبلها تحدثت بلهفه ونهجان:
طوفان.
تبسم لها وهو يفتح ناحية يده السليمة،سريعًا بلا إنتظار كانت تُعانقه،ضمها قائلًا:
أنا بخير يا درة.
رفعت رأسها تنظر له ثم وضعتها على صدره تعانقه أقوي
ئن طوفان بألم بسيط وتخابث قائلًا:
مالك قلقانه وملهوفه كده ليه،وبعدين دي مش أول رصاصة تدخل جسمي،فى تلاته قبلها دخلوا جسمي فاكرة.
فهمت فحوي كلامه أنها سبق أن أطلقت عليه الرصاص،رفعت رأسها قائلة:
بتهزر أنا قلبي كان هيوقف لما شوفتك فى الفيديو.
ابتسم قائلًا:
ووقت ما ضربتيني إنت قلبك مكنش هيوقف.
نظرت له بعناد قائلة:
لاء،عشان وقتها كنت تستاهل.
ضحك قائلًا:
وايه الفرق بيندلوقتي وقتها.
أجابته:
وقتها كنت متغاظة منك عشان بعدت عني فى وقت كنت محتاجة ليك تبقي جنبي طبعًا كنت مشغول مع رو….
قاطع بقية حديثها حين قبلها بقوة قليلًا…تذمرت من قوة القُبله،تهاون وتبدلت قسوة القبلة الى قبلة عشق…ترك شفتيها كي يتنفسا،وضع جبينه على جبينها يلهث قليلًا قائلًا:
عمرك ما كنت بعيد عنك يا درة،ومحدش يقدر يشغلني عنك،انا كنت قريب منك جدًا وكل أخبارك بتوصلني وكنت عايش هنا فى القاهرة عشان أفضل قريب منك،بس إتفاجئت لما شوفتك مغمي عليكِ فى عربيتك مصدومه فى الشجرة على الطريق.
رفعت وجهها تنظر له بذهول تحدثت بحشرجة صوت:
إنت اللى أنقذتني يومها…
أومأ برأسه قائلًا:
أول بوسة خدتها منك،كانت عشان أرجعلك النفس،اللى كان فى الأصل برجعه عشان انا أعيش.
-ليه
يبقي إنت الى خلتيهم خذفوا صورك من كاميرات المستشفي…ليه.
أجابها:
عشان الوقت كان صعب محبتش أظهر فى الصورة إني صائد فرص.
ضحكت قائلة:
طب ما إنت فعلًا صائد فرص والدليل التوكيل بتاع خالي شاهر.
ضحك قائلًا:
مكنش صيد فرص يا درة،ده كان آخر فرصة قدامي.
ابتسمت وضمت نفسها له تشعر بأمان ،ضمها بسعادة.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان بالمنيا
توقفت جود وهي تحمل نوح تسأل الخادمة:
مين اللى عاوزني…مقلتش هي مين.
أجابتها بتوتر:
ضيفة فى أوضة الضيوف.
ذهبت جود للغرفة… تفوهت:
السلام عليكم.
إستدارت الأخري تنظر لها بندم قائلة:
وعليكم السلام… أزيك يا جود.
إندهشت جود وتفوهت بحشرجة صوت:
الحجة بدرية.
❈-❈-❈
بالقاهرة
بالمشفى
تحدث الطبيب لـ طوفان:
إصابتك مش خطيرة بس برضوا محتاجه إهتمام وراحة، بس طالما مش حابب تكمل علاجك بالمستشفى، هكتبلك على خروج، بس لازم تهتم بالجرح كمان الراحة.
أومأ طوفان له برأسه، نظر نحو درة مُبتسمً قائلًا:
إطمن يا دكتور، المدام دكتورة عيون وأكيد عندها شوية خبرة يعني.
أومأت له ببسمه كذالك الطبيب.
بعد لحظات، ساعدت درة طوفان فى تبديل ثيابه كذالك رفع يده المصابه داخل حامل طبي… نظر لها قائلًا:
ماما خرجت تطمن على خالي لغاية دلوقتي مرجعتش…، أكيد قاعدة جنبه، خلينا نروح لها، قاعدتها عنها ملهاش لازمه.
بالفعل ذهبا نحو غرفة العناية، لكن تصنمت درة حين تقابلت عينيها مع عيني وليد، الذي رفع وجهه ونظر لها بنظرة غلول وتحدي وقهر وهو يراها قريبة من طوفان، لديه يقين أنها السبب الأول فى ضياع زينه من بين براثنه، كما فعل والدها سابقًا.
↚
بالمشفي
لاحظ طوفان قسوة وإزدراء نظرات الاعين بين وليد ودرة، لم يهتم لـ وليد حين رأه من قبل يسير على عكاز طبي، كذالك الآن، فقط إهتم لـ درة وسحب يدها للسير معه توقف أمام والدته
بصعوبة إستطاع أن يقنع والدته:
ماما، الدكتور قال إن حالة خالي شبه عدّت مرحلة الخطر، وممنوع حد يدخل العناية دلوقتي… يعني ملوش لازمة تفضلي هنا إنتِ أو مرات خالي.
لكن سامية رفضت بعناد، وأصرت إنها تبقي بالمشفي… تنهد طوفان مستسلمً قائلًا بنبرة محسوبة وهو ينظر لوليد:
تمام… وليد هيفضل معاكِ… راجل لو حصل حاجة.
التقت نظرات وليد مع طوفان، عيناه اشتعلت بغضب مكتوم لكنه أخفى انفعاله بابتسامة باهتة ونظرة مستهزئة…
غادر طوفان مع وجدان ودرة، تاركًا جوًا مشحونًا.
ظل وليد في مكانه، عيناه تتفحصان ملامح سامية التي غطّاها الحزن… تهكم داخله، فمنذ متى عرفت هي معنى الحزن… يدرك جيدًا أن مشاعرها ليست حبًا صادقًا، بل مجرد قناع آخر ترتديه… رياءٌ يحترفه قلبها…
ساد صمت تام بعد ما غادر طوفان مع وجدان ودرة… الى أن نهض
وليد وقفً في مكانه، عينيه ثابتة على سامية… لأول مرة يرا ملامحها غارقة في الحزن، لكنه لم يشعر بتعاطف، بالعكس… ابتسم بسخرية قائلًا:
يا سلام… هو إيه الجديد…هي دموعك دي بجد ولا فصل تمثيل زي كل حياتك.
التفتت له سامية بحدة، صوتها اتكسر بين الغضب والخذلان:
وليد أنا أمك… ازاي تكلميني بالشكل ده… واضح إني معرفتش أربيك.
ضحك وليد ضحكة قصيرة باهتة، وغمز بسماجة:
أمي… أيوه أمي اللي عمرها ما شافتني وسيلة للتباهي… أمي اللي طول الوقت بتدعي إنها بتخاف علي، بس في الحقيقة مش شايفة غير مصلحتها.
ارتجفت شفتي سامية، لكنها حاولت السيطرة على دموعها قائلة بصوت منخفض:
إحنا فى مستشفي يا وليد.
وبلاش نبرتك دي، أنا اللى طول عمري واقفة جنبك يا وليد… واضح إني غلطت أو يمكن قصرت فى تربيتك عشان كده طلع قلبك جاحد… بيكره كل اللى حواليه مهما كانت صلة الدم.
اقترب منها وليد، عيناه تلمعان بمزيج من غضب قديم ومرارة:
ـ كره
-صلة الدم
لا يا ست الكل… اللي بيننا مش كره… ده حقيقة إنت السبب الرئيسي فيها… من وأنا طفل فاكرة كنت تقوليلي أبوك بيكرهك عشان كان نفسه يتجوز واحدة غيري.
ارتجفت سامية من كلماته، شدت شالها على كتفيها كأنها بتحاول تحمي نفسها من برد مفاجئ، همست برجاء:
وليد… مش وقته الكلام ده، والدك جوه بين الحياة والموت.
هز وليد راسه بضحكة قصيرة، عينه تلمع بالحدة:
لأ يا أمي… هو وقته. يمكن ربنا قصد إننا نتحبس هنا سوا عشان أقولك اللي مخنوق بيه من سنين.
ارتجفت أنفاس سامية، حاولت ترد لكن لسانها اتعقد، فواصل هو بصوت غليظ:
ـفاكرة وإنتِ بتقولي للناس إنك ضحيتي عشان ولادك… إنك الأم المثالية اللي واقفة جبل.
قرب منها خطوة، نظرته اخترقت عينيها:
الحقيقة إنك عمرك ما ضحيتي… كنتِ بتفكري في نفسك الأول، وبس.
اتسعت عينا سامية بصدمة، هزت راسها نافية:
إنتَ مش فاهم… ولا عارف اللي مريت بيه.
ضحك وليد بمرارة:
لا فاهم يا ماما… فاهم كل مرة كنتِ بترسمي الخوف علينا عشان كلام الناس… فاهم إزاي كنتِ تسيبيني محتاجلك وتروحي تجملي صورتك قدامهم..فى مناسباتهم التافهه.
دمعة انسابت من عين سامية رغمًا عنها، مسحتها بسرعة وقالت بصوت متحشرج بالغضب:
وليد… أنا إستحملت وضحيت عشانك إنت…
اقترب أكتر، قاطعها بصوته الهامس بضحكة مسمومة:
ضحيتي عشانا….. ولا عشان كبرياء سامية اللي أهم من أي بني آدم… حتى ولادها اللى بالنسبة لها واجهه.
شهقت سامية من كلماته، تراجعت برأسها للخلف كأنها طُعنِت، لكن وليد لحقها بنظره الحاد:
ناسيه ولا بتحاولي تنسي يوم ما سبتيني جوه القسم لوحدي… لسه فى أول شبابي بتسحب من إيدي… وإنتِ كل اللي همك سُمعتك.
انهارت سامية على الكرسي القريب، كأن قدميها هُلام… دموعها نزلت غصب عنها، صوتها مبحوح:
وليد… إنت دمي، ماينفعش تفضل شايل الكره ده جواك.
وقف وليد قبالتها، عينيه متصلبتين مثل الصخر، قائلًا بنبرة باردة:
أنا مش شايل كره… أنا شايل دين… وكل دين ليه يوم للسداد.
رفعت سامية راسها بسرعة، الخوف لاح في عينيها:
إنت عاوز تعمل إيه
انحنى وليد لحد ما قرب من وجهها، صوته أصبح منخفضًا لكن كل كلمة تقطع كالسيف:
هخلي كل اللى اتسبب فى حسرة قلبي يعيش نفس اللي عشتُه… ودلوقتك هسيبك لوحدك تعيشي.. إحساس إنك لوحدك، متسابة، محدش في ضهرك.
شهقت سامية، قلبها خبط بجنون، مدّت إيدها تمسك دراعه برجاء:
وليد بلاش… تسلم لشيطانك…
ابتسم وليد بسماجة، سحب يده من يدها قائلًا بهدوء:
العد بدأ خلاص.
قال ذلك وتركها غارقة بين دموعها وتهديداته، وابتعد بخطوات باردة… بينما سامية لأول مرة تحس إن الخطر الحقيقي ليس بداخل تلك العناية المركزة، لكن واقف أمامها باسم “ابنها”.
بمجرد ما خرج وليد من القاعة، ساد صمت خانق… مسحت سامية دموعها بسرعة، رفعت راسها تنظر حوالها تخشي ان ح يكون أحدً سمع ذلك…. قلبها بيرتعش، عقلها مشغول بكلام وليد الذي وقع عليها زي السوط.
همست لنفسها برجفة:
يا رب… استرها.
حاولت تستجمع قوتها وتستعيد ملامحها المتماسكة… تقوم بترتب نفسها وتهندم شالها حول كتفيها…
مجرد دقائق قبل أن يعود وليد بخطوة الهادئة،يستند فوق عكازه الطبي،لاحظت أن حركة سيره ليست مُتعرجه بل شبه طبيعية، ملامحه هادئة جدًا كأن ما حصل من دقائق مجرد وهم… وقف أمامها قائلًا ببرود مصطنع:
عاوزة حاجة يا ماما… أجيبلك ميه ولا قهوة.
ابتلعت غصتها بصعوبة، أومأت برأسها نافية، صوتها مخنوق لكنه متماسك:
ـ لأ… أنا كويسة… مش عاوزة حاجة.
ابتسم وليد ابتسامة باردة، عينه تلمع بمعنى خفي وهي تعلم جيدًا أن ابتسامة مقيتة.
❈-❈-❈
بشقة إبتهاج
وصلها الخبر، لكن ليس كما أرادت أن يكون خبر مقتل طوفان كما خططت وتمنت
ارتجفت يدها وهي ترفع الهاتف عن أذنها، الكلمات تسللت إليها ببطء كأنها قطرات سم قوي المفعول… لم يكن الخبر كما تمنت ولا كما خططت، لم يكن “مقتل طوفان” الذي سهرت الليالي تنتظره، بل خبر نجاته بأعجوبة، وكأن القدر يسخر من كرهها له
شهقت بغيظ، رمت الهاتف على الأريكة بقوة، قامت تدور بالشقة كالنمرة المحاصَرة، شفتيها تتمتمان:
ازاي إزاي لسه عايش، زي القُطط بسبع أرواح.
جلست على حافة المقعد، أظافرها تنغرز بكفها، وعينيها يكسوهن جنون الحقد… خطتها التي رتبتها بدقة تلاشت في لحظة، وكل ما زرعته من مؤامرات لم يثمر إلا خيبة أخرى
همست لنفسها بحدة ووعيد:
مش نهاية.. لسه عندي ألف طريقة.. طوفان مش هيفلت مني، المرة الجاية لازم تكون الأخيرة.
تحركت نحو النافذة، تنظر إلى الشارع بعين متوحشة، والنور الأصفر المنعكس على وجهها جعل ملامحها أقرب لملامح قاتلة منه لامرأة…
اندفعت بقدميها تضرب الطاولة أمامها، تساقطت قطعة الديكور على الأرض متحطمة، لكنها لم تبالي… قبضت على شعرها بعصبية، وعيناها تلمعان بجنون، والدموع تنزل غصب عنها ليس من القهر… بل من شدة الغليان…
رمت بالوسادة نحو الحائط، ثم أمسكت الهاتف مرة تانية تضغط على الأرقام بعشوائية، تتوقف، وترميه من جديد وهي تهتف بغضب وتوبيخ:
كلكم فاشلين.. كلكم ما عرفوش تخلصوا منه… المهمة كانت سهلة لكن انتم فاشلين.
جلست أخيرًا على الأرض وسط الزجاج المكسور، تتنفس بسرعة، قلبها يكاد يخلع صدرها… بين شهقة وأخرى خرجت منها ضحكة قصيرة مجنونة تقول بوعيد:
بس مش هسيبه… لو الدنيا كلها وقفت ضدي،المرة الجاية أنا اللي هخلص عليه بإيديا.
❈-❈-❈
بـ ڤيلا طوفان
دلفت وجدان ثم دلف خلفها طوفان يستند على درة…
توقفوا عند مُقتبل الدرج، نظرت وجدان نحوهم، ورغم غصة قلبها على إصابة “عزمي” أخيها، إلا أنها حمدت الله أن أنجى طوفان لها، وأن إصابته ليست بالخطيرة…
تقدمت نحوهم بخطوات مترددة، عينيها تتفحص وجه طوفان المُرهق، لم تستطع منع دمعة انحدرت على وجنتها، رفعت يدها تتحسس ذراعه بحنان قائلة بصوت متهدج:
الحمد لله يا ابني… ربنا ستر.
ابتسم طوفان رغم الألم، مطمئنًا والدته:
ما تقلقيش يا ماما، أنا كويس… والدكتور قال إن خالي شبه عدا مرحلة الخطر وهيبقي كويس.
رفعت وجدان برأسها بحزن وهي تردد:
ربنا يشفيه ويقوم بالسلامه، بلاش وقفتك دي، يلا إطلع مع مراتك لازم ترتاح إنت ناسي إنك منصاب، والمفروض تفضل فى المستشفى.
رفع يده السليمة وضعها على كتف وجدان قائلًا:
مش إصابة جامدة يا ماما.
تنهدت وجدان براحة قائلة:
الحمد لله قدر ولطف، يلا بلاش وقفتك كده كتير، حتى لو مكنتش اصابتك جامدة فانت نزفت ومحتاج لراحة، يلا يا درة خدي طوفان وإطلعوا، تصبحوا على خير.
ابتسمت درة قائلة:
وإنتِ من أهله يا طنط..
تحركت درة بخفة، داعمة طوفان أكثر نحو الصعود، بينما ظلت عين وجدان تلاحقهم بمزيج من القلق والامتنان…
درة التي يومً أطلقت الرصاص على طوفان اليوم هي من تسنده، قلقها الواضح عليه شفع لها لدى قلب وجدان.
بعد قليل تبسمت درة وهي تنظر لـ طوفان ظنت أنه غفى إستلقت على الجهة الأخرى للفراش أغمضت عينيها لكن سرعان ما فتحتها حين سمعت حديث طوفان:
إطمنتي على إبنك اللى بسببه سيبتني وروحتي تتكلمي فى الموبايل.
ضحكت وهي تقترب منه ترتكز على يديها قائلة:
فكرتك نايم قولت مفعول المُسكنات إشتغل،وبعدين ما أنا سيبت إبني وجيت علشانك،ولا إنت مش كفاية عليك حنان طنط وجدان.
إبتسم وهو يفتح يده لها بإشارة واضحة،بترحيب إقتربت ونامت برأسها على صدره تسمع همسه:
لاء مش كفاية عليا،كمان عاوز حنانك.
ضحكت وهي تضع قُبلة على صدره قائلة بمرح:
طماع.
ضحك طوفان فتألم قليلًا، سمعت درة آنينه الخافت، فقلقت قائلة:
مالك يا طوفان كان لازم تفضل فى المستشفى و..
قاطعها طوفان قائلًا بخباثة:
أنا كويس…ولا إنتِ كنتِ عاوزاني أفضل فى المستشفى تصدقي عندك حق،عالأقل هناك الممرضات شايفين شغلهم كويس.
شعرت درة بغِيرة طفيفة صفعته على صدره بخفة قائلة بنبرة غيورة مزيج بين الجد والمزاح:
يا عديم الدم…قوم روح لهم يطبطبوا عليك.
ضحك طوفان وهو يغمض عينيه متصنعًا الألم:
آااه، شوفي حتى الضرب وجعني… إيه ده إنتِ عاوزة تخلصي مني ولا إيه…ياريتني سمعت كلام الدكتور.
اقتربت منه أكثر وهي تهمس بدلال وثقة:
إنت مفيش في قلبك غيري،أنت راحتك عندي.
إبتسم وضمها لصدرة،رفعت درة رأسها وضعت قُبلة على وجنته، وأخرى فوق شِفاه.. كأنها كانت قُبلة إرتواء بعد جفاف.. عادت تنام برأسها على صدره… لحظات قبل أن تتنهد بقوة… فتح طوفان عينيه سائلًا:
إيه سر التنهيدة الجامدة دي.
إبتعدت عنه وتسطحت على الفراش، فتبعها بنظراته متسائلًا:
ليه بعدتي عن حضني.
عادت سريعًا تنام على صدره تضع يدها على موضع قلبه قائلة بتمني:
نفسي نعيش فى أمان يا طوفان، كفاية أنا لما شوفت الفيديو قلبي إتسحب مني،عاوزه أعيش معاك إنت وإبني فى راحة وأمان أبقي مطمنة
صمت طوفان لحظة، ثم طبع قبلة دافئة على شعرها، يضمها خرج صوته عميقًا مطمئنًا: المفروض إنك مرات كبير العيلة
متخافييش يا درة طول ما أنا موجود.
رفعت جسدها ومدت يدها تُمسد على وجنتيه قائلة بدموع وألم فقدان:
لما عرفت إن بابا مات مصدقتش قولت كدب، بس خالي شاهر قالي اللى بلغه الخبر إنت يل طوفان، وقتها كان نفسي تجي تاخدني فى حضنك وتقولي كدب يا درة… بس إنت مجيتش ومكنش كدب، من وقتها دخل الخوف قلبي، بقيت دايمًا بفكر إن الموت ممكن يخطف اللي بحبهم في لحظة ، بقيت بخاف أفقد حد من اللى بحبهم، لما ضربتك بالرصاص قلبي إتسحب مني، فضل يوجعني لحد ما شوفتك، فاكرة يومها كنت بقاوح معاك، لما بوستني كان نفسي أطول اللحظة دي على طول… كان نفسي أقفل الدنيا حوالينا، وأقعد أحكيلك كل حاجة وجعاني من جوايا، أقولك قد إيه خوفت ودوبت من الخوف، وازاي لما شفتك بعد اللي حصل حسيت إن قلبي رجع مكانه تاني.
رفع طوفان يده مسد على وجنتي درة يمحوا تلك الدموع التي سالت من عينيها، غص قلبه قائلًا:
درة تعرفي آخر جملة قالها عمي مختار وصاني عليكِ… قالي درة بتستقوي وهي ضعيفة لو ربنا نجى حسام درة مش هتكمل جوازها منه، إنت ودرة بينكم “نصيب” أو “قدر” هيجمعكم مشاعركم.
تسمرت تنظر له بصمت… كأن تلك الكلمات جمدت أنفاسها، انهمر الدمع من جديد لكنه هذه المرة كان ممزوجًا بصدمة ووجع… بصوت مرتجف:
“قدر”
نفس الكلمة قالهالي “الشيخ عرفة”
“القدر دايمًا كان بيجمعكم فى الوقت اللى كانت بتتقطع بينكم الطُرق، كان بيحصل حاجه تقرب بينكم، رغم قسوة اللى حصل… بس ده
القدر”
-أنا بحبك يا درة، ومقدرش أوعدك بشئ مش فى إيدي، بس الأمان إحساس، أنا مستعد أفديكِ بعمري.
إبتسمت درة ثم
وضعت رأسها من جديد على صدره تستمع لخفقاته، فوجدت الطمأنينة التي تبحث عنها. شدّ عليها ذراعه كأنه يحميها من العالم، ليغمرهما الليل بسكونه.
❈-❈-❈
بمنزل جلال منتصف الليل
نسيت أنها من ساعات
تشاجرت معه وإحتد الحديث بينهما تشعر بقلق شديد منذ أن أخبرها أنه عائد بالطريق، ارتجف قلبها فالوقت ليلًا وبعض الطُرق لا تكون آمنة ليلًا… لم تهتم لكبرياء بل جذبت هاتفها وقامت بالاتصال عليه أكثر من مره لكن لا رد، حتى وصل الى أذنها رسالة أن الهاتف خارج نطاق الخدمة…
تحير عقلها لعدة أسباب تحاول فرض أسباب طبيعية…
أن يكون شحن هاتفه نفذ… لكن يعترض عقلها حتى لو نفذ يستطيع شحنه بالسيارة
أن يكون يمُر بمنطقة بعيدة عن إرسال شبكة الهاتف… يوسوس لها عقلها لابد أنها منطقة نائية ويكمن بها السوء…
أن يكون أغلق هاتفه عمدًا… لكن لماذا وهو من هاتفها وأخبرها بعودته…
هواجس تمتلك منها وقلق، لا تعلم كيف سيطرت على تلك المشاعر لسنوات وهو بعيد عنها… والجواب كانت تواسي قلبها تخشي أن يعود بامراة أخري، لكن منذ ليلة زواجهم وإعترافه أن مشاعره نحوها تبلورت مع الوقت، كان يراها مثل أخته لكن بالغُربة إختفي ذلك ونبض قلبه بمشاعر أخرى نحوها…
تبسمت لوهله وهي تتذكر شِجارهما كان واضح رائحة الغِيرة، كيف لم تنتبه لذلك،
“غِيرة المُحب ”
لمعت عينيها بوميض الإشتياق مع تلك المشاعر الأخرى، جذبت إحد الكُتب تقرأها علها تصرف ذهنها عن تلك الهواجس… رغم ذاك بين الثانية والأخرى تنظر الى ساعة الحائط كأن عقاربها لا تتحرك كذالك الوقت يمضي ببطئ صعب،
وقت وسمعت صوت سيارة، نهضت سريعًا جذبت الستائر نظرت من خلفها سرعان ما تنهدت بإرتياح حين رأت ترجل جلال من السيارة… سرعان هو الآخر ما نظر الى الأعلى رأها بوضوح خفق قلبه وتنهد بإرهاق مُشتاقً… لام نفسه على إحتداده معها بوقت سابق، لم يستطيع التحكم فى غيرته الغير مُبررة، ليست لها ذنب، فلا أحد يستطيع التحكم بمشاعر الآخرين، كذالك ذاك الشخص لم تعلم أنه وسبق وطلب الزواج بها… لابد ان يتأسف لها، يكفي إنتظارها له الى الآن… صعد مباشرةً الى شقتهما قبل أن ينتهي من صعود الدرج سمع فتح باب الشقة بمجرد أن وصل أمامها تفاجئ بعِناقها له بقوة… لم يُفكر وضمها بين يديه قَبل جانب عنقها، يدفس رأسه بحناياه يستنشق انفاسه من عبقها الرقيق… عادت برأسها للخلف نظر لها مُبتسمً، غمز بعينيه بإيحاء قائلًا:
خلينا ندخل الشقة الاول ونقفل علينا الباب بدل ما قطة من قطط البيت تلمحنا وتفضحنا.
ضحكت برِقة وعادت للخلف، لكن هو جذبها عليه بقوة رفعها قليلًا عن الأرض وهو مازال يحتضنها الى أن دخلا الى الشقه أغلق الباب بساقه، ظل يحملها هكذا الى أن دخلا الى غرفة النوم أنزلها برفق، نظرت له قائلة:
آيه أخرك كده… كنت بتصل عليك مش بترد…
أجابها ببسمه وهو يُزيح ثيابه عنه:
وقفت فى السكة أحط بنزين للعربية،وأكيد لما مكنتش برد كنت ببقي فى مكان مفيش فيه شبكة…
توقف يغمز بعينيه قائلًا:
بس إيه سهرك،كمان الحضن اللى كان قدام الشقة ده،إيه هورمونات،ولا شوق بجد.
شعرت بالحجل،وأخفضت وجهها،تبسم وهو يرفع ذقنها قائلًا:
بصراحة متوقعتش ده بعد خناقة الضهر بينا.
تفوهت بنسيان:
خناقة إيه.
ابتسم وهو يضع قبله فوق وجنتها قائلًا:
مش فاكر وإنت كمان شكلك مش فاكره خلينا ننسي،أنا جعان.
تبسمت له بدلال قائلة:
على ما تستحمي هكون حضرت لك الأكل.
نظر لها بمغزي وقبل أن تتحرك تفوه بلؤم:
أنا مش جعان أكل أنا جعان حُب.
فهمت تلميحه فتعاملت بدلال قائلة:
مش تاخدلك دُش الأول تفوق جسمك من تراب السكة.
ضحك وهو يحملها بمباغتة قائلًا:
ناخد الدُش ده سوا،بصراحة ضهري قافش وعاوز مساج خاص.
شهقت ثم ضحكت قائلة:
إيه حكاية ضهرك دي،شكلك كده هتعوز تتابع مع متخصص قريب.
ضحك قائلًا:
لاء مش محتاج لمُتخصص،محتاج مُتخصصة إيديها ناشفة.
ضحكت قائلة:
موجودة متقلقش بس إياك إنت تتحمل نشوفية إيديها.
ضحك قائلًا:
لاء إطمني عضمي جامد.
ضحكت باستمتاع قائلة:
بأمارة آه يا ضهري.
غمز قائلًا:
ده إغراء يا قلبي.
تبسمت له بالتغاضي عن شِجار الظهيرة الذي لم يكن يستحق أن يحتد الإثنين
هو حين رأي طوفان مُصاب وزوجته تتلهف عليه،شعر أن ذلك الشجار لم يكن يستحق هو بحياة أفضل من غيره
هي حين تلاعبت الهواجس والظنون برأسها شعرت بتوجس وخوف عليه علمت أن التغاضي أفضل من الإحتداد والتوقف على أمر قد لا يستحق.
لتنتهي الليلة بهما وهما ينسجمان معًا متغاضيان عن أمر لا يستحق.
-❈-❈❈-❈-❈
بعد مرور ثلاث أيام
صباحً
بمنزل طوفان
كان يتحدث بالهاتف سمع بكاء صغيره ذهب نحو مهده وضع بفمه تلك اللهايه فصمت ثم
أنهي حديثه على الهاتف قائلًا:
تمام يعني خالي دلوقتي هنا فى مستشفي المنيا… شكرًا لك، عارف إن أمر نقله لهنا كان صعب ومحتاج حرص ورعاية… وأنتم قدمتوا واجبكم وزيادة.
أغلق الهاتف وتبسم لـ درة التى دلفت الى الغرفة بيدها زجاجة حليب لصغيرهم
تبسمت درة وتوجهت نحو مهد صغيرها حملته وجلست على آريكه بالغرفة وبدأت تطعمة من تلك الزجاجة، رفعت رأسها تنظر نحو طوفان قائلة:
خالك وصل المنيا.
أجابها:
أيوة وصل المستشفي من شوية.
تبسمت لصغيرها الذي يلتهم من زجاجة الحليب ثم رفعت رأسها تنظر لـ طوفان سائلة:
إيه الفرق كان كمل علاجه فى مستشفي القاهرة.
جلس طوفان على الآريكه جوارهما يتنهد قائلًا:
هو لما فاق طلب كده، كمان أمي هتفضل هناك جنبه هي ومرات خالي والإتنين تقريبًا ميعرفوش أي مكان فى القاهرة، ولما سألت الدكتور قالي ممكن يتنقل بعربية إسعاف مجهزة، وأهو وصل من شوية.
اومأت درة قائلة:
ربنا يشفيه.
-آمين
قالها طوفان وهو الوحيد الى الآن الذي يعلم أن حتى بشفاء عزمي سوف يظل قعيد.
❈-❈-❈
ظهرًا
كعادته مرعي يجلس أسفل ظِلال إحد الأشجار ينفث دخان آرجيلته بإنسجام… لكن اليوم هنالك ما قطع ذلك الآنسجام… حين تفاجئ بـ وليد يقول من خلفه:
غدرت بيا يا مرعي.
إنتفص مرعي هلعًا، يستدير برأسه ببطئ يخشى النظر نحوه، تهكم وليد بزهو من عيني عزمي اللتان جحظت تكاد تخرج من وجهه، كذالك وقوفه الضعيف أمامه… تهكم قائلًا بإستقواء:
عارف اللى يغدر بيا جزاؤه إيه.
إرتعب مرعي قائلًا بتعلثم مُبررًا:
مش بإيدي والله طوفان بيه هو….
قاطعه وليد بغضب قائلًا بتعسُف:
وهو طوفان كان عطاك فلوس زيي.
إرتعب مرعي قائلًا:
والله كنت رافض، هو اللى غصب عليا وخوفت أرفض يـ….
قاطعه وليد بغضب:
كان لازم ترفض، عالعموم إحنا لسه فيها… قدامك حلين يا مرعي.
برعب تسأل:
وهما إيه الحلين دول.
أجابه ببطئ:
زينه تطلق وأنا اللى أتجوزها…
توقف وليد للحظات يتابع ملامح مرعي ثم إستطرد حديثه بوعيد:
ترد الفلوس اللى أخدتها مني، وكمان زينة تطلق.
إزدرد مرعي ريقه يُفكر برعب.. فمن أين سيأتي له بالمال، هو صرف جزء كبير منه على ملذاته… حتى إن رد المال كيف يغصب زوج او بالاصح خطيب زينه على الطلاق، لديه حصانة من طوفان.
إقترب وليد عينيه تضخ شررًا وتحدث بوعيد:
فى حل تالت يا مرعي.
نظر له مرعي دون سؤال أجابه وليد:
عقد جواز عرفي بتاريخ قديم وقتها يفسد كتب الكتاب وتطلق زينة بكل سهولة.
❈-❈-❈
بأحد المشافي التابعة للشرطة
أمام باب إحد الغرف
توقفت جود تلتقط نفسها… تشعر كأنها كانت تركض لمئات الأميال… عقلها وقلبها فى صراع بين الخوف والرجاء…
مدّت يدها نحو مقبض الباب لكن أصابعها ارتجفت، تشعر أن ما وراء هذا الباب قد يُغير مسار حياتها مرة أخرى… لحظة صمت خانقة تسللت بينها وبين أنفاسها، ودموع متحجرة بعينيها ترفض الانحدار…
اقترب صوت خطوات خلفها، فالتفتت بسرعة، كأنها تخشى أن يراها أحد بهذا الضعف… حاولت رسم ملامح القوة على وجهها، لكنها لم تستطع إخفاء ارتجاف شفتاها.
همست لنفسها:
لازم أكون قوية… مجرد زيارة عادية.
هكذا حاولت أن تُبرر مجيئها.. …كادت تتخذ قرار بالعودة وعدم الانحدار…بالفعل أخفضت يدها قبل أن تطرق باب الغرفة وإتخذ عقلها القرار عليها الفرار…لن تترك مشاعرها تنساق مرة أخري،يكفي خذلان الماضي….أغمضت عينيها…لا…
بالفعل كادت تتراجع لكن لعدم انتباهها خبطت فى إحد المُمرضات التى تبسمت لها قائلة:
آسفة…إنتِ بدوري علي أوضة معينه تحبي أساعدك.
أومأت جود برأسها قائلة:
لاء متشكره أنا عارفة رقم الأوضة.
تبسمت لها الممرضة
خجلت جود وبإندفاع، رفعت يدها قامت يالطرق على الباب ثم وضغطت على المقبض برفق فتحته…ظلت لثواني واقفة تشعر كأنها تعبر عتبة مرتفعة بين الماضي وما ينتظرها بداخل تلك الغرفة…
بمجرد أن فتحت الباب، تسللت رائحة المطهرات القوية إلى أنفها، ووقع نظرها على السرير الأبيض في وسط الغرفة… رأت حاتم ممددًا علي الفراش بمجرد أن رأها إعتدل جالسًا،لكن شعر بألم وتفوه بأنين:
جود.
❈-❈-❈
بمشفي آخر بنهاية اليوم
بغرفة خاصة
كان طوفان يقف مع الطبيب يتهامسان حول حالة مرعي بينما وجدان وسامية تجلسان معًا على آريكة بالغرفة صامتان، سمعوا دق على باب الغرفة… نهضت سامية وقامت بفتح باب الغرفة وقفت صامته تنظر لتلك التي لم تنتظر ودلفت الى الغرفة تقول:
جيت أطمن على صحة جوزي.
نظرت لها وجدان قائلة:
إنتِ غلطانة فى الأوضة.
نظرت لـ وجدان بتعالي قائلة:
إنتِ وجدان أخت عزمي الكبيرة وأم طوفان.
إستغربت وجدان، كذالك سامية بينما صمت الطبيب وطوفان ينظر نحو تلك السيدة…
نظرت له هي الاخري تقول بإستقواء:
أنا “إبتهاج البسيوني”
مرات عزمي مهران
صدمة ألجمت الجميع، لكن كان تأثيرها أقل على طوفان الذي تأكد من حدسه
إنها هي إبنة أحد تجار السلاح الذي تولي قضيته وقت أن كان وكيلًا للنيابة… وعلم أنه توفي فى السجن بعد ذلك… لكن كيف وصلت الى عزمي والجواب كان واضحً أمامه…
إنه الإنتقام… وها قد بدأت تتضح أمامه بعض الرؤي أولها ذلك السلاح الذي قُتل به
والد درة… بدأت تنقشع الغيوم ليثور فيضان هادر.
↚
جحظت عيني سامية تستوعب ما قالته تلك الدونية، صوتها يرتد في أذنها كصفعة حارقة… شعرت كأنها مثل فرع شجرة مقطوع يتخبط وسط عاصفة قوية، لا سند له ولا جذر يشده إلى الأرض… ابتلعت ريقها بصعوبة، تتأرجح مشاعرها بين الغضب والخذلان، وبين رغبة جامحة في أن ترد بحده تكسر غرور تلك المرأة، لكن قدميها كأنهما التصقن في الأرض، وصدرها يعلو ويهبط بأنفاس متقطّعة…
رفعت ذقنها بتحدٍّ، تحاول أن تخفي ارتجافها، وكأن كبرياءها هو الدرع الوحيد المتبقي لها في هذه اللحظة… تضيق عينيها بتحدٍ، قائلة بصوتٍ متماسك رغم رجفة قلبها:
إنتِ كدابة… ومحتالة أكيد وإنتهازية عاوزه تنتهزي حالة عزمي الصحية…مستحيل إنتِ مين وأنا مين وبنت مين.
ضحكت ابتهاج باستهزاء، رفعت كتفيها باستخفاف:
أصلًا إنتِ لا ليكِ قيمة ولا مكان… مجرد واجهه مش أكثر…فرع على لمسة ويتقطع. .
اشتعلت عيني سامية، تقدمت خطوة وكأنها تتحدى العاصفة نفسها،
سادت لحظات صمت متوترة، الهواء نفسه بدا وكأنه متجمد، بينما ابتسامة باردة ارتسمت على شفتي سامية، كأنها تعلن نهاية معركة هي أول المنسحبين منها…. بالفعل نظرت نحو عزمي الغافي بسبب الأدوية، كانت نظرة مُلخصها “لا داعي لإهدار كبريائها الآن”
لن تضيّع طاقتها في صراع مع الحُثالة، فمعركتها الحقيقية إنتهت، وليست الخسارة بشيء جديد عليها
همست في سرّها وهي تجذب حقيبة يدها:
مش هخسر لوحدي يا عزمي، وإنت المعركة اللي حاربت فيها وكنت دايمًا بخسر لحد ما إتأخر وقت إنسحابي منها .
ارتفعت أنفاسها الثقيلة، وابتلعت غضبها كمن يبتلع جمرة ملتهبة، ثم استدارت ببطء، تُخفي ضعفها خلف هالة من الكبرياء، تاركة خصمتها تتخبط في صمت الهزيمة… وغادرت الغرفة بصمت، أسوء من الكلام…
نهضت وجدان تقترب من ابتهاج تنظر لها بتمعن شعرت بالنفور وإحساس البُغض مباشرةً، رغم أنه أول لقاء لهما لكن ترك شعور البُغض لدي وجدان لها، بينما ابتهاج تمتلك من البجاحة ما يجعلها لا تهتم بمشاعر غيرها نحوها، كذالك نظر لها طوفان،
لكن إختلف رد فعلها من نظرة طوفان وهو يُنهي حديثه مع الطبيب الذي استأذن غادر بعد أن اعطي بعض الارشادات الطبية لم يهتم بما حدث فلا شأن له، إقتراب طوفان منها بخطوات بطيئة، جعلها، ربما تندم على كشف نفسها أمامه لكن حدثها عقلها لا تراجع، ولا خوف، ولن تظل فى الظل وتفشل، بل ستظهر فى العلن وتفلح وتنال ما تريده، رهبة طوفان، لكن مُخطئة،
توقف طوفان جوار وجدان، ثم نظر الى تلك الحمقاء، لم تستوعب أنها بكشف نفسها وضعت أمامه حقائق كانت مخفية، أولها ذاك السلاح، كيف وصل ليد ذلك المجرم الذي كان يستهدف درة…
والسؤال برأسه لما أظهرت نفسها الآن، والجواب واضح… أن تنتقم وهي تنظر لعينيه تتشفي به،وأنها كانت قريبة منه…لكن هو لن يسمح لها.
تجاهل معرفته السابقة بها عمدًا وتحدث ببرود مُشككً:
مدام…
آسف معرفش إسمك…وبعدين فين إثبات إنك مرات خالي،ما هو مش أي كلام يتقال أصدقه انا مش زي مرات خالي سامية هصدق أي كدب.
برودته فى الحديث معها أغاظها ،كذالك إنكاره معرفتها،شعرت بالغضب قائلة:
أكيد مش هكدب،أنا مرات عزمي مهران،ومعايا قسيمة الجواز.
نظرته الباردة بعدم ثقة أغاظتها،بتوتر ويدها لاحظ طوفان إرتعاشها حين فتحت حقيبتها وأخرجت تلك الورقة مدتها نحوه،أخذها منها وقرأها،ثم تفوه بايحاء واضح:
ده عقد جواز شرعي عند مأذون،طب ليه كان فى السر.
أجابته بتوتر:
كانت رغبة عزمي.
ابتسم بمكر قائلًا:
وإيه اللى إختلف دلوقتي وليه أظهرتي نفسك.
أجابته بكبرياء حقود:
حقي أبقي جنب جوزي وهو متصاب.
لمعت عيني طوفان ببسمة ساخطة،لكن تفوه بإحتقار:
للآسف:
الدكتور مانع تواجد كتير فى أوضة خالي،وبما إنك زوجة تانيه وكنتِ فى السر فالحق للي فى العلن هنقول للدكتور إنتِ مين،كمان خالي لو كان عاوز يعلن جوازه منك مكنش حد هيمنعه ولا يخاف من حد، واضح إنها رغبته لهدف في دماغه.
نظرت له بحقد بعدما فهمت تلميحاته المُقللة من شأنها، تفوهت بغضب:
أنا مرات عزمي مهران، و…
نظر لها بهدوء وحسم قائلًا:
قولت الدكتور مانع وجود أشخاص مش مرغوب فيهم، وأعتقد إنك عارفه إن من الادب زيارة المريض لوقت قليل وزي ما إنتِ شايفه
مش هنقدر نستقبلك أكتر من كده،الزيارة إنتهت.
غيظ…كُره…حقد…غضب… وأمنية واحدة تتمناها… هي حرق قلب ذلك المُتغطرس.
لم تُجادل، فـ بالمجادلة ستخسر أكثر أمامه غادرت مثل هبوب عاصفة ترابية تختفي إعصار.
نظر طوفان نحو والدته، تشعر بآسف وآسي قائلة:
عزمي ليه عمل كده.
وضع يده على كتف والدته وربما أعطي لـ عزمي التبرير فهو فعل ذلك حين شعر بالضياع والانهزام، مع إختلاف الأسباب، لكن هو لم يستمر بذلك الخطأ الجسيم، مثل عزمي الذي يبدوا أنه مع تلك المرأة من سنوات، وكذالك إبنة مجرم، ويبدوا أنها لا تختلف عنه، والدليل السلاح، بالتأكيد وصل عن طريق عزمي، هو من أخفي السلاح، وهل هو خلف مطاردة درة
عقله لا يستوعب، هل بعلم حقيقة ابتهاج ومشارك معها…
نفض ذلك عن عقله لوقت فقط حين تحدثت وجدان ببؤس:
أنا هفضل هنا مع خالك، مرات خالك مشيت برضوا الموضوع صعب عليها.
تنهد طوفان قائلًا:
وصحتك يا ماما انا خايف..
قاطعته بتصميم:
أنا الحمد لله بخير، يومين بس على ما حالته تتحسن ومرات خالك تهدا.
وافق مرغمً، رغم أنه أصبح لديه سبب قوي للخوف من حماقة ابتهاج.
❈-❈-❈
بمشفى آخر
دخلت جود بخطوات مترددة، كل خطوة أثقل من التي تسبقها، حتى توقفت… حدقت في ملامح حاتم الشاحبة، ربما رأف قلبها…لكن إرتبكت حين ازاح الدثار عنه وجذب ذلك العكاز الطبي وقف جوار الفراش لثانيه، بينما بداخل عقل جود صراع، وخطواتها تعود للخلف ببطئ وعينيها تنظر الى حاتم الذي كان يقترب ببطء،لاحظ عودتها للخلف، أسرع حين رأها تضع يدها على مقبض الباب سريعًا وضع يده فوق يدها كادت تسحب يدها…لكن تمسك حاتم بيدها…رفعت وجهها تنظر له تشعر بإرتباك قائلة:
مكنش المفروض أجي.
لحظة صمت سادت المكان، أنفاسها متلاحقة، وصوت دقات قلبها تخترق الصمت….
نظر إليها بعينين تلمعان بخليط من الرجاء والانكسار، صوته خرج مبحوحًا:
جود… ما تهربيش تاني.
ارتعشت أصابعها على مقبض الباب، تبحث عن نجاة لا تعرف أين تكون، تمتمت بصوت مرتعش:
أنا جيت بس عشان أطمن… وده غلط… إحنا إنتهينا.
اقترب أكثر ، يقف يستند على العكاز الذي أحدث صوتًا مكتومًا على الأرض، لكن نظراته كانت أقوى من ضعفه، قال بنبرة جريحة:
غلط… ولا خوف… أنا عمري ما كنت وحش ليكُ، ليه حطاني في خانة الغلط.
خرجت أنفاسها مضطربة، شعرت وكأنها محاصرة بين الماضي وارتباك الحاضر، لم تجد ما تجيب به، فاكتفت بالهمس:
سيبني أمشي يا حاتم… قبل ما أضعف تاني كفاية مش هتحمل خذلان مرة تانية.
أطبق جفنيه لحظة، يتصارع بين رغبته في التمسك بها وبين خوفه من أن يخيفها أكثر، ثم همس:
خذلان…صدقيني يا جود،أنا ندمان على كل لحظة طنت فيها قريبة مني وضيعتها فى وهم كنت عايش فيه،بس صدقيني كنت عايش فى صراع….لما كنت بتعمد أبعد عنك، مكنش عشان أنتقم منك، لاء كنت خايف أضعف وأقولك إن براءة قلبك،هزمت الحقد اللى كان جوايا…
ليه مش عاوزة ترجعي لي… ما تسيبنيش من غير كلمة.
يدها تراخت عن المقبض، نظرت له للحظة طويلة، صامتة، بينما دموع محبوسة تثقل عينيها…حائرة،هنالك صراع عاد ينشب فى قلبها وعقلها،خطأ مجيئها كان خطأ هذا ما يدور بعقلها…وقلبها له رأي آخر يُبرر:
مجرد زيارة مريض…
وإعتراض عقلها يلومها:
أي مريض اليس هذا من بسبيه فقدتي جنينك،لم تجدي معه أي مشاعر قدمتيها له ،وإزداد فى الجفاء… وتلك التي كانت خطيبته…
لوم… لوم… وعقلها يفوز باللوم على قلبها الهش البرئ الذي عاد يتحرك نحو شلال فيضان قد يجرفها لتغرق به مره أخرى…
لكن لا…
سحبت يدها من أسفل يده… بسهو منه تمكنت من ذلك حين أرخي يده فوق يدها… وأزاحها عن المقبض
كادت تفتح الباب لكن عاود وضع يده،حاصرها بين الباب وبينه،يلمع الندم بعينيه…وهي تلمع الدموع بمقلتيها…
مشاعر متناقضة للإثنين…
هي تود الفرار
وهو يود ان يحتضنها… عاد يشعر بألم ساقه لم يعُد يتحمل الوقوف عليها… بصعوبة حاول السيطرة، لكن ضعفت ساقه نظر نحو العكاز، لكن لا يريد الاستناد عليه، لوهله ترك الإنهيار وتراخى وأنخفض بجسده، يآن بآلم وهو يكاد يجثو أمام جود، غير مهتمً لإظهار ضعفه أمامها…
ضعفه الذي هز قلبها… قبل أن يجثو مدت يديها بلهفه تُمسك بيديه… لم يذُهل من موقفها فسابقًا كانت تسنده وهو يقسوا عليها…
مشاعر ضائعة
يلوم نفسه
كأنه كان فى وسط عاصفة تدور به إما أن يتشبث بها وينجوا، أو يترك نفسه للعاصفة تسحقهما… وقد كان لم يهتم وجرها خلفه وسط العاصفة إنسحق الإثنين…وتبعثرا…
سندته حتي جلس على أحد مقاعد الغرفة…رفع رأسه ينظر لها والندم هو ما يتحدث
رفع رأسه نحوها، عيناه دامعتان لكنه يُكابر، نبرة صوته مُنكسرة:
أنا السبب… أنا اللي خذلتك… بس والله يا جود عمري ما كنت عايز أوجعك، أنا اللي كنت مكسور ومش قادر أعترف… وأنتي دفعتِ تمن كسرتي.
أنحنت برأسها للحظة تشعر، كأن كلماته تخترقها وتعيد نزف جرحٍ ظننت أنها كبَحته، لكن همست بمرارة:
وجعت حتة جوايا مش هتتصلح تاني يا حاتم… حتى لو بتندم، الندم عمره ما بيرجع اللي راح.
مد يده المرتعشة نحوها، كأنه يستجدي لمسة، لكنه لم يجرؤ أن يلمسها مرة أخرى، فقط قال بصوت متهدج برجاء:
ما تسيبنيش لوحدي… مش عايز آخُر صورة بينا تكون دي.
جفنتاها ارتعشتا، تنفست بعمق وهي تشعر أن الخطوة التالية إما أن تُنهي كل شيء، أو تُعيد فتح باب كانت أغلقته منذ زمن.
بلا وعي وحنانةقلب اقتربت ببطء، مدت يدها ومسحت دمعة سقطت على وجنته رغمًا عنه… لحظة خاطفة، لكنها أشعلت نارًا بينهما.
تراجعت سريعًا، كأنها لمحت الخطر الكامن في قلبها، ورفعت يدها عن وجهه وهمست بصوت مخنوق:
سلامتك…زيارة المريض بتبقي قصيرة.
قالت ذلكثم التفتت، وفتحت الباب هذه المرة دون أن يمنعها، فقط بقي ينظر لها وهي تبتعد، وعجزه يثقل صدره أكثر من ساقه الجريحة…
بقي وحيدًا، والندم ينهشه، بينما جود تحمل قلبًا مثقوبًا بالحنين والخذلان معًا… وهي تفتح الباب و كادت تخرج، صدى أنفاسها المتقطعة يسبقها، لكن قبل أن تخطو خطوتها الثانية خارج الغرفه سمعت صوته الضعيف يناديها:
جود… لو قلبك كرهني ، قولي بصراحة وأنا هقبل… بس لو لسه في نبضة ليا جواه… ما تقتليش نفسك بالهروب.
تجمدت مكانها، كلمات بسيطة لكنها اخترقت دفاعاتها، شعرت بارتجاف في يديها ودمعة أفلتت رغمًا عنها، توقفت على عتبة الباب…
أغمضت عينيها بشدة، تتمنى لو تستطيع أن تمحو تلك اللحظة، ثم التفتت نحوه ببطء، نظرت في عينيه المرهقتين، وقالت بصوت واهن:
النبض لسه موجود… بس الخوف هو المسيطر أكتر.
تركته مع جملتها تلك، وغادرت
أما هو فابتسم ابتسامة باهتة رغم ألمه، وكأن كلماتها أعادت إليه نفسًا للحياة، جعلته يتشبث بأمل جديد لم يكن يملكه من قبل.
ظل جالسًا على المقعد بعد خروجها، يراقب الباب المغلق وكأن بقايا وجودها ما زالت عالقة في الهواء… لمس أثر دموعه على وجنته بيده المرتعشة، ثم تمتم لنفسه بصوت خافت:
يعني لسه في فرصة.
أغمض عينيه للحظة، يستعيد صورًا من الماضي، أخطاؤه، جفاءه، قسوته، وكل لحظة تركها وحيدة وهي تنزف ألمها… شعر كأن الحمل الذي أهمله يعود ليقع على كتفيه من جديد…
فتح عينيه ببطء، ونبرة إصرار غريبة تسللت بين أنفاسه:
أنا مش هسيبهك تاني… المرة دي هثبت لك إن حاتم اتغير علشانك… مش بالكلام، بالفعل.
أمسك بالعكاز، لكن هذه المرة لم يتكئ عليه فقط لينهض، بل كأنه يحمل عزيمة جديدة… أوجاع ساقه لم تخفف عزيمته، بل جعلته يشعر أن التغيير لابد أنيبدأ من هنا، من ضعفه.
ابتسم ابتسامة هادئه وهو يهمس باصرار:
لازم اثبت لها إني إتغيرت… هخليها تشوف رجل تاني… راجل يستحق نبض قلبها
خارج المشفى، كانت جود تمشي بخطوات سريعة، تشعر أن الهواء يضغط على صدرها، وكلمات حاتم تطاردها في كل خطوة..
وضعت يدها على قلبها، محاولة تهدئته، لكن الحقيقة كانت أوضح من أي وقت مضى… قلبها لم يمت تجاهه، فقط غلفته بطبقات من الخوف والخذلان…
لحظة توقفت، استدارت لا إراديًا نحو المشفى، بعينيها دموع وصراع، ثم قالت في سرها:
اثبت لى إنك إتغيرت يا حاتم… يمكن ساعتها اقبل أرجع.
❈-❈-❈
بحديقة مشفي عزمي
نفث طوفان دخان السيجارة وهو يسمع لاستفسار جلال:
وهتعمل إيه واضح إن الست دي خلاص بإعلانها نفسها إن عندها نوايا خبيثة، وإنت بتقول ان ابوها كان تاجر سلاح والتهمة إتثبتت عليه، يعني ممكن تكون كملت فى نفس الطريق.
زفر طوفان نفسه بحيرة قائلًا:
ده أكيد واضح جدًا فاكر يوم ما إتهجموا على درة بالطريق بعدها في التحقيقات أنا كنت حاضر والمجرم يومها راوغ فى التحقيقات، بس أنا أنفردت بيه وحاولت معاه لحد ما قالي هو خد السلاح من وسيط والوسيط قاله لو نجحت فى العملية وحصل المراد هيبقي لك فرصة تبقي من رجالة “سيتنا”
ولما أتكلمت مع وكيل النيابة بعدها قالي معلومة ان فى تُجار سلاح ظهروا فى المنطقة وفي منهم اللى بدأ ينكشف وإسم “سيتنا” منهم، بس مش معروف هي مين بالظبط…
ظهور ابتهاج النهاردة دخل شك كبير إنها هي
“سيتنا”،نفسي اعرف إزاي وصلت لطريق خالي عزمي وليه إتجوزها فى السر كمان ظهورها النهاردة مالوش غير معني واحد إنها راجعة لهدف فى دماغها،انا كنت وكيل النيابة فى قضية أبوها،أبوها مكنش من الفطاحل،كان كبش فدا للـ الكبار وهو اتحمل القضية وواضح إنه وقتها خاف من أذيتهم، فقال كام سنه سجن أرحم، كمان هيعيش فى خيرهم وهو فى السجن وكمان وبنته،بنته كانت متجوزه صبي من صبيانه إتقتل وقت المُداهمة وعرفت فيما بعد إن والدها مات فى السجن بعد شهور قليلة.
تفهم جلال ذلك لكن تسأل للتوضيح:
طيب وخالك ساذج للدرجه دي، معرفش هي بنت مين… ولا يمكن مشارك معاها بدون ما يعرف.
ـ عزمي مش ساذج يا جلال… بس كمان قلبه طيب زيادة، والست دي عارفة تدخل منين. يمكن لعبت على نقطة ضعفه وهو تعبه واحتياجه لحد جنبه بعد ما خسر كتير.
بس اللي مقلقني أكتر… إن الموضوع شكله أكبر من مجرد زواج سرّي. دي مرجعة بخطة، وأنا متأكد إن اللي وراها لسه موجودين وبينفخوا في النار.
توقف لحظة ومسح على جبينه وكأنه بيحاول يلملم أفكاره، وأضاف:
فسر طوفان:
خالي مش ساذج…إنه يتحول لواجهة زي ما بتقول…، كمان والد ابتهاج كان بيشتغل فى نصلخة البريد، موظف كستار طبعًا، ممكن يكون مدورش وراها، أو عرف وطنش….
حاسس إن كلنا داخلين في دوامة، ودي مش لعبة سهلة. “سيتنا” مش مجرد اسم في التحقيقات، دي عقل مدبر وهتستغل أي فرصة.
واللي يخليني متأكد أكتر إن في رابط… إن الوسيط أكد للمجرم… إن اللي ورا العملية ست، وإنها مش بتظهر بنفسها غير لما تكون عايزة توصل رسالة واضحة… وظهورها رساله واضحة.
-طب وإنت هتعمل إيه.
هكذا تسأل جلال بإستفسار
القي طوفان السيجارة أرضًا وسحقها قائلًا:
مفيش قدامي غير حلين
الحل الاول إنى مخرجش لا درة ولا جود ولا أمي من الدار نهائي وده مستحيل طبعًا وهيزرع فى قلبهم الخوف… درة على تكة دي لسه بتحلم هواجس وهي نايمة وأوقات بحسها بتخاف إن نوح يطلع بره الدار… وزاد خوفها بعد ما انا كمان إنصابت
-طب والحل التاني؟
أجابه طوفان وهو يتنهد بسأم:
الحراسة مفيش قدامي غير تزويد الحراسة عالكل، حتى على خالي عزمي نفسه.
❈-❈-❈
ليلًا
بمنزل طوفان
بغرفة النوم
إنتهت درة من إطعام صغيرها من زجاجة الحليب، مسحت على وجنته بأصابعها ثم نهضت تبتسم له بحنان،
نظرت نحو طوفان، الواقف خلف زجاج الشرفة، يداه معقودتان خلف ظهره وعينيه تنظران في الأفق البعيد.
رفعت حاجبها باستغراب وتفوهت بخفة:
طوفان…
لم يلتفت، ظل صامتًا، وكأن أفكاره تأخذه بعيدًا عنها وعن المكان… تقدمت نحوه بخطوات هادئة، حتى وقفت بجانبه، انعكس ظلها هي نوح على الزجاج بجوار ملامحه الجامدة.
قالت بصوت هادئ:
بكلمك مش بترد، سرحان فى ايه
التفت طوفان ببطء، عيناه ما زالت تحملان ثِقل أفكاره، ثم زفر تنهيدة عميقة وتبسم حين تحدثت درة لصغيرها:
باباك سرحان ومش مهتم بجنابك.
ضحك طوفان بغصة وهو يحمل الصغير منها يُقبل وجنتيه… تبسمت درة قائلة:
كنت سرحان فى إيه، لو موضوع خالك وإن الدكتور قال إنه إحتمال كبير يفضل عاجز، الطب إتقدم متقلقش.
غص قلب طوفان، مازال يشعر بالقلق والريبة…
لكن تبسم لها…
كذالك تبسمت درة لصغيرها الذي يتثائب، تحدثت بمرح:
نوح بيتاوب شكله هينام… شكرية قالت لى إنه منامش كتير النهاردة، كان لسه هينام، جود كاتا خرجت ولما رجعت وقعدت تشاغبه ومنامش.
استغرب طوفان سائلًا:
و جود كانت خرجت راحت فين.
لوهلة إرتبكت درة لكن راوغت قائلة:
معرفش ده اللى قالته شكرية، يمكن كانت بتشتري أدوات رسم تخصها، هات نوح أما أنيمه فى سريره شكله هينام، كويس عشان انا كمان انام حاسة إني مُرهقة، شغل المستشفى اليومين دول فى دور حساسية شغال فى العيون والمرضي كتير
ربما فرصه لـ طوفان يجعلها تأخذ أجازة دون أن يجبرها أو تلاحظ قلقه،تنهد قائلًا:
خدي أجازة شكلك فعلًا مرهقة.
تبسمت درة قائلة:
خدت أجازات كتير،كمان أنا أتأخرت كتير عن زمايلي عاوزه أبدأ فى الماجستير… وتجهيزات مركز البصريات، لغاية دلوقتي حتي ملقتش مكان مناسب…
لوهله تغضنت ملامح درة للحزن قائلة:
اللى حصل فى الفترة الأخيرة أخرني كتير.
ضمها طوفان يشعر بوخزات وقلق ينهشان قلبه…ضمها من كتفها ثم وضع قّبله على جانب عنقها…نفضت درة ذلك الشعور وتبسمت بغصة قائلة:
هات نوح وإنت غير هدومك عشان تنام،شكلك إنت كمان مرهق.
تبسم لها ليس بمزاج مشاغبة معها…
رغم ملاحظة درة وتوقعها انه سيشاغب لكن خاب توقعها لم تهتم بسبب تثائب نوح ذهبت به نحو مهده الصغير وقفت قليلًا تحمله،حتى إمتثل للنوم وضعته بمهده ثم تبسم لـ طوفان الذي تخلص من ثيابه وإستلقي على الفراش،خفضت إضاءة الغرفة وذهبت نحو الفراش إستلقت عليه سُرعان ما تبسمت حين فرد طوفان لها يده،إقتربت منه وألتصقت به
تبسم،وضعت قُبله على وجنته قائلة:
تصبح على خير.
إبتسم وهو يراها تحاول إغماض عينيها،بنفس عاد الفِكر السيء يشغل رأسه،لكن حاول نفض ذلك
وظل يحتضنها للحظات، لكن مازالت ثورة عقله لم تهدأ بعد، داخله عاصفة صامتة… تنهد بقوة يحاول ويحاول…
لاحظت درة ذلك،شعرت ان هنالك ما يؤرقه.. رفعت رأسها عن صدره تنظر إليه، تبحث عن إجابة بين ملامحه الجامدة:
طوفان… في حاجة مخبيها عني.
تردد، نظر بعيدًا عن وجهها ثم عاد إليها، كأنه يحارب نفسه بين أن يُصارحها أو يُطمئنها بكلمات عابرة…
لكن ليس أمامه غير ذلك،حاول إخفاء توتره وقام بوضع، قبلة فوق جبينها قائلًا:
وهخبي عنك إيه، مفيش حاجه، ممكن إرهاق مع إصابة كتفي.
اقتربت أكثر، تلتصق به،ضمها بين يديه يتنهد يود أن ينسي معها كُل هواجسه.
رفعت يديها تحاوط وجهه تبتسم دون حديث، فقط بينهما نظرات صامته… ضم شفتها لشفتيه فى قُبلة طويلة عميقة
همس بصوت دافئ:
أنتي حياتي يا درة.
لمعت عينيها ببسمة ، تستسلم لاحتوائه لها …
عاد يتحدث من بين أنفاسه:
خليني أضيع فيكِ لحظة… يمكن أنسى الدنيا كلها.
أغمضت عينيها، تستسلم لحضنه وقبلاته المتفرقة على وجنتيها، تشعر دائمًا أن حضن طوفان هو ملاذها من كل خوف.
شعر طوفان بضمها له بدأ يهدأ تفكيره… ابتسم وهو يبعد وجهه قليلًا عنها، عينيه تغوص في عينيها. همس بدفء وإحتياج:
محتاجك…محتاجك جنبي دايمًا.
وأنا جنبك دايمًا يا طوفان مش هسيب إيدك ولا هبعد عن حضنك.
أنا قوتي كلها منك… من عينيك وصوتك ولمستك.
مال عليها أكثر، قبلها ببطء، قبلة امتدت حتى ذابت فيها كل الكلمات، كل الخوف، كل القلق…
انسابت أنفاسها بين شفتيه، وأطبقت جفونها لتستسلم لحنانه، بينما هو يحتضنها كان العالم كله قد انكمش داخل هذا الفراش، داخل هذا العناق… شعرت بحرارة أنفاسه تلفح بشرتها… لم يقبلها كعاشق فقط ، بل كمن عثر على كنز ثمين
مرر أصابعه على وجنتها، ينزل ببطء إلى عنقها، ثم همس بصوت خافت يُشع عشقًا:
درة… إنتي كل اللي ليا، ولو الدنيا كلها بقت فوق راسي… يكفيني حضنك.
أغمضت عينيها، قلبها يخفق بعنف، كأن كلماته أعادت إليها الاطمئنان المفقود… شدت يده إلى صدرها، كأنها تؤكد له أنها تريده أن يسمع دقات قلبها العاشق…
ابتسم وهو ينظر إليها، ثم مال عليها ببطء، يغمرها بقبلات متفرقة على جبينها، على وجنتيها… على شفتيها التي ارتجفت أولًا ثم سرعان ما استسلمت له…
تقلص الفاصل بينهما حتى لم يعد هناك شيء يفصل جسديهما غير الدثار الذي سرعان ما أزاحه، ليغطيها بجسده هو ، يريد أن يحميها من كل لمسة هواء…
غرقا معًا في لحظة لم يعد للوقت ولا للخوف فيها أي سُلطة، لحظة كان فيها العشق وحده هو السُلطة الحاكمة.
❈-❈-❈
بعد مرور عِدة أيام
فى ظُلمة آخر الليل
قبل الفجر
بهنجر قديم كان أحد مخازن مصنع عزمي…
دلفت تلك المُلثمة تنظر حولها، حتى رأت ذلك الجالس إقتربت منه… ازاحت التلثيمة عن وجهها ونظرت نحوه تهكم بإستهزاء قائلًا:
خير يا مرات أبويا ليه طلبتي نتقابل فى السر.
نظرت نحوه ابتهاج لديها شعور أنه ليس أقل من سوءًا… تنهدت تلتقط نفسها قائلة:
خير يا إبن جوزي، طلبت نتقابل، لان إحنا الإتنين عدونا واحد وعلى رأي المثل
“عدو عدوي…”
ضحك وليد قائلًا:
مستحيل نبقي حبايب طبعًا بس ممكن نتحالف سوا طالما هدفنا واحد.
زفرت ابتهاج نفسها سائلة:
ومين العدو ده.
أجابها ببسمة سخرية.
طوفان طبعًا، ومعروف نقطة ضعفه مين.
-طب واللى تجبهالك لحد عندك.
قالتها ابتهاج بثقة، فتبسم وليد قائلًا:
مش عاوزها هي بس فى واحدة تانية ودي الأهم عندي، يا مرات أبويا.
❈-❈-❈
بمنزل الشيخ عرفة عقب صلاة الظهر بالمندرة
جلس مع حاتم يتحدثان ببعض الشؤون حتى دلف عليهما طوفان ألقي السلام فى البداية كاظ يبتسم، لكن تغضنت ملامحه حين رأي حاتم…
رحب الشيخ عرفه به وجلس، تنحنح عرفة قائلًا:
أنا طلبتك النهاردة يا طوفان عشان شأن مهم.
اومأ له طوفان قائلًا:
خير يا شيخ عرفة.
تبسم عرفه وهو ينظر لـ حاتم قائلًا :
خير بإذن الله… بص يا طوفان بدون الدخول فى أضغان ومنغصات الماضي… حاتم جالى وه. ناوي يفتح صفحة جديدة فى حياته…
توقف عرفة يلتقط نفسه بينما تهكم طوفان بسخرية قائلًا بنظرات حادة لـ حاتم:
هيفتح صفحة ولا كتاب حتى وأنا مالى…حضرتك طلبتني وقولت عاوزني فى أمر هام،إيه هو.
تنحنح عرفة ربما يتوقع رد فعل طوفان لكن لا مهرب تفوه بهدوء:
حاتم جالي عشان أتوسط له فى أمر رجوعه هو وجود بتجوزوا تاني… بس قبل ما تقول قرارك فكر، كمان تأكد مش هتلاقي مني ضغط ولا حتى هزعل أيًا كان قرارك.
انعقد حاجبا طوفان بحدة، وكأن الكلام ارتطم بجدار صدره فجأة…. ابتسم ابتسامة باهتة سرعان ما انطفأت، وصوته خرج أقوى مما أراد:
رجوع مين ،حاتم و جود… بعد كل اللي حصل.
أخفض حاتم وجهه للحظة، عيناه تهربان بعيدًا نحو الظلال خلف زجاج الشرفة،ثم عاد ينظر نحو طوفان بريق حائر حين تسأل طوفان:
بس ليه جالك إنت… طبعًا عشان يستغل طيبتك وتأثيرك عليا
تنحنح عرفة وهو يرد بهدوء يعلم تأثير كلماته:
جالي أنا عشان عارف إنك مش هتسمع له، ولا هي هتقبل تواجهك بالكلام ده… يمكن شاف إني الأهدى فيكم… أو يمكن خايف من رد فعلك الصريح.
ثم مد يده ووضعها على كتف طوفان:
بص يا ابني، أنا مش بدافع عنه… ولا بقولك وافق أو ارفض… أنا بوصل لك طلبه، والباقي عندك… إنت أدرى بشؤون أختك.. يمكن قلبها خلاص قفل، ويمكن لسه فيه باب موارب… القرار مش بتاعي ولا بتاعه… القرار بتاعكم إنتوا الاتنين.
سكت لحظة، ثم تحدث بنبرة أكثر رصانة:
أوقات الجرح الكبير محتاج وقت… وأوقات تانية محتاج خطوة جريئة. فكر قبل ما ترد، لأن الكلمة في المواقف دي بتغير مصاير.
وقف طوفان بكبرياء وبلا تردد قائلًا:
الموضوع مش محتاج تفكير يا شيخ عرفة،
المرة اللي فاتت لما حاتم طلب يتجوز جود أنا سيبت القرار في إيدها، وكانت النتيجة قاسية وظالمة عليها… لكن المرة دي أنا مش هسمح لنفس الغلطة تتكرر.
توقف للحظات ثم تحدث بقرار حاسم ونظرة قسوة لـ حاتم :
جود مش ورقة شجر في مهب الريح…جود مش بس أختي…دي بنتِ…. والقرار عندي، وإن كنت غلطت مرة وسيبت لها القرار… فأنا المرة دي اللى هاخد القرار وهي مش هتعترض عليه…. وانا برفض طلب سيادة الظابط المُغفل.
🌷🌷
↚
بعد مرور يومين
فى عتمة الظلام،أمام ذلك الهنجر القديم…كان موعد
لقاء الشياطين على ضوء الهواتف المحمولة
جلس وليد على جذع أحد الأشجار المقطوع ينظر بإستهزاء وتقليل من قوة ابتهاج قائلًا بضحكة استفزاز:
خير… طلبتي نتقابل، رغم لغاية دلوقتي منفذتيش أي شيء من سبق اتفقنا عليه.
شعرت بالإستفزاز من نبرة وليد الواضحة، ليس فقط إستفزاز كذالك غضب لكن لو لم تحتاج الى ذلك الوضيع لكانت أقل شيء قتلته وبصقت على جثته، تحكمت فى ذلك وإبتلعت ريقها قائلة:
إنت عارف ان طوفان بدل الحراسة وزودها كمان بالأخص على مراته و…
قاطعها وليد بعُنف:
الوضيعة مرات طوفان، متفرقش معايا قد ما يفرق معايا البنت التانية اللى قولتلك عليها، هي الأهم عندي وبعدها، أصفي حسابي مع طوفان على رواق، كانت غلطة منك ظهورك قدامه، خلاه خد حذره وزود الحراسة،…
توقف للحظه ثم عن قصد تفوه بنبرة ذم مباشرة:
مش عارف كان فين عقلك لما وقفتي تتباهي قدام طوفان إنك مرات أبويا وكشفتي نفسك له، إيه خوفتي أبويا يموت وينسوكِ فى الميراث ولا كان فى دماغك هدف تاني، أهو بدل ما كان مأمن زود الحراسة وأكيد مراقبك عالنفس ومش بعيد يكون واحد من رجالته متعقبك دلوقتي.
نظرت له بسخط قائلة:
بلاش طريقتك دي فى الحديت معايا،أنا بسهولة أنقض الاتفاق اللى بينا وأكمل هدفي لوحدي…لكن إنت محتاج لى والدليل كدبة رجلك المكسورة اللى واضح إنها خدعة بس فاتت على رؤسائك فى الجيش حتى كمان الدكتور صدق كدبك…بص يا وليد أنا عارفة بعمل إيه،وظهوري قدام طوفان مقصود وعارفة إنه أكيد زارع مراقبة عليا،بس متأكدة إن مفيش حد متعقبني مستحيل،عارف ليه…
توقفت للحظات تنظر لملامح وليد المُتهكمة،ثم ت شفتيها ببسمة
أكملت ببرود وهي تميل قليلاً للأمام، بصوت منخفض لكن مليء بالتحدي:
أنا اللي زارعة المراقبة يا وليد… أنا اللي محددة خطواتي بنفسي من الأول للآخر، وعارفة كل واحد فيكم بيتحرك إزاي وفين. أنت فاكرني لعبة سهلة لا يا وليد… أنا اللي ماسكة الخيوط مش إنت… ولو حبيت أقطع الخيط اللي بينا هعمل كده في ثانية… فاهم.
ارتبك وليد لوهلة، اختفت السخرية عن وجهه لتحل محلها نظرة حذرة، كأن كلامها أصابه في مقتل… أما هي فاعتدلت في جلستها، وأشاحت بوجهها عنه وهي تهمس لنفسها بابتسامة منتصرة:
اللي بيلعب بالنار لازم يكون مستعد يتحرق بها.
ارتسمت على وجه وليد نصف ابتسامة، تلك التي يجيد بها إخفاء ارتباكه كلما شعر أن خصمه كسب الجولة… ألقى بجسده إلى الخلف قليلًا شبك ذراعيه على صدره ونظر لها بنظرة طويلة قبل أن يقول بنبرة هادئة لكنها محملة بالتهديد:
واضح إنك فاهمة اللعبة صح يا مرات أبويا… بس المشكلة مش في فهم اللعبة، المشكلة إن اللي حواليكِ بيلعبوا بقواعد غير القواعد اللي حطتيها لنفسك…
اللي زيك ما بيخافش، بس برضه ما يعرفش كل حاجة. وأنا على فكرة ما كدبتش في رجلي… أنا فعلاً رجلي مكسورة، بس مش باللي إنتِ متخيلاها.
نهض واقفًا وإنحني يقترب منها فجأة، كأنه يريد أن يكسر المسافة بينهما، حتى شعرت بحرارة أنفاسه وهو يهمس عند أذنها:
الكسرة اللي عندي مش في العظم… في القلب، وفي الضهر اللي انطعن من ناس كانوا محسوبين عليا.
ثم استقام و ابتعد خطوتين للخلف، وعاد ذلك اللمع في عينيه وهو يقول بابتسامة ساخرة:
بس صدقيني يا مرات ابويا مش هتقدري تكلمي خطوة واحدة لوحدك من غير ما أنا أكون في الصورة… حتى لو كنتِ فاكرة إنك ماسكة الخيوط.
رفعت رأسها بثبات، نظرت له نظرة متحدية وهي ترد بسخرية باردة:
يبقى استعد للعبة طويلة يا وليد… لأن اللي قدامك ما بيعرفش ينسحب ولا يعرف يخسر.
قبل أن تكتمل كلماتها، صدح فى المكان دوي مسموع
ارتجف الإثنين
كأن الأرض نفسها انشقت تحت أقدامهما… سمعا كأن صوت ارتطام زجاج من النوافذ، ،
شهقت هي وهي تتشبث بحافة الجذع بينما اندفع وليد الى داخل بغريزة المعرفة، ثواني حتى هدأ قلبها وذهبت خلف وليد الى الداخل، تتبين ما حدث، كم سخرت من ذلك الهلع الذي أصابها، حين رأت سقوط بعض المصابيح من السقف البالية وإفتعلت شرر متطاير مصحوب بصوت فرقعه أربكهما الإثنين…
توقفا ينظران لبعضهما ببُغض شديد لولا احتياجهم لبعض لقتلا بعض فى الحال، لكن كذالك هو تحالف الشياطين دائمًا على غِش بناءًا على المصلحة.
❈-❈-❈
صباحً بغرفة نوم طوفان… إستيقظت درة على همهات صغيرها، نهضت من الفراش، وتوجهت نحو مهد صغيرها إبتسمت حين وجدته مُستيقظ تيقنت أنه جائع، وضعت اللهايه بفمه ثم جذبت مئزر مُحتشم وإرتدته فوق منامتها وغادرت الغرفة لدقائق ثم عادت بزجاحة حليب لصغيرها حملته من مهده وجلست تُطعمه حتي شبع، نهضت وضعته بمهده الصغير توقفت لحظات
رمقت صغيرها ببسمة حنونة، ثم نظرت نحو الفراش تنهدت وهي تنظر نحو طوفان الغافي يبدوا الارهاق واضح على ملامحه،شعرت بوخز فى قلبها، بتلقائية ذهبت نحو الفراش، إنحنت قليلًا وكادت تمد يديها نحو طوفان لكن سُرعان ما شهقت وهي تلتقط انفاسها بعدما جذبها طوفان على غفلة منها أصبحب ممددة على الفراش وهو يطُل عليها بجسده
رغمً عنها إبتسمت شفتاها وهي تحاول التملص من قبضته، لكن يده كانت أسبق، استقرت على معصميها يثبتهما، وعيناه تحدقان بها بعمق … همست بصوت متقطع:
إنت صاحي من إمتى… وبعدين إبعد عني، إبنك صاحي.
ابتسم بخبث خافت، وصوته خرج أجشًا:
صاحي من أول ما قومتي من حضني وخرجتي ورجعتي، وبعدين إبني حتى لو صاحي فهو رايق فى سريره… يبقي إنتِ من حقي دلوقتي.
ازدادت وجنتاها ابتسامًا، قلبها يصرخ بعشقه .. حاولت دفعه بدلال، لكنه ازداد قربًا، حتى صار يفصل بين أنفاسهما نفسٌ واحد
أغمضت عينيها للحظة، تائهة بين رغبتها في المقاومة وبين انجذابها الذي لم تستطع إنكاره… تنهدت بخفوت
ابتسم وهو يمرر أصابعه برفق على وجنتيها ثم إستقر على شفتيها قائلّا بعشق:
بحبك يا درتي العنيدة.
إبتسمت بدلال… رفعت يديها حول عُنقه لكن لم تتحدث حين هبط بشفتيه يضم شفتيها بقبلات ناعمة تزداد شغفّ
كلماته وقبلاته حاصرت قلبها، فاستسلمت لفيضانه العذب الرقيق… أسند جبينه فوق جبينها، تنفّس منها كأنه يلتقط روحه من أنفاسها… ترك شفتيه تنزلق إلى عنقها في قبلات دافئة، تركت جسدها يذوب في حضنه….
بعد قليل هدأت أنفاسهم الصاخبة، رفعت رأسها عن صدره نظرت له بإستفسار سائلة:
مش هتقولى بقي إيه اللى مضايقك و..
قاطعها بتبرير كاذب:
مفيش حاجه مضيقاني و..
قاطعته بتأكيد:
طب والحراسة اللى زادت حوالين البيت، وعليا و…
قاطعها بتبرير كاذب لا يود إثارة قلقها:
عادي، نفس الحراسة، بس عشان إتغيرت متهيألك إنها بقت أكتر كمان…
قاطعته بإصرار بعدما لم يُرضيها تبريره:
طوفان…
قاطعهما الإثنين صوت بكاء صغيرها، الذي أنقذ طوفان وفرصه ليتهرب من الرد عليها… رغم إصرارها لكن نهضت من جواره وذهبت نحو مهد نوح وحملته بنفس اللحظة كي يتهرب نهض طوفان هو الآخر قائلًا:
هروح أخد دوش عندي ميعاد فى المصنع مع جلال وبعدها هروح لـخالي المستشفي.
اومات درة وإنشعلت مع صغيرها، بعد قليل على طاولة الفطور
لم يقتات سوا القليل، يتهرب من نظرات كل من وجدان و جود ودرة
نهض قائلًا:
عندي شغل مهم لازم أخلصه، أشوفكم المسا.
تهرب ولم ينتظر.. بينما نظرن الثلاث لبعضهن ولم يتحدثن… كل منهن فى قلبها قلق واضح تحاول إخفاؤه.
❈-❈-❈
قبل الظهر بقليل
بمنزل كوثر
دق جرس المنزل،ذهبت سجى لفتح الباب…بمجرد أن فتحت الباب إندهشت وتوقفت مثل الصنم…
تبسمت لها كاريمان قائلة بعتاب رقيق مرح :
صباح الخير يا سجي هتسبيني واقفه عالباب كده مش هتقوليلي إتفضلي يا طنط.
نفضت سجى الإندهاس وإرتبكت قائلة:
آسفه… إتفضلي يا طنط.
دلفت كريمان الى المنزل قائلة:
أنا جايه أزور الست كوثر، عارفه إني إتأخرت المفروض كنت أزورها من زمان، بس الظروف بقى.
إرتبكت سجي، لاحظت كريمان ذلك وأعطت لها العُذر فزيارتها حقًا غير متوقعه، وربما غير مُرحب بها لكنها أخذت قرار أن تبدأ هي بالوصل
بابتسامه باهتة تحدثت سجي!
أكيد يا طنط، ماما هتفرح بزيارتك.
أشارت بيدها لتدخل كريمان إلى الصالون، بينما قلبها يخفق بشدة وكأن شيئًا ما يُنبّهها أن تلك الزيارة لن تكون عابرة.
لمحت كوثر ذلك صدفة كانت تخرج ببطء من غرفتها، تضع شالًا رقيقًا فوق كتفيها، عيناها اتسعتن بدهشة أكبر من دهشة ابنتها وتفوهت بإندهاش
كريمان!
ذهبت نحو غرفة الضيوف ودلفت بحركة بطيئه قائلة بهدوء:
كريمان… إيه المفاجأة دي.
نهضت كريمان وإقتربت منها بخطوات هادئة، مدت يديها لتعانقها قائلة:
عارفة إني جاية بدون إذن سابق… آسفه لو كنت أزعجتك.
توترت كوثر وإستغربت ذلك لكن رحبت بها قائلة:
إحنا أهل… وده بيتك تجي فى أي وقت.
لم يكُن الاندهاش لـ كريمان وحدها التي توقعت فتور من كوثر، لكن سجي نفسها إندهشت من ذلك، لكن دخل الى قلبها شعور سعيد… حين مدت كريمان يدها بعبوة ورقية متوسطة قائلة:
ده عسل نحل من مزرعة باسل، عسل طبيعي وكمان شمع عسل نحل فيه شفي لما جابهم باسل قولت لازم أخد صندوق لـ كوثر.
نظرت كوثر لـ سجي وامات براسها مبتسمة تقول بوِد:
خدي الصندوق من طنط كريمان وديه المطبخ وهاتي لينا عصير الجو بدأ يحرر…طبق كيكه من اللى إنتِ عملاها.
ابتسمت سجي بسعادة وهي تأخذ الصندوق من كريمان، بينما أشارت كوثر لـ كريمان بالجلوس…
جلست كاريمان كذالك
كوثر التى تجمدت ملامحها للحظات، كأن الماضي كله اندفع أمامها فجأة، ثم حاولت أن نفض ذلك الحقد من قلبها، ايقنت ان كل شيء كان قدرًا، وهي تقبلت ذلك وإنتهي الحقد، فربما كان القدر ألطف معها، رزقها بزوج ربما ليس كما طمحت، لكن كان رؤوفًا عكس والدها الثري الذي كان يستخسر الدواء في والدتها، هو ينفق عليها بلا إنزعاج… كذالك ثلاث فتيات
يستابقن على خدمتها دون تذمُر،نسوا قسوتها وبدلوها الى محبة وإهتمام منهن لها.. تبسمت ماذا تود أكثر من ذلك،ربما مرضها لا علاج له لكن العلاج فى إهتمام من حولها بها…
بينما جلست كريمان على الأريكة، ظلت لحظات عيناها مثبتتين على كوثر بنظرة تحمل خليطًا من الوِد والأُلفة…كذالك عادت سجى وضعت صنيه صغيرة ثم بجوار والدتها، تشعر بارتباك يتصاعد مع كل ثانية صمت بينهما…
صمت قطعته كوثر حين رحبت بـ كريمان ثم سألتها بوِد:
واضح إن باسل مش بس واخد ملامح والده كمان هاوي نفس الهوايات.
أومات كريمان ببسمة رغم غصة قلبها ولمعة عينيها بالدموع قائلة:
باسل كان دايمًا مرافق لـ مختار،كمان نفس الدراسة فى آخر سنه فى الجامعة السنة دي.
ابتسمت كوثر قائلة بصدق:
ربنا يباركلك فيه ويفرح قلبك.
-آمين
قالتها كريمان
ليجرهم الحديث الى مواضيع دون حساب، رغم أنه لقاء أول مباشر بينهم لكن فتح الباب على مصراعيه لبداية صداقة قد تتحول بالمستقبل لارتواء قلوب.
❈-❈-❈
عقب الظهر
بمديرية الامن بـ المنيا
دلف طوفان الى إحد الغرف، صافح ذلك الشخص الذي رحب به وما هي الا لحظات وسمعا طرق على باب الغرفة ثم فتح الباب ودخول شخص آخر تنفس طوفان ثم زفر نفسه بضجر، نهض القائد يصافحه قائلًا:
وصلت فى ميعادة يا سيادة الظابط، إتفضلوا إقعد.
جلس بالمقابل لـ طوفان الذي رمقه بنظرة إشمئزاز مقصود منه…لم يُبالي حاتم،بينما نظر لهما القائد وأخرج ملف قائلًا:
قدامي تقرير الطب الشرعي،وفيه مفاجأة ليكم إنتم الإتنين،واضح جدًا إنها كانت نوايا مقصودة.
تسائل حاتم:
خير يا أفندم إيه اللى فى الملف ده.
أجابه القائد بتوضيح:
الرصاص اللى إتصاب به السيد طوفان أثناء الهجوم عليه قدام المقر بتاعه،للآسف التقرير مكتوب إن العيار طلع مطابق تمامًا لسلاحك يا حاتم، اللي كنت مبلغ إنه اتسرق.
ذُهل حاتم لحظة، قبل أن يتمالك نفسه ويرد بحزم:
مش معقول يا أفندم، السلاح ده مسروق ببلاغ رسمي من شهور، ومثبت بمحضر… يعني واضح جدًا إن في حد متعمد يورطني.
ذُهل طوفان هو الآخر قائلًا:
معني كده إن مقصود
في طرف ثالث بيحاول يزرع فتنة بينا ويستغل أي ثغرة.
وافق القائد على رأي طوفان قائلًا:
فعلًا ده واضح جدًا، من وقت سرقة سلاح حاتم وكان فى توقع إن السلاح ده يستخدم لهدف خاص…وطبعًا اللى اعرفه كان بينكم نسب تقريبًا فممكن يكون ده هدف السارق بعد ما إستخدم السلاح ضدك يا طوفان، طبعًا متوقع نشوب صراع شخصي، يمكن يكون انتقام متخفي ورا جريمة ظاهرها عادية.
عدل القائد جلسته ونظر في عيون طوفان بجدية:
الموضوع مش مجرد سرقة سلاح والسلام… دي خطة محبوكة، والمستهدف الأساسي واضح…
أنا محتاج منك تركز وتفتكر أي تفاصيل حتى لو بسيطة عن خلافات قديمة، خصومات، أو حتى تعاملات كانت مرتبطة بيك أو بيه.
تبادل طوفان وحاتم النظرات، ثم زفر طوفان قائلًا:
ـفيه حاجات كتير اتسابت ورا ضهرنا، وكنت فاكر إنها انتهت… بس يبان إن الماضي بيرجع بطريقة أقسى.
رد القائد بصرامة:
الماضي لما بيتساب من غير حسم بيرجع يطارد صاحبه… والمرة دي، واضح إن الهدف أكبر من مجرد أذى شخصي، دي ممكن تكون رسالة تهديد عامة.
تحرك حاتم بتوتر وهو يقول:
يعني نفهم إيه… إن اللي ورا السرقة دي بيخطط لضربة أكبر أكيد.
ابتسم القائد ابتسامة غامضة وهو يهز رأسه:
ـ دبالظبط… وأظن الدور الجاي مش هيكون سهل.
تحدث طوفان بحزم:
أنا مش هسيب الموضوع يمر كده… أياً كان اللي ورا السرقة دي، وأياً كان هدفه، لازم يتكشف… مش عشاني أنا بس، عشان مايبقاش فيه دم تاني يندفع تمن لعبتهم.
أومأ القائد برأسه موافقًا:
تمام يا طوفان… بس خلي بالك، اللي قدامنا مش عدو سهل، وبيتحرك بخطوات محسوبة جدًا… محتاجين نكون أذكى منه.
تدخل حاتم بقلق واضح وهو ينظر نحو طوفان سائلًا:
يعني هنتصرف إزاي دلوقتي… المفروض يكون فى حذر شديد، متأكد إن الشخص ده ممكن يكون كشف عن نفسه بدون ما يعرف.
تبادل طوفان معه النظر، للحظة كاد يتفوه بإستهزاء، لكن أومأ بتأييد… تبسم حاتم قائلًا:
كده يبقي ضروري نتكاتف.
نظر له طوفان وزفر نفسه بينما تفوه القائد بحسم:
دي قضيتك يا حضرة الظابط، رد سلاحك زي رد شرفك لازم تعرف مين اللى كان هدفه يزرع الشك فيك مش بس فيه فى شرف الشرطة،ان المفروض هي اللى بتحمي المواطنين…إنت اللى أنقذك من الإتهام هو وجودك فى عملية خاصة كمان إصابتك فيها…لازم تسترد شرفك كـ ظابط شرطة قبل ما تسترد سلاحك،وكمان يا سيد طوفان إنت عليك دور مساعدة،لان واضح الخصم قريب منك إنت كمان،كمان إنت كنت وكيل نيابة سابق يعني عارف القانون كويس،المفروض تتكاتف مع حاتم وتوصلوا لاتفاق وتضامن مع بعض بعيد عن أي خلافات شخصية.
أوما حاتم موافقًا ونهض يمد يده لمصافحة طوفان،نظر طوفان ليده الممدودة وتجاهلها عمدًا وتحدث مع القائد:
تمام هو ده المفروض فى الوقت ده.
غادر الإثتين الغرفة،سار حاتم جوار طوفان قائلًا:
فى كافية قدام المديرية ممكن نشرب فيه قهوة ونتكلم فيه عن تخمينات القضية.
اشعل طوفان سيجارة ونفث دخانها بغضب قائلًا:
تمام، ياريت نختصر.
بعد دقائق جلس الإثنين فى ذلك المقهي… ظلا الصمت لدقاىق حتى وضع النادل أمامهم أكواب القهوة وغادر تنحنح حاتم وهو ينظر لـ طوفان قائلًا:
جود….
سحق طوفان باقيا السيجارة التى كانت بيده بالمنفضة ونظر له بسحُق قائلًا:
قولت لك تنسي جود نهائي
وبلاش تخليني أقل من قيمتك في الكافية… مفيش بينا غير قصة سلاحك اللى اتسرق ما اهو لم مش مغفل مكنش اتسرق منك.
رغم ضيق حاتم من رد طوفان لكن غصبً تقبل ذلك، فـ جود قالتها له صريحة، لا رأي لها بقرار عودتهما القرار بيد طوفان، وهي لن تعترض… إذن فا عليه تحمُل غضب طوفان ربما يُبدد قراره القاطع.
❈-❈-❈
المشفي التي تعمل بها درة
كانت تتحدث مع والدتها عبر الهاتف، طلبت منها كريمان:
المسا هاتي نوح وتعالي إنتِ وطوفان إتعشوا عندنا.
ابتسمت درة قائلة:
حاسة فيه غرض خفي من العزومة دي، أكيد طبعًا نوح قلب ناناه…آه عشان الورد ينسقي العُليق.
ضحكت كريمان قائلة:
طبعًا، تعالي بقالنا فترة مقعدناش مع بعض.
تنهدت درة قائلة:
هشوف لو خلصت بدري هتصل على طوفان ونجي.
سألتها كريمان:
وإيه اللى هيأخرك… خلاص كلها ساعتين وتخلصي نبطشيتك فى المستشفي.
تنهدت درة بارهاق قائلة:
أخيرًا فى سمسار جاب لى مكان ينفع أعمل فيه مركز البصريات، لما اخلص شغلي هروح أشوفه، وياارب يكون مناسب، عشان أخلص من جزء مركز البصريات وأفوق بقي للماجستير… انا حاسة إنى هولد مرة تانية قبل ما أخده.
ضحكت كريمان قائلة بمزح:
ده مش احساس ده يقين.
ضحكت درة قائلة:
لاء… هتقوليلى زي طوفان بيقولي كده بس ده أمر مستبعد…
قطع حديث درة مع والدتها حين سمعت طرق على الغرفة… تبسمت لمن دخلت ثم تحدثت مع كريمان قائلة:
نكمل كلامنا بعدين يا ماما، جالي حالة محتاجة كشف هخلصها وأرجع أكلمك.
فجأة مع اغلاق درة للمكالمة إنتاب كريمان شعور غريب بالقلق، كذالك قلبها انقبض بلا سبب واضح…شيء ما توغل الى قلبها الذي فقد الهدوء.
بينما درة أغلقت الهاتف ونظرت الى تلك السيدتان قائلة:
أهلًا وسهلًا… اللى هتكشف تتفضل ورا المنــــــ…
لم تكمل كلمتها حين إقتربت منها إحد السيدتين وقامت ببخ رذاذ على وجهها قريب من أنفها جعلها تسعُل للحظات قبل أن تغيب عن الوعي.
❈-❈-❈
مساءً
بعد أن تنتهي من عملها بذلك المشغل كما تعودت بالفترة الأخيرة يصحبها خطيبها الى المنزل بتلك الدراجة النارية الخاصة به، لكن اليوم تفاجئ الإثنين بجذع شجرة مقطوع يسد الطريق، على آخر لحظة توقف بالدراجة قبل أن يمُر من فوقه، حتي لا تنقلب بهما الدراجة، شهقت زينة بخضة، بينما ترجل خطيبها، قائلًا:
الحمد لله لو كنا عدينا بالموتوسيكل من فوق الشجرة كانت اتقلبت بينا ووقعنا فى الترعة… مش عارف مين اللى قطع الشجرة وسابها كده عالطريق، حتى لو مش بتمر من عليه عربيات ممكن حد فى الضلمة يخبط فيها وتعوره، هحاول أجنبها على جانب الطريق.
ترجلت هي الأخري قائلة:
خليني أساعدك أهو أخد ثواب.
لحظات حين إنحني الإثنين شعرا بضربة قوية فوق رأسيهما وقبل أن يستقيما كان رذاذ قوي المفعول …يندفع على وجهيهما، رذاذ حارق كأنّه نار تمزق العيون والأنف معًا، فصرخت زينة بخوف وهي ترفع يديها غريزيًا لتمسح عينيها، لكن الألم ازداد وكأن سُمًّا قد اخترق مقلتيها.
ترنح خطيبها للخلف وهو يأن بألمٍ مماثل، قبض بيديه على رأسه يحاول المقاومة، لكنه شعر بجسده يضعف، وكأن الأرض تهتز تحت قدميه حتي سقط أرضًا بلا حراك…كذالك شعرت زينة
من خلف ذاك الظلام الذي يتوغل برأسها تناهى إليهما صوت خطوات سريعة، أعقبتها همسات غامضة غير واضحة، قبل أن يخيم السكون للحظة… فجأة أحست بأيدٍ خشنة تمسك بأذرعهما وتجرهما بعيدًا عن الطريق، بلا رحمة ولا تردد .. نطقت اسم خطيبها لكن
لم يستطع الرد، كان صوته يختنق، والرذاذ قد بدأ يُغيب عقله كذالك هي
آخر ما لمحته قبل أن تنطفئ عيناها تمامًا، قناع أسود يلمع تحت ضوء شمس المغيب.
❈-❈-❈
مساءً
دلف طوفان الى المنزل، تقابل مع جود التى تحمل صغيره، أخذه منها مُبتسمً قائلًا:
هي درة لسه مرجعتش ولا إيه.
أجابته جود:
أيوة، يمكن زمانها على وصول.
أومأ لها ثم سأل:
فين ماما.
أجابته:
ماما راحت عند خالتي كوثر، إتصلت عليها وقالت لها تروح لها من بعد العصر، يمكن زمانها على وصول هي كمان.
أومأ طوفان:
تمام فرصة نقعد سوا، نتكلم انا وإنتِ ونوح..
نوح اللى بيحب عمته جود ومتعلق بها.
ضحكت جود وهي تُقبل يد الصغير، الذي شاغبها ببسمته الطفولية… تبسمت جود بينما ضحك طوفان قائلًا:
كده عرفت سبب غِيرة درة إنك بتحب وتنسجم مع عمتو أكتر منها.
ضحكت جود قائلة:
لاء هو بيحب ماما أكتر… طول الوقت معاها ده لو مش راحه عند خالتي كان زمانه فى حجرها.
إبتسم طوفان
جلس مع جود يتجذبان الحديث المرح وسط مشاغبة الصغير، حتى صدح رنين هاتفه أخرجه من جيبه وتبسم حين علم هوية المتصل إنها والدة درة، التى تحدثت بهدوء عكس شعور قلبها:
كنت قولت لـ درة تجيي إنت وهي ومعاكم نوح ونتعشي سوا… بس جالها حالة تكشف عليها وقالت هتكلمني تاني، وبتصل عليها موبايلها بيرن مش بترد.
قلق زحف الى قلب طوفان قائلًا:
انا لسه راجع البيت ودرة مش موجودة، يمكن راحت تشوف المكان اللى هتعمله مركز بصريات وإنشغلت مع السمسار، وفونها فصل شحن او سيباه فى العربية، هتصل عالسمسار معايا رقمه.
حاولت كريمان عدم الاستسلام لشعورها السيء قائلة:
تمام ابقي خليها تتصل عليا.
-حاضر.
أغلق طوفان الهاتف شعر بتوجس، فقام بإتصال على رئيس الحراسة الخاصة بـ درة وسأله:
إنتوا فين.
أجابه بهدوء:
إحنا قدام المستشفي الدكتورة لغاية دلوقتي مخرجتش من جوه.
زادت هواجس طوفان قائلًا:
بنتصل على موبايل الدكتورة بيرن ومش بترد، إدخل جوة المستشفي فورًا… وأنا معاك عالخط.
سريعًا دلف الحارس الى المشفي الى غرفة الكشف الخاصة بـ درة تفاجئ بعدم وجودها…
كذالك ذهب الى غرفة الأطباء لم يجدها، أخبر طوفان:
الدكتورة مش موجودة لا فى أوضة الكشف ولا فى أوضة الاطباء، يمكن…
تفوه طوفان بقلق:
أرجع شوفها فى اوضة الكشف تاني.
بالفعل ذهب لغرفة الكشف، نظر بداخلها لم يجد درة لكن سمع رنين هاتف، دخل الى الغرفة وعثر على ذلك الهاتف بنفس الوقت سمع طوفان رنين هاتف، قبل أن يسأل تحدث الحارس:
ده واضح إنه موبايل الدكتورة نسيته هنا فى أوضة الكشف ومامتها اللى بتتصل.
تنرفز طوفان قائلًا:
نسيت الموبايل وهي فين،إقفل أنا جاي المستشفي فورًا حضر لى كل سجلات الكاميرات… مداخل ومخارج، وممرات المستشفي بالذات الممر اللى بيوصل لاوضة الكشف.
أغلق طوفان الهاتف… مد يده بـ نوح نحو جود… التي شعرت بقلق سائلة:
فى إيه يا طوفان.
أجابها وهو يتوجه نحو باب الخروج:
مفيش، خلى بالك من نوح.
إجابته لا توحي بالإطمئنان.
❈-❈-❈
بذلك الهنجر
بدأت درة تستعيد وعيها تدريجيًا، هنالك رائحة مواد كيماوية تسربت الى أنفها جعلتها غصبً تشعر بالإختناق قليلًا وبدأت تسعُل…
وصل سُعالها الى ذلك الوغد الذي إقترب منها وقف أمامها، ظله الضخم جعلها ترفع عينيها تنظر له، لولا ذلك السُعال لتهكمت وسخرت منه هي رأت أنه شخص ضعيف وجبان سابقًا، لكن السُعال جعلها تحاول الهدوء حتى يهدأ وتستطيع الحديث…
لكن إستغل ذلك وضحك قائلًا:
فين السلاح اللى كنتِ هتضربيني بيه
ولا فين طوفان اللى منعني من دخول بيت عمتي عشان خاطرك
ولا فين شجاعتك، كله راح، إنتِ هنا تحت سيطرتي.
تضايقت درة من حديث ذلك الوغد… حاولت النهوض والسيطرة على السُعال، لكن إكتشفت أن ساقيها مقيدتان
…بـ حبال غليظة مشدودة للمقعد الحديدي المُلتصق بأرضية الهنجر التي تجلس عليه، شهقت بصدمة، ارتجفت عيناها وهي تحاول الحركة لكن كل محاولة تزيد من ألم ساقيها كذالك السُعال.
ابتسم الوغد باستهزاء، اقترب أكثر، انحنى قليلًا أمامها يستمتع بضعفها، ثم همس بصوت متقطع غليظ:
فين صوتك هتتخنقي… قبل كده كنتِ تعرفي تواجهي بالسلاح، دلوقتي مش لاقية حتى نفس.
رفعت درة رأسها بعناد رغم ضيق تنفسها، عينيها تلمعان بالغضب وهي تحدثت بثقة وبصوت مبحوح… ونهجان:
حتى وأنا مربوطة… مخوفاك يا وليد.
تراجع خطوة للخلف وضحك بصوت عالٍ مستفز، ثم أشار بيده نحو الباب الحديدي قائلاً:
أنا أخاف منك، إنتِ وجود طوفان هو اللى بيقويكي… بس طوفان خلاص لما يوصل ليكِ هتكوني إنتهيتي…
توقف قليلًا عن الحديث ثم نظر لها بشماتة قائلًا:
ده إن وصل ليكِ أساسًا… بس تعرفي، أنا هعترفلك بسر، يمكن طوفان نفسه ميعرفوش..
نظرت له وهي تسعُل باستهزاء وسخرية فضحك قائلًا:
مفاجأة لما تعرفيها عقلك هيشت وتتمني لو كان حسام عايش.
نظرت له درة بإحتقار،فزادت ضحته غلظه قائلًا:
لو مكنش طوفان إتسرع وقدمني للشرطة كبش فدا قبل ما يعرف إن اللى قتل أبوكِ…
هو “حسام”… مش أنا.
زاد سُعال درة وتفوهت بحشرجة صوت:
كداب.
ضحك وليد قائلًا بتأكيد وثقة:
اللى قتل “مختار غُنيم” هو… حسام
وأنا اللى قتلت حسام لانه كان شخص إنتهازي وأنا كنت الوسيط والشاهد على الرشاوي اللى كان بياخدها من أبويا قصاد خدمات بيقدمها له ولغيره من الفلاحين.
-كداب وقاتل
قالتها درة… فضحك وليد قائلًا يإستفزاز:
عندي الدليل إن “حسام بدران” هو اللى قتل
“مختار غُنيم”
↚
بالمشفي
صدقت وجدان ثم أغلقت المُصحف، ونظرت نحو باب الغرفة الذي إنفتح دون سابق إستئذان بنفس اللحظة
دلفت سامية الى الغرفة ، إندهشت وجدان من ذلك، فمنذ أن صُدمت بزواجه من ابتهاج، تركت المشفي ولم تعود كذالك لا تسأل عنه حتى بالهاتف.. لم تهتم سامية لملامح وجه وجدان ، نظرت نحو الفراش بسخط كان عزمي غافيًا، لا مشاعر لديها له فقط نظرات خاوية
اقتربت سامية بخطوات هادئة لكنها تحمل ثِقل الغضب في نبراتها المكبوتة، وقفت عند طرف الفراش تتمعن النظر في وجه عزمي الغافي، برأسها تُحاول أن تجد فيه سببًا واحدًا لتسامحه أو حتى لتكرهه بصدق، لكنها لم تجد شيئًا… فقط خواء، كما لو أن كل ما بينهما قد انتهى منذ زمن.
نهضت وجدان وتوجهت نحوها قائلة بنبرة هادئة:
ساميه… واضح إن أعصابك لسه تعبانه.
لم ترد، ظلت عيناها معلقتين بعزمي، ثم قالت ببرود:
نايم… كالعادة بيهرب بالنوم من المواجهة.
اقتربت وجدان بخطوة حذرة وقالت:
لو جايه تطمني عليه، الحمد لله حالته مستقرة.
ضحكت سامية بخفوت ساخر:
اطمّن عليه أنا آخر واحدة ممكن تقلق عليه لو حصل له حاجة.. مش بيقولوا “جنازته ولا جوازته”
ثم استدارت نحوها، النظرة التي في عينيها حملت خليطًا من الألم والعتاب والغرور المكابر:
عارفة يا وجدان… لما كنتِ بتدعي له هنا، أنا كنت بدعي ربنا ينزع من قلبي كل مشاعر ناحيته. يمكن دي أول مرة دعائي يستجاب بسرعة.
تفوهت وجدان بعتاب:
بلاش تخلي الحقد يتمكن من قلبك، يمكن تكون نزوة.
صمتت لحظة، ثم تابعت بصوت خافت وضحكة استهزاء:
نزوة… مكنش اتجوزها رسمي…
تعرغي طول فترة جوازنا لما كنت بشوفه، كنت بحس إني قدام غريب… غريب عني… بس متن مفروض عليا ابان زوجه مُضحية،بس كده كفاية عليكِ يا وحدان أنا هعقد معاه ومتخافيش مفيش فى نيتي أذيه.. مش عشان حاجه، عشان هو ميستاهلش…
سبينا لوحدنا، مع السلامه وكتر خيرك، العربية بره توصلك.
بصعوبه وافقت وجدان وغادرت بقلق ربما لو ظلت قد تتعصب ساميه ووقتها بالفعل ستؤذي عزمي.
بعد وقت قليل
توجهت سامية نحو الشرفة نحت الستائر وسحبتها بعنف قليل، تسلل بعض الظلام الى الغرفة… بنفس الوقت إنتهت غفوة عزمي يصحو ببطء من نومه، رمش بعينيه متعبًا قبل أن تتجمّد ملامحه تمامًا حين وقعت عيناه عليها قائلًا
ـ سامية!
قالها بدهشة مشوبة بالارتباك، يُحاول جمع ملامحه المنهكة، لكن نبرته لم تخفف من توتر الموقف.
ردت سامية بسخرية لاذعة:
لا، دي خيالها شكلك اتعود تشوف أوهام.
زفر هو ببطء، يحاول استيعاب حضورها المفاجئ:
كنت فاكر إنك مش هتيجي بعد…
– ما كنتش ناوية، بس شكلي كنت محتاجة أشوف بنفسى نهاية اللي كنت فاكرها بداية جديدة.
هكذا قالت باستهزاء وسخريه
انكمش فكه، حاول أن يبدو ثابتًا:
سامية، الكلام دلوقتي ملوش لازمة.
ابتسمت بمرارة وهي تقترب خطوة:
لأ، له لازمة جدًا… خصوصًا اننا لوحدنا.
لوهله إرتاب عزمي وابتلع ريقه
لاحظت سامية ذلك وضحكت باستهزاء قائلة:
كتير كنت بحس إنك خاين،كان عندي يقين إنك تعرف ستات…كنت بمزاجك بترجع البيت يا ترا جوازك من ابتهاج كانت بتعدل مزاجك بعد ما انا عكرته.
أطرق رأسه للحظة،يبتلع ريقه.. كأن الكلام يثقل صدره، ثم رفع نظره إليها قائلًا بهدوء جاف:
قولت مالوش لازمه الكلام هنا..
اقتربت حتى أصبحت أمام حافة الفراش، نظرت إليه بعينين دامعتين رغم قوتها الظاهرة:
كنت دايمًا بتتعمد إنك تزرع الحقد والكُره فى قلبي، كنت بحقد على اللى حواليا، إزاي هما سعداء بأجوازهم وعيالهم وأنا ربنا رزقني براجل أناني بخيل فى مشاعره، كنت مفكره انه طبع، لكن طلعت غلطانه، كان فى غيري بطبطب وتدلع. .. تعرف أنا شمتاته فيك…
خلاص انتهت صلاحيتك كراجل، هتكمل بقية عمرك عاجز، تفتكر ابتهاج اللى اتجوزتها وقتها هتقعد جنبك تساعدك ولا تناولك كوباية الماية… لاء طبعًا
عارف هي كانت جايه هنا وكشفت عن نفسها ليه… مش حب فيك… دى كانت بتحجز مكانها فى الميراث منك.
تعصب عزمي قائلًا:
كفاية يا ساميه… دايمًا ترمي أي غلط عليا… وإنتِ كنتِ فين… كان سهل تجذبيني ناحيتك… لكن غرورك منعك إنك تتنازلي… دايمًا عاوزه تبقي فى مكانة الضحية… أنا زي أي راجل لما ميلاقيش المودة والاحترام والرحمة بيدور عنهم بره بيته… فعلًا أنا عمري ما قلبي نبض عشانك… كل اللى كان بينا علاقة فى السرير بتنتهي وبعدها بيرجع النكد والتقليل من شأني، كل اللى كان فى دماغك المكانه مش مشاعر الانسان اللى عايشه معاه… حتى ولادك كنت بتتباهي إنهم صبيان… لما كنت بشد عليهم كنتِ بتفسديهم… زرعتي فى دماغهم أكاذيب انى بكرههم والنتيجه ايه
واحد مجرم والتاني مدمن الله أعلم بمستقبلهم الإتنين.
حرب عاصفة بالكلمات بين الإثنين وكل منهم يُلقي اللوم على الآخر، وفى النهاية كانت كملة حاسمة تُنهي شقاء سنوات
-طلقني.
قالتها ساميه فاستجاب عزمي على الفور
-إنتِ طالق.
❈-❈-❈
بمنزل والد زينة
دب القلق فى قلب والدتها…ذهبت تنظر من تلك النافذة على الشارع تُراقب الطريق،لكن فلبها فجأة بدأ يخفق بإنقباض،ذهبت الى الداجل جذبت هاتف خيلوي قديم الطراز،ضغطت على بعض الأزرار،ثم وضعته على أذنها تنتظر،لكن زاد قلقها حين سمعت أن الهاتف غير مُتاح بالخدمة…فكرت بخطيب زينة،قامت بالاتصال عليه،كذالك هو الآخر هاتفه غير مُتاح بالخدمة، تضاعف القلق فى قلبها حسمت قرارها ستتصل بصاحبة المشغل ربما هنالك زحمة عمل وتسببت فى تأخيرهما، بالفعل قامت بالاتصال عليها، وسمعت ردها بإندفاع سألتها:
زينة وخطيبها إتأخروا هو فى زحمة شغل و…
بقلق من صاحبة المشغل تحدثت:
لاء… زينة وخطيبها خرجوا فى ميعاد الخروج زي كل يوم.
إرتابت والدة زينة، أغلقت الهاتف ثم انتظرت لحظات، ثم فكرت بالاتصال على والدة خطيب زينة، لكن بماذا تتحجج… كذالك تخشي على إبنتها من الظنون السيئة.. لكن مع مرور وتأخُر الوقت لم تهتم بأي ظنون.. قبل أن تتصل على والدة خطيب زينة، إرتجفت يدها وشعرت بهزة قوية فى جسدها، بعدما صدح رنين هاتفها، خفق قلبها بقلق يزداد، بصوت مرتعش قامت بالرد، بعد السلام بينهم تسألت الأخرى:
الوقت اتأخر إبني مش متعود يتاخر بره البيت، انا قولت هو عند خطبيبته، بتصل عشان أطمن عليه بيقولى خارج الخدمة.
ازداد القلق هواجس إين إختفى الإثنين ولما هواتفهم غير مُتاحة…
ماذا تفعل
ضعفها دائمًا كان يُغذي الخوف بداخلها، والآن هي
أضعف وأكثر خوفً يتلاعب بعقلها كل الظنون السيئة، ولا تمتلك سوا التحلي بالصبر والأمل أن يكذب حدسها.
❈-❈-❈
بالمشفى التي تعمل به درة
دلف طوفان، وحوله بعض رجال الحرس، يزفر نفسه، ذهب مباشرةً الى غرفة تسجيل الكاميرات
فتح على الممر الرئيسي للمشفي لم يُلاخظ أي شيء، ثم أمر بفتح تسجيلات الكاميرات، للممر الذي به غرفة الكشف، فتحها الموظف، لم يُلاحظ شيء غريب، لكن طوفان لاحظ دخول إثتين من النساء يخفين وجوه هن خلف وضع جزء من وشاح رأسهن على نصف وجههن تحدث سريعًا:
رجع التسجيل.
أرجع الموظف التسجيل، لاحظ طوفان دخولهن الى غرفة الكشف، ولم يغيبن كثيرًا وخرجن ثلاث نساء واحدة بالمنتصف وجهها مخفي خلف وشاح شفاف وأسفله ضماد طبي حول عينيها… كذالك هن يسندنها كأنها غائبة عن الوعي…
لن يتوه عنها حتى لو إرتدت ثوبً آخر،غير نمط زيها…من بالمنتصف هي درة.
ضرب الطاولة التى أمامه بعصبيه قائلًا بغضب مُستعر:
درة… إتخطفت… الأوغاد لعبوها بذكاء.
أخرج هاتفه بنفس اللحظة وقام بإتصال سريعًا سمع الرد فتحدث بسؤال:
قولي إنت بتراقب إبتهاج هي فين دلوقتي.
أجابه ذلك الشخص قائلًا:
خرجت الصبح إشترت حاجات من السوبر ماركت ومغابتش ورجعت تاني وهي دلوقتي فى شقتها.
-شقتها
قالها طوفان بنبرة تهكم قائلًا:
متأكد إنها مش في الشقة…أنا جاي.
خرج طوفان من غرفة المراقبة،إجتمع حوله الحرس الذي شعر بخزي،نظر له طوفان..لا يستطيع لومه كان عليه هو الاحتراس…فالخطة مُتقنه،خروج نساء من المشفي ولا أحد يستطيع إعتراضهن،حتى لو كُن مُنقبات.
بعد قليل
ترجل من سيارته أمام تلك البِناية نظر الى ذلك الحارس الذي إقترب منه، بلا إنتظار صعد الى تلك الشقة، توقف امام باب الشقة، ودق جرس الشقة وإنتظر حتى فتحت له سيدة تقريبًا بنفس عُمر وحجم ابتهاج.. بمجرد أن نظرت له شعرت بالرعب، بينما هو ربما عاد لمهنته القديمة حين كان وكيلًا للـ النبيابة الدخول دون إستئذان، دلف مباشرةً وتحدث بصوت حاد وحازم:
هي فين.
تراجعت السيدة خطوة للوراء وقد تجمد الدم في عروقها، تحاول السيطرة على ارتجاف صوتها قائلة بسؤال:
مـ..مين تقصد مين يا بيه.
تقدّم بخطواته البطيئة نحو داخل الشقة، عيناه تمسحان المكان بدقة وكأنه يبحث عن أثر، ثم قال ببرودٍ أشبه بالجليد:
مفيش داعي للتمثيل، فين إبتهاج.
شهقت المرأة بخضة، وبدت على ملامحها علامات القلق، ترددت للحظة قبل أن تهمس متلعثمة:
هي هنا يا بيه،بس نايمة تعبانة شوية.
رفع حاجبه ساخرًا قائلًا بأمر:
تعبانه…لاء سلامتها،روحي صحيها.
-مـ.. مقدرش يا بيه.
قالتها بتعلثم بدأ اليقين يدب بعقل طوفان، فتحدث بأمر:
بقولك صحيها… ولا أنا هفتش عنها فى الشقة.
إرتبكت السيدة وظهر عليها الإرتياب،فتيقن طوفان من حدسه،وبلا إنتظار لردها،بدأ التوجه بخطوات ثابتة، والشرر يشتعل في عينيه، بينما خلفه كانت المرأة تتوسل بإرتياب:
أرجوك يا بيه ما تعملش دوشة، الست حالتها مش كويسة
لكن كلمتها الأخيرة ضاعت وسط صوت طرقه العنيف على ابواب الغرف،غرفة خلف أخري ، طرقات تحمل من الغضب ما يكفي لإسقاط باب من حديد… فتح باب خلف آخر تيقن هو أمام آخر الابواب، ان إبتهاج ليست بالشقة، وليتأكد فقط فتح الباب، ليتأكد أن إبتهاج قامت بخداعه… شعور بالغضب عارم، نظر نحو تلك السيدة اقترب منها ببطء، صوته كان منخفضًا لكن يحمل ما يكفي من التهديد ليجمد الدم في العروق:
هي راحت فين.
تلعثمت المرأة، تحاول ترتيب كلماتها بين الخوف والتردد:
أنا… أنا معرفش يا بيه، خرجت من بدري… قالتلي مش راجعة
انقبض فكه بقوة، وأدار وجهه ناحية الشقة الخاوية، كأن صدى صوته سيرد عليه بإجابة. تذكر كل كلمة قالتها له، كل نظرة حاول أن يقرأ فيها الصدق… ثم أدرك الحقيقة المرة
ابتهاج هربت.
رمق المرأة بنظرة أخيرة جعلتها تبتعد للخلف خطوة، ثم خرج من الشقة وصفق الباب بعنف، ارتد الصوت في الممر كصرخة غضب مكتومة، بينما قبضته تنغلق على لا شيء سوى خيبةٍ موجعة.
نزل السلالم بخطوات سريعة، كل درجة يهبطها كانت تشعل غضبه أكثر، وجهه مُتصلب وملامحه كأنها حجر لا ينطق إلا بالانتقام…
وصل إلى مدخل البناية، أنفاسه متلاحقة من شدة الغليان، التفت بعينيه الحادتين نحو الحارس الذي كان يجلس يراقب الموقف في توتر واضح.
تقدّم منه وسأله بصوت مشحون من الغضب:
إبتهاج خرجت إمتي.
ارتبك الحارس، يحكّ يديه بتوتر:
والله يا بيه… ما شوفتها خرجت من العمارة، أنا واقف هنا مش بغيب وببدل مع زميلي هتصل عليه.
أطلق طوفان زفرة قصيرة ساخرة، لكنها كانت أشبه بالتهديد منها إلى السخرية.
نظر بعيدًا للحظة، ثم التفت إليه مجددًا قائلًا بحدةٍ كافيةٍ لتجميد الدم في عروقه:
لو بتكدب عليّا، هخليك تندم إنك اتولدت هنا… وإتصل لى عالحارس اللى كان بيبدل معاك تجيولى المصنع… كمان عاوز تسجيلات كل الكاميرات بتاع المحلات اللي حوالين العمارة امبارح والنهاردة.
خرج من العمارة بخطوات سريعة، أخرج هاتفه واتصل بأحد اصدقاؤه:
فى خدمة عاوزها منك هبعتلك رقم موبايل
عاوزك تعمل لى تتبّع آخر مكالماته …
أغلق الهاتف وهو يزفر بحرارة، وقف أمام سيارته للحظة، ثم صفع سقفها بيده بقوة كأنه يُفرغ بركانه…
تردّد صوت ابتهاج في رأسه، ضحكتها، نظراتها التي كانت تنظرها له بشماته.
تمتم بين أسنانه:
اللعب خلاص انتهى يا إبتهاج… قسمً بالله لو درة بس اتصابت بخدش ما هيكفيني عمرك.
صعد الى السيارة… قادها بسرعة رهيبة، يشعر أنه تائه، أخطأ فى الحذر لم ينتبه الى أن الخصم تربت على الإجرام ولديها عقلية شريرة فقط.
بنفس الوقت صدح هاتفه، سريعًا نظر نحوه، تنفس بعُمق وجذب الهاتف قام بالرد، سمع مزاح جلال الوقح:
مالك بترد بنرفزة كده ليه أكون اتصلت فى وقت غلط، بس إحنا لسا بدري، ولا إنت بتبدأ من أول الليل.
تنهد طوفان بعُمق قائلًا:
مش فايق لهزارك، دماغي هتتفرتك.
إنتبه جلال لنبرة طوفان العصبيه فسأله:
فى إيه حصل… هي مسؤولية كبير العيلة دي متاعبها كتير.
تنهد طوفان بتعب يشعر بعجز لأول مرة قائلًا:
ياريت كانت مشكله للعيلة، درة إتخطفت.
ذُهل جلال سائلًا:
بتقول إيه، إزاي ده حصل برغم كل الحراسة اللى عليها.
أجابه طوفان بإستهزاء:
درة اتخطفت من المستشفي نفسها وطلعت قدامهم من غير ما يلاحظوها.
مازال الذهول بعقل جلال فتفوه بعدم فهم:
إنت فين.
أجابه طوفان:
أنا رايح المصنع، مش هقدر أرجع البيت.
تفهم جلال قائلًا:
تمام وانا نص ساعة وأكون عندك.
-ماشي
قالها طوفان هو الآن يحتاج لأحد معه.
بعد قليل
بمكتب طوفان بالمصنع
دلف جلال، بنفس الوقت دلف حارس بناية إبتهاج ومعه أكثر من قُرص لتسجيل الكاميرات، أخذهم منه طوفان، وسريعًا جذب حاسوبه الخاص، قام بوضع قُرص خلف آخر، لكن لا تظهر ابتهاج فى أي منها، لكن لاحظ جلال شيء فى أحد الفيديوهات جلال .. قرب وجهه من الشاشة قائلًا بنبرة مزيج بين التركيز والدهشة:
استنى… رجع اللقطة دي يا طوفان… أيوه، هنا، وقفها… شُفت دي.
اقترب طوفان ينظر معه، فتابع جلال بإشارة من إصبعه نحو زاوية الصورة:
الست دي اللي داخلة بالعباية السوده… مش ابتهاج، بس خد بالك، في واحدة طلعت بعدها بنفس الطول تقريبا، لابسة نفس الشال بتاعها، بس ملامحها مش باينة… وكأنها كانت متعمدة تخفي وشّها عن الكاميرا.
زفر طوفان بضيق، عيونه اتنقلت بين الشاشة وجلال:
يعني كانت عارفة إننا هنشوف التسجيلات… حد ساعدها تخرج من غير ما تتسجل.
ابتسم جلال بخفة وهو بيهز راسه:
ممكن… أو ممكن حد تاني استخدم لبسها عشان يضللنا.
رد طوفان بسرعة، صوته كأنه غليان مكتوم:
في الحالتين…واحد.
ركز طوفان فى التسجيلات،لاحظ عودة تلك السيدة بساعة تقريبًا …كذالك وقوفها مع رجل يضع قبعة بنية اللون يتكئ على عكاز برجله اليسار دخل معها الى البِناية… وخرج بعد ساعة ونصف تقريبًا، ثم خروج سيدة ذهبت الى محل بقالة ثم عادت للداخل وسيدة أخرى خرجت، توقف يتمعن، وتذكر تسجيل كاميرا المشفي، رأي نفس المرأة بنفس الزي، عاد لرأسه تسجيل كاميرا المشفي تلك السيدة كانت تعلم أن هنالك كاميرا وتعمدت الوقوف، بالطبع تعلم أنه سيري تلك الكاميرا، تُعلن تحديها له.
زفر نفسه بغضب مكبوت، بنفش الوقت صدح هاتفه… قام بالرد ليسمع:
تحركات الرقم اللى بعته آخر إشارة كانت من نص ساعة تقريبًا هبعتلك اللوكيشن فى رسالة.
أنهى المكالمة وأغلق الحاسوب بعنف، ثم نظر نحو جلال قائلًا:
كده إتأكدت فعلاً ابتهاج هي اللى خطفت درة.
-طب والسبب إيه، وإشمعنا درة.
سأل جلال ذلك.
أشعل طوفان سيجارة ونفث دخانها قائلًا:
السبب واضح… الانتقام مني، وقت قضية والدها انا كنت وكيل النيابة وهي جت كلمتني وقتها وإنها مش هتسيب حق جوزها اللى اتقتل ولا أبوها اللى اتسجن طبعًا كبش فدا للكُبار… وقتها سألتها مين الكُبار، وسهل والدك يعترف عليهم والحُكم بتاعه يتخفف، بس طبعًا هو رفض يعترف عليهم وشال القضية.
– وإنت ذنبك إيه فى كل ده،إنت كنت بتأدي مهام وظيفتك كـ وكيل نيابة.
قال ذلك جلال،نفث طوفان دخان سيجارته قائلًا:
وقتها لمحت إنها ممكن تدفع لى أي مبلغ قصاد إنى اتلاعب فى القضيه …إن والدها مغصوب وخايف من أذية الكبار… وأنا رفضت كمان طردتها من مكتبي وقولت لها لولا انها ست كنت لبستها قضية رشوة…وبعدها عرفت إن والدها مستحملش السجن ومات قبل ما يكمل سنة فى السجن…
أنا دماغي هتتفرتك إزاي هي وصلت لخالي وإتجوزها.
هز جلال رأسه هو الآخر بعدم إستيعاب..
مرت نصف ساعة أخرى كانت كأنها دهر على طوفان، جلال يحاول التفكير معه بكل الاتجاهات كذالك يحاول بث الهدوء لكن لا فائدة طوفان يعصف بداخله
للحظة شعر بالعجز ضرب سطح المكتب بيده ثم ساد صمت،لكن قطع صوته الصمت قائلًا:
أكيد في خيط… مستحيل تكون اختفت كده.
رنّ تليفون طوفان، ضغط زر الإجابة بسرعة، وصوت أحد رجاله جاء واضحًا من الطرف التاني:
يا فندم، لقينا حاجة مهمة جدًا… الكاميرا اللي على البنزينة اللى في أول الشارع .
تحدث طوفان:
هاتلى الفيديو ده المصنع بسرعة.
أغلق الهاتف ونظر الى جلال، يود أن يكون بذلك التسجيل خيط يصل به الى شيء.
بعد قليل دخل الحارس بشريط الفيديو أعطاه لـ طوفان وغادر، وضع طوفان القُرص بالحاسوب وانتظر لحظات حتى فتح.
إنتبه جلال قائلًا:
مش ده نفس الراجل اللي كان بالكاب، بس المره دي ك راكب عربية والأغرب إن في واحدة كانت قاعدة في الكرسي الخلفي… ووشها مغطى بشال نفس لون شال ابتهاج، إستني فى حد قاعد جنب ابتهاج.
وقف طوفان في مكانه فجأة، كأنه اتصعق، وقال بسرعة:
هو فعلًا… خلينا نقرب الكاميرا ونكبر الصورة يمكن يظهر ملامح الشخص ده.
قربها جلال، وقال بحدة:
استنى… كبّرها من عند المراية الجانبية، شُف دي دي مش مراية عادية، فيها انعكاس لوش الراجل اللي سايق كمان المرايه جايبه صورة الشخص التالت اللى قاعد جنب ابتهاج، كبر الشاشة.
قرب طوفان الشاشة
تمعن النظر الى الشاشه صُدم وتحدث بصوت خافت، مع ذلك يمتلأ نُذر غضب:
وليد.
سادت لحظة صمت ثقيل بينهما، قبل ما يضيف طوفان بصوت أشبه بالوعيد:
كده وضحت… وليد وأبتهاج إتفقوا مع بعض… وليد غبي طول عمره وابتهاج أكيد بتستغله متأكد ومتأكد كمان إنها هتغدر عليه.
وافقه جلال قائلًا:
هتعمل ايه دلوقتي.
نهض طوفان قائلًا:
مفيش قدامي غير أروح دار خالي، ومتأكد مش هلاقي وليد.
بعد قليل كما توقع طوفان، وليد ليس بالمنزل، كذالك زوجة خاله أخبرته الخادمة أنها ذهبت الى المشفي، إستغرب من ذلك… لم يبقى أمامه سوا الذهاب الى المشفى.
❈-❈-❈
بالهنجر
جحظت عيني درة وهي مازالت تُكذب ما قاله وليد
ضحك وليد بغِلظة مؤكدًا:
أيوه حسام هو اللى قتل مختار… أكيد كان كشف اعماله الشمال… ما أهو حسام كان بياخد رشاوي من بعض الفلاحين اللى بوروا أرضهم عشان تتباع أرض مباني،كمان يشيل مخالفات المصانع والفنادق اللى على ضفاف النيل، طبعًا وكله بحسابه.
مازالت تشعر بأن الكلمات تُصفعها واحدة تلو الأخرى، كأن كل جملة ينطقها وليد تُسقط من داخلها ثقة كانت تحاول التمسك بها…
همست بصوت مبحوح، بالكاد خرج من بين شفتيها:
مستحيل، حسام يكون مُرتشي، إنت كداب.
قهقه وليد وهو يضرب كفه بكفه قائلًا بسخرية:
كداب…ما فيش حد نضيف لما الفلوس تبقى قدامه تحت الطرابيزة… حسام كان بياخد رشاوي بمبالغ كبيرة… واضح إن والدك
كان هيكشفه، أو يمكن كان كشفه خلاص. … واللعبة كانت كبرت، واتقلبت عليه.
وضعت درة يدها على صدرها، تنفسها يضيق، وصوت وليد يختلط بصدى أفكارها وهي تتذكر بعض الاشياء…
تلك الشبكة الثمينة التى أصر على شرائها لها، بعض الهدايا القليلة والغالية، وحين كانت تسأله كان الجواب… أنه كان يستثمر بعض الأموال فى أسهم فى إحد شركات البورصة وربحت مبلغًا لا بأس به وأنه أخذ الأرباح وظل يعمل بالمبلغ الأساسي فقط، يخشي غدرات البورصة… حقًا حين طلب منها زوج عمتها المشاركة معهم فى اعلام الوراثة لم تهتم ومضت على تنازل بجميع مستحقاتها، لم تبحث بشيء…
لكن يتراجع عقلها عن التصديق أنا حسام كان شخص دنئ
نظر إليها وليد بنظرة جامدة علم أنها مازالت لا تصدقه تحدث بجمود :
صدقي أو متصدقيش، دي الحقيقة… واللي جايّ أقسى بكتير يا…. يا درة.
حسام كان طموحه أعمى، بدأ طريقه بخطوات صغيرة … تسهيل رخصة هنا، وغض طرف عن مخالفة هناك، ومع الوقت بقي كل شيء “بحسابه”.
الرشاوي انهالت عليه من كل مكان
أصحاب مصانع على ضفاف النيل… الرشوة مع قد الغرامات، وفلاحون بوروا أراضيهم ليحولوها لمباني، وهو وحده القادر على “تسوية الأمور”.
لكن الفلوس مش بيتشبع منها، والسر مهما طال زمنه من بيفضل مدفوع… غلطة إرتكبها حسام كشفته… حتة أرض جنب أرضنا موقعها عالنيل كانت هتبقي فندق سياحي… وهو سهل الأمور بس غلطة من المستثمر اللى إشترى الأرض كان بيجرف الأرض عشان يبدأ انشاء الفندق،الرمل مكنش قدامه غير حلين…
يا يرميه فى النيل،بس هو محتاج الفندق يبقي قدامه النيل بمنظر نضيف،أو الحل التاني يشوف حد ياخد الرمل ده،وطبعًا الرمل ده فرصة لمصانع الطوب،بس حتى الرمل طمع فيه حسام،وقاله على مصنع معين طبعًا متفق معاه على نسبة له، والمستثمر وافق مغصوب طبعًا، بس واضح ان صاخب المصنع إستغلى العمولة بتاع حسام وحصل وش ومشاكل وقف أخد الرمل، والمستثمر كان مستعجل، فجرف الارض وشال الرمل بس حاطه فى كوم قريب من أرض مختار غنيم، ولما سأل بتاع مين عرف قصة الارض، ودور فى السجلات وأكتشف ان اللى سهل الامر هو حسام..
-كداب… كداب… منين عرفت ده كله… إنت بتألف من دماغك.
قالت درة ذلك من بين سُعالها ضحك وليد قائلًا ببرود:
مش بقولك هتنصدمي… ولسه إسمعي للآخر، عشان انا مش بقولك ده محبة أنا شمتان في منظرك…
صمتت درة،رغم عدم تصديقها…ضحك وليد وإستطرد بنبرة شماتة قائلًا:
يوم الحادثة،كُنا فى عز الأيالة(القيالة)
إحنا لينا أرض هناك جنب أرضكم،غباوة حسام هي اللى فسدت عليا كنت خلاص هوصل لمزاجي مع زينة،هناك موجود أوضة بوكس الكهربا … وخلاص كنت هوصب لغرضي منها… بس الغبية صرخت
قطع حديثه وهو ينظر الى زينة المُقيدة بمقعد قريب بنفس الهنجر، مازالت غافية… لكن هو تذكر اليوم
منذ البداية
[بالعودة لذلك اليوم..
وهو كان يتربص لها منذ أن وقع بصره عليها كانت صغيرة وهو أيضًا صغير، لكن سوء الأخلاق لا يحتاج الى كبر عُمر، هو كان الشاهد الاول على سوء خصال والده كذالك والدته،
خناقتهم، بيات والده ليالي خارج المنزل واذا سألته كان الجواب “طفشان من وشك”
والرد “ياريت ما كنت رجعت”
علاقة والديه النِدية، هي بنت اصحاب المناصب العُليا وهو إبن عائلة ذات سطوة…
كُل منهما يتباهي على الآخر والضحية الاولى كان هو،كان يميل نحو والدته التي تُبيح له كل شئ وتمحو كُل خطأ…والده يكرهه لانه يكرهها…هنالك أخرى،أو أخريات فى حياته…وفضول الطفل بعلقه يود معرفة من الأخرة أو الأخريات…هُن النساء…
زرعت بعقله أن النساء معظمهن بلا أخلاق،ربما هي الوحيدة صاحبة الأخلاق لتربيتها بمنزل أصحاب المقام… أصبح يميل للنظر للنساء بنظرة دونيه، وإزداد ذلك بفترة بلوغه وإكتشاف نمو جسده أصبح يود إثبات أنه أصبح رجُلًا… بدأ ذلك مع إحد الخادمات التى كانت أكبر من والدته، لكنها رفضت وتعففت وأخبرت سامية بتحرشات وليد لكن لم تصدقها ونعتتها بالكذب وقامت بطردها…وبعد وقت آخر ينظر الى مفاتن النساء حاول التحرش بإحد زميلاته بالمدرسة،وتم إستدعاء عزمي وحين أخبر ساميه،كذبت ذلك،وإزداد ذلك رغبات لديه،رغم صِغر عُمره،حتى وقع بصره على “زينة”
فتاة بالسنه الأخيرة بالثانوية الفنية…
كان والدها مرعي فلاحً ويعمل أيضًا بالخقول مقابل أجر وهي كانت تذهب له بالطعام ب أن يخبرها مكانه…وكان ذلك اليوم يعمل بحقل عزمي وصدفة سوداء إلتقي بها،ظنها فتاة سهلة المنال…لكن هي ضعيفة،تعقبها كثيرًا حتى رسم لها الفخ،ذلك المكان…غرفة صيانة الكهرباء التى تتوسط الأراضي…كان يومً حار…
وهي كالعادة تحمل غداء والدها،لكن لم تصل فهنالك وغد بلا أخلاق إعترض طريقها،وحين حاولت الفرار منه قبض عليها وكمم فمها بيده يسحبها نحو تلك الغرفة،كسر الباب ودخل بها،حاولت الخلاص منها لكن كان بدنيًا أقوي…كذالك هنالك ما هو أشد،ذاك السلاح الذي حصل عليه من أحد عُمال الحراسة ولحُسن الحظ انه غير مُرخص،ظن أنه فقط يفعل ذلك للتهويش،لكن هي حقًا صغيرة لكن كلمات والدتها لها،أنهن فقراء والفقراء لا يمتلكون سوا الشرف والعِفة….وذلك الحقير يود الحصول عليهن،ويُدنسها…تركها المكان ضيق بعض الكابلات وكذالك مكان صغير خالي…عيناه تنظر لها بمغزى لا فرار،الطقس حار ولا أحد بالحقول المجاورة…إذن ليس أمامها أي طريق للنجاة…تحدث لها بترغيب وأخرج بعض المال…ربما تلهث له،لكنها كانت تُقاوم بكل ما تبقى فيها من كرامة، تتراجع خطوة للوراء ودموعها تتلألأ فوق وجنتيها، تهتز شفتاها بكلمات أمها التي تتردد في رأسها كصوت صلاة:
“الفقراء لا يملكون إلا شرفهم يا بنتي… لو راح الشرف، راح كل شيء.”
صرخت بصوتٍ مبحوح:
ابعد عني! مش هتقدر تكسرني، حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدي.
ضحك بخبث، اقترب منها أكثر، حتى شعرت بأنفاسه الملوثة تلامس وجهها، لكن فجأة، انزلقت قدمه على أحد الكابلات الممدودة على الأرض، فاختل توازنه، اندفع بجسده للأمام… وفي لحظة غريزية أمسكت بقطعة حديد كانت بجانبها، رفعتها بكل قوتها، وضربته بها على كتفه، ثم ركضت بكل ما تملك من طاقة، لا تنظر خلفها، لا تفكر، فقط تركض…
الهواء الحار يصفع وجهها، وصوت قلبها يتسابق مع خطواتها المرتجفة، لا تدري إلى أين، لكنها تعرف شيئًا واحدًا…
أنها لن تسمح لأحد أن يسلبها نقائها.
هو تألم من تلك الضربة وإغتاظ بشدة، رفع السلاح ونهض خلفها الشياطين تتلاعب برأسه سيقتلها لكن قبلها سينالها…
بينما بمكان قريب وقف مختار يواجه حسام بتلك الخطايا الذي إكتشفها عنه، وحسام يُصر على الإنكار وأن هنالك فخً له… لم يُصدقه مختار…
فى لحظة تحدث بصرامة:
كفاية كدب يا حسام، وخلاص درة كلمتني امبارح عشان مش مرتاحة لإرتباطكم، الحمد لله لسه عالبر، وإنت…
-وأنا ماذا
سألها حسام لنفسه، كيف يتخلى عن درة حِلم حياته… هوسه حتى الجنون، هي السبب أنه قبل تلك الرشاوي… أراد أن يُصبح ثريًا ويُغدقها بالهدايا… والثراء سيجعله بمكانة تُضاهي “طوفان زهران” بل أقوي… هو لن يتركها بعدما أصبح خطوة واحدة تجمع بينهم… لكن مختار أصر على ذلك، وهو يرفض… ويكذب…ويتوسل…
وبالنهاية يعترف:
مستحيل أسيب درة،أنا عملت كده علشانها… عشان أرفع من مكانتى ومكانتها… خالي أرجوك بلاش تفرق بينا، أنا غلطان ومش هعمل كده تاني وهتنازل عن الفلوس دي للجمعية… بس أرجوك أنا بحب درة… خالي…
ذُهل مختار من توسلاته حتى أنه عمدًا تحدث بكذب:
أنا طوفان زهران
عرض عليا رشوة كبيرة ورفضتها… أناالحمد لله توبت، بس هو…
قاطعه مختار بصرامه:
كفاية كدب يا حسام… وبلاش كل حاجه تُحشر طوفان فيها.
-لاء يا خالي متأكد طوفان عنده حقد مني من وإحنا عيال و…
قبل أن يستكمل إنتهاك بسيرة طوفان… مرت تلك الفتاة من أمامه وخبطت فى مختار
أثناء ركضها إصتطدمت بجسد، زاد الهلع فى قلبها أن يكون هو، وقفت تصرخ… زاد أكثر حين شعرت بيد تمسك يدها يحاول تهدئتها قائلًا:
إهدي يا بنتِ فى إيه بتجري من إيه…
وهي تلهت وتحاول الركض مره أخرى لكن مختار تمسك بها بصفة أبوية… بنفس الوقت إقترب وليد ببجاحة منه أخفي السلاح خلف ظهره، قائلًا:
كويس إنك مسكتها دي كانت بتسرق من أرضنا ولما قفشتها طلعت تجري وتصرخ هاتها عشان لازم أسلمها للقسم يربوها عشان تحرم تنزل الأراضي وتسرق منها.
تهز رأسها برفض صوتها إنحشر لا تستطيع الحديث فقط تلهث، حتى أن قدرتها اصبحت تخور للحظة حين ترك مختار يديها سقطت ارضًا، أشفق مختار عليها… وإنحني يساعدها أن تنهض حتى استجابت له… وبدأ صوتها يعود مُحشرجً وهي تنفي كذب وليد:
والله كداب، أنا…
قاطعها وليد بإصرار الكذب:
مين اللى كداب يا حرامية، لازم أسلمك للبوليس يعلمك الادب ومتتمدش على زرع حد.
لاحظ مختار تألم وليد من يده المتهدلة قليلّا… بينما بجحود كاد حسام ان يطلب تسلميها لـ وليد لكن فكر ربما يكسب بها نقطة أنه عطوف، حين سأل وليد:
وإنت ظبطتها كانت بتسرق إيه… الأرض برتقال والشجر معظمه فاضي.
تعلثم وليد بالرد فتأكد حدس مختار أنه كاذب… لكن حسام كذالك اراد أخذ نقطة تعاطف، وتوجه نحو زينه قائلًا:
إنتِ بنت مين؟.
أجابته:
بنت مرعي بدران.
انصدم قائلًا:
إحنا قرايب… بس أول مره أشوفك…
تعصب وليد، رغبته تضيع أمامه.. إقترب منهما وبيده السليمة جذب زينة بقوة قائلًا:
انا هسلمها للبوليس.
إستغاثت بهما، لكن فلت لجام عقل وليد وأشهر السلاح عليهما… قائلًا:
هاخدها غصب عنكم هاتوها بالذوق أحسن.
صرخت زينة صرخة قوية… بعد لحظات إقترب مرعي مهرولًا بعدما وصل له صوت صرختها…
بنفس الوقت أراد حسام إثبات شجاعة وهو يقترب من وليد قائلًا بمهادنة:
عاوزها خدها وبلاش تهويش بالسلاح..
ظن وليد أن حسام يسايره، لكنه غمز له، دون رؤية مختار، لكن لاحظت زينه ذلك إرتابت عادت نحو مختار بينما تقدم حسام نحو وليد يقنعه بتنزيل السلاح كاد بالفعل ان يفعل ذلك، لكن
حسام كان له غرضًا بعدما هدده وليد:
إبعد من قدامي، بلاش إنت بالذات تدعي الشرف والأخلاق… تحب افكرك أنا من كام يوم…
اتسعت عين حسام وبعصبية رفع يده يود صفع وليد كي يصمت يكفي لقد انكشفت حقيقته… بنفس اللحظة رفع وليد السلاح لكن يده كانت ترتعش بسهولة كاد حسام.ان يخطف السلاح من يده… لكن وليد تسرع وتمسك بالسلاح أصبح السلاح بيد الأثنين وكادا يتشاجران، لكن إندفعت فوهة السلاح نحو مختار… وبخطأ ضغط حسام على الزيناد لتخرج رصاصة تتوسط قلب مختار الذي إهتز جسده وهو يسقط أرضًا… ذُهل حسام وترك السلاح وتوجه نحو مختار سريعًا يحاول إسعافه… لكن مختار إنحشر صوته… ولم يستطيع الكلام… عادت زينه للخلف تهزي وبنفس اللحظة سقطت مغشيًا عليها…
بينما مرعي لم ينظر نحو ابنته بل وقف مذهولًا وزاد ذلك حين نهض حسام وتوجه نحو وليد يصفعه يتهمه بقتل مختار،لكن وليد كان جبانًا وقام بإطلاق الرصاص نحو منتصف عُنق حُسام ليخر جسده فى الحال أرضًا بلا حراك قتيلًا.
كان الشاهد الوحيد مرعي…] عاد وليد على سُعال درة التى مازالت تصر أنه كاذب…
بنفس الوقت فاقت زينة ونظرت برعب وإرتياب…صرخت…توجه وليد نحوها وأمسك فكها وضغط عليه بقوة قائلًا:
وإنت كمان حسابك معايا بدأ…
مش روحتى لها عشان تتوسط وتجوزي الشحات العدمان اللى فضلتيه عليا أنا
“وليد مهران”
لكن أقول أية فعلًا حقيرة… وبنت حقير باع ضميره وشهد إن القتل كان خطأ… وغير إنك باعك ليا وقبض التمن…
النهاردة مفيش حد هيقدر يمنعني عنك، هستمتع وأنا بسمع صرخاتك و…
بنفس الوقت دلفت ابتهاج بإرتياب لكن تضحك قائلة:
أنا تاري مش تار عيال، انا تاري مع مرات طوفان لازم تنتهي وتموت، وأهي واضح إنها هتموت بالكحة…انا بقول نريح صدرها.
قالت ابتهاج ذلك ورفعت السلاح نحو رأس درة.
تحكم بـ وليد الغضب والعنجهية والكِبر
وتحدث بجمود:
مش إنتِ اللى تقرري يا..
مش إنتِ اللى تقرري يا ابتهاج مين يعيش ومين يموت، اوعي تنسي نفسك انا هنا صاحب القرار.
اتسعت ابتسامتها بسخرية وهي تقترب بخطوات واثقة وقالت:
بالعكس يا وليد، أنا فاكره نفسي كويس… وفاكراك إنت كمان، فاكره اتفاقنا إنت لك البت وأنا اللى هقرر مصير مرات طوفان.. نهايتها على إيدي.
شد وليد نفسه للأمام وقال بصرامة وغطرسة انه المتحكم:
أنا قولت كفاية … أي خطوة غلط منك، هتكون آخر خطوة في حياتك.
ضحكت بخفوت وهي ترفع حاجبها:
وإنت فاكرني بخاف… أنا اللي ما بيهمنيش نار ولا جحيم… طول ما قلبي مولع بالانتقام.
ساد الصمت للخظات قبل ان تتفوه ابتهاج:
ايه دخلت هي كمان مزاجك ولا ايه وعاوز تجربها هي كمان.
بنفس اللحظة صدح هاتف ابتهاج، قامت بالرد لتسمع:
البوليس هجم على الرجالة وهي بتسلم البضاعة والراجل بتاعك إتقبض عليه… ومش بعيد يعترف ويقول مين “سيتهم”
أغلقت الهاتف تشعر بنيران متوهجه وهلع فى قلبها نظرت نحو درة، قائلة:
أنا مش همشي من هنا قبل ما أخلص تاري،لو لك شوق فيها،أنساه قدامك البت الصغيرة عالاقل هتبقي الاول.
اغتاظ وليد من ردها، وتحدث بحقد:
دورك انتهي، مع السلامة… وكلمة كمان وإتصال صغير مني وأكشف حقيقية مين “سيتهم”…قولتلك كفاية لعب بالنار، وإلا نهايتك هتبقى على إيدي.
إزدردت ابتهاج ريقها لكن بحجود، والوقت لم يعد فى صالحها وذلك وغد حتى ان غادرت لا تأمن غدره، عليها الانتهاء
ودون تردُد، هجمت على وليد بكل غضبها، دفعت صدره بعنف، لكنه أمسك بذراعها سريعًا، شدّها نحوه بقوة، وبلحظة كان صوت طلقة رصاص تترك خلفها صمت الا من سُعال درة…وصوت إرتطام جسد وليد…
لم تهتم بذلك وذهبت نحو درة، شدتها من رأسها وضحكت بجنون قائلة:
كان نفسي أرحمك وأضربك رصاصة الرحمة لكن لاء قد ما قلبي إتحرق هحرق قلب طوفان وهو بيشوفك مولعة.
صفعت درة عدة صفعات ثم خرجت لحظات وعادت تحمل عبوة بلاستيكية كبيرة أفرغت محتواها بالمكان، بنفس الوقت كان سمعت آنين وليد ضحكت ولم تهتم وتوجهت نحو باب الهنجر وقفت لحظة تنظر لهم باستمتاع وجنون،ثم أشعلت الثقاب وتركته يشقط ليشتعل المكان، نظرت نحو درة وضحكت بجنون… ثم أغلقت باب الهنجر الحديدي وقامت بوضع أصفاد حديدية، رأت نور سيارات يقترب، ذهبت سريعًا وتخفت،
وهي ترا طوفان وبعض الأشخاص يترجلون من السيارات يذهبون نحو ذلك الهنجر الذي زاد اشتعال النار به،
كم ضحكت وشعرت براحة وتشفي وهي ترا طوفان يصرخ بإسم
” درة”
تنهدت درة قائلة بنبرة تحمل مزيجًا من الدلال والضيق:
اللي يسمعك يقول مكنتش عاوزني أفوق، يمكن نفسك تتجوز التالتة وأنا أ...
لم تُكمل جملتها، قاطعها بابتسامة خافتة وهو يميل نحوها، يُحيط وجهها بيديه برفق، ثم ضم شفتيها بين شفتيه في قبلة دافئة سرقتهما من أنفاسهما معًا...
ترك شفتيها ببطء، وأسند جبينه فوق جبينها، يتنفس من أنفاسها المضطربة، وكأن الحياة عادت إلى جسده بعد غيابٍ ساعات.. مازال
ذلك المشهد الذي لا يفارقه منذ ساعاتٍ وهي تتنفس بصعوبة حتى إنقطاع أنفاسه شعر كأنه فقد الروح بداخله مازال ذلك يُطارده، مدى الرعبٍ الذي شعر به وقتها... كلما تذكر أن ضياعها كان ممكنًا...
مرّر أصابعه على وجنتيها بلطف، قائلًا بصوت شبه مبحوح متأثرًا :
كنتِ هتضيعيني يا دُرّة... كنتِ هتسيبيني أعيش نصي التاني ناقص.
نظرت له بعينين مُرتبكتين، همست بصوتٍ واهن وبدلال تعمدت :
بس انت السبب... كل اللي بيحصلي بسببك أنت.
ضحك بخفوت، ضحكة تُخفي وجعًا وتُعلن راحة، ثم تحدث وهو يلمس كفها:
يبقى كملي حياتك وأنا السبب فيها برضه... المرة دي مش هسيبك.
عادت تلمع عينيها بعدما كادت تنطفئ تبسمت لكن ، العناد يلوح في نظراتها، لكنه اختفى سريعًا حين رفع يدها وقبلها ببطء كأنما يُبايعها على عمرٍ جديد.
همس بعدها وهو يُحيط وجهها بيديه:
نامي دلوقتي يا حبيبتي... أنا هنا، ومش هتروحي من حضني تاني.
استسلمت درة لدفء صوته، أغمضت عينيها وهي تشعر بأنفاسه القريبة تُداعب وجنتها، وكأن العالم كله قد توقف بهما عند تلك اللحظة.
تمدد لجوارها مد ذراعه يحيطها بهدوء، جذبها نحوه برفق حتى استقرت فوق صدره، تسمع دقات قلبه المتسارعة كأنها تعزف هديرًا عذب... نجاةٍ بعد خوفٍ طويل.
همس وهو يُمسد فوق رأسها يبوح بصدق :
كنت فاكر إني قوي يا درة... بس لما شوفتك بتتوجعي، اكتشفت إنك أقوى نقطة ضعف بالنسبة لى.
ابتسمت بخفوت، لم تفتح عينيها، فقط تمتمت بصوتٍ خافت:
مش يمكن الضعف ساعات بيكون أجمل من القوة... لما يكون سببه حب حقيقي.
ساد الصمت بعدها، لا يُسمع سوى أنفاسهما تتناغم في سكونٍ دافئ، كأن الليل نفسه ألقى بثقله عليهما ليحرس لحظتهما الهشة.
مرّت أناملها على صدره ببطء، ثم قالت بملامح هادئة:
عارف... لو الزمن يرجع من تاني كنت هرجع أختارك إنت يا طوفان،أنا منستش حبك لحظة حتى فى عز ما كنت مخدوعة ومصدقة كذب حسام ... كنت بعذب نفسي ببُعدي عنك، وأتمني قُربك... أنا بحب حنانك، وبعشق أبقي فى حضنك... لما بعدت عنك كنت حاسة إني ضعيفة هشة... لما كنت فى الهنجر مكنتش خايفة كنت متأكدة إنك هتلاقيني،حتى لو كنت موتت كنت هموت فى حضنك... خليني فى حضنك دايمًا
ضمّها أكثر إليه، وتحدث بنبرة امتزج فيها الحنان بالعزم:
بلاش سيرة الموت كفاية يا درة، أنا عمري ما كنت بعيد عنك حتى فى عز عذابي كان جوايا يقين إنك ...هترجعيلي، حتى لو اتأخرتي، كنت واثق إن بيني وبينك ما نهر جارف مستحيل يغرقنا... يمكن الفيضان هاج شوية بس ما قدرش يغرقنا... سحبنا معاه لبر خِصب.
وضع وجهها بين كفيه، نظر في عينيها نظرة طويلة، مازالت ملامحها الطفولية الذي عشقها تسكن فى قلبه وتحدث بهدوء خافت:
راحة قلبي هي إنتِ، كلك، بتعبك وضحكك ودموعك... حتى عنادك.. وتسرُعك.
تنهدت درة وابتسمت بخفوت، وهمست:
طوفان... أنا بستمد قوتي منك... كنت ببصلك من بعيد وأقول لنفسي هو دا الأمان، حتى لو وجعني.
مرر أصابعه بين خصلات شعرها، وتحدث بنغمة تشبه وعد:
خلاص يا درة، الوجع انتهى... أنا وإنتِ مش هنفترق تاني، لا خوف، ولا حسام، وأنسي أي غلطة قديمة فرقت بينا... مش هتبعدي عن حضني تاني، وده بالأمر مفيش قدامك إختيار غير... طوفان
هزت رأسها بإيماءة صغيرة، وإبتسمت عينيها تلمع بدموع امتنان، قبل أن تهمس:
وعد
ابتسم وهو يطبع قبلة حنونه فوق جبينها:
وعد... على عمر جديد، نبدأه من هنا... من حضني.
ساد الصمت مجددًا، لكن هذه المرة كان صمتًا مطمئنًا، كأن العالم كله تلخص في تلك اللحظة، وترك لهما مساحة صغيرة يتنفسان فيها الحياة كما أرادا دائمًا.
بين ذراعيه، نامت درة أخيرًا يعود لقلبها السلام، بينما ظل طوفان ينظر لملامح وجهها النائم، يبتسم،أخيرًا هدأ طوفان قلبه وعاد لمأواه... يضم درته الغالية التي كانت يومًا إعصاره، واليوم هي ملاذه.
🌷🌷
ده لمحة بطمنكم على درة بسبع ارواح
الخاتمة هتنزل كلها مره واحدة آخر الأسبوع ده
وقبلها هنزل لكم لمحة تانية عن
حاتم و جود
جلال و خلود
انتظروا خاتمة مُميزة
↚
قبل وقت قليل... بالمشفى
انسدل الستار بعدما فضح تعري الإثنان ...
حدث الطلاق الذي تأخر كثيرًا كأنه كان سجنًا يستلذ الإثنين به، يُعاقب كل منهم الآخر بقيود
لم تُصدم سامية من نُطقه للطلاق بسهولة هكذا،كذالك عزمي لم يستصعب ذلك بل شعر كأن ثُقلًا انزاح عن صدرة،بعد مكوثه لسنوات جاثمً على صدره...
هكذا ظنوا أن إنفصالهما هو التحرير من دوامة ربما ينجوا كل واحدًا بنفسه،لكن ربما لا ينجو أحد وتسحبهم الدوامة الى القاع.
نظرت له نظرة أخيرة،نظرة حقد وكُره،قبل أن تذهب نحو باب الغرفة،تبادل معها نفس النظرات...كأن تلك السنوات التي تحملا بعضهما فيها،كانت حُكمً بالسجن وعليهما التنفيذ وقد حان وقت الإفراج...لسوء الحظ لم يكن الإفراج خلاصًا كما تخيلا، بل بداية لحكمٍ آخر، أقسى وأكثر وجعًا...
توجهت سامية نحو باب بخطواتٍ ثابتة تحمل بداخلها انهيارًا، وخلفها تركت بقايا حياةٍ كانت من البداية فوق الرماد
أما عزمي، فجلس على حافة السرير، يُحدق في الفراغ، يُحاول إقناع نفسه أنه انتصر أخيرًا، لكنه لم يشعر إلا بالهزيمة...
بنفس وقت فتح سامية باب الغرفة تفاجئت بـ طوفان فى وجهها يرفع يده كاد يطرق على الباب.. نظرت له بنظرة إزدراء، وهو تجاهل حتى الحديث... شعرت بكراهية لكن فضولها،كذالك ملامح طوفان الواجمة... جعلها ذلك تقف جوار باب الغرفة تتسمع على طوفان وهو يتحدث مع عزمي قائلًا دون مقدمات وبنبرة لوم:
قولى يا خالي إزاي إتعرفت على ابتهاج، أكيد كنت عارف ماضي والدها وجوزها الأولاني، وليه أساسًا اتجوزتها، كان فى غيرها تقبل تتجوزك فى السر قبل العلن...كان فين عقلك...مستحيل أصدق إنها شغلت قلبك .
شعر عزمي بوخزات قوية ليست فقط من ألم جسده بل ألم بل من كلمات ابن أخته التي اخترقت صدره كسهامٍ مُحكمة التصويب... زفر ببطء، مُحاولًا أن يحافظ على رباطة جأشه، ثم رفع نظره نحوه قائلًا بصوتٍ خافتٍ لكن مُحمل بالمرارة:
إنت فاكر يا طوفان إن الجواز دايماً بيكون بالعقل أو بالقلب...أوقات بيكون غلطة العمر، لما تلاقي نفسك مجبور تتحمل إختيار غيرك...
سكت لحظة، كأنه يبتلع غصّة قديمة قبل أن يُكمل:
زمان جدك فرض عليا سامية رغم إنه كان عارف إن قلبي مشغول بغيرها، إستخسر فيا السعادة...حتى هي كمان مكنتش تعرف اني بحبها وإتجوزت من غيري،رغم ربنا مكتبش لها الخلف بس كنت بشوفها سعيدة وراضية.
تعجب طوفان من ذلك سائلًا:
هي مين يا خالي.
تدمعت عين عزمي وراوغ قائلًا:
هي الماضي اللى إنتهي خلاص يا طوفان...تعرف أنا كنت بحقد عليك لما دافعت عن حُبك لـ درة قصاد نوح...حتى لما أتجوزتها حسيت بغضب من نفسي قبل منك...ليه معملتش زيك وإتحديت أبويا ورفضت سامية وقولت له إنى بحب غيرها ومش هتجوز غيرها...حتى لو كان رفض،حتى لو كان طردتني كنت هقوله
لا أموالك ولا صيت عيلة مهران جابولى السعادة... حتي مبقتش الكبير بتاع العيلة، محطوط واجهه، زي الزينة،
عارف مره واحد من العيلة لجأ ليا فى مشكلة وحليتها له،ووقت ما حب يمدح...مدح فيك إنت... هعترفلك فعلًا أنا كنت عارف كل حاجة عن ابتهاج.... عن أبوها، وعن جوزها الأول، وعن كل اللي اتقال عليها... بس كنت برضه شايف فيها ست مظلومة، دخلت لى من سكة انها ضعيفة ومحتاجة حماية... كنت مبسوط وانا موهوم إني أقدر أحميها من الدنيا، لكن الواضح إن اللي بيحاول يحمي كدابة مخادعة بينسى يحمى نفسه.
ثم تنحنح متعبًا، صوته اهتز قليلًا وهو يضيف:
أنا اتجوزتها مش عشان أتحدى الناس، ولا عشان أخبي، كنت فاكر السرية هتحميها من الألسنة... لكن الظاهر إن السر بيكسر صاحبه قبل ما يصونه.
ارتسمت على وجه طوفان نظرة متوترة، نصفها غضب ونصفها حيرة، ثم مرر يده فوق رأسه في حركة عصبية قائلًا بنبرة مشدودة:
تحميها!
تحميها من مين يا خالي من الناس ولا من نفسها الست دي ما خلتش حد إلا وأذته... وأنا آخرهم، وعندي يقين إنها هي اللى ورا محاولة أغتيالنا... إنت فاكر نفسك الوحيد اللي شاف فيها ضعف... لأ، دي شاطرة في الحتة دي... تعرف تلعب دور الضحية لحد ما تخليك تصدق إنك منقذها، وبعدين تمص دمك على مهل وده اللى حصل معاك...
تغيرت ملامح عزمي، بدا وكأنه تلقى صفعة معنوية، قائلًا بهدوء حزين:
قصدك إيه
اقترب طوفان أكثر من عزمي قائلًا:
ابتهاج خطفت درة..
جحظت عيني عزمي يحاول الاستيعاب لكن ذُهل أكثر حين استطرد طوفان الحديث بتأكيد:
وعملت تحالُف مع وليد إبنك.
صدمات صدمات
والاقسي والأقوي تهديد طوفان:
قسمً بالله لو درة شعرايه منها أتأذت ما هعمل حساب لأي صلة دم... أنا لما قدمت وليد للشرطة، كنت بحاول أنقذه، آخر فرصة لما يعيش قسوة السجن يفوق.... كنت لسه شايف في وليد بريق أمل صغير،
قلت يمكن يتراجع... يمكن يفوق قبل ما يغرق...
لكن أنت... أنت اللي غرقته بإيدك، يا خالي، لما إشتريت شهادة مرعي، كمان السلاح اللى إختفي، هو نفس السلاح اللى سبق وإنضرب منه رصاص على درة، ولما واجهت المجرم قالي إنه خد السلاح من ست كان فى وسيط بينهم... كان طبعًا مقصود، درة تتقتل بالسلاح ده وظهوره كمان كان هيثبت جريمة جديدة على وليد، خطة ذكية طبعًا.
كأن عزمي فقد النُطق، رغم شعور طوفان بالأسي من قسوة ما يقوله لكن هاجس الخوف على درة هو المُسيطر عليه... تنفس طوفان بجمود قائلًا:
خالي إنت أكيد على دراية بكل الأماكن اللى ممكن يكون فيها وليد، قولي يمكن أقدر أنقذه المرة دي... كمان أماكن ممكن الاقي فيها ابتهاج.
هز عزمي رأسه بألم وتحدث بخفوت وصدق:
لاء معرفش يا طوفان والله لو أعرف كنت قولت لك، حتى ابتهاج معرفش غير بيت ست قريبتها سابت ابنها عندها، كانت بتزورها على فترات.
رفع طوفان يديه يجذب شعره للخلف بقسوة، نظر نحو عزمي بآسف وكلمات قليلة قالها بتوعد:
وليد، ولا ابتهاج لهم أي دية عندي.
قال ذلك ولم ينتظر وتوجه نحو باب الغرفة بخطوات سريعة
حاولت سامية الاختباء بممر جانبي.. شعرت بالحقد اكثر من طوفان واعترافات عزمي انه كان يكن الحب لأخرى، صدق إحساسها... لكن لن تهتم بـ عزمي
فكرت بـ وليد لابد من تحذيره... خرجت مُسرعة الى المنزل لسوء الخظ أن السائق غادر، كادت تهاتفه ليأتي، لكن الوقت ليس لصالح وليد لن تنتظر، أشارت لأحد سيارات الأجرة توقفت لها، صعدت بها وأمرت السائق بالقيادة على أسرع سرعة لديه... وصلت الى المنزل صعدت مباشرةً الى غرفة وليد فتحتها كانت فارغة... هرولت بالنداء على الخادمة سائلة:
فين سيدك وليد.
أجابتها خرج من قبل ما إنتِ تخرجي، حتى أنا أستغربت خرج ماشي على رجليه من عكاز.
نهرتها ساميه وقفت تفكر، تستذكر الماضي حين كان يختفي وليد بعض الأماكن منها غرفة بحديقة المنزل... ذهبت لها فورًا كانت فارغة وقفت تتنفس بلهاث... تستذكر وتستذكر إهتدى عقلها... ذلك المخزن القديم الذي كاد يحترق به سابقًا قبل سنوات قليلة بعدما ذهب هو وصديق له، بعدما تشاجرا وأشعلا النيران ولم يستطيعان إطفائها، فرا منها باعجوبة... ربما هو هناك، إتخذت القرار ستذهب إليه وبداخلها أمل أن تعثر عليه قبل طوفان وتحذره.
1
******* ****** *****
بعد وقت قليل
إضطر طوفان للعودة الى المنزل ليأخذ سلاحه الخاص، تسحب بهدوء من باب خارجي مُطل على الحديقة حتى لا يلفت إنتباه من بالمنزل توجه مباشرةً الى تلك الخزنه فتحها وأخذ السلاح وضعه على خصره كاد يخرج من نفس الباب لكن سمع صوت قريب من الغرفة لفت إنتباهه فتح باب المكتب المُطل على بهو المنزل تفاجئ بدخول تلك السيدة ومعها شاب يضع ضماد حول رأسه... خرج من المكتب نحوهم، تسارعت تلك السيدة قائلة بتوسل ورجاء:
طوفان بيه أنا فى عرضك بنتِ زينة.
توقفت تلتقط نفسها بصعوبة، نظر طوفان نحو الشاب الذي تحدث بلهاث هو الآخر بتفسير:
أنا كنت بوصل زينة زي كل يوم ووقعنا فى فخ عالطريق، أنا آخر حاجه سمعتها قبل ما عقلي يغيب،سمعت واحد من الرجالة بيقول البيه أمرنا ناخد البنت نوديها الهنجر القديم،هما فكروا إني بسبب ضربتهم على دماغي موتت أو غبت عن الوعي ومع الوقت دمي هيتصفي وهموت بسبب الضربة وان الطريق زراعي وبقينا المسا والفلاحين أكيد روحوا بيوتهم، يعني محدش هينقذني بس ربنا كان رحيم فلاح شافني مرمي عالطريق فكرني عملت حادثه بسبب الموتوسيكل، وكان شهم قلع الشال بتاعه وكتم الدم وخدني عالوحدة، خيطوا دماغي وأول ما فوقت خرجت رغم انهم كانوا رافضين، بس أنا قلقان على زينة، أكيد اللى خطفها هو وليد أنا سمعت طرطشة كلام بينهم عن الهنجر القديم بنفس الوقت صدح هاتف طوفان، أخرجه من جيبه ونظر له سرعان ما قام بالرد ليسمع:
الموبايل اللى بعت رقمه رصدنا مكالمة منك، هبعتلك المكان فى رسالة فورًا.
أغلق طوفان الهاتف، بنفس الوقت إقتربت وجدان لاحظت ذلك السلاح على خصر طوفان خفق قلبها بقوة، تبادلت النظرات بين طوفان ووالدة زينة وخطيبها وذلك الضماد الذي حول رأسه ومنظر ملامحه الواضحة التعب...
تفوهت بإستفهام:
فى إيه يا طوفان، كمان درة فين مرجعتش لغاية دلوقتي.
صمت طوفان بنفس الوقت سمع صوت رساله على هاتفه فتحها سريعًا، ثم نظر الى وجدان ثم الى والدة زينة وخطبيها قائلًا:
لازم أمشي دلوقتي، من فضلك يا ماما ضايفيهم.
اعترضت وجدان امام طوفان بقلق سائلة:
قولى فى ايه يا طوفان، بلاش تسيبني كده قلقانه للفِكر السيء.
غصبً لم ينتظر وغادر مُسرعً، دون تفسير.
زاد القلق فى قلب وجدان بنفس الوقت حاولت تهدئة والدة زينة قائلة:
تعالى نقعد وقوليلي إيه اللى حصل.
جلست والدة زينة، تبكي بنواح وهي تسرد ما حكاه لها خطيب إبنتها، وأن المشكوك فيه الاول هو... وليد، بل يقين، دقائق ونهض خطيب زينة للرد على إتصال والدته،فى ذلك الوقت سردت والدة زينة لـ وجدان بعض من أفعال وليد مع إبنتها التي كانت تُخفيها عنها لكن صدفة أثناء حديثهن زلف لسانها، ومع إلحاح والدتها أخبرتها بعض من افعاله وإعتراضه لها بالطريق أكثر من مرة، وخوفها منه الذي وصل الى حد الإرتياب منه.
تنهدت. وجدان بآسف هامسه لنفسها:
للآسف وليد إتربي عالأنانية والإجرام بقي في مجرى دمه... كذالك تمنت أن يكذب قول والدة زينة.
.
❈-❈-
بأحد المخازن المهجورة أسفل بناية قيد الإنشاء...
كان حاتم على رأس قوةٍ أمنية تُنفذ مُداهمة خاطفة... لم يستغرق الأمر طويلًا، فالمجرمون فوجئوا بالهجوم ولم يجدوا فرصة لا للمقاومة ولا للهرب، كأن القدر نفسه أغلق الأبواب في وجوههم. كانت أسهل مهمة نفذها على الإطلاق.
بعد ساعات، في مبنى المديرية...
وقف حاتم أمام مكتبه، والابتسامة الهادئة تعلو شفتيه وهو يستمع إلى القائد يقول بمدح ظاهر:
عمرك ما خيبت توقعاتي يا حاتم... إنك تخرج في مهمة وإصابتك لسه ما التأمتش، ده كان تصرف مجنون، بس كالعادة طلعت قدها.
ابتسم حاتم بخفوت وهو يُعدل ياقة بدلته العسكرية قائلًا:
المهم إن العملية نجحت من غير خسائر يا فندم، الباقي كله سهل.
ضحك القائد وربت على كتفه قائلًا:
واضح إنك مش ناوي ترتاح أبدًا.
الراحة بعدين، يا فندم... لما البلد تبقى بخير.
ساد صمت قصير قبل أن يقول القائد بنبرة أكثر جدية:
على فكرة... في تكليف جديد جاي لك.
رفع حاتم حاجبيه بدهشة خفيفة:
مهمة جديدة بعد العملية دي على طول.
اجابه القائد:
أيوه، بس دي مختلفة عن كل اللي فات... فيها مدنيين، ومش كلها اشتباك وسلاح.
جلس القائد خلف مكتبه، قائلًا بهدوء:
مهمتك الجديدة يا حضرة الضابط
طبعًا وصلك إن فى عصابة لتجارة السلاح أكيد وصلك إن اللى بتقودها ست...وبيقولوا عليها "سيتهم"...فى معلومات وصلتنا إن الوكر اللى حصل فيه مداهمة الليلة و المجرمين اللى تم القبض عليهم تبعها،أنا عاوزك تتواصل مع وكيل النيابة وأكيد ممكن واحد من المجرمين يكون على صلة مباشرة بها ويديك معلومة توصلنا لها.
نهض حاتم قائلًا بحماس:
تمام يا أفندم هتواصل مع وكيل النيابة وإن شاء الله نوصل للست دي ونطهر المنطقة من تجارة السلاح.
تنهد القائد بآسف قائلًا:
للآسف صعب نوصل لنهاية مع تجارة السلاح.
اومأ حاتم بآسف هو الآخر قائلًا :
أهو بنحاول يا أفندم، وإن شاء الله الداخلية تسيطر وتبيد كل اللى بيخرج عن القانون.
*****......*****
بعد وقت قليل بمنزل والد حاتم
كانت بدرية تجلس في المنزل وحدها، تشعر بالوحدة والفراغ ينهش قلبها كما يفعل الندم حين يستيقظ الضمير متأخرًا... جلست على أحد المقاعد بالردهة
تتجول بنظرها في أرجاء الردهة التي تحفظ معالمها عن ظهر قلب، كل ركن في المكان يذكرها بمناسبة...او حدث ترك ذكرى
توقفت عيناها على صورة حسام الموضوعة على الحائط،شعرت بوجع قاسي فى قلبها سالت دموع عينيها حسرةً،رغم مرور وقت لكن ذلك الوجع لا يُنسي ويظل قسوته تنهش فى القلب،فُقدان ولدها ليس بالحدث الهين،الغدر أصابه وسفح قلبها...نظراتها مؤلمة وأمنية لو تحتضن وجهه بيديها ويبتسم لها،وجع لا يهدأ وليس له علاج سوا قبول مرارة القدر بل والتعايُش معها غصبً ....اخفضت وجهها للحظة تُجفف دموعها بيديها،رفعت عينيها مرة اخرى لكن عينيها ذهبت بإتجاه آخر.. لصورة أخري، لفظ قلبها بندم:
حاتم...
تنهدت بغصة وندم وتمتمت بصوتٍ مبحوح:
أنا السبب يا حاتم... أنا اللي خربت بيتك بإيدي.
أغلقت عينيها تستعيد اللحظات التي كانت تقف فيها بينه وبين زوجته، بكلماتٍ ظنّت حينها أنها "وجيعة قلب أم مقهور"، لكنها كانت سهامًا أصابت قلب زواجه... تستعيد بعض المواقف كانت قاسية وهي تحاول زرع القسوة ببكائها مرة، وتجبُرها مرات... قبول جود لجحودها كان ذلك تفهمً منها انها أم فقدت إبنها، لكن هي ماذا فعلت، الآن
كل جملة قالتها بغضب، كل قسوة زرعتها في صدره، عاد الآن ذلك يطعنها ألف مرة.
رفعت رأسها نحو السقف كأنها تبحث عن غفرانٍ من الله، أو ربما من زوجة ابنها التي ظلمتها...
تنهدت بعمق تلوم في نفسها تقول بندم:
يا ريت الزمن يرجع... كان زماني مش لوحدي، كان زمان جود معايا وكمان...
توقف لسانها بغصة مريرة فى حلقها، وهي يعود لذاكرتها لقائها مع جود قبل فترة وجيزة
[بالعودة لذاك اليوم التى تفاجئت جود بزيارة بدرية...
كانت كإسمها"جود"
إستقبلتها بترحاب بسيط كأنها نسيت أفعالها السيئة السابقة معها،أو هي كانت دائمًا هكذا تتعامل معها بسماحه
تُقابل غلاظتها بلُطف تُعطيها أعذار لقسوتها...
جلسن بهدوء،لكن هنالك ما غص فى قلب بدرية أكثر...هو همهمات مرح ذلك الصغير التى تحمله جود...
طفل رضيع يُشبه طوفان بالملامح...تدمعت عينيها، حاولت إخفاء ذلك، وحسرة أخرى سكنت قلبها... وبعقلها ندم لو كان تغير القدر وأكملت جود حملها... كانت الآن تحمل حفيدها
وندم لا يفيد الوقت نفذ...
حديث هادئ، ورجاء مُبطن من بدرية التى تبتلع حسرات قلبها وهي تتحدث لـ جود تُخبرها عن إصابة حاتم... كذالك حديثها المراوغ الذي أبي عقلها أن تطلب السماح والغفران مباشرةً... ربما ليس تكبُرًا بل ترقُب لرد فعل جود التى تعلمه مُسبقًا، ربما لم يعيشا معًا لفترة تسمح لهن بمعرفة خِصال بعضهن، لكن جود كانت عكسها... تُقابل الجحود بإبتسامه حتى إدعائتها الكاذبة كانت تتقبلها، ربما هذا ما أزاد فى قسوتها... تذكرت تحذيرات زوجها الذي كان ينهاها عن ذلك...دائمًا كان يرفض ذلك ويحاول تطيب خاطر جود ببعض الكلمات الطيبة،وجود كانت معه تلقائية بقلب طيب ورقيق،لكن لكل شخص طاقة تحمُل،أخطأت حين حاولت إعادة خطيبة حاتم الأولى أمامه حين شعرت ببوادر ميل حاتم لـ جود وأنها بدأت تجذبه لها برقتها وعفويتها،كذالك بحملها أصبحت تتوغل من نيل مكانة فى قلب وعقل حاتم...
ورنين جملة زوجها لها
"خسرتي واحد بالموت بلاش تخسري التاني بتدمير حياته مع مراته"
وصلت لذلك بخباثة هي من تدفع ثمنها...حاتم توغلت جود من قلبه وعقله
رقتها فازت أمام جحودها
وندم دفع ثمنه حاتم...لوعة قلبه،إبتعاده لفترات طويله عن المنزل،أصبح منزلها مثل المهجور لاوقات طويلة،تمكُث وحدها تتشارك مع الجدران غصات وحسرات قلبها...تنازلت اليوم عن جزء من كبريائها،لكن تذكرت شيء واحد هو "حاتم"إبنها الثانى والباقي لها...لا يهم كبريائها مقابل أن يعود ويبتسم كما كانت ترا فى عينيه حين كانت تستقبله جود بأبتسامة صافية،رغم أفعالها الخبيثة،غيابه عن المنزل التي كانت تستلذ به وقت زواجه من جود،أصبحت تمقته هي.. وهو أصبح المنزل له مجرد مأوي لبضع ساعات ويعود للـ الغياب
ندم...وندم...ولوعة فُقدان...كذالك حبسة جُدران أصبحت تخاف أن يذهب عقلها منها...
إعتذار بطريقة غير مباشرة لـ جود التي لم تستغل ذلك...بل بقلبها رحمة وتفهم.
ودت لو تسيل دموعها ربما يرتاح قلبها من ذلك الندم...
وتعود همهمات مرح ذلك الصغير تُذكرها بالقسوة التي دفعت ثمنها....
بنفس وقت حديثهن الهادئ دلفت درة الى الغرفة...
تفاجئت درة بـ بدرية وتحدثت بتفاجؤ:
عمتي!.
أغمضت عينيها للحظات حين أخذت درة صغيرها من جود تحمله تُقبله...
وخيال قديم لو كان ذلك حفيدها من" حسام" كما كانت تنتظر،لكنه القدر،عادت تفتح عينيها على همهمات تذمُر ذلك الصغير الذي إعترض وأراد البقاء مع جود...تبسمت درة له بحنان،أخذته جود مره أخري فأبتسم...وإبتسمت درة التى رحبت بـ بدرية ..لحظات
تنحنحت بدرية قلبها لا يتحمل أكثر من ذلك،نهضت قائلة:
ده ميعاد رجوع عمك من بره ولما بيرجع...
ماذا تقول أنه أصبح هو الآخر يميل للبقاء خارج المنزل... فلمن سيعود لها، ويجدها تبكي من الحسرات.
تبسمن لها وهي تغادر، ذهبت معها درة الى باب المنزل...
ربما أحبت درة وتمنتها كزوجة لأحد ابنائها، ربما كان هنالك نوايا طمع بقلبها، لكنها كذالك لم تكرهها يومًا... كانت تشعر تجاهها بمزيجٍ غريب من القبول والحذر، كأنها ترى فيها مرآةً لسنواتٍ مضت، وأُمنية لم تتحقق بسبب سوء القدر
وقفت درة عند الباب تتابعها بنظراتٍ غير مستوعبة ، نصفها شفقة ونصفها استغراب، بينما بدرية تمضي بخطواتٍ واثقة تخفي خلفها انكسارًا ثقيلًا لا يراه ولا يشعر به أحد غيرها.
عادت درة الى تلك الغرفة تبسمت لصغيرها قائلة بمرح:
كده يا نوح نسيت ماما، يا خسارة تعب تسع شهور ومعاهم كمان تنمُر باباك وخالك باسل عليا بسببك.
ضحكت جود وهي تُقبل نوح بمرح قائلة:
نونو حبيب عمتوا.
ضحكت درة وهي تنظر حولها قائلة بمرح:
إحمدى ربنا إن طنط وجدان مش سمعتك وإنتِ بتقولى"نونو".
ضحكت جود هي الاخرى قائلة بصوب غليظ قليلًا تُقلد والدتها:
نوح راجل والرجاله مش بتدلع.
ضحكت درة قائلة:
والله هي السبب فى دلعه... بس سيبك قوليلي عمتي كانت عاوزه إيه، أكيد مجيها هنا له سبب.
سردت جود لـ درة ما حدث، فبدت على ملامح الأخيرة علامات الدهشة، لكنها سرعان ما نفضت عن رأسها، نظرت الى جود قائلة بنبرة هادئة يسودها الفضول:
وإنتِ هتعملي إيه يا جود...
حاتم صحيح ابن عمتي، وعمري ما كنت قريبة منه... دايمًا كان بعيد، من أول ما دخل المدرسة العسكرية وهو اتغير، المدرسة دي أثرت عليه، خلت شخصيته جافة شوية وطريقته في التعامل خِشنة... يمكن النوعية دي مبتعرفش تعبّر عن مشاعرها، وبيفضلوا الرسمية على العفوية بديه العذر طبعًا إنه كان سلبي، بس القرار في الآخر ليكِ... إنتِ الوحيدة اللي عارفة مشاعرك.
صمتت جود، عيناها تهربان بعيدًا نحو الفراغ، كأنها تبحث عن مبرر يريح قلبها.
بينما درة تنفست بعمق، قبل أن تبتسم بخفة قائلة بحنين:
كمان مش سهل نسيان أول دقة قلب... صعب...وصعب جدًا كمان..حاولت قبلك وفشلت وندمت...
نظرت جود لملامح درة وهي تتحدث كان بعينيها وميض مختلف وبسمة مختلفة وملامح أكثر بهاءًا وحالِمية،جال برأسها ذكرى يوم أطلقت درة الرصاص على طوفان وحديثها الجاف وحديث طوفان،كأنها فعلت ذلك كي توقظ بداخله التحدي فى العودة إليها،فهمت الآن درة حين أطلقت الرصاص على طوفان لم تكُن تقصد قتله،بل إيقاظ قلبه كي ينبض بها من جديد، كي تُعيد قلبه إليها يشتعل بالغرام كلما نظر إليها، أرادت أن تُذكره بأنها ليست امرأة يمكن أن تُنسى، وأن الحُب الذي كان بينهما لم ينتهي.
نشب صراع خفي بين عقلها وقلبٍها كانت تظنه، قد خمد
لكنّه لم يخمُد... كان فقط في هدنةٍ قصيرة،كأنه
ينتظر أن تمر أمامه بشائر الهوى من جديد،
وحين عادت، انتفض من سُباته،
اشتعل بنبضٍ قديم يحنّ لنسائم ربيعيّة تقترب.
يُقارن عقلها يُجادل، يُذكرها بالخذلان،
بينما قلبها يُعطي الأعذار، يفتح نوافذ الرجاء...
طوفان غفر لـ درة التي أطلقت عليه الرصاص،
غفر بعينِ العاشق لا بعقلِ الرجل،
أما هي... فما زالت تُوارب قلبها،
كمن تخشى أن يدخل النور فيفضح كم اشتاقت لدفئه... والقرار أصبح حائرًا بين فتح قلبها وإعطاء فرصة ثانية... أو تُغلقه على بقايا كبرياءٍ لم تعد تدري إن كانت تُنقذها أم تُدمرها... وربما لابد من أخذ خطوة، لكنها لا تعلم أهي خُطوة نحو النور، أم بداية سقوط جديد في هوة لا عودة منها... لكن لابد من سير تلك الخطوة... كي لا تندم لاحقًا.. ربما رجاء بدرية المُبطن يكون هو بداية جديدة]
عادت بدرية من ذكرى ذلك اليوم على صوت فتح باب المنزل نظرت نحوه، سُرعان ما كتمت حزنها فى قلبها وتبسمت وهي تنهض تتجه نحو حاتم ببسمة وقلق حقيقي وهي تقول بلوم:
لساك مُصاب يا حاتم هي الداخلية مفيهاش غيرك، لازم تهتم بصحتك.
نظر لها، بسمتها جعلت قلبه ينشرح عكس ما كان يشعر بالأسى والبؤس سابقًا حين كان يدخل المنزل يسمع نواحها وبُكائها.. بتلقائية تبسم قائلًا:
أنا بخير إطمني يا ماما ومش أول إصابة ليا.
ربتت على كتفه بحنان قائلة:
ربنا يحميك، على ما تستحمي هحضرلك عشا خفيف.
ابتسم لها بأسى، يلوم نفسه وهو يعلم جيدًا أنها تُعاني، وأنها اصبحت تعتاد أن تُخفي وجعها خلف بسمتها حين تنظر إليه... لديه يقين بأنها هي من أخبرت جود عن إصابته، وأنها السبب في تلك الزيارة إلى المشفى.
تنهد بعمق، ملامحه تشي بندمٍ صامت... جميعهم سقطوا في فخ سوء القدر، تشابكت خيوطهم داخل عاصفةٍ لم ترحم أحدًا...
لكن ربما... آن الأوان لترك الماضي خلفهم، مطويًّا تحت أنقاض ذلك الإعصار الذي بعثرهم يومًا، لعل في الصفح نجاة... وفي النسيان سلام.
❈-❈-❈
بالهنجر
بدأت النيران تشتعل، تتراقص ألسنتها كوحشٍ خرج من قيده، تلتهم كل ما تقع عليه...
بقايا آثار بعض المواد الكيماوية في الهنجر كانت كالوقود تُغذي اللهب وتزيده شراسة، فتصاعد الدخان كثيفًا يخنق الأنفاس، وارتفعت الحرارة حتى بدا الهواء نفسه يحترق... بسبب النيران إحترقت تلك الحِبال التي كانت تُقيد زينة، رفعت قدميها عن الأرض ثم أزاحت تلك النيران عنها،لكن بدأت شبة تختنق وعنفوان المقاومة لديها أمل... وقفت تنظر حولها ربما تجد منفذ للخروج من بين النيران...
نظرت نحو درة التى تسعُل بشدة...إنسانيتها كذالك ربما رد جزء من جِميلها عليها ، حايدت النيران وذهبت نحوها، نظرت لتجد الحبل قد التف حول رجلها بإحكام، وآثار احتراق خفيف بدأت تظهر على جلدها...بقدميها أبعدت تلك الحبال المُشتعلة عن أقدام درة كذالك حاولت إطفاء تلك النيران التى إشتبكت بذيل جلبابها...هي الأخري بدأت تسعُل من الدخان ودرة أصبحت تشهق وأنفاسها تنقطع بدأت تتنفس بصعوبة...
صوت اللهاث يتسارع، والعرق يتصبب من جبينها، بينما تمسك زينة بذراعها تحاول تهدئتها وإنقاذها قائله :
دكتورة درة خدي نفس عميق... بالله عليكِ ركّزي معايا.
لكن فجأة، شعرت زينة بشيء يشد ساقها...نظرت له سُرعان ما إرتعبت من منظره وهو يزحف والنيران إشتبكت بثيابه يضع يده على صدرة يحاول كتم الدماء... تحدث بلهاث:
مش عاوز أموت... أنا لازم أعيش...
سحبت زينة قدمها منه تنظر له بإشمئزاز، رغم منظره المُخيف والنيران تتزايد على جسده وهو لا يستطيع المقاومة...
صرخت زينة بذعر تنظر لـ
درة التى تشهق بشدة، تشعر بحرقة الألم تمتزج برعب غامض... كأن النيران تزيد فى الإشتعال حولهما أكثر كلما حاولت زينة إنقاذها.
بالخارج
صرخة طوفان كانت كفيلة بإيقاظ الغضب بداخله، وإيقاظ الشماته فى قلب ابتهاج التى تختبئ خلف أحد الأبنيه القريبة... تلمع عينيها وقلبها مُنشرح... هكذا أخذت بثأر والدها وزوجها وحِيرة أمرها من بعدهما، وتحملها غلاظة ذاك اللعين عزمي، كذالك لعين آخر أخلف وعده لها بأن يتحمل نفقات المحامين والدفاع عن والدها وأن مكانه شاغرًا... لم يكُن من الصعب عليها أخذ ذلك المكان... بعض من رجال والدها كونت عصابة كبرت دون إحتكاك مباشر أو ظهور لها... إنتقمت من ذلك الكاذب الذي ظن أنها سهلة المنال لكونها امراة... قتلته وعلى شأنها بذلك وأصبحت من الكبار، ساعدها عدم تعاملها المباشر مع معظم من يعملون لديها، كان هنالك وسيط وهي فى الخفاء، إشتدت قوتها، ولن تظل بالخفاء، إتخذت لقب"سيتهم"
أصبحت مثل فزاعة... تعلمت أن القوة هي من تحكُم... أخذت ثأرها من الجميع لم يبقي سوا طوفان... فشلت أكثر من مرة، لكن الآن أمامها طوفان يصرخ، وهو يتجه نحو باب الهنجر... ضحكت، وضحكت وظلت واقفه تنتظر لحظة التشفي الأخيرة
بينما طوفان يهرول نحو باب الهنجر.... أخرج سلاحه وكاد يصوب ناحية تلك الأقفال... لكن باللحظة الأخيرة، رفع جلال يده لتنطلق الرصاصة بالأعلى فى الهواء قائلًا بتحذير:
إنت فين عقلك يا طوفان عاوز تضرب الاقفال بالرصاص والنار قايدة، كده هتزودها، أنا معايا شاكوش فى العربية هجيبه بسرعه اوعي تتهور... هرول جلال نحو السيارة وفتحها وجذب ذلك الشاكوش كذالك سحب غطاء السيارة من باطن الخلفية للسيارة وتوجه نحو طوفان، خطف طوفان من الشاكوش وبدأ بالضرب على الأصفاد، حتى إستطاع فتح واحد، أخذ منه جلال الشاكوش قائلًا:
هات الشاكوش وخد نفسك شويه أنا هحاول أفتحه كاد يعترض طوفان لكن جلال بدأ بالضرب... توقف يلهث قائلًا:
الحمد لله القفل فتح... إنحني طوفان وجلال ولم يحذرا وقاما بوضع إيديهم أسفل ذاك الباب المعدني وقاما برفعه بسرعه... هبت السنة اللهب عليهما، كاد طوفان بلا تفكير أن يدخل لكن منعه جلال قائلًا.:
خد غطا العربيه لفه على جسمك قبل ما تدخل... بالفعل لف طوفان ذلك الغطاء حول جسده ودخل وسط النيران يصرخ بإسم درة، طقطقة النيران منعت صوت سعال درة الذي بدأ ينقطع... سمعته زينه التى بدأت هي الأخري تختنق، لكن صرخت قائلة:
طوفان بيه...
توقف طوفان يُميز من أين يأتى الصوت، والنيران والدخان يمنعان الرؤية، لكن تحدث بقوة... درة
أجابته زينة بصوت متقطع:
طوفان بيه...
ذهب نحو الصوت يحاول مُحايدة النيران بنفس الوقت دخل جلال خلفه بعدما آتي بمطفأة حريق السيارة...يحاول فقط إخماد ممر كي يساعد طوفان...
↚
وصل طوفان الى مكان زينه ودرة،رغم أنهما بجانب قريب من النيران ذلك المقعد الحديدي بدأت النيران تصهر أرجله وهما يتحملان حرارة النار التي سخنت المقعد...لكن إنصدم بمنظر درة الأسود الملامح وتلتقط نفسها وسُعال خافت ينعدم...سريعًا ألقى عليها غطاء السيارة...ثم حملها...نظر لـ زينة قائلًا:
هتقدري تمشي.
أومأت له بـ نعم... تحدث بتحذير:
حاولي تتجنبي النار.
بنفس الوقت وصل جلال بعدما أطفأ ممر صغير... نظر له طوفان قائلًا:
ساعد زينة يا جلال.
مد جلال له يده قائلًا:
حاذري مشي من الممر... فعلت زينه وتمسكت بيده فقدرتها إنخفضت ونفسها أصبح يضيق...
بعد لحظات خرج الأربعة من الهنجر...
بنفس الوقت تجمع بعض أهالي المنازل القريبة من الهنجر منهم من إتصل بالمطافئ وآخر بالشرطة...
همهمات درة تهمس بتوهان ونفس ينقطع:
طوفان...حسام...بابا...
لم يهتم طوفان بهمهمتها...تلك بل وضعها بالمقعد الخلفي للسيارة وسرعان ما فتح درج بالسيارة وأخرخ تلك القنينة فتح فم درة قام برش رذاذها بفمها يحاول إفاقتها من ذلك التوهان...لكن درة لا تستجيب...صرخ طوفان على جلال قائلًا:
واقف عندك كده ليه،إدخل العربية وسوق بسرعة على أقرب مستشفي...
صعد جلال خلف المقود...جلست زينة لجواره...قاد السيارة بسرعة عاليه رغم شعور ألم بيديه بسبب حرقهما كذالك حرقان بوجهه وعُنقه...
نظر لـ طوفان عبر مرأة السيارة...وجهه أحمر ويديه محروقه وأثار حريق على شعره لكن يتحدث بإستجداء لـ درة يحاول عبر تلك القنينة مساعدة درة على التنفس... تراخي جسد درة أكثر... كأن ذاك الرذاذ بلا نفع...
توقف جلال... نظر له طوفان بغضب قائلًا:
وقفت ليه.
أجابه جلال الذي ترجل من السيارة وفتح الباب الخلفي:
الوحدة الصحية.
صمت طوفان ومازال جسد درة بين يديه، لحظه واحده فقط رفع يده وحملها بين يديه وترجل من السيارة يحمل درة...
صرخ ببعض العاملين فى الإستقبال...
قائلًا:
أنا طوفان مهران... محتاج أوكسجين بسرعة..
إسمه كفيل بفتح كُل غرف الوحدة الصحية وإيقاظ النيام... دلف بها الى إحد الغرفة سريعًا كان التعامل معها وضع جهاز الأوكسجين حول أنفها...لكن مازال تنفسها غير مُنتظم،لكن عادت حركة صدرها تشهق...
نظر طوفان لتلك الممرضة التى تحدثت:
واضح المدام محتاجة عناية خاصة مش موجودة هنا إحنا منقدرش نقدم غير بعض الإسعافات،لكنها محتاجة رعاية وأجهزة تانيه مش موجودة عندنا.
زفر طوفان نفسه قائلًا:
تمام...هطلع أكلم مستشفي خاصة تبعت عربية إسعاف مجهزة.
أومأت له الممرضة...ذهب طوفان نحو مكتب الإستقبال قائلًا:
ممكن أستخدم التلفون.
وافق ذاك الموظف،قام طوفان بالاتصال بمشفي خاص وطلب سيارة أسعاف مجهزة...
تقابل مع جلال الذي تنهد قائلًا:
كنت لسه هدور.عليه...الممرضة قالت البنت التانية محتاجة بس شوية أكسجين وتضميد حروق وحالتها مش صعبة.
أوما طوفان قائلًا:
كويس،أنا أتصلت بمستشفي خاص يبعتوا عربية إسعاف بسرعة...هنا مش هينفع درة...مجرد إسعافات.
رفع طوفان يده وضعها فوق كتف جلال قائلًا:
شكرًا يا جلال لو لا مساعدتك يمكن...
قاطعه جلال قائلًا:
بلاش تكمل يا طوفان...إنت مش صديقي،إنت أخويا...كمان إفتكر كويس،زمان إنت اللى بدأت ودخلت النار عشان تنقذني كمان شهدت كدب بسببي.
غصبً بسمة مغصوصة شقت فم طوفان
..تنهد قائلًا:
موبايلك بيرن،رد أكيد مراتك قلقانه عليك،قربنا عالفجر.
إنتبه جلال لرنين ذلك الهاتف..قام بالرد ليسمع لهفة خلود:
جلال إنت فين،ليه مش بترد على إتصالاتي...إنت بخير...قولي.
ابتسم جلال قائلًا:
أنا بخير..
قبل أن يكمل حديثه تحدث طوفان قائلًا:
خلاص كتر خيرك يا جلال جِميلك مش هنساه...إرجع لبيتك مراتك مش هتطمن غير لما تشوفك.
غصبً أمام الحاح وضغط طوفان إمتثل وغادر.
...... ....... ....
النار لم تشفي غليلها رأت خروج طوفان منها وهو يحمل درة إذن هي مازالت تعيش...لكن لن يظل ذلك... تتبعت طوفان بتلك السيارة التى كانت تنتظرها، حتى بالمشفى، ترقبت خروج طوفان من تلك الغرفة... دقائق حتى تأكدت من إبتعاده وراقبت الممر خالي، لا يوجد أحد بالغرفة سوا مُمرضة ذلك سهل عليها التعامل معها... دخلت الى الغرفة... نظرت لها الممرضة وكادت تتحدث لكن لم تستكمل حديثها حين صفعتها بقوة وشراسة بأنفها جعلت الممرضة تترنح قبل أن تفقد وعيها تنزف من أنفها.. إقتربت بشرر تنظر لـ درة تلمع عينيها بوميض الإنتقام... فقط لو أزاحت ذلك الإنبوب الموضوع فوق أنفها ستختنق فى الحال... لم تُفكر فى الانتظار لحظة... ازاحته عن أنفها... لتشهق درة مرة واحدة بقوة، ثم ظهر أثار الاختناق على ملامحها وشفتيها التي بدأت تميل الى الأزرق... عذاب درة كان يروق لها أن تختنق ببطئ وتعذبها قبل أن تموت يروقها أكثر فبسهوله ترفع الوسادة وتكتم الباقي من أنفاسها، لكن عذاب درة أفضل ويُشفي بل يُغذي روحها الإجرامية أكثر، لكن فجأة دوي صوت صفير، إرتبكت لحظات قبل أن تحسم الأمر وتخنق درة بالوسادة لكن ذلك ليس فى صالحها عليها الهرب قبل أن يدخل أحد الى الغرفة... بالفعل هرولت وخرجت من الغرفة... بنفس الوقت كان إقترب طوفان من الغرفة... ورأي هرولتها... كذالك هرولة مُمرضة أخرى الى الغرفة.. علم هويتها، لكن لم يذهب خلفها دلف الى الغرفه سريعًا نحو درة والممرضة تضع أنبوب الأوكسجين حول أنفها مرة أخرة، ودرة وجهها وشفاها يميلان للون الأزرق
خفق قلب طوفان ظل بالغرفة ينظر لها، ربما الأوكسجين لم يجعلها تتنفس بصورة مقبولة لكنه اعاد خفقان قلبها قليلًا.... ظل ينتظر سيارة الإسعاف الى أن وصلت بعد وقت قليل لكن مر كدهر من الزمن، وضعوها بالسيارة الشبة مُجهزه بجهاز تنفس أعلى فعالية...
وضعوا عليها تلك المجثات وأنبوب التنفس.
حتى تلك الدقائق لا تمُر...
ولحظات فارقة... بين الحياة و...
لم يستطع تحمُل تلك الكلمة...
دقائق تمُر ولحظات صعبة.. وهو يقف امام غرفة العناية حتى خرج الطبيب تلهف نحوه، إبتسم الطبيب بهدوء قائلًا:
لغاية دلوقتي التنفُس مش مظبوط،الرئة فيها كمية دخان...كمان واضح إنها عندها مشكلة سابقة في الرئه والتنفُس... هتفضل فى الانعاش وان شاء خير.
كلمات الطبيب ليست مُطمئنه، لكن بقلبه أمل مثلما نجت سابقًا ستنجوا من أجله ومن أجل طفلهما.
❈-❈-❈
أمام الهنجر
وصلت قوات الاطفاء كذالك الشرطة، خمدت النيران
بداخل الهمجر وقف المُسعفين يحملون فراش نقال عليه جثة شبه مُحترقة...بنفس الوقت سهت سامية الجميع ودخلت الى المكان توقفت مذهولة للحظات الرماد ومنظر الهنجر كان مُرعبً....رأت المُسعفين...بأقدام مرتعشة وقلب ينقبض إقتربت من المسعفين، منع عليها الطريق أحد العساكر قائلًا بتعسُف:
رايحة فين يا حجة...وإزاي دخلتي هنا.
أزاحته بقوة من أمامها توقف عقلها عن الإستيعاب ما تراه كذب... كابوس... مستحيل...
لحظات عقلها غائت عن الوعي...فاقت حين تحرك المُسعفين،تصرخ وهي تسير خلفهم برجاء وتوسل:
إبني...وليد...هو متصاب صح بس عايش...
إستنوا إنتم واخدينه على فين...هو بس غايب عن الوعي،لو رشيتوا على وشه مايه هيفوق...وليد....وليد...وليد قووم،فوق...
نظر لها المسعفين بأسي...لم يتوقفوا وبالمقابل حركتها تتباطئ لم تُعد قادرة عالسير ركزت على الارض بساقيها عقلها يذهب ويزهد وهي ترفع الرماد بيديها تضعه على وجهها تصرخ بلوعة قلب....
...تصرف جنوني، نابع من فجيعةٍ لم يَحتملها قلبها.
صرخت بصوتٍ مبحوح ممزوج بالذهول والإنكار:
رجعولي ابني...
انهارت على الأرض، تتشبث ببقايا الرماد كأنها تحاول إعادة الزمن، تُحدّق في الفراغ بعينين غائمتين، ثم تعاود الصراخ بصوتٍ أقرب للأنين:
وليد!... قوم يا ضناي... ما تسيبنيش لوحدي... انا قابله بقسوتك...
اقترب أحد المسعفين بهدوء، وضع يده على كتفها محاولًا أن يُساعدها على الوقوف، لكنها دفعته بعنف وهي تهذي:
متلمسنيش! هو عايش... سامعني... بيحرك إيده... وليد!... وليد رد عليا يا حبيبي!
تعلّقت أنفاسها بين شهقةٍ وبكاءٍ حارق، والواقع بدأ يتسلل إليها ببطءٍ قاسٍ، كأن كل نفسٍ يذكرها بما فقدت...نهضت بصعوبة
تهرول خلفهم تمنعهم... لكن لم تلحقهم... غادرت سيارة الإسعاف... وغادر معها عقلها بالندم والهزيان.
❈-❈-❈
بمنزل جلال
رغم رده على اتصالها، لكن قلبها مازال يشعر بالقلق... صوته كان مختلف، كأن خلف نبراته شيء يخفيه،ظلت تنظر للـ الهاتف بيدها بعد أن أنهت المكالمة، تُحاول إقناع نفسها أنه بخير، لكن حدسها كان أقوى من كل طمأنينة زائفة...
وقت لا يمُر... تشعر هكذا الى أن سمعت صوت سيارته... توجهت مباشرةً الى الشرفة أزاحت الستائر... على ذلك الضوء المُضئ بالحديقة لاحظت عدم هندمة ثيابه خفق قلبها توجهت نحو باب الشقة...
عبست ملامحها بقلق حين وقف جلال أمامها ثم تحولت النظرة الى قلق عارم وتحدثت بلهفة:
جلال إيه اللى حصلك... و
قاطعها يشعر بإرهاق قائلًا:
أنا بخير يا خلود، وسعي من قدام باب الشقة...
توقف رغم إرهاقه لكن خفف حِدة الموقف بمزحه وهو يغمز بعينيه:
هو كل ما أتأخر أرجع الاقكي واقفه لي على باب الشقة كده زي المخبرين فين قُمصان النوم الحريرية الامعه الاهبة.
نظرت له بضيق قائلة:
بتهزر مش شايف وشك ولا هدومك إنت كنت فين وإيه اللى حصلك.
أجابها:
قبل ما أجاوب على إستجوابك أنا محتاج أخد دُش امحي بيه الهباب اللى على وشي... ويا سلام بقي لو تحميني بإيديك الحلوين الناعمين دول، يبقي هقول للحجة الصبح تدعيلي بكل الرضا.... رغم هي راضية عنك وبتعاملك أحسن مني، يلا القلب وما يهوا بقي.
نظرت له وعنينها تدمع قائلة:
بتهزر يا جلال... انا قلبي ممكن يوقف بسببك مش شايف منظرك.
رفع جلال يديه كي يضمها لكن تألم منهما، جذبت خلود يده ونظرت الى راحة يده سُرعان ما شهقت قائلة:
إيه اللى حرق إيديك كده... قولى وكفايه مراوغة يا جلال.
أجابها بتنهيد:
الأول أخد دُش كمان أنا جعان... وأوعدك هحكيلك كل حاجه... شوفتي أنا زوج مُريح إزاي.
تنهد بقلة حيلة وإستجابت له...
بعد دقائق خرج من الحمام يرتدي مِعطف قطني... تبسم لـ خلود وهو يراها تقف بيديها حقيبة الإسعافات الأولية وقالت بأمر:
قبل ما تاكل لازم تحط مرهم على إيديك زمانها بتحرقك.
نظر ليديه حقًا قبل وقت لم يكُن يشعر بألم لكن تجمع الألم الآن... بالفعل سمح لـ خلود بوضع المرهم على يديه وذلك الضماد...لاحظ رعشة يديها...كذالك دمعة تسللت من عينيها...
رفع وجهها وتبسم قائلًا:
خلود بنت عمي اللى بتقرأ قصص الاكشن والخيال العلمي والرعب عينيها تدمع من منظر إيدي المحروقة... لا انا كده إتغشيت وخدت مقلب حياتي بقى.
غصبً تبسمت قائلة:
قولت أهو بقرأ كمان دول قصص وأشخاص ملهمش أهمية غير تسلية.. لكن منظر إيديك... كمان رقابتك ووشك اللى حتى بعد الدُش لونه أحمر... واضح حصل شئ فظيع.
تنهد جلال بآسف وشعور بالأسي قائلًا:
فعلًا اللى حصل شئ فظيع.
نظرت له خلود، وقبل أن تسأله... سرد لها ما حدث...
شعرت بالأسي والشفقة لكن لوهلة لامت جلال قائلة بعتاب:
يعني رفعت باب الهنجر المولع كمان دخلت ورا طوفان جواها جوة النار، ومخوفتش على نفسك، بلاش تخاف على نفسك مخوفتش عليا لو جرالك حاجة قلبي مكنش هيتحمل... مش فاهمة مكانة طوفان عندك اللى تخليك تدخل وراه وسط النار.
ابتسم جلال مُتفهم قائلًا بحنين:
طوفان هو اللى سبق بالجِميل ودخل ورايا النار، ومش بس كده، كمان شهد بالكدب بسببِ.
إندهشت خلود من ذلك سائله بإستفهام:
مش فاهمه.
إبتسم بحنين وهو يتذكر ذلك الموقف القديم الذي مر عليه سنوات... حادثة الليلة أعادته مع إختلاف الأسباب ورد الفعل...
فالموقف القديم كان كوميديًا... لكن موقف الليلة كان مأساويًا.
عاد بذاكرته قبل سنوات كثيرة حين كان بالصف الثاني الثانوي...
إختار دائمًا المعارضة، رغم عدم إستيعابة للمواد العِلمية وتلك المواد الكيميائية... لكن يقاوم ويحاول الخوض فيها عله يستوعب...
بينما طوفان لم يكُن يهوى تلك المواد وأختار القسم الأدبي... لكن مازالت صداقتهما متوطدة...
باحد الايام كان هنالك حصة عملية للتجارب الكيميائية... تطبيق عملي بمعمل المدرسة...
تلك المواد الكيميائية التي لا يُعبث بها ولا بمكوناتها...فقط للتطبيق النظري من بعيد وبكميات قليلة جدًا،لكن الفضول برأسه...إشتعل...أمامه أكثر من عينة لمواد كيميائية،وزملاؤه بعض منهم متحمس والبعض مجرد النظر لتلك المواد من بعيد أفضل...لكن الفضول جعله يتشجع...ودون إنتباه مُدرس المادة إقترب من تلك الأنابيب...قام بخلط أنواع كثيرة وبنسب كبيرة...منها مواد إختلاطها كفيل بالإشتعال دون ثقاب...
بالفعل،دوي صوت فرقعة ثم إشتعال بالانابيب...
صرخ الطلاب وتوجهوا سريعًا نحو باب المعمل بسبب الهرج والمرج كان الطلاب يتعثرون ومنهم من سقط أرضًا وآخر دهسه زملاؤه بأقدامهم،... والحريق يزداد تلك المواد كأن الانفاس تجعلها تشتعل أكثر... كذالك لسوء الحظ إنغلق باب المعمل ومازال هو بالمعمل وبعض زملاؤه...يحاولون فتح الباب يصرخون وهو إنتابته حالة من الذهول جعلته يضحك مثل المعتوة ولكن يتجنب النيران،لكن النيران بدأت تنهش المقاعد وتحترق وتزداد إشتعال...والدخان بدأ ينتشر...وهلع زملاؤه...
صدفة كان هنالك إتفاق بينه وبين طوفان أن يغادرا المدرسة سويًا وحان وقت المغادرة لكن جلال تأخر،زفر طوفان نفسه...كان على علم مُسبق بان نهاية اليوم حصة الكيمياء بالمعمل...ذهب نحوه تفاجئ بأدخنه كذالك صفارات الانذار بالمدرسة...وهنالك طُلاب أمام المعمل يسعلون...وباب المعمل مغلق...
سأل أحد زملاؤه:
فين جلال.
اجابه:
جلال جوه ومعاه كام طالب والباب اتقفل وزي ما يكون علق مش بيفتح.
لم ينتظر طوفان وذهب نحو الباب...حاول كسره لكن كان قويًا عليه...صرخ على أمن المدرسة الذي يشاهد وكأن ما يحدث لا يعنيهم...تحدث بغلظه قائلًا:
أنا طوفان نوح مهران وهخلى والدي ومش بس والدي كمان أولياء الامور يقدموا فى المدرسة شكاوي...ساعدونى أفتح الباب...
بالفعل ساعدوه وإنفتح الباب...رغم ألسنة اللهب لم يهتم طوفان ودخل الى المعمل ينادي:
جلال.
أجابه جلال:
انا هنا يا طوفان فى آخر المعمل تعالي إسحبني الدخان وجع عيني.
لم يتردد طوفان لحظه وذهب نحوه جذبه وتفادى النيران واخرجه من المعمل... وقف الإثنين يسعلان لدقائق... ثم نظر جلال لـطوفان قائلًا:
الحمد لله التجربة بتاعتي نجحت والمعمل ولع... مفيش اصابات بشرية... أنا قررت أتنازل عن ذكائي العلمي وهحول القسم الأدبي
انا خلاص بقيت مؤمن بمقولة
"الأدب فضلوه على العِلم"
ضحك طوفان قائلًا:
إنت لا ليك فى الأدب ولا فى العِلم وآخرك هتلبس فى جلابية العمودية يا وِلد العُمدة.
كانت تلك الجملة تجعل جلال يُفضل العِلم، هو لا يريد ذلك...
حدث تحقيق لاحقًا بالمدرسة وكان طوفان من ضمن الشهود وكذب أن جلال هو من افتعل الحريق فكيف ذلك وهو وجده خلف الباب مباشرةً، كذالك الخطأ الاكبر على المُدرس الذي تعامل بجهل وبدل أن يتعامل بحكمة ترد التلاميذ وخرج قبلهم...]
عاد يشعر بالآسف كذالك خلود قائلة:
ربنا يكون فى عونه، بجد درة صعبانة عليا... لما بشوف الافلام بتاع الرعب بقول فى ناس معقول يكونوا بالشر ده... أكيد فى مبالغات لكن واضح الواقع فيه أسوء من الخيال.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين.
أمام منزل عزمي
كان هنالك صوان للعزاء... حضر عزمي العزاء وهو قعيد فوق مقعد متحرك... يتلقي العزاء وبداخله أمنية لو كان هذا الصوان والعزاء من أجله هو... لكنه يجني ما فعله حين والس على وليد كثيرًا ولم يهتم بتربيته وتقويم أخلاقه... حتى ريان غائب... رغم أن هنالك أمل فى علاجه بدأ يمتثل للأدوية والجلسات النفسية.. ندم بعد فوات الآوان
بعزاء النساء بداخل المنزل
كانت وجدان وكوثر هن من يستقبلن النساء...
وجدان تشعر بالحسرة والأسي رغم إخبار طوفان أنه تحالف مع شيطانه وكاد يتسبب فى قتل درة التى نجت بأعجوبة... لكن تشفق على قلب أخيها من تلك الحسرة... حتى كوثر هي الأخرى عقلها يدور يومًا تمنت صبي لكن الآن تشكر نعم الله عليها بفتايتها... بالأعلى بغرفة سامية كانت بين الاوعي عقلها يهزي وتصرخ وتنتحب وتعود للغياب عن الواقع وتصمُت وتذرف عينيها الدموع... يبتلع عقلها الحسرة يدقها لى قلبها كإعصار حطم وأباد غطرستها.
❈-❈-❈
مساءًا
بالمشفى
دلف طوفان الى غرفة درة إستقبلته كريمان قائلة:
العزا خلص...المفروض كنت أروح العزا، بس إنت عارف درة من وقت ما فاقت وهي لو صحيت وملقتش حد مننا جنبها بيتخاف.
غص قلب طوفان قائلًا:
باسل قام بالواجب... الأهم دلوقتي صحة درة وأنا جاي اتقابلت مع الدكتور، وقال حالة التنفس بدأت تتعدل والدخان إختفي من الرئة... يعني كمان يومين ممكن تخرج من المستشفى.
أومأت قائلة:
الحمد لله...
نظرت نحو درة، تتذكر لحظة معرفتها بأن درة تواجه الموت مرة ثانية كم كانت تلك الأوقات صعبة لكن للمرة الثانية يرأف الله بقلبها وتعود درة، التى نجت.
بينما طوفان تذكر لحظة فتحها لعينيها وحديثها بنهجان:
"حسام هو اللى قتل بابا، إنت كنت عارف"
بالفعل هو كان على دراية بذلك، وكانت رغبة مختار إخفاء ذلك وكلمات وصيته الأخيرة لـ طوفان:
"بلاش درة تعرف إن حسام هو اللى قتلني، وصيتك درة أنا عارف إنك بتحبها وهي كمان بتحبك... درة لمحت لى إنها عاوزه تنهي إرتباطها بـ حسا... السر ينتهي بينا هنا"
-السر ينتهي بينا هنا
كانت آخر كلمات والد درة... لكن ذاك السر كان هنالك شهود آخرون عليه، هو لم يحضر ذلك الحدث وعلم بعد النهاية بعدما وصل له الخبر وقتها بالتو كان بمشفي البلدة وآخر لحظات مختار كانت معه ووصيته كانت "درة".
❈-❈-❈
ليلًا
بأحد البيوت القديمة والمُتطرفة
منذ أن هربت من المشفي وأخبار تصلها تجعلها مثل البركان الثائر
حقد ما بعده حقد كلما حاولت تدمير طوفان كانت تجني الخذلان.. وليس ذلك فقط، الآن أصبحت طريدة من الشرطة بعدما أعترف ذلك الوغد الحقير بهويتها، بعدما كانت تعيش فى رغد تنام فوق فراش وثير، تنام فوق آريكة متهالكه... نظرت الى ذلك الهاتف القديم الطراز... فتحته وقامت بإتصال هاتفي على أحد أعوانها وطلبت منه اللقاء... خرجت من ذلك المنزل ترتدي زيًا أسود ونقاب أسود... ذهبت الى أحد المقاهي جلست مع ذلك المعاون لها قائلة:
عوزاك تدبر ليا جواز سفر أنا مش هستحمل المكان اللى عايشه فيه ده، كمان تدبر لابني معايا... عاوزه أهج من هنا فى أسرع وقت.
أومأ لها موافقًا...
بعد وقت غادرت، لم تكُن تعلم أن ذلك الوغد مرصود من الشرطة وأنها الآن مُراقبة من الشرطة، بعد وقت شعرت بحركة قريبة من المنزل... جذبت السلاح وذهبت نحو نافذة بالمنزل، تفاجئت بضوء سيارتان لم تحتاج لوقت لمعرفة انهما تابعتان للشرطة... أين ستحاول الهرب الآن بعد أن إقتحم حاتم المنزل ومعه تلك القوي، لم تحتاج لوقت لتتعرف عليه ضحكت بإستهزاء قائلة:
حضرة الظابط ونسيب طوفان مهران السابق، المفروض إنه عدوك وعدوي كمان... المفروض نتحد عليه مش عاوز تعرف مين اللى خطط يسرق سلاحك وكان عاوز يورطك فى وينهي مستقبلك.
نظر لها حاتم بذهول:
قصدك إيه.
ضحكت ابتهاج قائلة:
اللى خطط لسرقة سلاحك كان عزمي وكان ناوب يخلص بيه على طوفان ويورطك إنت... بس أنا أنقذتك.
ذُهل سائلًا:
قصدك إيه.
أجابته:
أنا اللى بعت اللى يسرق سلاحك وفسدت خِطة عزمي... شوفت أنا انقذتك وده دورك ترد الجِميل.
تهكم حاتم ساخرًا يسأل:
وأرد لك الجميل إزاي بقى.
أجابته ببرود:
تسهل لى عملية الهروب ونبقي خالصين.
تهكم حاتم قائلًا:
واثقة أوي من نفسك مصدقة إنى ممكن أصدق كدبك...للآسف غبائك هو اللى اتسبب فى وقوعك وكشف هويتك.. انتهي الطريق بـ سيتهم.
ضحكت ابتهاج بغلاظة وبغدر منها اخرجت السلاح وكادت تصوب نحو حاتم لكن كان حذر وأطلق رصاصة بيدها سقط منها السلاح...سريعًا نسيت الألم وإنحنت تجذب السلاح وكادت تمسكه لكن رصاصة أخري أصابت ظهرها من أحد العساكر...إنتهت المواجهه الكاذبة بالقبض على إبتهاج.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
قبل الظهر
بالحقل كان مرعي يقوم بقطع فروع أحد الأشجار... لم ينتبة أن الفأس قطعت الفرع ولم يبقي سوا جزء صغير لم يتحمل الفرع وزن مرعي، كذالك مرعي لم ينتبة وسقط على الأرض، صرخ من إرتطام جسده بالارض، ليس ذلك فقط بل صرخ أقوي حين سقط الفرع الكبير فوق إحد ساقية...جاء على صراخه أحد الفلاحين وقام بنقله الى المشفي... وترك بيناته بالمشفي فأتصلوا على زوجته... ذهبت ومعها إبنتها الصغري... ظلا أمام حجرة العمليات الى أن خرج الطيب تقدمن نحوه، تحدث الطبيب:
للاسف رجله اليمن فيها غرغرينه مينفعش تتجبس هنحاول بالعلاج...
وللآسف لو العلاج مجبش نتيجة وبؤرة الغرغرينه زادت للآسف
هنضطر نقطع رجله قبل الغرغرينة ما تسحب فى بقية جسمه
❈-❈-❈
عصرًا
بأحد الحدائق العامة
إبتسمت جود لـ نوح الذي يُهمهم بسعادة وهو يرا بعض الاطفال...
بنفس الوقت وصل حاتم لوهلة غص قلبه من ذلك المنظر وتمني لو كان ذلك طفله هو، لكن نفض ذلك وجلس جوار جود... التي شعرت كأنها عادت جود القديمة حين كانت تخجل... تنحنح حاتم قائلًا:
أنا عارف الظروف اللى بتمروا بيها..
وفاة إبن خالك... كمان مرض درة، عرفت من ماما أنها شبة بقت تتنفس كويس... لما طلبت أقابلك، كنت عارف إنك هترفضي، كلامي مكنش تهديد يا جود، لو مكنتش جيتي كنت أنا هجيلك فى قلب داركم ومش هيهمني رد فعل طوفان مهما كان،عارف إن موافقتك مش خوف عليا خوف... على طوفان... يمكن قبل كده كنت بحس بضيق من إرتباطك بـ طوفان لكن فهمت سر ارتباطك بيه،أنه دايمًا بيحميكِ... بس بصراحة طوفان مُتعسف... ورفض طلب إننا نتجوز ونرجع لبعض.
بخباثه من جود نهضت قائلة:
طالما طوفان رفض يبقي خلاص،كل شئ نصيب...لازم أرجع الدار...
بتلقائية من حاتم أمسك معصم يد جود غصبها تجلس مره أخرى وتنهد يتحمل قائلًا:
جود أرجوكِ كفاية،أنا كمان دفعت التمن، خلينا نرجع ونعوض اللى ضاع مننا.
تفوهت جود بغصة قلب:
اللى ضاع مكنش قليل يا حاتم... كان صعب...
-كان صعب علينا احنا الاتنين أرجوكِ كفاية.. وخلينا نبدأ من جديد ونحاول ننسي الماضي اللى تعبنا إحنا الاتنين... أنا عارف الظروف بس مش هيأس يا جود ومتأكد رجعونا مسألة ظروف، بس يمُر وقت ومتأكد هنرجع نجتمع من تاني والمرة دي بصدق بدون أضغان.
↚
❈-❈-❈
مساءً
رغم غصات قلب وجدان لفقدان وليد… لكن إنشرح صدرها حين دلف طوفان الى المنزل بصُحبة درة وكريمان كذالك باسل…
بحثت درة بعينيها سرعان ما شعرت بعودة الروح لها حين رأت جود تأتي بـ نوح… رغم وهنها لكن جذبته منها حملته تضمه لصدرها تستنشق عبقه بسعادة، حتى نوح إستكان معها ولم يتذمر بل رفع يديه الصغير يعانق وجهها بلمسات طفولية… قبلت يدية وضمته…
كادت كريمان تأخذه منها قائلة:
هاتي نوح..
عشان صحتك لازم ترتاحي عالسرير كمان جهاز التنفس لازم يتعلق تاني، مش عشان اتنفستي شوية يبقى خلاص.
تمسكت درة بصغيرها قائلة:
أنا بخير يا ماما… سيبي نوح معايا.
تبسمت كريمان بحنان وتركت لها نوح رغم ان درة واهنه لكن حمل صغيرها بالتأكيد ليس بالثقيل عليها.
……. ……. ـــــــــــ
بعد وقت
دلف طوفان الى الغرفة… تبسم حين وجد درة مُستقيظه تبدوا متذمرة من أنبوب التنفس الموضوع بأنفها تحاول إزاحته، تبسم وتسأل:
أمال فين طنط كاريمان… وبتشيلى جهاز الاوكسجين ليه.
أجابته درة:
انا بتنفس كويس من غير جهاز الاوكسجين ومش محتاجه له، بيضيق خُلقي وماما
خدت نوح ونزلت تحضر له الراضعه…قولت لها تسيبه معايا على ما تحضرها بس هي خدته خايفه عليه مني كأني عدوي وهعديه.
ضحك طوفان، اغتاظت درة لكن تحدث طوفان:
درة آخر وصية عمي مختار قالي… بلاش حد يعرف إن حسام هو اللى ضربني بالرصاص هو مكنش يقصد.
اومأت درة راسها بتفهم تشعر بغصة قائلة:
فعلًا كفاية مش لازم حد تاني يعرف، أوقات حاجات بتحصل الأفضل تكون أسرار مخفية.
تبسم طوفان وجلس جوار درة على الفراش قائلًا بمرح:
واضح إن الكام يوم اللى قضيتهم فى المستشفى كبروا عقلك… أو يمكن تأثير الغيبوبة.
تنهدت درة قائلة بنبرة تحمل مزيجًا من الدلال والضيق:
اللي يسمعك يقول مكنتش عاوزني أفوق، يمكن نفسك تتجوز التالتة وأنا أ…
لم تُكمل جملتها، قاطعها بابتسامة خافتة وهو يميل نحوها، يُحيط وجهها بيديه برفق، ثم ضم شفتيها بين شفتيه في قبلة دافئة سرقتهما من أنفاسهما معًا…
ترك شفتيها ببطء، وأسند جبينه فوق جبينها، يتنفس من أنفاسها المضطربة، وكأن الحياة عادت إلى جسده بعد غيابٍ ساعات.. مازال
ذلك المشهد الذي لا يفارقه منذ ساعاتٍ وهي تتنفس بصعوبة حتى إنقطاع أنفاسه شعر كأنه فقد الروح بداخله مازال ذلك يُطارده، مدى الرعبٍ الذي شعر به وقتها… كلما تذكر أن ضياعها كان ممكنًا…
مرّر أصابعه على وجنتيها بلطف، قائلًا بصوت شبه مبحوح متأثرًا :
كنتِ هتضيعيني يا دُرّة… كنتِ هتسيبيني أعيش نصي التاني ناقص.
نظرت له بعينين مُرتبكتين، همست بصوتٍ واهن وبدلال تعمدت :
بس انت السبب… كل اللي بيحصلي بسببك أنت.
ضحك بخفوت، ضحكة تُخفي وجعًا وتُعلن راحة، ثم تحدث وهو يلمس كفها:
يبقى كملي حياتك وأنا السبب فيها برضه… المرة دي مش هسيبك.
عادت تلمع عينيها بعدما كادت تنطفئ تبسمت لكن ، العناد يلوح في نظراتها، لكنه اختفى سريعًا حين رفع يدها وقبلها ببطء كأنما يُبايعها على عمرٍ جديد.
همس بعدها وهو يُحيط وجهها بيديه:
نامي دلوقتي يا حبيبتي… أنا هنا، ومش هتروحي من حضني تاني.
استسلمت درة لدفء صوته، أغمضت عينيها وهي تشعر بأنفاسه القريبة تُداعب وجنتها، وكأن العالم كله قد توقف بهما عند تلك اللحظة.
تمدد لجوارها مد ذراعه يحيطها بهدوء، جذبها نحوه برفق حتى استقرت فوق صدره، تسمع دقات قلبه المتسارعة كأنها تعزف هديرًا عذب… نجاةٍ بعد خوفٍ طويل.
همس وهو يُمسد فوق رأسها يبوح بصدق :
كنت فاكر إني قوي يا درة… بس لما شوفتك بتتوجعي، اكتشفت إنك أقوى نقطة ضعف بالنسبة لى.
ابتسمت بخفوت، لم تفتح عينيها، فقط تمتمت بصوتٍ خافت:
مش يمكن الضعف ساعات بيكون أجمل من القوة… لما يكون سببه حب حقيقي.
ساد الصمت بعدها، لا يُسمع سوى أنفاسهما تتناغم في سكونٍ دافئ، كأن الليل نفسه ألقى بثقله عليهما ليحرس لحظتهما الهشة.
مرّت أناملها على صدره ببطء، ثم قالت بملامح هادئة:
عارف… لو الزمن يرجع من تاني كنت هرجع أختارك إنت يا طوفان،أنا منستش حبك لحظة حتى فى عز ما كنت مخدوعة ومصدقة كذب حسام … كنت بعذب نفسي ببُعدي عنك، وأتمني قُربك… أنا بحب حنانك، وبعشق أبقي فى حضنك… لما بعدت عنك كنت حاسة إني ضعيفة هشة… لما كنت فى الهنجر مكنتش خايفة كنت متأكدة إنك هتلاقيني،حتى لو كنت موتت كنت هموت فى حضنك… خليني فى حضنك دايمًا
ضمّها أكثر إليه، وتحدث بنبرة امتزج فيها الحنان بالعزم:
بلاش سيرة الموت كفاية يا درة، أنا عمري ما كنت بعيد عنك حتى فى عز عذابي كان جوايا يقين إنك …هترجعيلي، حتى لو اتأخرتي، كنت واثق إن بيني وبينك نهر جارف مستحيل يغرقنا… يمكن الفيضان هاج شوية بس ما قدرش يغرقنا… سحبنا معاه لبر تاني خِصب.
وضع وجهها بين كفيه، نظر في عينيها نظرة طويلة، مازالت ملامحها الطفولية الذي عشقها تسكن فى قلبه وتحدث بهدوء خافت:
راحة قلبي هي إنتِ، كلك، بتعبك وضحكك ودموعك… حتى عنادك.. وتسرُعك.
تنهدت درة وابتسمت بخفوت، وهمست:
طوفان… أنا بستمد قوتي منك… كنت ببصلك من بعيد وأقول لنفسي هو دا الأمان، حتى لو وجعني.
مرر أصابعه بين خصلات شعرها، وتحدث بنغمة تشبه وعد:
خلاص يا درة، الوجع انتهى… أنا وإنتِ مش هنفترق تاني، لا خوف، ولا حسام، وأنسي أي غلطة قديمة فرقت بينا… مش هتبعدي عن حضني تاني، وده بالأمر مفيش قدامك إختيار غير… طوفان
هزت رأسها بإيماءة صغيرة، وإبتسمت عينيها تلمع بدموع امتنان، قبل أن تهمس:
وعد
ابتسم وهو يطبع قبلة حنونه فوق جبينها:
وعد… على عمر جديد، نبدأه من هنا… من حضني.
ساد الصمت مجددًا، لكن هذه المرة كان صمتًا مطمئنًا، كأن العالم كله تلخص في تلك اللحظة، وترك لهما مساحة صغيرة يتنفسان فيها الحياة كما أرادا دائمًا.
بين ذراعيه، نامت درة أخيرًا يعود لقلبها السلام، بينما ظل طوفان ينظر لملامح وجهها النائم، يبتسم،أخيرًا هدأ طوفان قلبه وعاد لمأواه… يضم درته الغالية التي كانت يومًا إعصاره، واليوم هي ملاذه.
❈-❈-❈
بعد مرور عام
صباحً
محل متوسط به بضع ماكينات للخياطة وماكينة خاصة بصناعة السجاد
مشروع صغير لكنه بالنسبه لـ زينة
مشروع العُمر التى تمنته… ها هو الحلم بدأ يتحقق بعد فترة وجيزة من زواجها، إنتهيا من تجهيز ذلك المشغل الصغير المملوك لهما بداية صغيرة لكنها كبيرة لهما…
إبتسمت زينه وهي ترا والدتها تحمل مبخرة بها بخور تقرأ آيات قرآنية تجلب البركة وهي سعيدة للغاية…..لا شيء سينغص عليها فرحتها تلك… حتى رؤيتها لـ مرعي الذي تم بُتر إحد ساقيه واصبح يستعين بعكاز طبي يساعدة على السير…رغم قسوته القديمة لم تفرط به لا هي ولا بنتيها…وجعله ذلك يشعر بالندم على جحوده القديم…لكن ذلك الحادث كان عقاب اليقظة…
حين إهتموا به ولم يتذمروا من عجزه شعر كم كان قاسيًا وذلك العقاب الالهي قليل علي أفعالة السابقة
قابلوا جحودة وانانيته بالمحبة والعطاء… وبداية جديدة بلا جشع فا هو نهاية جشعه يعيش على عطف من حوله.
❈-❈-❈
فى منزل طوفان بالظهيرة
دلف طوفان الى غرفته هو درة يتأفف… تبسمت درة تعلم سبب ذلك الضيق، إقتربت منه قائلة:
طوفان أنا جهزت لك البدلة اللى هتحضر بها الزفاف بكره، كمان الجلابية البيضا والعباية اللى هتحضر بها إشهار كتب الكتاب فى الجامع بعد صلاة العصر …عندك عالسرير..اهي خلاص العصر قرب يأذن يادوب على ما تاخد دُش يريح أعصابك.
نظر لها طوفان بغضب طفولي قائلًا بعصبية واضحة:
ومين قالك إني متعصب أساسًا.
تبسمت وهي تقترب منه رفعت يديها حول عُنقه تتمايل برأسها بدلال قائلة:
عارف أنا نفسي الحمل المرة دي يكون بنت عشان تنشغل بها وتخف شوية عن جود وحاتم… حرام عليك كده كتير يا طوفان ده لو واحد غيره كان زهق من أفعالك معاه.. قولت له عاوز شبكة وعفش جديد وجابهم فرح تاني ووافق و جود مطوعاك بدون إعتراض يعني اتحمل كتير كفايه بقى.
زفر طوفان نفسه بضجر قائلًا:
لاء مش كفايه…أنا أساسًا مش موافق عالجوازة دي لغاية النهاردة… حاتم ده غبي…وجود أختي رقيقة وهادية وتستحق أحسن منه.
ضحكت درة قائلة:
بس جود عاوزه حاتم يا طوفان وكفايه بقي تعسّف منك،حتى حاتم لو كان له مساوئ فإفتكر له لما كنت أنا ونوح بخطر مفكرش وإدخل وهو مش معاه سلاح حتي، طوفان بلاش عِناد يا حبيبي، كمان خلاص كتب كتابة على جود، يعني مراته وهو بس عشان يرضيك وافق على الفرح فى قاعة… يعني يا حبيبي كفاية وهدي أعصابك… كمان راعي إني حامل وعصبيتك دي بتوترني.
زفر طوفان نفسه بإستسلام قائلًا:
تمام هحاول أتقبله.
ضحكت درة وهي تهز رأسها بخفة، ثم رفعت يدها تلامس وجنته بحنو قائلة:
أهو كده بقى الكلام اللي يطمن… أنا مش طالبة منك غير تبين لـ جود إنك راضي، ماينفعش تروح اشهار كتب الكتاب بوش عابس كأنك داخل مهمة مش مناسبة كتب كتاب أختك الوحيدة.
ابتسم طوفان ابتسامة باهتة وهو ينظر للأرض قائلًا:
خلاص هحاول، بس ما تلومينيش لو خرجت عن شعورى … لو الغبي ده زعل جود مرة تانيه هـ…
قاطعته درة ورفعت جسدها قبلته… إستقبل قُبلتها بترحيب، وترغيب وهو يجذبها يلصقها بجسده يتوغل بقبلاته ولمساته، لكن درة وعت على الوقت دفعته بخفه وهي تلهث قائله:
طوفان كفاية… لازم تجهز عشان كتب الكتاب الوقت يا حبيبي
تذمر طوفان بغضب
ضحكت درة ضحكة خافتة وهي تضع يدها على بطنها:
استحمل يا حبيبي، انا كده أخاف ربنا يرزقنا ببنت تتحكم في حياتها قوي كده.
نظر لها طوفان نظرة امتزج فيها الحنان بالضيق، ثم قال بنبرة خافتة:
بنت هو لسه عرفنا نوع الجنين، ومعتقدش إنها بنت.
ردت بخفة ظل:
إحساسي بيقولى إنها بنت وإحساسي ما بيغلطش… وبعدين لو طلعت ولد هيتعلم منك العناد أكتر من اللازم.
اقترب منها، وضع يده على كتفها برفق قائلًا بصوت أكثر دفئًا:
لو طلعت بنت… مش هخلي حد يقرب منها ولا يزعلها… حتى لو كان ابنك يا درة.
ابتسمت درة بحنو وهمست وهي تنظر في عينيه:
وأنا عارفة يا طوفان… إنك بتخاف على كل اللي بتحبهم، بس ساعات خوفك بيخنق.
لم يُجب، اكتفى بأن جذبها نحوه برفق يحتضنها، وكأن صمته كان وعدًا بالهدوء… ولو مؤقتًا.
………******…….
بالمسجد. كان عقد قران
القي الشيخ عرفة كلمة إفتتاحية بسيطة،ثم شاور لـ طوفان وحاتم الذى لبى الإشارة وذهب نحوه سريعًا بينما طوفان تباطئ فى خطواته
أخفي الشيخ عرفة بسمته…
جلس الإثنين جواره، ابتسم لهما، كذالك هما لكن عبس طوفان حين تلاقت نظرته مع حاتم الذي يبتلع تحكُمات طوفان برغبة فى بداية جديدة مع جود التي فوضت الامر كله لـ طوفان وتحكُماته رغم عقد قرانهم لكن يعلم أن إعتراض واحد منه كفيل بإنهاء زواجهم قبل عودتهم مرة أخري…
تفوه الشيخ عرفة:
حطوا إيديكم فى إيدين بعض.
مد حاتم يده سريعًا… بينما طوفان تباطئ بمد يده، كما انه حين صافح حاتم ضغط عليها بقوة… بينما بدأ الشيخ عرفة بإشهار عقد القران الى أن إنتهي، سحب طوفان يده سريعًا يُصافح الشيخ عرفه وبعض المُهنئن… تعمد تجاهل حاتم، لكن غصبً تبادل معه المصافحة ونظرات توعد أنه لمجرد هفوة لن يجد الا تحكُمات وتعسُفات طوفان
❈-❈-❈
باليوم التالي
صباحً
بمنزل عزمي
عام مضي
لم يمضي بسهولة لا يوجد به شئ له قيمة سوا عودة ريان مُعافى من الإدمان الذي كاد يُهلكه لكن إرادة طوفان وتشجيعه له كان الدافع القوي الذي جعله يقاوم و …ويبدأ صفحة جديدة من حياته…
كان البيت الذي شهد الليالي الباكية ، يبدو الآن أكثر هدوءًا، وكأن الجدران نفسها تنفست الصعداء بعد عامٍ من العواصف…
لكن رغم التحسن الظاهر، ما زالت هناك نظرة حائرة في عيني ريان، كأنه يسأل نفسه:
هل الغفران ممكن… وهل يمكنه فعلًا نسيان ما فعله بنفسه… كان يسير نحو هاوية ساحقة، ربما كان لحق بـ وليد الى القبر أو كان سبقه الى الإجرام، لكن دخول طوفان بالوقت المناسب بدل مصير كان سهل أن يسحبه…
طوفان كان طوق النجاة والزائر الوخيد الذي كان يذهب له بين الحين والآخر، يزور كأخٍ أكبر… ساعده على النجاة…. لا كلمات كثيرة بينهما، فقط نظرات تفهم أكثر مما تُقال، وابتسامة صامتة كلما رأى فيه خطوة جديدة نحو التعافي… تعافي وعاد بشخصية أخرى
أكتر إتزانًا ومسؤولية، إنتهي من مرحلة التمرُد لمجرد الوجاهه… أصبح شابً ولابد أن يتحمل مسؤولية، ليس فقط مسؤولية نفسه بل مسؤولية والديه وبالأخص والدته التى أصبحت بلا عقل تقريبًا.
دلف الى غرفة والدته التى تعيش هي ووالده بنفس المنزل، لكن كل منهما له غرفة خاصة وليس له شآن بالآخر… جالت عيناه بالغرفه لم يجدها… ذهب نحو حمام الغرفة طرق قليلًا لم ياتيه رد شعر بريبة فتح الباب تفاجئ بعدم وجودها
نزل الى اسفل سريعًا ينادي على إحد الخادمات بصوت جهور، لكن قبل أن يسألها تنهد بإرتياح حين وجد سامية تدلف من باب المنزل وبيدها بعض ثمار الليمون وتوجهت نحوه قائلة:
جبت اللمون من الجنينة، وليد بيحب يشرب الليمون الصبح… على ما يصحي تكون الخدامة عصرته…
أخذت الخادمة الليمون منها… حذرتها سامية:
أعصريه وصفيه كويس وخلي بالك من القشر بيمرر طعمه.
اومأت لها بتفهم، بينما
غص قلب ريان حين نظر الى تلك الخدوش التى بيدي سامية،أخذها وصعد الى الاعلى وهو يحاول مجراتها حسب حديثها حسب قدرة عقلها،ذهب الى غرفتها آتى بحقيبة الإسعافات بدا يضمد تلك الخدوش وهي تبتسم له وهي تحكي عن وليد كانه مازال حيًا
ودموعها تسيل،كذالك هو سالت دموعه…نزلت دمعة منه فوق يد سامية توقفت عن الحديث ونظرت له بحنان وهي ترفع يدها تمسح دمعته قائلة:
بتعيط ليه…إنت مفكر إني مش بحبك أنا بحبك…خلاص مش هحكي عن وليد طالما بيزعلك.
غص قلبه بقوة وجذبها يحضنها،حضنته هي الاخري تربت على ظهره بحنان، يجعل قلبه يآن من الألم… من كانت صاحبة عقل واعي أصبحت بلا عقل تقريبًا… يخشي لو غابت عنه يخشي خروجها من باب المنزل الى الحديقة، فقدان عقلها قد يتسبب فى توهانها… هنالك خادمة تعتني بها خصيصًا…
بئس ذلك الشعور، لكن هو لن يتخاذل عن تلك المسؤولية أبدًا.
بعد وقت قليل أعطي لها العلاج الخاص بها، جعلها تنام كالعادة
ذهب نحو غرفة المكتب… وجد عزمي يجلس يقوم بمراجعة بعض الاعمال… ألقي عليه الصباح… جلسا قليلًا فى أثناء ذاك صدح هاتف عزمي، جذبه نظر للشاشة قائلًا بإستغراب:
ده رقم مش متسجل عندي… هرد أشوف مين.
بالفعل قام بالرد سُرعان ما سأمت ملامحه حين قال له الآخر:
أنا مأمور السجن اللى فيه زوجة حضرتك للآسف، حصل خناقة بينها وبين سجينة تانيه وإتطور بينهم وللآسف الإتنين ماتوا… بتصل عليك عشان تستلم جثة…
قاطعه عزمي بنبرة غيظ:
واضح إن حضرتك متعرفش إني طلقتها من مدة، فالبتالي علاقتي بها إنتهت… تقدر تشوف حد تاني من أهلها يستلم الجثة.
قال ذلك واغلق الهاتف ألقاه أمامه بغيظ وهو يشعر بالغضب والكُره… ظل صامتً للحظات يزفر نفسه بقوة وغضب، لاحظ ريان ذلك فسأله:
فى إيه يا بابا… ومين اللى كان بيكلمك.. وجثة مين.
نظر له عزمي بعصبية قائلًا:
موضوع إنتهي خلاص ومالوش لازمة مكالمة بالغلط… ممكن تسيبني لوحدي.
-بابا…
قاطعه عزمي بحسم:
ريان سيبني لوحدي بقولك.
استسلم ريان وغادر بينما عزمي يتنفس بغضب يشعر بعجز، ليته كان يستيطع السير كان ذهب مُسرعً الى تلك الحقيرة التى نالت جزاء خِستها… هي السبب أنه أصبح قعيد… ليس ذلك فقط بل كانت السبب فى فقدان إبنه الأكبر الذي مازال جرح فقدانه مفتوحًا ويعصف بقلبه… نالت ما كانت تسحق… أن تموت وسط مجرمات لا تختلف عنهن… وهو الآخر نال ما يستحق فقدان وليد الذي والس عليه والندم يغزوه ليته ترك العدالة هي من تُعاقبه ربما تبدل مصيره… لكن هو لم يفعل ذلك لمصلحة وليد بل كان لمصلحته، فهو ذو شأن كيف يكون لديه إبن مجرم… كذالك هو كان شريك بإفساد وليد… والعذاب الذي يعيشه يستحقه.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
كانت درة تُعد بعض الأغراض استعدادًا للـ الزفاف دلف طوفان يزفر نفسه… ضحكت درة ولم تحاول الحديث حتى لا يتعصب… جذبت فستان خاص بها… ثم توجهت نحو باب الغرفة بصمت، لكن قبل أن تفتح الباب تحدث طوفان:
رايحة فين.
أجابته:
رايحة أوضة جود،الميكب آرتيست هناك فى أوضتها…و
قاطعها يجذبها عليه بقوة قائلًا:
وإنتِ محتاجة الميكب آرتيست فى إيه…أوعي تحطي ماكياچ.
تدللت قائلة:
ومحطش مكياچ ليه، عشان أبقي حلوة.
نظر لها قائلًا بإطراء:
إنتِ حلوة من غير مكياج… وعلى فكرة المكياچ بيطلعك مش حلوة، عالطبيعة أحلي، فاكر ليلة جوازنا مكنش المكياچ حلو عليكِ.
ضغطت على اسنانها فضحك قائلًا:
فاكر الليلة دي كان قصدك إنك تظهري مش حلوة بأمارة البيجامة السودة.
تبدلت نظرة عيناها بمكر قائلة بدلال:
طب جهز نفسك الليلة هلبس بيجامة سودة.
ضحك طوفان قائلًا:
ومين قالك إننا هنبات هنا الليلة، إحنا هنبات فى الأوتيل اللى فيه قاعة الفرح… يعني مفيش بيجامات… لا بيضة ولا سودة… ولا كمان نوح، لانه هيفضل مع ماما.
نظرت له درة بتفاجؤ وكادت تعترض،وكاد يُقبلها لكن رنين الهاتف كذالك الطرق على باب الغرفة أنهي كل ذلك…
………******….
بغرفة جود
كانت تقف أمام المرآة بصمت… نظرت إلى انعكاسها طويلًا… فستان الزفاف الأبيض بدا وكأنه يُعيدها لسنواتٍ مضت، يومٍ كانت تبتسم فيه بخجلٍ مماثل لكن بمشاعر قلبٍ مختلفة، اليوم أكثر خجلًا وهي تُفكر أنها ليست تتزوج للمرة الأولى… أحاديث من حولها ربما تنتقدها… ذلك قد يسبب لها إنزعاج، لكنها رغبة طوفان… رغم انها الشئ الوحيد التي إعترضت عليه، لكن هو أصر على ذلك، وهي استسلمت مقابل موافقة حاتم…
اقتربت وجدان منها وهي تُعدل الطرحة فوق كتفها هامسة:
مالك يا جود وشك أصفر كده ليه المفروض إنتِ عروسة.
أجابت بصوتٍ خافتٍ وابتسامةٍ باهتة:
يمكن علشان دي مش أول مرة ألبس فستان زفاف… بس أول مرة أحس إني مش عايزة الناس تبص عليا كعروسة، نفسي اليوم يعدي بهدوء، من غير ضجة ولا نظرات شفقة.
تنهّدت وجدان بغصة تتمني أن يختلف حظ جود عنها…حين عادت لـ نوح…لم تجني غير البؤس،لكن انجبت جود وكانت لها مثل النسمة الهادئه بليالي جافة
.. ربتت على كتفها بحنو قائلة:
اللي راح خلاص، النهارده بداية جديدة يا جود، وربنا ان شاء الله يعوضك مع حاتم، هو بيحبك وأثبت وده كفاية.
اومأت جود ببسمة تتمني أن يثبت حاتم حقًا أنه تغير… ولا يخذلها مرة أخرى.
زادت بسمة جود حين دلفت درة بطفلها قائلة:
شوف يا نوح عمتوا عروسة زي القمر… قولها ألف مبروك.
تبسمت وجدان قائلة:
طوفان فين.
أحابتها وهي تضحك:
طوفان فى المكتب باين… ربنا يعدى الليلة على خير.
ضحكن ثلاثتهم..
بعد قليل
تجمد طوفان في مكانه للحظة، شعر بوخزة في قلبه، كأنه للمرة الأولى يرى في زفاف أخته شيئًا غير “الواجب والقبول”…
ذهب بخطوات بطيئة، نظر إليها وقال بنبرة خافتة تخالطها غصة:
عاوزك ترفعي راسك يا جود، عاوزهم كلهم يشوفوا بنت “نوح مهران” وأخت طوفان اللي وقف الدنيا عشانها.
رفعت جود عينيها نحوه، ارتسمت على وجهها ابتسامة ممتنة، همست بخجل:
شكراً يا طوفان… بس ياريت النهاردة تبقى هادي… علشاني أنا متوترة من غير حاجه.
تبادل الاثنان نظرة صامتة، مليئة بما لا يُقال…
قبل أن تقطع درة لحظتهما قائلة بمرح:
خلاص يا جماعة، العروسة هتبوظ الميكب من كتر الكلام العاطفي ده.
بعد قليل بقاعة العُرس كان حاتم لديه شعور مختلف عن الزفاف السابق… الليلة قلبه يدُق… حياة عكس السابق… الليلة يرا جود الحبيبة الرقيقة.
مر الزفاف بـسلام
بمنزل حاتم
الليلة إستقبلتها بدرية بأوراق الزهور تنثرها عليها وعبارات السعادة كذالك جذبت الملح تخشي عليهما من الحسد…
بعد قليل
بغرفة النوم
تبدل العفش، برغبة طوفان
لكن نفس الغرفة التى جمعتهما سابقًا… كانت جود أشد خجلًا… وحاتم أكثر هيامًا بها، وبطريقة أخري كانت بداية زواجهما… بداية عشق توغل من قلب حاتم وهو فى أوج لحظات إنتقامه فازت رِقة جود على جحود قلبه….والليلة كان البرهان…
حاتم متيمً وهي جودًا بالعشق.
❈-❈-❈
بعد إنتهاء الزفاف
بمنزل طوفان
صدفة أثناء سيره سريعًا
إصتطدام بفتاة… لم يسلم من لذاعة لسانها لكن استغرب أنها نادته بإسمه… تغاضي عن لذاعة لسانها ونظر لها بإعجاب قائلًا:
إنتِ مين… تقربي للعريس ولا للعروسه.
تهكمت باستهزاء قائلة:
لاء أقربلك إنت كمان…مش عارف أنا مين…أه نسيت ما إنت بقالك فترة كنت غايب عن هنا أكيد نسيت أهلك.
نظر لها بتمُعن وأتخذها بالشبة وتنهد بتذكر قائلًا:
إنتِ بنت عمتي كوثر…
توقف يفكر قائلًا:
بس مين فيهم.
أنقذه من لذاعة لسانها نداء
“ريم”
ابتسم قائلًا:
ريم…غزال…
لكن لم يكمل وهي ابتعدت نحو من كان ينادي عليها.
ابتسم بإعجاب وعيناه تتبعها..تنهد بخفقان قلب يجزم أن
كبوة ابدلت حياته من مصير الضياع الى مصير النجاة… وهنالك قصة بداية جديدة نشأت
حين ارتطمت نظراته بنظرات ريم وسط الزحام، أدرك أن القدر كتب سطرًا جديدًا في حياته… فكبوة عابرة تحولت إلى نجاة، واصطدام بسيط فتح له دربًا لم يكن يومًا في الحُسبان.
……..*****….
بالسيارة على الطريق
كان هنالك حديثً بود بين كريمان وكوثر يتحدثان عن جمال ورونق الزفاف…
كانت سجي تجلس جوارهن صامته، لكن تلاقت نظرتها مع نظرات باسل فى المرآة وهو يقوم بتعديلها لرؤية من خلفه ابتسم لها شعرت بالخجل…
لاحظن كوثر وكريمة تلك النظرة وذاك الخجل نمت بداخلهن أمنية أن يحصد أبنائهن السعادة
❈-❈-❈
بالفندق
تبسم طوفان لـ جلال الذي وقف معه ينتظر إقتراب درة وخلود
تبسم قائلًا:
فكرة حلوة أنا كمان حجزت أوضة فى الفندق هنا… من يوم ما خلود خلفت وانا عايش عالبوس وبس، عارف إنت السبب فى الحرمان ده.
ضحك طوفان سائلًا:
وأنا مالي بقي.
ضحك جلال قائلًا:
لما رجعت لها محَروق… ليلة حريق الهنجر… جود إتخضت قامت حِبلت من نفس الليلة دي، حِبلت من هنا وانا بقي عِشت عالرف، مره تحذيرات الدكتورة بلاش عشان صحة البيبي، مرة عشان منسرعش الولادة، حرمان… حتى بعد الولادة حرمان بسبب الولد.. وخد بقي.. الولد سخن… واخد تطعيم… وأنا فين.. بس انا بقى سربت الواد مع أمي وهستفرد الليلة بـ خلود هنا مش هتعرف تبعد عني بأي حِجة.
ضحك طوفان قائلًا:
لاء متقلقش هتقولك نرجع عشان الولد، أنا مجرب قبلك.
نظر له بسخط قائلًا:
بلاش تقُر… يلا خد مراتك وانا اخد مراتي وهفصل موبايلها وكمان انا قولت في الاستقبال ممنوع اي ازعاج.
…… ❈-❈-❈
بعد قليل بغرفة الفندق
وضعت خلود رأسها على صدر جلال…يسود الغرفة صوت أنفاسهم الصاخبة…
ابتسم جلال بإنتشاء يضمها بقوة له قائلًا:
أخيرًا ليلة هادية بعيد عن الحرمان.
ضحكت قائلة:
حرمان من إيه… إنت اللى طماع.
-طماع!
اعادها جلال بإبتسامه ، وبمكر بدل وضعهم أصبحت أسفله..نظر لها…شهقت قائلة:
بتفكر فى إيه يا جلال.
أجابها بغمز ولمسات جريئة قائلًا:
طماع بقى…..يس الليلة هعوض كل الحرمان.
ضحكت قائلة بمزح:
بلاش طمع، أنا مش باخد وسيلة منع حمل.
نظر لها بتفكير قائلًا:
وماله مجتش من ليلة… الليلة دمار يا خلود.
ضحكت وإستقبلت جنانه وهيامه بها، ولمساته وعشقه…
وخيالها سعيد .. هما كانا أولاد عم تربطهم صلة الدم…. حكايتهم تشبه آلاف الحكايات التي تبدأ بالقدر وتنتهي بالزواج… لكن بينهما شيء مختلف…عشقهما لم يكن التزامًا عائليًا، بل عشقًا خرج عن كل قاعدة، كأنه كتب ليكسر النمط ويفرض نفسه رغم العواصف.
❈-❈-❈
بعد مرور سنوات
بالشتاء
وقت شروق الشمس
بأسوان
كانت درة على سياج شُرفة تلك الغرفة المُطلة على ضفة النيل، وشاح رأسها يتطاير مع نسمات الجنوب الدافئة.. عينيها تلمع بانعكاس ضي شروق الشمس..
اقترب منها طوفان بخطوات هادئة، كأنه يخشى كسر تلك اللحظة.
قائلًا بنبرة دافئة:
عمري ما شفت النيل كده، ولا حسّيت إنه بيحكي غير النهارده.
ابتسمت درة بخفة، وردت وهي عينيها على المية:
يمكن علشان شايفه بعين رايقة… بعد ما سكتت العواصف.
ضحك طوفان بخفة، مدّ يده لها:
ولا يمكن لأن العاصفة لسه واقفة قدامي… بس أنا اللي اخترت أغرق فيها.
التفتت له ببطء، عيناها تحمل مزيج من الدهشة والعشق المكبوت.
ثم مدت يدها تمسك بيده، وقالت بصوت خافت:
الجنوب علمني إن الشمس حتى وهي بتغيب… بتسيب وراها نور.
مساءً
جلسا معًا على صخرة تطل على النيل، وصوت المراكب ، وأغنية نوبية يتعالى نغماتها من بعيد…مع صوت الموج وهو بيقبل ضفة النيل بهدوء، كأنه يروي له أسرار العاشقين. .. أمامهم النيل في ضوء القمر..
صمت طويل لكن مريح،
وضعت رأسها على كتفه، وهو لف ذراعه حولها بهدوء… كأن الليل بيغمرهم بدفء غريب،رغم النسمة الشبة باردة
في تلك اللحظة، دوّى صوت دف نوبي بعيد، وصوت مغنّي يغنّي بلُكنة الجنوب:
” يا عروسة النيل يا حتة من السما…. ياللى صورتك جوة قلبي ملحمة”
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام
العلمين “مرسى مطروح”
“وقت غروب الشمس واقف البحر بعيد
عمال بحكيله وأشكيله وأشرح وأعيد
فجأة لاقيتها وكنت فاكرها عروسة البحر
خارجة من الماية وطلتها أقوى من السحر
لما شوفتها قلبي دق 3 دقات
والطبلة دخلت لعبت جوا دماغي حاجات
لما الرق دخل قلبي رق وحنيت
طب هعمل إيه، روحت أنا غنيت
أمتى الحب طال قلبي ولا في الخيال
عودك ده فيه يتقال موال
ويا عيني ياه، يا سيدي على الأيام
لما تهادي قلوبنا غرام فجأة يهون كل اللي فات
ولاقيت جوايا خناقة كبيرة قامت على طول
عقلي يعقلني وقلبي يقولي “روحلها قول”
مخدتش ثواني وكان قلبي طالع كسبان
روحت وقولتلها، إن أنا ولهان”
بتلك الكلمات كان يشدوا حاتم بنبرة شجية، رغم غلاظة صوته لكن معني الكلمات غزا القلب…
تبسمت جود وهو يقترب منها ينظر الى تلك اللوحة الموضوعة فوق حامل خشبي، نظر لها بإنبهار قائلًا بإشادة:
روعة أوي، اللوحة تجنن.
إبتسمت قائلة:
بجد.
اومأ بتأكيد قائلًا:
روعة شوية عليها.
ابتسمت قائلة:
بقي عندي مجموعة لوح، بفكر أعمل معرض لوح هنا… “العلمين “بقيت مزار سياحي مهم.
أومأ لها بتشجيع قائلًا:
متأكد المعرض الجاي هيبقي أقوى وانجح من المعرض اللى فات.
إبتسمت له قائلة:
بجد…
أكد برأسه… وضمها قائلًا:
أكيد… بس خلينا ندخل جوة..
الجو برد، بقينا المسا.
ضمت نفسها له قائلة:
إحنا فى البلكونة… كمان النهاردة الجو كان دافي والشمس كانت طالعة عكس الايام اللى فاتت.. كانت ضباب وغيوم.
نظر لها وفكر للحظات:
كم كانت حياته” ضباب وغيوم”
قبلها… هي أزاحت ذلك، وأشرقت شمسً دافئة فى قلبه.
اثناء ذلك صدح صوت بكاء صغير… قريب منهم
تبسمت جود قائلة:
بنتك صحيت خلينا ندخل لها…
تبسم الإثنين على تلك التى تحدثت لهما بإنزعاج قائلة:
الجو برد واقفين فى البلكونه وقصادكم البحر كمان…كمان سايبن البنت كده تعيط…تعالي يا قلب تيتا دول عندهم تناحة لكن إنتِ رقيقة.
ضحكت جود ودلفت وخلفها حاتم يحمل اللوحه ضاحكًا…
تبسمت جود حين رات جلوس بدرية تحمل طفلتهم الصغيرة كذالك يجلس جوارها طفلهم الآخر تحتاط بهما…
لمعت عيني حاتم بسعادة رغم غصة قلبه على فُراق والده منذ عامين تقريبًا ومن وقتها وبدرية تشاركهما حياتهما… تهتم بهما، وطفلهما الاول كأنها نسيت وجع الفُراق… أو بالأصح كان ذلك هو النسمات الطيبة التى مست قلبها فأهدأت قسوة وجفاف الفُراق بشمل جديد.
❈-❈-❈
بمنزل الشيخ عرفه
مازال يقوم بتحفيظ القرآن الكريم للأطفال… أجيال خلف أجيال… وهو يجود عليهم بتحفيظ وتجويد القرآن…
بالداخل
إستقبلت زوجته درة ومعها طوفان بترحيب
ثم جلست معهم قائلة:
الشيخ زمانه قرب يخلص تسميع… أها ملحقتش أخلص كلامي.
تنهد الشيخ عرفة وهو يجلس بإرهاق قائلًا:
الجيل ده مُتعب أكتر عيال أشقية جت عندي من يوم ما بدأت فى تحفيظ القرآن.
ابتسمت درة وطوفان وهما يتذكران نفس الجملة كان يقولها لهما وهما صِغار.
لاحظ عرفة بسمتهما فقام بذمها:
بتبتسموا على إيه…
أه عشان إبنكم البكرى”نوح”الولد شقي جدًا بس للآسف كل ما أحاول أمسك عليه غلطة مش عارف.
تبسمت زوجة الشيخ عرفة قائلة:
مش إبن طوفان و درة… الإتنين من حفظة كتاب الله.
أومأ الشيخ عرفة بتأكيد قائلًا:
طول عمري أقول الكُتاب بتاعي بيأسس دكاترة وشخصيات كبار الشأن.. مش بس طوفان ودرة كمان فى غيرهم.
ابتسمت درة وفتحت حقيبة يدها أخرجت ثلاث علب صغيرة قائلة:
أنا غيرت عدسات النضارة بتاعتك حسب المقاسات الجديدة كمان جبت لك واحدة تانية إحتياطي، كمان جبت نضارة الحجة.
أخذ الشيخ عرفة منها العلب قائلًا:
كويس إنك جبتي نضارة الحجة أهم من نضارتي… خدي يا حجة النضارة ألبسيها وإنتِ بتنقي الرز عشان تشوفي الدنيبة من الرز… بقينا بناكل الرز بالدنيبة.
تذمرت زوجته بمرح قائلة:
جرا ايه يا شيخ مكنتش مرة.
ضحك طوفان ودرة.. وجلسا معهما لوقت قليل وأستأذن الشيخ وأخذ طوفان معه لغرفة أخرى وظلت درة تتحدث مع زوجته…
بعد وقت قليل
وقفت درة بالحديقة تبتسم…
بينما طوفان يخرج من تلك الغرفة… ابتسم هو الآخر
الاثنين كأن الماضي يُعاد أمامها الآن
نوح يقف على السلم جوار طوفان… وطفله أخرى صغيرة تصعد السلم دون إنتباه منها تتطرف نحو الحرف، سريعًا تحدث نوح:
“حاسبي حرف السلم هتقعي”
لكن إختلف الحاضر عن الماضي،إنتبهت الطفلة وإبتعدت عن الحرف وصعدت تقف جوار نوح قائلة:
المرة دي حفظت الوِرد اللى قالي عليه الشيخ عرفة وهاخد بونبون وشيكولا وإنت كمان هتديتني اللى هو هيديهم لك.
ضحكت درة كذالك طوفان وذكري الماضي… تُعاد… ربما ترسم مستقبل… فهل يتشابة القدر مثلما تشابك مع “طوفان الدرة”
يخلق مستقبلًا
…. ملحمة طوفان هزمة العشق…
{تمت بحمد الله}
خلصتي؟ الرواية الجاية أقوى وأحلى… تعالي وعيشيها معانا👇
